مجالس العجمان الرسمي

مجالس العجمان الرسمي (http://www.alajman.ws/vb/index.php)
-   المجلس السياسي (http://www.alajman.ws/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أبن لادن والجزيرة وأنا (http://www.alajman.ws/vb/showthread.php?t=3494)

هداج تيما 17-05-2005 04:57 PM

أبن لادن والجزيرة وأنا
 
الإهداء
إلى والدي الكريمين، حفظهما الله، الذين علماني من صغري قول كلمة الحق، والوقوف معها، مهما تطلب ذلك من تضحية.
أهدي ثمرة جهدي رجاء دعوة صالحة منهما عوداني سماعها، وكانت مشعلاً لي في الغربة، ومعيناً بعد الله في الشدة، فرج الله بها عني كرباً لم أكن لأحتمل مواجهتها وحدي.
وإلى روح شقيقي الذي أحتسبه عند الله شهيداً، وكان نبراساً لي في صغري، حاول أن يرعاني ويتعهدني، لكنه سافر بعيداً عنا، ملتحقاً بكتائب المجاهدين للذود عن شعبنا في لبنان، ثم ..جاءنا خبر استشهاده.
وإلى زوجتي وأطفالي الذين تحملوا معي هذه الغربة، وكانوا صابرين في المحنة والشدة، ولم تزدهم المعاناة إلا تمسكا بالحق.
وإلى الشيخ عبد الرحمن بن عمير النعيمي السجين في قطر دون تهمة أو محاكمة، لصدعه بالحق، وإلى العلماء والدعاة إلى الله المغيبين في السجون ظلما وعدوانا، لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله، وإلى كل الصابرين والمصابرين والمرابطين في الأرض لكلمة حق قالوها، أو موقف صدق وقفوه أمام الباطل، والذين لا يتسع المقام لذكرهم، لكن يكفيهم أن الله يذكرهم ويعرفهم، وهو الوحيد القادر على أن يجزيهم أجرهم. إلى كل هؤلاء أهدي هذا الكتاب، رجاء دعوة صالحة منهم.

جمال عبد اللطيف إسماعيل
jam9361@hotmail.com
إسلام أباد ـ باكستان


*****


محتويات الكتاب
المقدمة

الفصل الأول
محاولات الجزيرة اللقاء مع أيمن الظواهري لابتزاز الحكومة المصرية

الفصل الثاني
المحاولة الثانية لمقابلة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري
لا يهمنا أمره، موعد جديد ، أهداف لها ما وراءها، خبر يثير المخاوف، تردد وهواجس أمنية، إفشال المحاولة ومغالطات من الجزيرة، وهكذا سبقنا الأمريكي.

الفصل الثالث
المحاولة الثالثة بعد القصف الأمريكي على أفغانستان
أسامة لم يصب بأذى، موافقة على التصوير، اعتقال في منطقة القبائل.

الفصل الرابع
محاولات جديدة للجزيرة لابتزاز مصر
شخص غير مرغوب فيه، طلب من الجزيرة وإصرار على الابتزاز، دعوة لشرب الشاي، مؤامرة داخل السفارة، محاولة للإيقاع بنا، ألقوه في غيابت الجب، وجهود مضادة، وانقلب السحر على الساحر، إصرار على الافتراء، الاعتذار، عذر أقبح من ذنب، ما أريكم إلا ما أرى.

الفصل الخامس
كيفية الوصول إلى أسامة بن لادن في أفغانستان
اتصال من قندهار، اتصالات مع الجزيرة وتردد بالموافقة، الرحلة ابتدأت، لقاء مع العرب، مكان اللقاء، في عش النسر.

الفصل السادس
نص المقابلة مع أسامة بن لادن
من هو ، الأهداف والمطالب، الموقف من الأمريكان، أتخشونهم، الهجوم القادم، أين انتم،حقيقة أم تهويل، قصة المرض، خدعة أم ارتباط، أسلحة الرعب الإسلامية، محاسبة أمريكا، الطالبان أحبابنا، نيروبي ودار السلام: أوكار الإرهاب، لنا حق في قتلهم وقتالهم، ادعاءات أم اعتراف، عقمت النساء أن يلدن مثله، حتى ينفضوا، السير ضد التيار، أسباب القعود، شراء الذمم، قادة أم رعية، جنود لشرع الله، أنا والأمريكان أيام زمان، الشبكة الدولية، تعالوا إلى كلمة سواء، مقدسات في حراسة المومسات، أكبر سرقة في التاريخ : فاقطعوا أيديهما ، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ، احرث وادرس لبطرس، الساكت عن الحق، نصرت بالشباب، وذكرهم بأيام الله.

الفصل السابع
الجزء الأول:اللقاء مع الدكتور أيمن الظواهري
الدكتور الظواهري، أمانة، أيمن الظواهري في أفغانستان، الهجرة الدائمة، العودة إلى أفغانستان، المعركة ابتدأت، قيود أشد من القصف، على غير موعد.
الجزء الثاني: نص المقابلة
هذا أنا، وهذه جماعتنا، التجربة الأفغانية، نحن واليهود، من المستفيد، سياح أم قوات غزو، وحرض المؤمنين، . . . والبادئ أظلم، دمنا على أكفنا، رمتني بدائها وانسلت، هذه هي المشكلة، سجن سجان وسجون، ويل للمطففين، خروق واختراقات، وتقطعوا أمرهم بينهم، بعضهم أولياء بعض، على العكس، كما يقاتلونكم كافة.


الفصل الثامن
ما بعد المقابلتين : الجزء الأول
لماذا لم تبث الجزيرة المقابلات؟، لا للبث المباشر! ، الجزيرة: المقابلة ليست للسبق الصحفي!، عروض مغرية من الأمريكان،ووعود من الجزيرة لم تتحقق، أحقاد وولاءات منعت النشر، فرفور . . ذنبه مغفور!، أسباب رفض البث، براءة من السبق الصحفي، بعدما فات الأوان، فليستأذنوا أسيادهم، يلوون ألسنتهم، بداية التسريب، تحقيق في الجزيرة.
الجزء الثاني
عملية شراء، أكاذيب وتبريرات، تبريرات جديدة، مساومة وإغراء، مهمة قاتلة، خمسة عشر مليون دولار، سفارات تطلب إبعادي، رد مقنع، محاولة شراء أخرى.

الفصل التاسع
اختفاء أسامة بن لادن في أفغانستان!
أجواء ملبدة بالغيوم، تهديدات أمريكية، خبر يقلب الأوراق، مباحث أمن الدولة:فرع الجزيرة، صفعة على الوجه، محاولة ثانية، وصفعة جديدة، تعامل مهني، سبق ملأ الآفاق.

الفصل العاشر
برنامج الجزيرة: تدمير القاعدة!!
أصل الفكرة، محاولة التفاف، انكشاف الخطة، البرنامج الموعود ، ونجحت الحيلة ! دعاية وبيان صحفي، طلب من المدير ، تنبيه من طالبان، تساؤل مطروح للجزيرة، توقيت البرنامج، نقاش صحفي، حول موضوعية البرنامج.

الفصل الحادي عشر
محاولات الهجوم على أفغانستان في أغسطس 1999
كوماندوز أمريكان في إسلام أباد، تأكيد الخبر، طالبان لديها معلومات، استنفار ودعوة للمواجهة، قنبلة تتفجر في موعدها، رصد دبلوماسي، ومتابعة أمريكية، تأكيدات أمنية، مواجهة مع وزير، أزمة مع الحكومة، الجزيرة تبحث لنفسها عن مخرج، تعليمات المدير.

الفصل الثاني عشر
قرار الإبعاد من باكستان
الحكومة في وضع حرج، استدعاء وتحقيق، تهديدات الوزير، أمر بالإبعاد، رشاوى لإبعادي،إلغاء البطاقة الصحافية،دور الصحافة الحرة، معركة قضائية، القرار أمريكي، موقف الجزيرة من قرار الإبعاد،، مراوغة وخداع، وحدثت المفاجأة . . . انقلاب عسكري يطيح بالحكومة، صواريخ في إسلام أباد، رأس الأفعى، دسيسة جديدة . . . لكنها فاشلة.
*****



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين { التوبة:119.
} يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون { المائدة:8.
} واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون { الأنفال:26.
يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
هذا الكتاب، ليس مذكرات شخصية، وإن تحدثت فيه عن عدد من الوقائع والأحداث التي مررت بها في هذه المنطقة من العالم. وليس محاولة لتقييم قناة الجزيرة وإن تحدث عن بعض ممارسات إدارتها في قضايا مهمة، وتتعلق بحياة أشخاص لهم دورهم ومكانتهم والعالم لا زال يترقب ما يصدر عنهم أو منهم .
الكثير من الناس كانوا ينتظرون مثل هذا الكتاب لرغبتهم بمعرفة السبب وراء عدم بث قناة الجزيرة مقابلة الشيخ أسامة بن لادن ومقابلة الدكتور أيمن الظواهري، اللتان أجريتهما معهما في كانون الأول1998 في أفغانستان، وكنت أول صحفي يصل إليهما بعد القصف الأمريكي على كل من أفغانستان والسودان. وهؤلاء المتشوقون لمعرفة ما كان في المقابلتين ولماذا لم تبثهما الجزيرة، لا يعلمون بالطبع لماذا اختارت الجزيرة ذلك التوقيت في حزيران من عام 1999 وبعد قرابة نصف عام على المقابلة، لبث برنامجها الذي سمته (تدمير القاعدة!!) ويظن كثير من الناس أن الجزيرة بهذا البرنامج خرجت على المعهود في إعلامنا العربي وقدمت أسامة، أو أنها طرحت فكراً وقضية لم يكن أحد ليطرحها !!
قليل من الناس يعلمون أن الجزيرة في وقت ما كانت تسعى جاهدة لمقابلة الدكتور أيمن الظواهري في أفغانستان ولو كلفها ذلك عشرات الألوف من الدولارات، وحاولت أن تبث اللقاء على الهواء، (مع ما في ذلك من مخاطر أمنية تتهدد الطرف الآخر، لإمكانية رصد البث من قبل الأقمار الصناعية وتحديد الموقع) وذلك حين كانت العلاقات القطرية ـ المصرية في ترد شديد، لكن ولأسباب تتعلق بالجزيرة وأخطاء من بعض من فيها ـ بينتها في هذا الكتاب ـ لم تتم هذه المقابلة التي حرصت الجزيرة على تغييبي عن الإعداد لها رغم أنها كادت أن تقع في المنطقة المطلوب مني تغطية أخبارها للجزيرة.
تحدثت في هذا الكتاب بشيء من التفصيل،وليس بكل ما لدي من معلومات،عن محاولات الجزيرة اللقاء مع الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، وبينت فيه ما ظهر لي ومن خلال الاتصالات التي كانت تجري بيني وبين إدارة الجزيرة بعد أن تمت المقابلات، أن هذه الإدارة لم تكن تسعى في هذه المسائل لنشر الحقيقة، أو حتى السبق الصحفي بقدر ما كانت تسعى ـ بكل أسف ـ للتجارة بدماء الناس وأرواحهم ومحاولة النيل من هذا الطرف أو ذاك، أو الحصول على ورقة ضغط تستخدمها ضد هذا البلد أو ذاك، وهي في ذلك لم تكن سوى أداة على صلة بجهات أقل ما يقال عنها إنها لا تريد خيراً لأمتنا وآمالها وتطلعاتها، تنسق معها وتخدم أهدافها، بل وأحيانا تأتمر بأمرها. ولا زال في عالمنا العربي من يظن أن الجزيرة هي واحة الحرية في سماء الإعلام العربي!!!
أنا لا أنكر أن قناة الجزيرة فتحت هامشاً من الحرية! لم يكن موجوداً في العالم العربي من قبل، لكنها مع هذا الهامش الذي أسيء استغلاله أحياناً، فتحت الأبواب على مصاريعها للأعداء كي يدخلوا إلى بيوتنا وفي عقولنا ومن خلال محطاتنا الإعلامية، وكل ذلك بحجة الموضوعية وذريعة المهنية التي يتشدق بها بعض من في إدارة الجزيرة والذين لا يفقهون في المهنية أو الإعلام شيئا ولم يكن لهم حظ من علم أو عمل، لكن وضعوا (بقدرة قادر وفي ظروف غامضة) في مناصب هم ليسوا لها بأهل، فضلوا وأضلوا، وأفسدوا أكثر مما أصلحوا.
لست من دعاة تكميم الأفواه، أو قمع الرأي الآخر، والذي تمارسه الجزيرة علناً جهاراً نهاراً،وتتشدق في النهاية بأنها منبر للرأي والرأي الآخر، وهي بذلك مثل الغالبية العظمى من المنابر الإعلامية الرسمية والخاصة في العالم العربي أو كثير من الصحافة المهاجرة، ولو كنت من الذين رضوا بسياسة تكميم الأفواه ما اغتربت عن بلادي وعشت فوق فوهة بركان، ولست مع من ينادي بإغلاق محطة الجزيرة لأنها أساءت إلى هذه الحكومة أو تلك في عالمنا العربي.
مسألة السبق الصحفي ومن خلال تجربتي مع الجزيرة لم تكن هدفاً أو دافعاً في تغطيتها لأخبار المنطقة التي غطيتها (باكستان ، كشمير، أفغانستان) وبعض الأدلة على ذلك مسطورة في هذا الكتاب، ومنها ما لم أذكره لعدم تعلقه بموضوع الكتاب الذي خصصته للحديث عن محاولات الجزيرة مقابلة أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري أكثر من مرة، وحينما تمت المقابلة لم تبث الجزيرة منها إلا النزر اليسير وعلى استحياء ولم تنسبه لنفسها أو لمراسلها وهو حقه في السبق الصحفي حيث قالت في تقديمها لخبر من المقابلة (في مؤتمر صحفي عقده في أفغانستان أسامة بن لادن يصرح ...)، بدلا من قولها:(في أول مقابلة وخاصة بالجزيرة بعد تعرض مقره للقصف الأمريكي أسامة يصرح ..)، أو في خبر اختفائه من أفغانستان الذي استطعت الحصول عليه قبل أي جهة في العالم حيث رفض رئيس تحرير الجزيرة نشر الخبر إلا بعد أن يستوفي ما طلب منه من جمع معلومات أمنية حول صاحب الخبر وصلتي به وصلته بالحكومة الأفغانية وصلته بفلان وفلان . . !!! أو غيرها من الأخبار التي اضطر مدير الجزيرة عندما راجعه من له كلمة على الجزيرة وتوجهها أن يطلب من محرري الجزيرة عدم بث أي خبر مني إلا بعد عرضه عليه أو على رئيس تمريره، عفواً تحريره، حتى لو حرم هذا الخبر الجزيرة ومراسلها من السبق الصحفي، وللظنون أن تذهب بالقارئ كل مذهب حول من سيطلعون على مثل هذه الأخبار ويؤخذ رأيهم فيها قبل نشرها!
لم أجعل هذا الكتاب للبحث في كل ما تبثه الجزيرة أو ما يتعلق بها، فهذا له جهد آخر وروايات متعددة من أفواه من كانوا، ولا زال كثير منهم يعملون في الجزيرة حيث أدلوا بشهاداتهم، فيما يعملون لإخراجه قريبا في كتاب بعنوان ((قناة الجزيرة: رؤية من الداخل))، وإنما قصرته على تجربتي الخاصة وفي موضوع محدد وما تعلق به، ولم أذكر أموراً كثيرة كانت الجزيرة تريدني القيام بها خارج منطقة عملي، وكان متوقعا أن ألقى فيها حتفي مع من طلب مني الذهاب لمقابلتهم، وفيها دلائل على ما كانت تسعى إليه من ورائها.
بعض الناس في باكستان وخارجها حسدوني على ما أنجزته من أخبار متفردة حتى من باكستان نفسها، كان من ضمنها:(أنني نقلت خبر إجراء باكستان تجارب نووية حتى قبل أن يذيعها راديو باكستان بنصف ساعة وقبل أن تذيعه أي جهة في العالم بساعة ونصف، ولم تذعه الجزيرة وقتها، وعدد من الأخبار غيره). ومنهم من رأى فيما نشرته عن وجود الكوماندوز الأمريكان في باكستان قبل هجومهم المقرر على أفغانستان بساعات تسرعاً وتهوراً، يؤدي إلى عواقب وخيمة كالتي وقعت فعلا لي. حيث كاد نشري للخبر أن يطردني من باكستان، لكني لم أعبأ بما قالوه أو ظنوه.
لا أنكر أنني أهوى المغامرة من صغري،
متمرد لم يرض يوما أن يقر على عذاب
عرنينه بلغ السماء وأنفه نطح السحاب
تربيت في جو كانت أبيات شاعر الجهاد والاستشهاد في فلسطين، ابن بلدتنا البار ونجمها المتلألئ دائماً، الشهيد البطل عبد الرحيم محمود، تجلجل في كل مكان نذهب إليه ونحن صغار، ويحفظنا إياها الكبار في بيوتنا وقبل أن ندخل المدرسة:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
*****
إذا قلت أصغى لي العالمون ودوى مقالي بين الورى
لعمرك إني أرى مصرعي ولكن أغذ إليه الخطا
أخوفا؟! وعندي تهون الحياة وذلا؟! وإني زعيم الإبا
وبين هذه الأبيات وغيرها كانت دائما كلمات والدي، حفظه الله، وشقيقي الذي أحتسبه شهيداً، يرحمه الله، ترن في أذني تحثني على الشجاعة والتضحية والوقوف مع الحق مهما كانت العاقبة في الدنيا.
عشت مع أقراني جواً مشحوناً بالمواجهات في فلسطين المحتلة، حيث كنا طلاباً نسير في مظاهرات أصبحت زادنا شبه اليومي، فغرست التضحية والمواجهة في نفوسنا، وانتقلت منها إلى بيشاور لإكمال الدراسة في جامعتها حيث رأيت فيها أناساً لم أرهم في حياتي، ولم ألحظ أشد منهم عزة وإباء وشجاعة فيمن رأيت، وإن اختلفت معهم أحياناً في الرأي والرؤيا، وبين أهلي ومواجهاتهم اليومية في فلسطين، وهؤلاء الناس قضيت سنوات من شبابي، وبدأت العمل في مهنة الصحافة، فكانت كتابة بالدم، ومسيرة بين حقول ألغام لم أسلم من شظاياها، أتاحت لي فرصة التعرف على كثير من الأمور والنفوس والعقليات، والسياسات، وكشفت لي بفضل الله كثيراً مما تسعى إليه هذه الجهة أو تلك، وكان للثقة التي أولاني إياها كثير من الناس لصدقي معهم ومهنيتي، أثر كبير في الحصول على أخبار لم يحصل عليها من هم أقرب نسباً أو فكراً أو قومية لهم مني.
أحيانا، كنت أوقن أن هناك مخاطر تنتظرني،جراء نشر خبر ما، أو التعليق على قضية ساخنة. لكنني كنت دائماً أذكر قول الله تعالى:
} قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون { التوبة:51
ولم أتوان في نشر ما أعتقد أنه حق، وأن من الأفضل نشره، وأعتقد جازما أن الله سخرني بما نشرت لحماية شعب من عدوان، وصيانة علاقة بلدين من الانهيار، وأسأل الله أن تكون منه المثوبة والأجر وأن يجعل هذا في ميزان حسناتي يوم ألقاه، يوم لا ينفع مال ولا بنون. ورغم ما قد تعرضت له من أذى أو مضايقات، فلم أجد أشد حلاوة من عمل قمت به مثل تلك الأخبار التي نشرتها، وأعتبر نشري إياها وفي وقتها توفيقاً من الله عز وجل، وأجد العالم كله وبعد لأي من الوقت يؤكد صحة ما نقلته من أخبار، وهذا أكسبني مصداقية وتميزاً لم يكونا ليحصلا لي لو تقاعست وانزويت خشية العواقب!!
لقد جاءني من يحذرني مراراً من عواقب ما أنشر، ومن محاولات قد تقوم بها جهات للتخلص مني، أو على الأقل، لإبعادي عن هذه المنطقة الحساسة من العالم، ويطلب مني عدم نشر أي كتاب عن هذه المسائل، فلم يزدني هذا الأمر إلا عزماً وتصميماً، متمثلاً بقول الله تعالى:
} أتخشونهم ؟فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين { التوبة: 13.
وتذكرت قول الشاعر:
أخاف؟! وكيف يخاف الجهــــــور بطلقته طلقة كاتمة؟؟!!
بعض الزملاء من الصحافيين الذين عملوا في مؤسسات إعلامية كبيرة أصبح يواري دينه، ويحاول قدر ما أمكن عدم إيضاح هويته، رغم أن غيره علمانياً كان أو يسارياً أو غير ذلك ، يجاهر ويعلن على الملأ ما يعتقد به، وأصبح حالنا في كثير من الأحيان كمن يتدسس بدينه تدسساً،وقد سمعت من بعضهم كلاما (ينصحني) بمحاولة عدم إبراز ما أعتقده مطلقاً، حرصاً على متاع زائل، أو منصب قد أناله، أو غير ذلك. وكلما سمعت كلام بعضهم تذكرت ما كتبه شهيد القرآن سيد قطب رحمه الله في مقالة له بعنوان (الإسلام يكافح) في كتاب دراسات إسلامية :
(( كن مسلما فحسب. فهذا وحده كاف لأن يدفعك إلى كفاح الاستعمار في شجاعة واستماتة واستبسال، فإن لم تفعل، فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً في حقيقة إيمانك. وإلا فما صبرك عن كفاح الاستعمار؟!
كن مسلماً فحسب. فهذا وحده يكفي لأن يدفعك إلى كفاح المظالم الاجتماعية جميعا . .كفاحاً دافقاً فائراً. فإن لم تفعل، فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً في حقيقة إيمانك. وإلا فما صبرك عن كفاح العدوان؟!
كن مسلماً فحسب.فهذا وحده يكفي لأن يدفعك إلى كفاح الطغيان في صلابة واستهانة بقوى الذباب الذي يحسبه الضعاف من العقبان! فإن لم تفعل فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً في حقيقة إيمانك. وإلا فما صبرك عن كفاح الطغيان؟!))
وقناعتي أننا مهما عملنا ودارينا وأخفينا فإن الحال لن يتغير، إلا إذا انسلخنا من ديننا ومروءتنا، بل وحتى إنسانيتنا :
} ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير{ البقرة:120
إنني فخور بأن شرفني الله وجعلني مسلماً قبل أن أكون صحفياً وقبل كل شيء:
لم يزل في خاطري أن الذي قوض الرومان بالرمح أبـي
وجـواداً قـبلت حـافـره لـجة البحر تجـاه المغـرب
ومـلـوك الصين تهدي تربــــها لـفـتانا في صحاف الـذهب
*****
كل الحوادث نالتنا مصائبها ولم يزل عندنا عزم وإيمان
بأننا أمة قامت على أسس بهن يثبت دون الهدم بنيان
باتت على هامة التاريخ رافعة نور النبي لمن ضلوا ومن بانوا
وقناعتي أن الصحفي رائد، وإن الرائد لا يكذب أهله، وإن من حق شعوبنا علينا أن نخبرها الحقيقة وفي وقتها، وألا ندعها تخدع من أي جهة كانت، ومن هذا الباب وإيضاحاً لما أرى أنه حق كتبت هذا الكتاب، بعيداً عن تأثير أي جهة كانت، بل إن عدداً ممن علموا بشروعي بالكتابة في هذا الموضوع حاولوا تثبيطي بحجة أو بأخرى.
وهذا الكتاب ليس سوى جزء من شهادة على واقع عايشته، وتجارب مررت بها، لم تكن هي البداية وليست هي نهاية المطاف، لكنها منعطفات يمر بها الإنسان، سطرتها قبل أن يطويها النسيان، أقدمها شهادة مني أتحمل مسئوليتها أمام الله في الدارين، وقد أدرجت فيه النص الكامل للمقابلات التي عملت إدارة الجزيرة عامدة وبالتنسيق مع جهات خارجية على طمسها، (وباعت جزءاً منها لمحطات أمريكية كما قال مدير الجزيرة في مقابلة صحفية معه بمئات الآلاف من الدولارات، لم يذهب عشرها إلى رصيد المحطة كما قال مسئولون ماليون في الجزيرة!!) لتحرم المشاهد العربي من رؤية وسماع كلام موجه له أصلاً، ويتعلق بأحواله ومصيره وما يراد له. وقد قسمت هذه المقابلات إلى عناوين فرعية انتزعتها من كلام أصحابها(مع قناعتي أن ذلك ربما قد لا يروق لبعض الجهات) وذلك تسهيلا للقارئ لمعرفة محتويات هذه المقابلات حسب مواضيعها، وحتى لا يمل القارئ من متابعة المقابلة دون عناوين فرعية فيها خاصة وأنها مقابلات مطولة امتدت على عشرات الصفحات، وأتبعتها بما حدث من أمور بعد هذه المقابلات، واقتصرت على ذكر ما أعرفه من هذه المسائل بنفسي ومن خلال اتصالاتي مع إدارة الجزيرة، ولم أشأ أن أدرج كثيراً من الروايات التي سمعتها من الزملاء العاملين داخل قناة الجزيرة فيما يتعلق بهذه المسائل ولم أكن مطلعاً عليه، تاركا هذا الأمر للكتاب الذي بدأ بعض الزملاء في إعداده حول ((قناة الجزيرة : رؤية من الداخل))، ففيه تفصيل إن شاء الله لكثير من الأمور ووضع للنقاط على الحروف في كثير مما يتعلق بالجزيرة.
ومع هذا وذاك فإنني من خلال تسطيري هذا الكتاب لم أقصد معاداة أحد، أيا كان، وإنما هي أمانة الكلمة ومسئوليتها، دفعني الحرص على أمتي وديني لأن أسطرها في هذا الكتاب، لعل فيها توضيحا لمواقف وإبراءً لذمة، وبيانا لمواقف، التبس على كثير من الناس فهمها، في عصر توالت فيه الأحداث، واختلطت فيه الأمور، وأصبح من الصعب على كثير ممن لم يلم بأطراف المواضيع، وبرواية من أصحابها، فهم ما يجري حوله، وكما جاء في الحديث وصفا لمثل هذا العصر أنه :"يجعل الحليم حيرانا ".
وقد عمدت إلى جعل فصول الكتاب متسلسلة حسب الواقع الزمني لها وتسلسل الأحداث فيها، وإن كان بعض من أحب واطلع على مسودة الكتاب نصح بتغيير في ترتيب الفصول، مقترحاً علي إعادة ترتيبها حسب المضمون والمحتوى بدلاً من الترتيب الزمني للأحداث. كما نصحني هؤلاء الأحبة بأن أجعل المقابلتين مع الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري أول فصول الكتاب، لأسباب تهم القارئ الكريم، لكنني آثرت إبقاءهما مرتبتين بعد فصول المحاولات الفاشلة التي قامت بها الجزيرة لمقابلتهما، وذلك لما أراه من تسلسل للأحداث في هذا الكتاب.

أسأل الله أن يكون في هذا الكتاب وما حواه فائدة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وأرجو القارئ الكريم ألا يحرمني دعوة صالحة في ظاهر الغيب، أسأل الله أن يتقبلها منه ومنا أجمعين. وأن يغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا، إنه سميع مجيب.

جمال عبد اللطيف إسماعيل
jam9361@hotmail.com
إسلام أباد ـ باكستان

*****












الفصل الأول

محاولات الجزيرة اللقاء مع أيمن الظواهري
لابتزاز الحكومة المصرية!!














اتصال غريب:
مساء أحد الأيام في رمضان من عام 1418 للهجرة الذي صادف في الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني عام 1998م تلقيت مكالمة هاتفية من مسئول في قناة الجزيرة تفيد بأن أحد كبار المذيعين في المحطة ومصوريِن آخرين في طريقهما تلك الليلة إلى إسلام أباد وأنهم سيصلون في الصباح، وطلب مني المساعدة في نقلهم إلى فندق كونتيننتال الذي قال محدثي إنه في إسلام أباد، فصححت له المعلومة بأن الفندق في مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة الباكستانية وأن إسلام أباد لا يوجد فيها أي فندق كونتيننتال على الإطلاق، وعلمت من محدثي أن الزملاء القادمين من الدوحة لهم موعد مهم وأنهم سيقابلون شخصية هامة في إسلام أباد لكنه رفض الإفصاح عنها. فقلت له لا تقلق. سأعمل كل ما بوسعي وسأقدم لهم كل ما يريدون من خدمات لإنجاز مهمتهم. وقد طلب نفس المتصل من السفارة القطرية في إسلام أباد تأمين نفقات الفندق والإقامة على أن يتم إرسال هذه النفقات للسفارة عن طريق الخارجية القطرية فيما بعد.
وفي مساء يوم وصول بعثة الجزيرة التقيت بمسئول من السفارة القطرية جاء لزيارة بعثة الجزيرة، وسأل مذيع الجزيرة عن الهدف من الزيارة، والشخصية التي سيقابلها في رحلته إلى باكستان، فكانت الإجابة: بأنهم سيقابلون رئيس الوزراء الباكستاني (آنذاك) نواز شريف!! فنظر إلي الدبلوماسي في السفارة القطرية مستغرباً وضحك! كما ضحكت أنا حين سمعت اسم رئيس الوزراء على أنه الشخصية التي سيقابلونها. وقال مسئول السفارة لمذيع الجزيرة يبدو أن جمال أراد أن يعيق عملكم من خلال هذا الترتيب وتوقيت زيارتكم إلى إسلام أباد!! فاستغرب المذيع الأمر وقال علام تضحكون؟ فقلت لمسئول السفارة: أولاً أنا لا دخل لي بترتيبات الزيارة أو الهدف منها، ولم أعلم أن فلاناً ومرافقيه قادمون إلا حين استقلوا الطائرة وكنت ولا زلت أجهل الهدف من الزيارة.وتوجهت بالحديث إلى مذيع الجزيرة فقلت: أما بالنسبة لسبب ضحكنا واستغرابنا حول قولكم إن المقابلة ستكون مع رئيس الوزراء فإنه عائد لأمرين: أولاً أنكم قلتم إن رئاسة الوزراء الباكستانية طلبت منكم النزول في فندق كونتيننتال، مع أن رئاسة الوزراء تعلم أن الفندق ليس قريباً من مكتب نواز شريف وإنما يحتاج النزيل فيه مدة لا تقل عن أربعين دقيقة للوصول إلى بوابة رئاسة الوزراء مع وجود فندق فخم آخر أقرب منه ولا يبعد سوى ثلاث دقائق عن رئاسة الوزراء! الأمر الآخر هو أن كل من في باكستان وحتى السفارات تعلم أن رئيس الوزراء غادر البلاد بالأمس في جولة خارجية تستغرق ثمانية أيام وأعلن عنها في الصحف المحلية قبل بدئها بأيام فكيف يعطيكم ديوان رئيس الوزراء موعداً في مثل هذا التوقيت وهم يعلمون أن رئيس الوزراء غائب عن البلاد؟!
فجاءت الإجابة على سبب الاستغراب والمعلومات التي أفدناهم بها لتزيد من حراجة موقف الضيوف حيث قال المذيع إن الشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس إدارة الجزيرة هو الذي طلب منا السفر إلى باكستان في هذا الوقت على أن يتصل هو برئيس الوزراء أثناء وجودنا في باكستان ليبلغه برغبة الجزيرة في مقابلته!!!
الاتصالات بين بعثة الجزيرة في إسلام أباد ومقرها الرئيسي في الدوحة لم تتوقف ساعة، فكان المذيع المنتدب من الجزيرة لهذه المهمة لا ينفك عن الاتصال بأحد الزملاء في الدوحة ليبلغه أن الانتظار صعب وأنه لا أحد من الجهة الأخرى سأل عنه، مشدداً عليه بضرورة الاتصال بشخص في دولة أوروبية للعمل على إتمام الأمر بالسرعة الممكنة حتى تتم المقابلة وترجع بعثة الجزيرة إلى الدوحة.
وقد أوحت هذه الاتصالات بشيء عن طبيعة المهمة التي جاءوا من أجلها وإن كانت حتى الآن لم تتضح الصورة كاملة .
في اليوم التالي كانت بعثة الجزيرة في وضع نفسي لا تحسد عليه. فالانتظار قاتل! والجلوس في الفندق دون عمل لمن اعتاد الحركة والنشاط يعتبر أمراً صعباً للغاية. وقد علمت من خلال وجودي مع بعثة الجزيرة بعض الوقت اسم الشخص الذي كانوا يتصلون به في الدولة الأوروبية ، كما علمت في وقت لاحق اسم الشخص الذي كانوا ينوون مقابلته، وهو الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد المصرية والذي قيل إنه قدم إلى أفغانستان خصيصاً لهذه المقابلة حيث كان يقيم في دولة أخرى. وأبلغني مذيع الجزيرة أنه طلب منه من قبل الشخص المقيم في أوروبا ألا يعلمني بهذه المهمة مطلقاً وألا أرافقه في رحلته لمقابلة الدكتور أيمن الظواهري!!!
فأبلغته بأنني سأتصرف وكأنني لم أعلم شيئا عن المهمة والهدف منها، مبديا في نفس الوقت استعدادي لتقديم أي خدمة يريدونها من إسلام أباد لإتمام مهمتهم.
في اليوم التالي دعوت بعثة الجزيرة على إفطار رمضاني في منزلي في إسلام أباد، وكان مذيع الجزيرة متردداً في قبول الدعوة لإمكانية اتصال الدوحة أو الوسيط في أوروبا به في أي وقت، فعملنا على الترتيب مع إدارة الفندق بتحويل أي مكالمة قادمة له إلى رقم هاتفي النقال لحين عودتنا إلى الفندق.

مكالمة من الدوحة:
في طريقنا من الفندق إلى منزلي قبيل الإفطار تلقينا مكالمة هاتفية من أحد المسئولين في الجزيرة تفيد بأن الطرف الآخر ذهب إلى الفندق وإلى نفس الغرفة التي أعطي رقمها لنقل بعثة الجزيرة من هناك، لكن لم يجدوا أحداً وأن هذا الكلام مضى عليه أكثر من ثلاث ساعات، وأنهم استفسروا من إدارة الفندق عن وجود ضيوف من الجزيرة، لكن الإدارة أكدت لهم عدم وصول أي عربي أو من يحمل تلك الأسماء التي أوردوها مستفسرين عن أصحابها. فأعطينا رقم الغرفة مجدداً للمتصل ليبلغهم أن يأتوا إليها بعد ساعة من الزمن.

واتصال من أوروبا:
في نفس الليلة جاء اتصال آخر من الوسيط في أوروبا يؤكد أن إدارة الفندق أبلغت الطرف الآخر أن أياً من وفد الجزيرة لا يقيم في الفندق، أو وصل إليه حتى ذلك الوقت. وقد انتهى هذا الجدال حين طلب الوسيط في أوروبا معرفة بعض التفاصيل عن إقامتهم في الفندق فأبلغ بأنهم يقيمون في فندق الكونتيننتال في مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة الباكستانية إسلام أباد، الأمر الذي أثار استغرابه ودهشته، موضحا أن الاتفاق كان على أن يقيموا في الكونتننتال في العاصمة الأفغانية، ومن هناك يأتي من يأخذهم إلى مكان إقامة الدكتور أيمن الظواهري في أفغانستان لإجراء المقابلة المتفق عليها. ولما كنت أول من أجاب على المكالمة الهاتفية من أوروبا بسبب أنها جاءت على هاتفي النقال عرفت بنفسي للمتصل الذي قال إنه يعرفني وأعرفه حين كان في باكستان يوما ما، وأفصح لي عن اسمه، وطلب مني أن أساعد الزملاء من الجزيرة في الوصول إلى كابل إن احتاجوا إلى تأشيرة أو استئجار سيارة، وأن أرافقهم إن سمحت ظروفي بذلك لمعرفتي طبيعة البلد والأشخاص الذين كانوا يرغبون برؤيتهم، لكنني أبلغته أن الزملاء من الجزيرة قالوا لي إن الطرف الآخر طلب منهم عدم إخباري بمهمتهم أو القدوم معهم، ونقلوا هذا الكلام عنكم شخصياً، لأنهم يريدون مذيع الجزيرة فقط في المقابلة والأماكن التي سينزلونه بها. وقد أنكر الوسيط في أوروبا صحة هذه المعلومات وشدد على أن أرافقهم إن أمكنني ذلك بقوله :( لقد أبلغناهم أن يذهبوا إلى فندق الكونتيننتال في كابل، لا راولبندي، وأنهم حين يصلون إلى إسلام أباد فإن جمال يمكن أن يساعدهم على فهم المنطقة وطبيعتها لمعرفته بها وبالسفارة الأفغانية وبالأشخاص في أفغانستان أثناء دراسته في جامعة بيشاور ، فأبديت له استعدادي للمساعدة في نيل التأشيرة إلى أفغانستان وتأمين وسيلة مواصلات سواء عبر طائرة من إسلام أباد إلى كابل أو عبر استئجار حافلة أو سيارة خاصة لفريق الجزيرة، لكنني طلبت من الوسيط في أوروبا أن يبلغ هذا الكلام بنفسه لمذيع الجزيرة حتى لا يكون هناك أي حرج أو لبس في الموضوع، وقد فعل ذلك مباشرة.

واتصال آخر من أفغانستان:
في نفس الليلة جاءنا اتصال آخر على هاتفي النقال من شخص يقيم في أفغانستان ومن طرف الدكتور أيمن الظواهري يستفسر عن الذي حصل معنا، ولماذا تأخر فريق الجزيرة في الوصول إلى كابول، وأوضح المتصل أن الاتفاق كان على أن يأتي فريق الجزيرة إلى كابل من يومين وأن مرافقي الدكتور أيمن الظواهري راجعوا الفندق أكثر من مرة دون جدوى، فأبلغت المتصل بالإشكالية التي حصلت، وربما الالتباس الذي وقع حول الفندق وأنه في العاصمة الباكستانية أو الأفغانية، فأكد أن الكلام كان واضحاً مع الوسيط ومع المذيع من الجزيرة بأن عليه أن يصل إلى الفندق في كابل وبعدها تكون مهمتنا في نقله وإعادته ليس إلى الفندق فحسب وإنما للحدود مع باكستان إن أراد ذلك. وطلب مني المتصل من أفغانستان أن أشرح لمذيع الجزيرة الظروف التي تمنع الدكتور أيمن الظواهري وأنصاره من القدوم إلى باكستان أو الاقتراب من حدودها، لا سيما بعد توقيع باكستان اتفاقية للتبادل الأمني مع الحكومة المصرية، وتسليمها عدداً من المصريين إلى حكومة بلادهم وما تعرضوا له بعد ذلك.
الخوف من السفر إلى أفغانستان لما يسمعه المرء عن أوضاعها، كان مفهوماً، لكنني أوضحت لفريق الجزيرة ـ الذي لم يكن قبل تلك الرحلة زار حتى باكستان ـ بأن الأوضاع في العاصمة الأفغانية الآن آمنة جداً وأنها حسب ما رأيته من زياراتي لأفغانستان، (خاصة مناطق طالبان) أكثر أمنا من العديد من الدول الأوروبية والعربية بالنسبة لحياة الإنسان وعرضه وماله، وأن مسألة السفر إلى هناك ليست صعبة. وبالنسبة للتأشيرة فيمكن الحصول عليها في الصباح من السفارة الأفغانية، وبالنسبة لوسيلة السفر فأنتم تختارون ما ترغبون، وبينت لهم الظروف المحيطة بوسائط النقل من طائرات للأمم المتحدة أو الحافلات والسيارات الخاصة التي تسافر عادة من بيشاور إلى أفغانستان وأن عليهم أن يعدوا أنفسهم إن كانوا سيسافرون براً لتحمل مصاعب الطريق، حيث أفغانستان بلد دمره الغزو الخارجي والاقتتال الداخلي خلال عشرين عاماً، وأما المسائل الأخرى من ناحية الأمن والمطعم والمشرب فلا تشغلن بالكم لأنها متوفرة وجيدة، وعلى كل فأنتم صحافيون ومن حياة الصحافي المغامرة، وإن ذهبتم فلن تندموا أبدا ، وقد تكون فرصتكم الذهبية ليس للشهرة من خلال مقابلات وإنما أيضا من خلال كتاب تسطرونه فيما بعد.
كان الخوف يعتري مذيع الجزيرة ومرافقيه من الأوضاع التي عليها أفغانستان، ومما يمكن أن يترتب من آثار لاحقة لهذه الزيارة حيث سيتم ختم جواز سفرهم بالتأشيرة إلى أفغانستان، وهذا قد يقود إلى مساءلة من بعض الدول، خاصة العربية منها. كما أن ما بثته وسائل الإعلام من أخبار حول طالبان وحكمها وما تقوم به من إجراءات ألقت بظلالها على الصورة التي وضعها فريق العاملين في الجزيرة في ذهنه لهذا البلد وأوضاعه. وكانت الحجة التي لم يتزحزح عنها مذيع الجزيرة في رفضه الذهاب إلى كابل أو أي مكان في أفغانستان هي المسألة الأمنية، وحاول معي كثيراً أن أساعده في إقناع الطرف الآخر (الدكتور أيمن الظواهري وأنصاره) بالقدوم إلى بيشاور إن لم يكن إسلام أباد، فقلت له إن بيشاور مثل إسلام أباد من الناحية الأمنية والقانونية بالنسبة للطرف الآخر إن لم تكن أسوأ، حيث أن شكل الدكتور أيمن معروف لدى كثيرين في بيشاور وهذه المدينة ومنذ الغزو السوفيتي لأفغانستان وهي تعج بكل المخبرين لكل الأجهزة الأمنية العالمية بمن فيها الأجهزة المصرية!! وهذا يجعل من المستحيل على الدكتور أيمن الظواهري وأنصاره القدوم إليها. فأشار إلى منطقة القبائل الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية وأنها لا تحتاج تأشيرة على الجواز فلماذا لا نقوم بإجراء المقابلة هناك؟!
لم يكن فريق الجزيرة يدرك فيما يبدو الخطورة في إحضار الدكتور أيمن الظواهري إلى أي جزء من باكستان ، ولم يقدروا حجم الخطر الممكن حدوثه في حال قرر الدكتور أيمن الوصول إلى باكستان، هذا الخطر المتمثل بإمكانية القبض عليه في أي منطقة في باكستان وتسليمه للسلطات المصرية أو الأمريكية (رغم أنه لم يكن مطلوبا للولايات المتحدة حتى ذلك الوقت). وقد حاولت جاهداً إيضاح هذه الصورة لفريق الجزيرة الذي كان مصراً وبشدة عجيبة على أن يقوم بالمقابلة على الأرض الباكستانية وأنه لا مجال للسفر مطلقاً إلى أفغانستان حتى لو دفع لفريق الجزيرة أي مكافأة على هذه المقابلة.



أجهزة للبث مباشر !!
من خلال الحديث مع فريق الجزيرة علمت أنهم أحضروا أجهزة بث مباشر معهم لبث المقابلة عبر الأقمار الصناعية من أفغانستان وهو ما أثار أسئلة ليس فقط حول إمكانية قبول الطرف الآخر بهذا، وإنما قد يثير تساؤلات حول الهدف من وراء إحضار مثل هذه الأجهزة التي سيتم رصد بثها وتحديد موقع الدكتور أيمن الظواهري وربما الشيخ أسامة بن لادن إن قرر الحضور لمقابلة مع الجزيرة (الجزيرة في هذه المحاولة لم تكن تسعى مطلقاً لمقابلة الشيخ أسامة بن لادن وإنما كانت تلح وبشدة على مقابلة الدكتور أيمن الظواهري!!) وكان مقتل الرئيس الشيشاني السابق جوهر دوداييف بعد رصد مكانه من قبل الأقمار الصناعية الأمريكية وتسريب هذه المعلومات للروس الذين أطلقوا صواريخهم عليه لا زال ماثلاً في الأذهان ولم تنسه الذاكرة. وقد أبديت مخاوفي من أن الطرف الآخر قد يلغي المقابلة كلها إن علم بوجود هذه الأجهزة لاعتبارات أمنية، ولقناعته بأن هذا قد يوقع به في يد الأمريكان، الذين كانوا ولا زالوا يرصدون أي اتصال من داخل الأراضي الأفغانية لتحديد مكان الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، وذلك للعمل على اصطيادهم وقصف أماكن وجودهم.

أموال من الجزيرة لأنصار الظواهري !!
بعد جدال ومناقشات استمرت عدة ساعات، كان رأي فريق الجزيرة أن على الطرف الآخر الالتزام بما يراه فريق الجزيرة سيما وأن الوسيط المقيم في أوروبا ـ وحسب كلام فريق الجزيرة ـ طلب مبلغاً من المال ((لقاء تأمين اللقاء، بحجة أن هذا المبلغ سينفق على تنقلات الدكتور أيمن الظواهري ومجموعته الأمنية التي ستوفر الحماية له ولفريق الجزيرة، إضافة إلى تأمين نفقات السفر خارج أفغانستان والعودة إلى المكان الذي كان يقيم فيه، وأن الدكتور أيمن الظواهري جاء خصيصا إلى أفغانستان لهذه المقابلة)).
وقد احتد النقاش بين موفد الجزيرة والوسيط الأوروبي حول المبلغ المطلوب وأن الجزيرة وعدت بهذا المبلغ لتأمين اللقاء ومتطلباته، وأن الطرف الآخر يلح في طلب هذا المبلغ.

الجزيرة تطالب الظواهري القدوم إلى حتفه
بقيت مسألة قدوم الدكتور أيمن الظواهري إلى باكستان هي الشغل الأساس لبعثة الجزيرة، بينما كان رأي الطرف الآخر أن على الجزيرة أن تأتي كما وعدت إلى كابل. وقد احتد النقاش حول هذه المسألة على الهاتف مع الطرف الآخر، وبيني وبين فريق الجزيرة، وكان ضمن الكلام الذي قاله فريق الجزيرة أن على الطرف الآخر أن يقدر أن الجزيرة ستفتح له المجال ليؤدي رسالة هو في أمس الحاجة إلى إيصالها وإسماعها للعالم العربي خاصة الشعب المصري!! وأن هذا قد يؤدي إلى مصاعب ومشاكل سياسية بين قطر والحكومة المصرية وضغوط على قناة الجزيرة، وأن على الطرف الآخر لذلك تقديم بعض التنازلات من جانبه لإتمام المقابلة، لكن الجواب القادم من الجهة الأخرى كان حاسماً ومختصراً :
((المسألة الأمنية وحياة إخواننا أهم عندنا بكثير من عرض تقدمه الجزيرة باستضافتنا والظهور على شاشتها وإعطاء مقابلة يتم فيها توضيح موقف جماعة الجهاد المصرية بشكل خاص، والتيار الإسلامي المقاتل بشكل عام، رغم أهمية هذه المسألة لنا)).
وطلب مني المتصلون من الطرف الآخر المساعدة في إقناع فريق الجزيرة في السفر إلى كابل وإتمام المقابلة داخل الأراضي الأفغانية، بينما طلب مني فريق الجزيرة المساعدة في إقناع الطرف الآخر القبول بوجهة نظرهم. واستعد الطرف الآخر للتقدم إلى الحدود الأفغانية الباكستانية وإلى أقرب نقطة من الحدود يعتقد أن أمنه لا يمكن أن يتعرض فيها إلى أي خطر.
أمام هذه الوقائع حاولت جاهداً إقناع فريق الجزيرة بألا يضيع فرصة اللقاء إن كان يريد حقاً مقابلة الدكتور أيمن الظواهري، وأبلغتهم أن هناك فرصة لمقابلة الشيخ أسامة بن لادن، وهو من ناحية إعلامية وعالمية محط انتباه واهتمام أكثر من الدكتور أيمن الظواهري، فيضربوا عصفورين بحجر، وأبديت استعدادي لعمل كل ما يلزم من نيل التأشيرة وعلى ورقة خارج جواز السفر إن أرادوا، وإحضار مرافق معنا، والسفر بالطائرة إلى كابل لاختصار الوقت وتفادي المتاعب في السفر براً ، وأنني على استعداد للسفر معهم حتى يتم الأمر إن كانوا لا زالوا متخوفين من الناحية الأمنية.
برز تخوف لدى فريق الجزيرة من أن الحكومة الأفغانية لا تعلم بهذه المقابلة وأن سفرنا عبر الطائرة ووجود معدات تصوير لدينا قد يوقعنا في حرج مع الحكومة الأفغانية التي لا تسمح بالتصوير في مناطق سيطرتها، وقد أكدت لفريق الجزيرة أن هذه المسألة يمكن إيجاد حل لها من خلال الاتفاق مع الطرف الثاني على مقابلتنا في مطار كابل، وأن موظفي الحكومة الأفغانية لن يتعرضوا لمعداتنا بشيء إلا إذا قمنا بتصوير ما لا يسمحون به وفي أماكن عامة. أما إن أخذنا معداتنا من المطار إلى الفندق فإنني شخصياً أضمن عدم تعرضها لأي مكروه، وأنا أعرف قيادات طالبان ومسئوليهم ولغتهم ويمكنني التفاهم معهم بما يبقي على ثقتهم بأننا لن نقوم بعمل مخالف لقوانينهم.
لكن الهاجس الأمني لدى فريق الجزيرة وأوضاع أفغانستان وتخلفها وما سمعوه عنها، أو ما دار في خلدهم عن أوضاعها، كل هذا كان العقبة الكأداء التي لم نستطع إيجاد حل لها. وكان فريق الجزيرة يرى في وصوله إلى باكستان لإجراء مقابلة مع الدكتور أيمن الظواهري خدمة كبيرة ولا تعوض من الجزيرة تقدمها للدكتور أيمن الظواهري وجماعته!! لا يمكن لأي جهة في العالم أن تجرؤ على تقديمها مطلقاً! وأن هذا قد يقود إلى محاولات لإغلاق قناة الجزيرة بسبب الضغوط التي قد تتعرض لها من قبل العديد من الدول وفي مقدمتها الحكومة المصرية، وأن على الدكتور أيمن في المقابل أن يستجيب لطلب الجزيرة في القدوم إلى إسلام أباد أو بيشاور أو على الأقل منطقة القبائل الباكستانية، وأن فريق الجزيرة لن يجتاز الحدود إلى أفغانستان حتى لو أعطي أي مكافأة مالية أو كانت الشهرة التي لا تجارى هي نتيجة هذه المقابلة.
عند ذلك كان لا بد من حسم الأمر وإنهاء الجدل واتخاذ قرار في هذه المسألة.
كنت ومن خلال وجودي في بيشاور للدراسة، والعمل الصحفي فيها فيما بعد، تعرفت على كثير من الأشخاص الذين قدموا لمساعدة المجاهدين الأفغان إبان الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، وتعرفت أيضا على فكر الجماعات الإسلامية المختلفة وطريقة تفكير أصحابها، وأصبح لدي ما أحسبه خبرة ومعرفة في هذا الشأن.
كانت المسألة الأمنية لأفراد العديد من الجماعات أهم بكثير عندهم من العمل الإعلامي الذي لا ينكرون أهميته وضرورته لنشر وجهة نظرهم وتوضيح موقفهم وما يدعون له وما يتهمون به من قبل الحكومات والجهات المختلفة، ومن خلال ما حدث في باكستان خلال السنوات الأخيرة من حملات ضد العرب، وتسليم بعض الرعايا خاصة المصريين إلى حكومة بلادهم، ازداد الهاجس الأمني لدى أفراد الجماعات الإسلامية، وأصبحوا يتحسسون من القدوم إلى باكستان أو المكوث فيها.
ورغم ما في مقابلة الجزيرة للدكتور أيمن من أهمية إعلامية وإمكانية لطرح فكره ووجهة نظره ودفاعه عما يتهم به شخصياً أو جماعته من أعمال وتوضيح موقفهم منها، إلا أنه كان من المستحيل على شخص مثل الدكتور أيمن أو أي من أفراد الجماعات الإسلامية أو غيرها يمكن أن يواجهوا الظروف المحيطة بالدكتور أيمن الظواهري ومنها طلب الحكومة المصرية له وحكمها عليه بالإعدام غيابياً، لا يمكن لأحد أن يغامر بالقبول بإجراء مقابلة مع أي جهة كانت إن كان ثمن المقابلة حياته أو إمكانية تعرضه للاعتقال وتسليمه للدولة التي تطلب القبض عليه.
اتفقنا على التفكير في المسألة ملياً قبل اتخاذ قرار نهائي فيها وكان من ضمن الأمور التي اتفقنا عليها أن يتصل فريق الجزيرة بالإدارة العليا للقناة في الدوحة، وأن يكرروا الاتصال بالوسيط في أوروبا وأن نبقي خط اتصال مع الناس داخل أفغانستان قبل اتخاذ قرار نهائي في المسألة.
في المساء طلب مني فريق الجزيرة الحضور إلى الفندق الذي كانوا يقيمون فيه للتشاور في المسألة. وكان من ضمن الفريق أحد المصورين الأجانب وقد أبدى رئيس الفريق(مذيع الجزيرة) والمصور الأجنبي عدم الموافقة مطلقاً على السفر إلى أفغانستان حتى لو كان ذلك يقتضي إلغاء المقابلة. وطلبوا رأيي في المسألة ، والمساعدة في البحث عن حل مقنع للطرف الآخر حتى يتقدم خطوة ويعبر الحدود إلى باكستان.

حسم المسألة وفشل المحاولة:
بعد برهة من الوقت قلت لمذيع الجزيرة وفريق التصوير المرافق له: سأقول لكم باختصار خلاصة موقفي من هذه المسألة.
أولاً:أنتم قمتم بالاتصال بشخص في أوروبا لتأمين اللقاء، وإذا أخذنا كل ما سمعته من الطرفين عن مكان اللقاء وما أعرفه عن الدكتور أيمن وظروفه، فلا يمكن مطلقاً في ظني أن يأتي الدكتور أيمن أو أي من المقربين منه خاصة ممن يحملون جواز السفر المصري إلى باكستان بسبب الظروف الأمنية المتعلقة بهم، وإمكانية اعتقال أي منهم في أي مكان وتسليمه مباشرة إلى الحكومة المصرية.
ثانياً:إن قبلتم هذه الحقيقة وأحببتم أن تمضوا في مشروعكم لإجراء المقابلة فهذا لا زال ممكناً، ويمكنني المساعدة في تأمين التأشيرات ووسيلة النقل ومرافقتكم إلى كابل أو أي مكان آخر تريدونه حتى تشعروا بالأمان، ونرجع معاً بعد ذلك ومن إسلام أباد تعودون إلى الدوحة.
ثالثاً وهو الأهم: إن كنتم مصرين على إحضار الدكتور أيمن وأنصاره إلى الأراضي الباكستانية، لإجراء المقابلة سواء في إسلام أباد أو بيشاور أو منطقة القبائل المحاذية للحدود الأفغانية فهذا غير ممكن مطلقاً، ولن يتم، حتى لو جن الطرف الآخر ووافق على القدوم إلى الشريط الحدودي!لأنني سأمنع هذا بكل ما أوتيت من قوة وجهد.
كانت الجملتان الأخيرتان كالقنبلة تفجرت أمام فريق الجزيرة، وممن؟ من مراسل الجزيرة في باكستان الذي يفترضون أن يكون رأيه من رأيهم وموقفه من موقفهم. وقد بادرني أحد أعضاء فريق الجزيرة بسؤال متوقع عن السبب في هذا الموقف.
فقلت له إن ما تخشون منه ويخشاه الدكتور أيمن هو ما دفعني لقول ما قلت.
فلو وافق الدكتور أيمن الظواهري على القدوم للقائكم في باكستان وحدث أن اعتقل، فإن العالم كله سيعرف أنه كان ينوي إجراء مقابلة مع قناة الجزيرة في الأراضي الباكستانية، ولو قيل في التحقيق إن مراسل الجزيرة في باكستان كان آخر من يعلم بمثل هذه المقابلة وترتيباتها، فإن أحدا لن يصدق هذا الكلام. وإن صدقته الأجهزة الأمنية والرسمية، فإن أحدا من الجماعات الإسلامية لن يصدق مثل هذا الكلام، خاصة وأن مذيع الجزيرة وفريق التصوير المرافق معه ليسوا محسوبين على الإسلاميين، كما هو مراسل الجزيرة، ولم يسبق لهم أن كانوا في باكستان لتحديد مكان ملائم للمقابلة، بينما مراسل الجزيرة في إسلام أباد كان له معرفة سابقة بالدكتور أيمن وغيره من أفراد الجماعات الإسلامية الذين قدم بعضهم إلى بيشاور أثناء وجودي بها.وهذا قد يقود إلى اعتقاد أفراد من الجماعات الإسلامية أو ممن يناصرونهم في أي مكان في العالم بأن مراسل الجزيرة في إسلام أباد هو الذي رتب كل هذا الأمر للإيقاع بالدكتور أيمن الظواهري وعدد من مرافقيه بالاتفاق مع أجهزة أمن محلية أو أجنبية، وهو ما يمكن أن يؤدي قطعاً إلى تشويه السمعة والمكانة (وهذا أقل شيء) وهي رأسمال الحر، إضافة إلى أنه قد يؤدي إلى قيام أحد من أنصار الجماعات الإسلامية إلى اتخاذ قرار بحقي ربما يؤدي إلى تصفيتي اعتقاداً منه أنني المسئول عما يمكن أن يحدث لو قدم الدكتور أيمن إلى باكستان، وأنا لا أريد أن أخسر حياتي في مسألة مثل هذه، وأن يعيش أطفالي من بعدي وقد شوهت صورة والدهم أمامهم ولا يستطيعون مواجهة العالم لما قد يقال عن والدهم. لذا فإنني حتى لو وافق الدكتور أيمن أو أنصاره على فكرة القدوم إلى أي جزء من الأراضي الباكستانية فسأمنع هذا بكل ما أوتيت من وسائل حتى لو اقتضى الأمر منعكم من الوصول إلى منطقة القبائل قرب الحدود الأفغانية التي يحتاج الأجنبي إلى تصريح خاص للدخول إليها يبين فيه أسباب زيارته، والمكان الذي يقصده من هذه المنطقة المترامية الأطراف. وأنا أفضل ألا تجرى المقابلة مطلقاً إن كانت هناك إمكانية لتعرض الطرف الأخر للخطر واحتمال أن تلقى المسئولية في هذا الأمر على الجزيرة ومراسلها والفريق الذي أرسلته لهذه المهمة.

تساؤلات حول الأجهزة :
وزد على ذلك ، قلت لهم إنكم تقولون أنكم أحضرتم أجهزة بث مباشر على أن تبث المقابلة من أفغانستان على الهواء مباشرة، وهذا من ناحية أمنية غير مقبول عند الطرف الآخر، لأنه سيكشف مكانه لأجهزة الرصد عبر الأقمار الصناعية ولن يسمح الطرف الآخر لكم باستخدام أجهزة البث هذه من أفغانستان، هذا إن سمح أصلاً باستخدامكم للكاميرات التي أحضرتموها من الدوحة. وأقصى ما يمكن أن يقبل به الطرف الآخر ـ حسب ظني ـ هو القدوم إلى أقرب نقطة داخل أفغانستان للحدود الباكستانية، والسماح لكم بإجراء المقابلة مع الدكتور أيمن بواسطة كاميرات قد تكون بحوزته، وتأمين عودتكم إلى باكستان لنقل المقابلة إلى الجزيرة بالطريقة التي تريدونها فيما بعد. كما أن إحضاركم أجهزة بث مباشر يطرح تساؤلات حول نوايا الجزيرة وما تريده من الطرف الآخر، وإن حدث شيء بعد المقابلة فإن الجزيرة بل ودولة قطر ستتحملان ما لا طاقة لهما به، وقد نكون كلنا ضحية لما قد يحدث من آثار مستقبلية، ولن تسال عنا الجزيرة أو غيرها وقتئذ.
كان هذا آخر ما يرغب فريق الجزيرة سماعه من زميل لهم في باكستان أريد تغييبه عن هذه المقابلة لأسباب أتركها لهم وللقارئ الكريم، وقد جرى نقاش في الليل بيني وبين فريق الجزيرة في مكان إقامتهم، واستقر رأي مذيع الجزيرة وأحد المصورين المرافقين له على العودة إلى الدوحة وإبلاغ إدارة الجزيرة بأن الطرف الثاني أخل بما وعد به، وأنه لا يمكن دفع أي مبلغ للوسيط في أوروبا الذي علمت من فريق الجزيرة أنه كان يطالب بخمسين ألف دولار أبلغهم إنها نفقات سفر وحراسات للدكتور أيمن الظواهري وأنصاره الذين كانوا يتحركون معه من أجل تأمين المقابلة!!!

العودة بخفي حنين
عاد وفد الجزيرة وعلمت فيما بعد أنهم تحدثوا لمديرها وإدارتها عن إخلال الطرف الثاني وتحميله المسئولية في إفشال المقابلة وعدم القدوم إلى نقطة اللقاء المتفق عليها!!
ورغم أن الجزيرة وفريقها يعلمون يقينا أن الطرف الثاني لم يخل بما كانوا اتفقوا عليه مع الوسيط في أوروبا أو الأشخاص المقيمين في أفغانستان، فإن العادة درجت في كثير من التصرفات على إلقاء المسئولية على الآخر خاصة إن كان الطرف الآخر لا يملك لظروف خاصة نفي هذه المسئولية أو توضيح موقفه لأصحاب الشأن ومن له علاقة، وأن نتنصل من أي مسئولية حيال أي أمر!!!

لم نطلب أموالاً من أحد !!
علمت فيما بعد حين تمكنت من إجراء مقابلة مع الدكتور أيمن الظواهري في 23 كانون الأول 1998م أنه لم يطلب مطلقا أي مبلغ له أو لمرافقيه للتنقل من الدولة التي كانوا فيها إلى أفغانستان، وأنه لا علم له إن كان الوسيط في أوروبا قد طلب هذا المبلغ باسمهم وأن كل ما كان يهم الدكتور أيمن في هذا الشأن أن يتحدث في المقابلة مع الجزيرة بوجهة نظره ويوضح موقفه وموقف (التيار الإسلامي المقاتل) من الحكومة المصرية وما يحدث من مواجهات مسلحة بين بعض الشبان وأجهزة الأمن المصرية أحياناً. وكانت الجزيرة وحرصا على تأمين مقابلة في ذلك الوقت مع الدكتور أيمن الظواهري على استعداد لدفع مبالغ أكثر من هذا ليس لوسطاء خارج أفغانستان ولكن لبعض الناس في أفغانستان ممن هم مقربون من الدكتور وذلك فقط لإغاظة الحكومة المصرية، أو ربما للوصول إلى الدكتور لأمور أخرى !!!

توقيت المقابلة
الوقت الذي حاولت الجزيرة فيه مقابلة الدكتور الظواهري كان نهاية كانون الثاني من عام 1998 ، وكانت العلاقات القطرية المصرية تشهد توتراً لم تعهده من قبل ، وقد تبادلت الدولتان الاتهامات حول عدد من المسائل ، منها المحاولة الانقلابية ضد الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر والتي قيل إن عدداً من الضباط المصريين العاملين في الجيش والأجهزة الأمنية القطرية كانوا على علاقة بها، وأن الحكومة المصرية كانت تدعم الحاكم السابق لقطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني والد الحاكم الحالي الذي أطاح به ابنه صيف عام 1995.
وإجراء مقابلة مصورة وعلى قناة الجزيرة مع الدكتور أيمن الظواهري سيكون بالنسبة للحكومة المصرية أشد تأثيراً وأكثر إيلاماً من أي حملة إعلامية تشنها وسائل الإعلام في دولة قطر . كما أن بث المقابلة عبر الجزيرة يعطي الحكومة القطرية فرصة للقول بأنه ليس لها شأن في هذا الأمر، لأنها كانت ولا زالت تصر على القول إنه لا علاقة لها بسياسة الجزيرة أو خطها الذي تنتهجه! وأن قناة الجزيرة أحرجت الحكومة القطرية وعلاقاتها مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة ( حسب تصريحات وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في أكثر من مناسبة) .


*****










الفصل الثاني

المحاولة الثانية لمقابلة أسامة وأيمن الظواهري

لا يهمنا أمره
في 26 من شهر أيار عام 1998 ، وبعد أسبوعين من التجارب النووية الهندية ، دعا الشيخ أسامة بن لادن إلى مؤتمر صحفي قرب مدينة خوست شرق أفغانستان ، وقد حضر المؤتمر مجموعة من الزملاء الصحفيين الباكستانيين ، وكان غالبية الصحافيين المتواجدين في باكستان مشغولين برصد رد الفعل الباكستاني على التجارب النووية الهندية ، وإمكانية إجراء باكستان تجارب نووية رداً على التجارب الهندية في أية لحظة ، وقد اتصلت وقتها بغرفة الأخبار في الجزيرة لإطلاعهم على الوضع ، ومشروع أسامة لعقد مؤتمر صحفي، وما إذا كانت الجزيرة ترغب في أن نحضر ذلك المؤتمر الصحفي، وبهذا نكون القناة التلفزيونية الوحيدة التي تحضره، لكن جاء رفض لهذا العرض بحجة أن أسامة لا يهمنا أمره الآن، كما أن هناك حدوداً للبث عند الجزيرة في هذه المسألة وأن علي متابعة الوضع في باكستان لإمكانية إجرائها تجارب نووية في أية لحظة، لا سيما وأنه لا يوجد أي مراسل آخر للجزيرة في باكستان غيري.

موعد جديد:
بعد التجارب النووية الباكستانية بحوالي أسبوعين تمكنت وبعد جهد حثيث من الحصول على موافقة الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري على إجراء مقابلة مصورة مع كل منهما، وأبلغت مدير الجزيرة بالأمر، إلا أنه تردد في قبول العرض بحجة أن المذيع الذي كان يسعى لمقابلتهما قبل أشهر أفهمه أن الظواهري وأسامة هما اللذان أخلفا موعدهما مع الجزيرة في المرة الماضية ، فصححت له المعلومات ، وقلت له : لقد كنت شاهداً على المحادثات التي جرت بين مذيع الجزيرة والوسيط في أوروبا وذوي الشأن في أفغانستان وأن الخلل كان من جانب الجزيرة ولم يكن من الطرف الآخر. وسأل مدير الجزيرة عما إذا كان من رتب الموعد الجديد له شروط مالية ، أو غير ذلك مما كان في الموعد الأول، فأجبته بالنفي، وأن علينا أن نذهب مع مرافق من باكستان إلى داخل الأراضي الأفغانية . ومن هناك هم يستقبلوننا ويذهبون بنا إلى منطقة آمنة ، يتم إجراء المقابلة فيها . وقد أصر مدير الجزيرة في الحديث الهاتفي معه على التأكيد على إرسال مذيع الجزيرة سالف الذكر، لإجراء المقابلة مع الدكتور أيمن الظواهري ، مضيفاً أن أسامة بن لادن لا يعنينا كثيراً ، ويمكن أن تحصل منه على تصريح لا مقابلة مطولة. مشدداً على أن المذيع هو الذي سيقابل الدكتور الظواهري على حين أنا آخذ تصريحاً من أسامة.

أهداف لها ما وراءها !
وطلب مني المدير كذلك العمل على تصوير المعسكرات التي يتدرب فيها العرب في أفغانستان!! وتصوير من في المعسكرات!! وإجراء مقابلات مع بعضهم وسؤالهم عن سبب تواجدهم في أفغانستان، وما ينوون عمله في المستقبل !! فأبلغته أن كل هذا رهن بموافقة الطرف الآخر على هذه الأمور . لكن فيما يخص المقابلات فإن أسامة بن لادن أهم من ناحية إعلامية وعالمية من الدكتور الظواهري وإن استطعنا الحصول على موافقة منه على مقابلة فلماذا نقتصر على تصريح مقتضب؟!
ولم أتمكن من الحصول على موافقة على اقتراحي هذا رغم ما بذلته من محاولات لإقناع مدير الجزيرة بوجهة نظري !
بعد ثلاثة أيام من الاتصال وصل مذيع الجزيرة إلى إسلام أباد للمرة الثانية وكنت في استقباله، وهذه المرة لم يحضر أجهزة التصوير أو المصورين الذين قدموا معه في المرة الماضية ، وكلفت من قبل إدارة الجزيرة بأن أتدبر الأمور الفنية والتقنية من إسلام أباد وعن طريق المكاتب التلفزيونية فيها . وقد فعلت هذا وتدبرت الأمر ، رغم أن الكثير من المكاتب التلفزيونية الباكستانية لا توافق على إرسال مصوريها ومعداتها إلى أفغانستان ، حتى لو دفع لها مبلغ أكثر مما تتلقاه في باكستان.
طريق سيرنا للوصول إلى الحدود كان نصفه جواً والنصف الآخر براً ، ولم يكن عبر الطيران المباشر إلى كابل ، وقد رتبنا الأمر مع الوسيط الذي جاء إلى باكستان لهذا الغرض وكلف أحد أعوانه بمرافقتنا طيلة الرحلة .
خرجنا في الصباح بالطائرة من إسلام أباد ، وبعد النزول في عدد من المحطات وصلنا إلى أقرب مدينة على الحدود ، وكان في استقبالنا أشخاص لهم علاقة بالشيخ أسامة انتدبوا لاستقبالنا ومرافقتنا في الرحلة من تلك المدينة إلى داخل الأراضي الأفغانية.

خبر يثير المخاوف:
أثناء خروجنا من إسلام أباد كان بحوزتنا جريدة محلية وقرأنا على صفحتها الأولى خبرا يقول إن السلطات الباكستانية اعتقلت في منطقة قريبة من الحدود الأفغانية أحد العرب الذين يشك بصلتهم بأسامة بن لادن وأنه كان ينوي الدخول إلى أفغانستان، وقد أثر هذا الخبر على مرافقي مذيع الجزيرة الذي بدأ يتحسس من الوضع الأمني ومن إمكانية القبض علينا في تلك المنطقة. لكنني طمأنته، وكذلك فعل المرافقون الآخرون من المصورين ومن كانوا في استقبالنا كي يصحبونا في هذه الرحلة. وظننا أن مخاوفه تبددت وأننا سنواصل الرحلة كما هو مقرر.
صلينا الجمعة في تلك المدينة وجاءنا مسئول المرافقين ، ليخبرنا أنه ومن أجل سلامتنا وحتى لا يكون هناك إحراج مع حرس الحدود الباكستانيين ، فإن من الأفضل لنا الانتظار لمغيب الشمس حيث ستحضر السيارة الخاصة بهم وتنقلنا من المدينة الحدودية إلى المكان الذي نزل فيه الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ومرافقوهم . وقد رتبنا الأمر على هذا النحو .

تردد وهواجس أمنية!
لكننا فوجئنا بعد قليل من الوقت بمذيع الجزيرة يثير العديد من التساؤلات عن المسألة الأمنية ، وسلامتنا ، وإمكانية القبض علينا، وماذا سيكون موقفه لدى الأجهزة الأمنية في حال تم القبض عليه في منطقة يحظر على الأجانب الدخول إليها دون إذن مسبق من السلطات المحلية فيها. وقد كانت تساؤلات مشروعة ممن هو في مكانه ، لكنه أعطاها حجماً أكبر مما تستحق، فقد أكدت له أنني قدمت إلى هذه المنطقة وقبل أن أحصل على بطاقتي الصحافية أكثر من مرة وأنني أعرف أشخاصاً كثيرين فيها، ولم يكن هناك أي مشكلة . وأكد له مرافقونا هذا الكلام ، وأنهم مطمئنون إلى سلامتنا ولولا ذلك لما اختاروا هذه المنطقة لعبورنا، أو اختارها الشيخ أسامة لتكون أقرب نقطة في الوصول إليه. لكن ما ظنناه أنه سيهدئ من روع وقلق زميلنا مذيع الجزيرة، وجدناه ذا تأثير عكسي حيث قرر العودة إلى إسلام أباد مباشرة ، طالباً الحجز له على أول طائرة من تلك المدينة الحدودية. وقد أبلغناه أن الطائرة بين تلك المدينة الحدودية وإسلام أباد تذهب مرة في اليوم ولا توجد إمكانية للسفر الآن جواً، لكن يمكنه السفر براً، وهذا يستغرق وقتا طويلا ومشقة عليه تحملها، خاصة وأن الطريق غير جيد والمسافة تعد بمئات الكيلومترات مما قد يتعبه في السفر. وحاولنا بكل ما أوتينا إقناعه بالعدول عن فكرة العودة إلى إسلام أباد ، لكنه أصر عليها ، وأكثر من ذلك ، ولأنه مذيع الجزيرة المنتدب لهذه المقابلة قرر أن يعود المصورون معه ، وبعد عودته إلى إسلام أباد أقرر أنا وعلى مسئوليتي الخاصة أن أرجع مرة أخرى إن رغبت في إتمام المقابلة!!!

إفشال المحاولة ومغالطات من الجزيرة:
رجعنا من الحدود بخفي حنين! وحملتني إدارة الجزيرة المسئولية حول فشل اللقاء !! وأننا تسببنا في خسارتها مبلغاً من المال (تكاليف سفر المذيع وإقامته ليلتين في إسلام أباد وأجرة الكاميرات والمصورين يوم واحد) وسمعت من مدير الجزيرة أن الذي بلغه ((أننا دخلنا الحدود الأفغانية ، ووصلنا إلى المكان المتفق عليه ، لكن الطرف الآخر لم يحضر! وهذه المرة الثانية التي يتصرفون معنا هكذا! وهذا أمر غير لائق ونحن كنا سنخدمهم بعرض وجهة نظرهم ، لكن يبدو أنهم يتصرفون معنا بصورة غير جيدة، وهذا سيؤثر على مصداقيتهم وتعاملنا المستقبلي معهم)) !!!
استغربت من لهجة مدير الجزيرة وكلامه وتحميله الطرف الآخر المسئولية عن فشل اللقاء ، وأوضحت له الذي تم على حقيقته ، وأننا كنا نبعد عدة كيلومترات فقط عن الطرف الآخر ، لكن زميلي مذيع الجزيرة ولأسباب صورها على أنها أمنية، هو الذي أعادنا من منطقة الحدود وبهذا فشل اللقاء المرتقب.
وكان خلاصة الحديث مع مدير الجزيرة أن علي مراجعة الشخص الذي عمل على ترتيب اللقاء لنا وأبلغه أنه أوقعنا في مشكلة و.. و.. و... إلخ ، وهو ما رفضته مباشرة بالقول إنني مقتنع تماماً أن الجزيرة هي التي أفشلت المحاولة الثانية للقاء.
لم يكن من اليسير إزالة سوء الفهم لدى مدير الجزيرة على الهاتف : وقلت له في نهاية الحديث أرجو منكم أن تحضروا الزميل الذي انتدبتموه للمقابلة ، وأن تتصلوا وهو موجود لديكم ، وأنا أقول ما عندي أمامكما ، وإن شئت أحضر ذلك الشخص الذي رتب لنا الموعد، والشخص الآخر الذي رافقنا في الرحلة، وإن كان الخطأ من جانبنا، فأنا أتكفل بدفع تكاليف الرحلة كلها مني ولا أريد منكم شيئا مطلقاً، لكن } ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى { المائدة:8.

وهكذا سبقنا الأمريكي :
فوجئت بعد فشل هذه المحاولة بيومين أو ثلاثة بخبر على صفحات الجرائد وفي الوكالات وعلى الانترنيت أن أحد صحفيي شبكة (A B C ) تمكن من الوصول إلى أسامة بن لادن وإجراء مقابلة مصورة معه ، وفي نفس المكان الذي كنا سنقابله فيه ، وسلك نفس الطريق التي كنا سلكناها ، لكنه واصل المسير إلى داخل الأراضي الأفغانية ، ولم يرجع من منطقة الحدود ، وأنه لهذا الغرض وافق على المبيت أكثر من ليلة في أفغانستان، وفي مكان لا يقارن بالفندق الذي نزل فيه في إسلام أباد بأي شكل، ناهيك عن مقارنته بالحياة في أمريكا التي قدم منها لهذا الغرض خصيصاً !!! فحظي باللقاء والسبق الصحفي الذي يتمنى كافة الصحافيين في العالم الحصول على مثله من هذا الرجل .

*****



















الفصل الثالث

المحاولة الثالثة: بعد القصف الأمريكي على أفغانستان


أسامة لم يصب بأذى
ما إن أعلنت الإدارة الأمريكية نبأ قصفها ما أسمته مراكز قيادة وتحكم تابعة لأسامة بن لادن في أفغانستان ، ومصنعاً كيماوياً ادعت أنه يموله في السودان ، حتى بادرت بالاتصال بالجزيرة وبالحكومة الأفغانية في كابول . وقد تحدثت مع القائم بأعمال رئيس الوزراء الذي أكد لي تلك الليلة أن أسامة بن لادن والدكتور أيمن وأبو حفص المصري المساعد الأول لأسامة لم يصابوا بأي أذى ، وأنهم لم يكونوا موجودين في المكان الذي شمله القصف الأمريكي وقت وقوعه ، وإنما كانوا على بعد عدة مئات من الكيلومترات. وكنت أول من بث ذلك الخبر على العالم تلك الليلة .
وقد أجريت اتصالات مع الحكومة الأفغانية للسماح لي بالذهاب في اليوم التالي إلى منطقة خوست ، لتصوير ما قيل إنه معسكرات تابعة لأسامة بن لادن ، إلا أنهم اعتذروا إلى بقرار يمنع كافة الصحافيين من دخول الأراضي الأفغانية إلى أجل غير مسمى. وقد حاولت معهم جاهداً الوصول إلى تلك الأماكن وتصوير الجرحى والقتلى، ونشر الحقيقة التي قالت الحكومة الأفغانية إنها تدحض ادعاءات الأمريكان بأن هذا كان مركز قيادة وتحكم لمجموعة أسامة بن لادن ، لكن هذه الجهود كانت دون جدوى لعدة أيام .
بعد يومين من القصف الأمريكي على أفغانستان عقد الشيخ فضل الرحمن خليل ، الأمين العام لحركة المجاهدين الكشميرية مؤتمراً صحفياً حاشداً في إسلام أباد ، تحدث فيه عن القصف الأمريكي الذي طال مركزاً تعليمياً لحركته داخل الأراضي الأفغانية ، وأدى إلى مقتل عدد من الشبان المتواجدين فيه. وقد طالب خليل بتشكيل لجنة تحقيق دولية ، والعمل على محاسبة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وإدارته ، إن تبين أن هذا المعسكر ليس له علاقة بما تدعيه الإدارة الأمريكية من مراكز قيادة وتحكم لأسامة بن لادن ، وأن من حق حركة المجاهدين الكشميرية الثأر لشهدائها وجرحاها ، وقد أجريت مقابلة قصيرة مع الشيخ فضل الرحمن خليل بعد المؤتمر الصحفي ، تكلم فيها عن الإدارة الأمريكية وكيف أنها تعادي المسلمين، وطلبت منه العمل على استخراج إذن لنا من الحكومة الأفغانية بالسفر إلى تلك المناطق لتصويرها ، ورغم حرصه على مساعدتنا في هذا الأمر، إلا أن قرار طالبان كان حازماً في منع أي صحافي أجنبي من دخول أفغانستان آنذاك ، ومنع أي صحفي موجود في أفغانستان حتى لو كان أفغانيا من الوصول إلى تلك المنطقة. وكانت بعض تسويغات الحكومة الأفغانية حول قرار المنع هو تجنيب السكان المحليين أو القادمين أي انفجارات قد تحصل من عدد من الصواريخ التي نزلت في المنطقة لكنها لم تنفجر ، إضافة إلى محاولة تقصي حجم الضرر والخسائر البشرية والمادية جراء القصف ، وهذا يحتاج طبعاً بعض الوقت في بلد مثل أفغانستان ، التي دمرتها الحروب المتواصلة على مدى ربع قرن .


موافقة على التصوير في أفغانستان
لكن بعد عشرة أيام من القصف تقريبا ، اتصل بي الشيخ وكيل أحمد من قندهار وكان يعمل حينها مستشاراً للملا محمد عمر (أمير المؤمنين)، وأصبح فيما بعد وزيراً للخارجية، طالباً مني التوجه إلى السفارة الأفغانية للحصول على إذن بالسفر إلى خوست وتصوير المنطقة التي تعرضت للقصف. وعلمت من السفارة الأفغانية ومن الشيخ وكيل أحمد ، أن ثلاثة صحافيين تمت الموافقة على سفرهم ، أنا وباكستاني وأفغاني . وعلمت من الصحفي الباكستاني أنه سيتوجه إلى تلك المنطقة مساء ذلك اليوم ليبيت في قرية حدودية في الجانب الباكستاني ، ومنها ينطلق بعد الفجر إلى منطقة خوست ، يصور مناطق القصف ويلتقي بمن يراه هناك .
وقد اتصلت بالجزيرة وحصلت على موافقة مباشرة على السفر، ومحاولة مقابلة من أراه هناك وتوجيه أسئلة بالعربية والإنجليزية وعدم استخدام شعار الجزيرة في كل ما ألتقطه من صور أو أجريه من مقابلات، وطلب مني أحد المسئولين في الجزيرة أن أرسل له هذه الصور ولا أكلم عنها أحدا في الجزيرة!!!
اعتقال في منطقة القبائل
تحركت في نفس الليلة إلى تلك المنطقة حاملاً معي الموافقة من الحكومة الأفغانية لدخول أراضيها ، ووصلنا القرية الحدودية في تلك المنطقة في وقت متأخر من الليل . وحينما تحركنا صباح اليوم التالي احتجزتنا الميليشيات القبائلية التي تتولى حراسة الحدود ، بحجة عدم وجود اسمنا لديهم مسبقاً ، ومنعونا من مواصلة الرحلة إلى أفغانستان، وأعادونا إلى سجن البلدة للتحقيق معنا ، وبسبب من توقيت الاحتجاز (مساء الخميس) والعطلة صباح يوم الجمعة ، فقد بقينا في الحجز دون أن يأتينا أحد من المحققين إلى نهار السبت ، حيث كنا وقتها تمكنا من تهريب اسمنا ورقم هاتف في إسلام أباد مع شخص تم الإفراج عنه للاتصال بوزارة الإعلام التي عملت مع الجهات الرسمية على إطلاق سراحنا بعد ذلك. وقد رجعنا إلى إسلام أباد ولم نتمكن من الحصول على شيء. لكن وبعد أكثر من عام استطعت الحصول على الشريط الوحيد للمناطق التي تعرضت للقصف وكان أحد المتواجدين في المنطقة لديه وقتها كاميرا فيديو صغيرة سجل عليها ما يزيد على أربعين دقيقة من الصور التي تبين طبيعة المنطقة والمعسكر والقتلى والجرحى، ومقابلة مع المسئول الأفغاني في هذا المعسكر. ولم يسبق أن بث شيء من هذا الشريط قبل حصولي عليه.













الفصل الرابع

الجزيرة تحاول ابتزاز مصر مجددا


شخص غير مرغوب فيه!
بعد أسابيع قليلة من محاولة الجزيرة الأولى مقابلة الدكتور أيمن الظواهري وتحديدا في مطلع شهر آذار من نفس العام 1998 نشرت الصحف الباكستانية تصريحا منسوباً للأمين العام للجماعة الإسلامية الباكستانية منور حسن طالب فيه الحكومة الباكستانية بزعامة نواز شريف إخراج السفير المصري من باكستان واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، مشيراً إلى أن السفير المصري تدخل في الشئون الداخلية الباكستانية ، وذلك من خلال تصريحات أدلى بها في مقابلة أجرتها معه إحدى الصحف المحلية في باكستان ، قال فيها تعقيباً على أحداث العنف الطائفي والعرقي في باكستان : إن الحكومة الباكستانية يمكنها الاستفادة من الخبرات التي حققتها الحكومة المصرية في مقاومتها ومواجهتها لأحداث العنف والجماعات الإرهابية، وأن مصر يمكن أن تتعاون مع باكستان في هذا المجال بما يخدم الطرفين.
وقمت بإرسال الخبر نقلاً عن الصحف الباكستانية مع إضافات أدلى بها منور حسن ومسئول آخر من الجماعة الإسلامية اتصلت بهم إلى وكالة الأنباء القطرية ، التي كنت أعمل مراسلاً لها في باكستان آنذاك . وقد حاولت إدراج وجهة نظر السفير المصري أو السفارة بشكل عام في الخبر ، فقمت بالاتصال بالمكتب الإعلامي للسفارة المصرية ، وكذلك السفارة ، إلا أن الرد كان سلبياً ، حيث رفض المسئولون في السفارة التعقيب على الخبر، وكان لهم وجهة نظر في أن أي تعقيب عليه ربما يفهم منه أنه رد على مسئول حزبي باكستاني في مسألة داخلية وأن الرد يمكن أن يفسر على أنه تدخل رسمي من السفارة في الشئون الباكستانية، إضافة إلى أن الرد سوف يعطي قيمة لتصريحات المسئول في الجماعة الإسلامية الباكستانية ، وهذا ما لا تريده السفارة في هذه المسألة.

طلب من الجزيرة
بعد ثلاثة أيام من إرسال الخبر للوكالة اتصل بي رئيس التحرير في قناة الجزيرة طالباً مني عمل تقرير مصور عن الخبر ومحاولة إجراء لقاء مع منور حسن الأمين العام للجماعة الإسلامية والسفير المصري ومحام أو خبير قانوني في هذه المسائل وتصوير السفارة المصرية من الخارج والحصول على رد فعل رسمي من الحكومة الباكستانية على هذا التصريح.
حقيقة استغربت من اهتمام قناة الجزيرة بالتصريح! وبعد ثلاثة أيام من نشره عبر وكالة الأنباء القطرية التي تصل خدماتها الإخبارية إلى قناة الجزيرة أولاً بأول !
حاولت إقناع رئيس التحرير بعدم أهمية الموضوع في باكستان لأن الصحافة الباكستانية عادة ما تحمل تصريحات من هذا القبيل للساسة الباكستانيين ، وكثيرا ما يتهم المعارضون للحكومة من كان فيها بالعمالة والخيانة وتدمير البلاد ، والصلات بجهات معادية ، وقانون النشر والمطبوعات في باكستان لا يحمل الصحيفة أية مسئولية قانونية في حال نشرت تصريحات مثل هذه .
وكان ضمن محاولاتي لإقناع رئيس التحرير حول عدم الجدوى من هذا التقرير حالياً هو أن الحكومة الباكستانية لم تعر الأمر اهتماماً، كما أن الجماعة الإسلامية الباكستانية التي أدلى أمينها العام بهذا التصريح لم تتبن موقفه بشكل كلي ، وإن كانت انتقدت السفير المصري لما فهمته من تصريحاته بأنها تحريض للحكومة على قمع الجماعات الدينية الباكستانية.
وقد كرر رئيس التحرير آنذاك طلبه مني عمل تقرير مصور عن هذا الخبر في اليوم التالي ، رغم أنني أخبرته أن الناطق باسم الخارجية الباكستانية رفض التعليق على الأمر ، وأن الحكومة الباكستانية لا تستطيع منع أي من مواطنيها من الإدلاء بأية تصريحات من هذا القبيل ، لكن الحكومة ليست مجبرة على النزول عند رغبة كل مواطن في طرد هذا أو معاقبة ذاك ، طالما أن الشخص لم يسئ إلى باكستان أو يخرق قوانينها . وقد حاولت جاهدا العمل على عدم إعداد التقرير المطلوب(رغم أن هذا يؤثر على موقف إدارة الجزيرة مني وذلك لعدم رغبتي في الزج بنفسي فيما أراه محاولات بعض الحكومات العربية الانتقاص من حكومات أخرى لأهدافها الخاصة) وطلب مني رئيس التحرير آنذاك أن أعمل التقرير بأي وسيلة ممكنة، وأن أرسله، رغم أن الخبر مضى عليه حينها أكثر من أربعة أيام ، ولم تتناقله وسائل الإعلام العربية أو العالمية حتى يحظى بهذا الاهتمام من قبل إدارة قناة الجزيرة !!!
فكرت في الأمر ملياً واستقر رأيي على أن أعمل التقرير لكن ليس كما يطلبه المسئولون في الجزيرة، واتصلت لهذا الأمر مع الملحق الإعلامي في السفارة المصرية ، كي يعمل على تأمين مقابلة مع السفير أو على الأقل أن يتحدث هو بنفسه ، وأبلغته ما أفكر به وأنني أريد أن أجعل من التقرير يسير باتجاه آخر ، وهو محاولة الاستفادة من الخبر لتحسين العلاقات الباكستانية العربية بشكل عام ، وقد أبلغني الملحق الإعلامي المصري فيما بعد اعتذار السفير عن المقابلة ، وأنه طلب منه عدم الحديث في الموضوع حتى لا يكون موضوع الخبر مادة تلوكها الألسن وتسيء فهمها كما قال .

إصرار على الابتزاز !!
أبلغت الأمر لرئيس تحرير الجزيرة آنذاك الذي أصر على المضي في التقرير،والقول إن السفارة المصرية رفضت التعليق على الخبر رغم كثرة الاتصالات التي أجرتها الجزيرة معها. وطلب مني أن أصور أي شيء في إسلام أباد يرمز إلى مصر، ولم يكن هناك سوى السفارة المصرية، فحاولت أن أصور بوابة السفارة وعليها اللافتة، أو سارية العلم المصري من خارج السفارة .
توجهت إلى الحي الدبلوماسي في إسلام أباد ، وما إن توقفت السيارة في منطقة قريبة من السفارة ونزلت أنا والمصور حتى جاءنا حرس السفارة من رجال الأمن الباكستانيين يطلبون منا عدم التصوير إلا بعد الحصول على إذن من أمن السفارة المصرية ، فمنعت المصور من التقاط أية صورة حتى نحصل على الإذن .

دعوة لشرب الشاي
لم تمض دقيقة على توقفنا حتى جاءنا أحد رجال الأمن المصريين من داخل السفارة ليستطلع الأمر ، فأبلغته بأنني صحفي عربي من قناة الجزيرة ، وأنني أريد أن أصور سارية العلم المصري وبوابة السفارة إن أمكن. فطلب منا التريث حتى يستأذن من المسئولين داخل السفارة . وقد اتصل من جهاز كان بحوزته مع المسئول الأمني في السفارة مبلغاً إياه بهويتنا وما نريده ، فدعاني المسئول الأمني في السفارة ليناقش الأمر معي على كأس من الشاي ، وإن سمح السفير بالتصوير فلا مانع ، وإلا فإن علي أن أقبل اعتذارهم عن منع التصوير لأسباب ليست خافية على أحد ، خاصة بعد حادث التفجير الذي تعرضت له السفارة المصرية أواخر عام 1995 والذي قيل إن جماعة الجهاد المصرية بقيادة الدكتور أيمن الظواهري كانت المسئولة عنه.
دخلت السفارة مع مسئول من الأمن المصري ، وطلب مني تسليم بطاقة تعريف بي ، واستلمت بدلا منها من غرفة الاستقبال بطاقة زائر ولم تمض دقيقتان حتى أحضروا مصوري ومعه آلة التصوير التلفزيونية . وحين سألته عن سبب حضوره أجاب : إن المسئول الأمني المصري هو الذي طلب منه الدخول إلى السفارة.

مؤامرة داخل السفارة:
أنزلنا في غرفة انتظار داخل السفارة ولم يلبث أحد المسئولين عن الأمن أن أغلق علينا الباب بالمفتاح ، فتوجست من هذا التصرف ، خاصة وأنه تم وضع حارسين مسلحين على باب الغرفة التي كنا فيها. بعد دقائق استأذن المصور الباكستاني المرافق لي في الذهاب لقضاء الحاجة ، لكن الذي أثار دهشتنا واستغرابنا هو رد فعل الحارس الذي قال بلهجة عنيفة (أبلغه أن يعملها على أرض الغرفة ونحن فيما بعد ننظفها وإذا حاولتم الخروج من الغرفة فسأضرب بالمليان عليكم، وأشار بسلاحه إلينا آمراً إيانا بالدخول إلى الغرفة ليغلقها من جديد بالمفتاح). فقلت له أتعني أنت ما تقول أم أنك تمزح؟ فحلف على أن ما يقوله هي أوامر من المسئولين. وهو ما جعلنا نسكت ونحاول معرفة ما
يدبرونه بعد أن احتجزونا في هذه الغرفة.
محاولة للإيقاع بنا
بعد نصف ساعة من احتجازنا جاء الحارس إلينا طالباً تسليمه الشريط الموجود داخل الكاميرا، وذلك حتى يقوم بدوره بتسليمه لمسئول الأمن في السفارة بحجة رؤيته ومعرفة ما إذا كنا صورنا شيئاً أم لا ؟
لكن الله ألهمني ألا أعطيه الشريط وقلت له : إن كنتم حريصين على رؤية الشريط نسمح لكم بذلك من خلال الكاميرا وليس بإخراجه منها خارج الغرفة ، أو بعد أن تطلقونا من هنا ننسخ لكم الشريط في المكتب ونعطيكم إياه .
خرج الحارس منزعجاً من إجابتي ثم ما لبث أن جاء مسئول الأمن في السفارة ، ليطلب مني بنفسه الشريط . فقلت له إن أردت نسخة من الشريط فنسمح لكم بذلك على أن ننسخها في المكتب الذي نعمل من خلاله، وإن كنت تريد رؤيته نسمح لكم بذلك من خلال عرض الشريط وهو داخل الكاميرا ، أما أن يؤخذ الشريط خارج الكاميرا فلن أسمح بذلك؟
فسأل :لماذا؟
فقلت: لأنه شريطي وأنا حر به ، وأنا أعتقد أنكم إن أخذتم الشريط خارج الغرفة يمكن أن تصوروا عليه أشياء وتدعو أننا قمنا بتصويرها ، وتتهمونا بذلك . لكن بعد أن نخرج من هنا يمكن أن نعطيكم الشريط وحتى النسخة الأصلية منه.
فرد ساخراً: وهل تظن أنك ستخرج من هنا؟ أنت حتروح من هنا للسجن !
فرددت عليه بالقول: وهل تظنني داخل سجن أبي زعبل في مصر . أنا سأخرج شئتم أم أبيتم . ومن الأفضل لكم إخراجي حالياً دون ضجة من أحد وأعدكم بعدم الكتابة عن الموضوع مطلقاً ، وإذا لم تفعلوا فستجبرون على إخراجي من هنا ، وستكون فضيحة لكم في باكستان وفي وسائل الإعلام .
خرج الموظف من الغرفة التي كنا فيها لنسمع بعد ذلك ضوضاء في الخارج، وبعد أن أزحنا الستارة عن النافذة رأينا سيارات أمن باكستانية بها أكثر من خمسة عشر من رجال الأمن الباكستانيين يدخلون السفارة ، وكان يرأسهم ضابط شاب كنت رأيته في عدة مناسبات . وما إن هدأت الجلبة بعد دخولهم حتى سمعنا بعد ربع ساعة من تواجدهم داخل السفارة تقريباً صوت الباب وهو يفتح وشخص يطلب منا الخروج من الغرفة .
استغرب الضابط الباكستاني وجودي داخل السفارة المصرية مع المصور الخاص بي ظاناً أننا جئنا لتغطية خبر قدومه إلى السفارة والمهمة التي جاء من أجلها.
فقال : من أبلغك أن تأتي إلى هنا لتصوير المعتقلين؟ لم يمهلني السفير المصري نعمان جلال كي أرد فبادر قائلاً : إنهما الشخصان المعتقلان !! وقد تم ضبطهما داخل السفارة بعد أن تسللا إليها خلسة ، وقاما بتصويرها دون إذن منا. وطلب مني السفير تسليم بطاقة الزائر التي كانت معلقة على صدري. وهو ما دعاني إلى طلب استرداد بطاقتي التي وضعت في غرفة الاستقبال. وقلت للسفير والضابط الباكستاني إن كنت دخلت السفارة خلسة كما يدعي السفير فهل له أن يوضح لنا ولكم كيف حصلنا على بطاقة الزائر؟ وكيف أن اسمنا موجود في سجل الزوار عند غرفة الاستقبال الخارجية؟ ولم أعد لهم بطاقة الزائر إلا بعد أن رأيت الضابط الباكستاني يستلم بطاقتي الخاصة منهم. حينها أعطيت بطاقة الزائر للمسئول الباكستاني.
نقلت مع مجموعة من رجال الأمن الباكستانيين وبسيارتي إلى مركز الشرطة في الحي الدبلوماسي في إسلام أباد ليبدأ التحقيق معنا من قبل كافة الأجهزة الأمنية، وعلمت من أول مسئول أمني قابلناه هناك أن تهما عدة وجهت إلينا من قبل السفارة المصرية وهي أننا تسللنا إلى داخل السفارة، وقمنا بتصوير منشئاتها من الداخل دون إذن، وأن هذه الصور لصالح الدكتور أيمن الظواهري وجماعته الذين فجروا السفارة قبل عامين ونصف تقريباً من هذا التاريخ، وأن جمال الذي درس في بيشاور يعرف كل الجماعات المناوئة للحكومة المصرية والتي كانت بعض قياداتها تقيم هناك من سنوات.
وطلب مني رجال التحقيق الباكستانيون رؤية الشريط الذي كان داخل الكاميرا ، فقلت لهم إنني سأعطيه لهم لكن أرجو منهم استدعاء شخص من السفارة المصرية قبل أن يستلموه مني وذلك كي يراه معهم ويمكنهم أن ينسخوا نسخة من الشريط وعلى نفقتي ويعطونها للسفارة المصرية ، وقد استغرب الضباط الباكستانيون هذا الطلب ، لكنني قلت لهم إنني أعرف العقلية الرسمية المصرية وعقلية أجهزة الأمن المصرية، وهم لن يصدقوا قولكم إن الشريط كان خال من أي صورة للسفارة المصرية.
في هذه الأثناء كان السفير المصري أرسل خطابين لوزارتي الخارجية والداخلية في إسلام أباد وأجرى اتصالين هاتفيين مع وزير الداخلية ورئيس الوزراء يبلغهم فيها أنه تم القبض على اثنين من الإرهابيين المعروفين!! بعد أن تسللا داخل السفارة المصرية وصوراها، وأنهما يعملان لجهات معادية ويخططان لتفجير السفارة من جديد!!!
ألقوه في غيابت الجب
شارف التحقيق معي على الانتهاء بعد ثلاث ساعات من بدئه، وبعد أن جمعت السلطات الباكستانية كل المعلومات المتعلقة بي وبالمصور من خلال العديد من الأشخاص في إسلام أباد وبيشاور وراولبندي ، وكانت كل المعلومات تشير إلى عدم صحة ما قاله السفير المصري في شكواه ضدي، وقرر رجال الأمن إطلاق سراحي لولا أن هاتفاً من وكيل وزارة الداخلية جاءهم يطلب منهم عدم إطلاق سراحنا حتى ينظر وزير الداخلية بنفسه إلى ملف التحقيق ، ويأمر بنفسه بإطلاق سراحنا.
جهود مضادة
في هذه الأثناء تمكنت من الاتصال ومن مركز الشرطة بأحد الصحافيين الباكستانيين ، مبلغا إياه بما حصل معنا ، وأن عليه أن يبلغ الأمر لجمعية الصحافيين الأجانب في إسلام أباد ، والتي كنت أرأسها في ذلك الحين .
التقى أفراد الجمعية مساءً لمناقشة الأمر وقرروا إصدار بيان يشجبون فيه عملية الاختطاف التي قامت بها السفارة المصرية ضد أحد الزملاء أثناء قيامه بعمله الصحفي ، وما إن علمت السفارة المصرية بعقد اجتماع لجمعية الصحافيين الأجانب لمناقشة قضية اختطافي على يد رجال أمنها ، حتى أرسلت أحد مخبريها من الصحافيين المصريين!!! وكان يعمل في باكستان منذ فترة ليست بالقصيرة ، وله علاقات وطيدة مع الكثير من الصحافيين ، وذلك لإقناع أعضاء الجمعية بألا يتخذوا موقفا ضد السفارة ، وأن عليهم الانتظار ومعرفة الأمر ، وأن جمال مخطئ في تصرفه وذهابه إلى السفارة وقيامه بالتصوير دون إذن ، إلى آخر هذه المعزوفة من الكلام الذي اعتدنا سماعه من الأجهزة الرسمية في عدد من الدول حين تريد إلصاق تهمة بشخص ما ومعاقبته عليها .
وقد تدخل السفير الفلسطيني الأستاذ أحمد عبد الرزاق في القضية بعدما قدمت زوجتي شكوى له عما جرى معي ، وطالب السلطات الباكستانية بإطلاق سراحي مباشرة إن لم أقم بأي عمل مخل بالقانون الباكستاني .
لم تكتف السفارة المصرية بما فعلته ، فمضى السفير بعيداً في غيه، حيث اتصل بوزير الداخلية ، وبرئيس الوزراء ليبلغهم أن السفارة المصرية تمكنت من إلقاء القبض على شخصين مشبوهين وهما يصوران السفارة من الداخل ، وأن على السلطات الباكستانية اتخاذ أقصى الإجراءات العقابية ضدهما وإلا فإن السفير المصري سيرسل إلى حكومة بلاده أن السلطات الباكستانية غير متعاونة للحفاظ على أمن السفارة المصرية ، التي كانت تعرضت لهجوم بسيارة مفخخة قبل هذا التاريخ بسنتين وثلاثة أشهر تقريبا. وقد انتشر الخبر في إسلام أباد انتشار النار في الهشيم!! وتطوع مسئولو السفارة المصرية للحديث عن كيفية القبض على متسللين إلى السفارة كانوا يحاولون تصويرها من الداخل !!!
تأخر الإفراج عنا لليوم التالي بسبب وجود رئيس الوزراء ووزير الداخلية خارج العاصمة تلك الليلة ، وعدم تمكنهما من الاطلاع على ملف التحقيق والأمر بالإفراج عنا .
وانقلب السحر على الساحر
وبينما كانت هذه الحادثة المفتعلة من السفارة المصرية تهدف إبعادي من باكستان أو اعتقالي وهو ما سيؤدي إلى إبعادي في وقت لاحق ، أو إن لم يحدث هذا فستؤدي إلى تشويه سمعتي كصحفي ، فإنها حقيقة أدت إلى آثار عكسية بالنسبة للسفارة المصرية ! وقد وجد السفير المصري نفسه محاصراً بالاتهامات من قبل الصحافة وكثير من السفارات العربية والأجنبية .
وفي محاولة منه نفي صلة السفارة المصرية بما جرى معي، فإنه ضغط على السفارة الفلسطينية لمنعي من القيام بأي عمل أو الإدلاء بأي تصريح حول الحادث ، أو التعرض للسفارة المصرية في أي كتابات لي، لما يعرفه من علاقة بيني وبين السفير الفلسطيني كوننا من نفس المنطقة في فلسطين . وعلمت من أكثر من مصدر أن السفير المصري وكما تفعل بعض الدول العربية ، هدد السفارة الفلسطينية بمنع تجديد أي وثيقة سفر للطلاب الفلسطينيين الدارسين في باكستان ، وكذلك توعد بعدم إعطاء أي تأشيرة ولو للمرور لأي فلسطيني محاولاً استغلال كوني على علاقة جيدة مع السفير الفلسطيني، وساعياً لإقحام السفارة الفلسطينية بهذه المسألة خشية من افتضاح ما اقترفه على صفحات الجرائد الباكستانية!!
إصرار على الافتراء
حاولت السفارة الفلسطينية التوسط في هذه المشكلة على أن تعتذر السفارة المصرية عما افتعلته ضدي ، لكن بدلاً من الاعتذار فقد أصدرت السفارة المصرية بياناً وزعته على الصحف جاء فيه ((تأسف السفارة المصرية لما وقع للصحافي جمال إسماعيل على أيدي الجهات الأمنية الباكستانية التي اعتقلته وهو يصور السفارة من الخارج، وهو بذلك ارتكب مخالفة قانونية وأن السفارة المصرية لم يكن لها أية علاقة بالحادث)).
عندما قرأت البيان في الصحف الباكستانية اتصلت بالسفير الفلسطيني وأبلغته أنني في حل من أي التزام بما وعدته به، فأرسلت رسالة إلى كافة السفراء العرب شارحاً لهم حقيقة ما جرى ، طالباً في الوقت نفسه منهم إنصافي من السفير المصري ، وتوعدت إن لم يتم هذا بنشر ما أعرفه عن أعمال السفارة المصرية ونشاطاتها التي لا أظن السفارة المصرية ستكون سعيدة برؤيتها على صفحات الجرائد !!
أحدثت الرسالة الموجهة للسفراء العرب ضجة في أوساطهم، وبدأ بعضهم يتحدث عنها ، فما كان من السفير المصري آنذاك إلا أن اتصل بالسفير الفلسطيني وببعض السفراء العرب الآخرين يهددهم بأن سفارة بلاده ستنسحب من مجلس السفراء العرب في إسلام أباد إن تم بحث قضية جمال في أي اجتماع ، وطالبني السفير الفلسطيني بتهدئة الأمور ، مشيراً إلى أنه سيعمل على حل المشكلة وإقناع السفارة المصرية بالاعتذار عما حصل .
الاعتذار
في اليوم التالي وكان يوم السبت طلب مني السفير الفلسطيني زيارته صباح الغد ، موضحا أن السفير المصري سيأتي إليه في ذلك الوقت لحل هذه المشكلة ، وفي الوقت الذي كان السفير الفلسطيني يحدثني أرسلت إلي السفارة المصرية أحد رجال الأمن المصريين والذي كان يعمل تحت غطاء صحفي ، ليتحسس مني ما أنوي عمله في الأيام القادمة ، وما إذا كنت أريد الاتصال بالصحافة أم لا ، وأخذ يتحدث بمواضيع نزولاً وصعوداً ، مرة يأتي بثوب الناصح الأمين ، وأخرى يأتي بثوب المهدد والمشفق علي من بطش السفارة ، وأن باكستان لا يمكنها الوقوف مع شخص بمفرده ، والتخلي عن مصالحها مع دولة مثل مصر ، وأن ما كتبته للسفراء العرب يضر بي أكثر مما يفيدني، وأخذ يستفسر عما أعنيه بكلامي بأنني سأنشر ما لا يسر السفارة المصرية أن تراه على صفحات الجرائد !!! فأعلمته أنني تناسيت المشكلة منذ خروجي من الحجز ولا أريد الخوض في هذه المسألة مطلقاً ، وكان المضحك في كلامه قوله أنه مرسل من قبل السفير الفلسطيني لإقناعي باتخاذ موقف مسالم ، وألا أقبل مطلقاً محاولات بعض الصحافيين الباكستانيين إجراء مقابلة معي والكتابة في صحفهم عما جرى لي .
في اليوم التالي ذهبت إلى منزل السفير الفلسطيني لأقابل السفير المصري وأنهي المشكلة التي وقعت لي جراء تصرفاته.

عذر أقبح من ذنب
لم يحضر السفير! وإنما اكتفى بإرسال المستشار الإعلامي في السفارة المصرية آنذاك، وبعد كلام طويل قال المستشار الإعلامي : إن السفير لم يكن له علم بما جرى وأن كل ما حدث كان من قبل رجال الأمن داخل السفارة ، وهم الذين كتبوا للخارجية الباكستانية . ضحكت وقلت له : إن كان ما تقوله صحيحاً فإن هذا يعني أن السفير المفترض أن يكون المسئول الأول في السفارة لا يفقه من أمره شيئاً ، وأنه أسير ما يقوله له رجال الأمن مع ما في ذلك من مخاطر، وهم بعملهم هذا يتخطونه مع الجهات الرسمية الباكستانية، وهذا غير مقبول في العرف الدبلوماسي. لكن ما تقوله أنت عن السفير غير صحيح من ناحية عملية، فالسفير كان داخل السفارة حينما دعينا لدخولها، وهو الذي كتب للخارجية ، وإن شئت أن أحضر لك رقم الرسالة وتاريخها ونصها من الخارجية فيمكنني هذا ! وما كتبه في تلك الرسالة هو أدرى الناس بعدم صحته مطلقاً ، لكنه وبعد فشل سفارته في الحفاظ على أمنها وبعد الانفجار الذي شهدته السفارة بات يخشى حتى من ظله، ولا أريد الآن التدقيق على كل هذه الأمور ، لكن لو شئت فأنا أستطيع إثبات وجهة نظري هذه . فبهت لما سمعه مما لم يتوقعه.
اعتذر المسئول في السفارة المصرية عما جرى ، داعيا لفتح صفحة جديدة ، وبعد أن غادر المندوب المصري منزل السفير الفلسطيني دعاني الأخير للمكوث معه عدة دقائق ، فأشار علي وكبادرة حسن نية يمكن أن تكون إيجابية أن أبلغ المسئول المصري بعد أن يصل إلى منزله بأنني سأكتب رسالة إلى كافة السفراء العرب في باكستان طالباً منهم عدم مناقشة المشكلة في مجلسهم ، وأنني أعتبرها قد انتهت .
اتصلت بالمستشار الإعلامي للسفارة المصرية بعد وصوله إلى منزله ، مبلغاً إياه بما اقترحه علي السفير الفلسطيني ، فرحب بالفكرة ، مضيفاً أنه سيبلغ سفيره بهذا الأمر الذي سيكون له وقع حسن في إنهاء المشكلة وترطيب الأجواء.
ما أريكم إلا ما أرى !
لكنني وبعد نصف ساعة من الحديث الهاتفي مع الملحق الإعلامي المصري فوجئت بنفس الصحفي المصري الذي زارني مشفقاً ومهدداً قبل ذلك بيومين ، يتصل بي محاولاً إقناعي بأن أكتب مثل هذه الرسالة ، وأنه سيساعدني في الكتابة ، فأرسل لي نص رسالة يضع فيها كل اللوم علي وأنني أعترف بأنني أخطأت في التصرف من البداية.
ولئلا أحرج السفير الفلسطيني حول ما سأكتبه اتصلت به وأخبرته بما يريدونه مني ، فقال لا تكتب إلا ما تراه أنت لكن اجعله مختصراً ، وأرسله إلى كافة السفراء بمن فيهم السفير المصري .
كتبت رسالة مختصرة جعلت عنوانها الآيتين الكريمتين:
} لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما { (النساء: 148) .
} وجزاء سيئةٍ سيئةُ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين { (الشورى: 40) .
وقمت بإرسالها إلى كافة السفراء العرب ، فاستشاط السفير المصري غضبا مما جاء فيها ، واعتبرها تحريضاً من السفارة الفلسطينية.
ولما روجع السفير المصري بعد هذه الحادثة عن الأسباب التي دعته لافتعال المشكلة، رغم أنه كان بإمكانه الاعتذار إلي بالنسبة للتقرير الذي كنت أزمع عمله ، فأجاب إن جمال درس في بيشاور وعمل لقاءات صحفية مع عدد من الشخصيات القيادية في الجماعة الإسلامية المصرية وغيرها وهذا يدل على أن له صلة بهؤلاء!! كما أن قناة الجزيرة التي يمثلها أساءت لمصر كثيراً ، ونحن أردنا أن نسعى لإخراجه من باكستان!!
قناة الجزيرة بعد هذه الحادثة أصرت على عمل تقرير عن الحادث، وقمت بالاتصال بالشرطة الباكستانية التي احتجزتني لكنهم اعتذروا مني بالقول إنه ليس مسموحاً لهم الإدلاء بأي تصريحات صحفية ، وأن علي الذهاب إلى كبار المسئولين في وزارة الداخلية ، فقمت بعمل التقرير المطلوب مني ، وبثته الجزيرة ، وقطعا فرحت لذلك، كما أرسلت للجزيرة ما جاء في الصحف الباكستانية من تعليقات على المشكلة التي افتعلتها السفارة المصرية مع مراسل الجزيرة وتم بث ذلك أيضاً. وكان يمكن الحيلولة دون هذا كله لولا أن العقلية التي تصرف بها السفير المصري كانت عقلية أجهزة الأمن التي لا زالت تتعامل مع المواطن والإنسان على أنه مجرم ومتهم يجب أن يثبت براءته بطريقة مقنعة لهم وأنى له هذا !!!
وقد أحدث الكتاب الذي أرسلته إلى السفراء العرب وأرسلت نسخة منه إلى الجزيرة موضحاً فيه ما كانت تنويه الجزيرة وقتها من التقرير وما كنت أسعى إليه، أحدثت هذه الصراحة نوعا من الصدمة لدى إدارة الجزيرة التي ظنت أن بإمكانها امتلاك عقول الناس ومشاعرهم من خلال العمل في الجزيرة وتوجيههم لمآربها بطريقة أو بأخرى !!!
*****
















الفصل الخامس

وأخيرا . . وصلت إليه!!!
مقابلة أسامة بن لادن

اتصال من قندهار
كانت فرحتي غامرة حين اتصل بي شخص من قندهار في ديسمبر 1998 ليخبرني أن (الشيخ أسامة بن لادن ينتظرني لإجراء مقابلة معه إن كانت قناة الجزيرة لا تزال ترغب في ذلك) ، وصممت بعد الاتصال على إنجاح هذه الفرصة مهما كلف الثمن، بعد أن كانت الجزيرة حاولت مرتين اللقاء بالشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، لكن لم يحدث أي من اللقاءين رغم ما أبداه الشيخ أسامة والدكتور أيمن الظواهري من تجاوب لعقد المقابلة في تلك الأثناء. وقد شرحت الأسباب في فصول سابقة.
ورغم انشغالي في ذلك الوقت ببعض الأمور الهامة عائلياً فقد غمرتني الفرحة حينما سمعت ذلك الصوت القادم من بعيد والذي كنت أنتظر سماعه منذ فترة طويلة ، وفكرت في أمر المقابلة سريعاً وكيف أمنع تفويت هذه الفرصة ، خاصة وأنها ستكون المقابلة الأولى مع الشيخ أسامة منذ العدوان الأمريكي على أفغانستان والسودان في العشرين من أغسطس 98 والذي قالت واشنطن إنه استهدف معسكرات ومراكز قيادة وتحكم تابعة لأسامة بن لادن الذي اتهمته واشنطن دون أن تنتظر نتائج التحقيق في انفجارات شرق إفريقيا، كما أن الشارع العربي وقتها كان يغلي بعد العدوان الأمريكي البريطاني على العراق والذي تواصل ليلاً ونهاراً فترة ليست بالقصيرة، ولم تقف الدول العربية رسمياً منه موقفاً كانت ولا زالت شعوبنا تواقة إليه.

اتصالات مع الجزيرة وتردد بالموافقة:
بادرت إلى الاتصال بمدير الجزيرة لعرض الأمر عليه ومحاولة نيل موافقته على فكرة المقابلة مع العمل على منع تكرار ما حدث سابقا، فأبلغته أن هناك من يضمن لنا إجراء مقابلة مع الشيخ أسامة والدكتور الظواهري شريطة أن نصل إلى مدينة قندهار ، ولا مجال مطلقا لطلب ذلك قبل أن نصل إلى قندهار .
كان التردد باديا على مدير الجزيرة من خلال إجابته الأولى على اقتراحي، حيث بدأ الحديث عن المحاولات السابقة وأننا لا نريد تكرار ما حدث في السابق دون جدوى، وما الضمان بأن نتمكن من إجراء المقابلة إن وصلنا إلى هناك؟ لكن السبب في هذا التردد لم يكن ما حدث سابقاً في ظني وإنما أمور أخرى!!!
أخذت محاولة إقناع مدير الجزيرة بالمسألة وقتاً ونقاشاً على الهاتف حول التأكيد على إمكانية نجاح المقابلة والوصول إلى الشيخ أسامة بن لادن ، بعد إخفاق التجربتين سابقاً، وأن أشخاصاً في الحكومة الأفغانية يضمنون لنا ذلك ، شريطة وصولنا إلى قندهار ، واقترحت على مدير الجزيرة أنه في حال رغبتهم في إرسال شخص آخر فعليه أن يفهم قبل المجيء أن عليه الذهاب إلى أفغانستان وليس باكستان ، وأن العملية قد تستغرق عدة أيام وليس بمجرد الوصول تتم المقابلة نظراً للوضع الأمني للحكومة الأفغانية وضيوفها ( الحكومة الأفغانية كانت ولا زالت تعتبر الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ومجموعات العرب المساندة لهما ضيوفاً على الشعب الأفغاني ) .
ولإنهاء تردد مدير الجزيرة أشعرته بأنني سأذهب لإجراء مقابلة مع الشيخ أسامة بن لادن إن لم تكونوا ترغبون بذلك وعلى نفقتي الخاصة ، فإن نجحت فإنني سأجعلكم أول من يعرض عليه شراء المقابلة مع حقي في بيعها لمن أردت إن لم يتم اتفاق بيننا، وإن لم يحالفني الحظ فإن الجزيرة لن تخسر شيئاً !!
تردد المدير في الموافقة قائلاً في البداية يمكنك الذهاب وإن نجحت نعطيك مكافأة، لكنه حينما رأى أنني واثق مما أقول وأنني قد أبيع المقابلة لأي جهة تدفع أكثر مع ضمان النشر أشار علي بالذهاب والعمل على لقاء الشيخ أسامة بن لادن والجزيرة ستكون مستعدة لشراء المقابلة إن تمت وطلب مني ألا أخبر أحداً بذلك !!
طلبت مساعدة قسم التحرير في الجزيرة في وضع الأسئلة التي قد يرونها مناسبة للقاء، ووعدت أكثر من مرة من رئيس التحرير (الذي تغير وأصبح مصرياً هذه المرة) وغيره بأن يتم إرسال الأسئلة التي تريدها الجزيرة ، إلا أن هذا لم يتم لأسباب غير معروفة حتى الآن ، غير أن أحد كبار المشرفين على برامج الجزيرة، وحين بلغه هذا الأمر سارع (رغم كثرة مشاغله) إلى كتابة ما جال في خاطره من أسئلة حول عدد من المسائل وأرسلها عبر الفاكس لي في إسلام أباد .

الرحلة ابتدأت :
الرحلة إلى قندهار مكان اللقاء بمندوب عن الشيخ أسامة بن لادن لم تكن سهلة، كما لم يكن من السهل اصطحاب مصور وكاميرات تلفزيونية إلى تلك المدينة حيث تمنع حركة طالبان التصوير منعاً شبه مطلق، ولو سمح لنا حرس الحدود الأفغان باصطحاب المعدات فكيف نقنع حرس الحدود الباكستانيين بالسماح لنا بالمرور مع معداتنا وهم يرون كيف أن حرس الحدود الأفغان يمنعون اصطحاب معدات التصوير مع الصحافيين أو القادمين إلى مناطق طالبان .
وقد استغرب المصور الذي صاحبني في أكثر من رحلة إلى مناطق طالبان قبل تلك الزيارة حين قلت له أنني مسافر إلى قندهار وأريد عمل بعض التقارير من هناك واللقاء مع مسئولي طالبان ، فقد كنا هناك قبل فترة وجيزة ورأى بنفسه كيف منعنا أثناء إحدى زياراتنا إلى قندهار وهيرات من التصوير بسبب الأوضاع الأمنية وبسبب المنطلقات الشرعية التي تستند إليها طالبان في هذه المسألة، لكنه وبسبب من إدراكه لحسن علاقتي مع قادة الحكومة الأفغانية اعتقد أنني تمكنت من إقناعهم هذه المرة بالسماح لنا بالتصوير .
وبعد رحلة طويلة جواً من إسلام أباد إلى كويتا الباكستانية في إقليم بلوشستان وصلنا إلى قندهار براً وكان الوقت منتصف الليل تقريباً ، حيث لم نجد أحداً في انتظارنا في مطار كويتا كما أبلغنا من قبل، وربما هذا عائد إلى أن سفرنا كان قريباً من المغرب في شهر رمضان، كما أننا لم نتمكن من الاتصال بالقنصلية الأفغانية هناك بسبب تأخر الوقت وعدم معرفتنا بمنزل القنصل، أو رقم هاتفه، فقررت مع مصوري التوجه إلى قندهار مباشرة ودون تأخير حتى نصل هناك مع حلول الليل .
وصلنا نقطة الحدود الأفغانية بعد أذان المغرب بدقائق معدودات وبعد إفطار بسيط واصلنا السير بسيارة أخرى إلى قندهار التي وصلناها قبيل منتصف الليل. على مدخل المدينة الهادئة أوقفنا الحاجز الأمني لحرس المدينة ، وبعد عمليات تفتيش من قبل الحراس على مداخل المدينة والتأكد من هويتنا وأننا سننزل ضيوفا على الحكومة (ساعدني في إقناعهم معرفتي بلغة البشتو التي يتحدثونها ومعرفتي بكثير من قادة طالبان الذين التقيت بهم في مناسبات مختلفة) بعد الانتهاء من حاجز التفتيش يممنا وجهنا إلى دار الضيافة الحكومية في قندهار ، وهناك استرحنا وتسحرنا قبيل الفجر. وفي الصباح جاءنا سائق أحد كبار المسئولين في الحكومة الأفغانية والذي كان مقرراً أن ينقلنا من الحدود إلى قندهار. وقد استغرب من وجودنا هناك حيث علمنا أنه انتظرنا إلى موعد الإفطار عند الحدود لكن لما لم يرنا قفل راجعاً إلى قندهار ظاناً أننا تأخرنا ولن نأتي ذلك اليوم. وقد بادر إلى الاتصال بأحد مسئولي الحكومة معلماً إياه بوصولنا، وهو ما حفز الأخير إلى إخبار مساعدي الشيخ أسامة بن لادن بوصولنا وأننا نقيم في الضيافة الحكومية .

لقاء مع العرب:
لم يمض كثير وقت حتى وصلت إلينا حافلة تقل عدداً من العرب الذين جاءوا لنقلنا إلى مكان المقابلة ، وكان في مقدمتهم أبو حفص المصري الذي يطلق عليه الساعد الأيمن للشيخ أسامة بن لادن وصحبه الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد في مصر .
((أهلا بأول صحفي مسلم يأتينا منذ فترة طويلة)) كانت أول عبارة سمعتها من أبي حفص حين نزل من الحافلة مرحبا بي بحرارة، وكان هذا أول لقاء لي بهما مذ غادروا بيشاور إلى السودان عام 1992 وظهر جلياً كيف تغيرت ملامحهما واشتعل رأساهما شيباً خلال ست سنوات ونصف منذ آخر لقاء بهما .
تحدثت قليلا مع أبي حفص حول المقابلة الموعودة وكانت عنده استفسارات حول عدم تمكن الجزيرة من اللقاء بالشيخ أسامة بن لادن في المرتين الماضيتين ، مشيراً إلى أنهم اقتربوا من الحدود كثيراً جداً وانتظرونا أكثر من مرة وكانوا تواقين لمثل هذا اللقاء.
كان الترتيب للمقابلة ومكانها هو المحور الأساسي في الحديث مع أبي حفص ، وعلمت منه أنه يتم الإعداد وقتها لمكان اللقاء وأن هذا قد يستغرق بعض الوقت بما لا يزيد عن الساعة تقريبا.

مكان اللقاء :
لم يطل انتظارنا وجاءت حافلة بها عدد ممن بات يطلق عليهم الأفغان العرب والذين رحبوا بنا بحفاوة بالغة وأدب جم .انتقلنا بعدها في الحافلة إلى مكان خارج مدينة قندهار وقطعنا مسافة تزيد على ثلاث ساعات تقريبا في مناطق ترابية أشبه بالرمال، ومع أن زجاج السيارة لم يكن مظللاً وكان الوقت نهاراً إلا أننا لم نتبين حقيقة وجهتنا بسبب ما كان يتصاعد من غبار وأتربة من تحت عجلات السيارة غيرت ألوان وجوهنا وملابسنا حتى ونحن داخل الحافلة ! وفي الطريق كانت هناك سيارات للحراسة تنتظرنا لترافقنا إلى المكان الذي وقع الاختيار عليه للمقابلة .
وبعد توقف في الطريق عدة مرات واضطرارنا دفع السيارة بأيدينا لإخراجها من الرمال التي غرزت فيها وصلنا بفضل الله إلى مكان المقابلة.

في عش النسر:
تلة عالية جرداء تشرف على المناطق المحيطة بها ، وقريب منها سلاسل جبلية وعرة قاحلة ، هي المكان الذي اختاره الشيخ أسامة بن لادن وأنصاره مكانا للقاء ، وقد نصبت ثلاث خيام إحداهن اتخذت مصلى بينما كانت الأخريان مقراً للشيخ وأنصاره . ما يربو على الثلاثين شاباً بدوا مدججين بالسلاح كانوا من مجموعات الحراسة الخاصة بالشيخ ومرافقيه إلى هذا المكان، وقد رأينا قبيل مغيب الشمس عدداً آخر من الشبان الذين اعتلوا قمم الجبال القريبة وكان بحوزتهم مدافع مضادة للطائرات وصواريخ ستينغر الأمريكية، وكان بين المجموعتين نوع من الاتصال عبر أجهزة الراديو .
اقترب منا اثنان من الحراس وبأدب جم أبلغاني أن عليهما تفتيش معداتنا، وأن هذا إجراء أمني لا يقصد منه شيء آخر، فقلت لهما افعلا كل ما تريانه مناسباً لكم ولأمنكم. نحن نريد المقابلة وحسب، وإن كان معكم معدات أخرى نصور بها ولا تريدون أن نستخدم معداتنا فلا مانع لدينا!!
كان مصوري نصرانياً من باكستان، وأخبرت مضيفي بأنه نصراني وغير صائم، فسارعوا بإعداد طعام له حين وصوله، واستغرب المصور من كرم المضيفين وفي رمضان ، خاصة وأنه لم يتمكن من طلب طعام في ضيافة الحكومة الأفغانية خشية عدم فهمهم له. وفيما كان المصور يتناول طعامه ، أخذت في الحديث مع الحراس الذين كان بعضهم رآني أيام بيشاور وعرفوني من عملي في مجلة عربية كانت تصدر من هناك .
انتظرنا أذان المغرب موعد الإفطار وبعد الأذان مباشرة وما إن بدأنا تناول حبات من التمر وقليل من الماء دخل الشيخ أسامة بقامته الفارهة إلى خيمتنا وكانت مفاجأة لمصوري لم يكن يتوقعها، إذ أنه كان يظن أننا سنقابل الملا محمد عمر زعيم طالبان ولم أشأ أن أفصح له عن هوية الشخص الذي سنقابله طيلة الرحلة قبل ذلك! وما إن رأى بعينيه الشيخ أسامة حتى صاح : هذا الشيخ أسامة يا جمال وهب واقفاً للسلام عليه، غير مصدق أنه سيحظى بمقابلته !!!
تحدثنا بضع دقائق عن الأوضاع في أفغانستان وباكستان والاتهامات الموجهة ضد الشيخ أسامة من قبل الإدارة الأمريكية وأجهزة استخباراتها، وبعدها أذن لنا الشيخ أسامة بالبدء بطرح أسئلتنا عليه وبدء التسجيل ، فكان اللقاء الذي كنت أتوق إلى بثه عبر قناة الجزيرة كما وعدتنا إدارتها بذلك!!

*****












الفصل السادس

نص المقابلة


حرصاً منا على فائدة قرائنا الكرام، وسعيا لإظهار الحقيقة،التي حاولت جهات عديدة أن تطمسها، وأن تهيل التراب عليها، ونحن نعلم ما قد يقتضينا ذلك، وما يثيره حولنا من تساؤلات، وحبا منا لكلمة الحق ولكي تبقى الحقيقة سيدة الموقف وحتى لا ينتصر المشعوذون وأصحاب المصلحة الدنيوية الرخيصة ، من أجل هذا وغيره نورد هنا النص الحرفي والكامل للمقابلة مع الشيخ أسامة بن لادن كما هي مسجلة في شريطها الأصلي، ولم ألجأ لتصحيح أو تغيير بعض الألفاظ التي وردت فيها من ناحية لغوية، وسأتركها كما وردت على لسان أصحابها، أداءً للأمانة ووفاءً بالعهد. وكذلك سأورد آراءه كما جاءت على لسانه ولم أتدخل فيها بموافقة أو رفض، على اعتبار أن هذه الآراء تمثل وجهة نظر أصحابها، وللقارئ الكريم أن يقبلها أو يرفضها فهذا شأنه، لكنني وتسهيلاً على القارئ قمت بكتابة عناوين جانبية للمقابلة اقتبستها من أجوبة من قابلتهم، مع إدراكي أن هذا العمل قد لا يروق لبعض الجهات.
في مكان ما من جبال ولاية هلمند الجنوبية في أفغانستان نرحب بضيفنا الشيخ أسامة بن محمد بن لادن ، فأهلاً ومرحباً به.
من هو ؟
س: أولا وفي البداية نسأل من هو أسامة بن لادن وماذا يريد؟
أسامة: الحمد لله ، أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، منَّ الله علي أن ولدت من أبوين مسلمين، في جزيرة العرب في الرياض في حي الملز عام 1377 هجرية، ثم من الله علينا أن ذهبنا إلى المدينة بعد الولادة بستة أشهر، ومكثت بقية عمري بعد ذلك في الحجاز بين مكة والمدينة وجدة. أبي الشيخ محمد بن عوض بن لادن من مواليد حضرموت، ذهب للعمل في الحجاز منذ أكثر من سبعين سنة، ثم فتح الله عليه بأن شرف بما لم يشرف به أحد من البنائين وهو بناء المسجد الحرام الذي فيه الكعبة المشرفة، ثم قام ببناء المسجد النبوي في المدينة المنورة، ثم لما علم أن الحكومة الأردنية قد أنزلت مناقصة لترميم قبة الصخرة، جمع المهندسين وطلب منهم أن يضعوا سعر التكلفة بدون أرباح . فقالوا له نحن نضمن الربح مع سعر التكلفة، فقام رحمه الله بتخفيض سعر التكلفة حتى يضمن رسو المناقصة عليه، فكان أن رسا عليه العطاء، وكان من فضل الله عليه أنه كان يصلي أحياناً في المساجد الثلاثة في يوم واحد. ولا يخفى أنه كان أحد المؤسسين للبنية التحتية في المملكة العربية السعودية ، وبعد ذلك درست في الحجاز ودرست الاقتصاد في جامعة جدة أو ما يسمى بجامعة الملك عبد العزيز، وعملت مبكراً في الطرق في شركة الوالد عليه رحمة الله، رغم أن الوالد توفي وكان عمري عشر سنوات . هذا باختصار عن أسامة بن لادن .
الأهداف والمطالب
أما ماذا يريد ؟ الذي نريده ونطالب به هو حق لأي كائن حي، نحن نطالب بأن تحرر أرضنا من الأعداء وأن تحرر أرضنا من الأمريكان، فهذه الكائنات الحية قد زودها الله سبحانه وتعالى بغيرة فطرية، ترفض أن يدخل عليها داخل . فهذه أعزكم الله الدواجن، لو أن الدجاج دخل عليها مسلح عسكري يريد أن يعتدي على بيتها فهي تقاتله وهي دجاجة، فنحن نطالب بحق لجميع الكائنات الحية، فضلا عن الكائنات الإنسانية البشرية، فضلا عن المسلمين. الذي حصل على بلاد المسلمين من اعتداء خاصة على المقدسات المسجد الأقصى حيث قبلة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى، ثم استمر العدوان من التحالف اليهودي الصليبي الذي تتزعمه أمريكا وإسرائيل، حتى أخذوا بلاد الحرمين ولا حول ولا قوة إلا بالله. فنحن نسعى لتحريض الأمة كي تقوم بتحرير أرضها، والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى لتحكم الشرع وتكون كلمة الله هي العليا .
الموقف من الأمريكان
سؤال : حدث مؤخراً هجوم مشترك أمريكي بريطاني على العراق . أولاً كيف تقيمون مثل هذا الهجوم؟ وثانياً ردود الفعل التي صدرت حتى الآن الإسلامية والعربية لم تكن كما يقال بمستوى هذا الهجوم أو بمستوى ما يتطلع إليه شعب العراق من الرد على هذا الهجوم ، ما موقفكم من هذا ؟؟
أسامة : الحمد لله . الهجوم الأخير الذي حصل قبل أيام على العراق، قادته أمريكا وبريطانيا، أكد معاني كثيرة خطيرة ومهمة، ونحن لن نتحدث هنا عن الخسائر المادية والبشرية ومن قتل من إخواننا المسلمين من الشعب العراقي، وإنما نتحدث عن دلائل هذا الهجوم، العراق تتهمه أمريكا بأنه استخدم الغازات السامة ضد شعبه وضد الأكراد، وتتهمه أمريكا باستخدام أسلحة فتاكة ضد إيران، ولكن الملفت للنظر الذي ينبغي أن يتوقف الناس عنده، أن أمريكا لم تتحدث عنه في تلك المرحلة بهذا الكلام، بل كانت تؤيده وتدعمه عبر وسطاء لها وعملاء في المنطقة، ولكن لما أصبح العراق قوة يعمل لها حساب في المنطقة، وأصبح أكبر قوة عربية في المنطقة تهدد الأمن اليهودي والأمن الإسرائيلي المحتل لمسرى نبينا عليه الصلاة والسلام، من هنا بدأت تنبش هذه الأشياء، وتدعي أنها تحاسب عليها وتقول: صحيح أن هناك أسلحة فتاكة وأسلحة دمار شامل في إسرائيل، ولكن إسرائيل لا تستخدمها، إنما العراق استخدمها! هذا الكلام مردود. أمريكا هي التي تمتلك هذا السلاح وهي التي ضربت شعوباً في أقصى المشرق في ناجازاكي وهيروشيما، بعد أن استسلمت اليابان وبدأت الحرب العالمية تنتهي، مع ذلك أصرت أمريكا على ضرب الشعوب عن بكرة أبيها، بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم وكبارهم. الحقيقة هنا ينبغي أن نستشعر أن أي هجوم اليوم على أي دولة في العالم الإسلامي إنما المهاجم الحقيقي هو إسرائيل ولكن خشية أن يستيقظ الناس وتبدأ حركات شعبية ضخمة تسقط الأنظمة العميلة التي تواطأت من أجل كراسيها عن نصرة الإسلام والمسلمين، وقد قطع مشاعر هذه الشعوب إلى حد بالنسبة لأمريكا، فاستطاع اليهود أن يوجهوا النصارى من أمريكان وبريطانيين من قيام بالواجب في ضرب العراق، وتدعي أمريكا أنها تحاسبه وتحاكمه ،ولكن الصواب أن السلطة الإسرائيلية السلطة اليهودية التي تنفذت داخل البيت الأبيض كما هو أصبح واضحاً على الملأ، وزير الدفاع يهودي، وزيرة الخارجية الأمريكية يهودية ، مسئولو سي أي إيه والأمن القومي، كبار المسئولين يهود. إنهم ساقوا النصارى لقصقصة أجنحة العالم الإسلامي والمستهدف في الحقيقة هو ليس صدام حسين وإنما المستهدف هو القوة الناشئة في العالم الإسلامي والعربي ، سواء ضربوا الشعب العراقي أو كما فعلوا من قبل في محاصرة ليبيا، أو عندما ضربوا مصنع الشفاء في السودان وهو مصنع أدوية، مسألة أخرى من دلالات هذا الحدث الظاهر، أكدت بشكل واضح جلي ينبغي للمسلمين وكل عاقل بعده ألا يذهب إلى الأمم المتحدة، أما المسلمون فشرعاً لا يجوز أن يتحاكموا إلى هذه الأنظمة الكفرية الوضعية، ولكن نقول عن العقلاء من غير المسلمين ألا يذهبوا، فهذه كوريا الشمالية، هل يوجد عاقل ولو كان كافرا يذهب إلى القاضي في هذه المحافل؟! إن كان الحكم علينا ضربنا ضرباً شديداً موجعاً تحت ما يسمى زوراً وبهتاناً بالشرعية الدولية، وإن كان الحق لنا تستخدم أمريكا حق الفيتو. فلا يذهب إلى هناك عاقل ولو كان كافراً، والذين يكثرون الحديث عن الأمم المتحدة وقرارات الأمم المتحدة فربما هم لا يفهمون دينهم أو هم يريدون أن يخذلوا أو يخدروا الأمة بتعليق آمالهم على سراب، وأوهام ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أتخشونهم؟
سؤال: هذا الهجوم الأمريكي البريطاني على العراق هل ترون أنه يزيد من شعبية وتأييد الجماعات المعادية لأمريكا ؟ أم أنه سيعمل على إرهابها وإخضاعها وجعلها تخشى أن تقوم بأي عمل من الأعمال العسكرية وغيرها من الأعمال ضد الولايات المتحدة ومصالحها ؟
أسامة: الحمد لله . الذي ينبني على ما سبق وهذا السؤال هو آن الأوان للشعوب المسلمة أن تدرك بعد هذه الهجمات أن دول المنطقة هي دول ليست ذات سيادة، فأعداؤنا يسرحون ويمرحون في بقاعنا وفي أراضينا وفي أجوائنا، يضربون دون أن يستأذنوا أحداً وخاصة في هذه المرة. لم تستطع أمريكا وبريطانيا أن يحشدوا معهم أحداً في هذه المؤامرة الفاضحة المكشوفة، ولم يعد هناك في أيديهم القدرة. الأنظمة الموجودة إنما هي متآمرة متواطئة، وفقدت القدرة على القيام بأي عمل ضد هذا الاحتلال السافر. فينبغي على المسلمين وبخاصة أهل الحل والعقد، وأهل الرأي من العلماء الصادقين والتجار المخلصين وشيوخ القبائل أن يهاجروا في سبيل الله ويجدوا لهم مكانا يرفعوا فيه راية الجهاد، ويعبئوا الأمة للمحافظة على دينهم ودنياهم، وإلا سيذهب عليهم كل شيء. فإذا لم يعتبروا مما أصاب إخواننا في فلسطين بعد أن كان الشعب الفلسطيني مشهوراً بنشاطه وزراعته التي يصدرها، وحمضياته وصناعة الصابون والنسيج ، أصبح ذلك الشعب وهم إخواننا مشردين مطرودين في كل أرض، وأصبحوا في الأخير أجراء عند اليهودي المستعمر، من شاءوا أدخلوه ومن شاءوا منعوه بأزهد الأسعار. فهذا الأمر خطير. وإذا لم نتحرك وقد اعتدي على البيت العتيق وعلى قبلة ألف ومائتي مليون مسلم فمتى نتحرك؟! هذا أمر عجيب ينبغي السعي فيه. أما من يظن أن هذا الضرب يرغم الحركات الإسلامية فهو واهم. فنحن كمسلمين نعتقد أن الآجال معلومة محدودة، لا تتقدم ولا تتأخر منذ أن كنا في بطون أمهاتنا، وأما الأرزاق فهي بيد الله سبحانه وتعالى، وهذه الأنفس الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها، والأموال هو الذي رزقها ثم اشتراها بالجنة فعلام يتأخر الناس عن نصرة الدين ؟!
الهجوم القادم
سؤال: بعد الهجوم الأمريكي البريطاني هل تتوقعون أن يكون هناك هجوم مماثل على أفغانستان خاصة أن وزير الدفاع الأمريكي وليم كوهين صرح بعد الهجوم على أفغانستان في الصيف الماضي أن هذا الهجوم ليس نهاية المطاف في الحرب ضد الإرهاب كما يسمونها وأن واشنطن قد تشن هجمات صاروخية جديدة على أفغانستان لإيوائها جماعات تتهمها الإدارة الأمريكية بالإرهاب؟
أسامة:إذا علمنا الأصل، وأن هناك حملة مستمرة للحروب الصليبية اليهودية على الإسلام، فإن من الطبيعي جداً أن نتوقع ضربات أخرى على كل من يرفع راية الإسلام، فإن أمريكا واليهود يسعون لضربه، وإن كان هناك عجز وقصور في تطبيق الشريعة عند بعض الدول التي رفعت هذه الراية. لكن مجرد التوجه نحو السعي لتطبيق الشريعة فهذا كاف لاستجلاب القصف واستجلاب الضرب. فماذا فعلت السودان حتى يضرب أكبر مصنع للدواء فيها؟ ولا يخفى عليكم أن المصنع كان ينتج دواء الملاريا بنسبة كبيرة، والملاريا داء منتشر في السودان وضحاياه بعشرات الآلاف سنويا، لا لشيء إلا لأن السودان كان قد أعلن أنه يريد تطبيق الشريعة، وهو لم يكمل بعد ما نواه ومع ذلك قصف. وأما طالبان فبفضل الله سبحانه وتعالى عليهم هداهم الله إلى السداد والصواب، وأنقذوا جهاد أمة كادت أن تضيعه أمريكا بما يسمى بالحكومات الموسعة والعريضة بدعمها لحكومة نجيب وغيره. فنتوقع أن يضرب أي كيان يدافع عن الإسلام، وبالتالي نتوقع أن يضرب طالبان ، إلا أنه من الممكن أن يعجل من هذا الضرب إذا تورط الرئيس الأمريكي كلينتون في جريمة أخلاقية أخرى، فيمكن أن يعجل وأصبح العالم الإسلامي وبلاد المسلمين وشعوب الأمة، كأنما هي إزار يستر عورات هؤلاء المجرمين وهذه الفضائح.
أين أنتم؟
سؤال : بعد الهجوم الأمريكي الأول على أفغانستان في الصيف الماضي ورد في وكالات الأنباء أو في تصريحات لكم أو لأنصاركم أنكم ستردون على هذا الهجوم لكن إلى الآن لم يقع أي رد ولم نسمع بأي رد. ترى في حال حصول هجوم أمريكي جديد على أفغانستان هل نتوقع أن نسمع رد فعل عملي وماذا سيكون هذا الرد ؟؟
أسامة: نحن واجبنا والذي قمنا به هو أن نحرض الأمة على الجهاد في سبيل الله، ضد أمريكا وضد إسرائيل وضد أعداء الله ، ومازلنا في هذا الخط نحرض الناس. وما حصل بفضل الله سبحانه وتعالى من تحرك شعبي في هذه الشهور الأخيرة يبشر في الاتجاه الصحيح لإخراج الأمريكان من بلاد المسلمين. نحن ونظرا للظروف التي تحيط بنا، وعدم القدرة على الحركة خارج أفغانستان لمزاولة أعمالنا ما تيسر لنا. لكن بفضل الله نحن شكلنا مع عدد كبير من إخواننا الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين، ونعتقد أن كثيرا من هؤلاء أمورهم تسير بشكل جيد، ولديهم حركة واسعة نرجو الله أن يفتح عليهم في المستقبل في نصرة الدين والانتقام من اليهود والنصارى وأمريكا.
سؤال: هذه الجبهة الإسلامية العالمية مضى على تشكيلها قرابة سبعة أشهر أو ثمانية أشهر، وحتى الآن لم يسمع لها أي صوت غير البيان الذي أشرتم إليه أو المؤتمر الصحفي الذي عقدتموه في مدينة خوست في الصيف الماضي، هل تعتبر هذه الجبهة مجمدة عملياً الآن؟؟
أسامة: هي غير مجمدة ، وأفرادها من جنسيات مختلفة متعددة جداً، وعندهم نشاط واسع في الحركة، وليس بالضرورة أن يعلنوا عن أي عمل قاموا به ، مع العلم أن هذه الأشهر لا تعتبر كبيرة في سبيل إنهاض الأمة ومقاومة أكبر عدو في العالم .
حقيقة أم تهويل؟
سؤال : الولايات المتحدة حذرت رعاياها في دول الخليج وفي المنطقة بشكل عام من عمليات ستقومون بها أنتم وأنصاركم خاصة في شهر رمضان الحالي . أولاً ما مدى جدية مثل هذه التحذيرات بالنسبة للرعايا الأمريكان وهل تستهدفون الرعايا الأمريكان بشكل عام أم القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج وفي بعض المناطق الإسلامية الأخرى ؟؟
أسامة : سمعت هذا الخبر قبل أيام في الإذاعات، وهو مبشر على نهوض الأمة بفضل الله سبحانه وتعالى. ولكن ما مدى جدية هذه التهديدات، إذا عرفت من يهدد لاستطعت أن أقول، لكن إلى الآن لم أعرف من هو الذي قام بهذا الجهد المبارك، لكن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم ويفتح عليهم، وأن يمنحهم رقاب الأمريكان وغيرهم.
ولكن عن الفتوى السابقة لدينا تقسيم مختلف عما يدعيه الكفار، وإن كانوا هم يدعون دعاوي يمشون بخلافها. نحن نفرق بين الرجل وبين المرأة والطفل والشيخ الهرم. أما الرجل فهو مقاتل سواء حمل السلاح أو أعان على قتالنا بدفعه الضرائب وجمعه المعلومات فهو مقاتل، أما ما ينشر بين المسلمين من أن أسامة يهدد بقتل المدنيين، فهم ماذا يقتلون؟ في فلسطين يقتلون الأطفال وليس المدنيين فقط، بل الأطفال، فأمريكا استأثرت بالجانب الإعلامي وتمكنت بقوة إعلامية ضخمة وهي تكيل بمكيالين مختلفين في أوقات حسبما يناسبها، فالمستهدف حسب ما ييسر الله للمسلمين كل رجل أمريكي هو عدو سواء كان من الذين يقاتلوننا قتالاً مباشراً أو من الذين يدفعون الضرائب، ولعلكم سمعتم هذه الأيام أن نسبة الذين يؤيدون كلينتون في ضرب العراق تقريباً ثلاثة أرباع الشعب الأمريكي! فشعب ترتفع أسهم رئيسه عندما يقتل الأبرياء، شعب عندما يقترف رئيسه الفواحش العظيمة والكبائر تزيد شعبية هذا الرئيس، شعب منحط لا يعرف معنى للقيم أبدا .
قصة المرض
سؤال: البنتاغون الأمريكي نشر تقارير عن صحتكم وذكر أن هذه التقارير منسوبة لجهات باكستانية واستخبارية تفيد بأنكم تعانون من مرض عضال وأنكم قد لا تعمرون سوى خمسة أو ستة أشهر حسب هذه التقارير، أولاً ما مدى صحة هذه التقارير؟، ثانياً ما الهدف من نشرها في هذه الظروف وبعد نشر التحذيرات للرعايا الأمريكان من إمكانية قيامكم بعمليات أنتم وأنصاركم ؟؟
أسامة : أما من ناحية الصحة فلله الحمد والمنة نشكره دائما، وأنا أتمتع بصحة جيدة جداً بفضل الله، وكما ترى فنحن هنا في الجبال نتحمل هذا البرد القارس ونتحمل في الصيف حرارة المنطقة، وبفضل الله ما زالت هوايتي المفضلة ركوب الخيل، وإلى الآن بفضل الله أستطيع أن أسير على الخيل مسافة سبعين كيلومتراً دون توقف بفضل الله سبحانه وتعالى، فهذه إشاعات مغرضة لعل الغرض منها محاولة التثبيط لمعنويات المسلمين المتعاطفين معنا، ولعل الغرض منها تهدئة روع الأمريكان من أسامة، وأنه لا يمكن أن يفعل شيئا. لكن الأمر ليس متعلق بأسامة. هذه الأمة من ألف ومائتين مليون مسلم لا يمكن قطعاً حتماً أن تدع بيت الله العتيق لهؤلاء المجرمين من اليهود والنصارى، فالأمة بإذن الله متواصلة ونحن مطمئنون أنهم سيواصلون الجهاد والضرب المؤلم للأمريكان وأعوانهم بإذن الله .
خدعة أم ارتباط؟
سؤال: في العشرين من شهر أغسطس الماضي عندما وقع القصف الأمريكي على أفغانستان قيل إنكم كنتم تحضرون اجتماعاً في منطقة خوست التي تعرضت للقصف الصاروخي الأمريكي وأن هذا القصف الصاروخي تم توقيته بحيث تكونون في الاجتماع، أولاً هل كنتم في ذلك الاجتماع وهل كان هناك اجتماع أصلاً ؟. والمسألة الأخرى قيل أن رسالة وصلتكم من دولة مجاورة (يقصد بها باكستان) تطلب منكم الخروج من ذلك المكان مباشرة، لاحتمال تعرضه للقصف. ما مدى علاقتكم بباكستان؟ وكيف تقيمون موقفها منكم وهل تظنون أن باكستان يمكن أن تتعاون مع الولايات المتحدة في توجيه ضربة لكم؟؟
أسامة:الحمد لله. المعلومات التي كانت عند الأمريكان ظاهر بفضل الله أنها كانت معلومات خاطئة. لم أكن في خوست أصلاً ولا حتى في كل الولاية. لم أكن موجوداً فيها أصلاً، بل كنت على بعد بضع مئات من الكيلو مترات من هذا المكان، وأما ما قيل عن معلومات وصلتنا فنحن بفضل الله سبحانه وتعالى وجدنا شعبا متعاطفاً معطاءً في باكستان فاق جميع حساباتنا بتعاطفه معنا، ونرجو الله أن يتقبل منه، وتصلنا معلومات من أحبائنا ومن أنصار الجهاد في سبيل الله ضد الأمريكان، الشعب والناس في باكستان أعطوا معياراً واضحاً لمدى البغض والكره للغطرسة الأمريكية على العالم الإسلامي، وأما ما ذكرتم بالنسبة لباكستان فهناك أجنحة متعاطفة مع الإسلام ومتعاطفة مع الجهاد في سبيل الله ، وهناك أجنحة (قليلة هي بفضل الله) ولكن مع الأسف ما زالت تتعامل مع أعداء الأمة من هؤلاء الأمريكان.
سؤال:تقصدون على الصعيد الرسمي؟
أسامة:أقصد الحكومة ، نعم أجنحة داخل الحكومة.
سؤال:ذكرتم قبل قليل كلاماً عن مصنع الدواء السوداني الذي تعرض أيضاً للقصف الأمريكي في نفس اليوم ، الولايات المتحدة الأمريكية تتهمكم بأنكم على علاقة تمويل بهذا المصنع وأنكم كنتم ترغبون في استخدامه لإنتاج أسلحة كيماوية أو بيولوجية لاستخدامها ضد مصالح ورعايا أمريكان. هل لكم أي علاقة تمويل مباشرة أو غير مباشرة بهذا المصنع؟؟
أسامة:كما ذكرنا الأحداث الأخيرة سواء قصف أفغانستان أو قصف السودان أو العراق أو تهديد ليبيا بالقصف، كل هذا يظهر أن الذي يحكم العالم اليوم هو شريعة الغاب، شريعة صاروخ كروز، والقصف عن بعد من قبل هؤلاء الجبناء. فجميع من له أدنى معرفة وأدنى عقل يعرف أن مصنع الدواء في السودان كان مصنع دواء، وإلا لمات من أهل الخرطوم عشرات الآلاف. أنا ليس لي صلة به ولا أعرف المالك الذي يسمى إدريس، ليس هناك معرفة سابقة ولكن الثابت أن أمريكا تفعل ما تشاء وتريد من الناس أن تقتنع بجبروتها.
أسلحة الرعب الإسلامية
سؤال: نشر في بعض الصحف العربية والأجنبية أيضا مواضيع حول سعيكم لامتلاك سلاح نووي أو كيماوي أو بيولوجي، وخاصة عن طريق بعض التجار من وسط آسيا أو بقية دول الاتحاد السوفيتي السابق خاصة وأن الإدارة الأمريكية في سجل الاتهامات الذي اتهمتكم به والبالغ حوالي 235 اتهاماً سجلت هذه الاتهامات وأنكم تسعون جادين لامتلاك مثل هذه الأسلحة ؟
أسامة: نحن كما ذكرت نطالب بحقوقنا، نطالب بإخراج الأمريكان من العالم الإسلامي وعدم سيطرتهم عليه، ونعتقد أن هذا حق الدفاع عن النفس هو حق لكل البشر، ففي وقت تخزن إسرائيل فيه المئات من الرؤوس النووية والقنابل النووية، ويسيطر فيه الغرب الصليبي على هذا السلاح بنسبة كبيرة، لا تعتبر هذه تهمة بل هو حق ولا نقبل من أحد أن يوجه تهمة لنا. يعني كما تتهم رجلاً كيف يكون فارساً شجاعاً مقاتلاً تقول له لماذا أنت كذلك؟! فلا يتهمه بذلك إلا رجل مختل غير عاقل. وإنما هذا حق ونحن أيدنا وهنأنا الشعب الباكستاني عندما فتح الله عليهم وامتلكوا هذا السلاح النووي ، نعتبر هذا من حقوقنا وحقوق المسلمين، ولا نلتفت لمثل هذه التهم من قبل أمريكا.
سؤال: هل يعني هذا تأكيدا للاتهامات من أنكم تسعون للحصول على السلاح؟
أسامة:هذا ليس تهمة. هذا واجب على المسلمين أن يملكوه. وأمريكا تعلم اليوم أن المسلمين يملكون هذا السلاح بفضل الله سبحانه وتعالى.
محاسبة أمريكا
سؤال:الاتهامات التي وجهتها لكم الإدارة الأمريكية المتعلقة بقضايا كما يقولون بدعم الإرهاب ودعم جماعات إرهابية وغيرها، هل أنتم على استعداد لمواجهة مثل هذه الاتهامات والمحاكمة في دول أخرى أو في محكمة محايدة؟
أسامة: هناك طرفان في الصراع، الصليبية العالمية والمتحالفة مع الصهيونية اليهودية والتي تتزعمها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، والطرف الآخر هو العالم الإسلامي. فمن غير المقبول في مثل هذا الصراع أن يعتدي ويدخل على أرضي وممتلكاتي ومقدساتي وينهب بترول المسلمين، ثم عندما يجد أي مقاومة من المسلمين يقول إن هؤلاء إرهابيون! هذا يعني حماقة أو أنهم يستحمقون الآخرين. نحن نعتقد أن من واجبنا شرعاً أن نقاوم هذا الاحتلال بكل ما أوتينا من قوة ونعاقبه بنفس الطريقة التي هو يستخدمها ضدنا.
الطالبان أحبابنا
سؤال: لكن حكومة طالبان أعلنت أنها مستعدة أو أنها ستسعى لمحاكمتكم في حال وجود أو ورود أي أدلة قطعية من أي دولة أو أي جهة حول الاتهامات التي وجهت لكم من هذه الدول. هل تقبلون بمحاكمة وفق القوانين التي تطبقها طالبان ووفق الشريعة الإسلامية؟؟
أسامة:نحن خرجنا من بلادنا جهاداً في سبيل الله سبحانه وتعالى، وقد من الله سبحانه وتعالى علينا بهذه الهجرة المباركة، رغبة في السعي لتحكيم الشريعة والتحاكم إلى الشريعة فهذا مطلبنا. ونحن خرجنا من أجله. فأي محكمة شرعية تطبق الشريعة الإسلامية بعيداً عن الضغوط التي يمارسها أهل الأهواء هو هدفنا ونحن مستعدون في أي وقت لأي محكمة شرعية، يقف فيها المدعي والمدعى عليه، أما إذا كان المدعي هو الولايات المتحدة الأمريكية فنحن في نفس الوقت ندعي عليها بأشياء كثيرة، وبعجائب الأمور التي اقترفتها في بلاد المسلمين. لكن الأمريكان قاتلهم الله عندما طلبوني من الطلبة رفضوا التحاكم إلى شريعة الله، وقالوا نحن نطلب شيئاً واحداً أن تسلموا أسامة بن لادن فقط. يتعاملون مع الناس كأنهم عبيد أو غلمان لكبريائهم، نرجو الله أن يذلهم .
نيروبي ودار السلام : أوكار الإرهاب
سؤال: التفجيرات التي حدثت ضد السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا في نيروبي ودار السلام في الصيف الماضي تأخر ردكم في الإعلان عنها كما أن هناك اتهامات وجهت لكم حتى من خلال الاعترافات التي نشرت عن طريق بعض الصحف الباكستانية والعالمية والمنسوبة لمحمد صادق هويدا الذي اعتقل في باكستان وسلم للولايات المتحدة الأمريكية والسلطات الكينية، ادعى هو عليكم أنكم أنتم أعطيتموه أوامر وأنكم أنتم طلبتم منه تنفيذ هذه التفجيرات، ما حقيقة موقفكم من هذه التفجيرات وما علاقتكم بمحمد صادق هويدا؟؟
أسامة: السؤال طويل. المهم هنا بالنسبة للتفجيرات في شرق إفريقيا أنها بفضل الله سبحانه وتعالى أدخلت السرور على المسلمين في العالم الإسلامي. والمتابع للصحافة أو الإعلام العالمي وجد مدى تعاطف العالم الإسلامي لضرب الأمريكان، وإن كان هناك من أسفوا لمقتل بعض الأبرياء من أهل تلك البلاد، لكن الواضح هو الموجة العارمة من الفرح والسرور التي عمت العالم الإسلامي، لأنهم يعتقدون أن اليهود وأمريكا قد بالغوا في التعسف وفي احتقار المسلمين، وعجزت الشعوب عن أن تحرك الدول الإسلامية لأن تدافع عنها أو أن تثأر لدينها. فلذلك هذه الأفعال هي ردود أفعال شعبية بحتة من شباب قدموا رؤوسهم على أكفهم يبتغون رضوان الله سبحانه وتعالى، أنا أنظر بإجلال كبير واحترام إلى هؤلاء الرجال العظام على أنهم رفعوا الهوان عن جبين أمتنا سواء الذين فجروا في الرياض أو تفجيرات الخبر أو تفجيرات شرق إفريقيا وما شابه ذلك، أو إلى إخواننا الأشبال في فلسطين الذين يلقنون اليهود دروساً عظيمة في كيف يكون الإيمان وكيف تكون عزة المؤمن، ولكن للأسف بعد تلك العمليات الجريئة في فلسطين، اجتمع الكفر العالمي، والمحزن أن يجتمعوا على أرض الكنانة في مصر، وجاءوا بعملائهم من حكام المنطقة من حكام العرب بعد أن ضحكوا على الأمة أكثر من نصف قرن، وكلما اجتمع ملك مع رئيس قالوا اجتمعوا من أجل قضية فلسطين وبعد مرور نصف قرن أضحت الصورة الجلية أنهم جاءوا لا لينصروا المجاهدين، وإنما جاءوا ليدينوا أولئك الأشبال الذين قتل آباؤهم وقتل إخوانهم وسجنوا وعذبوا واضطهدوا وهم يدافعون عن دينهم يريدون أن يجلوا الكفار منها. فكما يقال من المعضلات توضيح الواضحات، فلا أدري ماذا ينتظر الناس بعد هذه العمالة الواضحة البينة ، والاستفزاز الذي يمارسه حكام العرب لصالح اليهود وأمريكا؟!.
لنا حق في قتلهم وقتالهم
سؤال:لكن الولايات المتحدة تقول إنها على قناعة ولديها أدلة على تورطكم بهذه العمليات وحتى الآن لم تكشف هي عن هذه الأدلة غير أنه في التحقيقات يقال إن شخصاً كان من جماعتكم أو من أنصاركم اعترف للمخابرات الأمريكية بأشياء كثيرة عن تنظيمكم وعن علاقتكم بالعمليات حتى عن تفجير مبنى التجارة الدولي في نيويورك؟
أسامة: ادعاءات أمريكا كثيرة، ولكنها على افتراض صحتها لا تعنينا في شيء. هؤلاء يقاتلون ويقاومون الكفر العالمي، فما الذي يغضب أمريكا عندما تعتدي على الناس والناس يقاومونها؟! لكن ادعاءاتها مع ذلك أيضاً باطلة، إلا إذا قصدت أن لي صلة بتحريضهم فهذا واضح، وأعترف به في كل وقت وحين، أتى كثير من الناس بفضل الله كان منهم الأخوة الذين نحسبهم شهداء ، الأخ عبد العزيز المعثم الذي قتل في الرياض ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأخ مصلح شمراني، والأخ رياض الهاجري، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم جميعاً والأخ خالد السعيد، فهؤلاء اعترفوا أثناء التحقيقات أنهم تأثروا ببعض الإصدارات والبيانات التي ذكرناها للناس ونقلنا فيها فتاوى أهل العلم بوجوب الجهاد ضد هؤلاء الأمريكان المحتلين، فكما ذكرت من قبل ما الخطأ في أن تقاوم المعتدي عليك؟! جميع الملل هذا جزء من كيانها، هؤلاء البوذيون،هؤلاء الكوريون الشماليون والفيتناميون قاتلوا الأمريكان. هذا حق مشروع فبأي حق الإعلام العربي والإسلامي يطارد المجاهدين الذين اقتدوا بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام الذي جاء في الصحيح عنه : " والذي نفس محمد بيده، لوددت لو أغزو فاقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل " فهذه أمنية لنا أن نجاهد في سبيل الله ، وقد ذكرت من قبل مع بعض الجهات الإعلامية الغربية أنه شرف عظيم فاتنا أن لم نكن قد ساهمنا في قتل الأمريكان في الرياض، نعم فهذه التهم باطلة جملة وتفصيلاً ،إلا إذا قصدت بالصلة التحريض، فهذا صحيح أنا حرضت الأمة على الجهاد، نعم وكثير من إخواننا ومن علماء المسلمين حرضوا على الجهاد.
ادعاءات أم اعتراف؟
سؤال:محمد صادق هويدا ادعى أنه تدرب في معسكراتكم وأنه كان على علاقة شخصية بكم ، ما مدى صحة ادعاءاته والأقوال المنسوبة له في بعض وسائل الإعلام؟
أسامة:الذي أعرفه أنه في معسكرات الجهاد في أفغانستان أن من الله علينا بأن ساهمنا في فتحها أيام الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي، وقد تدرب في تلك المعسكرات أكثر من خمسة عشر ألف شاب بفضل الله سبحانه وتعالى، معظمهم من بلاد العرب وبعضهم من إخواننا من العالم الإسلامي، فأما ما يقال إنني كلفته بالقيام بهذا التفجير فإني أعتقد جازماً أن هذا وهم ومغالطة ترتكبها الحكومة الأمريكية وليس عندها أي دليل ، وعلى افتراض أن الأخ هويدا قال هذا الكلام فيكون تحت التعذيب وأخذت منه اعترافات بالقوة ، كما لا يخفى أساليب التعذيب في باكستان أو في شرق إفريقيا أو المخابرات الأمريكية.
عقمت النساء أن يلدن مثله!
سؤال: لكن أيضا محمد صادق هويدا ادعى عليكم أيضاً أنكم أعطيتم أوامر باغتيال الشيخ عبد الله عزام في بيشاور في العام 1989 وأنه كان هناك صراع على قيادة العرب أو الأفغان العرب كما يسمونهم أي المجاهدون العرب في أفغانستان، ما مدى صحة هذه الادعاءات وما موقفكم منها وكيف يمكن أن تصفوا علاقتكم بالشيخ عبد الله عزام لحين قتله؟
أسامة: الشيخ عبد الله عليه رحمة الله هو رجل بأمة، أظهر بوضوح بعد أن اغتيل رحمه الله مدى العقم الذي أصاب نساء المسلمين من عدم إنجاب رجل مثل الشيخ عبد الله رحمه الله، فأهل الجهاد الذين جاءوا وعاشوا تلك المرحلة يعلمون أن الجهاد الإسلامي في أفغانستان لم يستفد من أحد كما استفاد من الشيخ عبد الله عزام ، حيث أنه حرض الأمة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب على الجهاد. الشيخ عبد الله عزام في فترة من ذلك الجهاد المبارك زاد نشاطه مع إخواننا المجاهدين في فلسطين وبالذات حماس، وبدأت كتب الشيخ تدخل داخل فلسطين لتحريض الأمة على الجهاد وخاصة كتاب آيات الرحمن ، وبدأ الشيخ ينطلق من الجو الذي ألفه الإسلاميون من جو المساجد والقوقعة الضيقة والإقليمية من داخل مدينته وانفتح لتحرير العالم الإسلامي، فعند ذلك وكنا وإياه في مركب واحد كما لا يخفى عليكم مع أخينا وائل جليدان ، فعملت مؤامرة لاغتيال الجميع وكنا نحرص كثيراً على ألا نخرج مع بعضنا وكنت دائما أطلب من الشيخ عليه رحمة الله، أن يبقى بعيداً عن بيشاور في (معسكر صدى) نظراً لزيادة المؤامرات وخاصة بعد أن اكتشفنا في مسجد سبع الليل قبل أسبوعين أو أسبوع من اغتيال الشيخ قنبلة. واليهود كانوا أكثر المتضررين من تحرك الشيخ عبد الله، فالمعتقد أن إسرائيل مع بعض عملائها من العرب هم الذين قاموا باغتيال الشيخ عبد الله، أما هذه التهمة نعتقد أنها من تقولات اليهود والأمريكان وبعض عملائهم، وهي أدنى من أن يرد عليها ولا يعقل للإنسان أن يقطع رأسه ومن عاش الساحة يعلم مدى الصلة القوية بيني وبين الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، وهذه ترهات يذكرها بعض الناس ولا أساس لها من الصحة ولم يكن هناك تنافس. فالشيخ عبد الله عزام عليه رحمة الله كان يجاهد في باب الدعوة والتحريض ونحن كنا في جبال بكتيا في الداخل، وهو يرسل لنا الشباب ونأخذ بتوجيهاته وبما يأمرنا به عليه رحمة الله، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يتقبله شهيداً وابنيه محمد وإبراهيم وأن يعوض الأمة بمن يقوم بالواجب الذي كان يقوم به.
حتى ينفضوا
سؤال:بعد القصف الصاروخي الأمريكي على أفغانستان أمر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بحرب اقتصادية أو مالية ضدكم وضد المؤسسات المالية والتجارية التي تديرونها، أو تتعاملون معها، وقيل إن مرحلة تجفيف الينابيع والمصادر المالية بدأت ضدكم. هذا الأمر ألا يمكن أن يضع مواردكم المالية في أضيق حدودها، ويمكن أن يسبب لكم متاعب مالية ويسبب انفضاض أنصاركم عنكم في المرحلة القادمة؟
أسامة:الحرب سجال يوم لنا ويوم علينا، أمريكا مارست ضغوطاً شديدة جداً على نشاطاتنا منذ وقت مبكر ، وأثر ذلك علينا وقد استجابت بعض الدول التي لنا فيها أملاك وأموال وأمرتنا بالكف عن العداء لأمريكا، ولكن اعتقادنا أن هذا واجب علينا، وهو تحريض الأمة فاستمرينا في التحريض وبفضل الله سبحانه وتعالى واصلنا، ونحن الآن لنا بضع سنين. الضغط الأمريكي لم يبدأ في الحقيقة مع القصف الأخير ولكن بعض الدول العربية مارست علينا ضغوطاً اقتصادية ومنعتنا من حقوقنا وضيقت علينا ومنعت حتى أهلنا أن يدفعوا إلينا أموالنا، وهم في ذلك يقتدون بعبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين ويقتدون بالمنافقين الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم } هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون { فعاقبهم الله سبحانه وتعالى الآن وهم يعيشون في تضييق أشد من تضييقهم علينا، وأما نحن فكما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، حائزاً قوت يومه فقد جمعت له الدنيا بحذافيرها " ، فوالله الذي لا إله إلا هو نشعر أن الدنيا بحذافيرها معنا والمال ظل زائل ، لكننا نخاطب المسلمين أن يبذلوا أموالهم في الجهاد ومع الحركات الجهادية خاصة التي تفرغت لقتال اليهود والصليبيين.
السير ضد التيار
سؤال: أعلنتم الدعوة للجهاد ضد اليهود وضد الأمريكان في فبراير من عام 1998 في الفتوى التي صدرت في تلك الفترة، ولكن هذا الإعلان بدأ يتزامن مع توجه عديد من الحركات الإسلامية التي مارست العمل المسلح إلى العودة عن هذا العمل المسلح كما نسمع حالياً في الجزائر، وكما شاهدنا في كثير من الدول العربية من أن الحركات الإسلامية بدأت تتجه للتعاطي مع البرلمانات وما يسمى باللعبة الديمقراطية، ألا ترون أنكم بالدعوة للجهاد وفي هذا الوقت أنكم تسيرون ضد التيار الذي تسير فيه الحركات الإسلامية الأخرى؟
أسامة:الحمد لله. نعتقد أن الجهاد فرض عين اليوم على الأمة ولكن ينبغي التفريق بين الحكم والقدرة على القيام به، ففي أي بلد توفرت المقومات اللازمة من العدد والعدة وما يلزم لأركان الجهاد أن تقوم فعند ذلك يجب على المسلمين في ذلك المكان أن يشرعوا بالجهاد ضد الكفر الأكبر المستبين، ولكن في بعض البلدان قد يكون ظهر لبعض الناس أن المقومات قد اكتملت وبعد فترة من الزمن أخذوا الخبرة والتجربة وظهر لهم أن المقومات لم تكتمل فعندئذ فهم مأمورون في هذه الحالة بالعفو والصفح ولكن من الذي يحدد هذه المقومات؟ هل هم الذين ركنوا إلى الدنيا أم هم الذين لم يأخذوا حظاً من العلم الشرعي؟ وإذا ما تيسر لهم أن يأخذوا حظاً من العلم العسكري فالصواب في هذه المسألة أن الجهاد رغم أنه فرض عين قد يسقط أحياناً للعجز لكن لا يسقط الإعداد الحقيقي لاستكمال العدد والعدة، أما ما انتشر بين المسلمين اليوم من القول أن الجهاد ليس وقته الآن ، فهذا الكلام إذا لم يقيد فهو غير صحيح. كثير من طلبة العلم يقولون إن الجهاد ليس وقته الآن، وهذا في الحقيقة مغالطة شديدة، إذا لم يقيد. أما إذا قيل فرض عين اليوم فيجب علينا أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة لاستكمال العدد والعدة والمقومات، فالكلام هنا يستقيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الموطن يبين أن الذي يفتي في أمور الجهاد هو الذي له علم بالدين الشرعي وله علم بالجهاد وأصول الجهاد ، وأن يكون مارس الجهاد. ولكن لما غاب الجهاد عن الأمة زمناً طويلاً نشأ لدينا جيل من طلبة العلم لم يخوضوا معامع الجهاد وتأثروا بالغزو الإعلامي الأمريكي الذي غزا بلاد المسلمين. فهو دون أن يخوض حرباً عسكرية قد أصيب بالهزيمة النفسية، يقول لك : صحيح أن الجهاد لازم لكن لا نستطيعه، لكن الصواب أن الذين من الله سبحانه وتعالى عليهم بالجهاد كما حصل في أفغانستان أو في البوسنة أو الشيشان، ونحن من الله علينا بذلك، فنحن على يقين أن الأمة اليوم تستطيع بإذن الله سبحانه وتعالى أن تجاهد ضد أعداء الإسلام وبخاصة ضد العدو الأكبر الخارجي التحالف الصليبي اليهودي .
أسباب القعود
وأشير هنا إلى مسألة أن بعض الشباب (نرجو الله أن يحفظهم ويبارك فيهم) يتأثرون بقعود بعض الكبار، ويظنون أن هؤلاء الكبار الذين يشار إليهم بالبنان ما قعدوا إلا لأنهم يعلمون مصلحة، وعند التحقيق في الأمر نجده ليس كذلك قطعاً، فليس بالضرورة أن يكون تأخر الذي يشار إليه بالبنان ناتج عن معرفة بالمصلحة ، فعند تدبر كتاب الله عز وجل نجد أن الخيار رضي الله عنهم وأرضاهم قد عاتبهم الله سبحانه وتعالى على التأخر، فإذا الخيار الأبرار الأطهار رضي الله عنهم أصابهم هذا الداء، داء التأخر عن الجهاد، فكيف تزعم اليوم لكبارنا أنهم يتأخرون لمصلحة؟ الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال قال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم هو وخير الناس رضي الله عنهم } كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون { هذا الوصف جاء لخيار الناس رضي الله عنهم أهل بدر، فهو داء يصيبنا، هذا كعب بن مالك رضي الله عنه كما حديثه في الصحيحين البخاري ومسلم حديث طويل يقول: يوم تبوك تخلفت وما كنت أيسر حالاً مني يومذاك وما ملكت راحلتين إلا في تلك الغزوة وقلت لنفسي اليوم أتجهز ويمضي اليوم ولم يجهز من أمري شيء ، ويقول نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد عندما أينعت الثمار وكنت إليها أصعر (أي أميل إلى الثمار) فالإنسان بشر تتجاذبه أثقال الأرض وهو من هو رضي الله عنه؟ من السابقين الذين أخذوا بيعة العقبة الكبرى المباركة التي منها انطلقت دولة الإسلام في المدينة المنورة تأخر غزوة ثم جاء في حديثه الطويل أنهم كانوا ثلاثة كما في كتاب الله } وعلى الثلاثة الذين خلفوا { والروايات من السيرة أن الذين خرجوا إلى تبوك ثلاثون ألفاً. كم عدد ثلاثة من ثلاثين ألفاً رقم لا يذكر اليوم، إنسان عسكري أو قائد عسكري في الجيش تقول له: تخلف عندك ثلاثة من ثلاثين ألفاً رقم ما يذكر لكن لعظيم الذنب أنزل الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات قرآنا يتلى إلى يوم القيامة في حساب هؤلاء ، فيقول كعب بن مالك رضي الله عنه فلما ضاقت علي الأرض بما رحبت تسورت حائطاً لابن عمي أبو قتادة وكان أحب الناس إلي وقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ أمر خطير جداً أراد أن يطمئن على إيمانه. على أعظم ما يملك في الوجود حب الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلا لا معنى لوجودنا بغير حبهما، حب الله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: لم يجبني، قال: فناشدته الثانية قال لم يجبني، قال: فناشدته الثالثة ، قال: لم يجبني فلم يستطع أبو قتادة رضي الله عنه أن يثبت له محبته لله ورسوله عليه الصلاة والسلام. كيف يثبتها وهو قاعد مع الخوالف وهذا دين الله قد جاءت الأخبار أن الروم يريدون أن يعتدوا عليه في تبوك. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في الحر والحرور لنصرة الدين وأنت جالس عن نصرته فكيف يثبت له، فلم يثبت له محبة الله والرسول عليه الصلاة والسلام ولم ينفها عنه، ولكنه قال: الله ورسوله أعلم. فيقول كعب بن مالك فتوليت وفاضت عيناي وحق له، أحب الناس إليه لم يستطع أن يثبت له هذا الأمر العظيم، فالشاهد من قولنا هذا الجهاد اليوم هو متعين على الأمة وقد يسقط للعجز لكننا نحن نعتقد أن الذين خاضوا الجهاد في أفغانستان من أكثر ما يتوجب عليهم لأنهم علموا أنه بإمكانيات ضعيفة وعدد قليل من الـ RPJ عدد قليل من ألغام الدبابات، عدد قليل من الكلاشينات تحطمت أكبر أسطورة عسكرية عرفتها البشرية وتحطمت أكبر آلة عسكرية وزال من أذهاننا ما يسمى بالدول العظمى، ونحن نعتقد أن أمريكا أضعف بكثير من روسيا ومما بلغنا من أخبار إخواننا الذين جاهدوا في الصومال وجدوا العجب العجاب من ضعف الجندي الأمريكي ومن هزالة الجندي الأمريكي ومن جبن الجندي الأمريكي، ما قتل منهم إلا ثمانون ففروا في ليل أظلم لا يلوون على شيء بعد ضجيج ملأ الدنيا عن النظام العالمي الجديد، فهذا اعتقادنا يسع الناس إذا اتقوا الله عز وجل الذي يعلم أن باستطاعته أن يجاهد والذي يعلم طاقته الآن ما تزال يحتاج إلى استثمار يعمل على استثمار المقومات والله أعلم.
شراء الذمم
سؤال: المبلغ الذي رصدته الإدارة الأمريكية للقبض عليكم أو الإدلاء بأي معلومات تفيد القبض عليكم واعتقالكم وهو خمسة ملايين دولار البعض يظن أن هذا المبلغ قد يكون مغرياً للبعض من أنصاركم وكما يدعون ليدلوا بمعلومات حولكم أو من يرافقونكم، ألا تخشون الخيانة من أي طرف ؟؟
أسامة: الحمد لله، يعني أنت أتيت وما ترى ما عندنا، هؤلاء شباب نرجو الله أن يحفظهم ويتقبلهم ويتقبل من قتل منهم شهيداً طيلة هذا الجهاد المبارك.هم تركوا الدنيا وجاءوا إلى هذه الجبال وإلى هذه الأرض ، تركوا أهلهم وتركوا آباءهم وأمهاتهم وتركوا جامعاتهم ، وجاءوا هنا تحت القصف وتحت قصف الكروز وقصف الأمريكان وقد قتل بعضهم كما علمتم من إخواننا ستة من الإخوان العرب وأحد إخواننا الترك نرجو الله أن يتقبلهم جميعا شهداء ، كان منهم أخونا صديق من مصر، وأخونا حمدي من مصر، وثلاثة من إخواننا من اليمن منهم أخونا بشير وأخ آخر اسمه سراقة، أخونا أبو جهاد أيضا وكذلك أخونا من المدينة المنورة صلاح مطبقاني،هؤلاء تركوا الدنيا وجاءوا إلى الجهاد. فأمريكا لأنها تعبد المال تظن أن الناس هنا على هذه الشاكلة، والله ما غيرنا رجلاً واحداً من مكانه بعد هذه الدعايات والذي نظنه في إخواننا نحسبهم على خير وهم كذلك، والله حسيبهم.
قادة أم رعية؟
سؤال: الآن أنتم متواجدون على الأرض الأفغانية وتقيمون في مناطق تابعة للحكومة الأفغانية (حركة طالبان). ما هي طبيعة العلاقة بينكم وبين هذه الحركة والحكومة الأفغانية هل أنتم تبع لها أم أنكم تعملون باستقلالية في عملكم وتصرفاتكم ولكن ضمن الأرض الأفغانية؟
أسامة: ذكرت أننا كنا في حزن شديد أثناء اختلاف الفصائل الأفغانية والمجاهدين، ولكن من الله سبحانه وتعالى على الأمة بحركة طالبان وجاءت وأنقذت هذا الجهاد من المخطط الأمريكي الذي كان خلف نجيب وكان يضغط على المجاهدين عبر باكستان لتشكيل حكومة علمانية فيها خمسون في المائة من الشيوعيين السابقين وبعض الذين درسوا في الغرب والبقية من الأحزاب الأفغانية الجهادية السبعة، والحمد لله أن وفق لمجيء هذه الحركة وجاءت في وقت قد بلغ السيل الزبى وبلغ التعب بالناس مبلغه، وكثر قطاع الطرق للأسف الشديد واستطاع الأمريكان وحلفاؤهم أن يقسموا أفغانستان إلى خمس دويلات وأنتم في باكستان لا شك أنكم تتابعون ذلك. فكان هناك دولة في المشرق أو ما يسمى حوزة شرق (جلال أباد) وتشمل ولايات ننجرهار، كونار لغمان، بقيادة حاجي قدير، وفي الغرب دولة أخرى حوزة غرب، بقيادة محمد إسماعيل خان، الذي كان لديه ولايات هيرات، نيمروز، فراه، بادغيس، وأيضا حكومة أخرى مستقلة حقيقة عن أفغانستان وفي الشمال الدولة التي يدعمها الشيوعيون من قبل وهو دوستم وكان له هناك بعض الولايات في الشمال، كان هناك دولة لأحمد شاه مسعود ونجيب وسياف ومن المستغرب أن المسلمين في كل مرة يضحك عليهم، يعني كيف يمكن أن نصدق حكومة تقوم في كابل في هذا الحي نجيب الشيوعي الذي قتل من المسلمين سبعين ألفا وبجواره أحمد شاه مسعود وحكومة مشتركة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويوقع نجيب على ميزانيتها نجيب الشيوعي الرئيس السابق! ثم يقال لنا نحن لسنا شيوعيين ولسنا مع الشيوعيين!!هذه في الحقيقة كانت حكومة مشتركة بدعم من أطراف خارجية، ونجيب فيها وفي الجنوب كانت دولة طالبان من ولاية قندهار وزابل وهلمند ، فكانت هناك خمس دويلات في هذه الدولة الصغيرة، فضلا عن قطاع الطرق الذين يعتبرون دويلات داخل الدولة، فمن الله على المسلمين بمجيء حكومة طالبان وكان هناك ليس قوى دفع من الخارج كما يصورها الإعلام الغربي الصليبي وإنما قوة سحب من الداخل، الناس ملت من قطاعي الطرق ومن أخذ الإتاوات والمكوس فأي قبيلة لها طلبة علم لهم صلة بالطالبان فكانوا هم يذهبون ويطلبون من الطلبة أن يأتوا إلى هذه الولاية أو تلك، ولذلك نرى أن المهندس حكمتيار مكث أربع سنوات على حدود كابل وبدعم من باكستان حتى يتقدم أمتار لأخذ كابل ولم يستطع، ومعلوم أن الحزب الإسلامي برئاسة حكمتيار هو أفضل الأحزاب الأفغانية من حيث القوة والترتيب والتنظيم والانتشار في داخل أفغانستان ولم يستطع أن يتقدم، وفي المقابل معلوم عن الطلبة هم صغار سن في الجملة وكثير من صغارهم لم يشاركوا في قتال، ولكن بسبب السحب الداخلي من الشعب بعد أن وصل إلى دور برز فيه اليأس من الأعمال السابقة فتح الله عليهم، فنحن ننصح المسلمين في داخل أفغانستان وفي خارجها أن ينصروا هؤلاء الطلبة وننصح المسلمين في الخارج أن كثيراً من الجهد إن كان بعيداً عن وجود الدولة الإسلامية فلن يـأتي بالثمرة المرجوة الكبيرة، فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مكث ثلاثة عشر سنة يدعو في مكة المكرمة وكانت المحصلة بضع مئات من المهاجرين رضي الله عنهم فلما وجدت دولة المدينة على صغرها في خضم دولة الفرس ودولة الروم وفي خضم عبس وذبيان وغطفان وقبائل العرب المجاورة والأعراب التي تنهش هذه الدويلة، ومع ذلك قام الخير فنحن ندعو المسلمين أن ينصروا هذه الدولة بكل ما أوتوا من قوة، من قوة بإمكانياتهم وأفكارهم وبزكواتهم وبأموالهم التي هي بإذن الله اليوم تمثل راية الإسلام وأن أي اعتداء من أمريكا اليوم على أفغانستان هو ليس على أفغانستان في ذاتها وإنما على أفغانستان رافعة راية الإسلام في العالم الإسلامي، الإسلام الصحيح المجاهد في سبيل الله، فعلاقتنا بفضل الله تعالى معهم قوية جداً ووطيدة وهي علاقة عقدية قائمة على معتقد وليس مواقف سياسية أو تجارية، ساهمت كثير من الدول وحاولت أن تضغط على الطالبان ترغيباً وترهيباً ولكن الله سبحانه وتعالى ثبتهم.
سؤال: لكن ما هي صحة الأخبار التي تحدثت عن استعداد أو إمكانية قيام حركة أو حكومة طالبان بتسليمكم لأي دولة في حال توجيه اتهامات رسمية مع وجود أدلة؟
أسامة: فيما سمعت أن الطلبة نفوا مثل هذا الكلام ، وهو كلام غير صحيح فيما نعلم والله أعلم.
سؤال:تحدثتم قبل قليل عن مشاركتكم في الجهاد الأفغاني وأن بعض الدول خاصة دول الخليج شجعت المجاهدين بل دعمتهم وقدمت لهم ، ومن الدول الأخرى التي قدمت دعماً في ذلك الوقت ضد الاتحاد السوفيتي الولايات المتحدة الأمريكية، وسائل الإعلام الغربية والعالمية تتحدث عن وجود صلة لكم مع الإدارة الأمريكية أو المخابرات الأمريكية أثناء الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي. ما هي حقيقة هذه العلاقة إن كانت موجودة وما هو موقفكم منها، وهل صحيح أنه كان لهم أي جهد في تنمية نشاطاتكم ضد الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت؟؟؟
جنود لشرع الله
أسامة:عودة إلى سؤالكم السابق لسؤالكم هذا ، نحن هنا لا نعمل بصفة مستقلة، بل نحن في دولة لها أمير مؤمنين، ملزمون شرعاً بطاعته فيما ليس فيه مخالفة لله سبحانه وتعالى ونحن ملتزمون بهذه الدولة وندعو الناس لنصرتها ونقدر كما ذكرنا الخلط الذي تمارسه أمريكا، هي تريد أن تضرب دولة الإسلام في أفغانستان ولكنها ترفع شعار ضرب أسامة بن لادن، لكن هذا الأمر لن ينفعها، أما نحن فبإذن الله قد خرجنا ونحن نعلم هذا الطريق منذ البداية، ولا تخيفنا بفضل الله سبحانه وتعالى صواريخ أمريكا، ولكننا نحذرهم من أي ضرب لهذا الشعب لأنه اعتداء على دولة الإسلام، ولظروف كثيرة في أفغانستان هناك رأي للطلبة ألا نتحرك من داخل الأراضي الأفغانية ضد أي دولة أخرى، وهذا كان قرار أمير المؤمنين كما هو معلوم، ولكن التحريض بفضل الله نحن نقوم به وليس واقفاً على جهدنا المحدود في هذه المرحلة وبفضل الله نحن مطمئنون إلى أن الأمة تسير بخطى حثيثة نحو العمل الجهادي ضد أمريكا وهو كما ذكرت.
أنا والأمريكان أيام زمان
سؤال:ذكر في وسائل الإعلام العالمية عن دعم أمريكا للجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي الذي شاركتم أنتم في هذا الجهاد بنفسكم ومالكم وكما ذكر أيضا في وسائل الإعلام العالمية أنكم كنتم على صلة أو أن الاستخبارات الأمريكية كانت هي التي تمول نشاطكم وتدعمكم في هذا الجهاد ما هي حقيقة هذه الادعاءات وما صحة الصلة بينكم وبين أمريكا في ذلك الوقت؟
أسامة:هذه محاولة للتشويه من الأمريكان. الحمد لله الذي رد كيدهم إلى الوساوس، وكل مسلم منذ أن يعي التمييز وفي قلبه بغض الأمريكان، وبغض اليهود والنصارى هو جزء من عقيدتنا وجزء من ديننا، ومنذ أن وعيت على نفسي وأنا في حرب وفي عداء وبغض وكره للأمريكان، وما حصل هذا الذي يقولونه قط. أما أنهم دعموا الجهاد أو دعموا القتال فهذا الدعم عندما تبين لنا ، في الحقيقة هو دعم من دول عربية وخاصة الدول الخليجية لباكستان حتى تدعم الجهاد وهو لم يكن لوجه الله سبحانه وتعالى وإنما كان خوفا على عروشهم من الزحف الروسي ، وأمريكا في ذلك الوقت كان كارتر لم يستطع أن يتكلم بكلمة ذات شأن إلا بعد مرور بضع وعشرين يوما في عام 1399 هجرية الموافق من عشرين يناير 1980 قال إن أي تدخل من روسيا إلى منطقة الخليج فإن أمريكا سوف تعتبره اعتداءً عليها، لأنه محتل لهذه المنطقة محتل للبترول فقال نحن نستخدم القوة العسكرية إذا حصل هذا التدخل، فالأمريكان يكذبون، إذا زعموا أنهم تعاونوا معنا في يوم من الأيام ونحن نتحداهم ليبرزوا أي دليل، وإنما هم كانوا عالة علينا وعلى المجاهدين في أفغانستان، ولم يكن أي اتفاق، وإنما كنا نحن نقوم بالواجب لنصرة الإسلام في أفغانستان وإن كان هذا الواجب يتقاطع بغير رضانا مع مصلحة أمريكية . عندما قاتل المسلمون الروم، ومعلوم أن القتال كان شديداً بين الروم والفرس وكان دائماً، ولا يمكن لعاقل أن يقول إن المسلمين عندما بدأوا بالروم في غزوة مؤتة كانوا هم عملاء للفرس، وإنما تقاطعت المصلحة، يعني قتلك الروم وهو واجب عليك كان يفرح الفرس، لكن بعد أن هم أنهوا الروم بعد عدة غزوات بدأوا بالفرس، فتقاطع المصالح لا يعني العمالة، بل نحن نعاديهم من تلك الأيام ولنا محاضرات بفضل الله سبحانه وتعالى منذ تلك الأيام في الحجاز ونجد بوجوب مقاطعة البضائع الأمريكية وبوجوب ضرب القوات الأمريكية وبوجوب ضرب الاقتصاد الأمريكي منذ أكثر من 12 سنة.
سؤال:هناك تقارير منشورة في وسائل الإعلام العربية والعالمية عن وجود نشاط لبعض أتباعكم وأنصاركم في بعض الدول العربية ومنها اليمن على سبيل المثال ما صحة هذه التقارير؟
الشبكة الدولية
أسامة:نحن صلتنا بالعالم الإسلامي في كل مكان منه، سواء في اليمن أو في باكستان أو في أي مكان آخر. نحن جزء من أمة واحدة وبفضل الله الذين اقتنعوا وتحفزوا للجهاد في كل يوم يزداد عددهم، وأعدادهم مبشرة، لنا أنصار في اليمن وفي غير اليمن، في اليمن تربطنا علاقات قوية وقديمة بفضل الله سبحانه وتعالى فضلاً عن أن جذورنا ، أي جذور الوالد من اليمن.
سؤال: قبل شهرين تقريباً اعتقلت السلطات الألمانية شخصاً يدعى ممدوح محمود سالم يقال إنه كان المدير المالي لكم وسلمته ألمانيا قبل أيام للولايات المتحدة الأمريكية وهذا الشخص متهم بأنه كان يدير أعمالكم التجارية. ما مدى العلاقة التي تربطكم بهذا الشخص، وما مدى تأثير اعتقاله وتسليمه للسلطات الأمريكية على نشاطاتكم أو تمويلكم؟؟
أسامة: أخونا ممدوح والمعروف بين الشباب باسم أبي هاجر رجل من خيرة من عرفنا من الرجال، كان حافظاً لكتاب الله سبحانه وتعالى، أعطاه الله صوتا جميلاً وهو إمامنا في بيشاور، ولا يخفى على أحد، وكان في تلك الفترة يقوم بأعمال إغاثية متعاونا مع بعض الهيئات الإسلامية الإغاثية في بيشاور، كما لا يخفى عليكم. الصلة به قديمة ومن تلك الأيام، لكن نحن نتابع الأخبار العالمية وأنهم يلقون القبض على عدد من الشباب منهم أبو عبيدة ومنهم خالد الفواز، ومنهم ممدوح وغيرهم، وهذا في الحقيقة لمحاولة تغطية الفشل الأمريكي الذي أصابهم بعد حادثي نيروبي ودار السلام، وخاصة حسبما نشرت التقارير الاستخبارية العالمية أنها كانت ضربة مؤلمة، ولم يأخذوا مثلها منذ تفجير مقر المارينز في لبنان، حيث أن سفارة أمريكا في نيروبي كانت عبارة عن ست سفارات أمريكية مركبة ومنها انطلق الغزو الأمريكي إلى الصومال، وقتل من إخواننا ونسائنا وأبنائنا في الصومال 13 ألفاً ، بل تحت راية الأمم المتحدة وذكرت الأخبار بالصور أنهم كانوا يشوون إخواننا الصوماليين كما تشوى النعاج ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولم يتكلموا عن مدى الوحشية أو عن الاعتداء وغير ذلك، وإنما اللوم يأتي دائما على المسلمين إذا دافعوا عن أنفسهم. ومن هناك ومن بضع عقود تدار المؤامرات الأمريكية لتقسيم السودان وتنطلق من نيروبي، والذي دبر الأمر في تلك الدولة هي السفارة الأمريكية كما هو معلوم، وأكبر مركز للمخابرات الأمريكية في شرق إفريقيا هو تلك السفارة، ومن فضل الله على المسلمين كانت ضربة موفقة كبيرة جداً، كانوا أهلاً لها حتى يذوقوا مما ذقناه في صبرا وشاتيلا وفي دير ياسين وقانا وفي الخليل وغيرها.الشاهد هو أن الأخ ممدوح هو أخ كريم وفاضل لكن والحق يقال أنه ليس له صلة بأي شيء مما اتهم فيه وصلاتنا به للأسف مقطوعة بعد خروجنا، وقد التزم بأعمال أخرى مدنية ليست لها صلة بنا بتاتاً فهو ظلم مركب عليه كما اتهموا الشيخ عمر عبد الرحمن وهو رجل مسن قد ذهب بصره ومن كبار علماء المسلمين نرجو الله أن يفرج عنه ، وهذا الاتهامات محاولة للتغطية على الفشل الذي وقعت فيه السي أي إيه.
تعالوا إلى كلمة سواء
سؤال:علاقاتكم بالتنظيمات الإسلامية الأخرى في الوطن العربي كيف تصفونها، في الوقت الحاضر؟ وما هي حقيقة موقف الجماعة الإسلامية في مصر من الجبهة الإسلامية العالمية وهل انسحبت منها؟
أسامة: بفضل الله سبحانه علاقتنا بالجماعات الإسلامية بالجملة علاقات جيدة وحسنة ونحن نتعاون معهم على البر والتقوى لنصرة هذا الدين كل في المجال الذي فتح الله سبحانه وتعالى عليه به، ونحن ندعو المسلمين وخاصة العاملين للإسلام أن يترفعوا عن المشاكل الجزئية، واستطاعت للأسف شياطين الجن والإنس وبخاصة من الصليبيين أن يصرفوا الدول فضلا عن الجماعات الصغيرة فيها إلى مشاكل إقليمية، فتجد أن مصر لها مشاكل مع ليبيا، والسعودية مع اليمن، وكذلك الجماعات تعيش في مشاكل ضيقة في الجملة إلا من رحم الله، بينما يقترب الكفر الأكبر والتحالف الصليبي الأمريكي يمزق العالم الإسلامي، وينهب ثروات المسلمين بشكل لم يسبق له مثيل، وأما بخصوص الشطر الثاني من السؤال حول الجماعة الإسلامية في مصر وانسحابها من الجبهة الإسلامية العالمية، فنحن تربطنا بإخواننا في الجماعة الإسلامية علاقات قوية بفضل الله سبحانه وتعالى منذ أيام الجهاد وكنا نقاتل في خنادق واحدة ضد الاتحاد السوفيتي، وكان لهم موقف مشرف ومؤيد في التوقيع على الفتوى التي تهدر دم الأمريكان واليهود، فهم وقعوا على الفتوى ولكن حصل هناك لبس في مسألة إدارية عند تصدير الفتوى، جاء إصدار الفتوى موافق تاريخياً لنشوء الجبهة، فحصل لبس عند الناس أن الجماعة الإسلامية هي جزء من الجبهة الإسلامية العالمية، لذلك اضطرت الجماعة لتوضيح موقفها وأنها وقعت على الفتوى لكنها ليست جزءً من الجبهة الإسلامية العالمية.
مقدسات في حراسة. . . . المومسات
سؤال:الأهداف التي ترونها لأنفسكم في النهاية : ما هي هذه الأهداف وما هي الرسالة التي تريدون أن توجهوها للعالم العربي والإسلامي بشكل عام؟؟
أسامة: الحمد لله، كما ذكرت أننا نعتقد اعتقاداً جازماً وأقول ذلك لشدة ما تمارسه الأنظمة والإعلام علينا، يريدوا أن يسلخونا من رجولتنا، نحن نعتقد أننا رجال ورجال مسلمون، ينبغي أن نذود عن أعظم بيت في الوجود، الكعبة المشرفة، وأن نتشرف بالذود عنها، لا أن تأتي المجندات الأمريكيات من اليهوديات والنصرانيات يذدن عن أحفاد سعد والمثنى وأبي بكر وعمر، والله لو لم نكن قد أكرمنا الله بالإسلام لأبى أجدادنا في الجاهلية أن تأتي هؤلاء ويأتي هؤلاء الهنود الحمر بحجة هذه الدعوة وهي دعوى لم تعد تنطلي على الأطفال، وقد قال الحكام في تلك المنطقة أن مجيء الأمريكان لبضعة أشهر وهم كذبوا في البداية والنهاية، وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة كما ذكر رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام. منهم ملك كذاب، ومرت الأشهر ومرت السنة الأولى والثانية ونحن الآن في السنة التاسعة والأمريكان يكذبون الجميع، يقولون نحن لنا مصالح في المنطقة ولن نتحرك قبل أن نطمئن عليها، يعني أن العدو يدخل يسرق مالك وأنت تقول له أنت تسرق يقول لك لا هذه مصلحتي، فيغالطوننا بالألفاظ، فالحكام في تلك المنطقة وقع على رجولتهم شيء، لعل رجولتهم سلبت ويظنون أن الناس نساء. ووالله إن النساء الحرائر من المسلمين يأبين أن يدافع عنهن هؤلاء المومسات من الأمريكان واليهوديات، فهدفنا العمل بشرع الله سبحانه وتعالى والذود عن الكعبة المشرفة، هذه الكعبة العظيمة، وهذا البيت العتيق، الله سبحانه وتعالى جعل وجود البشر في هذه الأرض على توحيده بالعبادة، ومن أعظم العبادة بل أعظم العبادات بعد الإيمان الصلاة كما في الصحيح، رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل منا صلاة مكتوبة إذا لم نتجه نحو هذا البيت العتيق، والله سبحانه وتعالى اختار له خير الناس بعد نبينا، أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام وابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام. وهذا هدفنا أن نحرر بلاد الإسلام من الكفر، وأن نطبق فيها شرع الله سبحانه وتعالى حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، وأما رسالتي إلى المسلمين فنقول لهم: إن الدين والدنيا إذا لم نتبع أمر الله سبحانه وتعالى فستذهب ولا يبقى لنا دين ولا دنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأما الدين فنحن نرى الكفر الأكبر في بلاد الإسلام، ونرى الكفار وقد استحلوا بلادنا.
وهناك فرق بين القاضي الذي يحكم في مسألة واحدة بغير الشرع وإنما بهوى وبرشوة أو يخاف من السلطان إن حكم على أحد من أقربائه والذي يصدر منه مخالفة للشرع أو نحوه فهذا كفر لأن الله سبحانه وتعالى سماه كفراً، لكنه لا يخرج من الملة، } ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون { فهذا الذي قال عنه الشيخ محمد بن إبراهيم أما الذي وضع قوانين بدل شريعة الله حتى يتحاكم الناس إليها فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، وللأسف هذا انتشر انتشاراً واسعاً في العالم الإسلامي.
أكبر سرقة في التاريخ : فاقطعوا أيديهما !!
أما من ناحية الدنيا فهذا البترول كان يؤخذ بمبالغ زهيدة، ففي دول الخليج وفي السعودية شركة أرامكو وفي فترة مبكرة في عهد الملك فيصل كان لا يدفع للمملكة من البترول إلا بضع وسبعون سنتا للبرميل الواحد، يعني أقل من دولار، ثم شاء الله سبحانه وتعالى أن قامت الحرب ضد اليهود في عام 1973 ، وقطع العرب البترول فكسبوا أيضاً في دنياهم وارتفعت الأسعار إلى أن وصلت إلى ما يقرب من أربعين دولاراً للبرميل الواحد، ووصلت إلى ستة وثلاثين في الثمانينات، ثم قام الأمريكان باحتلالهم وضغطهم على دول الخليج وإجبارها على زيادة حجم إنتاجها النفطي ومن عرضها له في السوق، مما أدى إلى نزول الأسعار، فنحن نتكلم عن أكبر سرقة عرفتها البشرية في التاريخ، يمكن أن نوضح هذا من خلال الخريطة:
((هنا فتح الشيخ أسامة خريطة كانت معه يبين فيها ما قال عنه أكبر سرقة عرفتها البشرية وكانت فيها المعلومات التالية:
سعر البترول المفترض حالياً: 36×4=144 دولار.
سعر البترول حالياً: 9 دولار .
حجم السرقة الأمريكية في كل برميل:144-9=135 دولار.
الإنتاج اليومي من البترول للدول الإسلامية:30,000,000 برميل يومياً.
حجم السرقة اليومي: 135×30,000,000=4050 مليون دولار يومياً.
حجم السرقة السنوية :4050×365=1,478,250 مليون دولار.
حجم السرقة الكلية خلال 25سنة:1478250×25=36 تريليون دولار.
حجم ما يطالب به كل مسلم أمريكا من سرقتها:
36تريليون ÷1200 مليون مسلم =30,000 دولار لكل مسلم)).
سعر البترول وصل إلى أربعين دولار، لو أخذنا متوسط السعر 36 دولار للبرميل الواحد، فكما هو معلوم الأسعار الآن هي تسعة دولارات للبرميل وهو أقل سعر للبرميل منذ ربع قرن ومعلوم أن البترول هو السلعة الأساسية، والصناعات الأخرى متفرعة عنه، فلا معنى لوجود السيارات الفارهة بهذا الحجم ووجود كثير من الصناعات بهذا الحجم إلا وهي متفرعة عن البترول، فنجد أن الدول الصناعية رفعت أسعار السلع إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف على الأقل بينما للأسف البترول نزل سعره أربع مرات للأسفل في حين أنه كان ينبغي رفعه أربع أضعاف أو خمسة على الأقل ، فمن هنا عندما كان البترول سعره 36 دولاراً فلو رفعنا سعره أربع مرات يكون عندنا 144 دولار للبرميل الواحد، في حين أن سعره الحالي هو تسعة دولارات ، فحجم السرقة والخسارة في كل برميل من التي تسرقها أمريكا وحلفاؤها هو 144-9=135 دولار حجم السرقة للبرميل الواحد، وإذا علمنا أن أوبيك أو الدول الإسلامية وحدها في أوبيك تنتج وتصدر 25 مليون برميل في اليوم الواحد ، وأن الدول الإسلامية خارج الأوبيك تنتج وتصدر خمسة ملايين برميل يومياً فالإجمالي عندنا هو 30 مليون برميل يومياً، وإذا ضربنا هذا العدد بالرقم أعلاه لحجم السرقة في البرميل الواحد يومياً، يكون حجم السرقة في اليوم الواحد أربعة مليارات وخمسين مليون دولار يومياً.
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
وهذا الحجم لم تشهد له البشرية مثيلاً، ويكفي للتدليل على حجم هذه السرقة أن هذا المبلغ يكفي لإعاشة شعب في السودان من ثلاثين مليون شخص مدة أربعة أعوام، ويكفي لإعاشة شعب مثل اليمن بشماله وجنوبه مدة سنتين، إذ أن ميزانية اليمن هي مليارا دولار سنوياً، وأما بالنسبة للمملكة فخمسة أضعاف هذا الرقم أو أربعة أضعافه وقليل يساوي ميزانية المملكة السعودية، وإذا حسبنا كم حجم السرقة في سنة فيكون عندنا تريليون و478 مليار دولار، فإذا حسبنا حجم السرقة خلال ربع قرن فيكون عندنا36 تريليون دولار، حجم السرقة الذي سرق من المسلمين فقط على مستوى البترول فضلا عن المعادن الأخرى في بلاد المسلمين ولو قسمنا هذا المبلغ على عدد المسلمين الآن في العالم البالغ ألفا ومائتي مليون مسلم، فيكون لكل مسلم طفلا كان أو شيخا في ذمة أمريكا وحلفائها ثلاثون ألف دولار ولا حول ولا قوة إلا بالله، بينما شعوب العالم الإسلامي ترزح تحت الفقر والمرض والجوع، كيف نتخيل سرقة يوم واحد ماذا كانت يمكن أن تفعل في شعب مثل إخواننا في بنغلاديش الذين هم في مهب السيول والفيضانات في كل عام؟ والأمراض منتشرة فيهم وفي كثير من الشعوب الإسلامية، فلذلك أمريكا لا ترغب في كل من يقول كلمة الحق ضدها.
احرث وادرس لبطرس !!
وتريد منه أن يسكت لحجم السرقة الضخم الذي تسرقه، والمؤسف أن أمريكا استطاعت أن تدخل دول الخليج نتيجة الاحتلال في دوامة الديون، فرغم انخفاض الأسعار، تلزمهم أمريكا بأن يشتروا أسلحة لا قبل لهم بها ولا حاجة لهم بها، جديدة وقديمة، خردة من عند الأمريكان يلزمون دول الخليج بشرائها، ولما نفذ الاحتياطي أصبحوا يلزمونهم الشراء بالدين، فاليوم كما في التقارير الموثقة من مراكز الدراسات في الجزيرة العربية وفي رسالة موجهة من الدكتور عبد العزيز الدخيل (وهو رئيس أحد مراكز الدراسات الاقتصادية) إلى أمراء البلاد يتحدث عن حجم الدين الخارجي والداخلي وهو ما يساوي تقريباً مائتي مليار دولار، ولو سألنا عن نسبة خدمة الربا وأقلها عشرة في المائة فيكون مطلوباً عشرين مليار دولار ضريبة الدين فقط، فضلا عن سداد أصل الدين، في حين أن دخل دول الخليج ، مثل الكويت، هي أيضاً في نفس المشكلة، الدخل من البترول، إذا اقتطعنا تكلفة الإنتاج، واقتطعنا ما ينبغي لإعادة الصيانة والاستثمار في مجال البترول فدولة مثل المملكة يكون ناتجها من البترول يساوي 16 مليار دولار فقط. وتحتاج إلى عشرين مليار دولار لخدمة الديون، فالأمريكان أدخلوا دول المنطقة في دوامة الديون التي لا يمكن أن يخرجوا منها إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وأن يعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، فإذا عبدوه حق العبادة فهو الذي يدفع الخوف وهو الذي يطعم الناس من جوع سبحانه وتعالى.
الساكت عن الحق
مسألة أخرى هنا أيضا أقول لإخواننا الذين ركنوا إلى الخوف وعزفوا عن الصدع بالحق وينتظرون أن تمر العاصفة، هاهي مرت سنوات وبدأت تمر العقود والحملة الصليبية لم تنته، أقول لهم إننا في هذا الزمن أقول إن الأمريكان يساوموننا على السكوت، وأمريكا وبعض عملائها في المنطقة ساوموني أكثر من عشر مرات على إسكات هذا اللسان السليط، قالوا اسكت ونرجع لك الجواز، ونرجع لك أموالك وبطاقة الهوية، لكن بشرط أن أسكت. وهؤلاء يظنون أن الناس يعيشون في هذه الدنيا من أجل الدنيا، وهم نسوا أنه لا معنى لوجودنا إن لم نسع لنيل رضوان الله سبحان وتعالى.
وهذا الرسم يوضح كثافة السكان حسب أعمارهم:
((هنا فتح الشيخ أسامة بن لادن رسماً بيانياً كان بحوزته وفيه الرسم التالي: هنا يجب أن تضع الرسم البياني))
فالناس منذ الولادة وحتى العاشرة هم أكبر قطاع في المجتمعات السوية، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم من ستين إلى سبعين، وفي هذا الزمن ضاقت الشريحة المعطاءة لخدمة الدين وخاصة في الجهاد، وكما هو معلوم فإنه من سن الولادة وحتى الخامسة عشرة يكون الإنسان غير مكلف ولا يعي الأحداث العظام، ومن سن 25 فما فوق يكون الإنسان دخل في التزامات أسرية، تخرجه من الجامعة والتزامات الوظيفة ولديه زوجة وأولاد، فعقله يزداد نضجاً لكن قدرة العطاء تصبح ضعيفة جداً: أترك الأولاد لمن؟من يصرف عليهم؟
نصرت بالشباب
وهكذا، ففي الحقيقة نجد أن الشريحة من خمسة عشر إلى خمسة وعشرين هي الشريحة التي لديها قدرة على العطاء والجهاد وهذا الذي لاحظناه في الجهاد في أفغانستان، معظم المجاهدين من هذا السن، فعندما دخل الأمريكان في محرم من أول سنة 1411 هجرية، هؤلاء الصغار ما كانوا يعون الحدث، وصدرت للأسف فتاوى، الدولة، ودول الخليج ساهمت في الضغط على هؤلاء العلماء لإصدار مثل هذه الفتاوى التي زعموا أنها مؤقتة، وقد حدثنا من نثق به من هؤلاء العلماء أمثال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مجلسه وفي بيته، قال نحن لم نصدر فتوى، وإنما بعد أن أدخلت الدولة الأمريكان جمعونا وقالوا لا بد أن تصدروا فتوى، وإلا فإن الشباب سوف يقاتلون هذه القوات الأمريكية، وتحدثت معه طويلأ في وجوب إصدار فتوى لإخراجهم، فتوى من هيئة كبار العلماء، فقال لي بوضوح ويشهد الله الذي لا إله إلا هو قال: يا أسامة ليس من حقنا في هيئة كبار العلماء أن نصدر فتوى من عند أنفسنا وإنما إذا أحيلت إلينا من المقام السامي ( على حد تعبيره) نحن نصدر فيها، فهذا حالنا للأسف الشديد.
فهذه الشريحة من 15-25 عاما عندما سكت الناس لم يعلموا حقيقة الأمر، فنحن الآن مرت علينا تسع سنوات منذ الغزو، وهذه الشريحة بالكامل، إلا الذين عمرهم أكثر من ستة عشر عاماً ووصلت إلى سن 34 عاماً، فهم دخلوا في الشريحة التي نضجت عقليأ ولا تستطيع أن تعطي، والشريحة الصغيرة التي تستطيع أن تعطي الناس متوقفون الآن عن تبيين الوضع لها. فإن سكتنا فسيصبح حالنا كما صار الحال في الأندلس، تمضي عشر سنوات ثم يتبلد الحس تدريجيا.
وذكرهم بأيام الله
أمر خطير، يجب على الناس أن يبذلوا ما يستطيعون في تحريض الأمة بكل ما يستطيعون بألسنتهم وأقلامهم وبأنفسهم ونحن بفضل الله قمنا بهذا الواجب اعتقاداً منا بأنه متعين علينا، ونحن مستمرون فيه حتى نلقى الله سبحانه وتعالى، وفي الختام أوجه نصيحة إلى جميع المسلمين بأن يتدبروا كتاب الله سبحانه وتعالى فهو المخرج وهو الذي انتشلنا من الجاهلية المنتنة في تلك العصور المظلمة، فدواؤنا في الكتاب والسنة، عندما يقرأ الإنسان القرآن يتعجب لقعود كثير من الناس، هل هم لا يقرأون القرآن أم أنهم يقرأون ولا يتدبرون. يقول الله سبحانه وتعالى:
} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين {
منهم: أي منهم في الكفر فيصبح كافراً.
ثم في الآية التي تليها يقول الله سبحانه وتعالى :
} فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين { .
فأرجو إخواني المسلمين أن يقرأوا القرآن وأن يقرأوا تفسير هذه الآيات وهي كثيرة جدا في كتاب الله سبحانه وتعالى، والتي حذرنا الله فيها من الولاء للكفار . فليقرأوا مختصر تفسير ابن كثير للشيخ محمد نسيب الرفاعي ، وأقول إن العالم الصليبي قد أجمع على أكل العالم الإسلامي، وقد تداعت علينا الأمم، ولم يبق لنا بعد الله سبحانه وتعالى إلا الشباب الذين لم تثقلهم أدران الدنيا، فالله سبحانه وتعالى علمنا كيف نرد الذين يتحججون في تأخير الجهاد قال تعالى:
} فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية، وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا { .
لولا أخرتنا إلى أجل قريب هو الذي نصاب به اليوم.
فالذي أيقن أن متاع الدنيا قليل وأن الآخرة خير وأبقى هذا الذي يستجيب لأمر الله سبحانه وتعالى وفي الآيات التي مرت معنا:
} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء {
يبين ابن كثير يقول إن المسلمين اكتشفوا المنافقين يوم دافعوا ووالوا بني قينقاع من اليهود، واليوم حكام العرب يوالون اليهود والنصارى على الملأ، وما زال الناس يمدحون أعداء الإسلام والمسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فينبغي وقفة جادة صادقة نبتغي بها رضوان الله سبحانه وتعالى وأن هذه الحياة الدنيا هي متاع الغرور، وعلى كل مسلم يستطيع أن ينفر بنفسه فعليه أن ينفر ويسأل عن مواطن الجهاد والإعداد في سبيل الله حتى يلقى الله سبحانه وتعالى وهو راض عنه، وأحرض نفسي والمؤمنين بقول القائل بعد هذه المصائب العظام:
تأهب مثل أهبة ذي كفاح فإن الأمر جل عن التلاحي
سألبس ثوبها وأذود عنها بأطراف الأسنة والصفاح
أتتركنا وقد كثرت عليها ذئاب الكفر تأكل من جناحي
ذئاب الكفر ما فتئت تؤلب بني الأشرار من شتى البطاح
فأين الحر من أبناء ديني يذود عن الحرائر بالسلاح
وخير من حياة الذل موت وبعض العار لا يمحوه ماحي
أسأل الله العلي العظيم أن يمن على المسلمين بعودة إلى دينه الكريم، وأن ينصر الشباب الذين خرجوا جهاداً في سبيله يبتغون رضوانه، ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم انصرنا على الأمريكان وإسرائيل ومن والاهم، إنك على كل شيء قدير . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى .
على هذا النحو انتهت مقابلة الشيخ أسامة بن لادن، وأؤكد مرة أخرى ما أسلفته في المقدمة من أنني لم أتصرف في كلماتها زيادة أو نقصانا، وإنما تركت الألفاظ كما هي، حرصا مني على أمانة النقل، وحفاظاً مني على إيصال رأي الرجل كما يرتأيه.









الفصل السابع

الدكتور أيمن الظواهري

أمانة
((أنا أشكرك على هذا اللقاء وأحملك أمانة نقل هذه المقابلة ، ولنا تجارب سيئة مع وسائل الإعلام الأخرى وأرجو أن تنجح قناة الجزيرة فيما لم ينجح فيه الآخرون في نقل هذه المقابلة)).
بهذه الكلمات اختتم الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد والمقرب من الشيخ أسامة بن لادن لقاءه الذي أجريته معه على أمل أن يبث عبر قناة الجزيرة لكنه لم ير النور لأسباب آمل أن تكون هناك شجاعة أدبية عند الجزيرة في إماطة اللثام عنها، ومنها حرية الإعلام في العالم العربي وموقف بعض العاملين في القناة ممن حاولوا منع مثل هذه المقابلات أن ترى النور ويفسحون لقادة العدو الغاصب في فلسطين، أن يطلوا علينا وعبر شاشاتنا العربية، ويهددوا بلادنا وشعوبنا من على هذه المنابر الإعلامية دون خجل أو حياء، وكل هذا يسمح به عملاً بالموضوعية، التي يقال إن البعض يتبناها هنا أو هناك. كما أن من أهم الأسباب التي منعت نشر مقابلة الشيخ أسامة بن لادن في الجزيرة كما أجريت في ديسمبر 1998 الضغط الأمريكي لمنع نشرها بالعربية وعدم إتاحة الفرصة لأسامة بن لادن مخاطبة العقل العربي والمشاهد العربي في وقت كانت المنطقة كلها تغلي ضد الوجود الأمريكي والغربي بشكل عام، وذلك بعد العدوان الذي قامت به القوات الأمريكية والبريطانية ضد الشعب العراقي في ديسمبر 1998 بحجة عدم تعاون العراق مع ما بات يعرف (بلجنة الجواسيس الدولية) المسماة باللجنة الخاصة لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكانت بعض دول الخليج شهدت ولأول مرة مظاهرات مؤيدة للشعب العراقي ومناهضة للوجود الأمريكي المدافع عن الكيان الغاصب في فلسطين والذي يعمل على حماية هذا الكيان بأموال العرب.
ولإطلاع القراء الأعزاء على وجهة نظر هم بحاجة لأن يتعرفوا عليها ويحكموا على أصحابها أيا كان هذا الحكم، فإنني أقوم بنشر هذه المقابلة في هذا الكتاب لعل فيها فائدة لمن أراد أن يبحث عن الحقيقة كما وردت على ألسنة أصحابها، سواء كانت لصالحهم أو ضدهم، ونبقي الحكم للقارئ الكريم الذي تريد جهات عديدة ( لا زالت تتشدق بالحرية وتطالب بها إن كانت في صالحها ) تعمل على طمسها، حين تكون هذه الحرية سلاحاً بيد الشعوب تحاسب بها كل من تلاعب أو يتلاعب بمصيرها ومستقبلها.
أيمن الظواهري و أفغانستان
لم يكن غريبا أن يظهر الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد المصرية في أفغانستان بعد الأقوال التي تحدثت عن وجوده في سويسرا أو اليمن أو السودان، فأفغانستان بالنسبة للدكتور الظواهري لم تكن بلد استراحة أو منفى له هرباً مما قد يواجهه في مصر بعد الاتهامات الموجهة له ولجماعته بالعمل على قلب نظام الحكم وإثارة القلاقل والقيام بأعمال مسلحة ضد النظام. فأفغانستان بالنسبة للدكتور الظواهري هي البلد الذي هاجر إليه دعما لأهله وجهادهم ضد العدوان السوفيتي عليهم أواخر السبعينيات، وأفغانستان هي التي وارى في ثراها الدكتور أيمن الظواهري المئات من الشباب العرب الذين رافقوه المسيرة في أفغانستان وسقطوا على ثراها، أملاً في إقامة دولة إسلامية كما كان يتمنى الجميع. وأفغانستان هي البوابة التي فتحت للحركات الجهادية والإسلامية المسلحة في كثير من الأقطار الإسلامية الباب لولوج هذا الميدان الذي حظي فترة بداية الجهاد الأفغاني بدعم الحكومات العربية وغير العربية لأهدافها الخاصة ثم ما لبثت هذه الحكومات أن انقلبت على الجهاد والمجاهدين الذين أرادوا حسب قولهم تعديل ما مال من الموازين في البلاد العربية والإسلامية وتصحيحها وفق مفهومهم.
الهجرة الدائمة
الدكتور أيمن الظواهري وحسب كلامه الذي جاء في المقابلة غادر الأراضي الباكستانية بعد قيام حكومة نواز شريف الأولى عام ثلاثة وتسعين بحملة اعتقال ضد (المجاهدين العرب) أشبه ما تكون بحملات الاعتقال التي تحدث في بعض البلدان العربية. ولم يشأ الدكتور أيمن أن يفصل حول المكان الذي تواجد فيه فترة غيابه عن أفغانستان، وإن كانت الحكومة المصرية تصر على القول إنه كان في السودان، كما أن بعض وسائل الإعلام العربية الصادرة من لندن أكدت أكثر من مرة أنه كان متواجداً في سويسرا، قائلة إن خاله الدكتور سالم عزام الأمين العام للمجلس الإسلامي الأوروبي، هو الذي ساعده في الحصول على تأشيرة إلى هناك ومن ثم الحصول ليس على لجوء فقط وإنما على جنسية سويسرية!! وأكدت هذه المعلومات الحكومة المصرية مطالبة سويسرا تسليم الظواهري بعد حادث تعرض له أحد العاملين في السفارة المصرية في سويسرا، واتهام الحكومة المصرية للظواهري بأنه كان وراء هذا الحادث، الذي أثبتت التحقيقات الأمنية في سويسرا أنه كان حادث سرقة عادي ولم يكن مقصوداً ذلك الدبلوماسي لأنه من مصر!!
العودة إلى أفغانستان
بعد عودة الشيخ أسامة بن لادن إلى أفغانستان في أيار من عام 1996 ذكرت أقوال كثيرة عن وجود الدكتور أيمن الظواهري في أفغانستان وغيره من قيادات الجماعات الإسلامية المصرية، لكن هذا لم يتأكد بشكل قاطع إلا قبل الغارة الأمريكية على أفغانستان بساعتين تقريباً، حين اتصل الدكتور أيمن نفسه مع الصحافي الباكستاني رحيم الله يوسف زي، الذي يعمل مراسلاً للإذاعة البريطانية ومديرا لمكتب جريدة ذ نيوز الباكستانية في بيشاور ليبلغه ((أن أسامة بن لادن والجبهة الإسلامية العالمية ليس لهم أي صلة بعمليتي نيروبي ودار السلام، رغم ترحيب الجبهة بهاتين العمليتين ووصفها إياهما بأنهما انتقام إسلامي من الولايات المتحدة التي تحتل أرض الحرمين الشريفين وتدعم الكيان الغاصب في فلسطين وتحارب المسلمين في كل مكان)). وكانت المفاجأة أن هذا الاتصال (وحسب المصادر الأمريكية) هو الذي دل الولايات المتحدة على مكان تواجد أسامة وأيمن الظواهري، من خلال الرصد الذي تقوم به الأقمار الصناعية الأمريكية لكل الاتصالات في أفغانستان ، على غرار ما عملته الإدارة الأمريكية مع الرئيس الشيشاني السابق جوهر دوداييف برصد اتصاله مع العاهل المغربي، وإبلاغ القوات الروسية بمكانه تحديداً مما مكن روسيا من قصف الموقع مباشرة والقضاء على الرئيس الشيشاني.
المفاجأة الأكبر من هذه المفاجأة أن القصف الأمريكي الذي كان يستهدف بالدرجة الأولى الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري وأنصارهما لم ينجح في الوصول إلى هدفه، ذلك أنه أصاب (معسكرات تربوية) لحركة المجاهدين الكشميرية وقتل من أفرادها ما يقرب من ستة عشر شخصاً وتبين فيما بعد أن الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري كانا في مكان بعيد عدة مئات من الكيلو مترات عن خوست التي تعرضت للقصف الأمريكي.
المعركة ابتدأت
وقد تحدث الدكتور أيمن ثانية لنفس الصحافي الباكستاني بعد الغارة الصاروخية الأمريكية على أفغانستان والسودان قائلا(( يا أخ رحيم الله، أرجو أن تبلغ الأمريكان أننا لا زلنا أحياء بفضل الله وأن المعركة ابتدأت الآن مع الأمريكان وسيكون انتقامنا قريباً وقوياً وعلى الأمريكان أن يستعدوا لمواجهة الشباب المسلم في كل مكان)).
أثار هذا التهديد انزعاج الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان والملقب بأمير المؤمنين حيث خرج عن صمته، وقال: " في أفغانستان دولة واحدة وسلطة واحدة ولا حق لأسامة أو غيره بأن يتوعدوا ويهددوا من أرضنا، وهم ضيوفنا ونحن نحترمهم لسابقة جهادهم، وعلينا واجب حمايتهم ونحن نعرف كيف نرد على أمريكا بعد عدوانها على الشعب المسلم في أفغانستان".
قيود أشد تأثيراً من القصف
طالبان وبسبب من الضغوط الخارجية عليها لجأت إلى سحب وسائل الاتصال من أسامة بن لادن وأنصاره، وطلبت منهم الالتزام بقانون البلاد، وعدم القيام بأي عمل دون إذن من السلطة الشرعية في أفغانستان، ممثلة بحركة طالبان وقيادتها ، وقد أفادت هذه الحركة أسامة وغيره في أنها لم تكشف مكانهم لأجهزة الرصد الأمريكية، وإن كانت حدت من رغبتهم في الوصول إلى وسائل الإعلام لشرح وجهة نظرهم وتبيان موقفهم مما يحدث في المنطقة.
وبقي الحال هكذا حتى أعلنت المحكمة العليا في أفغانستان أنها ستقدم أسامة بن لادن للمحاكمة الإسلامية إن ثبت تورطه في أية أعمال مخلة بالشرع انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، وطلبت هذه المحكمة من كل الجهات والدول التي تتهم أسامة أن تحضر أدلتها إلى المحكمة، لكن أحداً لم يقدم أي دليل سوى ما قدمته الإدارة الأمريكية، وهو شريط المقابلة التي أجرتها شبكة CNN مع أسامة في العام 1997، وقال فيها إنه رغم عدم معرفته بمن قاموا بعمليتي الخبر والرياض ضد القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية فإنه يؤيد مثل هذه العمليات وتمنى لو كان أحد هؤلاء الأبطال.(أو بمعنى هذا الكلام الذي لا يمكن لأي محكمة في العالم أن تعتبره دليل إدانة على تورطه في هاتين العمليتين).
في ديسمبر من العام الماضي اتصل بي شخص كنت أعرفه منذ فترة ويقيم في أفغانستان قائلا إن الشيخ أسامة يرحب بك يا أخ جمال كي تجري معه مقابلة في أفغانستان، وما عليك إلا الحضور مع المصور إلى قندهار، ومن ثم نحن نأخذك إلى المكان الذي يتواجد فيه. وقد سبق أن تحدثت عن قصة اللقاء في فصل سابق.
لقاء على غير موعد
في قندهار استقبلني ذلك الشخص الذي اتصل بي وكان بصحبته الدكتور أيمن الظواهري، الذي كان يمتشق سلاحه الرشاش، حيث رحب بي وأبدى استعداده كي نجري معه مقابلة بعد أن نجري مقابلة مع الشيخ أسامة بن لادن، وقد صحبنا الدكتور في الرحلة خارج مدينة قندهار حتى وصلنا إلى المكان الذي أعده الشيخ أسامة خصيصاً لاستقبالنا فيه وإجراء المقابلة.
والآن وبعد أن مضى قرابة العام ونصف العام على إجراء المقابلة وعدم نشرها كما كنت آمل في قناة الجزيرة لأسباب أتركها لإدارة الجزيرة كي تفصح عنها، بعد أن انتفى السبب الذي حدا بالجزيرة السعي جاهدة لمقابلة الدكتور أيمن الظواهري ، وأداءً للأمانة الصحفية ، وإيماناً مني بحق الناس كل الناس في أن يتعرفوا على وجهات النظر المختلفة من فم أصحابها وإن اختلفوا معهم مائة وثمانين درجة، فإنني أورد هنا نص المقابلة مع الدكتور أيمن الظواهري ليطلع عليها من أراد، منتقداً، أو مهاجماً ، أو راغباً في التعرف على هذا التيار، أو دارساً لفكر تيار من الجماعات الإسلامية المقاتلة وأسبابها وما وصلت إليه، لعل فيها فائدة للجميع.
نص المـقـابـلـة
كلمة لا بد منها:
هذه مقابلة الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد المصرية التي لم تر النور بفعل عوامل أشرت إلى بعضها في تضاعيف هذا الكتاب، وإني أعاهد الله والقارئ الكريم أن أكون عند حسن ظنه في أمانة النقل في المحافظة على النص دون زيادة أو نقص ، كما التزمت بذلك في إيرادي للنص الحرفي والكامل لمقابلة الشيخ أسامة بن لادن في فصل سابق، وأكرر القول بأن ما ورد في هذه المقابلة من آراء ووجهات نظر تعبر عن رأي صاحبها، وليس بالضرورة أن يكون رأيي موافقاً لرأيه الذي أورده في هذه المقابلة، لكن وحرصاً مني على وضع هذه المعلومات بين يدي القارئ الكريم، وأداءً لأمانة المسئولية والعهد الذي قطعته على نفسي، أن ألتزم الدقة والموضوعية، كما وأني أريد أن أوصل للقارئ هذه الرسالة التي حاولت قوى كثيرة وجهات عدة أن تحول بينها وبين القارئ الكريم، لأهداف لا تخفى على ذي الرأي الحصيف.

النص الكامل للقاء
هذا أنا
سؤال: دكتور أيمن الظواهري أنتم ترأسون حالياً جماعة الجهاد المصرية، أولاً لو تعطونا نبذة عن شخصكم من هو الدكتور أيمن الظواهري؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله.أيمن الظواهري ولد في عام 1951 في محافظة الجيزة في مصر والدي الدكتور محمد ربيع الظواهري كان يعمل أستاذاً للعلوم في جامعة عين شمس ، وأنا من عائلة معظم أفرادها من العلماء الأزهريين، جدنا الأكبر الشيخ محمد الحسن الظواهري كان شيخ الجامع الأزهر في الثلاثينات، وأمي تنتمي إلى عائلة عزام وهي عائلة من قبيلة عربية مشهورة هاجرت إلى مصر. جدي لأمي هو الدكتور عبد الوهاب عزام العلامة والأديب المشهور وهو أول من ترجم شعر محمد إقبال إلى اللغة العربية شعراً. في هذا الجو أنا نشأت، وأخذت في التعليم المدني حتى عام 1968 بعد النكسة، ثم دخلت كلية الطب وتخرجت عام 1974 حصلت على شهادة الماجستير في الجراحة عام 1978، وفي هذه الفترة كانت الجامعة المصرية تعج بالأحداث، عقب حرب أكتوبر وفيها نشأت الجماعات الإسلامية في مصر، بعد ذلك تقدمت إلى دراسة الدكتوراه لكن الأحداث لم تمهلني حيث اضطررت إلى ترك البلد، واعتقلت عام 1981 ومكثت في السجن ثلاث سنوات تعرفت فيها على الوجه الآخر للنظام، وبعد ذلك دخلت في قضية الجهاد المشهورة سنة 1981 وطالبت النيابة بإعدامي لكن قدر الله سبحانه وتعالى أن يحكم علي بالسجن ثلاث سنوات فقط. بعد ذلك خرجت من السجن ثم خرجت من مصر بعد ذلك بثلاثة أشهر بطريقة ما. وبعد ذلك قمت بجولة في بلاد مختلفة حتى وصلت إلى باكستان وهناك عملت مع المجاهدين الأفغان في العمل الجراحي لمساعدة المجاهدين الأفغان طبياً. وكنت ذهبت إلى باكستان من قبل 80/81 حيث عملت طبيباً وجراحاً مع المجاهدين ومنذ ذلك الحين وأنا هكذا أدور في البلاد من أجل قضية الجهاد في مصر وفي العالم الإسلامي.
وهذه جماعتنا
س:بالنسبة لجماعة الجهاد المصرية متى نشأت وما هي أهدافها وما الذي تحقق من هذه الأهداف حتى الآن؟
جماعة الجهاد في مصر نشأت حوالي عام 1966 ، كنا عبارة عن مجموعة من الطلبة في المرحلة الثانوية، بدأنا نشكل مجموعات في أعقاب ضرب النظام لجماعة الأخوان عام 1965، بدأنا نحن نتعرف على الحركة الإسلامية وما حدث لها. وخلصنا إلى نتيجة أن هذا النظام المصري نظام معادٍ للإسلام ولن يأتي على يده الخير، وأدى إلى وقوع كوارث تاريخية على البلاد، على مصر خاصة وعلى العرب عامة، وقد تسلم هذا النظام البلد وحدودها من جنوب السودان إلى البحر المتوسط، وفي عام 1967 تحولت البلد نصفها محتل وجيشها محطم في اليمن، وخرجنا بنتيجة أنه لا سبيل للنجاة إلا بمقاومة هذا النظام والعودة إلى الإسلام. منذ ذلك الحين ونحن نعمل لهذه المبادئ وهي أنه يجب تغيير النظام في مصر ، لأنه ليس هناك من سبيل إلا تغيير النظام بالقوة بعد أن وصل هذه الدرجة من الفساد وإضاعة البلاد. وظل هكذا النشاط حتى جاءت سنة 1981 وما كان فيها من أحداث ضخمة من التحفظ على السياسيين عموماً والتيار الإسلامي بشكل خاص في سبتمبر 1981 ثم ما تلاه بعد ذلك من قتل السادات وأحداث الصعيد وهي كانت الانتفاضة الإسلامية في سنة 1981 وأعقبتها حملة اعتقالات كثيرة طالتنا هذه الاعتقالات، فهذا ملخص للأحداث حتى مقتل السادات، وبمقتله انفجرت قضية الجهاد في مصر، وانفجرت قضية مقاومة اليهود في مصر لأن خالد الإسلامبولي رحمه الله لما سئل لماذا قتلت السادات؟ كانت إجابته واضحة وصريحة:لأنه عميل لليهود في مصر. ولأنه تعدى على العلماء المسلمين في مصر. جزى الله خيرا خالد الإسلامبولي وإخوانه محمد عبد السلام ، عطا طايل، عبد الحميد عبد السلام، فجروا قضية الجهاد في مصر هذا الجهاد الذي يصطدم مع اليهود وعملائهم في مصر والمدافعين عن اليهود في مصر وهم هذا النظام العلماني العسكري المتحكم في مصر.وأثبتت الأحداث وأثبت التاريخ أن القوة الوحيدة والقادرة على وقف هذا النظام ومقاومة المد الصهيوني في مصر هي القوة الإسلامية، فانفجرت بمقتل أنور السادات وأحداث الصعيد قضية مقاومة اليهود في مصر. واتضحت للعيان الصورة لعمالة النظام المصري لليهود والأمريكان في جانب والحركة الإسلامية في الجانب الآخر.
طبعاً ومنذ ذلك الحين تتفجر الأحداث في مصر كقضية الجهاد انبعثت وكثير من القضايا الإسلامية في مصر انتهت باعتقال أفرادها ودخولهم السجن وبقائهم فيه مدة طويلة، لكن ومنذ 1981 والأحداث في تجدد وانبعاث وانفجار في مصر. والقوى الإسلامية تعبر عن الشارع المصري وهي القوى الوحيدة في مصر. والنظام المصري في جانب آخر. القوى الإسلامية في مصر تملك ما لا تملكه أي قوى سياسية أخرى، لديها ستون ألف معتقل حكم على 108 منهم بالإعدام في محاكم عسكرية، نفذ حوالي 88 حكما منها حتى الآن، لكن هناك حالات كثيرة للقتل، الاختفاء القسري، القتل تحت التعذيب، والأحكام الممتدة وانتهاك أعراض النساء . لا يوجد تنظيم أو تيار سياسي في مصر يملك مثل هذا النفس الطويل، ورغم ذلك ما زالت القوى الإسلامية في مصر قادرة على مقارعة النظام وما زالت أمريكا حتى الآن تعتبرها من أعدى أعدائها، ومنذ سنة1981 وحتى الآن والقضية الإسلامية متفجرة في مصر.أنا أعتبر أن أحداث 1981 خاصة ما قام به خالد الإسلامبولي وإخوانه رحمهم الله جميعاً أنه بمثابة تفجير للمواجهة مع اليهود، وإحياء لقضية الجهاد ضد اليهود والأمريكان ، وبرزت هذه القضية لدى الشباب المسلم الآن وأصبحت قضية حياتية يومية في مصر.
التجربة الأفغانية
بعد أن خرجنا من مصر ووصلنا إلى أفغانستان كانت هناك فرصة في الجهاد الأفغاني أعطت دفعة أخرى للجهاد والعمل الإسلامي في العالم العربي ، في أفغانستان اكتسبنا من الخبرات التنظيمية والسياسية والعسكرية ما لا يمكن أن نكتسبه في أي بلد آخر. هذه ساحة جهادية مفتوحة يفد إليها الشباب المسلم الحريص على الجهاد من أنحاء العالم الإسلامي ويمارس الجهاد ، وبمشاركة هذا الشباب سقطت القوى العظمى التي كانت تسيطر على مساحات ضخمة من العالم والتي كانت تعد أقوى قوة برية في العالم ، فبمشاركة هؤلاء الشباب رأوا هذه التجربة الحية بأنفسهم وأعينهم ورأوا كيف تسقط القوى العظمى وأنه ليس هناك قوى عظمى فخرج هذا الشباب من أفغانستان وقد امتلأ أملاً في أن ينازل القوى التي تسمى عظمى وسقط من ذهنه اسم قوى عظمى وأدرك هشاشة هذه القوى العظمى لأنه نازلها بنفسه في الميدان، فمرحلة أفغانستان مرحلة ثرية جداً استفدنا منها في مصر استفادة عظيمة جداً وبدأت تتصاعد بشكل فجائي، واضطر النظام أن يظهر وجهه القبيح والكالح وصورته الحقيقية ، فبدأ حملات الاعتقال والتعذيب والبطش وهذا تشهد به منظمات حقوق الإنسان وسجلات وزارة الخارجية الأمريكية حتى إن مسئولي النظام أنفسهم يعترفون بذلك ، فاضطر النظام أن يتخذ سياسة البطش والقمع الشديد في مواجهة هؤلاء ، في مواجهة القوى الإسلامية التي ترفض العمالة لأمريكا وإسرائيل وتطالب بالعودة إلى الإسلام والهوية الإسلامية للأمة، باعتبارها هي المنقذ الوحيد للأمة من حالة الانحطاط والهوان التي وصلت إليها. بعد ذلك لما اضطررنا للخروج من باكستان بعد حملات الاعتقال ضد الشباب العرب الذي جاهد في أفغانستان احتفظنا بهذه الخبرات والصلات القوية ومارسنا العمل في مصر دعوياً وجهادياً وسياسياً وكانت ثمرة هذه العلاقات هو أن تشكل لدى الشباب المجاهد وعي سياسي وعقائدي بأن هذه الأمة تحارب لأنها أمة مسلمة، هناك حرب صليبية جديدة تريد هذه الأمة، تريد ثروتها . . أرضها تريد أن تطمس الإرادة السياسية والتميز العقائدي لهذه الأمة ، وخرج الشباب المسلم بالوعي السياسي أن العدو الأكبر الذي سبب لهم كل هذه البلايا والكوارث هو التحالف اليهودي الصليبي وأن أكابر مجرميها هم الموجودون في البيت الأبيض وإسرائيل، لأن هؤلاء هم الذين يحركون النظام المصري، وهم الذين يحركون الأنظمة العربية الأخرى لضرب الحركة الإسلامية، فهذا الوعي أدى إلى كثير من الاتصالات والتشاور والعمل المشترك مع الأخوة وأثمر آخر مرحلة التي نمر بها الآن في جماعة الجهاد والعديد من الجماعات المجاهدة الأخرى والجماعات التي تعمل على إعادة الهوية الإسلامية للأمة وهو التوحد لمقاومة هذه الهجمة الصليبية الجديدة، ولعل إنشاء الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين يكون تنظيماً نريد به توثيق هذه الروح التي كانت عبارة عن وعي وفهم وروح تسري في الأمة وتصبح قوالب إدارية وتنظيمية تنظم هذه الصحوة الإسلامية. هذه باختصار نبذة عن جماعة الجهاد وما حققته حتى الآن.
نحن واليهود
س: تحدثتم عن بداية الوعي الجهادي في مصر وأنه كان لمقاومة دخول اليهود إلى مصر لكن حتى الآن جماعة الجهاد في مصر وفي إطار عملها المسلح لم نشهد لها أو نادراً ما نسمع عن عمليات لها ضد اليهود وإنما اقتصرت عملياتها ضد النظام في مصر أو بعض الشخصيات والضباط في جهاز الشرطة أو الحكومة في مصر.ألا يعد هذا تقويضاً لدولة يمكن أن تمارس يوماً ما دورها في مقاومة التطبيع مع اليهود أو مقاومة المد اليهودي في مصر؟
ج: هذه النتيجة لم تبن على مقدمة صحيحة. النظام المصري لا يمكن أن يقاوم اليهود أو أمريكا. النظام المصري يعمل لمصلحة اليهود والأمريكان. نحن حين نضرب النظام في مصر نضربه لأنه نظام يمنع الشريعة الإسلامية، يبيع البلاد لإسرائيل والأمريكان، وهو النظام الذي افتتح معاهدات السلام مع إسرائيل. وهو النظام الذي أسقط حالة الحرب بين العرب وإسرائيل ، وهو أول نظام عربي فتح سفارة إسرائيل في القاهرة. وهو الذي أدخل القواعد الأمريكية إلى مصر، وهو النظام الذي أجرى التطبيع في مصر ويريد من الشعب المصري أن ينسى شيئاً اسمه فلسطين. فالنظام المصري بهذا هو أداة قوية وأساسية بيد إسرائيل لضرب أقوى قوة عربية وهي مصر التي تستطيع أن تصمد في مواجهة إسرائيل. ونحن حين كنا نقاوم النظام كنا نقاومه بهذا المعنى ولا زلنا نقاومه بهذا المعنى. وصعدنا من تعاوننا مع إخواننا في الجماعات المختلفة. هذا النصف الآخر من السؤال أما النصف الأول منه وهو لماذا لم نر لكم عمليات مسلحة ضد اليهود في مصر: نحن سعينا في عمليات ضد اليهود ولكن قدر الله سبحانه وتعالى ألا تتم ومن أشهرها قضية خان الخليلي التي اتهم فيها مائة أخ وأعدم فيها ثلاثة من الاخوة أخيراً . هذه العملية أساساً هي عملية ضد السياح الإسرائيليين في مصر ولكن النظام لا يجرؤ أن يذكر هذا حتى في بياناته، فهذا الوعي وهو أن الجهاد في مصر يجب أن يتوجه ضد النظام وضد أمريكا وإسرائيل وعي مستقر ودليله أننا قد دخلنا وشاركنا في الجبهة ضد الصليبيين واليهود ولو لم يكن مثل هذا الوعي لما شاركنا في هذه الجبهة.
من المستفيد ؟
سؤال:على ذكر العمليات ضد السياح الأجانب في مصر:كان هناك عدة عمليات عسكرية ضد السياح الأجانب في مصر خاصة حادثة الأقصر وكان هناك بيانات تفيد أن جماعة الجهاد تقف وراء مثل هذه العمليات، ألا ترون أن مثل هذه العمليات يمكن أن تؤثر بشكل أو بآخر على الدخل العام لرجل الشارع المصري واقتصاد البلد وتقويض دعائم دولة يستفيد منها عشرات الملايين من الشعب المصري؟
الدكتور الظواهري: أولاً هناك اعتراض شكلي على السؤال. نحن كجماعة لم نقم بمهاجمة السياح الأجانب في مصر. وهناك شق موضوعي في السؤال وهو ما يمارسه أعضاء الجماعات الإسلامية في مصر. الحقيقة أنتم في الإعلام تسمعون ما يصدر من طرف واحد وهو الحكومة ومن وجهة نظرها. وأما وجهة النظر الإسلامية وإن كنا لم نشارك في هذه العمليات لكننا نتفهمها تماماً وهي أن الشباب يعتبر أن وجود السياح الأجانب في مصر هو عدوان على المسلمين في مصر، لأن السائح اليهودي والأمريكي والفرنسي والأجنبي بشكل عام بعد أن يضربوا العراق، ويقصفوا المسلمين في لبنان ، ويكسروا سيقان وأذرع الأطفال في فلسطين المحتلة، يتخذوا من مصر ملهى أو منتجعاً ويأتي ليقضي وقته فيها. نحن نقول له أو الشباب يقولون له إن بلدنا هذا ليس بلداً للتلهي أو التنزه خاصة لأمثالكم وأعلن الشباب مراراً أننا لن نريد سياحاً بهذه الصورة في مصر. لا نريد سياحاً بهذه الأخلاق المتدنية في مصر. لا نريد سياحاً من هؤلاء الذين اعتدوا علينا مراراً وبعد أن يكملوا عدوانهم يأتوا بعد أن يقوموا بعدوانهم للتنزه في مصر واللهو فيها.

سياح أم قوات غزو؟
سؤال:هل تقصدون القول إن غالبية السياح هم من القوات الغربية خاصة الأمريكية التي تقصف العراق وغيره من الدول الإسلامية؟
الدكتور الظواهري: لا . . عموما فإن السياح في مصر هم من الدول التي أيدت قيام إسرائيل، معظم الشعوب الغربية منذ البداية وهي شعوب تعترف بإسرائيل وتساندها وتدعمها، وتدعم السياسة الأمريكية ضد العراق لما قتل مئات الألوف من الشعب العراقي في العدوان الأمريكي العالمي شاركت قوات من هذه الشعوب في التحالف ضد أمتنا. فهناك عداء من الشعب في مصر تجاه هذه الشعوب التي شاركت في العدوان على أمتنا. الشباب قالوا لهؤلاء السياح لا تأتوا إلى بلادنا لأنكم مارستم العدوان على بلادنا، ولأنكم تمارسون أخلاقيات وسلوكيات نحن كمسلمين لا نقبل أن تمارس عندنا ونحن ضدها في مصر. لا تأتوا إلينا لأنكم تدعمون اقتصاد حكومة تعمل لحساب إسرائيل. هذا الدعم لا يذهب إلى المواطن المصري وإنما إلى كبار المسئولين وإلى دولة الفساد في مصر. لأن من ورائكم دولة للدعارة والفساد والقمار تنشأ في مصر. وهذه الدولة تمتص دماء المسلمين والضعفاء وتجبرهم على الفاحشة بسبب الفقر الذي يعيشون فيه. فكل هذه الأموال لا نريدها. الشباب أنذروا مرة واثنتين وثلاثاً وأربعة في مصر. والآن أصبحت المعركة بين القوى الإسلامية والنظام المتحالف مع إسرائيل وأمريكا في مصر. نحن نعتبر النظام غير شرعي والتأشيرات التي يمنحها للسياح غير شرعية، ومع ذلك هؤلاء السياح يأخذون التأشيرات من النظام الذي يعتبره الشباب المسلم غير شرعي، وصرح جون ميجر بأنه يدعم النظام في مصر ضد الجماعات الإسلامية، فأصبح السائح الذي يأتي إلى مصر محارباً وليس سائحاً، سائح يدعم النظام ويعترف بشرعيته ويدفع الأموال لتقويته. وأي بلد في العالم تعتبر أن من يدخل حدودها بشكل غير قانوني من حقها أن تطلق عليه النار، فهؤلاء الشباب ومن هذا المنطلق قاموا بهذه العمليات، نحن وإن لم نكن قمنا بهذه العمليات لكننا نتفهم الدواعي لها تماماً. أضف إلى ذلك أن الشباب ماذا يعاني؟ هذا الشباب يعاني من إرهاب وقمع وتعذيب لم تره مصر في تاريخها كله. اعترفت به المحاكم المصرية والطب الشرعي واعترف به الصحافيون المصريون، وشخص مثل عادل حمودة في روز اليوسف يقول إنه في مصر 30 ألف معتقل وعشرات عمليات التعذيب، هؤلاء الشباب الذين يمارس ضدهم هذا الأمر لا بد لهم أن يوقفوا التعذيب ضد إخوانهم. الذي جرى في حادثة الأقصر ولم تنشره وسائل الإعلام أو تشر إليه أن الشباب قالوا : أننا عملنا هذه العملية ثأراً لإخواننا الذين قتلوا تحت التعذيب في مصر. وأنهم كانوا ينوون أن تكون عملية رهائن لتحرير إخوانهم في السجون المصرية ومن أجل إنقاذ الدكتور عمر عبد الرحمن فك الله أسره. الذي حدث هو أن هؤلاء الأخوة الذين اختطفوا السياح لم يطلقوا النار عليهم ، وإنما النظام المصري لم يعبأ بالسياح والأخوة وأطلق النار على السياح وقتلهم. نفس الذي حدث في عملية تحرير الطائرة المختطفة في قبرص. القوات الخاصة المصرية هي التي اقتحمت الطائرة وقتلت الركاب ثم قال النظام إن الفلسطينيين هم الذين قتلوا الركاب. نحن نتفهم هذه الدواعي ونتهم النظام بقتل هؤلاء السياح.
وحرض المؤمنين
سؤال:أشرتم في البداية إلى الإعلان قبل أشهر عن تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين لكن حتى الآن هناك القليل المعروف عن هذه الجبهة ومبادئها وماذا تريد، وما الذي حققته حتى الآن. هل من نبذة تعطونها عن الجبهة وأهدافها؟
الدكتور الظواهري: الجبهة الإسلامية العالمية لها ميثاقها، وهذا الميثاق فيه معالم دائمة، وفيه حث للأمة المسلمة على الجهاد حتى نصد العدوان الأمريكي واليهودي عليها ، والذي يسرق ثروات الأمة ويحتل أرضها. هذا العدوان الذي احتل أرضها وأقدس البقاع، القدس، والحرم المكي ، والحرم النبوي، هذه الجبهة تعمل من أجل تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى في أرضه وتسعى الجبهة لحشد كل القوى الإسلامية من أجل إنقاذ المقدسات الإسلامية التي ضاعت .فهذا هو الهدف الأساسي من الجبهة وهذا عملها الأساسي والجبهة حريصة على لم شمل الأمة وتحريضها على هذا الهدف الأساسي.
سؤال:لكن ما الذي حققته الجبهة حتى الآن؟
الدكتور الظواهري:لا أستطيع أن أقول ما الذي حققته الجبهة حتى الآن وخلال فترة وجيزة من عمرها. لكن أستطيع القول أن الجبهة لها قبول شعبي جارف وتأييد واسع، ودليل على ذلك المظاهرات التي جرت في باكستان تأييداً لها. وخاصة حينما أشيع خبر اعتقال الشيخ أسامة بن لادن، اندلعت مظاهرات واسعة النطاق في باكستان والمظاهرات انفجرت في العديد من الدول الإسلامية حينما قصفت أفغانستان، وكان من ضمن الأهداف التي قصفت الأماكن التي قيل إن الأخوة العرب يتواجدون فيها وهم تابعون للجبهة، هذا التعاطف الشعبي الجارف هو نتيجة العمل المثمر الذي قامت به الجبهة لجمع شمل الأمة، وهدف ضخم مثل هذا لا يستكثر عليه تسعة أشهر أو سنة.
. . . والبادئ أظلم
سؤال:مؤخراً كان هناك هجوم أمريكي بريطاني على العراق لكن كان هناك ملاحظة وهي غياب أي ردود فعل قوية تجاه هذا القصف الصاروخي والجوي على العراق، كما لم يكن هناك رد فعل من الجبهة الإسلامية العالمية تجاه هذا القصف.
الدكتور الظواهري:هاأنا ذا أرد الآن إن سمح إخواننا في الجبهة لي التحدث باسمها.(هنا استأذن الدكتور أيمن الظواهري من الشيخ أسامة بن لادن في الحديث عن الجبهة التي يعتبر الشيخ أسامة الناطق الرسمي باسمها وكان جالساً معنا وقت إجراء المقابلة)هذا العدوان على العراق لا يرد بالشعارات أو المظاهرات أو الهتافات، لا يرد إلا أن يكال لأمريكا وإسرائيل بنفس المكيال الذي تكيل فيه للعرب والمسلمين، أمريكا قتلت مدنيين، أطفال، نساء في العراق. وقتلت إسرائيل المدنيين في قانا وصبرا وشاتيلا ودير ياسين ومدرسة بحر البقر، وتجوع أمريكا الشعب العراقي وتقتل الأطفال وتسرق أموالنا وتحتل أرضنا، ليس هناك من سبيل إلا أن يكال لهم بنفس المكيال، هؤلاء الناس ليس عندهم أي أخلاقيات، هؤلاء الناس ضربوا المدنيين في هيروشيما وناجازاكي حتى بعد إعلان اليابان استسلامها. فهؤلاء الناس لا يفهموا إلا منطق القوة. رد الجبهة الإسلامية هو أن ندعو الأمة للوقوف معها بنفس القوة لرد العدوان، وقد أصدرت الجبهة بيانا جديداً وهو دعوة كل من يستطيع حمل السلاح أو أن يفعل أي شيء ضد أمريكا أن يقف مع الجبهة، وهذه دعوة لكل المسلمين والحركات الإسلامية من الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين، بأن تتحد وتقاوم هذا العدوان.
دمنا على أكفنا
سؤال: في الصيف الماضي تعرضتم للقصف الصاروخي الأمريكي في خوست والمناطق القريبة منها في أفغانستان واتهمتم أنتم والشيخ أسامة بن لادن بالقيام بهجمات على المصالح الأمريكية في العالم. بعد الهجوم الأمريكي البريطاني على العراق، هل تتوقعون هجوما أمريكيا جويا أو صاروخيا على مناطق طالبان أو الأماكن التي تتواجدون فيها؟
الدكتور الظواهري: نحن نتوقع هجوماً في أي لحظة، نتوقع القتل في أي لحظة، وأنا شخصياً أعتقد أننا عشنا أكثر مما يجب، نحن نريد أن نموت في سبيل الله، العدوان الذي حصل على المعسكرات في أفغانستان لم يكن بسبب نيروبي ودار السلام مباشرة، وإنما السبب أن الجبهة قالت للحرام الذي تعتبره أمريكا حرام، وهو أن اقتلوا الأمريكان كما يقتلونكم، فجن جنون أمريكا واعتبرت أن الجبهة ارتكبت ما تعتبره أمريكا جريمة. لذلك ضربت المعسكرات قبل أن يصدر أي إدانة أو تحقيق رسمي من الحكومة الأمريكية حول الحادثين، لأنه تسربت إلى المخابرات الأمريكية أن هناك اجتماعاً في خوست ، كما تسربت هناك أخبار خاطئة عن وجود أسلحة كيماوية في الخرطوم، فضربت بسرعة ونحن نتوقع ألا تصدر أي نتيجة للتحقيق حتى تقتل أمريكا هؤلاء المشاركين في الجبهة، نحن نتوقع أن يتكرر هذا بلا دليل أو مبرر أو أي سبب وهذا الأمر نحن نعرفه من قبل أحداث نيروبي ودار السلام وأن هناك مؤامرة أمريكية متصلة للاغتيال وللقتل ونحن نتابع بها ونحن نرحب بها ونقول إن الأمريكان دخلوا الحرب وقد تورط الأمريكان في هذا، وإنهم من قبل حاربوا في كوريا وفي فيتنام ولكن في هذا العقد الأمريكان تورطوا مع المسلمين، ومعنى أن يتورط الأمريكان مع المسلمين فإنهم سيعرفون كيف نقاتل ؟ وكيف نستشهد ؟.


رمتني بدائها وانسلت
سؤال: هناك حديث عن وجود صلات لجماعة الجهاد المصرية مع كل من الحكومات في إيران والعراق والسودان. ما هي حقيقة موقفكم من هذه الحكومات وعلاقتكم بها إن وجدت أي علاقة؟
الدكتور الظواهري: جماعة الجهاد مجموعة من المجاهدين المطاردين من كل العالم ولا أعتقد أن أي حكومة ترحب بنا عدا حكومة أفغانستان، والطالبان التي أظهرت من المواقف ما لم نره من قبل في التاريخ الحديث. علاقتنا بإيران والعراق أو غيرهما كلها أوهام. لكن الحقيقة أن الحكومة المصرية لها علاقة عمالة واضحة لأمريكا وإسرائيل، الحقائق أن في مصر قواعد أمريكية ، مطار غرب القاهرة، مطار قنا، هناك تسهيلات مصرية في كل المطارات والموانئ المصرية للقوات الأمريكية، خرجت طائرات " ب52 " من مصر وضربت العراق، هناك سفارة إسرائيلية في القاهرة ومكتب "سي آي إيه" و"إف بي أي" في القاهرة هناك ستون ألف معتقل في مصر بسبب اتجاههم الإسلامي ورفضهم لإسرائيل، هذه هي الحقائق ومن أجل ذلك تسعى أجهزة الأمن المصرية، تخطف الناس من كرواتيا، ألبانيا، تايلاند، وترسلهم إلى مصر.هذه هي الحقائق، أما اتهامنا بعلاقات مع حكومات أخرى فهي أوهام، وكما يقولون رمتني بدائها وانسلت. العملاء هم الذين يتهمون غيرهم بالعمالة، هم العملاء الحقيقيون الذين يعملون لأمريكا وإسرائيل وجمعوا الناس في شرم الشيخ لمقاومة الشباب المسلم الذي يقاوم إسرائيل. هذه هي الحقائق.
هذه هي المشكلة!
سؤال: الحكومة المصرية تصر دائما على اتهام السودان بإيواء مراكز للجماعات الإسلامية المصرية وتسهيل تدريبها داخل الأراضي السودانية ومن ثم تسهيل عبورها وتسللها إلى مصر.
الدكتور الظواهري: يا أخي هذه الحكومة المصرية لن تكف عن محاولة لفت الأنظار عن المشكلة الحقيقية وهي تتمثل بوجود صراع بين القوى الشعبية وعلى رأسها القوى الإسلامية وبين النظام، هذه هي المشكلة الحقيقية. والحكومة تضغط على أي جهة يمكن أن تتصور أنها تساعد في هذا، لكن هل الضغط على السودان وإخراج الشيخ أسامة بن لادن منه أوقف العمليات في مصر؟ أو هل بعد الضغط على السودان تم الإفراج عن المعتقلين في مصر وإلغاء قانون الطوارئ والتوقف عن الإعدام في مصر؟ القضية قضية كاملة وهي عمالة النظام المصري للأمريكان ومحاربته للإسلام. هذه هي المشكلة.
سجن سجان وسجون
سؤال: هذا يقودنا إلى الحديث عن حقيقة الأوضاع الداخلية في مصر . النظام يقول إنه بدأ ممارسة الحريات وأعطى الحرية للمعارضة وسمح بوجود أحزاب معارضة وصحف للمعارضة، وأنتم تصرون على ممارسة ما يقولون عنه العنف وتصفونه أنتم بالعمل الجهادي المسلح. أولا ما هي حقيقة الأوضاع في مصر. وكيف تعيش التيارات الإسلامية في مصر. وهل هناك وساطات بين الحكومة والجماعات الإسلامية في مصر. وما موقفكم من هذه الوساطات؟
الدكتور الظواهري: أولا فيما يخص النصف الأول من السؤال فإن هناك سجناً كبيراً اسمه مصر، هناك ستون ألف معتقل، وزير الداخلية اعترف بوجود عشرة آلاف معتقل، أخيرا أفرجوا عن سبعمائة تائب، وقالوا أفرجنا عن خمسة آلاف. فكم عدد الذين لم يتوبوا إذا كان من تاب عددهم خمسة آلاف؟!
سؤال: عفواً، ما مفهوم التوبة الذي تتحدث عنه الحكومة؟
الدكتور الظواهري: بالنسبة للدولة التوبة مفهومها أن يقول المعتقل إنني لم أعد أؤمن بالعنف والعمل المسلح. وهؤلاء الذين تقول الدولة إنهم من التائبين ونتيجة سياسة الاعتقال العشوائي فإن الدولة تعتقل من له صلة ومن ليس له صلة، ثم يأتوا إلى هؤلاء المساكين ممن ليس لهم أي صلة بالأحداث، ويقولون لهم سنفرج عنكم ، إن قلتم أننا تبنا ولم نعد نؤمن بالعنف، وهؤلاء لم يمارسوا ما تسميه الدولة عنفاً حتى يتوبوا عنه، أصلاً هذه هي التمثيلية التي تمارسها الدولة منذ فترة. وإلا لماذا لا يفرجون عن أناس حكم لهم القضاء بالبراءة، هناك أناس أمضوا فترة خمسة عشر عاماً من الحكم في سجون مصر ولا زالوا تحت الاعتقال رغم انتهاء محكوميتهم ، وهناك أحكام بالإفراج بالجملة لكن هناك أناس لا زالوا معتقلين منذ عشر سنوات في مصر دون أن توجه لهم أي تهمة ، فليفرجوا عن هؤلاء إن كان هناك حرية في مصر واحترام للقانون الذي وضعوه. القضاء في مصر أدان الحكومة عدة مرات في القضية 462/81 المدونة باسم قضية الجهاد الكبرى. أدان الحكومة المصرية وقال القاضي: إن مصر ليس فيها شريعة الإسلام وأن هناك تعذيباً تسبب في عاهات مستديمة ، وأن هناك فساداً منتشراً في الإعلام وفي الصحف التابعة للحكومة المصرية. ورئيس الجمهورية باعتباره الحاكم العسكري وقع على هذا وصادق بنفسه على حكم يدينه بعدم تطبيق الشريعة وانتشار الفساد في مصر، ليس هذا كلامنا وإنما كلام العفو الدولية والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان .
القضية هي لماذا يمارس كل هذا الظلم. الحكومة تمارس هذه السياسة حماية للتوسع الإسرائيلي في مصر والمنطقة. إسرائيل تدرك أن مصر لها وزنها السكاني هي العقبة في طريقها فيجب قمع هذه القوة بأي طريقة. الحكومة تقول إنها أعادت الحريات ، أنا أتحدى الحكومة المصرية الآن تحد لا تجرؤ الحكومة المصرية أن ترد عليه، فليرفعوا قوائم الممنوعين من السفر، فلينهوا حالة الطوارئ ، وليفرجوا عن المعتقلين، ويسمحوا بحرية الاجتماعات، وحرية الإضرابات ، ويعيدوا كل الحقوق التي يدعونها. وسيروا كيف يكون التيار الشعبي الجارف الذي سيكتسحهم في مصر. لا تجرؤ الحكومة المصرية أن تكف عن الإجراءات القمعية، لأن اليوم الذي تتوقف فيه الحكومة عن هذا سيعتبر يوم القضاء على هذه الحكومة. وأنا أطالب (قناة الجزيرة!!) بنقل هذا التحدي للحكومة المصرية، أتحداهم أن يتركوا الحريات في مصر وسيروا بأنفسهم أن نتيجة هذه الحرية معناه القضاء على هذا النظام العميل في مصر بسبب السياسة اليهودية في المنطقة.
أما عن الوساطات فنحن والحمد لله لم يصلنا أي وساطات وليس لنا أي وساطات ولا نؤمن بالوساطات مع النظام المصري، الحل الوحيد مع هذا النظام هو أن يرحل إلى أمريكا التي يعمل لحسابها.
ويل للمطففين
سؤال: هناك نظامان من القضاء حالياً في مصر.القضايا العامة ويختص بها القضاء المدني الذي يقول الجميع بشيء من نزاهته أو بنزاهته، لكن هناك القضايا المتعلقة بالجماعات الإسلامية كلها والتي تحال إلى القضاء العسكري الذي لا يوجد فيه استئناف أو أي شيء. كيف تفسرون هذا التمييز في المعاملة ضد الجماعات الإسلامية والكيل بمكيالين أمام هذه الجماعات؟
الدكتور الظواهري: هذه السياسة الأمريكية اليهودية في مصر. هناك محاكم الجنايات العليا وهناك محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، هذه المحاكم تحكم بالقانون الجنائي ولكن أحكامها لا تقبل الاستئناف، يعني أن أي حكم يصدر عنها فإن رئيس الجمهورية هو الآن صاحب الحق الوحيد في تعديلها أو تخفيفها أو إحالتها إلى محكمة أخرى ، ثم بعد ذلك لم يكتفوا بهذا بسبب أن بعض القضاة في هذه المحاكم حكموا بما لا ترغب فيه الحكومة مثل : قضية اغتيال رفعت المحجوب فعينوا دوائر خاصة للإرهاب في هذه المحاكم يحال إليها الأخوة ووضعوا فيها القضاة من أمثال صلاح الدين بدور الذي أطلق عليه النار أخيراً في مصر، ولم يكتفوا بهذا ولكن أصدروا قانون97/92 المعروف بقانون مكافحة الإرهاب والذي يتيح لهم تفتيش البيوت واعتقال الناس بدون إذن والذي يخول الحكومة اعتقال أي شخص مدة ستة أشهر دون أن توجه له تهمة، ولم يكتفوا بهذا بل أحالوا الناس على القضاء العسكري، الذي حكم حتى الآن على مائة وثمانية أشخاص بالإعدام خلال أربع سنوات نفذ منها 88 حكم إعدام كان آخرهم الحكم الذي صدر ضد إخواننا ونفذ فيهم بسبب قيامهم بعملية ضد اليهود أو ما سماه النظام قضية خان الخليلي، هذا هو النظام المصري وهذه هي توجهاته وسياسة أمريكا.
خروق واختراقات
سؤال:وزير الداخلية المصري الأسبق حسن الألفي تحدث كثيراً عن اختراق المخابرات المصرية أو مباحث أمن الدولة للجماعات الإسلامية المصرية وهذا ما أدى إلى فشلها في تحقيق كثير من العمليات في مصر.هل تشعرون حقيقة بشيء من الاختراق الذي يتحدث عنه خاصة في صفوف جماعة الجهاد وما مدى هذا الاختراق إن وجد؟
الدكتور الظواهري: أولا نحن في حالة حرب مع الحكومة، قد تستطيع هذه الحكومة تجنيد شخص بعيد عنا وتدعي أنها حققت اختراقاً أمنياً، لكن الذي فشل أمنياً وفصل من وظيفته وشتمه رئيس الجمهورية على التلفاز ، وطلب منه عدم الكلام هو : حسن الألفي ، وقال له إن الذي تمارسه هو تهريج ، وهو سابع وزير داخلية يفشل في مقاومة المد الإسلامي، وكل وزير داخلية يأتي ويقول إنه سيقضي على الإرهاب وفي النهاية يفصل من عمله دون أن يحقق أهدافه. فالذي فشل في عمله وفعلا هو مخترق هو وزارة الداخلية، والدليل على ذلك وجودنا وعملياتنا والدليل هو أن أمريكا تضعنا على قائمة الإرهاب ، ونحن نتحدى الحكومة أن تقضي علينا. نحن نستعين بالله ثم بإخواننا وهم يستعينون بأمريكا ويعتمدون على الجيوش الجرارة والمساعدات الأمريكية ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وتقطعوا أمرهم بينهم
سؤال:علاقتكم بالجماعات الإسلامية المصرية وغير المصرية في هذا الوضع الراهن ولماذا فشلت الجماعات الإسلامية التي تؤمن بالعمل المسلح حتى الآن في الاتفاق على استراتيجية رغم اشتراكها كلها تقريباً في الهدف المحدد لها؟
الدكتور الظواهري: نحن علاقتنا بالجماعات الإسلامية المجاهدة علاقة أخوة وعلاقة المشاركة في نفس المعركة. جميع الجماعات الإسلامية المجاهدة نكرر لها الدعوة إلى أن تتحد جميعا ضد هدف واحد وهو مقاومة هذا التحالف المكون من الأنظمة وأمريكا وإسرائيل، يجب علينا أن نعمل جميعا من أجل إزالة هذه الأنظمة وعدم إسباغ أي شرعية على هذه الأنظمة ، وألا تدور معركة جانبية بيننا ، وأن تكون معركتنا جميعا موجهة إلى هذه الأنظمة.
هذه رسالتنا إلى الجماعات الإسلامية. أما كيف لم تتحد الجماعات الإسلامية على استراتيجية موحدة فإن وجود الجبهة الإسلامية العالمية بميثاقها وجهودها يعد خطوة أساسية وأولى على هذا الطريق ، ولذلك اعتبرت أمريكا هذه الجبهة تحد واضح لها ، واعتبرت المشاركين فيها من الإرهابيين الذين يجب القبض عليهم، لأن الجبهة قالت الحقيقة التي تخشى أمريكا انتشارها بين الناس.
بعضهم أولياء بعض
سؤال:علاقتكم بالشيخ أسامة بن لادن وملازمتكم له في أفغانستان هل تعتبر هذه العلاقة من خلال الجبهة أصبحتم تنظيماً واحداً أم أن جماعة الجهاد المصرية لا زالت تحتفظ بكيانها واستقلاليتها عن الجبهة الإسلامية العالمية التي يقودها الشيخ أسامة بن لادن؟
الدكتور الظواهري: أولاً بغض النظر عن التفاصيل ، علاقتنا بالشيخ أسامة بن لادن والأخوة المجاهدين في أفغانستان علاقة مشاركة في الجهاد ورفقة في السلاح وعلاقة قديمة وسقط منا الشهداء في الميدان في الجهاد. هذه العلاقة قديمة. والجبهة أحد ثمار هذه العلاقة أما بالنسبة للشيخ أسامة بن لادن فهو كثير التنقل وكثيراً ما نتصل به ونزوره.
الغرض من تكوين الجبهة هي أن تكون وعاءً لكل الجماعات الإسلامية لمقاومة الهجمة الصهيونية كي تتحد في وعاء هذه الجبهة لتنفيذ هذا الغرض ولكي تكون عبارة عن مخططات حقيقية وتنفيذية ضد أمريكا.
سؤال:لكن هل هذا يقتضي ألا تندمج بالضرورة هذه التنظيمات في إطار تنظيم واحد؟
الدكتور الظواهري: (ابتسامة عريضة وضحكة من الأعماق) لا تحاول أن تأخذ كل شيء في أول لقاء لنا بك، هذا السؤال لا تكون إجابته في أول لقاء.
على العكس
سؤال: بعض الجماعات الإسلامية والتي تؤمن وتمارس العمل المسلح(وعلى سبيل المثال في الجزائر) بدأت تدعو إلى وقف العمل المسلح ضد الأنظمة وتدعو للحوار السلمي مع هذه الأنظمة فهل هناك مبررات لجماعة الجهاد في مصر لاستمرار العمل المسلح في مصر ضد الحكومة؟
الدكتور الظواهري: هذا السؤال ذو شقين. الشق الأول : هو أن هذه التجارب في الجزائر وفي مصر أثبتت فشل ما يسمى بالحل السياسي أو الديمقراطي. نحن نعتبر أصلا هذه وسيلة غير شرعية. ماذا حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. وما الذي حدث لجماعة الأخوان في مصر كلهم دخلوا السجون. ليس إلا الجهاد وليس من طريق إلا الجهاد. فهذا بالنسبة للعمل السياسي . أمال الشق الثاني : فبالنسبة لنا نحن لنا مبشرات. صعدنا العمل من عمل ضد النظام إلى العمل للجهاد ضد أمريكا وإسرائيل، إلى العمل خارج مصر، الحكومة تطاردنا في كل مكان ونحن نطاردها في كل مكان. الجماعة الإسلامية ضربوا حسني مبارك في أديس أبابا، نحن الآن صعدنا العمل إلى مقاومة أمريكا وإسرائيل مباشرة، فنحن نرى التجاوب الشعبي معنا ونحن والحمد لله الأمور مبشرة بالنسبة لنا، تبشرنا بأن هذا الطريق هو الذي سيوصلنا وأن كل الطرق الأخرى فاشلة.
كما يقاتلونكم كافة . . .
سؤال:الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد المصرية ما الذي تريد أن توصله من رسالة إلى مصر والعالم الإسلامي من خلال عملكم وإمرتكم جماعة الجهاد المصرية؟
الدكتور الظواهري: أنا أريد أن أوصل رسالة إلى إخواني المسلمين في كل مكان كرجل مسلم ودعك من هذه الألقاب والمسميات. نحن نريد أن نوصل رسالة إلى إخواننا المسلمين في كل مكان. إذا أردنا أن نعيش أعزة وأناس لهم كرامة ولهم عزة يجب أن نخوض الحرب الصليبية الجديدة ضد أمريكا وإسرائيل، ونحن هذه رسالتنا إلى إخواننا في العالم العربي والإسلامي وفي مصر أن يكونوا معنا ضد عدونا إسرائيل وأمريكا، كل بما يستطيع، الجندي والضابط في الجيش المصري يجب ألا يستخدم سلاحه ضد المسلمين، ويجب أن يعلم أن كرامته قد سحقت يوم أجبروا على إخلاء سيناء وإعطائها للقوات الأمريكية لحفظ السلام. العالم المسلم يجب أن يحافظ على استقلال الأزهر الذي كان قلعة الصمود في مصر في وجه الطغيان والاحتلال والذي نتيجة سيطرة الحكومة عليه واستيلائها عليه أصبح يدعو الحاخام الإسرائيلي لزيارة الأزهر.
الطالب المسلم عليه أن يخوض انتخابات اتحاد الطلاب من أجل أن ينشر روح المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل، الأب والأم المسلمين يجب أن يعلموا أبناءهم القرآن والحديث ويحرصوا على تعليمهم أن فلسطين أرض مسلمة اغتصبها اليهود ، وأن كل هذه الاتفاقيات والعهود والمعاهدات باطلة، ويجب أن يشرحوا لهم أن أمريكا تحتل الآن مصر. وأن الحرم محتل والمدينة المنورة محتلة والبترول مسروق. وأن ينشئوهم على هذا، فهذا واجب على كل شاب ومهني ونقابي في مصر أن يقوم في وجه أمريكا وإسرائيل.
وأمريكا هزيمتها ليست صعبة ، أمريكا هزمت في فيتنام وطردت من لبنان ومن الصومال، فلو وقفنا أمامها وقفة صادقة فقد تنتهي كما انتهى الاتحاد السوفيتي، كل شيء يعتمد على أن نخلص النية في المقاومة.
في النهاية نشكر الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد في مصر على إتاحته الفرصة لنا بمقابلته في جبال أفغانستان للإطلاع على أحوال مصر وعلى أوضاع جماعة الجهاد.
أنا أشكرك وأحملك أمانة نقل هذه المقابلة لأن لنا تجارب سابقة مع وسائل الإعلام وأحمل قناة الجزيرة هذه المسئولية ، وأرجو أن تنجح قناة الجزيرة فيما لم ينجح فيه الآخرون.
إن شاء الله نكون عند حسن ظنكم. انتهت المقابلة.
آمال الدكتور الظواهري في قناة الجزيرة وإمكانية نشرها مقابلته خابت وخابت معها آمالي من المحطة نفسها، ولم تف الجزيرة لأسباب هي تعلمها بما وعدت به من نشر المقابلة التي سعت للحصول عليها مراراً وتكراراً حينما كانت المقابلة تخدم توجها للجزيرة في إثارة حفيظة الحكومة المصرية وقتاً ما، ولعل نشر هذه المقابلة في هذا الكتاب وكما جاءت على لسان صاحبها حرفياً دون زيادة أو نقصان ، أن يحقق بعض الآمال التي كان يرجوها أصحاب المقابلات، ولعله يوصل إلى القارئ العربي وجهة النظر الأخرى المغيبة عنه ومن فم أصحابها كما تحدثوا بها، رغم الضباب الكثيف التي تحاول دوائر كثيرة جدا إثارته حتى لا يصل إلى العقل العربي وجهة النظر التي تعارض أصحاب السلطة في عالمنا العربي.






















الفصل الثامن

ما بعد المقابلتين




الجزء الأول
لماذا لم تنشر الجزيرة المقابلات
لا للبث المباشر
حين أجريت المقابلة مع أسامة بن لادن في الثالث والعشرين من كانون الأول 1998 ، ورجعت إلى إسلام أباد أبلغت إدارة الجزيرة بما أنجزته داخل أفغانستان ، وطلبت منهم أن نعمل من المقابلة تقريراً ، أو أن نرسل بعضها ولو لمدة خمس دقائق بواسطة البث عبر الأقمار الصناعية ، حتى نثبت لأنفسنا السبق الصحفي في مقابلة رجل بات محط أنظار العالم كله ، والجميع يرغبون في سماع ما سيقوله بعد محاولات الأمريكان القضاء عليه ، من خلال قصفهم ما أسموه مراكز قيادة وتحكم تابعة له في أفغانستان ، لكنني فوجئت بأن إدارة الجزيرة تطلب مني إرسال المقابلة بواسطة الحقيبة الدبلوماسية للسفارة القطرية في إسلام أباد ولو كان هذا بعد عدة أيام!!
الجزيرة: المقابلة ليست للسبق الصحفي
وقد أخبرت الإدارة أن أحد الصحافيين تمكن من إجراء مقابلة مع أسامة بعدي بيوم ، وأنه في طريق عودته إلى باكستان ، وسيقوم ببث مقابلته لمحطتي التلفزيون البريطاني وشبكة A B C الأمريكية مباشرة من إسلام أباد عبر الأقمار الصناعية ، وبذلك يسبقنا في بث مقابلته رغم أننا كنا الأسبق في إجراء مقابلتنا ، ومع ذلك أصرت إدارة الجزيرة على عدم البث عبر الأقمار الصناعية من باكستان وأصروا على الإرسال عبر الحقيبة الدبلوماسية للسفارة القطرية في إسلام أباد ، والتي كان موعدها بعد ذلك بخمسة أيام !!
عروض مغرية من الأمريكان :
وبعد جدال طويل ومحتدم وحديث عن أن جهات أخرى عرضت شراء المقابلة مني بمبالغ طائلة ، ورفضي تلك العروض ـ رغم عدم وجود عقد بيني وبين الجزيرة آنذاك ـ وأنني أفضل أن تبث المقابلة عبر الجزيرة ، وباللغة العربية للمشاهد العربي أولاً ، وللعالم ثانياً، حتى نفي بحق المشاهد العربي والعالمي ، في الاستماع لوجهة نظر هذا الرجل ، الذي سمع العالم كيلاً لا حد له من الاتهامات ضده ولم يسمع وجهة نظره فيها ، كما سمع العالم برامج عديدة حوله لكنه لم يسمعه يتحدث مباشرة في هذه البرامج بما يبين أهدافه وما يريده . وقبل هذا وبعده ، حتى يعلم العالم أن مسألة السبق الصحفي و(الخبطات) الصحافية ، ليست حكراً على وسائل الإعلام الغربية ، وأننا أكثر جرأة منهم ، وأكثر شجاعة من صحافييهم في تحمل المشاق في البحث عن الحقيقة والخبر .
ووعود من الجزيرة لم تتحقق
بعد هذا كله ، والقول للجزيرة إن الزميل الآخر الذي أجرى مقابلة مع أسامة بن لادن سيكون في إسلام أباد ظهر اليوم التالي ، قررت إدارة الجزيرة الطلب مني السفر مباشرة وعلى نفقتي إلى الدوحة وهم يؤمنون لي تأشيرة في المطار لإحضار المقابلة بأقصى سرعة ممكنة ، ووعدت إدارة الجزيرة إعطائي مكافأة مادية مجزية تتمثل في مبلغ من المال وكاميرا تلفزيونية حديثة ، مقابل ألا أبيع المقابلة لأي جهة تلفزيونية كانت، رغم أنه عرض علي بيع حق نشرها لمحطة أمريكية تبثها في أوروبا وأمريكا بمبلغ يزيد على مائة ألف دولار مع الإبقاء على حقي في إعطاء الجزيرة (إن أردت) حق بثها في العالم العربي ، وأبت علي مروءتي وديني أن أقبل بهذا العرض السخي ، وأبلغت الجزيرة به قبل تحركي من إسلام أباد . وأكدت لي إدارة الجزيرة وعدها السابق بمكافأة مالية مجزية وكاميرا رقمية حديثة لي ، وعلى هذا الأساس تحركت من إسلام أباد في وقت متأخر من مساء اليوم الذي وصلت فيه من قندهار.
وصلت الدوحة قبل ساعات من وصول المراسل الآخر الذي أجرى مقابلة مع أسامة إلى إسلام أباد، وظننت أنه سيتم الإسراع في نقل الأشرطة إلى غرفة الأخبار ليقتطع منها جزء يتم بثه مباشرة وننال بذلك السبق الصحفي العالمي ، لكن مدير الجزيرة أخذ الأشرطة إلى منزله ليريها بعضا من حوارييه وينسخ عنها نسخة خاصة له يتصرف بها كيف يشاء فيما بعد.
أحقاد وولاءات منعت النشر
انتظرت بث جزء من المقابلة ولو خمس دقائق حتى نكون السباقين، لكن خاب أملي حين رأيت على شاشة التلفاز شبكة A B C الأمريكية وغيرها من الشبكات بثاً لجزء من مقابلة الزميل الآخر الذي كنت سبقته بيوم واحد في إجراء المقابلة .
اتصلت بمسئول الأخبار والمحرر المناوب لأعرف سبب تأخير بث أي جزء من المقابلة ، فقيل لي إنها لا زالت في منزل المدير العام ، وهو يناقش أمر بثها مع رئيس تحريره ، أو الأصح أن تقول (رئيس تمريره) صلاح نجم: الذي عين في الجزيرة رئيس تحرير بموجب صفقة بين الحكومتين القطرية والمصرية كما يقول كثير من العاملين في الجزيرة، وقد اعترض صلاح نجم على بث المقابلة عبر قناة الجزيرة وقال حرفياً كما روى لي الثقات من العاملين في الجزيرة :
" المحطة ليست منبراً لكل من هب ودب، ولا يمكن أن نسمح أن تكون المحطة بوقا لأسامة لأن هذا قد يغلق المحطة بسبب الضغوط التي ستنجم عن بث المقابلة ".
وهدد بالاستقالة من منصبه في الجزيرة إذا بثت المقابلة!! وكان من ضمن ذرائعه لرفض بثها كمقابلة أنني لم أقاطع أسامة بن لادن في كثير من الكلام ، وتركت له حرية الحديث في كثير من المواقع التي كان علي مقاطعته فيها والرد عليه كما يدعي، فقلت له إن مهمتي كصحفي ليست مقاطعة الضيف خاصة وأنه صاحب دعوة ورسالة سياسية وأخلاقية وحين كان الموقف يتطلب المقاطعة قاطعته.


فرفور . . ذنبه مغفور !
وحدث أن بثت الجزيرة بعد ذلك بأسبوعين تقريبا مقابلة مع الجنرال أمنون شاحاك رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي السابق، والذي كان مرشحاً لرئاسة الوزراء في الدولة العبرية آنذاك. ولم يقاطع الصحفي الذي أجرى المقابلة (ضيفه) بل كان يرد على إجابات الجنرال الملطخة أياديه بدماء العرب والمسلمين في فلسطين ولبنان وغيرهما بابتسامة عريضة وكأنه يوافق ما يقرره ذلك الجنرال، وحينما رأيت المقابلة اتصلت بـ (رئيس تمرير) الجزيرة صلاح نجم سائلاً إياه عن عدم المقاطعة، وكيف قبله من ذلك الصحفي فرد بقوله : إنه لم ير المقابلة قبل بثها وإنه سيراها حينما يعاد بثها في اليوم التالي!!! استغربت من الإجابة وسألته كيف يعقل برئيس تحرير أن يسمح ببث مقابلة مثل هذه قبل الإطلاع عليها خاصة وأن الجنرال شاحاك كان يقرر أشياء تخالف كل القوانين والأعراف وتتعارض مع أبسط الحقوق العربية ويقلب الأمور وتسوقه الجزيرة وهو مرشح لرئاسة الوزراء في إسرائيل آنذاك فكيف يتم هذا؟
رد رئيس التمرير بالقول : إنت عايز توصل لإيه يا جمال؟ قلت له لا شيء . لكن أنت اعترضت على مقابلتي مع أسامة بأنني لم أقاطعه إلا في أماكن محددة ، وصاحبك هذا لم يقاطع جنرال العدو في أي مكان من المقابلة. والجميع يعرف أنه حتى لو تمت اتفاقيات سلام بين الحكومات العربية كلها ودولة الاحتلال في فلسطين فإن النظرة للجنرال شاحاك ستبقى أنه جنرال عدو لطخت أياديه بدماء شعوبنا المسكينة، وأما أسامة فمهما اختلفنا معه في توجهاته الفكرية والسياسية فإنه لا يمكن لأحد من أبناء أمتنا أن يصنفه في عداد المعادين للأمة وتطلعاتها مطلقا. وأنا أشكر لكم اهتمامكم الشديد بمراقبة كل ما له علاقة به، مع انفتاحكم (أو قل انبطاحكم وهو الأصح) أمام عدونا.
أسباب رفض البث
فيما بعد ومن خلال اتصالاتي مع العديد من العاملين في الجزيرة وممن يعرف رئيس تحريرها وعقليته ونفسيته علمت أن صلاح نجم كان من اليساريين المصريين المحسوبين على التيار الشيوعي كما قيل، وأنه عمل في بعض الإذاعات الغربية ويشار إليه من قبل الكثيرين في الجزيرة حالياً بأنه مندوب السفارتين المصرية والأمريكية في الجزيرة وأنه تمت إعادته إلى الجزيرة واستلم منصب رئيس التحرير فيها بعد أن تحسنت العلاقات بين الحكومتين المصرية والقطرية وكان هذا أحد الشروط المصرية للتطبيع مع قطر!!
وبالنسبة لخبرته المهنية فهي لا تتعدى كونه عمل فترة في إذاعة هولندا (القسم العربي ) وهو قسم غير مسموع جيداً في العالم العربي ولما افتتح التلفزيون البريطاني قسمه العربي قبل عدة سنوات (لمه) مع من عمل في التلفزيون ، ومن هناك تمكن من العمل في الجزيرة التي تعاقدت مع موظفي التلفزيون البريطاني/القسم العربي لتنقلهم إلى الدوحة، لكن وحين ساءت العلاقات المصرية القطرية، طلبت السفارة المصرية من كثير من المصريين العاملين في الجزيرة الاستقالة، احتجاجاً على ما تعرضت له الحكومة المصرية من انتقادات من الجزيرة، وكان هو من ضمن الذين استقالوا من الجزيرة ليعمل في هيئة الإذاعة البريطانية عدة أشهر أقصي بعدها من العمل فعملت الجزيرة على (لمه) ثانية بعد التقارب في العلاقات القطرية المصرية!!

براءة من السبق الصحفي !!
في المساء وفي نشرة الرابعة والنصف بتوقيت مكة المكرمة، بثت الجزيرة جزءً من المقابلة ، وبدلاً من أن تحاول البروز إعلامياً بالقول إن هذه مقابلة خاصة بالجزيرة ، قال المذيع إن هذا التصريح لأسامة بن لادن جاء في مؤتمر صحفي عقده في الأراضي الأفغانية!! وكان الكلام كالصاعقة علي .
فبعد الجهد والتعب والسفر المتواصل تأتي الجزيرة لتقول إن هذه المقابلة كانت مؤتمراً صحفيا في أفغانستان .
اتصلت بمحرر النشرة فأبلغني بأن رئيس التحرير صلاح نجم هو الذي طلب كتابة هذا الأمر ، وأنه أصر على ذلك .
بعدما فات الأوان !
في نشرة الثامنة والنصف بتوقيت مكة المكرمة ، وبعد أن سمع العالم ورأى مقابلة أسامة على التلفزيون البريطاني والـ A B C الأمريكية ، قالت الجزيرة في تقديمها لجزء من المقابلة إنها مقابلة خاصة بالجزيرة أجراها مراسلها في باكستان جمال إسماعيل مع أسامة بن لادن في مكان ما من الأراضي الأفغانية.
مدير الجزيرة العام محمد جاسم العلي كان منتشياً بهذا الإنجاز الذي لم يكن يحلم به، وفي اليوم التالي استدعاني ليشكرني على هذا السبق الصحفي وليقول لي إن رئيس مجلس الإدارة وهو برتبة وزير ونائبه يريدان مقابلتي لشكري على هذه المقابلة .
حين قابلت الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس مجلس الإدارة في الجزيرة كان الآخر منتشياً بما تم إنجازه ، لكنه أبدى ملاحظة وهو أنني قمت بنشر جزء من المقابلة في جريدة الشرق الأوسط ، وأنني بهذا أفقدت الجزيرة بهجة السبق الصحفي ، فقلت له: أولاً لا أظن أن الجزيرة كانت من خلال تصرفها وما عملته معي تسعى للسبق الصحفي ، وبالنسبة لما نشر في الشرق الأوسط فهذه الأوراق التي أرسلتها للجريدة التي كنت أعمل معها آنذاك موجودة معي (ولا زالت بحوزتي حتى الآن)، وكتبت فيها (( في مقابلة أجرتها قناة الجزيرة مع أسامة بن لادن في مكان ما من أفغانستان)) لكن القائمين على الجريدة ، ولأنني كنت أعمل معهم إلى ذلك الوقت لم يرتأوا أن يقوموا بهذه الدعاية للجزيرة على صفحات جريدتهم فنسبوا الخبر لمراسلهم الذي كان نفسه مراسل الجزيرة.
((وقد علمت أن الشرق الأوسط باعت القصة التي أرسلتها لها عن مقابلتي مع أسامة لجريدة أمريكية بمبلغ كبير، إلا أنه وبدلاً من إعطائي حقوقي من المقابلة فقد رفضوا حتى الآن دفع تكاليف السفر وما كنا اتفقنا عليه من فواتير هاتف وفاكس فترة عملي حتى الآن))!!!
رئيس مجلس إدارة الجزيرة في حديثه معي ظن أن الشرق الأوسط حذفت كثيراً مما جاء في المقابلة، معتقداً أنني قمت بإرسال كامل المقابلة للجريدة، فقلت له على العكس لم يحذفوا مما أرسلت لهم شيئاً مطلقاً ، وإنما غيروا بعض الكلمات فقط ، وهو ما لم يخل بالمعنى الذي أردته مما أرسلته لهم !! واتخذ ما نشرته الشرق الأوسط حجة بأنه أفقد الجزيرة السبق الصحفي.
وحين سألته عن موعد بث المقابلة بدا متردداً في الإجابة عن ذلك وقال : نحن لا نريد أن تظهر المقابلة، وكأننا نبث ما أذاعته الشرق الأوسط وأنهم سبقونا بذلك ، لذا قد تحتاج بعض الوقت لنشرها وسنحاول خلال هذا الأسبوع .
فليستأذنوا أسيادهم !
كانت مدة المقابلة مع الشيخ أسامة بن لادن ساعة واثنتان وأربعون دقيقة ، وكل ما نشر منها في الشرق الأوسط لا يتعدى ربع ساعة ، ولو حذفنا بعض المقاطع لأسباب فنية فيبقى من المقابلة ما يزيد على ساعة كاملة وهي مدة أطول من أي برامج مقابلات تبثها الجزيرة ، وقد أبلغت رئيس مجلس الإدارة بهذه الأمور، وأضفت : لقد حاولت الجزيرة مرتين لقاء الدكتور أيمن الظواهري وكانت تريد دفع عشرات الآلاف من الدولارات لإتمام مثل هذه المقابلة ، والآن جاءتكم مقابلة كاملة معه مدتها قرابة ساعة وهي مقابلة لم تتسرب لأي جهة إعلامية كما تريدون فلماذا لا تبثونها أو على الأقل تبثون جزءً منها إن كنتم حريصين على السبق الصحفي الذي تتحدثون عنه!!!
لم أكن أفكر ساعتئذ بالعلاقات القطرية المصرية وأن بوادر التحسن بدأت تطرأ عليها، ومنها تعيين رئيس تحرير مثل صلاح نجم في الجزيرة، وهو ما يمنع بث مقابلة الدكتور أيمن الظواهري عبر الجزيرة صاحبة شعار الرأي والرأي الآخر والبحث عن الحقيقة والحرية الكاملة للكلمة!!!!
كان انتباهي كله مشدوداً إلى موعد بث المقابلة عبر الجزيرة وكانت كل استفساراتي من المسئولين فيها تدور حول هذا الموضوع ، لكن المدير العام للجزيرة كان يتهرب من إعطاء إجابة شافية على تساؤلاتي من خلال القول المتكرر إن الجزيرة ستقوم بإعداد برنامج متكامل حول الموضوع تكون فيه المقابلة المحور الرئيسي ثم يعقبها برنامج وثائقي عن أسامة بن لادن وأفغانستان والأفغان العرب .
يلوون ألسنتهم
كان من حقي القيام بإعداد هذا البرنامج وطالبت بذلك ، لكنني لم أكن أعلم أن مدير الجزيرة أو قل إدارتها كانت تعمل في الخفاء على إبعادي عن البرنامج وما يتعلق بإعداده لصالح رئيس تحرير الجزيرة صلاح نجم الذي أعطي النسخة الأصلية من المقابلة واحتفظ بها ما بين منزله ومكتبه الخاص، وقام بتفريغها مباشرة مع أنها كانت كلها باللغة العربية . وبدأ صلاح نجم يتحدث عن البرنامج وأنه هو الذي سيعده وأشاركه فيه ، وأشار رئيس التحرير صلاح نجم فيما بعد إلى أن برنامج الجزيرة سيتضمن المقابلة وستعقبها ندوة تقيمها الجزيرة على أن أشارك فيها أنا وعدد آخر من الشخصيات التي قد يكون بعضها معادياً لأسامة وتوجهاته ، وقد أبديت موافقتي على المشاركة في مثل هذا البرنامج.
بداية التسريب
المدير العام وفي اليوم التالي لوصولي إلى الدوحة سلم أشرطة المقابلتين لرئيس تحريره صلاح نجم الذي عكف على تفريغهما!!! (لمصلحة من؟ الله أعلم!! لكن ليس للجزيرة قطعاً). وحين سألته عن السبب في ذلك فقال: إنه يريد أن يعمل منهما برنامجاً خاصاً غير الندوة التي تحدث عنها ، وأنني سأكون مشاركا رئيسياً في البرنامج ، وقد أجرى صلاح نجم مقابلة معي في اليوم التالي كي تكون ضمن البرنامج . في اليوم التالي بدأ مدير الجزيرة يسألني لماذا لا أسافر مباشرة إلى باكستان، وأنهم سيبدأون العمل على إعداد المقابلة والبرنامج لبثهما بعد أيام ، ولم يعد هناك حاجة لوجودي في الدوحة حاليا !!! وأن مقابلة الشيخ أسامة بن لادن سيتم بثها بعد حوالي أسبوع وأنها تحتاج إلى بعض المونتاج . ومقابل إلحاحي على المكوث في الدوحة لحين بث المقابلتين أو على الأقل مقابلة أسامة كان هناك إلحاح عجيب من مدير الجزيرة على السفر في أقرب وقت إلى باكستان !!!
طلبت من المدير تزويدي بنسخة من مقابلتي الشيخ أسامة بن لادن والدكتور الظواهري ، وذلك لأعطيهما للحكومة الأفغانية التي اشترطت علي تزويدها بنسخة من المقابلتين ، كما أردت أن احتفظ لنفسي بنسخة من هاتين المقابلتين . وافق المدير على ذلك، ووجهني لطلبهما من رئيس تحريره صلاح نجم، الذي كانت الأشرطة الأصلية لديه، إلا أن رئيس تحريره صلاح نجم رفض ذلك مطلقاً، بحجة أنني قد أتصرف بهما، تحت ذريعة أنني قد أبيعهما لمحطة تلفزيونية أخرى لتأخر الجزيرة في بثهما. وأنه لا يمكن مطلقاً تزويدي بأي نسخة حتى على أشرطة V H S إلا بعد أن يفرغ هو من إعداد برنامجه عن المقابلتين ، ورغم إلحاحي الشديد على المدير لنيل نسخة من المقابلتين للحكومة الأفغانية إلا أنه رضخ لموقف رئيس تحريره صلاح نجم ، وبات الاثنان يلحان بشدة على سرعة مغادرتي الدوحة والعودة إلى إسلام أباد ، وأن المقابلة ستبث بعد أسبوع ، والأشرطة ستصل إلي عبر البريد الممتاز بعد أيام من ذلك .
كانت المفاجأة حين أردت المغادرة من الفندق أن أبلغني مسئول في الفندق الذي استضافتني فيه الجزيرة أن علي أن أدفع نفقات الطعام والشراب، وأن الجزيرة تكفلت فقط بأجرة الغرفة، وأرسلوا كتاباً بهذا الشأن رغم أنهم تحدثوا أمامي مع مسئول الفندق عن أن إقامتي كاملة على نفقة الجزيرة !!!
فدفعت الفاتورة وتساءلت أي نوع من المخلوقات هم إدارة الجزيرة!!
غادرت الدوحة باتجاه الإمارات لرؤية أقارب لي هناك ، وما إن وصلت عند بعض الأقارب حتى رن الهاتف لتبلغني زوجتي أن مدير الجزيرة يريد أن يحدثني عن أمر هام ، وعلي انتظاره على هذا الرقم.

محاولة شراء:
اتصل محمد جاسم العلي المدير العام للجزيرة ليعرض علي التفرغ التام للعمل مع قناة الجزيرة ، وأن أترك ما عداها من وسائل إعلامية خارج دولة قطر ، على أن يعطوني راتباً ثابتاً وليس على القطعة ، وطلب مني التفكير في الأمر ، لكنه رفض في الوقت نفسه تحديد ماهية عرضه من الناحية المادية بل كان يريدني أنا أن أحدد الراتب الذي أتوقعه ، ويتم التفاوض عليه مع إدارة الجزيرة . لكن تفكيري كان منصباً على موعد بث المقابلة، وما قالوه عن برنامجهم الوثائقي أكثر من انتظاري توقيع عقد ثابت مع الجزيرة .
ورغم مرور أيام على وصولي إسلام أباد إلا أنني لم أر أي إعلان عن موعد بث المقابلة ، مما حداني وتحت إلحاح شديد من السفارة الأفغانية أيضا للاتصال بمدير الجزيرة ، والاستفسار منه عن موعد بث المقابلة .
الجزء الثاني
أكاذيب وتبريرات
مضت عشرة أيام على وصول المقابلة للجزيرة ولم يتم الإعلان عن موعد بث المقابلة، وفي كل مرة كنت أتصل بالمدير محمد جاسم العلي كان يؤكد لي أنها ستبث الخميس القادم أو نهاية الأسبوع، أو بعد أيام قلائل. وكنت أبلغ ما أسمعه إلى السفارة الأفغانية التي كانت (وضيوف حكومتها) متشوقين لسماع المقابلة باللغة العربية من قناة الجزيرة وعلى اتصال دائم معي لمعرفة هذا الموعد . وبعد أن كثرت وعود المدير العام حول موعد بث المقابلة دون الوفاء بها حاولت جاهداً معرفة السبب منه شخصياً ، وأن هذه الوعود التي لم يتم الوفاء بها أوقعتني في حرج شديد مع الحكومة الأفغانية ومع من أجرينا معهم المقابلات ، وهذا الأمر قد يضرني كثيراً ويضر بمصداقيتي كثيراً عند الحكومة الأفغانية وغيرها وربما يؤثر على حياتي .
كان المدير متردداً في إجابته ، لكنه أفصح عما قال إنه السبب الحقيقي وراء عدم نشر المقابلة في موعدها أو كما كان يعد بذلك ! وأشار إلى أن قرارا بمنع نشر المقابلة في ذلك الوقت جاءهم من جهات خارجية عليا ومارست هذه الجهات ضغوطاً كبيرة على حكومة دولة قطر لمنع نشر المقابلة تلك الأيام ، ذلك أنها جاءت في وقت كان الوجود الأمريكي في المنطقة العربية يعاني فيه من أشد حالات الكراهية والبغضاء بعد العدوان الأمريكي البريطاني الجوي على العراق في كانون الأول 1998، والذي كان قد توقف قبل أيام قلائل من إجراء المقابلة . وأشار المدير إلى أن السلطات الأمريكية هددت باتخاذ بعض الإجراءات ليس ضد قناة الجزيرة ، ولكن ضد حكومة قطر في حال نشر المقابلة تلك الأيام ، خاصة وأن الشيخ أسامة بن لادن تحدث في المقابلة عن هذا القصف وعن الوجود الأمريكي في المنطقة العربية وضرورة مقاومته . وعلمت فيما بعد ومن بعض موظفي الجزيرة والمقربين من مديرها أن ما تم تفريغه ونسخه من المقابلتين سلم للسفارتين الأمريكية والمصرية في الدوحة ، إن لم يكن لسفارة أخرى أيضاً .

ادعاءات زائفة ومحاولات للتشكيك
بعد أكثر من عشرة أيام على وصولي إسلام أباد وصلت نسختان من المقابلتين ، وقمت بإرسال إحداهما إلى السفارة الأفغانية ، واحتفظت بالأخرى لي ، وفوجئت في اليوم التالي بمدير الجزيرة يبلغني أن دولة عربية اتصلت بهم وتحاول منعهم من نشر المقابلة مع أسامة بحجة أن ما فيها من كلام يمس تلك الدولة ، وأن الجزيرة باتت في وضع حرج!! حول كيفية تسرب المقابلة لتلك الدولة .
وأخذ يسألني بصيغة المتهم لي ، فأبلغته بأنني لو كنت أنوي بيع المقابلة لأحد ما أتيت إلى الجزيرة وكان بإمكاني بيعها لمن شئت ، خاصة وأن محطة أمريكية دفعت لي مبلغ مائة ألف دولار على أن أحتفظ للجزيرة بحق نشر المقابلة في العالم العربي ، إن أردت ذلك، وإن كانت سربت المقابلة من أحد فليس مني وعليكم أن تبحثوا من جانبكم ، وطلب مني بحث المسألة مع السفارة الأفغانية ، ومعرفة ما إذا كانت سربت عن طريقهم .
فيما بعد علمت أن هذا كان مبرراً لمنع نشر المقابلة كما وعدنا الطرف الآخر بذلك ، وأن ما قيل من إعداد الجزيرة برنامجاً وما أشار إليه المدير في كثير من اتصالاته حول موعد البث لم يكن إلا محاولة لذر الرماد في العيون وكسب الوقت .

تحقيق في الجزيرة:
بعد ثلاثة أشهر تقريباً من تسليمي المقابلات للجزيرة كنت في زيارة إلى الدوحة، واتصلت ببعض مسئولي الجزيرة، وحدث أن استدعيت من قبل أعضاء في مجلس الإدارة أعلى منصبا من مدير الجزيرة، فشرحت لهم ما جرى معي، وكانت مسألة تسريب المقابلة إحدى النقاط الهامة في الحديث، وكان هناك توجه في حديثهم لاتهام صلاح نجم الذي فرغ المقابلة من أول يوم، وحينما أكدت لهم المعلومات بأنه فرغ المقابلة خطياً في اليوم الأول لها وأنه منع نشرها منذ البداية، شعرت أن لديهم تحفظات كثيرة عليه، لكن لبعض الأسباب بقي في منصبه، وكان مدير الجزيرة قد علم بعزمي مقابلة هؤلاء الأشخاص، فاستشاط غضباً وحاول منعي بأي وسيلة، لكن حينما تم اللقاء، ورأيته في اليوم التالي مستفسراً منه عما كان يريده مني حين سأل عني بالأمس، كان كالذي تلقى صفعة على وجهه من مسئوليه فأخذ يقول إنه كان يريدني بالأمس وقبل أن ألتقي فلاناً أو فلان أما الآن فلا حاجة له بلقائي، وشعرت من تقاطيع وجهه بما أصابه منهم!!



مساومة وإغراء:
أثناء وجودي في الدوحة وبعد أن بثت الجزيرة جزءً من المقابلة مع أسامة مباشرة اتصل مسئول في سفارة عربية في إسلام أباد بمنزلي يستفسر عني، فأبلغ بأنني مسافر ، وسأل ثانية ما إذا كنت أنا الذي أجريت المقابلة مع أسامة أم لا ؟ فأبلغ بالجواب .
اتصل الدبلوماسي العربي مباشرة بالجزيرة سائلاً عني بحجة أنه قريب لي فأبلغ بأنني في الفندق ، وأخذ يتصل على الفندق أكثر من مرة ولم يأته رد مني .
وبعد رجوعي إلى إسلام أباد بيومين اتصلت به ((وأنا أخمن ما الذي يريده)) مستفسراً عنه وعن سبب اتصاله ، فدعاني إلى ملاقاته، لكنني اعتذرت عن ذلك لانشغالي ببعض الأمور ، فقال إذن أنا آتي إلى بيتك لأمر هام .
أعطيته عنوان المنزل، وبعد دقائق وصل، لكنه رفض الدخول، وكان سريعاً في عرض ما جاء لأجله :
هل بالإمكان الحصول على النسخة الأصلية من المقابلة؟
فأجبته نعم .اتصل بالجزيرة وتفاهم معهم، لكنني أظن أن تلفزيون بلادكم لن يعرض منها شيئاً بسبب السياسة التي تنتهجها دولتكم حيال هذا الأمر .
فرد قائلا : لا نريد النشر ، ولكن نريد منعه مهما كانت الأحوال. وأنت يمكنك استعادة المقابلة من الجزيرة وبيعها لنا بضعف الثمن الذي اتفقت مع الجزيرة عليه .
فقلت له: أنا أجريت المقابلة حتى يتم نشرها وليس وأدها، وأنا حريص على نشرها وتحقيق إنجاز صحفي لي أكثر من حرص الجزيرة على المقابلة وأكثر من حرصي على المال! ومستعد للتنازل عن حقوقي المادية من هذه المقابلة إن وافقت الجزيرة على نشرها كاملة غير منقوصة.
استغرب الدبلوماسي من إجابتي بقوله : يا سلام ، أنت تبدو متحمسا جداً لأسامة وتريد أن تعمل له دعاية في العالم العربي!!
أجبته : لا . . ليس حماساً له بقدر ما هو دعاية لي. فلو أنفقت عشرات الألوف من الدولارات لأعمل دعاية لنفسي لن يكون صداها من ناحية إعلامية بقدر ما يعرف العالم أنني أجريت مقابلة مع أشهر رجل مطلوب في العالم. ولهذا السبب أنا حريص على نشر المقابلة ، كما أن هذا يحفظ لي رصيدي المهني ومصداقيتي أمام من قابلتهم أو ساهم في إنجاح المقابلة أو غيرهم، وهذا أمر لا يقدر بثمن بالنسبة لي .
فقال : أنا أعطيك ما وعدتك به الجزيرة وأكثر، شريطة استعادة النسخة الأصلية من الجزيرة أو الاشتراط عليهم ألا يبثوا أي جزء منها بعد ذلك. فقلت له: إن هذا أمر مستحيل بالنسبة لي ، وحتى لو وافقت الجزيرة على ذلك فأنا لن أرضى به. وإن كان لكم أي اعتراض على المقابلة فيمكنكم الاتصال بالجزيرة ، وأظنكم تعرفون أرقام هواتف إدارتها .
عند ذلك شعر أنه أسقط في يديه ولم ينل شيئا مني ، فقال لنتحدث عن موضوع آخر ، وانس أمر هذه المقابلة : هل تستطيع مقابلة أسامة مرة أخرى وفي وقت قريب ؟
فقلت له : لا مانع لدي في إجراء مقابلات معه في أي وقت . لكن هذا يعتمد على الحكومة الأفغانية وعليه هو ، ومن ناحيتي فإن ما أعرفه عنه هو رفضه مقابلة صحفي مرتين ، لكن لو وافقت الحكومة الأفغانية على إتاحة الفرصة لي مرة ثانية فلن أتردد في ذلك.
فرد قائلا : حسنا. نريد منك أن تنقل له شيئا معك .
مهمة قاتلة!
ظننت أن الذي يريده مني هو رسالة من حكومته تنقل لأسامة بن لادن ولا يريدونها أن تصل له عبر الحكومة الأفغانية ، فاعتذرت بأنه لا يمكنني حمل شيء من الرسائل إلا بعلم الحكومة الأفغانية .
استدرك قائلا : لا . الأمر لا يتعلق برسالة .
فقلت له :هل هناك أسئلة معينة تريدون أجوبته عليها ؟
قال :لا .. لا نريد سؤاله عن أي شيء .
فقلت : إذن ماذا تريدني أن أحمل له ؟
فقال في تردد وعيناه تحدقان في ملامح وجهي : نريدك أن تأخذ معك إن ذهبت لمقابلته ثانية جهاز بث صغير( TRANSMITER) تضعه في ملابسك ، وحينما تصل إليه فقط تفتح الجهاز ليبث إشارات إلى مكان ما .
أدركت ما يريده مباشرة ، فقلت له ضاحكاً : وكم تدفع من أجل هذا العمل !؟ فأجاب دون تردد وكأنه يخشى عدم موافقتي ويحاول إقناعي بما يزيده في عرضه المادي : مائة ألف دولار ، مائتي ألف ، مائتين وخمسين ألفا . ماذا تقول ؟
قلت له: لا . . لأن ما تدفعه زهيد جداً لعمل مثل هذا !
فقال : إذن ندفع لك نصف مليون دولار . جيد ! وهذا المبلغ لم ندفعه من قبل لأي شخص مهما كان الأمر . اتفقنا .
كررت له إجابتي، مردفاً أن غيرك دفع أكثر مما تدفع أنت .
فسأل باستغراب : ومن يكون هذا الذي دفع أكثر، وكم دفع ؟
قلت له : الأمريكان . لقد أعلنوا عن جائزة قيمتها خمسة ملايين دولار . وهذا الجهاز الذي تريدني حمله سيحدد مكاني ومكان أسامة (إن سمح لي برؤيته ثانية) بشكل دقيق . فلو رغبت القيام بعمل من هذا القبيل فلماذا لا أذهب إلى من يعطي خمسة ملايين بدلاً من نصف مليون . فقال بلهفة : وهل اتصل بك الأمريكان ؟ أو اتصلت بهم ؟
قلت : لا .. لم يتصلوا ولن أتصل بهم !!
فرد بالقول : أنا أحضر لك الجائزة منهم ، فهل تقبل القيام بهذه المهمة .فأجبته : ما رأيته على الانترنت وفي الدعاية الأمريكية أنهم لم يطلبوا واسطة للشخص الذي يريد الإدلاء بمعلومات ، أو يفيدهم بأي شيء ، والسفارة الأمريكية موجودة في إسلام أباد ومكتبهم الإعلامي أعرفه ، ولو أردت يمكنني الذهاب دون أي واسطة .
خمسة عشر مليون دولار !!
فأجاب وهو يلح علي بالقبول بما يعرضه : حسناً . أنا أعرض عليك شيئاً إضافياً لما عرضوه ، منهم خمسة ملايين ومنا خمسة ملايين، ماذا قلت؟ وقبل أن أرد على سؤاله أضاف : منا عشرة ملايين دولار ومنهم خمسة ملايين دولار ، أي يكون لك خمسة عشر مليون دولار ، وهذا مبلغ لم تدفعه أي دولة في العالم لأي شخص في مثل هذه الأعمال! هاه ، ماذا قلت !؟
ضحكت في أعماقي ، وأمسكت لحيتي بيدي وقلت :إن كان الأمر هكذا ، أنا لا أريد المال ، أريد شيئا أخر غيره !
فتلهف لسماع ما أريده ، وأنصت بدقة ، فقلت له :أريد قطعة صغيرة من الورق . وقبل أن أكمل قال نعم نحن نعطيك جنسية وجواز سفر ، فقلت له ما هذا الذي أسال عنه .
فأجاب : ماذا تريد إذن؟ فقلت له : أريد قطعة ورق صغيرة موقعة من رب العالمين مكتوب فيها أنني مغفور لي كل ما أفعل ، فإن أحضرت لي هذه الورقة ، فأنا على استعداد للقيام بأي عمل تريده ، مهما كان ، وضد أي شخص كان .
بهت الرجل مما سمع وظن أنني أمزح معه ، فقال وكأنه يحاول إقناعي بالأمر بالتخفيف من عواقبه : أنت تعلم أنه لا أحد يمكنه إحضار مثل هذه الورقة ، ونحن لا نطلب منك قتل الرجل ولا إيذاءه . فقط اذهب بالجهاز وافتحه حينما تكون عنده .
فرددت عليه بلهجة أشد مما كنت أكلمه به : هذا الجهاز الذي تريدني نقله إلى هناك سيبث ذبذبات يتم التقاطها في مكان ما ، وسيتم بناءً عليها تحديد موقعه بالضبط ، وموقعي أنا بالذات بصورة أدق، والذي أعرفه أن بلادكم ليس لها قدرات تقنية متطورة تتعامل من خلالها مع هذا الجهاز ، والذي سيستفيد منه هو الأمريكان الذين سيضربون مجموعة من الصواريخ على المكان الذي تم تحديده ، والصاروخ سيأتي إلي قبل أن يصيبه هو ، هذا إن وصلت إليه ومعي الجهاز ! فماذا لو أمسكوا بي وفتشوني قبل أن أصل إليه واكتشفوا وجود مثل هذا الجهاز معي؟؟؟ بالطبع سيحققون معي وسيعلمون أنني تعاملت معكم أو مع غيركم . وأنت تعلم ما مصير من يقبض عليه في هذه القضايا . ترى لو تم هذا ماذا ستنفع الخمسة عشر مليون دولار .
فأجاب وكأنه يريد استمالتي من ناحية أولادي : نعطيها لأولادك من بعدك ، ونتكفل بهم طيلة حياتهم .
ضحكت ، وقلت له وما ينفعني أنا إن مت جاسوساً وتنعم أولادي من بعدي بأموال اكتسبت بغير طريق شرعي ، وماذا ستفعل لهم الأموال؟! هل ستغسل عار الأبد وتمحو من أذهانهم ومن أذهان الناس أن أباهم مات على ما تريدني أن أموت عليه من نذالة وخسة ؟
توقفت برهة من الوقت ثم بادرته بسؤال خطر لي وأنا أحدثه، فقلت له : هل تظن المسئول الأمني الأول في بلادكم كذاباً ؟ فقال لي مباشرة : وما السبب في هذا السؤال ؟
فقلت له أنا لا أظنه كذاباً ، فهل تظنه أنت كذاباً ؟ فقال لي على الفور: لا . . رغم أنه لم يكن يعرف ما أرمي إليه من هذا السؤال!
فقلت له إذا كان المسئول الأمني الأول في بلادكم أعلن أن أسامة ليس مطلوباً في أي قضية لدولتكم وأنه لا علاقة له بما جرى فيها من أحداث وتفجيرات وغير ذلك ، فإذا كان الأمر هكذا فلماذا تسأل عن أسامة بهذه الحماسة وتحاول أن تقتله ؟ أم أنك تريدني أن أفهم أنك تعمل لدولة أخرى غير بلادك ؟!
انتظر محدثي قليلا ثم قال لي : هذا آخر ما عندك من كلام .
قلت له هذا ما عندي كله . فقال لي: (طيب نشوف بعدين).
. . . . . .
. . . . . .
سفارات تطلب إبعادي:
بعد أيام من ذلك علمت من وزارة الإعلام الباكستانية أن سفير إحدى الدول العربية في باكستان تقدم برسالة إلى الخارجية الباكستانية يطالب فيها بإخراجي من باكستان بحجة أنني أجريت مقابلة مع أسامة بن لادن وأخرى مع أيمن الظواهري، وقد حاول هذا السفير استخدام مشاعر الباكستانيين المعادية لإسرائيل في هذه المسألة، حيث جاء في رسالته أن جمال يحمل جواز سفر فلسطيني، وأنه يستطيع زيارة (إسرائيل) في أي وقت!! كما أنه يعمل على تخريب العلاقات الباكستانية العربية!!! من خلال ما يبثه من تقارير من باكستان! وزعم السفير العربي في رسالته أن سفراء ثلاث دول عربية أخرى يشاطرونه الرأي في هذه المسألة!! كما لم ينس (اتهامي) بأنني أعمل لصالح قناة الجزيرة التي عملت على إغاظة عدد من الحكومات العربية منها الأردن والمملكة العربية السعودية والكويت ومصر وغيرها. وطالب بإبعادي من باكستان أو على الأقل منعي من ممارسة الصحافة في باكستان إن كانت الحكومة لا تريد إبعادي.
رد أعتز به
وزارة الخارجية الباكستانية أحالت الطلب إلى وزارة الإعلام وإلى الجهات الأمنية المختصة لمعرفة رأيها في الموضوع.
وقد تمكنت من الاطلاع على رد وزارة الإعلام حول هذه المسألة والذي جاء فيه: إن وزارة الإعلام تعتز بوجود صحفي عربي مثل جمال إسماعيل في إسلام أباد، والوزارة شاكرة لكل ما كتبه من معلومات لعرض وجهة النظر الباكستانية حول مسائل: كشمير، أفغانستان، العلاقات مع الهند ، الأوضاع الداخلية الباكستانية، أو العلاقات الباكستانية العربية، ولم تجد الوزارة في كل ما وصل إليها من كتابات وتقارير الصحفي جمال إسماعيل أي شيء يتعارض مع المصلحة العليا لباكستان أو يسيء إليها، وأما بالنسبة لمقابلته أسامة بن لادن وأيمن الظواهري فإن الوزارة تعتقد أنه قام بعمله الصحفي وأنجز كصحفي مسلم ما يسعى كل الصحافيين في العالم لإنجازه من شهرة ومغامرة، وبالنسبة لقناة الجزيرة وعمله فيها فإن على السفارة صاحبة الطلب أن تراجع وعبر حكومة بلادها الحكومة القطرية أو إدارة الجزيرة، ولا علاقة لباكستان بهذه المسألة.
وقد عضد هذا الرد رد الأجهزة الأمنية المختصة التي أكدت للوزارة أن ملف جمال إسماعيل خال من أي شيء يشير إلى إمكانية ضلوعه في أي عمل قد يسيء إلى باكستان. فأسقط في أيدي من كان يريد إبعادي من هنا.
رسالة السفارة هذه استخدمت فيما بعد من قبل نفس الحكومة الباكستانية في قضية إبعاد ضدي بعد أن تمكنت من فضح مخطط أمريكي لشن غارة على الأراضي الأفغانية وذلك قبل خمس ساعات تقريباً من الموعد المقرر لذلك الهجوم مما أسفر عن إلغائه.. ولو مؤقتاً!!
محاولة شراء أخرى!!
بعد أيام من نشري جزءً من مقابلة الشيخ أسامة بن لادن في الشرق الأوسط اتصل بي أحد مديري التحرير في الجريدة يسأل عن مقابلة أيمن الظواهري ولماذا لم أرسلها إليهم بعد؟، فأبلغته أنني طلبت منهم خلال ستة عشر شهراً من العمل المتواصل مع الجريدة إرسال عقد لي وهم يتلكأون في ذلك، فإما أن نتفق على هذه المسألة، وإما أن نتفق على قيمة بيع أي خبر لهم إن كانوا لا يريدون إعطاء راتب شهري ثابت. وأبلغته أنني علمت ومن أشخاص في الشرق الأوسط نفسها أن الجريدة باعت ما أرسلته لها من مقابلة أسامة بن لادن إلى جريدة أمريكية بمبلغ يزيد عما يمكن أن يرسلوه لي خلال عام إن قرروا التعاقد معي براتب ثابت.
بعد يومين عاد مدير التحرير يتصل بي عارضا التفرغ للعمل مع الشرق الأوسط وحدها دون غيرها من وسائل الإعلام خاصة قناة الجزيرة، وأن الجريدة ستعطيني راتباً ثابتاً وحدده!!!
استغربت من عرضه وظننته مازحاً، لأن المبلغ الذي عرضه لا يفي بأجرة البيت وأقساط الدراسة لأولادي ، عدا عن الأمور الحياتية الأخرى! فزادها قليلاً مقابل الاتصالات الهاتفية والفاكس للجريدة، وهو يحسب أنه يقدم لي عرضاً مغرياً وراتباً مجزياً!!
محدثي قال إن سياسة الجريدة الآن هي تفرغ المراسلين والعاملين فيها نهائياً لها وعدم السماح لأحد بالعمل مع أي جهة أخرى غير الشرق الأوسط. وقال هذا الكلام بصورة جادة، لكنه فوجئ بردي من خلال ضربي أمثلة على وجود عكس ما يقوله، وأفهمته أن هذه محاولة من الجريدة للاستئثار بي، لما أغطيه من منطقة تهم الجريدة ومن يقفون وراءها، خاصة بعد أن تمكنت من إجراء مقابلتين مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ، وضربت له أمثلة على وجود مراسلين أو محررين في الجريدة ولا زالوا حتى كتابة هذه السطور يعملون مع جهات أخرى. لكنه بقي مصراً على أن أتفرغ أنا للعمل مع الجريدة وأترك ما عداها. أدركت ومن خلال لهجته ما ترمي إليه الجريدة وهو الاستحواذ علي وعلى ما أستطيع الوصول إليه من أخبار، فأبلغته إن كنتم مصرين على هذا الأمر فادفعوا ما يكفل التفرغ معكم!
فأجاب نزيد الراتب المعروض بنسبة الربع وبدل الهاتف والفاكس نزيدها كذلك! وظن أنه بهذا المبلغ يمكنه أن يستغويني ويشتري ذمتي. وانتظر ردي الذي أصر على معرفته في الحال حتى يبلغ رئيس التحرير به! فقلت له إنني أعرف ما الذي تهدفون من ورائه من خلال هذا العرض، وسألته بصراحة : هل يمكنكم مضاعفة المبلغ المعروض مرتين أو ثلاث مرات؟ فأجاب فوراً بالنفي. عندها قلت له وبصورة حاسمة: لو عرضتم عشرة أضعاف ما تعرضونه حالياً ما قبلت بعد الآن أن أعمل معكم ولو ليوم واحد، وإن كنتم تعرضون ما قلته حتى يأتي الرفض من عندي ولا يكون عليكم أي التزامات مالية تجاهي فأنا أعفيكم من هذه الالتزامات، وأقدم استقالتي فوراً من الجريدة، لكن ما أريده هو أن ترسلوا لي شهادة خبرة، وأن ترسلوا لي قيمة فواتير الهاتف وتذاكر الرحلات التي قمت بها إلى أفغانستان لصالح أعمال تخص الجريدة.
في اليوم التالي أرسلت خطاباً مفصلاً له بهذا الشأن. وقلت له إنني أنتظر الإجابة على الخطاب بإرسال مستحقاتي المالية وشهادة خبرة عمل.
. . . . .
ولا زلت أنتظر الإجابة حتى الآن. . . ولا أظنه يصل!!






















الفصل التاسع

اختفاء أسامة بن لادن في أفغانستان

أجواء ملبدة بالغيوم
في أوائل شهر شباط 1999 كنت في زيارة إلى قندهار لبحث إمكانية عمل مجموعة تقارير للجزيرة ، وقابلت بعض المسئولين في الحكومة الأفغانية، وصادف أثناء زيارتي إلى قندهار وجود الشيخ عبد الجليل نائب وزير الخارجية الأفغاني في إسلام أباد، واجتماعه مع وفد من الخارجية الأمريكية كان يزور باكستان. وقد علمت من خلال اتصالاتي مع كبار مسئولي الحكومة الأفغانية أن الوفد الأمريكي سلم لوفد طالبان رسالة مهمة من الإدارة الأمريكية إلى قيادة طالبان. لكن الشيخ عبد الجليل رفض فتح الرسالة في إسلام أباد ، ووعد بفتحها في قندهار والتشاور مع ملا محمد عمر بشأنها. وانتظرت هناك بعض الوقت لمعرفة ما في الرسالة، وإجراء مقابلة مع الشيخ عبد الجليل وغيره من قادة الحكومة الأفغانية.
تهديدات أمريكية
علمت بعد عودة الشيخ عبد الجليل أن الرسالة لم تكن سوى تهديد ووعيد للحكومة الأفغانية وقيادة حركة طالبان، وجاء التهديد بصورة ثلاث خيارات أمام طالبان: إما تسليم أسامة للإدارة الأمريكية مباشرة، وإما تسليمه إلى المملكة العربية السعودية أو مصر أو إخراجه من أفغانستان ، وإلا فعلى قيادة طالبان مواجهة الصواريخ الأمريكية وأن مقر ملا عمر وحكومة طالبان ستكون عرضة للقصف الأمريكي قبل غيرها من الأهداف وما يظن أنه مراكز ومسكن لأسامة بن لادن!!!
(وقد أكد لي مسئولون سودانيون قابلتهم بعد هذا التاريخ إرسال الحكومة الأمريكية رسالة أخرى شبيهة بمحتوى هذه الرسالة للحكومة السودانية تهدد بضرب السودان وتحمله مسئولية أي عمل قد يقع ضد المصالح الأمريكية ويكون على علاقة بأسامة، وأشار هؤلاء المسئولون السودانيون إلى أن واشنطن ورغم طلب السودان من أسامة بن لادن الخروج عام 1996 فإنها لا زالت تصر على وجود صلات لأسامة بالحكومة السودانية!!!).
الرسالة أحدثت نوعاً من الضغط النفسي على الحكومة الأفغانية وكيفية الرد على هذه التهديدات! لكن الحكومة الأفغانية وفي ظل قيادة الملا محمد عمر كانت أجمعت أمرها على عدم الانصياع للضغط الأمريكي في مسألة أسامة بن لادن مهما كانت النتائج، وفي نفس الوقت فإن الحكومة الأفغانية تريد تجنيب شعبها مزيداً من الهجمات الصاروخية الأمريكية. ونصحت بمغادرة قندهار في ذلك الوقت لعدم إمكانية إجراء أي مقابلة صحفية مع أي مسئول وأن الجميع سيكون أمامهم أيام صعبة، لا يدرون متى يمكنهم بعدها الحديث إلى الصحافة أو السماح للصحافيين عمل تقارير في مناطق سيطرة الحكومة الأفغانية. لكن الذي نصحني بالمغادرة أكد لي أنني سأكون من أوائل من سيعرف بأي قرار قد يتخذ في الأيام القادمة، مضيفاً أنه قد تكون هناك تطورات ذات شأن كبير!!!
. . . . . .
وقد وقع هذا وكنت أول من عرف الخبر.
. . . . . .

خبر يقلب الأوراق
ففي يوم السبت الثالث عشر من شباط 1999، اتصل بي أحد الأخوة الأفغان من مكتب الشيخ ملا عبد الجليل ، نائب وزير الخارجية في حكومة طالبان من قندهار ، ليبلغني خبراً حول اختفاء الشيخ أسامة بن لادن من مكان إقامته في مدينة قندهار وأنه غادرها إلى جهة غير معلومة .
. . . .
وطلب مني المتصل نشر الخبر إن أمكن ..
. . . .
بعد محاولات للاتصال مع ملا عبد الجليل عبر الهاتف لم أتمكن من التحقق منه حول الموضوع ، فاضطررت للاتصال بمكتب ملا محمد عمر( أمير المؤمنين )، طالباً منهم إيضاح الأمر وموقفهم من نشر الخبر. فطلب مني الانتظار حتى يدرسوا كيفية إخراج الخبر باسمهم .
لم يمض ربع ساعة حتى اتصل بي مدير مكتب الملا محمد عمر ليبلغني أن أنشر الخبر بالصيغة التالية باسم الإمارة الإسلامية (طالبان)، وما أريد أن أضيفه من تحليل أو إضافة يكون باسمي وليس منسوباً للحكومة الأفغانية، وكان نص الخبر كالتالي :
((صرح مصدر مسئول في مكتب الملا محمد عمر أمير المؤمنين في قندهار بأن الشيخ أسامة بن لادن غادر مقر إقامته ومنزله في مدينة قندهار قبل ثلاثة أيام ، قبل الفجر، إلى جهة غير معلومة ، ولم يبلغ قادة الإمارة الإسلامية أو أحداً من الحراس الأفغان بوجهة سيره ، وقد انقطع الاتصال به منذ مغادرته منزله . والإمارة الإسلامية تؤكد عدم تغير موقفها من وجود الشيخ أسامة بن لادن في أفغانستان وأنها لم تطلب منه المغادرة أو تضغط عليه لهذا الأمر. وتسعى الإمارة الإسلامية لمعرفة مكانه الجديد ، لكنه ربما يكون غادر المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الأفغانية إلى جهة غير معلومة حتى الآن)) .
بعد هذا التأكيد اتصلت بغرفة الأخبار في الجزيرة ، وكلمت رئيس التحرير صلاح نجم الذي أبلغته الخبر ، وسألته إن كان يريد مني إرسال الخبر على الفاكس ، أو أن أعمل منه رسالة صوتية للجزيرة ، أو أن أرسل جزءً منه على الفاكس ، ثم تكون مقابلة بيني وبين مذيع الأخبار في الجزيرة ، فطلب مني الانتظار عدة دقائق على أن يعاود هو الاتصال بي، ولم تمض عشر دقائق حتى عاود رئيس التحرير الاتصال بي يسألني عن الخبر وأنه لم تذعه أي من وكالات الأنباء العالمية حتى ذلك الوقت ، فأبلغته بأن الخبر لن يذاع على العالم إلا بعد أن أذيعه أنا، لأنني اشترطت على الحكومة الأفغانية عدم تسريب الخبر لأي جهة إلا بعد أن أذيعه .

مباحث أمن الدولة / فرع الجزيرة:
المفاجأة كانت في رد رئيس التحرير الذي قال لي إنه لا يستطيع بث الخبر إلا بعد أن أعطيه معلومات عن : الشخص الذي اتصل بي أولاً ، اسمه الكامل ، ورقم هاتفه ومكان عمله، وجنسيته، وعلاقتي به، علاقته بالطالبان، علاقته بأسامة بن لادن، ولماذا اختاروني أنا ليعطوني الخبر ولم يعطوه لأي جهة أخرى. و.. و.. .
استغربت من طبيعة الأسئلة وطرحها علي بهذا الشكل . وأبلغت رئيس التحرير أن الخبر موثوق وأن الذي أعطاني الخبر طلب مني عدم ذكر اسمه والاكتفاء بالقول متحدث باسم مكتب الملا محمد عمر زعيم طالبان ، وسألته ما الفائدة لو قلت لك أن اسمه محمد عبد الله أو كذا وكذا وأنت لا تعرفه ولا تستطيع الاتصال به؟
فرد بالقول إنه كرئيس تحرير يجب أن يتأكد من كل خبر يأتيه حتى لا تقع المسئولية عليه . فرددت عليه بالقول إنك لا تفعل نفس الشيء مع أي من المراسلين الآخرين في أي خبر يرسلونه لك . وإذا كنت لا تثق في أو في مصادر أخباري فلا تأخذ مني أي خبر، وهذه هي المرة الأولى التي يسألني أحد عن مصدر خبري ، وبهذا التفصيل الذي لا علاقة له بالتأكد من صحة الخبر ونسبته لمصادره ، رغم أنني أعمل في الصحافة منذ أكثر من أربعة عشر عاما .
جاء رده بأن من حقه كرئيس تحرير أن يسأل عن مصدر أي خبر وأن على المراسل إعطاء أي معلومة يسأل عنها رئيس التحرير بهذا الخصوص دون نقاش.
وقد أبلغته بأن الشخص الذي كلمني يتردد على باكستان ، ويمكن للولايات المتحدة أو غيرها من الدول ، المطالبة به بأي حجة ومن ثم سجنه وتعذيبه ، وأنا لا أريد أن أكون شريكاً في جريمة قد تحدث لأي شخص يكون سببها معلومة تتسرب مني ، وكصحفي فمن حقي الحفاظ على سرية مصادري وحمايتها حتى لو أدى هذا إلى عدم نشر الخبر مطلقاً . كما أبلغته إنه سيضطر لأخذ الخبر من وكالات الأنباء وأولها وكالة الأنباء القطرية التي كنت أعمل مراسلاً لها في إسلام أباد منذ عدة سنوات ، وذلك إن لم يقم ببث الخبر قبل غيره من الجهات الإعلامية. فاستغرب كيف تنشر الوكالة خبراً مثل هذا ولا تسأل عن مصادره وكل ما يتعلق به . فأجبته بأنهم يثقون في وفي مصادري وأنني لا أرسل خبراً لأي جهة مهما كانت إلا أن يكون موثوقاً ومنسوباً إلى مصدره ، فعلق بالقول إن هؤلاء لا يفهمون العمل الصحفي مطلقاً!!!
رئيس التحرير رد على كل هذا بأنه لن يكون بوسعه نشر الخبر رغم أهميته ، إلا بعد الحصول على كل ما طلبه من معلومات، وسألني عن هاتف السفارة القطرية في إسلام أباد وهاتف حكومة طالبان في قندهار ليكلف سفارة دولة قطر التأكد إن أمكنها من صحة الخبر، وقد أعطيته هاتف السفارة القطرية لكنه كان يوم عطلة رسمية للسفارات في إسلام أباد فلم يرد عليه أحد.


صفعة على الوجه
جدال طويل استمر على الهاتف قرابة ثلث ساعة، تأكدت خلالها من أن الهدف من إصرار رئيس تحرير الجزيرة على الحصول على هذه المعلومات ليس لدواع مهنية مطلقاً كما يتشدق، وإنما لحاجة في نفسه ولغرض يريده، فبادرته بالقول : إنني أعترف بخطأي معكم ، وأنني أسأت التصرف ، وبصفتكم رئيسا للتحرير فإنني أعتذر لكم عما حصل على الهاتف من نقاش .
عندئذ ظن أنني تراجعت عن موقفي وأريد أن أبوح له بما يريده من معلومات ، وقال لي : " أيوه كده يا راجل . ما تقول الكلام ده من أول وتخليك حلو بقه".
فبادرته القول: أرجو ألا تخطئ في فهمي مرة أخرى ! صحيح أنني أخطأت في الجدال الطويل معك ، لكن ما أريد أن أقوله لاحقاً ليس ما تبادر إلى ذهنك على ما يبدو .
فرد مندهشاً: تقصد إيه ؟ فقلت له: أقصد أن أقول لك إنني أخطأت في الاتصال . لأنني كنت أظن نفسي أتكلم مع قناة الجزيرة وليس مع مباحث أمن الدولة!! ولم أنتظر سماع تعليقه على ما أسمعته وأغلقت الخط مباشرة .
محاولة ثانية
لم تمض دقائق حتى اتصل موظف من قناة الجزيرة كان الكثيرون في الجزيرة يتهمونه بأنه يعمل مخبراً لدى المدير ورئيس التحرير ، إضافة إلى كلام حول علاقته ببعض السفارات !!
وبعد أن حيا وسأل عدداً من الأسئلة التقليدية سأل بصوت خافت وكأنه لا يريد من أحد في غرفة الأخبار أن يسمعه : لماذا أغضبت رئيس التحرير منك ؟ ، فرددت عليه وهل قال لك هو هذا حتى تقول لي هذا الكلام وتتوسط بيننا ؟
أجاب : لا . . ولكن سمعته يرغي ويزبد وسألت فقيل لي : إنه كان يتحدث معك ، فقلت أنا يمكن أن أحل الإشكالية التي حصلت لأنني أعتبرك صديقاً عزيزاً .
فأجبته : إنه طلب مني بعض التفصيلات عن خبر ربما جاءه على الوكالات ، وبسبب أن اليوم عطلة في باكستان لم أتمكن من الاتصال بأي من المسئولين فيها للتعليق على الخبر الذي يريده .
فرد بقوله : لا . . ليس هذا هو السبب . لماذا لم تعطه تفاصيل الخبر؟ وكيف اختفى أسامة بن لادن ؟، وأين توجه ومن أعطاك الخبر؟، وما أراده من معلومات ، إنه رئيس تحرير ويمكن أن يضرك ويؤثر على مستقبل عملك في الجزيرة !!
فأجبته : أنت ادعيت أنه لم يخبرك بشيء. وأنا لم أخبرك بشيء عما دار حقيقة بيني وبينه. فإما أن تكون أنت تتجسس على هاتفه ، وإما أن تكون كاذباً . هل تريد شيئاً آخر غير هذا . وأقفلت الخط الهاتفي مجدداً.
. . . . .

وصفعة جديدة
عاود الموظف (المخبر) الاتصال مبادراً بالسؤال عن سبب إغلاق الهاتف : فأجبته بأنني كنت أظن المكالمة انتهت . فقال لي أريد منك أن تعطيني ما يتعلق بخبر اختفاء أسامة بن لادن من معلومات ، وأنا أعدك ألا أعطيها لرئيس التحرير ، وأن أعمل على نشر الخبر مباشرة !!!
قلت له إن هاتفي مراقب من قبل أكثر من جهة ، وأن هذه المعلومات قد تضر بعض الناس . فعاود الطلب بأن أرسلها عبر الفاكس ، فأبلغته نفس الأمر ، وسألني أخيراً أن أرسلها من مكان ما في السوق حتى أحتال على الرقابة . وأشعرني بأن هذا سيكون في مصلحة عملي مع الجزيرة ، وأن الإدارة ستقدر لي اهتمامي بالخبر ، وحصولي على سبق صحفي هام أكثر من مرة .
عندئذ سألته بلهجة أشد : إذا أردت أن أحسن وضعي في الجزيرة أليس الأفضل لي أن ألجأ لرئيس التحرير والمدير العام وأحسن من علاقتي بهم ، وهم يملكون تحسين وضعي في الجزيرة أكثر من غيرهم؟
فأجاب : نعم . هما أهم شخصين في القناة ، وإن حسنت علاقتك بهما تكون ضمنت لنفسك مكاناً لائقاً بك في الجزيرة .
فقلت له :إذا كان رئيس التحرير لم أقدم له شيئا مما تطالبني أنت به وطالبني هو به من قبل ، فلماذا أعطي هذه المعلومات إلى (طرطور) مثلك؟
فرد بحدة : بتقول إيه . الله يسامحك ، ليه بتتكلم علي كده وأنا عايز أخدمك .
أجبته : أشكرك على نيتك مساعدتي . لكن لا يمكنني إفادتك بشيء مما تبحث عنه أنت ورئيس التحرير ، وستتصلون بي بعد أن ينشر الخبر عبر العالم ونقلا عني .
وأنهيت المكالمة للمرة الثالثة!
. . . .
حاولت الاتصال بمدير الجزيرة محمد جاسم العلي ، لكنني أبلغت بأنه في جولة خارجية لافتتاح مكاتب الجزيرة في كل من موسكو وطهران، وأنه ربما غادر موسكو في طريقه إلى طهران . وقد حاولت الاتصال به حينها لكن تعذر الاتصال به.

تعامل مهني :
اتصلت بإذاعة m b c F M في لندن وكنت أعمل مراسلاً لها في ذلك الوقت ، فأبلغتهم أن عندي خبراً حول اختفاء أسامة من قندهار، فطلبوا مني الانتظار دقائق قليلة ، ثم عاودوا الاتصال بي بعد أقل من دقيقتين ليبلغوني تحيات المدير العام للإذاعة ، الأستاذ جورج قرداحي ، الذي كان وقتها في اجتماع وقيل لي على لسانه :
الأستاذ جورج يبلغك تحياته الحارة ، ويهنئك على هذا السبق الصحفي ، وهو يعتذر لعدم تمكنه من الاتصال بك لوجوده في اجتماع، لكنه يطلب منك كتابة الخبر بما لا يزيد على خمسة أسطر وإرساله على الفاكس ،لأن هناك عوائق لدينا من نشر أخبار تفصيلية حول موضوع أسامة بن لادن لا أظنها تخفى عليك .
. . . . . .
كتبت الخبر لهم وأرسلته فأذاعوه كما كتبته بالضبط.

سبق ملأ الآفاق
في نفس الوقت كتبت الخبر الذي وصلني من قندهار وأضفت إليه بعض المعلومات كخلفية عن أسامة وأرسلته عبر الفاكس لوكالة الأنباء القطرية ، وفوجئت بعد إرساله بأقل من عشر دقائق ، بمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية في إسلام أباد يتصل بي مشيراً إلى أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من مكتبهم الرئيسي في القاهرة ، يبلغونه بوصول خبر لهم عن طريق وكالة الأنباء القطرية ، حول اختفاء أسامة وأن الخبر منسوب لمراسل الوكالة القطرية . وطلبت منه وكالته التحقق من الخبر وإرسال المزيد من التفاصيل عنه إن أمكن . فأكدت له صحة ما نشر منسوباً إلي.
بعده بدقائق اتصل بي مندوبو وكالات الأنباء الفرنسية والأمريكية ورويتر وغيرها ، يهنئوني على هذا السبق ، ويقتبسون الخبر نقلاً عن وكالة الأنباء القطرية، التي أرسل مديرها الأستاذ أحمد جاسم الحمر، كتاب شكر وإشادة بهذا السبق الصحفي الذي حققته للوكالة.
وقد نقلت الجزيرة الخبر بعد بثه عبر وكالات الأنباء العالمية بأربع ساعات تقريباً، ناسبة إياه لوكالات الأنباء العالمية، بالقول إنه خبر غير مؤكد .
اتصل بي بعدها صلاح نجم رئيس التحرير حتى يعمل معي مقابلة بعدما تأكد لديه صحة الخبر الذي بثته وكالات الأنباء العالمية !!! لكنه أصر أيضا على نسبة الكلام لجهات رسمية في طالبان وأن نحدد اسم الشخص الذي أعطانا الخبر !!!











الفصل العاشر

برنامج الجزيرة : تدمير القاعدة

أصل الفكرة:
حين قابلت الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري في أفغانستان تدارست معهم ومع قادة الحكومة الأفغانية إمكانية القيام بعمل برنامج وثائقي عن الأفغان العرب، خاصة وأنني أعرف كثيراً منهم من الذين أقاموا في بيشاور في الفترة التي كنت أقيم فيها هناك، ورغم حساسية الموضوع وما يكتنفه من صعوبات بالغة بعد أن تفرق الجمع من بيشاور وأصبحوا مشتتين، وقتل الكثيرون منهم وأصبح الباقون مطاردين في الأرض إلا أنني تمكنت من شرح فكرتي عن البرنامج وعمل فيلم وثائقي موضوعي، يكون الأول من نوعه في العالم حول هذه القضية الحساسة. وقد أبدى الذين تحدثت معهم تفهماً للفكرة ووعدوا بمساعدتي إن قمت أنا بالمشروع، خاصة وأنني تابعت القضية الأفغانية منذ سنواتها الأولى ولم أحاول استعداء أحد في كتابتي عنها وعن العرب الذين جاءوا للمشاركة فيها.
وقبل أن أغادر قندهار تمكنت من نيل موافقة على مثل هذا المشروع من الحكومة الأفغانية وأنه سيسمح لي بتصوير بعض الأماكن التي تقول جهات عديدة إنها كانت معسكرات خاصة بالعرب.
وقد طرحت ما جال بخاطري حول هذه الفكرة على رئيس مجلس إدارة الجزيرة والمدير العام في الجلسة التي ضمتنا بعد وصولي إلى الدوحة، وحظيت الفكرة بترحيب حار من قبل الشخصين ، وطلبا مني التكتم على هذا الموضوع وعدم الإفصاح به أمام أحد، وأنهما سيعملان جهدهما على توفير ما يلزمني للقيام بمثل هذا العمل الذي سيعتبر إنجازاً متميزاً للجزيرة ومراسلها في باكستان.
محاولة التفاف
لكن وبعد أيام من وصولي إسلام أباد عائداً من الدوحة اتصل بي المدير العام للجزيرة محمد جاسم العلي ليبلغني أنه تقرر تكليف زميل آخر في الجزيرة للقيام بإعداد هذه البرامج بدلا مني، وقررت إدارة الجزيرة تعييني مساعداً له في المشروع!! أبحث له القضية من جميع جوانبها، وأعرفه على المناطق والأشخاص الذين سيتم تصويرهم وأعطيه نبذة وفكرة شاملة عن الموضوع من خلال ما لدي من حصيلة عنه!!! ومقابل كل هذا قررت إدارة الجزيرة منحي مكافأة لم تمنح لأحد من قبل وهي ألف وخمسمائة دولار!! قرر المدير العام زيادتها وعلى مسئوليته الخاصة لتصبح ألفي دولار!!!
كان الحديث كله صدمة لي جاءت بعد الصدمة الأولى المتمثلة بعدم نشر المقابلتين. فقلت للمدير: أبلغ فلاناً (الشخص الذي رشحه للقيام بهذا العمل) ألا يأتي إلى هنا مطلقاً لأجل هذا العمل. لأنني لن أقبل العمل معه في هذا المشروع، وإن جاء إلى هنا فإنه لن يستطيع الحصول على أي شيء له علاقة بالمشروع! ويكفي أن فلاناً الذي تريدونه لعمل البرنامج يحمل الجواز المصري، وهذا أمر سيئ بالنسبة له إن أراد الدخول إلى باكستان أو أفغانستان لأنهم سيتحسسون منه. وإن سئلت عنه فلن أقول كلمة لصالحه!!!
ظن المدير أنني أساومه ليدفع لي أكثر مما عرضه فسارع إلى القول إنه سيعطيني ومن جيبه!! خمسمائة دولار أخرى فتصبح مكافأتي ألفين وخمسمائة دولار (من أجل القيام بكل شيء وإتاحة الفرصة لفلان أن يظهر في البرنامج بدلاً عني).
اختصرت الكلام مع المدير بالقول إنكم بهذا العمل تسرقون جهدي كما حصل مع المقابلتين اللتين أجريتهما مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، واللتين لم تبثا حتى الآن رغم الوعود الكثيرة بذلك. لذا فإنني لن أسمح لأحد كان بسرقة جهدي وأفكاري وسأعمل كل ما بوسعي من أجل إحباط هذه المحاولات.
انكشاف الخطة
وفي أحد الأيام وبينما كنت أزور صاحباً لي في إسلام أباد التقيت بأحد الزملاء الصحفيين القادمين من أوروبا، وعلمت منه أنه مرسل من قبل الجزيرة لتمهيد الطريق للزميل الذي وقع اختيار إدارة الجزيرة عليه من أجل القيام بتصوير البرنامجين الوثائقيين عن طالبان والأفغان العرب، وعلمت منه أن هذا الزميل موعده أن يصل في الغد، وطلبت إدارة الجزيرة منه عدم إخباري بقدومه مطلقاً أو الاتصال بي في إسلام أباد، لكن الأقدار شاءت شيئاً آخر غير ما خططت له قناة الجزيرة. فقمت بإيصال هذا الصحفي إلى محطة النقل حيث ركب مع شاب آخر باتجاه بيشاور ومنها ذهب إلى الحدود الأفغانية ينتظر زميلنا قرة عين إدارة الجزيرة.
وبعد مضي وقت كاف على سفر هذا الصحفي باتجاه بيشاور اتصلت بمدير الجزيرة مبلغاً إياه تحيات المنتدب من أوروبا وأنه سبق (قرة عينكم) إلى أفغانستان وسينتظر حسب الاتفاق معكم إلى صباح الغد وبعدها سيكون في حل من الأمر، لكن عليكم الوفاء بما اتفقتم عليه معه. ((وقد أبلغني من أثق به ممن هو على علاقة جيدة برئيس مجلس إدارة الجزيرة ومديرها العام أن الجزيرة وافقت على منح ذلك الصحفي القادم من أوروبا مبلغ عشرين ألف دولار لقاء تأمينه وصول مندوب الجزيرة إلى أفغانستان وتعريفه على الناس هناك!!!)).
ارتبك المدير حين أعلمته بنبأ المندوب الأوروبي وأنني قمت بإيصاله إلى محطة النقل وهو الآن في طريقه إلى الحدود الأفغانية ولا يمكن الاتصال به! وبدأ يستفسر عن كيفية معرفتي بقدومه إلى باكستان وماذا قال لي، فأخبرته أن هذا من شأني ولا داعي للاستفسار عنه، وأرجو ألا تلجأوا إلى مثل هذه الأساليب معي لأنني سأعرف بقدوم صاحبكم حتى وإن سافر إلى أفغانستان مباشرة دون المرور بباكستان!! وكررت عليه القول السابق إن من مصلحة ذلك الزميل ألا يأتي إلى أفغانستان لهذه البرامج، وأن من أعرف من الحكومة الأفغانية لن يتعاونوا معه وهم سيمنعون أي (ضيف عندهم) من التعاون معه في هذا الأمر سيما وأن مندوب الجزيرة الذي ترشحه للقيام بعمل هذه البرامج مجهول بالنسبة للحكومة الأفغانية ومن كان في أفغانستان من العرب!! وكونه يحمل جواز سفر مصري يعقد الأمور بالنسبة له أكثر مما تتصورون! وفضلاً عن ذلك فإنه سيجعله موضع ريبة وشك! وعلمت من المدير وقتها أنهم سيغضون النظر عن هذين البرنامجين لحين الانتهاء من تقرير وضعي في الجزيرة وتوقيعي عقداً ثابتاً معها!
البرنامج الموعود
مرت عدة أسابيع وأنا أسمع خلالها كلاماً من مدير الجزيرة حول البرنامج الموعود عن أسامة بن لادن وأن الجزيرة تقوم بإعداده بشكل ممتاز، وقد مللت من هذه الاتصالات وكثرتها وأبلغت المدير أنه لم يعد يهمني موعد البث أو البرنامج نفسه لأن حياتي كلها أصبحت بسبب تصرفاتكم على كف عفريت، ولم تعد السفارة الأفغانية أو غيرها يثقون في أي كلمة أنقلها لهم عن قرب بث البرنامج، وأنا أفضل أن أعطيكم هاتف السفارة الأفغانية في إسلام أباد وأنتم تحدثونهم مباشرة لعلكم تستطيعون إقناعهم بقبول تسويغاتكم حول أسباب التأخير!!
ونجحت الحيلة !!
لكن فجأة خطرت لي فكرة بعد كل ما حصل معي من الجزيرة في أن أقوم بأمر للضغط على إدارة الجزيرة لبث البرنامج الموعود عن أسامة بن لادن والذي بدأ رئيس تحرير الجزيرة عمله كما قيل لي، أو لإعادة الأشرطة إلى الحكومة الأفغانية.
اتصلت بذلك الشخص الذي كان يحاول معرفة تفاصيل خبر اختفاء أسامة بن لادن والذي وصفه كثير ممن في الجزيرة بأنه كان موصلاً سريع للأخبار لكل من رئيس التحرير والمدير العام. وأبلغته أنني حاولت الاتصال بمدير الجزيرة ( الذي كان يومها خارج الدوحة) لكن لم أتمكن من ذلك. وأريدك أن توصل له خبراً هاماً كما تسمعه وبأقصى سرعة!! فرد قائلا: هات ما عندك. قلت له : الخبر يتعلق بالمقابلة وبقطر وقد وصلني كلام شديد إما أن أعيد الأشرطة أو أن تبث الجزيرة المقابلة، وهما أمران لم أكن أملك معهما شيئا. وقلت له ما وصلني من كلام هو كالتالي: يا جمال أبلغ إدارة الجزيرة إن لم يبثوا المقابلتين فعليهم أن يعيدوا الأشرطة، وأخبرهم أن من في أفغانستان قاتلوا الاتحاد السوفيتي حينما كانت أمريكا والعالم يهابانه، واستطاعوا بفضل الله تحطيم الآلة العسكرية السوفيتية والقضاء عليها. وأنهم الآن يصارعون أمريكا التي تتسابق الدول للركوع أمامها. وهم غير خائفين ولا يهمهم شيء. وأنهم بحثوا عن دولة قطر على الخريطة فلم يجدوها، فهل لإدارة الجزيرة أن تبلغنا أين تقع دولة قطر حتى نرسل لها شخصاً يزورها ويتفاهم معها على المقابلتين؟!!
لم يصدق محدثي ما سمعه من رسالة، وطلب مني عدم الحديث مع أحد غيره لأهمية الموضوع حتى يرجع المدير!!
بعد أيام قلائل فوجئت باتصال هاتفي من المدير العام للجزيرة يبلغني فيه بأن البرنامج سيكون جاهزاً خلال أيام!! وأن الدعاية له سيبدأ بثها بعد ذلك!!
فقلت له :عفواً ! لقد سمعت الكثير من هذا الكلام ولم يعد يهمني متى يبث البرنامج بقدر ما يهمني الحفاظ على حياتي هنا والتي صارت في وضع لا أحسد عليه!! لكن إن كنت حريصاً جداً على إيصال هذه المعلومة فأرجو منكم الاتصال بالسفارة الأفغانية مباشرة، وبالنسبة لي فلن أبلغهم شيئاً إلا إذا رأيت بعيني الدعاية تبث عبر الجزيرة فأبلغهم بما رأيت. وجرى كلام طويل على الهاتف حاول فيه المدير العام للجزيرة إقناعي بفكرة التوقيع على عقد ثابت مع الجزيرة بالشروط التي يريدونها والتي كانت غير مقبولة من جانبي، وانتهى الحديث بنا إلى أن انتظر الدعاية للبرنامج بعد أيام أو أسبوع على الأكثر!!!
دعاية وبيان صحفي:
لم تكد تمضي الأيام التي تحدث عنها المدير وكانت في شهر أيار 1999 حتى بدأت الجزيرة تبث الدعاية للبرنامج وأنه سيبث قريباً!!
كانت التسمية التي اختارها معد البرنامج تنطق بما يريده هو وبما يختلج في صدره!! (تدمير القاعدة) وهي قد تكون أمنية للإدارة الأمريكية وربما لرئيس التحرير وكثير من الجهات التي ترى في ما يسمى بالقاعدة بعبعاً يجب القضاء عليه، وبات الجميع ينتظر تلك المفاجأة، التي طالت فترة الدعاية لها أكثر من أي برنامج آخر بثته الجزيرة أو غيرها من المحطات التلفزيونية العالمية، وهو ما وضحت الأيام القادمة أسبابه التي كان منها مشاركة محطة مثل الجزيرة وبما لها من رصيد عند المشاهد العربي في حملة دعاية أمريكية منظمة وهادفة ضد أسامة بن لادن والحكومة الأفغانية.
بعد أيام من بث هذه الدعاية أعلنت الجزيرة أنها ستبث البرنامج يوم الحادي عشر من حزيران 1999 وأشارت في إعلان صحفي إلى أن البرنامج يتضمن مقابلة مع أسامة بن لادن أجراها مراسل الجزيرة جمال إسماعيل مع أسامة في أفغانستان لكنها لم تشر في بيانها إلى موعد إجراء مثل هذه المقابلة.
طلب من المدير !
اتصل بي المدير العام محمد جاسم العلي طالباً مني عدم ذكر الموعد الذي أجريت فيه المقابلة ، أو أنها جديدة أو التي كنت أجريتها قبل ستة أشهر، في حال اتصلت بي بعض وكالات الأنباء، لكنه أضاف أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في واشنطن اتصل به طالباً الإجابة عن سؤال حول الموعد الذي أجريت فيه هذه المقابلة، وأنه أخبره بحقيقة الأمر، وأشار المدير العام للجزيرة أنه في حال اتصلت بي السفارة الأمريكية أو أي من الجهات المرتبطة بها فعلي أن أقول لهم نفس الكلام !!!!
تنبيه من طالبان
قبل بث البرنامج بأيام ونظرا لعدم إيضاح الجزيرة في بيانها الصحفي الوقت الذي أجريت فيه المقابلة مع أسامة بن لادن اتصلت الإدارة الأمريكية بالحكومة الأفغانية ضاغطة عليها بشأن موضوع أسامة بن لادن، وأن ما قالته الحكومة الأفغانية من أنها منعت أسامة من الوصول إلى وسائل الإعلام أو امتلاك أجهزة اتصال عار عن الصحة ودليل ذلك أن الجزيرة أجرت مقابلة جديدة معه!! وقد اتصل بي السفير الأفغاني ليبلغني أن حكومته تطلب من الجزيرة أن توضح في بداية البرنامج أو نهايته وبشكل مناسب أن مقابلة أسامة بن لادن التي قد يتضمنها البرنامج أجريت معه قبل اختفائه في أفغانستان. واتصل بي وزير الخارجية الأفغاني الشيخ وكيل أحمد أيضا للتأكيد على هذه المسألة، وكان اتصاله قبل ساعة تقريباً من بث البرنامج، مشيراً إلى ضغوط شديدة تتعرض لها الحكومة الأفغانية من جهات عديدة بهذا الشأن وتهديدات وصلتها إن كانت المقابلة حديثة. وكان ضمن كلامه أنه في حال تعرض أفغانستان لأي شيء جراء البرنامج فإن الجزيرة بتصرفها مسئولة أمام الله وأمام الناس عما سيحدث في أفغانستان.
اتصلت بمدير الجزيرة محمد جاسم العلي وبمعد البرنامج صلاح نجم لأبلغهم بما وصلني من الحكومة الأفغانية، وكانت مفاجأة لهم، لكنني أبلغتهم أن الأمر خطير وأنه لن يؤثر علي وحدي وإنما سيؤثر على الجميع، وأنتم أدرى الناس بأن المقابلة أجريت منذ ستة أشهر تقريبا.
تساؤل مطروح على الجزيرة
بدأ عرض البرنامج في الجزيرة وفي نهايته تم وضع العبارة التالية على الشاشة:
((بعد أن انتهت الجزيرة من إعداد البرنامج أعلنت حركة طالبان اختفاء أسامة بن لادن من مقر إقامته في قندهار ولا يعلم أحد مكانه حتى الآن)).
. . . . . .
ونال هذا التصرف موافقة الحكومة الأفغانية.
. . . . .
لكنه في نفس الوقت كان ضربة للجزيرة التي كان عليها الإجابة عن سؤال لا زال مطروحاً : إذا كان البرنامج فرغ من إعداده قبل اختفاء أسامة بن لادن في أفغانستان والذي صادف يوم الثالث عشر من شباط/ فبراير 1999 فلماذا أخرت الجزيرة بث البرنامج إلى يوم 11 حزيران ، أي أربعة أشهر تقريبا؟؟!!
توقيت البرنامج:
الذي تابع أخبار أفغانستان وأسامة بن لادن على وجه الخصوص في ربيع وصيف 1999 كان يلحظ بوضوح وجود تصعيد إعلامي أمريكي وبداية شحن للأجواء وتعبئة للرأي العام لتقبل مغامرة عسكرية أمريكية في أفغانستان، وقد اشتدت الحملة الإعلامية الغربية حول هذا الموضوع في شهري أيار وحزيران من نفس العام، وقد جاء برنامج الجزيرة في سياق هذه الحملة الإعلامية الأمريكية ضد أفغانستان وأسامة بن لادن، وللتمهيد للضربة القادمة. وكان ضمن المقولات المطروحة حول هذا الموضوع أن أسامة سيتم اختطافه تماماً كما تم اختطاف عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا! وستتم محاكمته، وكان من ضمن المروجين لهذه المقولة عدد من الصحفيين الغربيين في باكستان الذين بدأوا ينتشرون في العديد من المدن الباكستانية خاصة بيشاور، وطلب كثيرون منهم زيارة أفغانستان، كما أن كثيرا من عمال وموظفي هيئات الإغاثة الغربية والدولية العاملين في أفغانستان أعادوا فتح مكاتبهم في مختلف المدن الأفغانية بعد أن كانوا أغلقوها بحجة إساءة أفراد من طالبان معاملتهم، وبدأ الموظفون الغربيون يستأجرون عشرات الأفغان لجمع معلومات عن أسامة بن لادن والأفغان العرب في مختلف المناطق الأفغانية!!!
كانت الحكومة الأفغانية تلحظ تسابق الصحافيين الغربيين إلى أفغانستان وتدرك وجود حملة إعلامية منظمة ضدها وضد أسامة بن لادن كما أنها كانت تدرك مغزى توقيت البرنامج والهدف من بثه في ذلك الوقت!!
نقاش صحفي
في أوائل شهر حزيران 1999 كانت المعارك على أشدها بين المقاتلين الكشميريين والقوات الهندية في قطاع كارجيل، وقد عمل الجيش الباكستاني على تأمين رحلات للصحافيين الأجانب للاطلاع على وجهة النظر الباكستانية القائلة إن القوات الباكستانية لا تشترك في هذا القتال، إلا في حالة الدفاع عن النفس وصد هجمات للقوات الهندية، أو الرد على قصف مدفعي وصاروخي هندي للمواقع الباكستانية المدنية منها أو العسكرية. وقد تصادف وجودي في إحدى الرحلات وجود مراسلين لهيئة الإذاعة البريطانية وشبكة CNN ووكالة الصحافة الفرنسية، إضافة إلى عدد آخر من الصحافيين الباكستانيين والأجانب. وقد بدأ مراسل شبكة CNN طرح أسئلة على مراسل وكالة الصحافة الفرنسية (الذي كان يعمل في كابل وجاء خصيصاً لزيارة كارجيل) حول موضوع أسامة بن لادن، وكان كلاهما يؤكد أن الإدارة الأمريكية ستقوم بقصف أفغانستان خلال أسابيع قليلة إن لم يكن خلال أيام معدودة إن لم تسلم طالبان أسامة كما تطالب بذلك واشنطن، وشعرت من خلال حديثهما أنهما يريدان إشراكي لمعرفة رأيي في الموضوع، وقد بدأ مراسل شبكة CNN الحديث معي طالباً معرفة بعض الأمور عن أفغانستان وأسامة بن لادن.
فقلت له إن أمر أسامة بن لادن مختلف عن قضية عبد الله أوجلان شكلاً ومضموناً. وأن أوجلان تم تسليمه من قبل أجهزة أمنية غربية وغيرها إلى أجهزة الأمن التركية في نيروبي، وكان يسير في شوارع العاصمة الكينية وحيداً دون سلاح أو مرافق لحمايته، بينما أسامة وحسب ظني لا يتحرك في أفغانستان إلا وهو ممتشق سلاحه، وحراسه من رجاله المخلصين حوله بشكل دائم، ولن يسلموه مطلقاً، وإن حدث أن هوجموا فيمكنهم الدفاع عن أنفسهم حتى الموت، كما أن الحكومة الأفغانية لن تسلمه مطلقاً بل ولن تطلب منه الخروج من أفغانستان، وهو لن يخرج من هناك لأنه لا يوجد بديل له أفضل من تلك الدولة. وأما بالنسبة للأمريكان فلا أظنهم أغبياء إلى درجة إرسال قواتهم إلى أفغانستان لأنهم يعلمون أن أحداً منها لن يرجع حياً أو على الأقل سالماً. مع قناعتهم بعدم إمكانية الحصول على ما يريدون مائة بالمائة.
تطرق الحديث إلى ردود الفعل الممكنة لو حصل مثل هذا الأمر، وكان رأي الصحافيين الغربيين أن أقصى ما يمكن وقوعه هو مظاهرات معادية لأمريكا وللغرب وبعد أيام أو أسابيع على الأكثر تعود الأمور إلى مجاريها. فقلت لهم إنكم لا تستوعبون المشاعر الإسلامية خاصة في هذه المنطقة. وذكرتهم بما حصل حينما سيطر جهيمان وجماعته على الحرم في مكة المكرمة، وأصدر الخميني بياناً ادعى فيه أن الأمريكان احتلوا الحرم، فما كان من الشعب الباكستاني إلى أن أحرق السفارة الأمريكية وقنصليتها، ومراكزها الإعلامية.والآن يحظى أسامة بن لادن بشعبية واسعة في باكستان وتأييد لا مثيل له وهناك العديد من الجماعات الدينية في باكستان التي تتبنى وجهة نظره ولها تنظيمات مسلحة، ولن تستطيع الحكومة الباكستانية الحيلولة دون وقوع شيء، خاصة وأن عددا من العلماء الباكستانيين المرموقين أفتوا بإهدار دم كل الأمريكان في حال تعرض أسامة بن لادن أو أفغانستان إلى اعتداء من قبل الولايات المتحدة!! فيجب أخذ كل هذه الاحتمالات بعين الاعتبار مع وضع احتمال كبير بألا تنجح العملية الأمريكية سواء كانت قصفاً صاروخياً أو محاولة لخطف أسامة بن لادن، وهذا سيسيء إلى مكانة الولايات المتحدة عالمياً وإعلامياً، وهي في غنى عنه على الأقل في المرحلة الحالية وفي منطقة مثل باكستان التي يرى الجميع فيها تحول السياسة الأمريكية لمحاباة الهند وهو ما يزيد من مشاعر الإحباط والغضب من كل ما له صلة بالولايات المتحدة الأمريكية في باكستان!!!
حول موضوعية البرنامج !
لن أخوض كثيراً في موضوعية البرنامج وموقف مقدمه من الموضوع نفسه، ومن أسامة وما يطرحه فلكل وجهة نظره ولست بالضرورة ممن يتفق مع أسامة أو يختلف معه، ولكنني كصحفي علي الالتزام بما أعد به، وكذلك كان على الجزيرة الالتزام بما وعدت به لي وللحكومة الأفغانية. فرغم الوعود الكثيرة من إدارة الجزيرة ببث مقابلة أسامة ضمن البرنامج الموعود، إلا أن ما تضمنه البرنامج منها كان أقل من ثلث ساعة رغم أن مدتها الأصلية كانت ساعة واثنتين وأربعين دقيقة! وكان اتفاقنا مع الحكومة الأفغانية ومع من أجرينا معهم المقابلات على بث فقرات غير تلك التي بثتها الجزيرة في حال تعذر بث المقابلة كلها لأسباب لا تخفى على أحد. وقد وافقت الجزيرة على هذا الاقتراح من يوم وصول المقابلات إليها!!
أما بالنسبة لضيوف البرنامج الذين أجرى مراسلو الجزيرة في أماكن مختلفة مقابلات معهم فلكل وجهة نظره، وكل يرى من الزاوية التي يرى من خلالها، والتجربة التي مر بها، والسياسة التي اتبعتها بلاده، حيال هذا الموضوع، غير أن الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية في القاهرة وهو ممن يحمل الجنسية الأمريكية، والذي حاوره مقدم البرنامج وقع في تناقض مع نفسه حين تحدث عن أسامة في البرنامج، فتارة يصفه بأنه يريد أن ينتقم من المجتمع بسبب الحرمان الذي عاش فيه، وتارة أخرى يقول إن هناك دافعاً من إيمان بفكرة دينية هي التي تعطي قوة لأسامة بن لادن وأمثاله، وكان على شخص مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم ألا يقع في مثل هذه الأخطاء، لكن إن عرف من هو سعد الدين إبراهيم وما يمثله فلا يحتاج المرء إلى التوقف عند هذه المسألة طويلا!!!










الفصل الحادي عشر

محاولة الأمريكان الهجوم على أفغانستان
في أغسطس1999

كوماندوز أمريكان في إسلام اباد
في السادس من أغسطس 1999 كنت في طريقي لمقابلة عدد من الزملاء الصحفيين العرب الذين دعتهم وزارة الإعلام الباكستانية إلى إسلام أباد وكشمير، وحين كنت أهم دخول الفندق الذي يقيمون فيه رأيت حافلتين للسفارة الأمريكية تنزلان عشرات من الشبان ممتلئي الأجسام والذين يلبسون بناطيل قريبة إلى اللون العسكري وفانلات بيضاء في الغالب ويحملون على ظهورهم حقائب يستخدمها العسكريون في حمل معداتهم ، كما كان غالبيتهم يضعون نظارات سوداء عريضة على عيونهم، وبدت نظراتهم لما حولهم وكأنهم يستطلعون الموقع الذي نزلوا فيه، وما إذا كان أحد يراقبهم أو يتبعهم. مشيت إلى بهو الفندق وأبديت أنني لم أعر الأمر اهتماماً، لكن منذ تلك اللحظة بدأت حاسة سادسة لدي تثير تساؤلات حول هؤلاء القادمين ، والهدف من زيارتهم وماذا هم فاعلون .
في الفندق التقيت الزملاء العرب الذين أثار دخول هؤلاء القادمين بحافلات السفارة الأمريكية فضولهم وبدأ بعضهم السؤال عنهم.
في اليوم التالي سألت أحد موظفي الفندق ممن يعرفونني عن الضيوف الذين قدموا بالأمس في حافلات السفارة الأمريكية ، فأجاب أنهم لا زالوا موجودين وإن كانوا خرجوا في حافلات سياحية مظللة الزجاج في النهار .

تأكيد الخبر
في نفس الليلة اتصل بي أحد الزعماء السياسيين الباكستانيين من قادة الجماعات الدينية ، طالباً مني زيارته في منزله ، لأنه يريد حديثي بموضوع بالغ الأهمية .
توجهت إليه ، وكنت أعتقد أنه سيتحدث عن الحكومة الباكستانية التي انتقدتها الجماعات الدينية لطلبها سحب المقاتلين الكشميريين من كارجيل ، بناءً على ضغوط مارستها الإدارة الأمريكية على نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني السابق .
. . . . . . .
لكن الحديث لم يتطرق إلى هذا الموضوع .
. . . . . . .
بدا على المسئول الباكستاني ذي الصلات المتشعبة ، أن الموضوع خطير ومهم ، ويريد إخراجه للنشر بأقصى سرعة مع عدم التصريح باسمه وقتها.
وبعد أن رفع سماعات الهاتف وأوصد باب مكتبه المنزلي قال لي يا أخ جمال لدي خبر مهم وهو يهمك ويهمنا كلنا ويهم المسلمين، ولا أدري ما إذا كنت تستطيع نشره دون أن تعرض نفسك ومصدر الخبر لأي خطر أو إعلان . وإذا تم نشر الخبر في الجزيرة فإنه سيحقق فائدة أكثر من نشره في الصحافة المحلية في باكستان .
فقلت له إن كان بإمكاني نشره فلن أتوانى في ذلك طالما فيه فائدة للبلد ولنا كمسلمين .
فقال : الخبر هو وصول كوماندوز أمريكان إلى إسلام أباد وهم في طريقهم إلى مطار كويتا الباكستاني ، القريب من مدينة قندهار مقر قيادة طالبان للقيام بعملية إغارة على مقر قيادة الملا محمد عمر زعيم طالبان ، ومنزل أسامة بن لادن ومحاولة خطفهما أو قتلهما. وأن الموعد الممكن للهجوم سيكون فجر الثلاثاء فيما يبدو .
كان الحديث مساء السبت.
ومضى محدثي قائلاً إن بعض الضباط في سلاح الجو أعطوا معلومات دقيقة عن الطائرتين الأمريكيتين اللتين أقلتا الجنود الأمريكان، والجهة التي قدمتا منها والوقت الذي وصلتا فيه.
فنقلت لمحدثي ما رأيته في الفندق في إسلام أباد قبل ذلك بيومين، فسأل عن الوقت بالضبط والعدد الذي رأيته وكان هذا مطابقا بشكل كبير لما ورده من معلومات من بعض الضباط الغيورين في سلاح الجو .
وانتقد محدثي حكومة نواز شريف التي كانت تعاني من انحطاط كبير في شعبيتها آنذاك وبدأت تعتمد اعتماداً شبه كلي على المشورة الأمريكية لها حتى في السياسة الداخلية .
واتفقت مع محدثي على معاودة الحديث في الصباح لاستكمال بعض المعلومات من مصدره والتي يمكن أن تخدمنا في عملية النشر .
في اليوم التالي كنت متلهفاً للذهاب مجدداً لمصدر الخبر ، وسماع ما لديه من أجوبة عن استفسارات قدمتها حول الخبر تدعمنا في عملية النشر إن تمت. وقدم لي أجوبة عما سألته من معلومات ، وشدد على نشر الخبر في الجزيرة وفي كل الوسائل الإعلامية التي يمكنني إقناعها بذلك .
اتصلت في المساء ببعض أصحابي من الصحافيين الباكستانيين في إسلام أباد وغيرها من المدن، وقلت لهم إنه سيكون لدي خبر مهم الليلة ، وكان الجميع يتوقع في تلك الأيام غارة أمريكية جديدة على أفغانستان ، وبدءوا يسألون عن الشيخ أسامة بن لادن وتحركاته وموقف الحكومة الأفغانية منه وما إلى ذلك .

طالبان لديها معلومات
استدعيت بعض من اتصلت بهم إلى بيتي لمناقشة الأمر ، وما إن دخل اثنان منهم المنزل حتى رن الهاتف لأجد على الطرف الآخر السفير الأفغاني في باكستان الشيخ سعيد الرحمن حقاني ، والذي بادر بالاعتذار عن الاتصال في وقت متأخر ، لكنه قال: يا أخ جمال أنا أعتبرك أخا لي قبل أن تكون صحافياً، ولولا ذلك ما اتصلت .
فقلت له يسعدني سماع ذلك منكم يا سعادة السفير .
فأردف قائلاً: لقد جاءني بيان من مكتب أمير المؤمنين ملا محمد عمر في قندهار الآن وهو بيان مستعجل ، والمترجم ليس موجوداً عندي الآن ، لذا أريدك أن تساعدني في ترجمته إلى العربية والإنجليزية وأن تنشره إن أمكنك ذلك .
اعتذرت من ضيوفي الذين دعوتهم إلى المنزل، وخمنت من لهجة السفير أن موضوع البيان خطير ، كما قلت لنفسي إنها فرصة لأحدث السفير بما علمته من أخبار ، وما رأيته من تواجد للكوماندوز الأمريكان في إسلام أباد .

استنفار ودعوة للمواجهة
كان السفير منتظراً في منزله ، وفي صالة الضيوف جلس وحده يغلي كالقدر، وما إن سلمت عليه حتى بدأ يترجم لي ما وصله من قندهار.
البيان كان نداءً وجهه أمير المؤمنين ملا محمد عمر إلى الأمة الإسلامية، يناشد فيها الشعوب الإسلامية الوقوف إلى جانب إخوانها من الشعب الأفغاني المسلم الشقيق ، الذي جاهد ضد الهيمنة السوفيتية وأنهى كابوساً كان يخيم على العالم أجمع ، وتحدث البيان عن الخلاف مع الأمم المتحدة ، واصفاً إياه بأنه خلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وليس المنظمة الدولية ، التي أصبحت وكما يعلم الجميع أداة بيد الخارجية الأمريكية، وشدد البيان على أن الخلاف مع أمريكا ليس على مسألة أسامة بن لادن وإنما على التوجه الإسلامي الصادق للحكومة الأفغانية وعدم قبولها مطلقاً المساومة على الشريعة الإسلامية مهما كان الثمن.وختم البيان بعبارة تقول إننا نناشد إخواننا المسلمين في العالم كله الوقوف مع إخوانهم من الشعب الأفغاني المسلم المجاهد تجاه ما قد يتعرض له من عدوان أمريكي جديد ، وحتى إذا لم يقف معنا أحد فإننا لن نتراجع عن موقفنا فإما أن نعيش أعزاء أو نموت كرماء وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير .
وفهمت من البيان أن خطراً محققاً يحدق بأفغانستان وتراه القيادة الأفغانية . عندها أبلغت السفير بما لدي من معلومات ، طالباً منه أن ينقلها إن رأى فيها فائدة للقيادة الأفغانية في قندهار.
وفعل ذلك في الحال.
كان الرد من أحد قادة الحكومة الأفغانية في قندهار على المعلومات التي نقلها السفير أن هذا البيان هو نتيجة لهذه المعلومات التي كنا على علم بها . طالباً منه وبصورة عاجلة تسريب هذه المعلومات الخطيرة إلى مراسل الجزيرة وغيرها من وكالات الأنباء إن أمكنه في ذلك الوقت المتأخر من الليل بغية نشرها على أوسع نطاق ممكن وفي أسرع ما يكون، وقبل وقوع الكارثة!!
قنبلة تتفجر في موعدها !
اتصلت وأنا في منزل السفير الأفغاني من هاتفي النقال بمحرر النشرة المناوب في الجزيرة ، وكان الوقت قريباً من منتصف الليل في باكستان ، وأبلغته بأن لدي خبراً مهماً وعليه كتابته مباشرة .
أعطيت الخبر لرئيس التحرير المناوب، والذي استوثق مني حول وجود بيان من ملا محمد عمر زعيم طالبان، ومن المعلومات الأخرى حول وصول كوماندوز أمريكان في باكستان. ووعد ببث الخبر في النشرة القادمة.
بعد دقيقة بالضبط اتصل بي مسئول آخر من الجزيرة، ليتأكد من صحة الخبر ونسبته إلى مصادره ، وبعد أن اطمأن إلى تأكدي من صحة المعلومات وأنني موجود في منزل السفير الأفغاني في إسلام أباد وقتها ، أبلغني أنه سيبث الخبر بشكل عاجل في الموجز الذي لم يبق على موعده إلا خمس دقائق .
كنت انتظر هذه الدقائق الخمس بفارغ الصبر ، وما إن بث الخبر حتى اتصلت بي زوجتي من المنزل لتبلغني أنه تم بث الخبر (نظراً لما تراه الحكومة الأفغانية من حرمة التصوير فإن منزل السفير الأفغاني كان خال من أي جهاز تلفزيون) ، وشعرت وقتها بأن عبئاً ثقيلاً أزيح عن كاهلي، كما شعرت براحة نفسية عجيبة قلما أشعر بها في نشري لأخبار أخرى .
أبلغت السفير ببث الخبر وأنني سأبقى ساهراً لمتابعة تطورات الموقف وما يستجد من أحداث ، ورجوته أن يطلعني على أي معلومات جديدة قد تصله من قندهار ويمكن نشرها.

رصد دبلوماسي:
في الطريق من منزل السفير إلى منزلي والتي لم تزد على كيلو متر واحد اتصل بي أحد الدبلوماسيين العرب مستفسراً عن صحة ما سمعه منسوباً إلي من أخبار على قناة الجزيرة .
فقلت له وهل تظن أنني أرسل أخباراً مثل هذه ولا أكون متأكداً من صحتها !
فاستفسر ذلك الدبلوماسي عما إذا كانت لدي معلومات إضافية حول الموضوع لكنني اعتذرت له قائلاً : أنه لو كان عندي تفاصيل أكثر لسمعها من الجزيرة .
ومتابعة أمريكية
ولم أكد أصل منزلي حتى رن الهاتف .
. . . . .
كان المتصل أحد صحفيي محطة CNN من أتلانتا في الولايات المتحدة، وكان قد زار باكستان أكثر من مرة والتقيته أثناء زياراته تلك. سأل مستغرباً من الخبر عن صحته وما إذا كان لدي صور للطائرات الأمريكية التي هبطت في باكستان ، فأبلغته بأنني لو كنت املك صوراً لأرسلتها إلى الجزيرة . لكنني استطعت التأكد من الخبر دون القدرة على التقاط صور ، بسبب منع اقتراب الصحافيين من المطار المدني ، فما بالك بالقاعدة العسكرية التي هبطت فيها الطائرات !!!
وقد استفسر عن رد فعل الحكومة الباكستانية مشيراً إلى أنه مباشرة بعد سماعه الخبر اتصل بوزارة الدفاع الأمريكية والخارجية والبيت الأبيض وكلهم نفوا صحة الخبر !
ما سمعته من نفي من الإدارة الأمريكية جاء كرد مقتضب على ما أذعته عبر الجزيرة وكان الرد :
((الإدارة الأمريكية تنفي بشدة أن تكون تخطط للهجوم على أفغانستان حالياً، لكنها تحتفظ لنفسها بحق مطاردة الإرهابيين وضرب مواقعهم في أي مكان وزمان)).
فأبلغته أن هذا لا ينفي مطلقاً أنهم كانوا ينوون ضرب أفغانستان، وأنهم ربما غيروا رأيهم بعد افتضاح الأمر! وأما بالنسبة للحكومة الباكستانية فلم يصدر منها شيء، لأن الوقت متأخر ليلاً الآن وأظنهم سينفوا صحة الخبر حفاظاً على الأمن الداخلي ، ومنع القيام بأي عمل مناهض للمصالح الأمريكية ، خاصة وأن الشيخ فضل الرحمن رئيس جمعية علماء الإسلام الباكستانية ، أفتى قبل أيام بإهدار دم كل الأمريكان المقيمين في الأراضي الباكستانية أو خارجها، إن أقدمت واشنطن على ضرب أفغانستان مجدداً ، أو حاولت اختطاف أو قتل أسامة بن لادن .
كان اتصال صحفي الـCNN تأكيداً لرصد الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت ومن سار في فلكها أي معلومة عن أفغانستان وأسامة بن لادن خاصة تلك الفترة . فلم يكن بين إذاعة الخبر عبر الجزيرة واتصال صحفيCNN سوى خمس أو سبع دقائق فقط !! كما أنه يوحي بحالة استنفار للإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام المقربة منها في انتظار حدث هام قد يقع تلك الليلة !!!
بعد هذا الاتصال بدقائق معدودة اتصل مسئول آخر من شبكة ITN في لندن ، طالبا شراء صور الطائرات والكوماندوز الأمريكان لبثها عبر شبكتهم .
وبعد دقائق اتصل بي مسئول من الجزيرة ليبلغني أنهم سيجرون مقابلة هاتفية معي ضمن نشرة حصاد اليوم ، كما سيجرون مقابلة في الاستديو مع المهندس قلب الدين حكمتيار ، رئيس الوزراء الأفغاني السابق، الذي كان شارك تلك الليلة في ندوة (أكثر من رأي) عبر الجزيرة .
اتصلت بالمهندس حكمتيار في مكان إقامته في الدوحة، وبناءً على طلبه، وأطلعته على ما لدي من معلومات بشأن هذا الخبر. واتصلت بي الجزيرة أثناء نشرة حصاد اليوم ، وأكدت خبر وصول عشرات من رجال الكوماندوز الأمريكان خلال الأيام القليلة الماضية إلى إسلام أباد ، ومكان نزولهم يوم وصولهم، وأنهم انتقلوا بعد ذلك من إسلام أباد إلى بيشاور ومنها إلى كويتا . ومع أن حكمتيار شاركني الرأي في استبعاد وقوع هجوم أمريكي كبير على أفغانستان فإن إمكانية قيام الأمريكان بعملية اختطاف أو اغتيال لأسامة بن لادن أو ملا محمد عمر في قندهار كانت محل اتفاق من كلينا .
في نفس الليلة تناقلت كافة وكالات الأنباء خبر الكوماندوز نقلاً عن الجزيرة ، ونفت الحكومة الباكستانية أن تكون سمحت للأمريكان باستخدام أراضيها لشن هجوم على أفغانستان .

تأكيدات أمنية
المحققون الباكستانيون فيما بعد أكدوا لي أن ما نقلته عن وصول الكوماندوز الأمريكان إلى إسلام أباد كان صحيحاً، وأن أحد مسئولي الأجهزة الأمنية في إسلام أباد رفع تقرير عنهم إلى رئاسة الوزراء الباكستانية، لكن ديوان رئيس الوزراء طلب منه عدم الحديث عن هذا الأمر الذي قال عنه إنه محض اختلاق حسب ما أفادت به السفارة الأمريكية، وفي اليوم التالي حينما رفع مسئول كبير في نفس الجهاز خطاباً آخر إلى رئاسة الوزراء مشفوعاً بأسماء أعضاء فريق الكوماندوز الأمريكي وأعمارهم وما يقومون به من تدريبات والأماكن التي زاروها والأشخاص الذين التقوا بهم طلب من هذا المسئول أن يتكتم على هذا الخبر ما أمكنه ذلك، وألا يزج بنفسه فيما لا يعنيه.
كما نشرت صحيفة ذ نيوز الباكستانية وبعد عشرة أشهر من نشري خبر وصول الكوماندوز الأمريكان إلى إسلام أباد مقالة مفصلة عن الخطة، نقلت فيها الكاتبة نسيم زهرة عن جنرال باكستاني يعمل في الاستخبارات العسكرية قوله: إن رئيس الوزراء المعزول نواز شريف وشقيقه شهباز شريف ومدير الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال ضياء الدين، وعدد قليل من أعوانهم كانوا اتفقوا مع الأمريكان على تجنيد عدد من الضباط الباكستانيين المسرحين من الخدمة في الأجهزة الأمنية الحساسة للمشاركة في عملية لاختطاف أسامة بن لادن من أفغانستان وأن العملية أفشلت بعد أن سربت شخصيات باكستانية نبأها، وافتضح أمرها قبل وقوعها بفترة قصيرة.

مواجهة مع وزير
في اليوم التالي حدث أن أسقطت الطائرات الهندية طائرة تدريب للبحرية الباكستانية ، كانت في مهمة تدريبية وقتل على متنها ستة عشر من ضباط البحرية الباكستانية ، وقد دعا وزيرا الخارجية والإعلام في باكستان إلى مؤتمر صحفي مشترك في مبنى الخارجية في إسلام أباد . ذهبت إلى هناك وكان جميع الصحافيين الموجودين ينتظرونني بفارغ الصبر، لمعرفة ما أستند إليه حول الخبر الذي قمت ببثه في الليلة السابقة عبر الجزيرة عن الكوماندوز الأمريكان.
قبيل دخول الوزيرين سألني البعض عن الخبر ، مردفين أن الحكومتين الباكستانية والأمريكية نفتا صحته ، فقلت: هذا شأنهم لكن عندي ما يدعم خبري ويوثقه، وعندي تفاصيل أكثر مما نشرته .
وقد توجه أحد الصحافيين الباكستانيين بسؤال لوزير الخارجية حول الموضوع فنفى الوزير الخبر قائلاً : اتصلنا بالجهات المعنية وكلها نفت علمها بوصول أي طائرة أمريكية الليلة الماضية إلى باكستان لهذا الغرض. وأن الخبر عار عن الصحة .
انتهى المؤتمر بعد أن ركز الوزيران على خبر إسقاط الهند طائرة التدريب الباكستانية .ولم يتطرقا إلى الخبر حول الكوماندوز الأمريكان إلا في تلك الإجابة المقتضبة !
أزمة مع الحكومة
أحد الصحافيين أسرع إلى الوزير وهو خارج من القاعة ليقول له أنت تنفي الخبر وجمال يؤكده ، ويقول إن عنده تفاصيل إضافية . فالتفت وزير الخارجية باحثاً عني ، وسأل: أنت الذي نشرت الخبر ، فقلت له بالإيجاب ، ورد لكن هذا غير دقيق وغير صحيح. وكان عليك التثبت من الخبر وأن تتصل بنا قبل نشره ونحن نعطيك ردنا. ولم يزد على ذلك .
لكن وزير الإعلام مشاهد حسين الذي كان صحافياً من قبل ورئيس تحرير لإحدى الجرائد الهامة والصادرة من إسلام أباد كان أكثر حدة من وزير الخارجية في كلامه معي ، وطالبني بالاعتذار عن نشر الخبر كما طالبني بضرورة نفيه من قبلي .
اعتذرت له بالقول إنني لم أذكر الخبر نقلاً عما رأيته أنا فقط وإنما نسبت الخبر لمصادر في باكستان وأخرى في أفغانستان وأن بياناً من الملا محمد عمر زعيم طالبان صدر وتحدث عن الموضوع . وإذا نفت هذه المصادر نية الأمريكان قصف أفغانستان فإنني لا يمكن أن أنفي وصول عشرات من العسكريين الأمريكان إلى إسلام أباد دون أن أحدد المهمة التي جاءوا من أجلها.

الجزيرة تبحث لنفسها عن مخرج :
بعد يومين من هذا التاريخ فوجئت باتصال من المحرر المناوب في الجزيرة يخبرني : ((أن المدير يطلب منك عمل تقرير مصور عن الخبر الذي نشرناه نقلاً عنك ولم تؤكده أي جهة إعلامية أخرى، وأن علي أن أجري مقابلات مع شخصيات باكستانية وأفغانية حتى لو أحضرتهم من تحت الأرض شريطة أن يتحدثوا أمام الكاميرا لتأكيد ما نقلته من معلومات حول الكوماندوز الأمريكان)). وعلمت فيما بعد من مدير الجزيرة ومن العاملين فيها أن ضغوطاً ضخمة مورست على الجزيرة لبثها هذا الخبر، وأنه طلب منها من جهات لا قبل لها بها نفي الخبر، وأبلغني الشخص المتصل بأن مدير الجزيرة (( مغضب جداً مني ومن بثي الخبر قبل أن تورده أي وكالة أنباء، لكن وبعد أن بث الخبر الآن فإن المدير يطلب منك إسناداً للخبر إنقاذاً للجزيرة ولعملك إن كنت تريد البقاء في الجزيرة!!)).
اتصلت بصاحب الخبر ومصدره، وبالحكومة الأفغانية للتعليق عليه لكن أمام الكاميرا، وكان الخبر قد انتشر كالنار في الهشيم وأخذت كافة الصحف الباكستانية تتناقله وبدأت تهديدات من جماعات دينية مؤيدة لطالبان ضد الرعايا الأمريكان في باكستان تنطلق من هنا وهناك. فوافق صاحب الخبر على إجراء مقابلة وقتها ، وكان هو الشيخ فضل الرحمن أمير جمعية علماء الإسلام التي احتضنت مدارسها في باكستان غالبية أفراد حركة طالبان وقدمت لهم التعليم الديني، وكان مما جاء في مقابلته المصورة معي:
((نعم لقد حذرنا الأمريكان من أن طائراتهم التي نزلت في بلادنا، وقواتهم التي وصلت أراضينا، لن تكون في مأمن إن هم هاجموا أفغانستان، أو حاولوا اختطاف أو قتل أسامة بن لادن، مضيفاً أنه أفتى بقتل كل الأمريكان في باكستان في حال وقوع ذلك)).
ودعم هذه الأقوال كلام أحد القادة العسكريين من طالبان الذي وافق على الجلوس ملثماً وظهره للكاميرا باعتبار أن الحركة تحرم التصوير من ناحية شرعية، ولاعتبارات أمنية لتردده على باكستان.

تعليمات المدير !!
بعد استقالتي من عملي في الجزيرة علمت من بعض الزملاء العاملين فيها أن: مدير الجزيرة وبخ وبشدة المحرر المناوب الذي بث الخبر أول مرة، وطلب منه ومن غيره عدم بث أي شيء من هذه المسائل، خاصة ما يصل من جمال وما يتعلق بأفغانستان وأسامة بن لادن والطالبان إلا بالرجوع إلى رئيس التحرير أو إليه شخصياً!!




*****














الفصل الثاني عشر

قرار بالإبعاد من باكستان

الحكومة في وضع حرج
كنت أظن أن أمر وزير الإعلام انتهى عند تلك المقابلة المقتضبة معه ! وتصرفت بناءً على ذلك .
لكن الصحافة الباكستانية خاصة الناطقة بالأردية صارت يومياً تتناول الخبر وتنسبه دائما إلى الجزيرة ، وسبب ذلك إزعاجاً كبيراً لحكومة نواز شريف التي لم تكن تنقصها المشاكل في ذلك الوقت، وإنما أعوزتها الحكمة في المعالجة!! وازدادت التهديدات من قبل بعض الجماعات الدينية الباكستانية المؤيدة لطالبان ضد الرعايا الأمريكان، وبدأ الجميع يتوقع حملة من أعمال العنف والاغتيالات في باكستان، قد يعقبها محاولة لإجلاء الرعايا الأمريكان من باكستان .
وتزامن هذا كله مع اشتداد الضغط الشعبي على حكومة نواز شريف وازدياد حدة الصراع بين المؤسسة العسكرية والحكومة المدنية ، هذا الصراع الذي بدا جلياً بعد سفر نواز شريف إلى واشنطن وقبوله هناك الاستجابة للضغوط الأمريكية وطلبه من هناك سحب المقاتلين الكشميريين من كارجيل.

استدعاء وتحقيق
بعد ثمانية عشر يوماً بالضبط من نشر الخبر استدعاني وكيل وزارة الإعلام ومسئول الإعلام الخارجي فيها، وطلبا مني القدوم إلى مكتب وكيل الوزارة ، وحاولا الاستفسار مني عن مصدر الخبر الذي نشرته وإقناعي بنفيه بأي وسيلة ممكنة ، فقلت لهما إنني نسبت الخبر إلى مصادر معروفة، وأن الشيخ فضل الرحمن رئيس جمعية علماء الإسلام في باكستان صرح بذلك في مقابلة مصورة ، مؤكداً وجود القوات والطائرات الأمريكية ولا أستطيع نفي ما قاله هو . لكن يمكنني إجراء مقابلة مع أي مسئول حكومي وهو ينفي هذا الكلام. وعلمت من كلامهما أن الوزير كان يريد من وراء هذه المقابلة أن أقوم بنفي الخبر والاعتذار عنه وكتابة ذلك خطياً لمسئولي الوزارة. وهو ما رفضته. ووضحا لي أن شخصاً ما كتب تقريراً للوزير وترجم ما نشرته الجزيرة بشكل محرف تماماً بحيث يفهم من يقرأ ذلك التقرير أن الهجوم المتوقع كانت ستشنه باكستان وأن حكومة نواز شريف مشاركة فيه من ألفه إلى يائه !!!
انتهت مقابلتي معهما وأبلغاني أن وزير الإعلام هو الذي طلب منهما استدعائي وسؤالي عن الموضوع، وعلمت منهما في اليوم التالي أنهما كتبا تقريراً إيجابياً بحقي عن المقابلة معهما لوزير الإعلام.

تهديدات الوزير
لكن وبعد أن مرت ثلاثة أسابيع على نشر الخبر وتفاعلاته التي تتوالى في الصحافة الباكستانية ، وفي الأسبوع الأول من شهر أيلول سبتمبر 1999 دعا اتحاد التجار الباكستانيين لإضراب عام احتجاجاً على سياسة الحكومة، ومحاولاتها فرض ضرائب جديدة على القطاع التجاري، وقد عمدت الحكومة إلى محاولة التأثير على نشر تقارير المراسلين الأجانب من إسلام أباد ومراقبتها وهذا أمر لم يحدث من قبل في باكستان، حتى في ظل ما يدعونه من دكتاتورية عسكرية . وفي اليوم التالي كانت هناك دعوة غداء من وزير الإعلام للمراسلين الأجانب في إسلام أباد ، وكان إلى جانب الوزير الناطق باسم الجيش الباكستاني اللواء راشد قرشي.
تحدثت مع الناطق باسم الجيش والوضع على الحدود في كشمير ثم حاولت استطلاع رأي وزير الإعلام وجس نبضه بعد ثلاثة أسابيع من نشر الخبر ، فاقتربت منه وهو خارج من القاعة لأطلب منه المساعدة في تأمين مقابلة مطولة مع رئيس الوزراء .
نظر الوزير إلي شذراً وقال: من؟ أنت؟! جمال ! لا.. لا يمكن أن تقابل رئيس الوزراء. أنت أسأت إلى الحكومة والبلاد بشكل كبير من خلال نشرك الخبر عن الكوماندوز الأمريكان، وعليك نفيه مباشرة. أنت تشكل خطراً على أمن البلاد وسنطالب بإخراجك من باكستان. فرددت عليه أن بإمكانه نفي الخبر من خلال مقابلة أجريها معه، مضيفاً يمكنني أن أسألكم وأنتم لكم الحرية في الإجابة، ولن أقوم بتعديل أو حذف شيء من المقابلة .
فرد مغضباً بقوله: لا . . أنت تعلم لو أنك كنت في دولة عربية ونشرت مثل هذا الخبر ماذا ستفعل المخابرات بك!
فأجبته: أنا أعرف الأوضاع في الدول العربية وأعرف ما هي عليه الأوضاع في باكستان، لذا اخترت البقاء في باكستان التي أحببتها وأحبني أهلها. وبالنسبة للخبر فإنني أعتز به لأنني أعتبر نفسي أنقذت باكستان وأنقذت الحكومة التي تعملون فيها!!
استغرب مرافقو الوزير من إجابتي وظنوا أن الواجب علي أن أوافق الوزير فيما قاله، وألا أواجهه بهذا الشكل. واستفسر أحدهم بعد ذلك عن قولي أنني أنقذت باكستان وحكومتها من خلال نشر الخبر طالباً الإيضاح .
فقلت له إن باكستان ومنذ أكثر من ربع قرن مهتمة بالشأن الأفغاني، ودعمت المجاهدين في أفغانستان وقدمت خدمات كثيرة للجماعات الأفغانية وقت الاحتلال السوفيتي والحكم الشيوعي، ولكن في حال وقوع أي هجوم أمريكي من باكستان على أفغانستان فإن كل ما قدمته وعملته باكستان للأفغان سيذهب أدراج الرياح، وسيعتب كل الأفغان أن باكستان هي التي شاركت وسهلت للعدوان على بلادهم!! وأما الحكومة الباكستانية فإنني أنقذتها من ورطة مهاجمة الرعايا الأمريكان من قبل جماعات مؤيدة للشيخ أسامة بن لادن في باكستان وإذا ما حصلت مثل هذه الهجمات فإن الذي يلام لتداعي الأمن الداخلي الباكستاني هو الحكومة وليس الذين يقومون بأعمال الاغتيال المتوقعة.
وقد طلب مني مرافق الوزير الذي كان مسئول الإعلام الخارجي في الوزارة تهدئة الكلام ، بالقول إن هذا وزير ، وهو مغضب جداً مما نشرت ومن انعكاساته.

أمر بالإبعاد:
لم يمض يومان على هذا الكلام حتى اتصل بي مسئول من وزارة الإعلام الباكستانية طالباً مقابلتي على وجه السرعة.
ذهبت إليه على عجلة من أمري، فأبلغني وبصورة مقتضبة أن وزير الإعلام طلب من وزارة الداخلية إبعادي بحجة انتهاء تأشيرتي السنوية والتي لم أجددها.

خلاف داخل الوزارة:
كان طلب الوزير من كبار موظفي وزارته الكتابة إلى وزارة الداخلية بإبعادي مفاجأة لهم، فبعضهم وأثناء معارك كارجيل في كشمير نقل عدداً من رسائل الشكر والتقدير من الوزير لي نظراً لما قدمت من تقارير شارحاً بها وجهة النظر الباكستانية، ولما قمت به خلال تلك الفترة من جهود فردية أو مع زملاء آخرين في إسلام أباد من التعريف والإيضاح لكثير من المسائل التي تهم باكستان!! وقد حاول بعض كبار موظفي وزارة الإعلام إقناع الوزير بالعدول عن موقفه الداعي إلى إبعادي من باكستان، لكنه وبكل أسف وكما سمعت من بعض الذين شاركوا في عدد من اللقاءات معه تصرف وعلى غير عادته معهم، طالباً منهم تنفيذ ما أمرهم به دون نقاش!!
طلب الوزير إبعادي استند إلى ما قاله في كتابه أن تأشيرتي للإقامة في باكستان انتهت منذ ستة أشهر ولا يوجد لدى وزارة الإعلام ما يثبت أنني تقدمت بطلب تجديد لإقامتي!!! كما جاء في رسالة الوزارة التي تمكنت بعد جهد ووقت من الحصول على صورة منها عبر بعض الصحف الباكستانية.
كان الأمر مضحكاً، ومثيراً للسخرية من الطريقة المبتذلة التي تصرف بها مسئول كبير في وزارة الإعلام !
فقد طلب أحد مساعدي الوزير ملفي الخاص من القسم المعني في الوزارة ، وقام بنزع طلب تجديد التأشيرة والموافقة عليه من قبل وزارة الداخلية ، وتم الطلب بعد ذلك من وزارة الداخلية بناء على طلبي القديم للعام المنصرم .
لكن المفاجأة كانت أن مسئول وزارة الداخلية الذي أرسل له الخطاب راجع ملفات وزارته ليظهر له أنني تقدمت بطلب تجديد إقامتي وأن طلبي وصله عن طريق وزارة الإعلام ومن نفس الشخص الذي أرسل له كتاب إنهاء إقامتي في باكستان . فأرفق صورة منه لوزارة الإعلام، ظاناً أن لبسا حدث في الموضوع . مضيفاً أنه ومن خلال مراجعته لملفي في وزارة الداخلية فإنه يستطيع تأكيد أن جمال قدم خدمات جليلة في سبيل إيضاح موقف باكستان من عدد من القضايا، خاصة كشمير، أفغانستان ، الأوضاع الداخلية والعنف الطائفي، وغيره مما يحدث في باكستان. وأن وزارة الإعلام الباكستانية نفسها هي التي كتبت خطاباً دفاعاً عن جمال قبل ذلك بستة أشهر تطالب فيه الجهات المعنية العمل على تسهيل مهمته كصحفي صديق لباكستان، بعد أن طلبت بعض السفارات العربية !!! إبعاده من باكستان إثر مقابلته أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، بحجة أن هذا يثبت أن لجمال صلات مع جهات معادية لبعض الحكومات العربية !!

رشاوى لإبعادي:
في اليوم التالي رجع مسئول وزارة الإعلام إلى مسئولي وزارة الداخلية كما قيل لي بصندوق هدايا!! وتعليمات من وزير الإعلام بأن يتم إبعاد جمال من باكستان تحت أي ظرف ، وأن على موظفي الداخلية إيجاد المبررات لذلك . ومن جانبها فإن وزارة الإعلام ستقوم بإلغاء بطاقة الاعتماد الصحفي لجمال وتطلب بناءً على ذلك إلغاء إقامته مباشرة وعدم إمهاله لحين انتهاء تأشيرته .
لم يستمر الخلاف طويلا بين موظفي وزارة الإعلام والداخلية، فقد صدر أمر بالإبعاد ضدي موقعاً من مسئول قسم في وزارة الداخلية، وبدلاً من إرسال نسخة لي كما يقتضي القانون في باكستان طلب من كافة الأجهزة المعنية الحفاظ على سرية الموضوع وإحضار الكتاب لي بعد ساعات من انتهاء المهلة المحددة فيه، وكان المخطط حسب ما رواه لنا أحد المطلعين على هذه القضية أن يتم نقلي من منزلي إلى المطار مباشرة ومنها إلى دولة خارج باكستان ، وبعد أن يتم إبعادي تعلن الحكومة ذلك ، وأنه تم إمهاله ثلاثة أسابيع لكنه لم يتقدم بأي طعن قضائي ضد قرار الإبعاد ، وهو ما يعطي انطباعاً بأن كل شيء تم بصورة قانونية !!
وقد حاولت مع كثير من مسئولي الحكومة الحصول على نسخة من قرار الإبعاد إلا أنهم كانوا يرفضون ذلك بصورة حازمة ، وأن لديهم تعليمات مشددة بعدم وصول أي نسخة من القرار إلي حتى لا أذهب إلى المحكمة !!

إلغاء البطاقة الصحافية:
وإمعاناً من وزير الإعلام في محاولاته إبعادي من باكستان فقد أمر المسئولين في وزارته بإلغاء بطاقة اعتمادي كصحفي في باكستان ، وهو ما يمنعني من ممارسة المهنة بشكل قانوني ، ويعرضني لمساءلات قانونية إن أقدمت على إرسال أي تقرير مهما كان ! وقد وصل إلى منزلي خطاب من وزارة الإعلام جاء فيه :
((قررت السلطات المعنية إلغاء بطاقتي الصحفية فوراً، وأن علي تسليم بطاقتك مباشرة إلى مسئولي وزارة الإعلام.ولا يحق لك استخدامها بعد ذلك اليوم مطلقاً)).
ذهبت إلى وكيل وزارة الداخلية للبحث في مسألة إخراجي من باكستان وما إذا كانت الوزارة ستقوم باتخاذ خطوات في هذا المجال أم لا. وأطلعته على كتاب سحب البطاقة . وعلى ما سمعته من قرار بالإبعاد تم صدوره ضدي .
كان وكيل الوزارة مغيباً بصورة مقصودة عما يجري ، وذلك لسبب واحد وهو أنه متهم من قبل جهات غير باكستانية بأنه متعاطف مع الجهاد الأفغاني ، ومع كل من جاء لخدمة القضية الأفغانية منذ كان مفوضاً من الحكومة الباكستانية لشئون المهاجرين الأفغان في باكستان، كما أنه ومن خلال عمله السابق كان على صلة بكثير من العرب الذين جاءوا إلى بيشاور للعمل في مؤسسات الإغاثة ، وكنت أعرفه قبل هذه الواقعة بثلاثة عشر عاماً ، والتقيت به عدة مرات للسؤال عن بعض القضايا المتعلقة بالمهاجرين الأفغان ، والعمل الإغاثي في بيشاور وفي باكستان بشكل عام .
استغرب وكيل الداخلية من كلامي بأن وزير الإعلام طلب إبعادي من البلاد بسبب تقرير نشرته في الجزيرة ، مشيراً إلى أن مراسل التلفزيون البريطاني نشر تصريحات شوهها للجنرال برويز مشرف يفهم منها من سمعها من التلفزيون البريطاني أن الجنرال برويز مشرف يعترف بأن بلاده أعلنت الحرب على الهند وأن الجيش الباكستاني دخل المناطق التي تسيطر عليها الهند في كشمير!! وما لمثل هذا الخبر من انعكاسات سياسية على باكستان في هذه الظروف، ولم تتخذ الحكومة الباكستانية أي إجراء ضده .
كما أنه طمأنني بأن أي قرار إبعاد يجب أن يأتي إليه وهو سيتصرف حسب القانون وليس حسب ما يريده وزير الإعلام .

دور للصحافة الحرة:
بعد محاولات عديدة للحصول على نسخة من قرار الإبعاد الذي رأيته مع بعض الجهات المعنية بتطبيقه ، تمكنت صحيفة باكستانية من الحصول بطرقها الخاصة على نسخة من القرار ونشرت ذلك على صفحتها الأولى ، منتقدة الحكومة ومطالبة في الوقت نفسه بإبعاد الصحافيين الهنود والغربيين من باكستان إن كانت الحكومة تريد خيراً للبلاد ، لا أن تطرد من يقف مع باكستان أو من لم يسئ إليها !! وقد تناقلت وكالات الأنباء خبر الصحيفة كما نشرته العديد من الصحف المحلية التي انتقدت موقف الحكومة من هذه القضية، وهو ما أجبر وزير الإعلام على الاتصال برئيس تحرير الصحيفة التي بادرت بالنشر للقول إن الحكومة لم تطلب من جمال المغادرة وأنه لا صحة لهذه المعلومات، ولو كانت صحيحة فاسألوا جمال إن كان تلقى أمراً رسمياً بالإبعاد أو أننا أرسلنا له رجال الأمن إلى بيته للقبض عليه!!! لكن الصحيفة لم تتراجع عن موقفها وذكرت الوزير برقم الرسالة وتاريخها وموضوعها، وطلبت منه إن كانت هذه الرسالة غير صحيحة إرسال ما ينفي صحتها إلى وزارة الداخلية لوقف إجراءات التنفيذ !

معركة قضائية :
أخذت نسخة من الجريدة واتصلت بمحام حتى يوقف إجراءات التنفيذ ، وذلك قبل يوم واحد فقط من الموعد النهائي الذي حدد في قرار الإبعاد. وتمكنت بفضل الله من إرجاء القرار وبدأت العمل على حل الإشكالية مع وزير الإعلام، حيث سعى في الحل السفير الفلسطيني، وعدد من وزراء الحكومة الباكستانية، وأعضاء في البرلمان من الحزب الحاكم، وعدد من قادة الأحزاب الباكستانية، لكن ورغم ضخامة هذه الجهود ورفعة مكانة أصحابها إلا أن وزير الإعلام رفض الإصغاء إلى كل ما قالوه، حتى أن وزير الداخلية نفسه والذي تربطني به علاقات جيدة منذ سنوات أخفق في إيقاف وتعطيل قرار الإبعاد. وقد أوضح لي عدد من كبار مسئولي وزارة الإعلام المسألة بالقول: إن أمر الإبعاد جاء من جهات عليا، ومن الصعب إلغاؤه لكن هذا ليس مستحيلاً، فعزمت على الاتصال بمكتب رئيس الوزراء ظناً مني أن رئاسة الوزراء هي التي أمرت بالإبعاد ، على أساس أنها هي الجهات العليا. وكان قد تأكد لدي من خلال اتصالاتي مع وزارتي الإعلام والداخلية والأجهزة المختصة أنه لا يوجد قرار من أي جهاز أمني في باكستان يطلب إبعادي، وهو ما شجعني ومحامي على المضي في الجهود للوقوف ضد قرار الإبعاد.

القرار أمريكي :
في غمرة هذه المعركة القضائية والسباق مع الزمن فيها جاءني من أسر إلي من الحزب الحاكم والحكومة نفسها بأن قرار إبعادي اتخذ من قبل السفارة الأمريكية وأبلغ لوزير الإعلام عن طريق السفير الأمريكي ، لذلك كان وزير الإعلام يرفض كافة المقترحات لحل الأزمة ويصر على إخراجي من باكستان وهو المشار إليه من قبل قيادات في حزب الرابطة الإسلامية الذي كان حاكماً بأنه رجل أمريكا في الحكومة! وتأكد لدي هذا الكلام من خلال اتصالاتي مع العديد من الشخصيات الرسمية وغير الرسمية في باكستان والتي كنت أظنها قادرة على فعل شيء ، فقد أعرب الكثيرون منهم عن أسفهم للتدخل في مثل هذه المسألة وكانوا يتهربون منها بشكلٍ أو بآخر، مشيرين إلى أنها أكبر من الحكومة الباكستانية! وأن الوزير نفسه لن يستطيع التراجع عن قراره بطلب الإبعاد .
تمكنت مع المحامي من إرجاء إجراءات تنفيذ قرار الإبعاد عن طريق القضاء وحاولت بعد ذلك جاهداً تأجيل الحكم في القضية أطول فترة ممكنة، وذلك للاستفادة من الوقت في محاولاتي الدؤوبة لإقناع وزير الإعلام بسحب القرار ، لكنني فوجئت بعد أيام من عرض القضية على المحكمة في إسلام أباد بقول قاضي المحكمة : أنه واقع تحت ضغط شديد من الحكومة لإصدار حكمه في أسرع وقت ممكن ، وأن بإمكاني بعدها إن أردت استئناف الحكم الصادر.

موقف الجزيرة من قرار الإبعاد
أطلعت إدارة الجزيرة على ما وردني من معلومات حول قرار إبعادي واتفقت مع إدارة الجزيرة على خوض معركة قانونية بكل الوسائل ضد هذا القرار ، ولم تشجعني الجزيرة على إثارة القضية في وسائل الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان أو المنظمات الصحفية العالمية، وقد خضت المعركة القضائية كاملة وعلى نفقتي الخاصة، كما أشرت على إدارة الجزيرة بالعمل على الاتصال بالسفير الباكستاني في الدوحة (الذي كنت على اتصال معه أثناء أحداث كارجيل في كشمير بين الهند وباكستان، وكان معجباً بما أرسلته من تقارير عن تلك الأحداث) وإطلاعه على الموقف والطلب منه التدخل وإقناع حكومة بلاده بإلغاء قرار الإبعاد الصادر بحقي.
نائب المدير العام للجزيرة الأستاذ عبد الله الحاج الذي كلمته قام بجهد مشكور في هذا المجال ، والتقى بالسفير الباكستاني وحثه على العمل مع حكومته على وقف هذه الإجراءات، وجاء في معرض كلامه في الدفاع عن مراسل الجزيرة أن باكستان هي التي ستخسر إن هي طردت مراسل الجزيرة وهذا سيؤثر على سمعة باكستان واحترامها للإعلام وحريته، في وقت تحتاج باكستان كثيراً من الجهات للوقوف معها، وفي مداعبة منه مع السفير وفي محاولة لإقناعه بالكتابة إلى حكومة بلاده بوقف قرار الإبعاد قال نائب مدير الجزيرة :إنني وكنائب لمدير الجزيرة ومن خلال ما أرسله جمال من تقارير من باكستان أعتبر جمال مراسلا لباكستان في الجزيرة، أكثر مما هو مراسل للجزيرة في باكستان)). وقد جاءني أحد الوزراء في الحكومة الباكستانية ليشير علي بأن أقحم سفارة دولة قطر في المسألة وأن نواز شريف سيصغي لها ، واقترح علي هذا الوزير أن أكلم السفير القطري في الموضوع.
في نفس اليوم تحدثت مع السفير القطري الأستاذ مبارك الهاجري وكان متجاوباً إلى حد كبير معي، لكنه أطلعني على أنه لن يستطيع التدخل بناء على اتصال من الجزيرة فهذه مسألة تحتاج إذناً رسمياً من الخارجية القطرية للتدخل فيها ، وأشار علي بأن تتصل الجزيرة بالخارجية القطرية لحثها على التدخل عن طريق السفير القطري لصالح مراسل الجزيرة.
وقد وعد مدير الجزيرة بالحديث إلى مسئولي الخارجية، وفي اليوم التالي أبلغني مدير الجزيرة أنه والخارجية القطرية تحدثوا إلى سفير دولة قطر في باكستان وأن الأخير وعد بالعمل على حل المسألة، وطلب مني مدير الجزيرة التوجه إلى السفارة القطرية لمتابعة الأمر!

مراوغة وخداع:
توجهت في اليوم التالي إلى السفارة القطرية لأرى ما عند السفير القطري ، وفوجئت حينما رأيته بكلامه حين قال : وين جماعتك بتوع الجزيرة، لماذا لم يكلموا الخارجية في الدوحة حتى الآن؟
فأوضحت له أنهم كلموا الخارجية وأن مسئولاً في الخارجية ربما تحدث مع السفارة قبل وصولكم إليها اليوم أو أنه في طريقه للحديث معكم، لكن الصدمة جاءت حين أبلغني السفير أنه تحدث قبل قليل مع الخارجية في بلاده وعلم منهم أن لا أحد من إدارة الجزيرة تحدث معهم حول موضوعي ومشكلتي مع الحكومة الباكستانية.
بادرت وأنا في السفارة القطرية إلى الاتصال بمدير الجزيرة لحثه على العمل مع الخارجية في الدوحة ، وكانت إجابته كالعادة أنه تحدث مع الخارجية وأن مسئولي الخارجية تحدثوا مع السفارة في إسلام أباد والتي بدأت بدورها العمل على حل المسألة !! فعلمت من كلامه أنه يريد التخلص من الموضوع بـ (عذر أقبح من ذنب ) كما يقال !! وأبلغته أنني في السفارة القطرية الآن والسفير أبلغني أن لا أحد اتصل به حتى الآن.
كانت كلماتي مفاجأة لمدير الجزيرة الذي تردد قليلاً وقال : أنا سأتصل بالخارجية الآن وأطلب منهم الاتصال فوراً مع السفارة ، ولا تهتم بالموضوع إطلاقاً !!!!
وبعد أيام من البحث والمحاولات لإقناع وزير الإعلام سحب القرار والتي لم تؤت ثمارها، أبلغنا قاضي المحكمة التي تنظر في القضية أن عليه النطق بالحكم خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين أول1999 وهو ما وصفه المحامي بأنه محاولة من الحكومة لتسريع تنفيذ قرار الإبعاد. جاء قرار المحكمة كما توقعته وهو (( رفض الدعوى المرفوعة مني ضد الحكومة وأن من حق الحكومة في بلد ذي سيادة أن تطلب من أي من الرعايا الأجانب مغادرة البلاد دون إبداء أي سبب كان )) لكن وحسب ما قاله المحامي والقاضي فإن من حقي الاستئناف وتقديم التماس للبقاء في باكستان إلى جانب أولادي الذين يعتبرون مواطنين باكستانيين بالولادة ، وفي هذه الحال فإن من حق الحكومة الباكستانية إن كسبت الدعوى ضدها أن تمنعني من العمل في مهنة الصحافة أو أي مهنة أخرى إن أرادت ذلك وهو ما يضع حداً لعملي الصحفي !!! ويجبرني على المغادرة فيما بعد إن لم يكن لي عمل ومصدر رزق .
وقد أبلغت إدارة الجزيرة بكل تفاصيل الجوانب القانونية في المسألة، وأن من المرجح أن يتم العمل على إبعادي ، لكن الرد الذي جاءني كان بارداً وغير مشجع ، وكان كالخنجر المسموم في الظهر !!
رغم صدور قرار الإبعاد إلا أنني لم أيأس من إمكانية إلغائه من جانب الحكومة الباكستانية. حاولت الاتصال بوزير الإعلام إلا أن ردوده على كافة اتصالاتي أو من اتصل نيابة عني كانت سلبية للغاية، وقد جاء بعض رجال الأمن الذين أنيط بهم تنفيذ قرار الإبعاد إلى منزلي بحثاً عني، لكنني لم أكن موجوداً وقتها في المنزل وقيل لهم إنني ربما أكون خارج إسلام أباد .
بعد أيام من التخفي ومحاولة إيجاد مخرج لهذه الأزمة اهتديت إلى عنوان صديق صحفي عربي في لندن كان من المقربين من وزير الإعلام الباكستاني ، وكان كذلك ضمن الوفد الإعلامي العربي الذي استضافه وزير الإعلام حين نشرت الخبر حول الكوماندوز الأمريكان، وللحقيقة ورغم معرفتي بهذا الزميل من فترة وعلاقته بالوزير إلا أن اسمه لم يخطر على بالي في تلك المشكلة ربما لبعده عن الأنظار وقتها، وذكرني به أحد مسئولي وزارة الإعلام الباكستانية.
بادرت للاتصال به مباشرة وعن طريق أحد الزملاء الآخرين في لندن ، ولم يقصر كلاهما في بذل الجهد، واتصل بي صديق الوزير في اليوم التالي ليبلغني بالذهاب إلى مسئول الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام الباكستانية وطلب نسخة من كتاب وقف الإبعاد الذي وعد به وزير الإعلام . وقد أكد لي مسئول الإعلام الخارجي ظهر يوم الثاني عشر من تشرين الأول أنه تلقى تعليمات شفوية من وزير الإعلام بإلغاء قرار الإبعاد الصادر ضدي وأنه في اليوم التالي سيطلب منه الكتابة إلى وزارة الداخلية بذلك .
وحدثت المفاجأة !! انقلاب يطيح بالحكومة:
عصر ذلك اليوم بث التلفزيون الباكستاني خبراً مقتضباً جاء فيه أن رئيس الوزراء وبموجب الصلاحيات الملقاة على عاتقه دستورياً أمر بعزل رئيس هيئة الأركان المشتركة وقائد الجيش الفريق برويز مشرف وعين بدلا منه اللواء خواجا ضياء الدين الذي كان قبل تعيينه في هذا المنصب مديراً عاماً للاستخبارات العسكرية الباكستانية ومن أشد المقربين من نواز شريف، واتصل بي عدد من الزملاء الصحافيين الذين قررت عدم إطلاعهم وغيرهم على ما تم بيني وبين وزير الإعلام عن طريق ذلك الصديق في لندن ، حتى أنتهي من ترتيب الأمور بشكل قانوني، وحين تأكد الخبر أيقنت أن الحكومة ورئيسها يلعبون بالنار وأن الأيام القادمة ستكون حاسمة في باكستان.
خرجت متجولا في شوارع إسلام أباد بالسيارة لرصد ردود الفعل على قرار إقالة قائد الجيش الذي كان في طريقه من سريلانكا إلى كراتشي حيث حضر احتفال القوات المسلحة هناك بيومها الوطني، وفجأة اتصل بي أحد الزملاء طالباً مني التوجه إلى مبنى التلفزيون حيث تدور المعركة كما قال!!
وصلت هناك مع زميل آخر كان برفقتي، وكان جمع كبير من الصحافيين سبقنا وبدأ يحتشد أمام مبنى التلفزيون حيث شهدنا اقتحام أفراد من الجيش للمبنى ومشادة كلامية بين قائد فريق الاقتحام والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء نواز شريف الذي أعلن الجيش فيما بعد عزله من منصبه.
وكانت أول عبارة سمعتها من الزملاء المحتشدين أمام المبنى حين نزلت من السيارة: مبارك يا جمال ! هذا كله عملناه من أجلك! وإن شاء الله ستبقى في بلدنا ولن يخرجك منها أحد!!
ضحكت معهم وعلقت قائلاً :رغم كل ما حدث معي فلست ناقماً على أشخاص من كانوا في الحكومة السابقة، لكنني أرثي لحالهم حتى حينما كانوا في الحكم. آتاهم الله مقاليد الحكم في دولة العالم بحاجتها أكثر مما هي بحاجة إلى العالم، لكنهم أذعنوا لعدو بلادهم ورضخوا لضغوطه حفاظاً على كرسي لم يدم طويلاً تحتهم.
بعد الانقلاب بيومين اتصل بي مسئول الداخلية الذي وقع قرار إبعادي، ولم يعرفني على الهاتف، فطلب مني إبلاغ جمال ألا يسافر خارج باكستان رغم وجود قرار إبعاد بحقه، وأن الحكومة الجديدة قررت إعادة النظر في قرار الإبعاد وعلى الأرجح أن يتم إلغاؤه نهائياً!!
وبالفعل فقد بدأت وزارة الداخلية إعادة النظر في قرار الإبعاد، واتصلت لهذا الغرض بوزارة الإعلام التي لم تعارض مثل هذا الإجراء. الأمر الذي لم يرق لبعض الجهات من خارج باكستان والتي حاولت جاهدة العمل على إبعادي من هذه المنطقة مستخدمة في ذلك شتى الوسائل والدسائس.
صواريخ في إسلام أباد
صباح الثاني عشر من تشرين الثاني 1999وبعد شهر بالضبط من الانقلاب العسكري وقعت عدة انفجارات في العاصمة الباكستانية كانت عبارة عن صواريخ يفترض أنها موجهة لأهداف أمريكية في إسلام أباد.
كنت وقتها في مكتبي في بناية لا تبعد خمسين متراً عن المركز الإعلامي التابع للسفارة الأمريكية، وقد أعددت عناوين وأقوال الصحف لنشرة الجزيرة هذا الصباح حين وقعت الانفجارات، وطلبت من مساعدي الخروج بسرعة لمعرفة ما الذي حدث، إذ ظننا أن الانفجار لقوة صوته كان في بنايتنا أو على مدخلها. وما إن رجع مساعدي ليبلغني حقيقة ما حدث حتى كانت الجزيرة معي على الهاتف مباشرة لبث أقوال الصحف.اعتذرت من المذيعة ببث الخبر الجديد أولاً وإعطاء بعض المعلومات التي وصلتني، فكنت أنا أول من بث هذا الخبر، لدرجة أن دبلوماسياً عربياً في إسلام أباد خرج إلى شرفة مكتبه يستطلع ما جرى وعاد إلى مكتبه بعد أقل من ثلاث دقائق من الانفجار ليجد صورتي على شاشة الجزيرة ويسمع صوتي أتحدث عن الانفجارات وما كانت تهدف إليه وأنه لم تقع إصابات بشرية أو حتى خسائر مادية تذكر!! فاستغرب من سرعة بثي للخبر!
كل من رأى المناطق التي وقعت فيها الانفجارات ومدى قربها من السفارة الأمريكية أو مركزها الإعلامي أو غير ذلك يوقن تماماً أن الهدف لم يكن إحداث أضرار أو قتل أحد، بقدر ما هو محاولة توجيه رسالة أو الاستفادة من هذه الانفجارات للضغط بهذا الاتجاه أو ذاك.

رأس الأفعى
بادرت وبعد بثي للخبر إلى الاتصال بلجان التحقيق الباكستانية التي كانت تعاين السيارات التي استخدمت في التفجير، واستطلعت آراءهم ونقلت ما استطعت جمعه من معلومات عن التحقيق والانفجارات، والتي أكدت أن قوة تمثل دولة عظمى متقدمة تقنياً وتملك من وسائل الرصد والمعلومات والخبرات هي التي تقف وراء هذه التفجيرات، كما أنني عضدت هذا بآراء بعض المحللين الباكستانيين الذين تحدثوا وأمام مسئولين من السفارة الأمريكية، فاتهموا المخابرات الأمريكية بالوقوف خلف التفجيرات، للضغط على الحكومة العسكرية الجديدة وإجبارها على التعاون مع الحكومة الأمريكية في موضوع أسامة بن لادن وضرورة أن تسلمه طالبان إلى الولايات المتحدة التي تتهمه بالوقوف خلف تفجيرات شرق إفريقيا.
وكانت محاضر التحقيق الباكستانية تصب كلها في هذا الاتجاه، كما علمت من اللجان المسئولة. لكن بعض الجهات المرتبطة بدول أخرى على خلاف مع باكستان أو الحكومة الأفغانية بدأت تنظر إلى المسألة من زاوية أن الذين نفذوا هذه التفجيرات ربما يكونون على صلة بطالبان وأسامة بن لادن! وذلك رداً على العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على طالبان لعدم رضوخها لإملاءات واشنطن. وقد نقلت عن أجهزة التحقيق الباكستانية ما ينفي هذه الاحتمالات وأشرت إلى ما توصلت إليه لجان التحقيق المختصة. وقد أزعج هذا الكلام جهات كانت تريد استخدام هذه الانفجارات لخدمة مصالحها، هذا إن لم يكن لها علاقة أصلاً بهذه الانفجارات.



دسيسة جديدة . . . لكنها فاشلة !
بعد أيام قلائل فوجئت بمسئول في لجان التحقيق يكلمني ويقول ((إن إحدى السفارات الأجنبية حاولت عن طريق أحد مخبريها في إسلام أباد الزج بأسماء بعض العرب في هذه التفجيرات والإيحاء بأنها من صنع مؤيدي طالبان وأن هذه السفارة سعت بطريقة ما إلى إيقاعنا في خدعة كانوا يريدون توريطنا فيها)). وعلمت منه أن تلك السفارة ((كانت تريد إيهام الجهات الأمنية الباكستانية بوجود فوائد في اقتحام منزلي وتفتيشه مع مصادرة كل أوراقي، وأن المخطط كان على أن يتم تسريب خبر اعتقالي واقتحام منزلي مباشرة لكافة وسائل الإعلام بعد قيام رجال الأمن بعملية الاقتحام ، وستعمل هذه الوسائل على نشره مباشرة، قائلة إنه تم اعتقال المشتبه بتورطه في حوادث التفجير!!!. ولحين الانتهاء من التحقيق والتدقيق يكون الخبر قد انتشر وتكون سمعتي قد شوهت وهو المطلوب على أقل التقديرات!!)).
. . . . . .
لكن الله شاء أمراً آخر . . . !!
بعض كبار المسئولين في الأجهزة الأمنية الباكستانية وهم ممن أحسبه مخلصين لبلادهم ودينهم، شكوا في صحة المعلومات التي وصلتهم عن طريق صحفي مخبر يعمل لتلك السفارة، وبعد التمحيص أدركوا ما وراء تسريب مثل هذه المعلومات، فأحجموا عما كان يراد لهم القيام به.
لكن هذا لم يكن الخاتمة، سواء بالنسبة لما واجهته في باكستان، أو لما بيني وبين الجزيرة، أو لما بين الشيخ أسامة بن لادن وبيني وبين الجزيرة، وهي معلومات أرجو الله أن تتاح لها الفرصة كي ترى النور قريبا، إن شاء الله.
انتهى الكتاب بحمد الله.





خاتمة

وبعد، فإني أريد أن أختم هذا الكتاب ببيان بعض الأمور التي لا يستغني عن بيانها ولا بد للقارئ أن يكون على بصيرة منها.
أولا: أنني لم اكتب ما كتبت، بقصد الإساءة إلى أحد، ولا لاسترضاء أحد، وإنما هي نفثة مصدور ، وأنة محزون على الجو الذي يسود بلادنا، جو كبت الحريات وخنق الآراء، وإن شرف الكلمة ليلزمني لأن أكتب ما كتبت ابتغاء وجه الله أولا وحتى لا تضيع الحقيقة في ضباب النسيان، ولو أن المناخ الفكري السائد في بلادنا يسمح بحرية الرأي والتعبير لما كان لي أن أكتب ما كتبت. ولكان في وسائل النشر من تلفاز وإذاعة وصحافة ما أغناني عن تجشم هذه الصعاب.
ثانيا: نحن أصحاب قضية، رضعنا البارود مع حليب أمهاتنا، ومن الملاحظ أن أكبر العوامل التي تحفز الشباب إلى العمل والحركة بعد الإيمان بالله هي قضية فلسطين وما يتصل بها، بصرف النظر عن عرقياتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم، وبما أنني ابن القضية التي اصطليت بنارها أنا وأهلي فحق لي أن أضحي في سبيل نشر ما يتصل بهذه القضية مما من شأنه أن يساهم في رفع الظلم عن أهلي وأبناء وطني.
ثالثا: إنني كتبت ما كتبت وتحملت ما شاء الله لي أن أتحمل وأنا أعرف أن هذا الكلام قد يغضب جهات ويسخط أخرى، ولكن شهد الله أني ما أردت أن أتملق أحدا، ولا أن أنال حظوة عند هذا أو ذاك، وإنما أردت أن يكون القارئ في بلادنا على بصيرة من قضاياه الخطيرة لا سيما قضية المسلمين الأولى، فلسطين العزيز.
هذا ومما لا بد أن أشير إليه هو أنني لا أريد ثمناً من أحد ولم أسع للكسب المادي الرخيص، ولو كنت أسعى لذلك لحصلت من عدم النشر أضعاف أضعاف جراء ما أحصله من النشر، ودون كسب عداوات. ولكن أصحاب الذمم الرخيصة والضمائر المتعفنة يحسبون أن العقول والآراء يمكن أن يساوم عليها، وسبيل هذا أن يكون مع أصحاب النفوس المريضة، أما أنا فإني أربأ بنفسي عن هذه المزايدات الخسيسة. وللقارئ الكريم أن يلتمس لي العذر وقد بذلت جهدي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، وأقول كما يقول الصالحون:
اللهم اغفر لي ولجميع من أساءوا إلي من المسلمين.






المرصد الإعلامي الإسلامي

المرصد الإعلامي الإسلامي هيئة حقوقية، إعلامية، إسلامية تهتم بقضايا المسلمين في أنحاء الأرض قاطبة ومركزه العاصمة البريطانية .
ونوضح أنه من المرتكزات الأساسيّة التي من أجلها أسّس المرصد الإعلامي الإسلامي :
1- نصرة المستضعفين وإحقاق الحق حيث كان .
2- توفير منبر إعلامي للهيئات والشخصيات الإسلاميّة التي تعوزها الحاجة وضعف الإمكانيات للتعبير عن نفسها والمطالبة بحقوقها.
3- دفع الشبهات وإبطال الأباطيل التي تروّج لها وسائل الإعلام المأجورة ضدّ الإسلام والمسلمين.
4- إيجاد صوت إسلامي يسهم في طرح القضايا المصيريّة والواقعيّة من منظور إسلامي .
كما أن المرصد الإعلامي الإسلامي مستقل ولا يقبل الهيمنة ، وهو ذاتي الانطلاق ويرفض أي شكل من أشكال التبعية ، وهو كذلك عالمي التوجه لأن الدعوة التي يخدمها دعوة عالمية ، فهو لا يصطدم بالحواجز الإقليمية، أو القومية ، أو الدولية ليرتد إلى أصحابه ، بل يتخطّاها ولا يعترف بوجودها، ومن أهم سماته التي تميزه أنه في خدمة المبدأ وفي خدمة الفكرة الإسلامية والدعوة لها، وبما أن المرصد يعمل في حقل الإعلام فإنه مقتنع بأن الإعلام هو وسيلة لخدمة الإسلام وليس الإسلام في خدمة الإعلام .
كما أن المرصد الإعلامي الإسلامي منبر ونصير للحق وأهله أينما كانوا، وسيف مسلط على الظلم والظالمين والباطل وأهله في كل مكان ، ولأن مسئوليتنا أولاً وأخيراً هي أمام الله العزيز الجبار لذا نتبع أسلوب الصراحة والصدق والتوثيق والوضوح والدقة في أخبارنا وتزويد الناس بالأخبار الصحيحة، ويهمنا إظهار الحقائق لوجه الله للرأي العام ولمن يهمه الأمر.

لجنة حقوق الإنسان الدولية :
جاء الإسلام داعياً إلى العدل المطلق ، ووجوب إقامته بين الناس جميعاً دون نظر إلى لون أو جنس أو قرابة أو صداقة أو عداوة أو غير ذلك ، قال الله تعالى :
} يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمّنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اِعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {.
ولقد أكدت الشريعة الإسلامية على صيانة حقوق الإنسان حيث حرمت انتهاك حقوقه المشروعة وكفلت حرمة دمه وماله وعرضه ومنع كل اعتداء على ذلك ، كما أكدت الشريعة على ضمان خصوصيات الفرد ، وتضافرت الأدلة القطعية الصريحة من الكتاب والسنة على وجوب حفظ كرامة الإنسان وصيانة ما قررته الشريعة من حقوق أساسية للأفراد والجماعات .
وحرم الإسلام الظلم بكل أنواعه ، ففي الحديث القدسي " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا " كما فرضت الشريعة على المسلمين نصرة المظلوم ورفع الظلم .

الأهداف:
* المساهمة في مراعاة حقوق الإنسان المسلم في أنحاء الأرض قاطبة، وهي الحقوق المنصوص عليها في البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام ( كورقة عمل مؤقتة )
** العمل على تعزيز الـوعي والتمسك والحفاظ على حماية وتشجـيع احترام حــقوق الإنسان ، حيث أوجـبت الشريعة تأمين حقوق الإنسان بأن جعلت الدولة مسؤولة تجاه رعاية شؤون كافة رعاياها وحمايتهم ، وإيصال الحقوق إليهم والعدل بينهم وحرمت على الدولة كل حيف أو جور بين أفراد رعيتها بسبب الطائفة أو الجنس أو اللون أو القبيلة أو غير ذلك .
*** معارضة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المسلم، وحق كل شخص في سلامة بدنه وعقله والحرص على حياته وخصوصاً معارضة ما يلي :
* معارضة اعتقال أي شخص دون تقديمه لمحاكمة عادلة في ظرف فترة محدود، أو أي محاكمات لهم لا تتفق والمعايير المعترف بها والمتعارف عليها.
* معارضة عقوبة الإعدام التي تصدر من محاكم استثنائية أو محاكم غير معترف بها دولياً ـ خارج سلطان الشريعة السمحاء وحسب الإجراءات التي تقرها - أو إعدام الأشخاص خارج نطاق القضاء ، وحالات الاختفاء القسري ، ولقد منعت الشريعة من إنزال العقاب على جرم إلا بعد ثبوته بالبينة الشرعية ووفق الدليل الشرعي ، كما حرصت على قاعدة بـراءة الذمة حتي تثبت إدانته شرعاً ، بأن جعلت الأصل براءة الذمة وعدالة المسلم ، وأكدت على درء الحدود بالشبهات وعلى أن خطأ الإمام في العفو خير من خطئه في العقوبة كل هذا من أجل صيانة حقوق العباد وحرمة انتهاك أو سلب أي منها .
* معارضة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبات اللا إنسانية للسجناء والمعتقلين، حيث أن الشريعة الإسلامية حرمت التعذيب مطلقاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" وقال أيضاً: " من جلد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان" .
* معارضة ترحيل الأشخاص من بلد إلى بلد آخر خاصة إذا كانوا سيواجهون خطر التعذيب أو الموت .
* الإعلان عن حالات السجناء والمعتقلين وغيرهم أو من انتهكت حقوقهم .

الوسائل والسياسات العامة :
* التعاون والتنسيق مع المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بحقوق الإنسان .
* تقديم الاحتجاجات إلى المنظمات الدولية والحكومات على ممارسات وانتهاكات حقوق الإنسان.
* تقديم الغوث المادي وغيره من أشكال الإغاثة الإنسانية إلى السجناء ومن يعولونهم .
* إصدار البيانات والنشرات والدوريات وإقامة الندوات والمؤتمرات حول قضية حقوق الإنسان في الإسلام ، والمشاركة في الندوات والمؤتمرات التي لا تتعارض مع توجهاتنا وتتوافق مع أهدافنا .
* السعي لاستثمار وسائل الضغط المشروعة ومحاولة التأثير على الرأي العام المحلي والعالمي عبر وسائل الإعلام وذلك من أجل نصرة المستضعفين وإحقاق الحق حيث كان .
* تلتزم اللجنة المنهج الإسلامي في عملها وتلتزم أسلوب النقد الهادف والبناء .
· تتعاون اللجنة مع جميع الهيئات والمنظمات التي تسعى بالوسائل المشروعة لرفع الظلم وإحقاق الحق سواءً حقوق الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات .

البواعث :
عدم وجود قنوات وهيئات ومنظمات تتبنى قضايا حقوق الإنسان المسلم، بل إن بعض المنظمات لا تدافع عن قضايا المسلمين وكأنهم ساقطوا القيد من كشوف الآدميين .



فهرس الكتاب
الإهداء 3
محتويات الكتاب 5
المقدمة 11
الفصل الأول
محاولات الجزيرة اللقاء مع الظواهري لابتزاز الحكومة المصرية 25
الفصل الثاني
المحاولة الثانية لمقابلة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري 49
الفصل الثالث
المحاولة الثالثة بعد القصف الأمريكي على أفغانستان 61
الفصل الرابع
محاولات جديدة للجزيرة لابتزاز مصر 67
الفصل الخامس
كيفية الوصول إلى أسامة بن لادن في أفغانستان 89
الفصل السادس
نص المقابلة مع أسامة بن لادن 101
الفصل السابع
اللقاء مع الدكتور أيمن الظواهري ونص المقابلة 157
الفصل الثامن
ما بعد المقابلتين 197
الفصل التاسع
اختفاء أسامة بن لادن في أفغانستان 229
الفصل العاشر
برنامج الجزيرة : تدمير القاعدة !! 245
الفصل الحادي عشر
محاولات الهجوم على أفغانستان في أغسطس1999 263
الفصل الثاني عشر
قرار الإبعاد من باكستان 283
* خاتمة 309
* تعريف بالمرصد الإعلامي الإسلامي 311



يصدر للمؤلف قريباً بمشيئة الله :

طالبان

رؤيتها السياسية والدينية
موقفها من مختلف الأحداث
مشاهدات في أفغانستان
مقابلات مع قادة الحركة
ظاهرة الأفغان العرب : النشأة والتطور ، المصير

رؤية عن قرب للمؤلف
الذي عاصر نشوء الظاهرة وتطورها وتعرف على كثير من أفرادها وقياداتها في بيشاور وأفغانستان .

أبو ناصر 19-05-2005 06:06 PM

يعطيك العافيه ياهداج على طرح هذا الكتاب

ولاهنت يالسنافي


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 02:11 AM .

مجالس العجمان الرسمي