بقلم: عــــــابد خزندار( كاتب وناقد سعودي)
يذهب العالم الهندي أبادوراي «Appadorai» الأستاذ بجامعة شيكاغو إلى أن العولمة تواصلية أو تبادلية، أي لا تتسم بالسيطرة الكاملة لطرف واحد هو الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولو أنها الدولة الأقوى في النظام العالمي الجديد. والعولمة لا تقتصر في رأيه على الجانب أو المشهد الاقتصادي، فهناك عدة مشاهد: 1- المشهد الأثني أو عالم الأشخاص الذين يشكلون الكون المتغير الذي نعيش فيه. 2- المشهد التقني: الوضع العالمي للتكنولوجيا المتنقلة بسرعة هائلة عبر حدود كانت قبل ذلك مقفلة. 3- المشهد المالي: انتقال رؤوس الأموال من بلد إلى آخر والمضاربات في العملة. 4- الميديا، أو وسائل الاتصال وأدواته، وسرعة انتقال المعلومات والصور وانتشارها. 5- المشهد الأيدولوجي، أو الأيدولوجيا المضادة التي تقوم كل دولة بإقامة بنيانها السياسي عليها. فكل هذه مظاهر مختلفة للعولمة التي يصبح معها الاحتفاظ بالتقاليد والهوية مستحيلاً. على أن هناك ما هو أخطر من العولمة لبعض دول العالم، فالكوريون مثلاً يخشون اليابانية أو الهيمنة أو العولمة اليابانية وسيرلانكا تخشى من الهيمنة الهندية وشعوب الاتحاد السوفيتي السابق يخشون من الهيمنة الروسية، وكل هذه العولمات المصغرة تتسم بالظاهرة نفسها التي تتسم بها العولمة الكونية، أي أنها مالية وتكنولوجية، إلى آخره. ونحن في العالم العربي يجب أن نخشى العولمة أو الهيمنة الإسرائيلية وهو ما سيحدث إذا اكتمل التطبيع الكامل بيننا وبين إسرائيل. على أن الكثير من الباحثين بالإضافة إلى أبادوراي قد تحدثوا عن مخاطر العولمة فساكي ساسين «Sassen» تنبأت في كتابها «Globalization and Discontent» وهو من منشورات «The New Press» بظهور المدينة العالمية أو الكونية «The Global City» كبديل للدولة أو الدول، التي ستتركز فيها البنى الأساسية للتجارة العالمية وخصوصاً وسائل الاتصال والمؤسسات المالية، أي أن المركز سينتقل من الدولة أو الدول إلى المدن، والمدن المرشحة لهذا الدور هي: نيويورك ولوس انجيليس ولندن وطوكيو وبومباي، وسيترتب على ذلك هجرة الملايين من البشر وخصوصاً من الدول الفقيرة التي ستتخلف عن قطار العولمة وبالذات في أفريقيا إلى هذه المدن الأمر الذي سيترتب عليه بدوره نشوء الصراع بين الأقليات وضدها في هذه المدن والمشكلات التي تنشأ في الوقت نفسه عن التمييز العنصري...إلخ، وقد رأينا أن أبادوراي قد تحدث قبل قليل عن العولمة والمشهد الأثني. وهناك أيضاً كتاب مهم يتحدث عن أخطار العولمة وجرائرها من تأليف «Fredric jameson and Masao Miyoshi»هو «The Culture of Globalization»، وأهمها سيطرة النمط الاستهلاكي أو ما يعرف بالمجتمع الاستهلاكي على طريقة الحياة التي يحياها الإنسان، أو بكلمات أخرى تحويل الإنسان إلى مجرد حيوان مستهلك، وهذا يعني إلغاء الذات ومحو الشخصية، أي أن الذي سيزول من الوجود ليس الدولة أو الأمة بل الذات أو الفرد. وهناك أيضاً خطر تسيد دولة واحدة وسيطرتها على العالم وهذه الدولة هي الولايات المتحدة التي يرمز إلى سيطرتها بانتشار مطاعم الماكدونالدز فيقال على سبيل المثال أن دول ما تحت الصحراء الكبرى في أفريقيا لم تدخل بعد عصر العولمة لأنه لا يوجد فيها مطعم ماكدونالدز واحد، وهذه توجد في شمال أفريقيا وجنوب أفريقيا فحسب، وهناك كتاب مهم في هذا الصدد عنوانه: Golden Arches East:Mcdonald,s in East Asia » وهو من تأليف «James Watson» ومن منشورات جامعة ستانفورد. والكتاب يشرح بالتفصيل كيف أصبحت مطاعم الماكدونالدز طريقة للحياة في شرق آسيا وكيف انحسرت أمامها واختفت المطاعم الوطنية التقليدية، أي أننا نشهد هنا ليس انتصار نظام اقتصادي فحسب، بل انتصار ثقافة هي في التحليل الأخير ثقافة المجتمع الاستهلاكي. وهذا يقودنا في النهاية إلى الطريقة أو الكيفية التي تمكننا من التصدي للهيمنة الثقافية، وهذا لن يتحقق إلا بالمحافظة على الفروق الثقافية، وأمامنا تجربة ناجحة في هذا الصدد فالغرب ممثلاً في أوروبا احتل مناطق آسيا وأفريقيا قبل الحرب العالمية الأولى، وفي يوم من الأيام استولى على 80% من مساحة المعمورة، وحاول أن يفرض ثقافته على هذه المناطق، ولكن المبدعين في هذه المناطق كنجيب محفوظ في مصر وفرانتز فانون وبول سوينكا في أفريقيا استطاعوا أن يجذّروا ثقافة أوطانهم، ويؤسسوا أدباً جديداً أصبح يعرف بما بعد الكولونيالية، وعلينا أن نحافظ على هذا الأدب لكيلا نغرق في تيار العولمة ونتلاشى فيه، ونحن قادرون على ذلك متى صحت النية وانعقد العزم. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)