الدوله العثمانيه
الدولة العثمانية (1) : جذور الأتراك وأصولهم ومواطنهم في منطقة ما وراء النهر والتي نسميها اليوم ( تركستان ) والتي تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقاً إلى بحر الخزر ( بحر قزوين ) غرباً ، ومن السهول السيبرية شمالاً إلى شبه القارة الهندية وفارس جنوباً ، استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو الأتراك . ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، في الانتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى في هجرات ضخمة ، وذكر المؤرخون مجموعة من الأسباب التي ساهمت في هجرتهم ، فالبعض يرى أن ذلك بسبب عوامل اقتصادية ، فالجدب الشديد وكثرة النسل جعلت هذه القبائل تضيق ذرعاً بمواطنها الأصلية فهاجرت بحثاً عن الكلأ والمراعي والعيش الرغيد ، والبعض الآخر يعزو تلك الهجرات لأسباب سياسية حيث تعرضت تلك القبائل لضغوط كبيرة من قبائل أخرى أكثر منها عدداً وعدة وقوة وهي المغولية فأجبرتها على الرحيل لتبحث عن موطن آخر وتترك أراضيها بحثاً عن نعمة الأمن والاستقرار. واضطرت تلك القبائل المهاجرة أن تتجه غرباً ، ونزلت بالقرب من شواطئ نهر جيحون ، ثم استقرت بعض الوقت في طبرستان وجرجان ، فأصبحوا بالقرب من الأراضي الإسلامية والتي فتحها المسلمون بعد معركة نهاوند سنة 21 هـ . في عام 22 هـ تحركت الجيوش الإسلامية إلى بلاد الباب لفتحها وكانت تلك الأراضي يسكنها الأتراك ، وهناك التقى قائد الجيش الإسلامي عبد الرحمن بن ربيعة بملك الترك شهربراز ، فطلب من عبد الرحمن الصلح وأظهر استعداده للمشاركة في الجيش الإسلامي لمحاربة الأرمن ، فأرسله عبد الرحمن إلى القائد العام سراقة بن عمرو ، الذي قبل منه ذلك وكتب يعلم عمر بن الخطاب بذلك فوافقه عليه ، وعقد الصلح ولم يقع بين المسلمين والترك قتال ، بل ساروا جميعاً لفتح بلاد الأرمن . وزالت دولة الفرس وتم الاتصال بالشعوب الإسلامية واعتنق الأتراك الإسلام وانضموا لصفوف المجاهدين . وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه تم فتح بلاد طبرستان ، ثم عبر المسلمون نهر جيحون سنة 31 هـ ونزلوا بلاد ما وراء النهر ، فدخل كثير من الترك في دين الإسلام . وواصلت الجيوش الإسلامية تقدمها في تلك الأقاليم ، فتم فتح بلاد بخارى في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وتوغلت تلك الجيوش حتى وصلت سمرقند ، حتى صارت جميع تلك الأقاليم تحت الحكم الإسلامي . وزاد عدد الترك في بلاط الخلفاء والأمراء العباسيين وشرعوا في تولي المناصب القيادية والإدارية في الدولة ، فكان منهم الجند والقادة والكتاب ، وقد التزموا بالهدوء والطاعة حتى نالوا أعلى المراتب . ولما تولى المعتصم العباسي الخلافة فتح الأبواب أمام النفوذ التركي وأسند إليهم مناصب الدولة القيادية وأصبحوا يشاركون في تصريف شؤون الدولة ، مما أدى إلى سخط شديد لدى الناس والجند فخشي المعتصم من نقمة الناس فأسس مدينة جديدة هي سامراء وسكنها هو وجنده وأنصاره . وهكذا ظهر الأتراك وعلا شأنهم حتى أسسوا لهم دولة كبيرة كانت على صلة بخلفاء الدولة العباسية عرفت بالدولة السلجوقية . الدولة العثمانية لعلي محمد صلابي ، ص25 |
الدولة العثمانية (2) : الأناضول قبل العثمانيين كانت بلاد الأناضول أو آسيا الصغرى من ضمن أملاك الإمبراطورية البيزنطية قبل الإسلام ، ولما جاء الإسلام قضى على الإمبراطورية الفارسية ، وانتزعت الدولة الإسلامية من الإمبراطورية البيزنطية بلاد الشام ومصر ثم سائر الشمال الإفريقي، أما بلاد الأناضول فقد تمكن المسلمون من انتزاع أجزائها الشرقية من أطراف أرمينيا ، ومن ناحية أخرى حاصر المسلمون القسطنطينية منذ عام 50 هـ في أيام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما غير أنهم عجزوا عن فتحها ، وتكرر الغزو مرات ولكنهم لم يوفقوا فيه ، وبقيت قاعدة للإمبراطورية البيزنطية ، وبقيت ذرا جبال طوروس حداً فاصلاً بين المسلمين والبيزنطيين مدة أيام الدولة الأموية ، وقد أقيمت الثغور على تلك الذرا ، وتتعاقب الصوائف والشواتي على تلك الثغور وعلى أعمال الغزو والجهاد التي ما انقطعت ، واشتهر من القادة مسلمة بن عبد الملك ومروان بن محمد بن عبد الملك الذي أصبح خليفة فيما بعد . وجاء العباسيون وعملوا على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية الخاضعة لهم ، وكان الخليفة المهدي يستقدم الأتراك من فرغانة وبلخ ويسكنهم الثغور وكلها في المنطقة الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم . وقد زاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم ، وكانت أعمال الجهاد تتجاوز الثغور أحياناً وتدخل إلى الجهات الغربية ، ودخل المعتصم عمورية وهي تبعد عن منطقة الثغور أكثر من خمسمائة كيلومتر ، وخرب المعتصم المدينة ، وأحرقها . وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة ، وغدت الثغور الأناضولية تحت إمرتهم ، وكانوا يخضعون للخليفة العباسي في بغداد ، أو للحمدانيين في حلب ، أو للطولونيين في الفسطاط ، ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم ، وكانت الحروب سجالاً ، بين مد وجزر. وضعفت الدولة العباسية وفكر الإمبراطور البيزنطي بالقضاء على الدولة العباسية ، وفي هذا الوقت كان السلاجقة الأتراك قد وصلوا إلى غربي الدولة ، ودخل زعيمهم طغرل بك بغداد ، وأصبح السيد المطاع فيها ، وبدأ صراعه مع الروم ، فاتجه إلى ديار بكر ، وقاتل البيزنطيين وانتصر عليهم ، وعقد معهم هدنة ، واشترط فيها بناء مسجد القسطنطينية ، فأقيم المسجد وأقيمت فيه الصلاة والجمعة ، وخطب لطغرل بك فيه .وتوفي طغرل بك فخلفه ابن أخيه سليمان بن داود ، غير أن أخاه ألب أرسلان قد ثار عليه وتسلم الأمر ، ودخل مع الروم في الحرب وانتصر عليهم انتصاراً حاسماً في معركة ملاذكرت عام 463 ( اقرأ تفاصيل المعركة في قسم منعطفات ، إن شئت ) . وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول حتى الجهات الغربية فملؤوها ، وأسسوا أمارات فيها ، ثم قتل ألب أرسلان عام 465 على يد كمين نصب له وهو في طريقه إلى الصين . وتمكن هؤلاء السلاجقة الذين انتشروا في الأناضول أن يقدموا خدمات للمسلمين في أول أمرهم إذا استردوا من الروم بعض الأجزاء التي سبق لهم أن أخذوها من المسلمين ومنها أنطاكية ومنبج ، وتأسست أمارات سلجوقية في الأناضول وأرمينيا ومن أبرزها التي أسسها سليمان بن قطلمش بن أرسلان بن سلجوق والتي كان مقرها قونية والتي أطلق عليها سلاجقة الروم ، ثم أعقبها قيام إمارات أخرى . وفي الوقت نفسه قامت دويلات أرمنية في أرمينيا ، وأسس الأرمن الذين فروا من وجه السلاجقة واتجهوا إلى الغرب دويلة في كيليكيا مقرها أضنة ، وبقيت قائمة حتى انهارت على يد المغول ، وزاد توسع السلاجقة وانتشارهم في الأناضول في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان . وجاء الصليبيون عام 489 بدافع صليبي وحقد ، وإن كانوا قد احتجوا بأن السلاجقة يسيئون معاملة النصارى وهم في طريقهم إلى القدس ، واستطاع هؤلاء الصليبيون أن يجتازوا الأناضول التي يعمرها السلاجقة ، وأن يفصلوا المناطق الغربية عن المناطق الداخلية ، وفي الوقت نفسه فقد أسسوا إمارة صليبية في الرها ، ودعمهم الأرمن الذين كانت لهم دويلة في كيليكيا ، واضطر الأمير السلجوقي قليج أرسلان صاحب نيقية أن ينقل مقر أمارته من نيقية إلى قونية ، ثم اختلف الإمبراطور البيزنطي مع الصليبيين فتركهم وشأنهم ، واتجه لاسترداد بعض أملاك السلاجقة فدخل أزمير وأفسوس لانقطاع هذه المناطق عن بقية السلاجقة في الداخل بالصليبيين . وقامت الحروب الصليبية في بلاد الشام ووقف آل زنكي في وجههم ، وتوفي نور الدين محمود ، وقام صلاح الدين الأيوبي بالجهاد ، وانتصر على الصليبيين ودخل القدس ، وبموته انفرط عقد الدولة الأيوبية وتفرقت كلمة أمرائها ، واستقل كل من أولاده في جزء منها ، ولم تكن هناك دولة أيوبية واحدة ، ولم تجد تدخلات الخليفة العباسي للصلح بينهم . وفي هذه الأثناء بدأ الهجوم المغولي من الشرق ، فخاف بعض الحكام فانضموا إليه ، وحدث اجتماع لهؤلاء الذين تحالفوا مع المغول عام 634، وتقدم المغول نحو الغرب ، ووقعت بلاد سلاجقة الروم عام 641 هـ تحت سيطرة المغول ، واستسلم أمراؤها لهم ، وصاروا معهم حرباً على المسلمين ، وفتحوا بلادهم لهم ، وهادن أمير الموصل هولاكو ، ويعد الأراتقة في ماردين عمالاً للمغول ، وساهم ملك الأرمن في احتلال بغداد ، ومشى مع المغول نحو القدس ليملكها ، ولم يتعرض المغول فعلاً للنصارى بل كانت بيوتهم آمنة في بغداد ودمشق . ثم هزم المغول في عين جالوت عام 658 ، وخرجوا من بلاد الشام ، فسار الظاهر بيبرس عام 675 إلى بلاد سلاجقة الروم لينتقم منهم ، والتقى بهم وبحلفائهم المغول والكرج في معركة البستان شمال مرعش ، وانتصر عليهم انتصاراً مبيناً ، ثم سار حتى فتح عاصمتهم قيصرية ، وقد أحسن إلى أهلها ، وأعطاهم الأمان ، وخطب له في مساجدها . ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم ، وقامت عدة إمارات في الأناضول التي كانت متنافسة مع بعضها البعض ، وتنتقل المدن من يد إمارة إلى أخرى أو المناطق ثم تعود للإمارة الأولى عندما تتقوى أو تجد لها دعماً ، حتى قضت الدولة العثمانية عليها جميعاً في أوقات متفاوتة . التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/41 |
الدولة العثمانية (3 ) : قيام الدولة العثمانية ينتسب العثمانيون إلى قبيلة قاتي التركمانية والتي كانت عند بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادي تعيش في كردستان ، وتزاول حرفة الرعي ، ونتيجة للغزو المغولي بقيادة جنكيزخان نحو الغرب قاصداً دولة خوارزم بالدرجة الأولى ، ثم توجه بعد ذلك نحو العراق ومناطق شرق آسيا الصغرى ، وكان يرأسهم ( سليمان شاه بن قيا ألب ) جد عثمان ، الذي قرر الهجرة في عام 617 هـ الموافق 1220م مع قبيلته وفيها ألف فارس من كردستان إلى بلاد الأناضول فاستقر في مدينة أخلاط – تقع في شرق تركيا الحالية – . ولما هدأت موجة المد المغولي رغب في الرجوع إلى موطنه الأول ، وتابع إلى ديار بكر ، واتجه نحو الرقة ، وأراد عبور نهر الفرات فهوى فيه وغرق عام 628 هـ ، فدفن هناك قرب قلعة جعبر . واختلف أبناؤه الأربعة في الطريق التي يجب أن يسلكوها ، أما ابنه الأكبـر (سنقورتكن ) فقد حقق رغبة أبيه ورجع مع أخيه ( كون طغري ) إلى موطنهـم الأول ، وكان ( سنقورتكن ) هو الذي تولى إمرة القبيلة وزعامتها بعد موت أبيه ، وأما أخواه الآخران وهما ( أرطغرل ) و ( دندان ) فقد عادا أدراجهما ، وكـان ( أرطغرل ) الأوسط وزعيم المجموعة المتبقية من القبيلة ، والذي واصل تحركه نحو الشمال الغربي من الأناضول ، وكان معه حوالي مائة أسرة وأكثر من أربعمائة فارس. وأرسل أرطغرل ابنه ( ساوجي ) ليطلب من الأمير علاء الدين السلجوقي أمير إمارة قرمان أرضاً تعيش فيها القبيلة كي لا تقع في نزاعات ، غير أن ساوجي لم يعد إلى أبيه إذ توفي الطريق . وفي هذه الأثناء إذ بأرطغرل يسمع عن بعد جلبة وضوضاء ، فلما دنا منها وجد قتالاً حامياً بين مسلمين ونصارى ، وكانت كفة الغلبة للجيش البيزنطي ، فما كان من أرطغرل إلا أن تقدم بكل حماس وثبات لنجدة إخوانه في الدين والعقيدة ، فكان ذلك التقدم سبباً في نصر المسلمين على النصارى . وبعد انتهاء المعركة قدر قائد الجيش الإسلامي السلجوقي الأمير علاء الدين السلجوقي هذا الموقف لأرطغرل ومجموعته ، فأقطعهم أرضاً في الحدود الغربية للأناضول بجوار الثغور في الروم ، وأتاحوا لهم بذلك فرصة توسيعها على حساب الروم ، وكانت مساحة هذه الأرض 2000 كيلومتر مربع استطاع أرطغرل أثناء جهاده ضد البيزنطيين توسيعها إلى 4800 كيلو متر مربع . وحقق السلاجقة بذلك حليفاً قوياً ومشاركاً في الجهاد ضد الروم ، وقد قامت بين هذه الدولة الناشئة وبين سلاجقة الروم علاقة حميمة نتيجة وجود عدو مشترك لهم في العقيدة والدين ، وقد استمرت هذه العلاقة طيلة حياة أرطغرل ، حتى إذا توفي سنة 687 هـ خلفه من بعده في الحكم ابنه عثمان الذي سار على سياسة أبيه السابقة في أراضي الروم ، والذي إليه تنسب الدولة العثمانية فهو مؤسسها وأول حكامها . وليس صحيحاً ما يقال من أن عثمان هو أول من أسلم من تلك القبيلة ، فإن القبيلة كانت مسلمة بالأصل قبل أن ترحل من مكانها الأول مع جده ، إذ معروف أن هذه القبيلة تركمانية ، وكلمة تركمان تطلق على الترك الذين يعتنقون الإسلام ، واسم زعيمها سليمان دليل على ذلك . التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/59 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص 51 ، وتاريخ الدولة العثمانية ، ص 11 |
الدولة العثمانية (4) : عثمان بن أرطغرل المؤسس لقد تعاقب على إمارة السلطنة العثمانية قبل أن تعلن نفسها خلافة إسلامية سلاطين أقوياء ، ويعتبر عثمان بن أرطغرل هو مؤسس الدولة وبانيها ، فماذا صنع عثمان : لقد بدأ عثمان يوسع إمارته فتمكن أن يضم إليه عام 688 قلعة قره حصا (القلعة السوداء) أو أفيون قره حصار ، فسر الملك علاء الدين بهذا كثيراً. فمنحه لقب (بيك). والأراضي التي يضمها إليه كافة ، وسمح له بضرب العملة ، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة. وفي عام 699 أغارت المغول على إمارة علاء الدين ففر من وجههم ، والتجأ إلى إمبراطور بيزنطية ، وتوفي هناك في العام نفسه ، وإن قيل أن المغول قد تمكنوا من قتله ، وتوليه ابنه غياث الدين مكانه ، ثم إن المغول قد قتلوا غياث الدين ، ففسح المجال لعثمان إذ لم تعد هناك سلطة أعلى منه توجهه أو يرجع إليها في المهمات ، فبدأ يتوسع ، وإن عجز عن فتح أزميد (أزميت) ، وأزنيق (نيقية) رغم محاصرتهما ، واتخذ مدينة (يني شهر) أي المدينة الجديدة قاعدة له ، ولقب نفسه باديشاه آل عثمان. واتخذ راية له ، وهي علم تركيا اليوم ، ودعا أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام ، فإن أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية ، فإن رفضوا فالحرب هي التي تحكم بينه وبينهم ، فخشوا على أملاكهم منه ، فاستعانوا بالمغول عليه ، وطلبوا منهم أن ينجدوهم ضده ، غير أن عثمان قد جهز جيش بإمرة ابنه أورخان الذي قارب الثلاثين من العمر ، وسيره لقتال المغول فشتت شملهم . ثم عاد واتجه إلى بورصة (بروسة) فاستطاع أن يدخلها عام 717 وتعد من الحصون الرومية المهمة في آسيا الصغرى ، وأمن أهلها وأحسن إليهم فدفعوا له ثلاثين ألفاً من عملتهم الذهبية ، وأسلم حاكمها (أفرينوس) ، فمنحه عثمان لقب بيك ، وأصبح من القادة العثمانيين البارزين. وتوفي عثمان عام 726 ، وقد عهد لابنه أورخان بالحكم بعده. أهم الصفات القيادية في عثمان : 1- الشجاعة : عندما تنادى أمراء النصارى في بورصة ومادانوس وأدره نوس وكته وكستله البيزنطيون في عام 700هـ لتشكيل حلف صليبي لمحاربة عثمان واستجابت النصارى لهذا النداء وتحالفوا تقدم عثمان بجنوده وخاض الحروب بنفسه وشتت الجيوش الصليبية وظهرت منه شجاعة أصبحت مضرب المثل . 2- الحكمة : لقد رأى من الحكمة أن يقف مع السلطان علاء الدين ضد النصارى ، وساعده في افتتاح جملة من مدن منيعة ، وعدة قلاع حصينة ، ولذلك نال رتبة الإمارة من السلطان السلجوقي علاء الدين. وسمح له سك العملة باسمه ، مع الدعاء له في خطبة الجمعة في المناطق التي تحته. 3- الإخلاص : عندما لمس سكان الأرضي القريبة من إمارة عثمان إخلاصه للدين تحركوا لمساندته والوقوف معه لتوطيد دعائم دولة إسلامية تقف سداً منيعاً أمام الدولة المعادية للإسلام والمسلمين. 4- الصبر : وظهرت هذه الصفة في شخصيته عندما شرع في فتح الحصون والبلدان ، ففتح في سنة 707هـ حصن كته ، وحصن لفكة ، وحصن آق حصار ، وحصن قوج حصار. وفي سنة 712هـ فتح صحن كبوه وحصن يكيجه طرا قلوا ، وحصن تكرر بيكاري وغيرها ، وقد توج فتوحاته هذه بفتح مدينة بروسة في عام 717هـ ، وذلك بعد حصار صعب و شديد دام عدة سنوات ، كان من أصعب ما واجهه عثمان في فتوحاته. 5- الجاذبية الإيمانية : وتظهر هذه الصفة عندما احتك به اقرينوس قائد بروسه واعتنق الإسلام أعطاه السلطان عثمان لقب (بك) وأصبح من قادة الدولة العثمانية البارزين فيما بعد ، وقد تأثر كثير من القادة البيزنطيين بشخصية عثمان ومنهجه الذي سار عليه حتى امتلأت صفوف العثمانيين منهم ، بل إن كثيراً من الجماعات الإسلامية انخرطت تحت لواء الدولة العثمانية كجماعة (غزياروم) أي غزاة الروم ، وهي جماعة إسلامية كانت ترابط على حدود الروم وتصد هجماتهم عن المسلمين منذ العصر العباسي ، وجماعة (الإخيان) (أي الإخوان) وهم جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويستضيفونهم ويصاحبون جيوشهم لخدمة الغزاة ويتولون إقامة المساجد والتكايا و الفنادق، وجماعة (حاجيات روم) أي حجاج أرض الروم ، وكانت جماعة على فقه بالإسلام ومعرفة دقيقة لتشريعاته ، وكان هدفها معاونة المسلمين عموماً والمجاهدين خصوصاً وغير ذلك من الجماعات. 6- عدله : تروى معظم المراجع التركية التي أرخت للعثمانيين أن أرطغرل عهد لابنه عثمان مؤسس الدول العثمانية بولاية القضاء في مدينة قره جه حصار بعد الاستيلاء عليها من البيزنطيين في عام 684هـ ، وأن عثمان حكم لبيزنطي نصراني ضد مسلم تركي ، فاستغرب البيزنطي وسأل عثمان : كيف تحكم لصالحي وأنا على غير دينك ، فأجابه عثمان : بل كيف لا أحكم لصالحك ، والله الذي نعبده ، يقول لنا : ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) فاهتدى الرجل وقومه إلى الإسلام. لقد عثمان استخدم العدل مع رعيته وفي البلاد التي فتحها ، فلم يعامل القوم المغلوبين بالظلم أو الجوار أو التعسف أو التجبر ، أو الطغيان ، أو البطش . 7- الوفاء : كان شديد الاهتمام بالوفاء بالعهود ، فعندما اشترط أمير قلعة اولوباد البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني ، أن لا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل القلعة التزم بذلك وكذلك من جاء بعده. 8- التجرد : فلم تكن أعماله وفتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك ، بل كان فرصة تبليغ دعوة الله ونشر دينه ولذلك وصفه المؤرخ احمد رفيق بأنه (كان عثمان متديناً للغاية ، وكان يعلم أن نشر الإسلام وتعميمه واجب مقدس وكان مالكاً لفكر سياسي واسع متين ، ولم يؤسس عثمان دولته حباً في السلطة وإنما حباً في نشر الإسلام). ويقول مصر أوغلو : " لقد كان عثمان بن أرطغرل يؤمن إيماناً عميقاًً بأن وظيفته الوحيدة في الحياة هي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، وقد كان مندفعاً بكل حواسه وقواه نحو تحقيق هذا الهدف . لقد كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة بسبب إيمانه العظيم بالله تعالى واليوم الآخر ، ولذلك لم تطغ قوته على عدالته ، ولا سلطانه على رحمته ، ولا غناه على تواضعه ، وأصبح مستحقاً لتأييد الله وعونه ، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة ، فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في آسيا الصغرى من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار ، لقد كانت رعاية الله له عظيمة ولذلك فتح له باب التوفيق وحقق ما تطلع إليه من أهداف وغاية سامية . الدستور الذي سار عليه العثمانيون : كانت حياة الأمير عثمان جهاداً ودعوة في سبيل الله ، وكان علماء الدين يحيطون بالأمير ويشرفون على التخطيط الإداري والتنفيذ الشرعي في الإمارة، ولقد حفظ لنا التاريخ وصية عثمان لابنه أورخان وهو على فراش الموت وكانت تلك الوصية فيها دلالة حضارية ومنهجية شرعية سارت عليها الدولة العثمانية فيما بعد، يقول عثمان في وصيته : ( يا بني : إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين ، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلاً.. يا بني : أحط من أطاعك بالإعزاز، وأنعم على الجنود ، ولا يغرك الشيطان بجندك وبمالك ، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.. يا بني : إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين ، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق ، فتحدث مرضات الله جل جلاله .. يا بنى : لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة الحكم أو سيطرة أفراد ، فنحن بالإسلام نحيا ونموت ، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل) . وفي كتاب (التاريخ السياسي للدولة العلية العثمانية) تجد رواية أخرى للوصية ( اعلم يا بني ، أن نشر الإسلام ، وهداية الناس إليه ، وحماية أعراض المسلمين وأموالهم ، أمانة في عنقك سيسألك الله عز وجل عنها) . وفي كتاب ( مأساة بني عثمان ) نجد عبارات أخرى من وصية عثمان لابنه أورخان تقول : ( يا بني ، أنني انتقل إلى جوار ربي ، وأنا فخور بك بأنك ستكون عادلاً في الرعية ، مجاهداً في سبيل الله ، لنشر دين الإسلام.. يا بني ، أوصيك بعلماء الأمة ، أدم رعايتهم ، وأكثر من تبجيلهم ، وانزل على مشورتهم ، فانهم لا يأمرون إلا بخير.. يا بني ، إياك أن تفعل أمراً لا يرضى الله عز وجل ، وإذا صعب عليك أمر فاسأل علماء الشريعة ، فانهم سيدلونك على الخير.. واعلم يا بني أن طريقنا الوحيد في هذه الدنيا هو طريق الله ، وأن مقصدنا الوحيد هو نشر دين الله ، وأننا لسنا طلاب جاه ولا دنيا ). وفي (التاريخ العثماني المصور) عبارات أخرى من وصية عثمان تقول: ( وصيتي لأبنائي وأصدقائي ، أديموا علو الدين الإسلامي الجليل بإدامة الجهاد في سبيل الله . أمسكوا راية الإسلام الشريفة في الأعلى بأكمل جهاد. اخدموا الإسلام دائما ، لأن الله عز وجل قد وظف عبداً ضعيفاً مثلي لفتح البلدان ، اذهبوا بكلمة التوحيد إلى أقصى البلدان بجهادكم في سبيل الله ومن انحرف من سلالتي عن الحق والعدل حرم من شفاعة الرسول الأعظم يوم المحشر. يا بني: ليس في الدنيا أحد لا يخضع رقبته للموت ، وقد اقترب أجلي بأمر الله جل جلاله أسلمك هذه الدولة وأستودعك المولى عز وجل ، اعدل في جميع شؤونك ...). لقد كانت هذه الوصية منهجاً سار عليه العثمانيون، فاهتموا بالعلم وبالمؤسسات العلمية، وبالجيش والمؤسسات العسكرية، وبالعلماء واحترامهم ، وبالجهاد الذي أوصل فتوحاً إلى أقصى مكان وصلت إليه راية جيش مسلم ، وبالإمارة وبالحضارة . ونستطيع أن نستخرج الدعائم والقواعد والأسس التي قامت الدولةالعثمانية من خلال تلك الوصية. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/62 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص 51 ، وتاريخ الدولة العثمانية ، ص 11 |
الدولة العثمانية (5) : السلطان أورخـان بن عثمان (726-761هـ ) ولد عام 687 في السنة التي تولي أبوه فيها الحكم، وهو ثاني أبناء أبيه من حيث السن، لكن يبدو أنه كان أكثرهم نباهة، وأشجعهم، فنال بذلك الملك ، ولم يخالفه أخوه الأكبر منه علاء الدين ، ولكنه رضي بذلك ، فقدره أخوه أورخان ، وسلمه الوزارة ، فانصرف علاء الدين إلى الأمور الداخلية ، وتوجه أورخان إلى الأعمال الخارجية. نقل أورخان قاعدته إلى بورصة، وضرب العملة الفضية والذهبية، وأسس الجيش (يني تشري) أي الجيش الجديد من أبناء الأسرى، والصغار الذين يقعون في الأسر ، فيربون في ثكنات عسكرية تربية إسلامية ويدربون تدريباً عسكرياً ، ويتخرجون لا يعرفون إلا القتال والحياة العسكرية والإسلام والجهاد في سبيل الله ، ليس روابط قبلية أو عشائرية إذ لا يعرفون إلا السلطان سيداً لهم ، لذا كانوا قوة كبيرة ساعدت العثمانيين في ضرب خصومهم ، وامتداد الفتوحات العثمانية ، وكان يمكن أن تبقى كذلك لو بقي السلاطين أقوياء لا يسمحون لهم بالتدخل في غير ما اختصوا به ، ولا أن يعطوهم أكثر من قدراهم فتتغير طباعهم ، فما تدخل العسكريون في شؤون الحكم إلا أفسدوه ، ولا تصرفوا في أمور البلاد إلا أضاعوها إلا من عصم ربك ، وهكذا كان شأنهم في النهاية إذ غدوا طريق الهزيمة وسبب المفاسد حتى قضي عليهم عام 1442 في أيام السلطان محمود الثاني. فتح أزميت، ثم حاصر أزنيق وفتحها ، وعين ابنه الكبير سليمان حاكما عليها ، وأحسن إلى أهلها ، فسمح بالهجرة إلى من يردها ، وسمح لمن بقي بإقامة شعائر دينه ، وبعد مدة توفي أخوه علاء الدين فعين مكانه سلمان بن أورخان. وفي عام 736 توفي حاكم إمارة (قره سي) الواقعة جنوب بحر مرمرة وإلى الشرق من بحرإيجه، واختلف ولداه فيما بينهما على السلطة، فأسرع أورخان وضمها إلى إمارته كي لا تقع فريسة بيد الروم. وفي عام 756 طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس (يوحنا باليوج) من أورخان مساعدته ضد إمبراطور الصرب اصطفان دوشان الملقب بالقوي الذي تحالف مع البندقية، والإمارات الصربية للهجوم على القسطنطينية، ووعد بأن يزوجه ابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا كوزين التي تزوج هو أختها الأخرى، أي يصبح عديلاً له، وأرسل له أورخان الجند ، غير أن اصطفان دوشان قد أدركه الموت ، وتوقف الاستعداد ، وعاد الجنود العثمانيون إلى بلادهم دون قتال ، وتزوج أورخان ابنة الوصي. وشعر أورخان بضعف الإمبراطورية البيزنطية بعد أن طلب الإمبراطور منه المساعدة للوقوف في وجه الصرب ، ورأى أن ينتقل إلى الضفة الغربية من مضيق الدردنيل ليتقدم بعدها في أوربا ، ويتمكن من الإحاطة بالقسطنطينية ، والهجوم عليها من الغرب فقد عجز المسلمون من قبل عن فتحها بالهجوم عليها من الشرق ، وإن لم يكن هو فمن يأتي بعده ، فقرر الجهاد ، وأرسل ابنه الكبير سليمان ، ووزير الدولة الأول لدراسة الغزو والتخطيط له ، وفي عام 758 اجتاز سليمان مضيق الدردنيل ليلاً مع أربعين رجلاً من أبطاله ، ولما وصلوا إلى الضفة الغربية استولوا على الزوارق الرومية الراسية هناك ، وعادوا بها إلى الضفة الشرقية ، إذ لم يكن للعثمانيين أسطول حيث لا تزال دولتهم في بداية تأسيسها ، وفي الضفة الشرقية أمر سليمان جنوده أن يركبوا في الزوارق حيث نقلهم إلى الشاطئ الأوربي ، حيث احتلوا قلعة (تزنب) ، وغاليبولي التي فيها قلعة (جنا قلعة) المشهورة ، وابسالا ، ورودستو ، وكلها تقع على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال حتى تصبح رودستو على بحر مرمرة. وفي عام 760 توفي ولي العهد سليمان ، نتيجة سقوطه عن جواده ، وأصبح ولي العهد مراد ، وفي العام التالي توفي السلطان أورخان فخلفه ابنه مراد. سياسة أورخان الداخلية والخارجية: قد كان مما تهدف إليه الدولة العثمانية الناشئة أن ترث دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى وترث ما كانت تملكه ، واستمر الصراع لذلك بينها وبين الإمارات الأخرى حتى أيام الفاتح حيث تم إخضاع آسيا الصغرى برمتها لسلطانه. واهتم أورخان بتوطيد أركان دولته وإلى الأعمال الإصلاحية والعمرانية ، ونظم شؤون الإدارة ، وقوى الجيش ، وبنى المساجد، وانشأ المعاهد العلمية ، وأشرف عليها خيرة العلماء والمعلمين ، وكانوا يحظون بقدر كبير من الاحترام في الدولة ، وكانت كل قرية بها مدارسها وكل مدينة بها كليتها التي تعلم النحو والتراكيب اللغوية والمنطق وفقه اللغة وعلم الإبداع اللغوي والبلاغة والهندسة والفلك وبالطبع تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه والسنة والفقه والعقائد. وهكذا أمضى أورخان بعد استيلائه على إمارة قره سي سنة627عشرين سنة دون أن يقوم بأي حروب ، بل قضاها في صقل النظم المدنية والعسكرية التي أوجدتها الدولة ، وفي تعزيز الأمن الداخلي ، وبناء المساجد ورصد الأوقاف عليها ، وإقامة المنشآت العامة الشاسعة ، مما يشهد بعظمة أورخان وتقواه ، وحكمته وبعد نظره ، فإنه لم يشن الحرب تلو الحرب طمعاً في التوسع وإنما حرص على تعزيز سلطانه في الأراضي التي يتاح له ضمها. وحرص على طبع كل أرض جديدة بطابع الدولة المدني والعسكري والتربوي والثقافي وبذلك تصبح جزءاً لا يتجزأ من أملاكهم، بحيث أصبحت أملاك الدولة في آسيا الصغرى متماثلة ومستقرة. وهذا يدل على فهم واستيعاب أورخان لسنة التدرج في بناء الدول وإقامة الحضارة وإحياء الشعوب. العوامل التي ساعدت السلطان أورخان في تحقيق أهدافه: 1- المرحلية التي سار عليها أورخان ، واستفادته من جهود والده عثمان، ووجود الإمكانيات المادية والمعنوية التي ساعدتهم على فتح الأراضي البيزنطية في الأناضول وتدعيم سلتطهم فيها. ولقد تميزت جهودا أورخان بالخطى الوئيدة والحاسمة في توسيع دولته ومد حدودها ، ولم ينتبه العالم المسيحي إلى خطورة الدولة العثمانية إلا بعد أن عبروا البحر واستولوا على غاليبولي . 2- كان العثمانيون – يتميزون – في المواجهة الحربية التي تمت بينهم وبين الشعوب البلقانية – بوحدة الصف و الهدف، ووحدة المذهب الديني وهو المذهب السني. 3- وصول الدولة البيزنطية إلى حالة من الإعياء الشديد ، وكان المجتمع البيزنطي قد أصابه تفكك سياسي وانحلال ديني واجتماعي ، فسهل على العثمانيين ضم أقاليم هذه الدولة. 4- ضعف الجبهة المسيحية نتيجة لعدم الثقة بين السلطات الحاكمة في الدولة البيزنطية وبلغاريا وبلاد الصرب والمجر ، ولذلك تعذر في معظم الأحيان تنسيق الخطط السياسة والعسكرية للوقوف في جبهة واحدة ضد العثمانيين. 5- الخلاف الديني بين روما والقسطنطينة أي بين الكاثوليك والأرثودكسية الذي استحكمت حلقاته وترك آثاراً عميقة الجذور في نفوس الفريقين. 6- ظهور النظام العسكري الجديد على أسس عقدية ، ومنهجية تربوية وأهداف ربانية وأشرف عليه خيرة قادة العثمانيين. الدولة العثمانية لمحمود شاكر 8/63، والدولةالعثمانية لعلي صلابي ، ص 91 |
الدولة العثمانية (6) : السـلطـان مـراد الأول (761-791هـ ) ولد مراد في عام 726 ، وهو العام الذي تولى فيه والده الحكم ، فكان عمره يوم أصبح سلطاناً ستاً وثلاثين سنة . وفي هذه الأثناء أثناء انتقال الحكم من سلطان إلى آخر أخذت الحماسة أمير دولة القرمان في انقره فاستنهض همم الأمراء المستقلين في آسيا الصغرى لقتال العثمانيين ، وعمل على تجميعهم ، غير أن هذا الأمير وهو علاء الدين لم ير إلا وجيش مراد الأول يحيط بمدينته أنقره ، ويدخلها فاتحاً ، فاضطر إلى عقد الصلح معه يتنازل فيه عن انقره ، ويعترف السلطان مراد بالأمير علاء الدين أميراً على بقية أملاك دولة القرمان ، وتزوج مراد الأول ابنة علاء الدين. وفي عام 762 فتح العثمانيون مدينة ( أدرنة ) ، وقد سلمها القائد الرومي بعد أن يئس من المقاومة ، فنقل مراد الأول عاصمته إليها؛ ليكون على مقربة من الجهاد في أوروبا ، وليكون الهجوم على القسطنطينية من جهة الغرب أكثر قوة ، ولاستغلال مناعة استحكاماتها الحربية . وبقيت هذه المدينة عاصمة للعثمانيين حتى فتحوا القسطنطينية عام 857. كما فتحت مدينة ( فيلبه) قاعدة الرومللي الشرقي ( جنوبي بلغاريا اليوم). وأصبحت القسطنطينية محاطة بالعثمانيين ، وتقدم إمبراطورها فدفع الجزية طواعية ، وقلبه مليء بالأحقاد. وخاف الأمراء الأوربيون الذين أصبح العثمانيون على حدودهم فكتبوا إلى ملوك أوربا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين ، حتى إمبراطور القسطنطينية ذهب إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه ورجاه الدعم رغم الخلاف المذهبي بينهما. فلبى الباب النداء ، وكتب إلى ملوك أوروبا عامة يطلب منهم الاستعداد للقيام بحرب صليبية جديدة حفاظاً على النصرانية من التقدم الإسلامي الجديد ، غير أن ملك الصرب (أوروك الخامس) الذي خلف ( اصطفان دوشان ) لم يتوقع هذا الدعم السريع من البابا وملوك أوربا ، لذا فقد استنهض همة الأمراء المجاورين له والذين أصبحوا على مقربة من الخطر على حد زعمهم ، فلبى دعوته أمراء البوسنة (غربي يوغوسلافيا) والافلاق (جنوبي رومانيا) ، وأعداد من فرسان المجر المرتزقة ، وسار الجميع نحو أدرنة حاضرة العثمانيين ، مستغلين انشغال مراد الأول ببعض حروبه في آسيا الصغرى ، غير أن الجيش العثماني قد أسرع للقاء أعدائه فاصطـدم بهم على نهـر ( مارتيزا) ، فهزمهم هزيمة منكرة ، وولوا الأدبار . واضطرت بعد ذلك إمارة نصرانية صغيرة على بحر الإدرياتيك على ساحل يوغسلافيا اليوم ، وهي إمارة (راجوزه) أن ترسل وفداً إلى السلطان ، ويعقد معه صلحاً تدفع الإمارة بموجبه للدولة العثمانية 500 دوكاً ذهباً لجزية سنوية. وحاول ملك الصرب الجديد (لازار بلينا نوفتش) وأمير البلغار سيسمان الاتفاق على قتال العثمانيين ، وقد وجدوا نفسيهما ضعيفين رغم أنهما لم يخوضا سوى المعارك الجانبية ، فاضطرا إلى دفع جزية سنوية ، وتزوج السلطان ابنة أمير البلغار عام 780 . ونظمت فرق الخيالة في عهد السلطان مراد الأول ، وهي التي عرفت بـ (سيباه) أو السباهية ويقصد بها الفرسان ، وأصبح لها نظام خاص بحيث يعطى كل فارس جزءاً من الأرض إقطاعاً له ، ويبقي بيد أصحابه سواء أكانوا من المسلمين أم من النصارى يعملون به ، ويدفعون خراجاً معيناً لصاحب الإقطاع الذي يسكن وقت السلم في إقطاعه ، ويعدون وقت الحرب ونفقته ، ويجهز معه جندياً آخر ، وهذا النظام وإن قدم خدمات في بداية الأمر إلا أن هؤلاء السباهية قد أصبحوا في النهاية أصحاب نفوذ يصعب السيطرة عليهم ، ويختلفون مع أصحاب الأرض الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض فينقمون على السباهية وبالتالي على الحكم ، وتكون الفوضى والفجوة بين الحكم والرعية. ولم ينس السلطان مراد الأول آسيا الصغرى بل بقي دائب التفكير فيها وفي التخلص من تلك الإمارات الصغيرة التي تشكل رقعاً محدودة المساحة ، فهو لا يريد أن يأخذها بالقوة ويشكل نقمة عليه ، ولا يريد أن يتركها تتصارع بينها ، وتجعل مجالاً للتدخل في شؤونها من قبل الغرباء ، وفي الوقت نفسه لا تنفق وتتوحد لتقوم بغزو القسطنطينية يداً واحدة ، وتجاهد كقوة واحدة ، ورأى أن يحل مشكلاتها تدريجياً مع الزمن ، وقد بدأ بإمارة ( كرميان ) أقرب الإمارات إلى أملاكه ، فزوج ابنه بايزيد من ابنة أمير كرميان فقدم الأب لابنته مدينة( كوتاهية ) فضمت إلى الدولة العثمانية ، وفي عام 782 ألزم أمير دويلة الحميد الواقعة بين إمارات ( قرمان ، وتكه ، ومنتشا) بالتنازل عن أملاكه للدولة العثمانية. وتأخر الصرب والبلغار في دفع الجزية ويبدو أنه على اتفاق بينهما في هذا التأخير ، فتوجهت الجيوش العثمانية إلى بلادهم ففتحت بعض البلاد الصربية التي تقع اليوم في جنوبي يوغوسلافيا ، كما حاصرت عاصمة البلغار ( صوفيا ) وفتحتها عام 784 بعد حصار استمر ثلاث سنوات ، كما فتحت مدينة( سلانيك ) ، المدينة اليونانية المشهورة والواقعة على بحر ايجه. تمرد ساوجي بن السلطان على أبيه بالاتفاق مع ابن إمبراطور القسطنطينية (اندرونيكوس بن يوحنا باليوج) ، وكان يوحنا قد حرم ابنه هذا من ولاية العهد وأعطاها لابنه الآخر (عمانويل) ، فأرسل السلطان لابنه جيشاً انتصر عليه وقتله ، كما أرسل إلى الإمبراطور البيزنطي فقتل ابنه أيضاً. وقام أمير دويلة القرمان علاء الدين ، وبعض الأمراء المستقلين بحرب الدولة العثمانية فأرسل لهم جيشاً انتصر عليهم في سهل ( قونية ) ، وأخذ الأمير علاء الدين أسيراً ، غير أن ابنته زوجة السلطان قد توسطت له فأطلق سراحه ، وأبقى له إمارته ، ولكنه فرض عليه دفع مبلغ من المال سنوياً وذلك عام 787 . واستغل الصرب انشغال الجيوش العثمانية في الأناضول لقتال علاء الدين أمير القرمان ومن معه ، فهاجموا القوات العثمانية في جنوب الصرب وحصلوا على بعض النجاح عام 788 ، وتأهب أمير البلغار سيسمان للقيام بدوره أيضاً غير أن الجيوش العثمانية قد داهمته واحتلت بعض أجزاء من بلاده ففر إلى الشمال ، واعتصم في مدينة( نيكوبلي ) القريبة من الحدود الرومانية ، وجمع فلول جيشه وهاجم بها العثمانيين غير أنه هزم ، ووقع أسيراً ، لكن السلطان أحسن إليه فأبقاه أميراً على نصف بلاده ، وضم الباقي إلى الدولة العثمانية كي لا يعاود الهجوم. ولما علم ملك الصرب لازار ما تم بأمير البلغار انسحب بجيوشه نحو الغرب للانضمام إلى الألبانيين ومحاربة العثمانيين معه، غير أن الجيوش العثمانية أدركته قبل وصوله إلى مبتغاه ، والتقت معه عام 791 في معركة وسط سهل (قوص اوه) أي ( إقليم كوسوفو) جنوبي يوغسلافيا ، وكان القتال سجالاً بين الطرفين إلا أن صهر لازار قد انحاز إلى جانب المسلمين بفرقته المؤلفة من عشرة آلاف مقاتل ، فانهزم الصربيون ، ووقع ملكهم لازار أسيراً بأيدي العثمانيين ، وهو جريح فقتلوه لما فعل من أفاعيل خسيسة بأسراه من المسلمين . وإذا كانت الصرب قد فقدت استقلالها غير أن السلطان مراد الأول ذهب في المعركة أيضاً ، وبينما كان يتفقد نتائج المعركة ويتفحص الجثث إذ قام إليه جندي صربي من بين الجثث وطعنه بخنجر فأرداه قتيلاً ، وقتل الجند العثمانيون القاتل الصربي مباشرة. لقد ورث مراد الأول عن والده إمارة كبيرة بلغت 95000 كيلومتر مربع ، وعند استشهاده تسلم ابنه بايزيد هذه الإمارة العثمانية بعد أن بلغت 500000 كيلو متر مربع بمعنى أنها زادت في مدى حوالي 29 سنة أكثر من خمسة أمثال ما تركها له والده أورخان . التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/66 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص101 معركة قوصووه كان السلطان مراد الأول الذي حكم الدولة العثمانية ثلاثين عاماً ، شغوفاً بالجهاد ، فما إن أصبح السلطان عام 761 للهجرة حتى بدأ الجهاد ، وتوغل في بلاد البلقان فاتحاً بنفسه وعن طريق قواده مما أثار الصرب الذين فشلوا كثيراً في حروبهم ضد العثمانيين ، فتحالف الصرب والبوسنيون والبلغار ، وأعدوا جيشاً أوروبياً صليبياً كثيفاً لحرب السلطان الذي كان قد وصل بجيوشه إلى منطقة كوسوفو في البلقان . ومن الموافقات العجيبة أن وزير السلطان مراد الذي كان يحمل مصحفاً فتحه على غير قصد ، فوقع نظره على هذه الآية : { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا ..} فاستبشر بالنصر ، واستبشر معه المسلمون ، ولم يلبث أن نشب القتال بين الجمعين ، وحمي وطيسه ، واشتدت المعركة ، وانجلت الحرب عن انتصار المسلمين انتصاراً حاسماً . وبعد الانتصار في قوصووه أو ( قوص أوه ) وتعني ( إقليم كوسوفو ) قام السلطان مراد يتفقد ساحة المعركة ، ويدور بنفسه بين صفوف القتلى من المسلمين ويدعو لهم ، كما كان يتفقد الجرحى ، وفي أثناء ذلك قام جندي من الصرب كان قد تظاهر بالموت وأسرع نحو السلطان فتمكن الحرس من القبض عليه ، ولكنه تظاهر بأنه جاء يريد محادثة السلطان ويريد أن يعلن إسلامه على يديه ، وعند ذلك أشار السلطان للحرس بأن يطلقوه ، فتظاهر بأنه يريد تقبيل يد السلطان ، وقام في حركة سريعة بإخراج خنجر مسموم طعن به السلطان فاستشهد به رحمه الله تعالى في 15 شعبان سنة 791 هـ ، عن عمر يناهز 65 عاماً ، بعد أن دخل 37 معركة في فترة حكمه لم يخسر منها أي واحدة . وكانت آخر كلمات السلطان قبل موته : ( لا يسعني حين رحيلي إلا أن أشكر الله ، إنه علام الغيوب المتقبل دعاء الفقير ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وليس يستحق الشكر والثناء إلا هو ، لقد أوشكت حياتي على النهاية ورأيت نصر جند الإسلام .أطيعوا ابني يزيد ، ولا تعذبوا الأسرى ولا تؤذونهم ولا تسلبوهم ، وأودعكم منذ هذه اللحظة وأودع جيشنا الظافر العظيم إلى رحمة الله فهو الذي يحفظ دولتنا من كل سوء ) . وكان من دعائه قبل المعركة : .. تقبل رجائي ، ولا تجعل المسلمين يبوء بهم الخذلان أمام العدو ، يا الله يا أرحم الراحمين لا تجعلني سبباً في موتهم ، بل اجعلهم المنتصرين ، إن روحي أبذلها فداء لك يارب ، إني وددت ولا زلت دوماً أبغي الاستشهاد من أجل جند الإسلام ، فلا ترني يا إلهي محنتهم ، واسمح لي يا إلهي هذه المرة أن أستشهد في سبيلك ومن أجل مرضاتك . الدولة العثمانية لعلي محمد صلابي ، ص103 |
الدولة العثمانية (7) : السلطان بايزيد الأول .. الصاعقة (791-805) ولد بايزيد عام 761 أي في العام الذي تولى فيه أبوه السلطنة ، فكان عمره ثلاثين عاماً عندما تسلم الحكم بعد وفاة والده ، وكان دائم الجهاد ينتقل من أوروبا إلى الأناضول ثم يعود مسرعاً إلى أوروبا يحقق فيها نصراً جديداً أو تنظيماً حديثاً حتى لقب باسم (يلدرم) أي الصاعقة نظراً لتلك الحركة السريعة والانقضاض المفاجئ. سياسته مع الصرب : ( اصطفان بن لازار) ملكاً على الصرب في عام 792 ، وسمح له بالحكم على مقتضى نظمهم وشرائعهم مقابل دفع جزية سنوية ، وتقديم عدد من المقاتلين ينضمون إلى الجيوش العثمانية وقت الحرب وحينما يطلب السلطان ذلك. كما تزوج السلطان أخت اصطفان وهي (اوليفير) وربما فعل ذلك كي لا يبقى مشغولاً في موضوع الصرب وغاراتهم وحركاتهم ، وحتى يجعلهم حاجزاً بينه وبين المجر، ولشعوره بضرورة اتخاذ حليف له في سياسته العسكرية النشطة التي استهدفت الإمارات السلجوقية التركية في آسيا الصغرى . ضم أمارات تركية للدولة : انتقل إلى الأناضــول فضم عـام 793 إمـارة ( منتشا ) ، وإمارة (آيدين) ، وإمـارة ( صاروخان) إلى العثمانيين دون قتال ، ولكن فر أبناء حكامها إلى قسطموني مركز ولاية (اسفنديار) ، كما تنازل أمير دولة القرمان عن جزء من أملاكه إلى السلطان كي يبقي له الجزء الباقي ، كما فتح مدينة الأشهر بقرب أزمير ، وهي آخر مدينة كانت قد بقيت للروم غرب بلا د الأناضول. وبذا يكون قد أمن خلفه ، إذ كان حكام هذه الإمارات يمكن أن يتعاونوا مع أية قوة في سبيل المحافظة على إمارتهم. حصار القسطنطينية : اتجه إلى الغرب وحاصر القسطنطينية عام 794 ، وضيق الحصار ، واستطاع أن يفرض على الإمبراطور أن يعين قاضياً في القسطنطينية للفصل في شؤون المسلمين ، وما لبث أن حاصر العاصمة البيزنطية ، وقبل الإمبراطور إيجاد محكمة إسلامية وبناء مسجد وتخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية الإسلامية ، كما تنازل لبايزيد عن نصف حي غلطة الذي وضعت فيه حامية عثمانية قوامها 6000 جندي ، وزيدت الجزية المفروضة على الدولة البزنطية ، وفرضت الخزانة العثمانية رسوماً على الكروم ومزارع الخضروات الواقعة خارج المدينة ، وأخذت الآذان إلى العاصمة البيزنطية . ثم تركها محاصرة ، وسار بجيش إلى الأفلاق – الجزء الجنوبي من رومانيا اليوم - ، وأجبر حاكمها على توقيع معاهدة يعترف فيها بسيادة العثمانيين على بلاده ، ويدفع جزية سنوياً ، ثم أبقاه حاكماً على بلاده ، يحكم فيها بقوانينهم الخاصة ونظمهم. إلى الأناضول من جديد : اضطر السلطان بايزيد إلى العودة إلى الأناضول مسرعاً ، لأن أمير دولة القرمان علاء الدين قد ندم على تنازله عن جزء من أملاكه للعثمانيين ، ووجد السلطان مشغولاً بأوروبا وحربه لحاكم الأفلاق ، فاستغل هذا الظرف ، وعبأ جنده ، وأثار خصوم السلطان مع بعض الأمراء ، وهاجم العثمانيين في الأناضول ، فأسرع السلطان ، وهزمه ، ولاحقه حتى أخذه وولديه أسرى ، وأنهى دولة القرمان ، كما أنهى إمارة( سيواس) ، و( توقات) ، ثم التفت إلى ( اسفنديار) التي كانت ملجأ لأبناء الأمراء الفارين من وجه العثمانيين فطالب السلطان أمير أبناء الأمراء الذين يحتمون عنده فلما أبى هاجمه وضم بلاده إليه ، أما الأمير فقد فر والتجأ إلى تيمورلنك. إخضاع بلغاريا للسيادة العثمانية : استمر حصار القسطنطينية، سار السلطان إلى بلاد البلغار عام797هـ، فاستولى عليها وأخضع سكانها ، و قتل أميرها سيسمان ، فجعل تلك البلاد ولاية عثمانية ، وأسلم ابن الأمير مقتول ، فأخذه السلطان وجعل والياً على( صامسون ) . التكتل المسيحي الصليبي ضد الدولة العثمانية : قام( سيجسموند) ملك المجر والبابا (بونيفاس التاسع ) بدعوة لتكتل أوروبي صليبي مسيحي ضد الدولة العثمانية، وكان ذلك التكتل من أكبر التكتلات التي واجهتها الدولة العثمانية في القرن الرابع عشر ، من حيث عدد الدول التي اشتركت فيه ، ثم أسهمت فيه بالسلاح والعتاد والأموال والقوات ،وبلغ العدد الإجمالي لهذه الحملة الصليبية 120.000 مقاتل من مختلف الجنسيات (ألمانيا وفرنسا وإنجلترا واسكتلندا وسويسرا ولوكسمبورج والأراضي المنخفضة الجنوبية وبعض الأمارات الإيطالية). وتحركت الحملة عام (800 هـ / 1396م) إلى المجر ، ولكن زعماءها وقادتها اختلفوا مع سيجسموند قبل بدء المعركة. فقد كان سيجسموند يؤثر الانتظار حتى يبدأ العثمانيون الهجوم ، ولكن قواد الحملة شرعوا بالهجوم ، وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى نيكوبوليس شمال البلقان وبدؤوا في حصارها وتغلبوا في أول الأمر على القوات العثمانية ، إلا أن يزيد ظهر فجأة ومعه حوالي مئة ألف جندي ، وهو عدد يقل قليلاً عن التكتل الأوروبي الصليبي ، ولكنه يتفوق عليهم نظاماً وسلاحاً ، وكان بقيادة أمير الصرب (اصطفان بن لازار ) ومعه كثير من الشعوب النصرانية الخاضعة للحماية العثمانية ، إضافة إلى الجند العثمانيين ، وكان اللقاء في يوم 23 ذي القعدة 798 ، فانهزم معظم النصارى ولاذوا بالفرار والهروب وقتل وأسر عدد من قادتهم. وخرج العثمانيون من معركة نيكوبوليس بغنائم كثيرة وفيرة واستولوا على ذخائر العدو. وفي نشوة النصر والظفر قال السلطان بايزيد أنه سيفتح ايطاليا ويطعم حصانه الشعير في مذبح القديس بطرس برومة. لقد وقع كثير من أشراف فرنسا منهم ( الكونت دي نيفر) نفسه في الأسر ، فقبل السلطان بايزيد دفع الفدية وأطلق سراح الأسرى و( الكونت دي ينفر ) وكان قد ألزم بالقسم على أنه لا يعود لمحاربته قال له : إني أجيز لك أن لا تحفظ هذا اليمين فأنت في حل من الرجوع لمحاربتي ؛إذ لا شيء أحب إليّ من محاربة جميع مسيحي أوروبا والانتصار عليهم . أما سيجموند ملك المجر كان قد بلغ به الغرور والاعتداد بجيشه وقوته أن قال : لو انقضت السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا – فقد ولى هارباً ومعه رئيس فرسان رودس، ولما بلغا في فرارهما شاطئ البحر الأسود وجد هناك الأسطول النصراني فوثبا على إحدى السفن وفرت بهما مسرعة لا تلوي على شيء، وتضاءلت مكانة المجر في عيون المجتمع الأوروبي بعد معركة نيكويوليس ، وتبخر ما كان يحيط بها من هيبة ورهبة. لقد كان ذلك النصر المظفر له أثر على بايزيد والمجتمع الإسلامي ، فقام بايزيد ببعث رسائل إلى كبار حكام الشرق الإسلامي يبشرهم بالانتصار العظيم على النصارى ، واصطحب الرسل معهم إلى بلاطات ملوك المسلمين مجموعة منتقاة من الأسرى المسيحيين باعتبارهم هدايا من المنتصر ودليلاً مادياً على انتصاره. واتخذ بايزيد لقب (سلطان الروم) كدليل على وراثته لدولة السلاجقة وسيطرته على كل شبه جزيرة الأناضول. كما أرسل إلى الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة يطلب منه أن يقر هذا اللقب حتى يتسنى له بذلك أن يسبغ على السلطة التي مارسها هو وأجداده من قبل طابعاً شرعياً رسمياً فتزداد هيبته في العالم الإسلامي ، وبالطبع وافق السلطان المملوكي برقوق حامي الخليفة العباسي على هذا الطلب لأنه يرى بايزيد حليفه الوحيد ضد قوات تيمورلنك التي كانت تهدد الدولة المملوكية والعثمانية ، وهاجر إلى الأناضول آلاف المسلمين الذين قدموا لخدمة الدولة العثمانية . وبعد هذا الانتصار عقد السلطان بايزيد صلحاً من إمبراطور بيزنطة فك بموجبه الحصار على القسطنطينية مقابل دفع ما يعادل عشرة آلاف دينار ذهبي ، والسماح للمسلمين ببناء مسجد لهم في القسطنطينية. وقعة تيمورلنك وضعف السلطنة : ينتمي تيمورلنك إلى الأسر النبيلة في بلاد ما وراء النهر ، وفي عام 1369م جلس على عرش خراسان وقاعدته سمرقند ، واستطاع أن يتوسع بجيوشه الرهيبة وأن يهيمن على القسم الأكبر من العالم الإسلامي ، فقد انتشرت قواته في آسيا من دلهي إلى دمشق ، ومن بحر آرال إلىالخليج العربي ، واحتل فارس وأرمينيا وأعالي الفرات ودجلة والمناطق الواقعة بين بحر قزوين إلى البحر الأسود ، وفي روسيا سيطر على المناطق الممتدة بين أنهار الفولجا والدون والدنيبر ، وقد اتصف تيمورلنك بالشجاعة والعبقرية الحربية والمهارة السياسية ، وكان مسلماً يطمح في بسط سلطانه على جميع العالم المسكون . ووصل تيمورلنك في انسياحه الوحشي نحو الغرب إلى بغداد ففر من وجهه أحمد بن أويس الجلائري الذي التجأ إلى السلطان بايزيد ، فأرسل تيمورلنك إلى السلطان يطلب منه أن يسلمه أحمد ابن أويس فرفض ذلك ، فاتجه تيمورلنك إلى آسيا الصغرى ، ودخل مدينة( سيواس ) ، وقبض على الأمير أرطغرل بن السلطان بايزيد وقتله ، وتابع سيره نحو الغرب ، فأسرع السلطان بايزيد إليه وقد حشد له ما يزيد على مائة وخمسة وعشرين ألف مقاتل ، على حين ضم جيش تيمورلنك ما يربو على ثمانمائة ألف مقاتل ، ومعه أمير قسطموني وعدد من أبناء أمراء الدويلات التي ضمها العثمانيون إليهم ، وكانت مستقلة قامت على أنقاض دولة السلاجقة في الأناضول ، والتقى الجيشان في سهل أنقره يوم 19 ذي الحجة عام 804 ، واستمرت المعركة طيلة ذلك اليوم من قبل شروق الشمس إلى ما بعد غروبها ،ولم يحسن السلطان بايزيد - بسبب عجلته - اختيار المكان الذي نزل فيه جيشه ، ومات كثير من جنود بايزيد عطشاً لقلة الماء وكان الوقت صيفاً ، ورغم ما أبداه السلطان من شجاعة إلا أنه هزم بعد أن فرت فرق (آيدين )، و( منتشا ) ، ( وكرميان ) ، و( صارخون ) ، وانضـمت إلى جيش تيمورلنك حيث أبناء أمرائها فيه ، وكانت النتيجة أن وقع السلطان بايزيد نفسه وابنه موسى في الأسر ، حيث وقفا في وجه الخصم ، وصمدا في وسط ميدان المعركة ، واختفى ابنه الآخر مصطفى ، وفر من المعركة أبناؤه سليمان ، وعيسى ، ومحمد. ورغم أن تيمورلنك لم يسئ إلى السلطان إلا أنه شدد عليه المراقبة حيث حاول الفرار من الأسر ثلاث مرات ، وفشل فيها كلها ، والإهانة النفسية تعد عظيمة إذ كلف بحراسة موسى بايزيد أمير كرميان أي عدوه ، وقد أصاب السلطان ضيق شديد فتوفي في 15 شعبان عام 804 ، وعمره لا يزيد على أربعة وأربعين عاماً ، وسمح تيمورلنك بنقله جثة السلطان لتدفن في بورصة. تابع تيمورلنك تقدمه نحو الغرب بعد معركة أنقرة فاستولى على ( ازنيق )، و( بورصة ) ، ودك حصون( أزمير) ،و لما وصل إلى أقصى الغرب في الأناضول، وأراد الرجوع أعاد الإمارات التي كانت قائمة قبل أن يضمها العثمانيون إليهم وهي : قسطموني ، وصاروخان ، ومنتشا ، وآيدين ، وكرميان ، وقرمان فعادت التجزئة إلى الأناضول كما كانت من قبل. ورأت الإمارات الأوروبية التي كانت خاضعة للعثمانيين ما حل للدولة وسلطانها ، فأعلنت استقلالها وهي : البلغار والصرب ، والأفلاق ، فصغرت رقعة الدولة من جديد. واختلف أبناء السلطان بايزيد على السلطة بعد عودة تيمورلنك عن الأناضول فزاد الأمر ضعفاً ، والدولة تمزقاً ، وشجعهم تيمورلنك أيضاً على هذا الاختلاف ليبقوا في ضعف ، وتبقي له الهيمنة ، واستعان بعضهم به ضد بعض ، كما طلب بعضهم دعم إمبراطور القسطنطينية ضد بعض ، وهذا شأن الدول عندما تكون ضعيفة والحكام عندما يكونون عجزة. استقل سليمان بن بايزيد في أدرنه وجعله جنده سلطاناً عليهم ، وعلى المناطق العثمانية في أوروبا ، وعقد حلفاً مع إمبراطور بيزنطة عمانويل الثاني ، وتنازل له عن مدينة (سلانيك) ، وعن سواحل البحر الأسود ليساعده على إخوته ، وتزوج من إحدى قريباته. وأما عيسى فقد كان مختبئاً بجهات بورصة ، فلما علم بوفاة والده أعلن نفسه سلطاناً ، وساعده كبير قادة بني عثمان ( ديمور طاش). وأما محمد فقد كان مخبؤه في أواسط الأناضول ، فلما وجد الفرصة مناسبة له ، وخف ضغط التتار خرج وجمع حوله الجند ، وانطلق يقاتل التتار ، وتمكن من أخذ مدينة (توقات) ومدينة (أماسيا) منهم ، وقوي أمره ، واستطاع أن يخلص أخاه موسى من يد أمير كرميان المكلف بحراسته من قبل تيمورلنك. واتجه محمد بن بايزيد لقتال أخيه عيسى ، وجرت بينهما عدة معارك خرج محمد إثرها منتصراً ، وقتل عيسى ، ورجعت الأناضول تحت إمرته ، وأرسل بعدها أخاه موسى على رأس جيش لقتال أخيهما سليمان غير أن موسى قد هزم ، وعاد خائباً من أوروبا ، فأعاد الكرة بعد أن قاد جيشاً آخر للغرض نفسه ، وقد تمكن من قتل سليمان على أبواب أدرنه عام 713. ثم اتجه لمعاقبة الصرب الذين أعلنوا انفصالهم عن الدولة العثمانية في أثناء الأزمة التي وقعت فيها ، فأسرع ملك المجر لقتاله دفاعاً عن الصرب فحاربه وانتصر عليه. عاد الخلاف بين الأخوين الباقيين من أبناء السلطان بايزيد ، وهما : محمد وموسى إذ اغتر موسى بقوته وانتصاراته في أوروبا ، وأراد الانفصال عن أخيه ، وتأسيس دولة له في أوروبا ، وسار لفتح القسطنطينية ، وألقى عليها الحصار فاستنجد إمبراطورها بالأمير محمد ، فأسرع لنجدته ، ووقع القتال بين الأخوين ، واضطر موسى لرفع الحصار عن المدينة ، وتشكل حلف من الأمير محمد وإمبراطور القسطنطينية وملك الصرب ضد الأمير موسى ، وبدأ الاتصال سراً بقادته حتى تركوه ، ووقع بين يدي أخيه فأمر بقتله عام 816 . وبقي الأمير محمد وحده من أبناء السلطان بايزيد بعد أن قتل إخوته الثلاثة عيسى وسليمان وموسى ، وتفرد بالأمر من أجل الملك ، والملك عقيم ، وبتفرد الأمير محمد بدأت السلطة العثمانية تقوى من جديد ، وتتابع خمسة سلاطين في الحكم. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/71 ، والدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط لعلي محمد الصلابي ص111 ، وتاريخ الدولة العثمانية ص 17 |
الدولة العثمانية (8) : محمد جلبي – محمد الأول ( 816- 824 ) ولد السلطان محمد عام ( 781 1379م ) ، وانفرد بالسلطة عام 816 بعد وفاة والده بايزيد ، وعرف في التاريخ ( بمحمد جلبي). كان متوسط القامة، مستدير الوجه ، متلاصق الحاجبين ، أبيض البشرة ، أحمر الخدين ، واسع الصدر ، صاحب بدن قوي ، في غاية النشاط ، وجسوراً ، يمارس المصارعة ، ويسحب أقوى أوتار الأقواس. اشتراك أثناء حكمه في 24 حرباً ، وأصيب بأربعين جرحاً . استطاع السلطان محمد جلبي أن يقضي على الحرب الأهلية بسبب ما أوتي من الحزم والكياسة وبعد النظر، وتغلب على أخوته واحداً واحداً حتى خلص له الأمر وتفرد بالسلطان ، وقضي سني حكمه الثماني في إعادة بناء الدولة وتوطيد أركانها ، ويعتبره بعض المؤرخين المؤسس الثاني للدولة العثمانية. إلا أن الفتن الداخلية قد تتابعت رغم الخوف من السلطان بسبب قتله إخوته ، فإذا فعل هذا بإخوته فكيف يكون مع الآخرين ؟ يبدو أنه كان مع الآخرين أرحم بكثير مما كان مع إخوته ، لأن الملك عقيم ، فقد انتصر على أمير القرامان ، وأخذه أسيراً ، وعفا عنه ، وأقسم له بالطاعة ، غير أن الأمير قد حنث بيمينه ، وعاد إلى قتال السلطان فانتصر عليه ، وأخذه أسيراً مرة أخرى ، وعفا عنه أيضاً. وانتصر على أمير أزمير (قره جنيد) ، وعفا عنه ، وعينه حاكماً على مدينة ( نيكوبولي) ، وقام بالدعوة إلى الاشتراكية بدر الدين الذي كان قاضي الجيش عند الأمير موسى ، وكثر أتباعه فقاتله ، وانتصر عليه ، وقتله. وظهر الأمير مصطفى بن بايزيد وأخو السلطان محمد ، وهو الذي كان قد اختفى بعد معركة أنقره ، وطالب أخاه بالحكم ، وانضم إليه ( قره جنيد) ، ودخل إلى بلاد اليونان ، ولكنه هزم أمام جند أخيه ، ففر إلى مدينة (سلانيك) ، وكانت تتبع الدولة البيزنطية منذ هزيمة العثمانيين في أنقره ، فطلب السلطان تسليمه ، فأبى الإمبراطور ولكن وعد بإبقائه تحت الإقامة الجبرية ما دام السلطان على قيد الحياة ، فوافق السلطان على ذلك وخصص لأخيه راتباً شهرياً . ويبدو أن السلطان بعد أن قتل إخوته السابقين قد خفف من شدة وطأته وقسوته على أقربائه وعلى الآخرين ، أو أحس بجريمة القتل ، وقدوم الموت بعد أن سبقه إخوته إليه على يديه. وكذلك عفا عن ( قره جنيد) عام 822. وكانت سياسته تهدف إلى إعادة بناء الدولة وتقويتها من الداخل ؛ ولذلك سالم إمبراطور القسطنطينية وحالفه وأعاد إليه بعض المدن على شاطئ البحر الأسود ، وفي تساليا ، وصالح البندقية بعد هزيمة أسطوله أمام ( كليتبولي ) ، وقمع الفتن والثورات في آسيا وأوروبا، وأخضع بعض الأمارات الآسيوية التي أحياها تيمورلنك ودانت له بالطاعة والولاء. ومات السلطان عام 824 بعد أن أوصى لابنه مراد من بعده ، وقد كان يوم وفاة أبيه في أماسيا ، وكتم وفاة السلطان حتى وصل مراد إلى أدرنة بعد واحد وأربعين يوماً ، ودفن محمد جلبي في بورصة. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/79 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص 123 |
الدولة العثمانية (9) : مراد الثاني(824-855هـ) ولد في عام 806، وتولى أمر السلطنة بعد وفاة أبيه عام 824، فكان عمره لا يزيد على ثماني عشرة سنة ، رأى أن يعمل قبل كل شيء على إعادة الإمارات في الأناضول إلى حظيرة الدولة العثمانية بعد أن أعادها تيمورلنك عند سيطرته على المنطقة ، ولهذه الغاية فقد عقد هدنة مع ملك المجر لمدة خمس سنوات ، كما صالح أمير القرامان ، وأما إمبراطور القسطنطينية ، فقد طلب من السلطان أن يتعهد له بعدم قتاله ، وكي يكون هذا العهد مضموناً فيجب على السلطان أن يسلمه اثنين من إخوته رهينة ، وإذا ما فكر السلطان بالحرب فإن الإمبراطور على استعداد لأن يطلق سراح عم السلطان وهو مصطفى بن بايزيد المحجوز في سلانيك. رفض السلطان هذا التعهد فما كان من الإمبراطور إلا أن أطلق سراح مصطفى ودعمه بعشرة مراكب كمساعدة له على حصار مدينة (غاليبولي) على شاطئ مضيق الدردنيل، ولم يتمكن مصطفى من دخول قلعتها رغم دخوله المدينة فترك في المدينة حامية لحصار القلعة كي لا يصل إليها المدد، وسار نحو أدرنة ، فالتقى بالقائد العثماني بايزيد باشا فانتصر عليه وقتله ، وتابع سيره نحو ابن أخيه مراد ، غير أن قواد مصطفى لم يطيعوه وتخلوا عنه مع جنودهم وقت الشدة ففر ، وسار نحو مدينة (غاليبولي) ، فقبض عليه وأعدم. وسار السلطان مراد نحو القسطنطينية انتقاماً من إمبراطورها وألقى عليه الحصار، وهاجمها في مطلع رمضان من عام 825 كي تكون الروح المعنوية أقوى، غير أنه عجز عن فتحها، واضطر إلى رفع الحصار عنها لأن أخاه مصطفى قد شق عصا الطاعة عليه وساعده أمراء الدويلات في الأناضول، وقد تمكن من هزيمة أخيه مصطفى وقتله، ووجد أن هدفه الأول وهو إعادة الإمارات إلى الدولة يجب أن يعود إليه، وأن يقدمه على غيره، وإن قتال هذه الإمارات فيه كلام لأن كل الطرفين مسلم، وتركها لا يمكنه معها الجهاد فهي مطمع للأعداء أولاً، ودخول إلى المعركة من غير قوة. وخاف أمير قسطموني على نفسه إذ كان يدعم الأمير مصطفى وقد انتهى أمره، لذا فقد أسرع وتنازل عن نصف إمارته، وزوجه ابنته عام 826. وقام (قره جنيد) واستولى على إمارة آيدين ، وأعلن انفصاله عن الدولة ، غير أنه هزم وقتل. ثم دخل السلطان إمارات آيدين، ومنتشا، وصاروخان، وقتل أمير القرامان محمد، وعين مكانه ابنه إبراهيم الذي تنازل للعثمانيين عن اقليم الحميد، وتوفي عام 831 أمير دويلة الكرميان ولم يكن له عقب فأوصى أن تلتحق الإمارة بالدولة العثمانية. وانتهى بذلك من كل مشكلة في الأناضول، وأصبح بإمكانه التوجه إلى أوروبا ، لتصفية حسابه مع الحكام الذين أساءوا للعثمانيين في أثناء المحنة التي حلت بهم أيام السلطان بايزيد ، وبعدها يصفو له الجو لفتح القسطنطينية ومعاقبة إمبراطورها الذي حرض عليه. وكان السلطان مراد الثاني يرى أن القتال في أوروبا أسهل فهو جهاد والروح المعنوية لدى المسلمين تكون عالية ما داموا يقاتلون ضد النصارى ، ويعملون مجاهدين لنشر دينهم على حين كانوا يساقون لقتال أمراء الدويلات في الأناضول دفعاً. بدأ بقتال ملك المجر وعقد معه معاهدة تنازل فيها للسلطان عن أملاكه التي تقع على الضفة اليمنى لنهر الدانوب الذي سيكون حداً فاصلاً بين الطرفين. ورأى أمير الصرب (جورج برنكوفتش) عجزه فعقد معاهدة مع السلطان تقضي بدفع الجزية سنوية وقدرها خمسين ألف دوك ذهبي ، وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة السلطان في حروبه ، وأن يقطع علاقاته مع ملك المجر ، وأن يتنازل عن بعض المواقع للعثمانيين ، كما تزوج السلطان ابنه (جورج برنكوفتش) مارا. واستعاد مدينة سلانيك عام 833 من البندقية، وكان إمبراطور القسطنطينية قد تنازل عنها لهم ، وقد حاصرها السلطان خمسة عشر يوماً. واعترف أمير الأفلاق بسيادة العثمانيين على بلاده عام 836. وخضعت له ألبانيا بعد حروب بسيطة ، واشترط أميرها عدم التعرض لعقائد السكان ، وسلم أولاده الأربعة رهينة للسلطان ، وعندما توفي هذا الأمير عام 834 ضم السلطان أملاكه إليه. ظن السلطان أن وضعه في أوربا قد استقر ، وأن إمبراطور القسطنطينية لم يبق له سند لا في الأناضول ، ولا في أووربا وبإمكانه الآن التوجه إليه وإلزامه على الاستسلام ، ودخول القسطنطينية عسى أن يكون مغفوراً له ، كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أن بدأ يستعد لمهمته حتى عاد حكام أوروبا المتعاقدين معه على نقض العهد وإعلان العصيان. لقد حرض ملك المجر أمير الأفلاق وأمير الصرب فثارا فأدبهما السلطان ، ثم سار إلى ملك المجر فخرب عدداً من المدن ، وعاد بعدد عظيم من الأسرى. عاد أمير الصرب (جورج برنكوفتش) فثار، فهاجمه السلطان، وفتح جزءاً من بلاد الصرب، وحاصر العاصمة بلغراد ستة أشهر، وغادرها أميرها متوجهاً إلى ملك المجر ، ثم غادرها ، وأرسل جيشه للهجوم على( ترانسلفانيا) من أملاك المجر - وتقع شمال الأفلاق وإلى الغرب من البغدان ، وتشكل اليوم الجزء الغربي من دولة رومانيا - غير أن جيشه قد هزم وقتل قائده مع عشرين ألفاً من الجند ، وانسحب العثمانيون إلى ما بعد نهر الدانوب ، فأرسل السلطان جيشاً آخر قوامه ثمانون ألفاً غير أنه هزم أيضاً ، وأسر قائده ذلك إلى بلاد الصرب فالتقى عام 846 بالسلطان مراد الثاني نفسه فنشبت بين الفريقين ثلاثة معارك هزم فيها السلطان كلها ، واضطر إلى توقيع معاهدة تنازل فيها السلطان عن الأفلاق للمجر ، ورد للصرب بعض المواقع ، وقامت بين الطرفين هدنة مدتها عشر سنوات. شعر السلطان بالتعب فرأى أن يخلد إلى الراحة ، ثم إن ابنه الأمير علاء مات ففجع به السلطان واشتد حزنه عليه وزهد في الدنيا والملك ، فترك الحكم لابنه الثاني محمد الذي لم يبلغ من العمر الرابعة عشرة ، وسافر إلى غربي الأناضول في ولاية آيدين حيث الهدوء. كان البابا يراقب الأحداث ، وكم سره هزيمة السلطان وخاصة أن كان قد اشترك مع المجريين أعداد من الصليبيين من بولنديين ، وفرنسيين ، وألمان، وبنادقة ، وجنوبيين ،إضافة إلى الأفلاق ، والصرب وغيرهم. وأثارت الباب تلك المعاهدة التي وقعها السلطان مع المجريين وأنهت الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنوات؛ لذا فقد أرسل مندوباً من قبله وهو (سيزاريني) إلى ملك المجر ، وطلب نقض العهد ، وليس في هذا النقض شيء من الناحية الدينية ، فليس مع الكفار المسلمين نقض لعهد أو حنث بقسم. تنادى ملوك النصارى لشن حملة صليبية جديدة ، فجمعوا جموعهم ، وهاجموا بلاد البلغار ، وساعدهم على ذلك أن السلطان كان في مكان عزلته في مقاطعة (آيدين) في مدينة (مغنيسيا) ، وأن طفله لم يتمرس بعد على القتال ، ووصل الخبر إلى السلطان فغادر مكانه ، واتجه إلى أوروبا ، فقاد الجيش وسار نحو الأعداء فوجدهم يحاصرون مدينة (فارنا) البلغارية الواقعة على ساحل البحر الأسود ، فنازلهم ، وقتل ملك المجر بنفسه في ساحة المعركة ، وحمل العثمانيون رأسه قائلين : ( أيها الكفار هذا رأس ملككم ) فاختل ترابط الجند ، فهاجم السلطان معسكر الأعداء ، واحتله ، وقتل الكاردينال (سيزاريني) مندوب البابا ، وتم النصر للمسلمين في 28 رجب عام 848، في سهل قوصوه ، بعد أن استمرت ثلاثة أيام ، وقد أخرجت هذه المعركة بلاد المجر لعشر سنوات على الأقل من عداد الدول التي تستطيع النهوض بعمليات حربية هجومية ضد العثمانيين . وعاد السلطان فترك الأمر إلى ابنه ، ورجع إلى( مغنيسيا). ولم تطل إقامته أكثر من ثلاثة أشهر إذ اضطر للعودة إلى أدرنه قاعدة الدولة حيث استصغر قادة الجيش العثمانيين من الانكشارية السلطان الصغير، إذ عصوا أمره ، ونهبوا المدينة ، ووصل السلطان فأدب القادة وأشغلهم بالقتال في بلاد اليونان ، وذلك أن إمبراطور القسطنطينية قد قسم أملاكه بين أولاده إذ أعطى ابنه حنا مدينة القسطنطينية وابنه قسطنطين بلاد الموره أي جنوب اليونان ، فسار السلطان لحرب اليونان ، واستعمل المدافع لأول مرة ، ولم يتمكن من فتحها بسبب تمرد اسكندر بك. كان اسكندر أحد أبناء أمير ألبانيا الذين عاشوا رهينة عند السلطان عندما سلم أبوه البلاد للسلطان فأظهر اسكندر الإسلام، ولما وجد السلطان مشغولاً بالحروب فر إلى إلبانيا ، وطرد العثمانيين منها. فسار إليه السلطان بقوة كبيرة وهزمه ، وأخذ منه بعض المواقع عام 851 ، ثم اضطر إلى تركه للتوجه إلى مقابلة الجيش المجري الذي أراد أن يثأر من معركة (فارنا) ، والتقى به في وادي كوسوفو ، وانتصر عليه انتصاراً مؤزراً عام 852 ، ثم عاد فاتجه إلى اسكندر بك ، وحاصر مدينة (آق حصار) ، ولم يتمكن من فتحها لتعب جيوشه ، فأراد أن يتفق مع اسكندر بك بحيث يسلمه حكم ألبانيا مقابل جزية سنوية ، غير أن اسكندر بك لم يقبل ، واضطر السلطان أن يعود إلى أدرنة ليستعد بصورة أفضل ، وبينما هو كذلك إذ وافته المنية مطلع عام 855 (5 محرم) عن عمر يناهز التاسعة والأربعين ، ونقلت جثته إلى بورصة حيث دفن هناك ، وتسلم السلطنة ابنه محمد باسم محمد الثاني ، وهو الفاتح. وفاته ووصيته: قال صاحب النجوم الزاهرة في وفيات عام 855هـ في مراد الثاني : ( وكان خير ملوك زمانه شرقاً وغرباً ، مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم والشجاعة والسؤدد ، وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى ، غزا عدة غزوات ، وفتح عدة فتوحات ، وملك الحصون المنيعة ، والقلاع والمدن من العدو المخذول. على أنه كان منهمكاً في اللذات التي تهواها النفوس ، ولعل حاله كقول بعض الأخيار – وقد سئل عن دينه – فقال : أمزقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار – فهو أحق بعفو الله وكرمه ، فإن له المواقف المشهورة ، وله اليد البيضاء في الإسلام ونكاية العدو ، حتى قيل إنه كان سياجاً للإسلام والمسلمين – عفا الله عنه ، وعوض شبابه الجنة). وبناء على وصيته رحمه الله دفن في جانب جامع مرادية في بورصة. ووصى بأن لا يبنى على قبره شيء، وأن يعمل أماكن في جوانب القبر يجلس فيها الحفاظ لقراءة القرآن الكريم ،وأن يدفن في يوم الجمعة فنفذت وصيته. وترك في وصيته شعراً ، بعد أن كان قلقاً يخشى أن يدفن في قبر ضخم ، وكان يريد ألا يبنى شيء على مكان دفنه ، فكتبها شعراً ليقول : فليأت يوم يرى الناس فيه ترابي. لقد قام السلطان مراد ببناء جوامع ومدارس، وقصوراً وقناطر فمنها جامع أدرنة ذو ثلاثة شرف ،وبنى بجانب هذا الجامع مدرسة وتكية يطعم فيها الفقراء والمساكين. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/80، والدولة العثمانية لعلي صلابي ، ص131 |
الدولةالعثمانية (10): محمـد الثاني (الفاتـح) (855هـ - 886) يعتبر السلطان محمد الثاني العثماني السابع في سلسلة آل عثمان، يلقب بالفاتح وأبي الخيرات. حكم ما يقرب من ثلاثين عاماً كانت خيراً وعزة للمسلمين. ولقد امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل، كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة الأمراء وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال حتى أنه اشتهر أخيراً في التاريخ بلقب محمد الفاتح، لفتحه القسطنطينية. وقد انتهج المنهج الذي سار عليه والده وأجداده في الفتوحات، ولقد برز بعد توليه السلطة في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف. وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر. وعمل على تطوير إدارة الأقاليم، وأقر بعض الولاة السابقين في أقاليمهم، وعزل من ظهر منه تقصير أو إهمال، وطور البلاط السلطاني، وأمدهم بالخبرات الإدارية والعسكرية الجيدة مما ساهم في استقرار الدولة والتقدم إلى الإمام. وبعد أن قطع أشواطاً مثمرة في الإصلاح الداخلي تطلع إلى المناطق المسيحية في أوروبا لفتحها ونشر الإسلام فيها، ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك بسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها، ولم يكتف السلطان محمد بذلك بل أنه عمل بجد من أجل أن يتوج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، والمعقل الاستراتيجي الهام للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي لفترة طويلة من الزمن، والتي طالما اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية بصورة خاصة والمسيحية بصورة عامة، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية وتحقيق ما عجز عن تحقيقه أسلافه من قادة الجيوش الإسلامية. ولد محمد الثاني عام 833، وتولى السلطنة عام 855، فكان عمره يومذاك اثنين وعشرين سنة، وأراد أن يتمم ما بدأ به أبوه. وكان أول عمل قام به أن أرجع زوجة أبيه الأميرة الصربية (مارا) إلى أبيها. وقتل أخاً له رضيعاً اسمه أحمد، [ وهذا القتل لا يصح أبدا ً، فالطفل رضيع ولا ذنب له ، ولا يتحمل وزر غيره إن كانت هناك أوزار يريد السلطان أن ينتهي منها ، فهذا القتل مخالفة شرعية وحدها القتل ] . ثم بنى قلعة على مضيق البوسفور على الشاطئ الأوروبي مقابل القلعة التي بناها السلطان بايزيد على الشاطئ الآسيوي كي يتحكم بالمضيق ، ويمنع وصول الإمدادات إلى القسطنطينية من مملكة طرابزون الروحية الواقعة على ساحل البحر الأسود شمال شرقي الأناضول ، ورأى قسطنطين أن محمد الثاني عازم على دخول مدينته فعرض دفع الجزية التي لم يريد فرفض السلطان ، ورأى أن يتزوج بأرملة السلطان مراد الثاني أم السلطان محمد وكانت لا تزال على نصرانيتها فرفضت واعتكفت في بعض الأديرة. أراد السلطان الفاتح بعدئذ أن يتوجه إلى بلاد المورة لفتحها، فأرسل ملكها وفداً إليه يعرض عليه دفع جزية سنوية قدرها 12 ألف دوك ذهب. ثم بدأ الإمبراطور يستنجد الدول النصرانية، وتم حصار القسطنطينية وفتحها بعد عامين فقط من توليه السلطة ، [ سنتحدث قريباً عن هذا الفتح العظيم ] . وصالح أمير الصرب مقابل جزية قدرها ثمانون ألف دوك عان 857، وفي السنة الثانية دخل السلطان إلى بلاد الصرب، وحاصر بلغراد، ودافع عنها المجر، ولم يتمكن العثمانيون من فتحها، ثم صار الصدر الأعظم محمود باشا ففتحها بين 861 – 863. وتمكن من فتح بلاد الموره عام 863، وفر ملكها إلى إيطاليا، كما فتح الجزر التي في بحر إيجه قرب مضيق الدردنيل. وعقد صلحاً مع اسكندر بك أمير ألبانيا. توجه سراً إلى الأناضول ففتح ميناء (اماستريس) الذي يتبع جنوه، وأكثر سكانه من التجار، كما دخل ميناء سينوب ، واحتل مملكة طرابزون دون مقاومة ، وكانت تتبع القسطنطينية. سار إلى أوروبا لمحاربة أمير الأفلاق لظلمه وتعديه على العثمانيين ، فطلب الأمير صلحاً مقابل جزية سنوية قدرها عشرة آلاف دوك ، فوافق السلطان غير أن هذا الأمير لم يطلب هذا الصلح إلا لتتاح له الفرصة ليتفق مع ملك المجر لمحاربة العثمانيين. فلما اتفقا، وعلم السلطان أرسل إليه رجلين يستوضح الخبر فقتلهما أمير الأفلاق، وسار مغيراً على أملاك الدولة العثمانية في بلغاريا، فأفسد فيها ، واستاق الأسرى. فأرسل إليه السلطان وفداً يطلب منه أن يعيد الأسرى، ويبقى على صلحه ، فمثل بهم شر تمثيل ، فسار إليه السلطان ففر أمير الأفلاق إلى ملك المجر ، فضم السلطان الأفلاق إلى العثمانيين ، وعين أخا أمير الأفلاق والياً عليها من قبله. وامتنع أمير البوسنة عن دفع الخراج فسار إليه السلطان ، وانتصر عليه ، وضم البوسنة للدولة العثمانية ، وحاول ملك المجر مساعدة أهل البوسنة (البوشناق) لكنه هزم. وأسلم الكثير من البوشناق بعد ذلك. واصطدم السلطان مع البنادقة الذين يملكون بعض المواقع في بلاد المورة، وجزراً كثيرة في بحر إيجه ، وقد هاجم البنادقة بعض المراكز العثمانية ودخلوها ، فسار إليهم السلطان ففروا من مواقعهم ، ودخلها العثمانيون. وبعد هدنة سنة عاد البنادقة لغيهم إذ أرادوا استعادة ما فقدوه ، وبدؤوا يغيرون على الدولة فكانت النتيجة أن فقدوا بعض مواقعهم المهمة. بدأ البابا يدعو إلى حرب صليبية فشجع اسكندر بك أمير ألبانيا على نقض عهده مع السلطان، ودعا ملوك أوربا وأمرائها لمساندته، غير أن البابا قد توفي ولم تقم الحرب الصليبية، لكن اسكندر بك نقض العهد، وحارب العثمانيين، وكانت الحرب سجالاً بين الطرفين. وتوفي اسكندر بك عام 870. اتجه السلطان إلى الأناضول فضم إليه إمارة القرمان نهائياً إذ اختلف أبناء أميرهم إبراهيم الذي أوصى عند وفاته لابنه إسحاق فنازعه إخوته، فأيد السلطان إخوة إسحاق عليه وهزمه ، وعين مكانه أحد إخوته ، فلما رجع السلطان إلى أوروبا ، احتل إسحاق قونية وفرض نفسه ، فرجع إليه السلطان وهزمه ، وضم الإمارة إلى الدولة العثمانية. وهاجم أوزون حسن أحد خلفاء تيمورلنك شرقي الأناضول، واحتل مدينة توقات، فأرسل إليه السلطان جيشاً هزمه عام 874، ثم سار إليه السلطان بنفسه على رأس جيش وأجهز على ما بقي معه من جنود. عرض السلطان عام 878 على أمير البغدان اصطفان الرابع الجزية حتى لا يحاربه فلم يقبل الأمير، فأرسل إليه جيشاً وانتصر عليه بعد حروب عنيفة، ولكن لم يستطيع فتح هذا الإقليم ، فعزم السلطان على دخول القرم للإفادة من فرسانها في قتال البغدان ، وتمكن من احتلال أملاك الجنوبيين الممتدة على شواطئ شبه جزيرة القرم ، ولم يقاوم التتار سكان القرم العثمانيين بل دفعوا لهم مبلغاً من المال سنوياً . وأقلعت السفن الحربية العثمانية من القرم إلى مصب نهر الدانوب فدخلت ، وكان السلطان يدخل بلاد البغدان عن طريق البر ، فانهزم اصطفان الرابع ، فتبعه السلطان في طريق مجهولة ، فانقض عليه اصطفان الرابع وانهزم السلطان ، وارتفع اسم اصطفان الرابع وذلك عام 881 . وصالح السلطان البنادقة ، وانهزم أمام المجر عندما سار لفتح ترانسلفانيا ، ولكنه في البحر فتح الجزر التي بين اليونان وايطاليا ، كما فتح مدينة (اوترانت) في جنوبي شبه جزيرة ايطاليا عام 885 ، وحاصر في العام نفسه جزيرة ( رودوس) ولم يتمكن من فتحها. وفي أثناء حصار القسطنطينية عرف ضريح أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، فبنى عنده مسجداً ، وأصبح تنصيب السلاطين يتم بهذا المسجد. وتوفي السلطان محمد الفاتح يوم 4 ربيع الأول عام 886 عن عمر ينوف على خمس وخمسين سنة بعد أن حكم إحدى وثلاثين سنة. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/86 ، و الدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص 139 |
الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 01:57 AM . |
مجالس العجمان الرسمي