هامش على : حقيقة قطع النفط العربي عن الغرب
أعلم يقينا أن"الحقيقة"ليست قريبة المنال،خصوصا فيما يتعلق بالتاريخ .. قديمه .. وحديثه .. ولكنها – أي الحقيقة – في زماننا باتت .. وأضحت .. وظلت .. وأمست .. أبعد منالا .. وأشد تفلتا .. مع وجود هذه السيول الهادرة من المعلومات .. والمعلومات المضادة.
دار حديث – قبل فترة – عن مسألة استعمال النفط العربي كسلاح .. إلخ.
قررت- منفردا - أنني سألقي نظرة على الموضوع .. صادفت موضوعين .. الأول بعنوان :
(قطع النفط عن أمريكا : القصة الكاملة )بقلم أسامة خالد،أما الموضوع الثاني فكان بعنوان :
(حظر البترول العربي 1973 .. الحقيقة بعيدا عن الأسطورة) بقلم محمود عرفات.
الموضع الثاني تبدو النبرة العدائية فيه واضحة،بداية من إطلاق مسمى الخليج الفارسي،والامتنان على دوله بارتفاع أسعار النفط .. بل وصل الأمر إلى القول أن السعودية شاركت في العدوان على مصر – ضمنا – بتزويدها السفن الأمريكية بالوقود في عرض البحر،وبتوجيه مباشر من الملك الفيصل – رحم الله والديّ ورحمه – وطلبه "تزوير"الاسم الحقيقي للجهة التي تلقت الوقود!! إضافة إلى الإشادة بمن ساعد مصر فعلا .. أي الروس وليبيا .. ولكن إعلام السادات زور الحقيقة لصالح من ينتفع منهم!!
لفت نظري أيضا
( في 22 ديسمبر عقدت أوبك اجتماعا في طهران ومثّل السعودية وزير النفط أحمد زكي يماني وأصر الشاه على رفع أسعار النفط من 3.5 دولار إلى 7 دولار. رفضت السعودية الارتفاع مطلقا){ (قطع النفط عن أمريكا : القصة الكاملة ) : أسامة خالد }.
في المقابل :
(في 22 ديسمبر 1973م ست دول من الدول الخليجية المنتجة للنفط "السعودية والإمارات والكويت والعراق وقطر وإيران"تعلن رفع أسعار خاماتها من 5.8 دولار إلى 11.5 دولار ابتداء من يناير 1974م){ حظر البترول العربي 1973 .. الحقيقة بعيدا عن الأسطورة : محمود عرفات}.
وفي نفس المصدر :
(لاحقا بضغط من كيسنجر وبضغط من السادات رفع الحظر سريعا في 17 مارس 1973 باستثناء ليبيا التي لخم ترفع الحظر){ حظر البترول العربي 1973 .. الحقيقة بعيدا عن الأسطورة : محمود عرفات}.
بينما نجد في الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" : ( أزمة النفط عام 1973، أو صدمة النفط الأولى بدأت في 15 أكتوبر 1973،عندما قام أعضاء منظمة الدول .. (..) بإعلان حظر نفطي لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967).
وكذلك :
(كشفت وثائق بريطانية عن أن الولايات المتحدة فكرت في استخدام القوة للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط أثناء حرب أكتوبر 1973).
أشير أخيرا قبل أن أترككم مع النصين - ثم مع نصوص اخترتها من كتاب"الجانب الخفي من تاريخ البترول"لمؤلفين فرنسيين - ولا أعلم إن كانت هذه الإشارة تعطي أملا في الوصول إلى بعض الحقيقة .. أم بالعكس!
كنت قد قرأت – ربما لدى محمد جلال كشك – عن الفريق صدقي محمود،والذي كان من أسباب هزيمة 67وأنه لم يعاقب .. ربما أحيل للاحتياط فقط .. والعهدة على الذاكرة .. فالكتاب ليس بين يديّ .. وفي كتاب آخر،عرضا وجدت مصطفى أمين يقول،عند حديثه عن الشخصيات التي تعرف عليها في السجن :
(بالعديد من القيادات السياسية التي سجنها عبد الناصر بعد الهزيمة وأذكر منهم الفرق صدقي محمود قائد الطيران في حرب 1967،الذي قال لي إنه نصح عبد الناصر بأنه إذا لم نقم نحن بالضربة الأولى فسوف نهزم .. ولكن عبد الناصر أصر على أننا لا نضرب الضربة الأولى){ص 29 – 30 ( حكايتي مع السجن ) / حنفي المحلاوي / القاهرة / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى 1413هـ = 1993}.
الذي لا شك فيه أن أي كتابة تسعى لشيطنة "شخص" – أو جهة - أو جعله "ملكا"ستكون موضع شك في نية صاحبها.. ربما المبيتة.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي
قطع النفط عن أمريكا: القصة الكاملة
الكاتب: أسامة خالد
19 يوليو, 2013
كثيرا ما تُختَزل سير القادة في الذاكرة الشعبية بأحداث معدودة تُستَنبط منها صفاتهم وطموحاتهم. تُضَخم تلك الأحداث وتُسطح ويُعاد تفسيرها حسب الحاجة. يصعب استحضار شخصية الملك فيصل دون الرواية الأسطورية لقطع النفط عن الولايات المتحدة التي انطلقت شرارتها مع بدء حرب أكتوبر في مثل هذا اليوم العاشر من رمضان من عام 1393هـ الموافق للسادس من أكتوبر من عام 1973. تخفي الرواية المنتشرة أكثر مما تظهر وتنقل معها سردًا مشوّها للتاريخ.
أتاح مشروع ويكيليكس مؤخرا أكثر من مليون وسبع مئة ألف برقية توثّق مراسلات السفارات الأمريكية ولقاءاتها واستراتيجيتها وتحليلاتها في حقبة السبعينيات. تعد تلك البرقيات مرجعا ثريا وسردا دقيقا يساعد على فهم كواليس السياسة الحديثة، ولعل أهم حدث على الصعيد العربي في تلك الفترة كان حرب أكتوبر. راجعت مئات من تلك البرقيات وفيما يلي سرد للدور الكامل للسعودية في الحرب وقطع النفط.
طالما كان سلاح النفط موضعا للسجالات الإعلامية والتهديدات الصورية ففي أغسطس 1973 التقى الملك فيصل بالمُمثّل الأمريكي لشركة أرامكو (حيث كانت ملكية الشركة تشترك فيها السعودية وأمريكا) فأخبره أن السعودية قد تستخدم سلاح النفط للدفاع عن القضية الفلسطينية. التقى المُمثّل بعد ذلك بوزير الداخلية الأمير فهد الذي أكد على قوة علاقته بأمريكا وإيمانه بأن مصلحة السعودية تكمن في تلك العلاقة وأنه بصفته رئيس المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن سيحرص أن تبقى السياسة النفطية تحت السيطرة.1 في سبتمبر 1973 زار الملك فيصل السفارة الألمانية ليؤكد عمق العلاقة بين السعودية وأمريكا وعلى ضرورة أن تسعى ألمانيا والسعودية للتقرب من أمريكا وحفظ العلاقات معها فعدتها السفارة تراجعا عن التهديد.2
في 10 رمضان الموافق 6 أكتوبر كانت السعودية أمام اختبار حقيقي حين شنّت سوريا ومصر هجوما مشتركا لاستعادة الجولان وسيناء الذيْن احتلتهما إسرائيل عام 1967. تؤكد البرقيات السرية أن السعودية لم تكن تعلم عن الهجوم شيئا، بعكس الروايات التي تحاول إبراز دورها زاعمة أن استخدام النفط كان قد رُتّب له مسبقا لإنجاح المعركة. الواقع أن الملك فيصل بدا مستاءً من الهجوم لأنه سيضعه في موقف حرج مع الولايات المتحدة ولأنه سيبدو متخلفا عن الركب ولأن الاتحاد السوفيتي قد يجدها فرصة للنيل منه.3 في 8 أكتوبر التقى محمود ملحس مساعد الأمير فهد بالسفير الأمريكي وأكد له أنه منزعج مما أقدمت عليه سوريا ومصر وأنه يعده عبثيا لكن السعودية ستضطر لمساعدتهما مراعاة للضغوط الداخلية.4 ظهر سريعا التفوق العسكري العربي لدرجة أذهلت الدبلوماسيين الأمريكيين الذين علموا أن أمريكا ستزود إسرائيل بالسلاح فطلبوا من واشنطن أن يكون تدخلها هادئا.5 كان المسؤولون السعوديون على علم بتسليح أمريكا لإسرائيل لكنها برّرت لهم ذلك بأن الاتحاد السوفيتي يزود العرب بالسلاح وأن ذلك يجعل الكفتين غير متساويتين.6 عتّمت الصحافة السعودية على أي ذكر لتسليح أمريكا لإسرائيل بل ذهبت أبعد من ذلك فحذفت أجزاءً من خطبة للسادات يشير فيها إلى معونة أمريكا لإسرائيل؛7 وأخبرت وزارة الإعلام السفارة الأمريكية أنها أقدمت على ذلك تفاديا لتهييج المشاعر ضد أمريكا.8
في هذه الأثناء التقى السفير البريطاني بعدد من المسؤولين السعوديين وجميعهم بلا استثناء كان قلقا من أن السعودية قد تضطر للمشاركة الفعلية لأنها إن لم تفعل فسيحملها العرب المسؤولية حال الخسارة وسيلومونها حال الفوز وانتقد بعضهم بشدة السادات وبدأه للمعركة.9 في 9 أكتوبر كان وزير الدولة للشؤون الخارجية عمر السقاف في الأمم المتحدة وهدد بقطع النفط، لكن يبدو أنه كان تصريحا ارتجاليا إذ إن السفارة البريطانية سألت سعود الفيصل عن ذلك فأخبرهم أنه لم يكن على علم مسبق.10 صرّح الأمير سلطان أيضا أن السعودية ستقلل من إمدادات النفط لكن الخارجية السعودية أخبرت السفارة أن حديث الأمير سلطان عام ولا علاقة له بالظروف الراهنة. في ذات الأثناء أخبر مسؤولون سعوديون السفارة الأمريكية أنهم يستبعدون أن تخوض السعودية الحرب،11 لكنها لا تستطيع أن تمكث هكذا ولذا فإن اضطرت للمشاركة فستكون مشاركتها رمزية.12 في 10 أكتوبر أخبرت السعودية الأردن أنها سترسل كتيبة إلى سوريا فخاف رئيس الوزراء الأردني زيد الرفاعي من ذلك فاتصل بالسفارة الأمريكية في عمّان ليطلب منها أن تتواصل مع الملك فيصل لأن الأردن لن تستطيع أن ترفض.13في هذه الأثناء كانت الصحافة السعودية تهوّل من دور السعودية وتشيد بمشاركتها في الجبهة السورية ولتتأكد أمريكا أن السعودية لن تُقدِم على شيء ولتُحكِم قبضتها راسلت وزارة الخارجية الأمريكية شركات الدفاع الأمريكية طالبة منها ألا تشترك في أي نشاط خارج الحدود السعودية.14 في 11 أكتوبر التقى الأمير نواف بن عبد العزيز السفير الأمريكي ليؤكد له حرص السعودية على علاقتها بأمريكا وعلى ضرورة وقف إطلاق النار وأكد له أن العرب لا يريدون تدمير إسرائيل بل تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967.15
في 10 أكتوبر دعت الكويت الدول المُصدّرة للنفط لاجتماع عاجل لبحث استخدام سلاح النفط وجاءت الدعوة بعد تنامي ضغط البرلمان الكويتي والاحتجاجات الشعبية.16 عدت السعودية المبادرة محرجة لأنها لا تريد المغامرة.17 في ذات الوقت أكد ولي العهد الكويتي جابر الأحمد الصباح للسفير البريطاني أن الكويت “لا تريد أن تضر أصدقاءها فهي تحتاجهم”. في 17 أكتوبر عُقد الاجتماع وسرعان ما وشى وزير النفط السعودي أحمد زكي يماني بمجرياته التفصيلية للسفارة الأمريكية: كانت العراق وليبيا تقفان في الجانب “الرديكالي” فطالبا بقطع النفط تماما وقطع العلاقات مع أمريكا وسحب أرصدة الدولار لينهار، لكن السعودية واجهت بشدة كل تلك المقترحات، فدعت العراق الدول للانسحاب من الاجتماع لكن أحدًا لم يلحق بها. انتهى الاجتماع بعد التسوية إلى خفض نسبة الإنتاج 5% على الأقل شهريا وبأثر رجعي حتى حل القضية.18
في 19 أكتوبر طلب الرئيس الأمريكي ريتشارد نكسون من الكونغرس اعتماد معونة عسكرية عاجلة لدعم إسرائيل بمبلغ 2.2 مليار دولار. كان التطور صارخا ولا يمكن كتمانه كما كُتِمت المعونات السابقة، فاضطرت السعودية لإعلان قطع النفط عن أمريكا بعد أن قامت ليبيا بذلك.
حاولت العراق استثمار الفرصة لرفع سقف الطموحات فطالبت بتأميم شركات النفط وسحب جميع الأرصدة العربية من الدولار وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع أمريكا ثم هاجم إعلام العراق السعودية واتهمها بالخيانة والوقوف على المصالح الأمريكية. وصرّح وزير النفط السوري أنه كان ينتظر إجراءات أقوى على الجبهة النفطية.19
قُسّمت الدول المستهلكة للنفط لثلاثة أقسام: دول مُقاطَعة وهي الدول التي تسلح إسرائيل ولا تنال من نفط السعودية شيئا (أمريكا وهولندا والبرتغال)، ودول مُحبّذة وهي الدول التي أدانت إسرائيل وتنال حصتها كاملة كما كانت قبل الحرب دون نقصان (بريطانيا وفرنسا وإسبانيا)، ودول غير مُحبّذة وهي الدول التي لم تنحز للعرب وتتأثر بالنقصان الشهري المتصاعد لإمدادات النفط (بقية دول العالم).20
لم يكن قرار قطع النفط مؤثرا على بقية العلاقات العسكرية والتجارية والدبلوماسية والشخصية بين السعودية وأمريكا.
على الصعيد العسكري التقى نائب وزير الدفاع الأمير تركي بن عبد العزيز برئيس البعثة الأمريكية للتدريب العسكري في 21 أكتوبر (بعد الحظر بيومين) ليؤكد له أن السعودية اضطرت لاتخاذ هذه “القرارات السياسية” وأنها يجب ألا تؤثر في التعاون العسكري،21 وبعد أسبوع زار نائب رئيس شركة ريثيون الأمريكية للسلاح وزير الدفاع الأمير سلطان ليطمئن على استمرار صفقة شراء معدات دفاعية،22ثم زار وفد سعودي ولاية جورجيا الأمريكية ليستلم طائرات حربية من شركة لوكهيد،23 وتواصل رئيس الحرس الوطني الأمير عبد الله بن عبد العزيز مع السفارة الأمريكية طالبا صفقات للحرس الوطني.24
أما على الصعيد الاقتصادي فأكّد رئيس مؤسسة النقد السعودي أنور علي للسفارة الأمريكية أن السعودية لا تنوي سحب أرصدتها من الدولار،21 وراسلت السفارة الأمريكية وزارة الخارجية الأمريكية لتبلغها أن بإمكان رجال الأعمال الأمريكيين القدوم وإتمام صفقاتهم كما كانوا25 وأجريت مشاورات عن استمثار شركة جنرال موتر في السعودية.26
أما على الصعيد الدبلوماسي فاستمرت الاتصالات الدبلوماسية بين المسؤولين السعوديين والسفارة الأمريكية بل أُبلِغت أن السعودية لن تقطع علاقتها بأمريكا حتى لو قطعتها كل الدول العربية. وأكد أحمد زكي يماني أن علاقة السعودية بأمريكا ستكون أقوى مما كانت بعد انتهاء الأزمة.27 وأكد الملك فيصل لوزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر أن المقاطعة لن تنتهي فحسب بل سيزداد الإنتاج النفطي عما كان عليه قبل الحرب.28 أما وزير الدولة للشؤون الخارجية عمر السقاف فزار عددا من العواصم العربية (منها القاهرة ودمشق) ثم عاد ليبدي للسفارة الأمريكية استياءه من التوجه العربي “العدواني” لأنه وجد أنهم يعتقدون أن بإمكانهم الإثخان في إسرائيل ولم يكونوا حريصيين على إيقاف إطلاق النار وطلب من أمريكا أن تصدر تصريحا يعزّز من موقف “المعتدلين” (السعودية والمغرب وتونس).29
وفوق ذلك كله كانت العلاقات الشخصية بين المسؤولين السعوديين والأمريكيين متينة إذ كان السعوديون يسمون الأمريكيين “الأصدقاء”، وفي عيد الفطر لعام 1973 (في ظل توتر حاد على الجبهة المصرية الإسرائيلية) دعا وزير النفط أحمد زكي يماني السفير الأمريكي لقضاء إجازة العيد معه.30
كانت السعودية في وضع ممتاز: قدّمت أقل ما يمكن أن تقدمه، وحافظت على علاقات متينة بأمريكا، وحقق الملك فيصل منزلة نضالية لم يسبق له أن نالها31(ولا تزال تذكر له إلى اليوم). وعلاوة على ذلك كله زاد دخل السعودية نتيجة لزيادة لارتفاع الطلب على النفط وانخفاض العرض؛ حيث قدرت السفارة الأمريكية الزيادة بأنها من 4 إلى 8 مليارات دولار سنويًا.32
في 26 نوفمبر 1973 عُقِدت قمة عربية في الجزائر وحضرها الملك فيصل وقررت القمة أن تترك المجال لكل دولة لتخفض من إنتاجها النفطي كما شاءت. أبدى السفير السعودي في بريطانيا عبدالرحمن الحليسي سعادته للسفير الأمريكي لأن هذا القرار سيخفف الضغط على السعودية.33
في 22 ديسمبر عقدت أوبك اجتماعًا في طهران ومثّل السعودية وزير النفط أحمد زكي يماني وأصر فيه الشاه على رفع أسعار النفط من 3.05 دولار إلى 7 دولار. رفضت السعودية الارتفاع مطلقا لكن الشاه أكد أنه تشاور مع أمريكا وبريطانيا وكلاهما وافقا على الرفع. اتصل يماني بالسعودية فأمره الأمير فهد ألا يواجه الشاه وأن يقبل. عاد يماني من الاجتماع ليشي مجددا بمجرياته للسفير الأمريكي ويخبره أنه حاول جاهدا أن يقنعهم بتخفيض الأسعار، فأخبره السفير أن الولايات المتحدة -بعكس دعوى الشاه- لم توافق على الرفع فأجابه يماني أن السعودية ستدعو لاجتماع آخر عاجل لأعضاء أوبك للتراجع عن القرار.34 وهذا ما جرى، ففي 8 يناير 1974 اجتمعت دول أوبك في جنيف وهددت السعودية بأن تخفض وحدها الأسعار.35
في أواخر ديسمبر 1973 تلقى الملك فيصل رسالة من معمر القذافي يحرض فيها على السادات الذي بدأ مفاوضات السلام مع إسرائيل ويتهمه فيها بالخيانة، فسارع عمر السقاف في اليوم التالي إلى السفارة الأمريكية ليعرضها عليهم ويعرض عليهم مسودة رد الملك التي خطّأ فيها القذافي وحدثه عن ضرورة القبول بالحلول “الواقعية”.36
في 18 يناير 1974 وقّعت مصر وإسرائيل اتفاقا تنسحب بموجبه إسرائيل عن غرب قناة السويس (التي احتلتها بعد بدء الحرب) وتحافظ على سيطرتها على معظم سيناء، وبقيت الجبهة السورية دون تسوية. في أواخر يناير تصدّرت السعودية مساعي إلغاء المقاطعة عن أمريكا وسعت لإقناع بقية الدول ثم التقى عمر السقاف بالسفير الأمريكي ليبلغه بالردود التي تلقاها (لم يمانع إلا ليبيا)، واعترف السقاف للسفير أنه رغم سعادته بانتهاء الحرب إلا أن ما تم لا يمكن أن يعد إنجازا لهدف المقاطعة.37 في أوائل فبراير التقى السفير الأمريكي بنواف بن عبد العزيز (مستشار الملك فيصل) ومساعد بن عبد الرحمن (وزير الاقتصاد) وكلاهما أبلغاه أنه لو كان الأمر بيد الملك فيصل لألغى المقاطعة فورا لكنه يخشى من أن يناله نقد بقية الدول العربية وأن يُتّهم بشق الصف العربي ولذا فلن يتخذ قرارا قبل قمّة طرابلس التي عقدت أخيرا في 13 مارس.38 لم ينتج عن تلك القمة اتفاق لأن ليبيا أصرت على تأجيل إلغاء المقاطعة لحين تسوية الجبهة السورية، فأُجل إعلان الرفع إلى قمة أوبك في فينا لأن الحضور رأوا أنه من غير الملائم أن يتم ذلك من الأراضي الليبية رغم معارضتها.39 في 18 مارس أعلن أحمد زكي يماني في مؤتمر صحفي لأوبك أن السعودية ومصر والكويت وقطر والإمارات والبحرين قرروا إلغاء المقاطعة عن أمريكا مع امتناع ليبيا وسوريا عن ذلك.40 تعهد يماني أن تعوّض السعودية أمريكا عن النقص الذي سيلحقها بسبب مقاطعة ليبيا وأنها ستزود إنتاجها 300،000 برميل،41 بل ذهب أبعد من ذلك وأخبر السفارة سرًا أن السعودية ستزيد الإنتاج إذا ما احتاجت أمريكا ذلك.42
في الأيام التالية شنت الصحافة اليسارية هجوما على موقف السعودية وعدَّته بعضها خيانة للقضية وتعاميا عن أن أمريكا لم تقدم شيئا بل أثبتت الحرب تماهيها مع الموقف الإسرائيلي.43 44 أحست السفارة الأمريكية بمقدار الهجوم فأرسلت إلى واشنطن طالبة أن يشكر الرئيس الأمريكي الملك فيصل وأن يهنئه وأشادت ب”حكمة” السعودية ودورها “القيادي”.45
وهكذا انتهت 150 يومًا من قطع النفط عن الولايات المتحدة: لم يكن الدور السعودي بطوليا فدائيا ولا رياديا، بل كان دور الحريص على تخفيف المقاطعة وتأجيلها قدر المستطاع ثم دور الواشي بالاجتماعات والمراسلات ثم دور الساعي لرفع المقاطعة سريعا بأقل المكاسب. كانت معركة إعلامية ومساومة سياسية ما تزال أساطيرها سائدة حتى اليوم.
(هذه المقالة حُرّة: يحق لك نسخها وتعديلها دون حاجة لإذن شريطة أن تنسبها إلى مؤلفها وأن تبقيها حُرّة)
http://www.almqaal.com/?p=2928
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حظر البترول العربي 1973..الحقيقة بعيداً عن الأسطورة :محمود عرفات
في إحدى ورش عمل القاهرة تحدث أحد المحاضرين عن كون دول الخليج الفارسي تدين لمصر وسوريا بتفجر الثروة البترودولارية حين ارتفعت الأسعار عشية حرب أكتوبر وانتهت الجملة لهذا الحد لكن كانت حتماً تحتاج لتكملة، حتى نفهم قصة البترول العربي علينا قراءة تاريخ هذه المنطقة منذ القرن الثامن عشر لليوم وقصة البترول بالذات والتي أظن أفضل تلخيص لها يوجد بالكتابين “تاريخ العربية السعودية” و”الملك فيصل” لإلكسي فاسيليف وكذلك في كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل “حرب الخليج أوهام القوة والنصر” عن حرب الخليج الثانية وفيها لخص تاريخ البترول الخليجي والسعودي بالذات وربما أيضاً “مدافع آيات الله” للحديث عن البترول الإيراني و”الطريق إلى رمضان” الذي ذكر فيه نقاطًا هامة عن المسألة في نهاية الكتاب، الآن نتكلم عن النصف الثاني وهو لغز البترول الخليجي في حرب تشرين 1973 و ما يسمى بالحظر النفطي أو العقوبات العربية على الغرب في الحرب تاركين لكم في النهاية قرار و تقدير الأمر كاملاً…
.. أولاً: ما قبل 1973.
بخلاف المتوارد فقد تعددت الأزمات النفطية في العالم و الولايات المتحدة قبل عام 1973 و يمكن القول أن الأزمة في الحرب كانت مألوفة لولا أن الضغط الإعلامي المرتبط بالحرب صنع صورة غير دقيقة عن مسألة “أزمات النفط” و ربط الأمر كله بعام 1973 و هذا خطأ جسيم ، بالتالي رصد للأزمتين السابقتين لأزمة عام الحرب:
-1- أزمة 1967:
بعد نهاية حرب الأيام الستة و في اجتماع لوزراء النفط العربي بين 9-18 يونيو 1967 تم اتخاذ قرارين:
-أ- “لا يسمح بوصول النفط العربي بشكل مباشر أو غير مباشر للدول المعتدية أو البلدان المشاركة في العدوان على سيادة أي دولة عربية أو أراضيها أو مياهها الإقليمية، ولا سيما خليج العقبة”.
-ب- “مشاركة أي بلد، بشكل مباشر أو غير مباشر في العدوان المسلح ضد الدول العربية سوف تجعل أصول شركاته ومواطنيه داخل أراضي البلدان العربية تخضع لقوانين الحرب، ويشمل ذلك أصول شركات النفط.”
قامت الدول المنتجة للبترول بمنع التصدير للدول المتحالفة مع إسرائيل و كانت العراق أولى دول المنع يوم 6 يونيو ليتم التعميم شكلاً على دول العالم كله ثم في 12 يونيو تم قصر الحظر فقط على دولتي الولايات المتحدة و بريطانيا ، في الواقع كانت الخلافات و الإشكاليات بين أنظمة الحكم قد حولت الحظر لمجرد عمل شكلي إذ إستمرت شحنات النفط ترسل للعالم كله و منه إلى الدولتين المحظورتين كمحاولة للتهرب من القرارات ، لم ينجح حظر النفط في توحيد القرار ولا حتى حظره فعلا عام 1967 و كانت الميزة الوحيدة في قمة الخرطوم سبتمبر 1967 أن تم السماح بالتصدير و تمرير معونات كبيرة لمصر و سوريا للوقوف ضد آثار الحرب و كان الأمر يتم تحت ضغوط شعبية هائلة بالداخل السعودي تحديداً كما سنرى لاحقاً و بهذا انتهى حظر نفط 1967 بفشل صنعته الاضطرابات الداخلية والخلافات بالرأي و الخداع من أنظمة إنتاج البترول.
-2-إلغاء بريتون وودز:
في 15-8-1971 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الناص على كون الدولار مرجعية للعملات بسعر صرف محدد له وربط الدولار بالذهب بحيث يكون قابلاً للتحويل ذهباً فور الطلب، كانت النتائج الفورية خروج الاسترليني من بريتون وودز تلقائياً و بداية تعويم العملات الأجنبية بالنسبة للدولار من الدول الصناعية وبالتالي انخفضت قيمة الدولار عالمياً وكانت أخطر الانعكاسات أن بات منتج النفط الأمريكي يحصل في النهاية على أقل من “الدخل الحقيقي” بالدولار بحكم كونه معيار النفط أو بمعنى آخر كانت الخسائر على المدى الطويل هائلة مما دفع منظمة الأوبك لتجنب الخسائر بالإعلان عن أنها تقبل بيع النفط بالذهب في إشارة لسوء حالة الدولار كمعيار للنفط و حتمية الخسارة فيه خاصة بعد قيام نيكسون في مايو 1973 بخفض قيمة الدولار 15% مما دفع السعودية لزيادة الانتاج مرغمة لتعويض الخسارة و زاد إنتاج السعودية بنسبة 43%، والإمارات 30.4 %، وقطر 31.1، وليبيا 1.3%، والجزائر 5.8%و كانت لهذه الأمور معاً آثار عرفت بأزمة السبعينيات أو أزمة العام 1972.
-3- أزمة 1972:
ببداية عام 1972 تعرضت الولايات المتحدة لأزمة وقود نتيجة للفقرة السابقة وأسباب أخرى و أغلقت كثير من محطات الوقود أبوابها و تقلصت الكميات المرسلة للمستهلكين و لم يكن الأمر أزمة طاقة عمليا بل أزمة في سوق النفط فأمريكا بكل مواردها لا يمكن عملياً أن تقع في تلك الأزمة لكن المشكلة في رداءة “تنسيق استخدام وإنتاج الطاقة” لعدة أسباب أهمها تقليص إنتاج الطاقة من نفط و فحم عبر سلسلة قوانين لحماية البيئة بين عام 1970 و 1971 أهمها قوانين الهواء النقي أغسطس 1971 و المياة النقية فبراير 1972 مما شكل تقليص لإنتاج الطاقة مع رفض الحكومة المركزية طلب رفع معدل إنتاج البترول محلياً المقدم من منتجي النفط المحليين المتخوفين من السماح باستيراد مفتوح للنفط يجعل النفط المستورد من الخليج العربي أرخص من الإنتاج المحلي فتنهار أعمالهم مما ولد أزمة كبيرة في كمية الطاقة المطروحة وبهذا باتت أمريكا بين خيارين الأول إما رفع سعر النفط داخل البلاد والسماح باستخدام آبار جديدة ورفع الإنتاج وتغيير قوانين البيئة أو تسمح بتدفق النفط المستورد مما سيحول النفط المستورد لأرخص من النفط المحلي بحكم فارق الأسعار بين ما تصدره دول النفط و بين السعر المحلي فيكون النفط المستورد رائج بينما الإنتاج المحلي يصاب بالركود، كان قرار الحكومة حلاً مؤقتًا جداً عبر زيادة حصص الاستيراد ومن الجانب المقابل أعفى شركات البترول من الضرائب ل 5 سنوات لكل انواع الزيوت المستورد للتكرير (الكمية 5% فقط من إحتياجات الولايات المتحدة كلها منها فقط 18% مستورد من البلاد العربية بما يساوي في احسن الاحوال 2% فقط من مجمل الاستيراد الامريكي و حسب مصادر اخرى فإنها تزيد إلى 4-10% و لكن بشكل غير دقيق) على الجانب الاقتصادي الاخر من العالم كانت اوروبا بإنعدام إنتاجها النفطي تقريبا وصلت لدرجة إستيراد 80% من إحتياجاتها النفطية و اليابان 90% مما جعل المشكلة حاضرة إلى عام 1973 حينما قامت الحرب في السادس من اكتوبر ليتغير كل شئ ليس فقط لصالح الولايات المتحدة إقتصادياً و لصالح الإدارة الامريكية و الشركات البترولية بل لصالح المنافسة مع اوروبا و اليابان بصورة مثيرة للسخرية فبينما نعتبر ازمة 1973 ضاربة لأمريكا في الواقع هي حلت المشكلات بشكل سحري كما سنرى الان إن شاء الله!
ثانياً: أزمة نفط 1973.
مع اندلاع الحرب بدأت الدعوة لوقف الإنتاج النفطي للغرب و الواقع أنه حتى الحرب لم تكن هناك وسيلة واضحة لاستخدام البترول كسلاح في الحرب ولم يكن العرب قد اتفقوا على شىء محدد يمكن صياغته وكانت وجهة نظر السادات التي وافق عليها الملك فيصل في الثامن من أكتوبر عبر د. مصطفى خليل هي ان البترول سلعة إستراتيجية و ليس سلاح و ممكن المساومة به و لا يجب على دول الانتاج معاداة دول الاستهلاك و ضرورة الاتفاق حول الاستهلاك و الانتاج و أن يتوازى سعره من مصادر الطاقة الأخرى مع الحفاظ على مستوى إنتاج يحقق الربح ، بخلاف هذه الافكار العامة لم يمتلك العرف عملياً خطة او أي آلية لحظر النفط بشكل واضح فيما إقترح الملك فيصل عدم قطع النفط عن اوروبا الغربية و اليابان ، و التالي خلاصة الأزمة و موقع الولايات المتحدة فيها:
* تسلسل الأزمة كان متوالياً و بسرعة لا تترك وقتاً للعمل أو التفغكير بالعواقب و من المستفيد في الحقيقة:
1) في 1 يولية 1973م توقيع اتفاقية جنيف المعدلة بين ست من دول الخليج المنتجة للنفط وليبيا ونيجيريا زادت بموجبها الأسعار المعلنة للنفط بنسبة 11.9%.
2) في أغسطس 1973 تم الإتفاق بشكل غير واضح على إستخدام “سلاح النفط” في الحرب بحضور السادات و فيصل (سبق زيارة مصطفى خليل التي هي نفسها لم تحدد خطة).
3) بالسادس عشر من أكتوبر 1973 إعلان السعودية و أبو ظبي و إيران و العراق و الكويت تقليل الانتاج 15% و رفع الاسعار المعلنة للزيت الخام من خلال الأوبك بنسبة 70% لتصل 5 دولارات و 12 سنت (لا أفهم ما علاقة هذا بعقاب الولايات المتحدة فالتصرف واضح بالرغبة في تحقيق أرباح و في نفس الوقت حل مشكلات شركات بترول أمريكا!!!).
4) في اليوم التالي السابع عشر من اكتوبر تم إقرار أوبك “إستخدام النفط كسلاح” في مشهد يؤكد أن قرار الأمس لا علاقة له عملياً بسلاح النفط بقدر رغبة في تحقيق أرباح بشكل متسرع حل مشكلات شركات أمريكا و لم يعاقبها.
5) في نوفمبر 1973 يرتفع التخفيض لنسبة 25% من الانتاج أيضاً بدون دراسة و لا معرفة من سيتعرض للضرر أصلا و ما أهداف التقليل بحكم أن أمريكا تستورد وقتها من العرب 2% فقط من إحتياجاتها.
6) ديسمبر 1973 زيادة الخفض بالانتاج الى 30%.
7) ديسمبر 1973 الغاء ال5% السابقة!
8 ) في 22 ديسمبر 1973م ست دول من الدول الخليجية المنتجة للنفط (السعودية والإمارات والكويت والعراق وقطر وإيران) تعلن رفع أسعار خاماتها من 5.8 دولار للبرميل إلى 11.5 دولار ابتداءً من يناير 1974م. وهي المرة الأولى التي تتجاوز فيها أسعار النفط العشرة دولارات.
9) مارس 1974 الدول المنتجة للنفط بإستثناء ليبيا تعلن إنتهاء الحظر.
10) لم يخضع لقرار الحظر سوى الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وجنوب أفريقيا، والبرتغال!
* كانت الولايات المتحدة أكثر المستفيدين من الأزمة و على عكس المتواتر فإنها كنت الرابح الكبر من الحظر و رفع السعر.
لقد سجلت أرباح الشركات البترولية الأمريكية معدلات قياسية للأرباح لم يسبق لها مثيل بشكل ربما نشعر به حينما نعلم ان نصيب العرب عام 1974 كان 60 مليار دولار أما أرباح الشركات الأمريكية كانت 420 مليار دولار فقط في التكرير و التسويق بخلاف الارباح الاصلية في النفط نفسه -!- و هنا كانت نتيجة ذهبية للشركات المنتجة محلياً بأمريكا حيث طبقت فكرة “المشاركة” مع دول الخليج بحيث رفعت سعر المنتج النفطي داخل الولايات المتحدة و بات من السهل ان تجد ربحاً إقتصادياً من إستغلال مصادر طاقة نفطية جديدة داخل امريكا و هو مطلبها منذ عام 1970 و بأزمة 1972 حيث كان إنخفاض السعر محلياً بامريكا يمنع إستغلال مصادر جديدة للطاقة لإنخفاض الربح فكان رفع الاسعار بخلاف ارتفاع الارباح حل لمشكلة عام 1972 الخاصة بأن الاسعار قليلة فلن تستغل الشركات مصادر طاقة جديدة و بخلاف هذا تم تجميد قانون البيئة الخاص بالهواء و الماء مما حل مشكلة ثانية ، و هنا كان إرتفاع السعر بمثابة حل لمشكلة ثالثة حيث مثلت الاسعار ضربة قاصمة لإقتصاديات اوروبا الغربية و اليابان منعدمي الانتاج المحلي فباتت تلك الدولة تشتري نفطها بأثمان مضاعفة مما آذى ميزان مدفوعاتها بشدة بينما على العكس نتيجة هذا تحسن موقف الدولار و تراجعت عملات اوروبا و اليابان و تعدل الخلل في ميزان المدفوعات الامريكي و كان الامر عملياً “تصدير التضخم الأمريكي لأوروبا و اليابان”.
* إيران كانت حالة خاصة و فريدة تحتاج لإلقاء نظرة لفهم كيف أدارت أمريكا كل شئ لتحقيق مصالحها بالنهاية.
كانت إيران كحليف أساسي لأمريكا بالمنطقة غير منضمة للعرب في تقليل غمدادات النفط للغرب و كانت هي أيضاً أكثر دولة وافقت و حرضت على رفع الأسعار ، كانت الرؤية الايرانية فيما أظن مدفوعة بالتحريض الامريكي على رفع الاسعار لحل مشكلات السعر المحلي و التشتت مع قوانين البيئة و لضرب الاقتصاديات الأوروبية و اليابان ، من اهم مشاهد الموقف الايراني يوم 14 اكتوبر حينما رفض الوزير الايراني اموزيجار زيادة السعر فقط 15% و طلب ان تصل الى 100% ثم بيوم 16 بعد رفع الاسعار الاول عاد الوفد الايراني لطهران رأساً و أعلن رئيس الوفد أن إيران مع العرب فيما يخص المسائل التجارية فقط مثل رفع الاسعار اما تقليص الانتاج و حظر النفط لن تشارك فيه أبداً ، و لاحقاً قامت إيران بعد الحرب بإعادة رفع الاسعار بشكل مبالغ فيه وصل بعد الحرب الى 400% ، لدينا الآن مصدر عديدة أكدت على أن كسينجر قام بحل مشكلة النفط بالولايات المتحدة الامريكية عبر سياسة “رفع الاسعار” و التي كان بطلها شاة إيران مدفوعا من أمريكا في تفعيله لمصلحة بلاده بمضاعفة الارباح الخاصة و بحل المشكلة الامريكية ، إيران هي اللاعب الاول في رفع الاسعار فبديلا عن أرقام خجولة سعودية و كويتية كان اللاعب الايراني الحليف لمريكا يقود رفع الاسعار بما يتناسب مع مصالح تكتلات شركات النفط جميعاً.
ثالثاً: الملك فيصل و النفط المحظور.
ظل دور الملك فيصل لفترة طويلة في مسألة منع البترول يدور في إطار “البطولة” مع تجاهل أي طرف آخر بشكل صنع خصيصاً من إعلام نظام حكم السادات الذي خسف الارض بمن ساعدوا مصر بل و أبقوها حية كالسوفييت و عرب دعمونا بصدق كليبيا القذافي و الجزائر لصالح أنظمة تروق للسادات و يستفيد منها و كان دور فيصل أقل بكثير مما تم تعميمه لكن الدعاية الاعلامية كانت تحتاج لهذا لتلميع فيصل و تقزيم أي دور عربي آخر ينتمي للمعسكر الشرقي لصالح دور عربي تابع للولايات المتحدة الأمريكية و بالتالي عدة راحل هامة في مسألة فيصل و النفط:
* عكس المتواترعن موقفه العام بخصوص النفط فالملك فيصل كان يتزعم جبهة رفض حظر النفط تحت شعار انه ليس سلاح بل وسيلة موارد تخوفا من تدهور حال البلاد ماليا مما يقوي النفوذ الناصري و اليساري الوليد بالدولة ، بعد حرب 1967 كانت السعودية الدولة الاخيرة في وقف النفط للولايات المتحدة و لم تتخذ موقفها الا بعد اعمال تفجير و تخريب شعبية في جدة ضد المصالح الامريكية و السفارة و البعثة العسكرية و محاولة تفجير ناقلتي نفط برأس تنورة و حتى حينما حاول فيصل مخاطبة شعبه لتقديم مبرر لبقاء التصدير قوطع لول مرة في حياته من الحضور بهتافات معادية له و لسياساته و مطالبة بمنع النفط ، ثم تلاها اعمال اعتداء على مقر ارامكو بالرياض و اضرب عمال ارامكو و امتدت التظاهرات للدمام و ابقيق و الخبر و الظهران و اجبرت المضخات على ايقاف الضخ ، في الواقع لم تستقر الامور الا بعد قمة الخرطوم 30 اغسطس 1967 حينما اقرت اوضاع اعادة التصدير الشامل و دعم السعودية للدول العربية المتضررة من حرب 1967 و عمليا و بناء على ما سبق كان فيصل يدفع ثمن مالي لكيلا يخسر عرشه و لكي يقدر على إعادة الانضباط للدولة و يصدر النفط كما يريد في سياسة عدم المساس بالنفط سياسياً.
*كانت آلية حظر تصدير النفط في السعودية تحديداً و الكويت تبدوا غير موضوعية بشكل مذهل فالسعودية و على لسان اليماني كانت تقوم بإحضار ربنا كل السفن البترولية و تجعلهم “يتعهدون” بألا ينقلوا نفط لدولة عليها حظر -!- و بالطبع يتعهد الربان و ينقل النفط للدول محل الحظر أو لدولة وسيطة مثل هولندا او البرتغال تقوم بنقله لدولة محظور عليها النفط ، هذا يعود لنقطة غنعدام وجود خطة سياسية لإستخدام النفط كسلاح و بالتالي مع دخول الحرب و بداية الحظر وجدت الدول المصدرة نفسها في موقف مرتبك فلم تكن تقدر الا على هذه المواقف المضحكة من نوعية تعهد الربان!
* في موقف نصف معلن و صادم أمر الملك فيصل بتجاوز الحظر النفطي على امريكا بخصوص تمويل السفن الأمريكية الحربية بالبحر المتوسط التي كانت تعاني من نقص الوقود فكانت أوامر الملك فيصل خروج الناقلات للبحر و تمويل السفن مع كتابة مصدر جهة أخرى خلاف الجهة الاصلية الحقيقية ثم العودة ، بإختصار و بناء على طلب الولايات المتحدة تمت عملية تمويل سفن حربية امريكية ضمن عملية “Nickel Grass” الخاصة بتمويل إسرائيل عسكرياً فهو من جانب يحظر رسمياً النفط عن أمريكا لكن يمول السفن الحربية الامريكية سراً بالبحر المتوسط مسرح العمليات!
* كان قرار الملك فيصل يوم 19 اكتوبر بالحظر على امريكا من أشد القرارات عليه حيث كان يرفض الفكرة و لم يسر لها إلا مضطر اً بعد تصاعد الضغط عليه و قرارات مقاطعة اخرى بحيث كان عملياص من أواخر المقاطعين ، الملك فيصل مضطراً بعام 1967 قاطع و مضطراً عام 1973 قاطع مضطراً و حافظ على ضروريات التمويل النفطي بالبحر المتوسط للسفن الحربية الامريكية ، هنا لا بد من تأكيد تلك النقطة و حسمها بشكل واضخ فخلال 13 يوم من الحرب لم يكن موقف السعودية إلا مماطلة في القرار الحظري ثم السير فيه بما لا يضر فعلاً بالمصالح الامريكية الاساسية.
..
لاحقاً بضغط من كسينجر و بضغط من السادات رفع الحظر سريعاً في 17 مارس 1973 بإستثناء ليبيا التي لم ترفع الحظر و إنتهت الازمة كما بدأت بتوافق بين الاطراف المختلفة و بتحقيق مصالح الولايات المتحدة فوقت البداية وو قت النهاية حقق المصالح و لم يحقق ضرر مطلق فكان الأمر عملياً متوائم لحد كبير مع المصالح الأمريكية.
..
المصادر:
ويكيليكس : http://www.almqaal.com/?p=2928
كتاب إيران فوق البركان – محمد حسنين هيكل.
مجلد الملك فيصل – الكسي فاسيليف.
كتاب حرب الخليج أوهام القوة و النصر -محمد حسنين هيكل.
كتاب قرن من الحرب – ويليام إندهال.
مجلد تاريخ العربية السعودية – الكسي فاسيلييف.
ـــــــ
عمر : تحية طيبة
ارجو منك استاذ محمود ان تلحق كل نقطة من نقاطك بالمصدر حتى تكون الامور واضحة للجميع …
تحياتي
ـــــــ
سلمى :
أشكرك يا محمود ولكن ينقصنى فقط ذكر المصادر التى تستند إليها لكى لا نترك القارئ بين مصدق وغير مصدق.. تحياتى
ــــــــــــ
محمود محمد عرفات :
كلام موزون .. لكن اؤيد يحتاج الى ادراج المصادر
وممكن تبعتلى طلب صداقة
http://ar.mideastyouth.com/?p=29856
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
وبعد .. هذه النصوص التي اخترتها من كتاب"الجانب الخفي من تاريخ البترول" .
سأبدأ بنقطة لا علاقة بها بحظر البترول :
جاء في الكتاب :
(يقول "توم بارغر"أن الطريقي كان "من كبار المعجبين بعبد الناصر"،لذلك اعتبر خطرا من قبل الأمريكيين. يضاف إلى ذلك كراهيته الشديدة لشركة أرامكو وكونه من الإداريين الفعالين وذوي الخبرة والحنكة والدراية.
منذ عام 1958،كان قد قاد بنجاح مفاوضات مطولة مع اليابانيين : من المعروف أن طوكيو كانت منشغلة دائما بتبعيتها في مجال الطاقة،والتي تحد كثيرا من استقلاليتها الاقتصادية والسياسية. (..) اتفق كبار رجال الأعمال اليابانيين على تشكيل الشركة اليابانية للتجارة البترولية برئاسة"تارو ياماشيتا"،كما فكروا في التنقيب داخل العربية السعودية. (..) لفت نظر ياماشيتا،منذ مدة،الجزء الساحلي من المنطقة المحايدة الواقعة بين الكويت والعربية السعودية،والذي سبق أن أثار لعاب جيتي وفيليبس. لذلك جاء وهو عاقد العزم على أن يقدم أكثر مما سيعرضه المستقلون المنافسون. وهكذا حاصر الطريقي،ثم توجه إلى الرياض لمقابلة الملك سعود وشقيقه الأمير فيصل الذي أصبح رئيسا للوزراء. بعد ذك أقدم على الخطوة الحاسمة "فاشترى"كمال أدهم،نسيب الأمير فيصل { في الهامش : "نصُ اتفاق ياما شيتا – كمال أدهم في مجلة الصياد لصادرة في بيروت بتاريخ 19 آذار 1959 (أغلب الظن أن الطريقي تعمد إفشاء السر) "}. أما الثمن فكان كما يلي :
2% من الأرباح السنوية لكمال أدهم.
250.000 دولارا تدفع له فور توقيع العقد.
750.000 دولارا تدفع لكمال ادهم أيضا بعد اكتشاف النفط القابل للاستثمار.
لم يستطع الطريقي سوى الرضوخ أمام الأمر الواقع،فوقع مع ياماشيتا امتيازا لمدة ستة وأربعين عاما لقاء 56% من الأرباح الصافية للعربية السعودية. وقد تعهد ياماشيتا بعدم البيع لأعداء العرب،وبتخصيص مقعدين في الإدارة للسعوديين لهما حق الإشراف على العمل والمراقبة.
بعد هذا توجه ياماشيتا إلى الكويت،حيث حصل من الأمير على موافقة لمدة 44 عاما مقابل 57% من الأرباح.){ص 144 - 147 ( الجانب الخفي من تاريخ البترول ) :
جاك دولوناي و جان ميشيل شارلييه،وقد نقله – عن الفرنسية - إلى اللغة العربية اللواء محمد سميح السيد،ونشرته دار طلاس بدمشق،سنة 1987م،في طبعته الأولى.}.
بعد الحديث عن الملك فيصل،عاد المؤلفان للحديث عن أزمات البترول،والصراع بين الشركات والدول،والمستقلين .. ثم (في 22 أيار 1967،أغلق عبد الناصر خليج العقبة في وجه السفن الإسرائيلية،فجاء الرد سريعا في 5 حزيران،عندما هاجمت إسرائيل المطارات المصرية ودمرت 300 طائرة جاثمة على الأرض بالإضافة إلى 20 محطة رادار. وبعد ذلك بثلاثة أيام،دمر الجيش الإسرائيلي 700 دبابة مصرية،ثم وصل إلى الضفة الشرقية لقناة السويس.
هنا أطلق عبد الناصر نداءه الشهير لفرض حظر على النفط إلى إسرائيل والبلدان المؤيدة لها،فجاء الرد إيجابيا من قبل منظمة الأوبك.
إلا أن أرباب الشركات البترولية الكبرى وجودوا الرد المنسب فضاعفوا الإنتاج في البلدان غير العربية. ومما ساعد على ذلك الموقف المنفرد لشاه إيران الذي كان يحلم بتعزيز إمبراطوريته بالأسلحة والدولارات الأمريكية،وبأن يصبح"شرطي المرور"في الخليج. لذلك رفض المساهمة في الحظر العربي،ولم يتردد في تموين البلدين الموضوعين على القائمة السوداء : إسرائيل وأفريقيا الجنوبية. (..) بعد ذلك بفترة وجيزة،بدأت الدول المنتجة للنفط تدرك مدى الضرر الذي ألحقه الحظر باقتصادها،فعمدت إلى التراجع عنه تدريجيا. في 29 آب 1967،اجتمع العرب في الخرطوم حيث لاحظوا فشل الحظر. وفي 13 تشرين الأول،استأنفت شركة أرامكو إنتاجها المعتاد. وفي نهاية شهر تشرين الأول،استأنفت الكويت إنتاجها بعد أن كانت تخسر مليونا من الدولارات في اليوم. بقي العراق وحده صامدا،ولم يستأنف البيع كالمعتاد إلا في شهر تموز من عام 1968.
استرضاء لمصر،وفي نهاية 1968،دفعت العربية السعودية والكويت وليبيا لعبد الناصر وحليفه الملك حسين مبلغ 378 مليون دولار. ثم عمدت الدول العربية المنتجة للبترول إلى تشكيل منظمة"الأوابب"(OAPEP)،أي منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول،لوضع خطة مشتركة يمكن الدفاع عنها مستقبلا.){ص 162 -163}.
و بعد الحديث عن الانقلاب في ليبيا،تحدث المؤلفان عن صراع القذافي مع شركات النفط،والدول الغربية. بل يبدو أن ليبيا،بقيادة القذافي وجلود،قد دشنت فترة جديدة من تحكم الدول النفطية في نفطها،وسحب البساط من تحت أقدام الشركات،وقد حاولت بعض الشركات أن تتحالف لتقف في وجه ما أسماه المؤلفان (الابتزاز الليبي)،فتم الاجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي"وليام روجرز" .. ولكن (كان الوقت المختار غير ملائم : لأن الزعماء الأمريكيين اعتوا على عدم اتخاذ قرارات هامة في أوج الحملة الانتخابية،وبخاصة أن الاحتياطات النفطية كانت تسمح بالانتظار والتريث.
تحدث روجرز عن مجمل مشكلة الشرق الأوسط،كما تحدث أكنز {خبير في شؤون النفط} عن ضرورة وجود علاقات مميزة مع العربية السعودية.
أما زعماء سوكال وتكساكو،الحريصين على مصالحهم في الكويت والعربية السعودية،فقد وقفوا جانبا ثم وافقوا على بنود الاتفاق الليبي مع هامر.
في شهر تشرين الثاني،أعيد انتخاب نكسون. وعندما اجتمعت منظمة الأوبك خلال شهر كانون الأول في كاراكاس،اعتبر الانتصار الليبي واقعا قائما ومثالا يحتذي.){ص 173}.
ثم استفاض المؤلفان في الحديث عن تصاعد أسعار النفط،ومكاسب الدول النفطية .. ثم قالا : ( وهكذا نجح القذافي،ليس فقط في إطلاق آلية تصعيد الأسعار،بل كذلك في مضاعفة سعر البترول.
لم يكتف القذافي بهذا،بل عمد إلى سجن 2000 ليبي بتهمة الفساد،كما قام بشراء السلاح من الاتحاد السوفياتي بقيمة 12 مليار دولار.
ولابد أن نذكر للقذافي إخصاب الصحراء "700.000 هكتار من عام 1976 حتى عام 1980"بكلفة 25 مليار دولار،إعمار الريف وتطويره للتخفيف من الكثافة السكانية في المدن"45% من السكان يقطنون طرابلس وبنغازي"،إقامة صناعة للحديد انطلاقا من مناجم الحديد"5% من الموارد العالمية"بكلفة خمسة مليارات دولار،بناء المساكن"4 مليارات دولار"،المدارس والجامعات "2 مليار دولار"،الطرق "3 مليار دولار".
إلا أن تصرفاته المتطرفة والغريبة أحيانا بدأت تثير قلق العالم.أضف إلى ذلك خلواته في الصحراء حيث يعيش فيلسوفا ويعرض نظرياته الجديدة المتعلقة بالمجتمع الجديد الذي يفوق الغربي والسوفياتي معا. صحيح أنه لم ينجح في محاولاته الوحدوية المتكررة : مع السودان ومصر"1969"،مع مصر وسورية "1971"،مع مصر"1973"،مع تونس"1974"،مع سورية"1980"،مع تشاد"1981". ولكنه يبقى البطل الذي لا يهزم في رفع أسعار البترول.
ذكرنا آنفا أن منظمة الأوبك كانت تطمح للمساهمة في رأسمال الشركات المنتجة : فها هي إيران قد أممتها منذ عام 1954،وقد حذت الجزائر حذوها في 24 شباط 1971،فامتلكت 51%،ثم جاء العراق بنسبة 100%. ثم تلت العربية السعودية والكويت وأبوظبي وقطر في 5 تشرين الأول 1972،على مراحل تراوحت من 25% إلى 51% في عام 1982. (..) في عام 1973،سيظهر على المسرح الدولي حدث هام سوف يزيد الهوة التي تفصل البلدان العربية والغربية : خلال الصيف،قام الملك فيصل عدة مرات بتحذير الأمريكيين عن طريق شركة أرامكو حول ضرورة ممارسة الضغط على إسرائيل لكي تقوم بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1973 {هكذا} ولكن نداءه هذا لم يلق آذانا صاغية.
أمام إصرار إسرائيل على رفض هذا الانسحاب بتعنت بلغ حد الصلف،قامت مصر السادات وسورية الأسد،في 7 تشرين الأول"أكتوبر"1973،بهجوم مباغت مشترك على إسرائيل أصبحت نتيجته معروفة لدى الجميع.
في 17 تشرين الأول،قررت البلدان العربية المنتجة للبترول تخفيض إنتاجها بنسبة 5% شهريا حتى يتم انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة،كما عمدت في الوقت ذاته إلى رفع أسعارها،وفرضت حظرا على البلدان المتحالفة مع إسرائيل : الولايات المتحدة،هولندا،البرتغال،أفريقيا الجنوبية. ومن الجدير بالذكر هنا أن الدول الصناعية فضلت،وبدون أن تطرح على نفسها الكثير من الأسئلة،الاعتماد بالدرجة الأولى على هذه الطاقة الغزيرة والرخيصة الثمن،وهي البترول. فمن عام 1950 حتى 1973،تصاعد استهلاكها من 530 إلى 2773 مليون طن. أما الإنتاج الداخلي لأوربا الغربية،التي تعتبر السوق الرئيسية للاستهلاك،فلم يكن يتجاوز 19 مليون طن في عام 1973،مقابل استهلاك بلغ 738 مليون طن. وأما أمريكا الشمالية،فكان إنتاجها 621 مليون طن مقابل استهلاك 902 مليون طن.
********
وهكذا في الوقت الذي استغرق المستهلكون الغربيون في تبذيرهم هذا،قررت الدول العربية استخدام البترول كسلاح حربي.
نجم عن اختبار القوى هذا زيادة أسعار البترول بمقدار خمسة أضعاف خلال بضعة أشهر،من تشرين الأول 1973 إلى كانون الأول 1974.
إلا أن هذا لم يكن كارثة بالنسبة للشركات الكبرى،التي كان لديها مخزون هائل حققت بواسطته أرباحا خيالية.
أما الحكومات،فقد عمدت إلى زيادة الضرائب بمقدار خمسة أمثال على مراحل،كما سمحت لها الصدمة النفسية التي تولدت في أوساط الرأي العام بفرض قيود صارمة على استهلاك البترول.
كانت لهذه الصدمة البترولية نتائج من نوع آخر أيضا : فقد أدى هذا الارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام إلى إحداث انشقاق بين البلدان المستهلكة،وحطم التضامن،وأصبح كل بلد يسعى لعقد اتفاقيات ثنائية منفردة مع دول الأوبك. يضاف إلى ذلك الانعكاس الخطير على بلدان العالم الثالث،المثقلة بالديون أصلا،والتي لم يعد بإمكانها الحصول على هذا المصدر من الطاقة.
كذلك نجم عن كل هذا تأثير جانبي آخر : وهو تشكيل سوق حرة في "روتردام"،بالإضافة إلى ظهور مضاربة محمومة على النفط في كل مكان.
حتى أن الحمولات المشتراة كانت تباع عدة مرات وهي في طريقها بين مرفأ التحميل والمرفأ المقصود.){ص 177 - 180}.
بعد ذلك تحدث المؤلفان عن انتهاء حرب "73"والتي اعتبرت – بغض النظر عن المنتصر عسكريا – انتصارا سياسيا للعرب،وقد قطعت جميع الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل،باستثناء "ليستو،مالاوي،سوزيرلاند،جزيرة موريس" (وفي 22 تشرين الثاني،تبنت اليابان،التي تبعتها الفلبين،نفس الموقف وأيدت العرب.
إلا أن شاه إيران،الذي ظل من أوائل المنادين بزيادة الأسعار،حافظ على روابطه بإسرائيل.){ص 180}.
هل نصدق المؤلفين الفرنسيين حين قالا :
(خلال الصيف،قام الملك فيصل عدة مرات بتحذير الأمريكيين عن طريق شركة أرامكو حول ضرورة ممارسة الضغط على إسرائيل لكي تقوم بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1973 {هكذا} ولكن نداءه هذا لم يلق آذانا صاغية.)
أم نصدق الأستاذ محمود عرفات القائل :
(الملك فيصل مضطراً بعام 1967 قاطع و مضطراً عام 1973 قاطع مضطراً و حافظ على ضروريات التمويل النفطي بالبحر المتوسط للسفن الحربية الامريكية ، هنا لا بد من تأكيد تلك النقطة و حسمها بشكل واضخ فخلال 13 يوم من الحرب لم يكن موقف السعودية إلا مماطلة في القرار الحظري ثم السير فيه بما لا يضر فعلاً بالمصالح الامريكية الاساسية.).