سقوط الأندلس دروس وعبر
مأساة الأندلس، تتكرر في حياتنا وفي واقع المسلمين، يوما بعد يوم مرت مآسي. مرت مأساة المسلمين في فلسطين، وها نحن نشهد مأساة المسلمين في أفغانستان، وفي إريتريا، وفي الفلبين،وفى العراقو وفي لبنان أيضا، وهلم جرا... وهناك سنن كونية لا تتخلف.
أيها الأحبة: متى ما وجدت الأسباب، كانت النتائج؛ ولذلك يقول جل وعلا منبها لهذا الأمر (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً)( ) ويقول جل وعلا: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)( ) ويقول سبحانه: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)( ) سنن كونية تمر في حياة الناس، وفي حياة المسلمين خاصة، وقلما يعتبر معتبر ويتذكر متذكر، جئت هذه الليلة لأتحدث معكم عن مأساة الأندلس. هذه المأساة التي اهتز لها التاريخ، هذه المأساة التي ما كان يخطر بقلب بشر أن تكون كما كانت، وأن تقع كما وقعت.
جئت - أيها الأحبة - ناصحا ومبينا ومحذرا، من أن تتكرر هذه المأساة في واقع المسلمين، كما وقعت في ماضيهم القريب والبعيد. هذا الأندلس الذي دخله الإسلام على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير، وبقي الإسلام فيه ثمانية قرون متوالية.
أيها الأحبة: إن المحزن - أيها الأحباب - أن من يزور أسبانيا الآن، الأندلس سابقا لا يجد أي أثر للإسلام. عاش الإسلام، وتمكن الإسلام ثمانية قرون، أكثر من ثمانمائة عام، وخلال سنوات محدودة معدودة لم يبق للإسلام، أي ذكر وأي أثر قد يتوقع من يتوقع، أن تنتهي الدولة الإسلامية في الأندلس، ولكن أن يمحى الإسلام من الوجود وأن يجتث، وأن يقتطع من أصوله ومن جذوره، فهذا ما لا يخطر على بال.
دعونا نتأمل -أيها الأحبة - ثمانية قرون، وماذا كانت النتيجة بعد سقوط الأندلس في عام ثمانمائة وسبعة وتسعين هجرية.
بعد معاهدة سأشير إليها بعد قليل ـ إن شاء الله ـ أعطاها النصارى، ولكنهم خانوا كعادتهم، بدأت الخيانة بعد سنوات معدودة، بعد سبع سنوات من انتهاء الأندلس، ماذا حدث؟
بدأت محاكم التحقيق ودواوين التفتيش، وبدأ التعذيب الوحشي، الذي لم يمر بتاريخ البشرية كهذا التعذيب أبدا، من يقرأ كيف واجه المسلمون تعذيبا رهيبا وشديدا ومؤلما على يد من؟ على يد النصارى. أشكال وألوان من التعذيب، لم تصل إليها البشرية حتى الآن. كانوا يلاحقون المسلمين ملاحقة، ويلاقون منهم، ويلاقي المسلمون ألوانا من العذاب والوحشية تقشعر لها الأبدان، إذا علموا أن مسلما اغتسل ليلة الجمعة عرفوا أنه مسلم، فقضوا عليه إذا وجدوه لبس الزينة في يوم العيد، عرفوا أنه مسلم فقضوا عليه. كيف يقضون عليه؟ قلت لكم بأساليب وحشية تدمي القلوب أيها الأحباب.
استخدموا جميع ألوان التعذيب والبطش والتنكيل على مدى ثلاثة قرون متواصلة، حتى محوا المسلمين من الوجود، وقد يكون هذا الأمر مستغربا، ولكنها الحقيقة كانوا يأتون بالمسلم ويعذبونه، حتى إنهم يأتون به ويخلطون لحمه وعظامه، ولا تميز بين اللحم والعظام بعد عذاب شديد، يستمر أياما وأشهرا، كانوا يتفنون ويتلذذون في تعذيب المسلمين، هؤلاء اليهود، وهؤلاء النصارى كانوا يأتون بالنماذج، تعذيبهم بما يسمونه: العروسة أتدرون ما هي العروسة؟ صورة فتاة جميلة مصنوعة من البرونز أو من النحاس، موضوعة في تابوت، ويوضع ويخرج منها خناجر على شكل خناجر، ويقال للمسلم هذه زوجتك، فيلقى في التابوت عليها، ويغلق عليه التابوت والخناجر تمزق أمعاءه وأحشاءه، كانوا يأتون بالمسلم، ويقطعونه أوصالا، وهو حي يبدءون من قدميه حتى يصلوا إلى وسطه، ثم يبدءون من أطرافه، ثم رأسه حتى ينتهي وهو يتأوه ويتعذب.
صور التعذيب، صور الوحشية، الخروج من الحياة الإنسانية ما لا يخطر على بال.
أقول: بعد ثلاثة قرون من هذا الأمر، قضوا على عدد من ملايين المسلمين بهذه الطريقة، واضطر بعض المسلمين أن يعلن التنصر، وأنه نصراني، وأن يربي أبناءه على النصرانية علنا، ولكنه يخفي الإسلام وهؤلاء الذين سموا \\\\\\\\\\\\\\\"بالمرويسكيين\\\\\\\\\\\\\\\" ولكن تابعوهم متابعة دقيقة، حتى إنهم كانوا يفتشون عن عورة الصبي، أو الرجل فإن وجدوه مختونا علموا أنه مسلم، فبطشوا بأهله وبزوجته وبأبنائه بأشد أنواع البطش والفتك. هذا ما حدث أيها الأحباب، وهنا تعتبر أوروبا الآن من آخر بلاد أوروبا وجودا للإسلام فيها.
البلد الذي عاش فيه الإسلام ثمانية قرون، نجد أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وبعض دول أوروبا، قد نجد أثرا للمسلمين فيها. أما أسبانيا، فإلى الآن، فأثر المسلمين ضعيف وكأن هذه المدينة، وكأن هذه الدولة لم يعش فيها الإسلام ثمانية قرون متلاحقة، ما السبب في ذلك؟ ولهذه المأساة، بل أثناء هذه المأساة، بكى المسلمون وتباكى كثير من المسلمين قبل سقوط الأندلس، وممن بكى الأندلس كما تعرفون أبو البقاء الرندي بقصيدته المشهورة. أقرأ لكم بعضا منها، تبين هذه المأساة التي حلت بالمسلمين:
فلا يغر بطيـب العيش إنســان لكل شيء إذا مـا تـم نقصـان
من سره زمـن سـاءته أزمـان هـي الأمور كما شـاهدتها دول
ولا يدوم على حـال لهـا شـان وهـذه الدار لا تبقـي علـى أحد
وأين منهــم أكــاليل وتيجـان أين الملوك ذوي التيجان من يمن
قضوا فكـأن القـوم مـا كـانوا أتى على الكل أمر لا مرد له حتى
وللزمان مســرات وأحـــزان فجائع الدهـر أنـواع منوعــة
لما حـل بالإســلام ســـلوان وللحوادث سلوان يسـهلها ومـا
هوى لــه أحــد وانهـد ثهلان دهى الجـزيرة أمـر لا عـزاء له
كما بكـى لفـراق الإلـف هيمـان تبكـي الحنيفيـة البيضاء من أسف
أقفرت ولهــا بــالكفر عمـران علـى ديـار من الإسلام خالية قد
مـا فيهـن إلا نـواقيس وصلبـان حيث المساجد قد صـارت كنـائس
حتى المنـابر تـرثي وهـي عيدان حتى المحاريب تبكـي وهي جامدة
إن كنت فـي سـنة فـالدهر يقظان يـا غافلا ولـه في الدهر موعظة
وأنتــم يـا عبـاد اللـه إخـوان مـاذا التقاطع في الإسـلام بينكـم
على الخـير أنصــار وأعــوان ألا نفـوس أبيـات لهـا همم أمـا
واليـوم هم في بلاد الكفر عبـدان بـالأمس كانوا ملوكا في منازلهـم
عليهـم مـن ثيـاب الـذل ألـوان فلـو تـراهم حيـارى لا دليل لهـم
إن كـان فـي القلب إسلام وإيمان لمثـل هـذا يـذوب القلـب من كمد
هذا جزء من هذه القصيدة الرائعة المبكية المحزنة أيها الإخوة:
إن كان في القلب إسلام وإيمان لمثـل هـذا يذوب القـلب من كمد
ثانياً: الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس
ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج
ولكن - أيها الأحباب - ما جاءت هذه المأساة بين عشية وضحاها، ما حدث بالأندلس عفوا ولا صدفة كلا وحاشا، ولكنها سنة كونية، هناك أسباب أدت إلى هذه المأساة، دعونا نقف مع بعض هذه الأسباب، وسأقتصر على أهم الأسباب، فالأسباب كثيرة ثم بعد ذلك أعرج على بعض الدروس والعبر، وأنبه الإخوة الأحبة: أن كل سبب مما سأذكره، هو بنفسه عبرة وعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
قلت لكم: دخل الإسلام على يد طارق بن زياد، وموسى بن نصير عام ثلاثة وتسعين هجرية، ثم في خلال ثلاث سنوات فقط انتشر الإسلام، انتشارا عظيما في الأندلس، ثم بدأ الإسلام يزداد، ويقوى وبدأ عهد الولاة، ثم بدأ عهد الخلافة، ثم بدأ بعد ذلك في عام أربعمائة وعشرين، بدأ عهد الطوائف بعد ثلاثمائة وثلاثين سنة، بدأ عهد الطوائف وبداية عهد الطوائف هي بداية الانحدار في تاريخ الأندلس ثلاثمائة سنة، كانت عهد القوة ولكن بدأ عهد الطوائف، كما قلت ثم تلاه عهد المرابطين الموحدين، أو عهد المرابطين ثم عهد الموحدين، ثم قامت مملكة غرناطة دولة بني الأحمر، واستمرت حتى سقطت في حدود عام ثمانمائة وسبعة وتسعين، هجرية. بعد ثمانمائة عام وزيادة بعد أن بقي الإسلام في هذه البلاد،
أقول: ما هي الأسباب التي أدت ما استمعتم إليه.
أول سبب: نقف أمامه، هو ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج. لما ضعفت العقيدة أيها الأحباب، وانحرف المسلمون عن المنهج، حل بالمسلمين ما حل بهم، وستلحظون الآن ماذا أقصد بالانحراف عن المنهج؟ وكيف ضعفت العقيدة من خلال الأسباب الباقية؟
ومن خلال الأمثلة التي سأذكرها، إنما أشير هنا إلى أبيات يبينها أحد الشعراء في هذا المجال فيقول:
وجئنا ببعض ونحــن صمــوت بعدنا وإن جاورتنا البيــوت
كجـهد الـصلاة تــلاه القنـوت وأنفاسـنا سكـنت دفعــة
وكنا نقوت فهـا نحــن قــوت وكنا عظاما فأصبحنا عظاما
غـربـنا فناحـت عليها البيـوت وكنا شـموس سماء الـعلا
أقول لما انحرف المسلمون عن العقيدة، واختل المنهج كان ما كان.
التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم
وهنا نأتي للسبب الثاني، وكل الأسباب تتفرع عن السبب الأول كما ذكرت، وهو التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم، من خلال دراستي لتاريخ الأندلس، فجعت أيها الأحباب لماذا؟ لأنني وجدت أن التحالف مع النصارى بلغ ذروة رهيبة أودت بالأندلس، مفهوم الولاء والبراء، مفهوم الحب والبغض مفهوم العقيدة الصحيحة، ضعف في نفوس المسلمين. وضعف في نفوس الولاة، وضعف في نفوس الملوك، فحل بالأندلس ما حل بها.
يقول أحد المؤرخين، وهو عبد الله عنان: يذكر ويبين هذه الحالة، وكان يتحدث عن ابن هود، وكانت تعتور جهوده نفس المثالب القديمة، ما هي المثالب القديمة، التي كانت تصدع دائما من جهود زعماء الأندلسيين، والتي تتلخص في مصانعة النصارى، ومداراتهم ومساومتهم على حساب المصالح الإسلامية.
خذوا مثلا من ذلك، من ذلك قصة أحد الولاة، واسمه أبو زيد هذا الرجل ثار عليه أهل بلنسية، فلما ثاروا عليه، وأرادوا خلعه قام وعقد لواء وذهب إلى ملك النصارى \\\\\\\\\\\\\\\"خاينوي \\\\\\\\\\\\\\\" واتفق معه، وعقد معه معاهدة، وكان من هذه المعاهدة أن يقوم أبو زيد، ويعطي ملك النصارى جزءا من بلاد المسلمين، ويتنازل عن جزء من بلاد المسلمين، وأن يقدم الجزية لملك النصارى، تصوروا؟ المسلم الذي كان يقبض الجزية، أصبح يدفع الجزية في بلاد النصارى، ثم زاد على ذلك بأن اعتنق النصرانية، وأخذ يسير مع حلفائه النصارى في غزواتهم ضد بلاد المسلمين.
ونجد مثلا آخر، ابن الأحمر - أيها الأحبة - عقد معاهدة، مع ملك النصارى مع ملك قشتالة، ما هي هذه المعاهدة؟ معاهدة غريبة محزنة مبكية، نقول لا غرابة إذا سقطت الأندلس، إذا كان الحكام على مثل هذا المستوى من ضعف الولاء والبراء ومن المهادنة لأعداء الله: اتفق معه على أن يحكم ابن الأحمر مملكة غرناطة، باسم ملك قشتالة، وفي طاعته وأن يؤدي له جزية سنوية.
ابن الأحمر ملك من ملوك المسلمين، يقدم الجزية لملك النصارى وأن يعاونه، ابن الأحمر يعاون ملك قشتالة ضد المسلمين، أو ضد أعدائه سواء كانوا من النصارى أو من المسلمين، وأن يقدم إليه عددا من الجند متى وأين طلب ذلك؟ وأن يشهد اجتماع المجلس النيابي القشتالي كواحد من أتباع ملك قشتالة، وسلم ابن الأحمر لملك قشتالة جيان وأرجونة وباركونة وقلعة جابر رهينة، ودليلا على حسن الطاعة وتنازل له - أيضا - عن بعض بلاد المسلمين.
وتستمر المآسي وأمامي أمثلة كثيرة، ولكنني سأختصر - أيها الأحبة - أذكر منها أن ابن الأحمر وفاء لتعهده، قدم لملك أشبيلية، أو عندما حاصر ـ كما يذكر ابن خلدون ـ ملك النصارى أشبيلية، قام ابن الأحمر، وقدم وفقا لتعهده قوة من الفرسان لمعاونة النصارى في حصارهم للحاضرة الإسلامية والاستيلاء عليها.
ملك من ملوك المسلمين، يقدم ويعاون النصارى على حصار البلاد الإسلامية، بل تعدى الأمر ذلك إلى مجاملة النصارى كيف؟ قام ملك قشتالة: ألفونس الحادي عشر، بحصار جبل طارق، وهو تحت أيدي المسلمين، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أرسل عليهم وباء فتك بهم، وممن قتل في هذا الوباء ملك النصارى لما فتك بهم الوباء رجعوا إلى بلادهم، أو إلى أشبيلية وهي من بلاد المسلمين، وكان لا بد أن يمروا على غرناطة، فسمح لهم ابن الأحمر، أن يمروا على غرناطة، ولم يتعرض لهم وهل اكتفى الأمر بذلك؟ لا بل إن بعض المسلمين لبس الحداد، الحداد على من؟ على مقتلة النصارى ووفاة ملك النصارى، مجاملة للنصارى.
هذه نماذج مخزية، وسبب رئيس لأسباب سقوط الأندلس؛ لأنهم لم ينتبهوا إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)( ) ولم يفهموا ولم يستمعوا إلى قوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ)( ) ملوك الأندلس لم يتقوا الله سبحانه وتعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)( ) (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)( ) إذا يقول جل وعلا: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)( ).
هنا قضية الولاء والبراء، عدم الاستماع، اتخذوا من الكافرين أولياء، وجعلوهم صنائع ولم يستمعوا إلى قوله r: \\\\\\\\\\\\\\\" أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله \\\\\\\\\\\\\\\" حديث حسن وعن ابن عباس قال: قال r \\\\\\\\\\\\\\\" أوثق عرى الإيمان، الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله \\\\\\\\\\\\\\\" وهو حديث حسن ويقول r \\\\\\\\\\\\\\\" لا تقولوا للمنافق سيدا، إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم U \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) وسنده صحيح، وهؤلاء قالوا للكافر، قالوا للنصرانى سيد ويقول، r في الحديث الذي يرويه عن ربه U \\\\\\\\\\\\\\\" من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) هذا السبب - أيها الأحباب - نقف أمامه نعتبر، ونتأمل، ونتذكر، إذا ضعفت العقيدة في نفوس المسلمين حل بهم الهوان، وحلت بهم الذلة، وحل بهم الضعف.
الانغماس في الشهوات والركون إلى الدعة والترف
ولهذا أقول: سبب رئيس من أسباب سقوط الأندلس، من الأسباب البارزة من أسباب سقوط الأندلس، وحلول المأساة التي تحدثت عنها: الانغماس في الشهوات والركون إلى الدعة والترف.
اسمعوا ماذا يقول المؤرخ، وهو مؤرخ نصراني. يقول: \\\\\\\\\\\\\\\"العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال في الشهوات\\\\\\\\\\\\\\\" هذا نصراني يعترف بالحقيقة. يقول العرب هووا متى؟ عندما ذهبوا، ولجئوا إلى المعاصي، ونسوا الأهداف التي جاءوا بها ويقول شوقي أبو خليل، واسمعوا إلى هذه الكلمات المعبرة: \\\\\\\\\\\\\\\"والحقيقة تقول: إن الأندلسيين في أواخر أيامهم، ألقوا بأنفسهم في أحضان النعيم، وناموا في ظل ظليل من الغنى الواسع والحياة العابثة، والمجون وما يرضي الأهواء من ألوان الترف الفاجر، فذهبت أخلاقهم كما ماتت حميتهم وحمية آبائهم البواسل، وغدا التهتك عن أي شيء يتحدث؟ عن أي قرن يتحدث؟ عن أي زمن يتحدث؟ وغدا التهتك والخلاعة والإغراق في المجون، واهتمام النساء بمظاهر التبرج والزينة بالذهب واللآلئ، من أبرز المميزات أيام الاضمحلال، لقد استناموا للشهوات والسهرات الماجنة والجواري الشاديات. وإن شعبا يهوي إلى هذا الدرك من الانحلال والميوعة، لا يستطيع أن يصمد رجاله لحرب، أو جهاد.
وخذوا بعض الأمثلة على هذا الأمر ذكر عدد من المؤرخين، أن أسباب مقتل ابن هود، أنه تنازع هو ونائبه ووزيره في المرية، محمد الرميمي، بسبب النزاع على جارية نصرانية، كل منهم يريدها لنفسه، والعدو يتربص بهم، فقام الوزير، ودس من قتل ملك المسلمين أحد ملوك الطوائف: ابن هود، بسبب فتاة، جارية نصرانية.
ويقول عبد الله عنان في نهاية الأندلس، لم يلبث أبو الحسن، وهو أحد ملوك بني الأحمر، بل من آخرهم، أحد زعماء غرناطة، بل ومن آخرهم أن ركن إلى الدعة وأطلق العنان لأهوائه وملاذه، وبذر حوله بذور السخط والغضب، بما سار به في شئون الرعية والدولة، وما أثقل به كاهلهم من صنوف المغارم وما أغرق فيه من دروب اللهو والعبث، وهكذا عادت عوامل الفساد والانحلال والتفرق الخالدة، تعمل عملها الهادم، وتحدث آثارها الخطرة \\\\\\\\\\\\\\\" ثم يقول: \\\\\\\\\\\\\\\" ذلك أن أبا الحسن ركن في أواخر أيامه إلى حياة الدعة، واسترسل في أهوائه وملاذه، واقترن للمرة الثانية بفتاه نصرانية رائعة الحسن، أخذت سبية في إحدى المعارك، واعتنقت الإسلام كما يقولون؛ ولهذا حل بالأندلس ما حل بها، وانشغل المسلمون في بناء القصور، وبناء الدور، وبناء المزارع والبساتين، وعدوهم يعبث، ويعمل عمله الرهيب حتى أتاهم على حين غرة.
دخلنا الأندلس - أيها الأحباب - عندما كان نشيد طارق في العبور الله أكبر، وبقينا فيها زمنا بهمة عبد الرحمن الداخل، الذي قدم إليه الخمر؛ ليشرب فقال: إنني محتاج لما يزيد في عقلي لا لما ينقصه، فعرف الناس من ذلك قدره، ولما أهديت إليه جارية حسناء، فقال: بعد أن نظر إليها، إن هذه الجارية من القلب والعين بمكان، فإن أنا انشغلت عنها بمهمتي ظلمتها، وإن لهوت بها عن مهمتي ظلمت مهمتي، ومهمته الجهاد لا حاجة لي بها الآن، فقالوا: إن الأمير ذو همة، وبهذا بقينا في الأندلس، ولكن متى أضعنا الأندلس، أضعنا الأندلس عندما كان نشيد المسلمين:
راقت الخمرة والورد صحا +دوزن العود وهات القدح
فقدنا الأندلس عندما كان مغنيهم يغني:
قيادي تملـكه الجهاد؟ لا
ووجـدي لا يطـاق ولا يرام قيادي قـد تملـكه الغـرام
............................ ودمعي دونـه صوب الغوادي
دمعه دونه صوب الغوادي
وشجوي فـوق ما يشكو الحمام ............................
علـى الدنيـا وساكنـها السلام إذا ما الوجـد لم يبـرح فؤادي
وفعلا ذهبت الأندلس، وراحت وعليها السلام؛ لأن هذا وأمثاله هذه كانت حياتهم العابثة، أغاني، لهو، مجون، خلاعة.
نعم - أيها الأحبة - وعندما قصد الإفرنج بلنسية لغزوها في عام ستة وخمسين وأربعمائة هجرية، خرج أهلها للقائهم بلباس الزينة. العدو جاء ليقاتل، ويخرج أهل بلنسية للقاء العدو بثياب الزينة، فكانت الوقعة التي هزم فيها المسلمون هزيمة منكرة حتى قال الشاعر:
حــلل الحــرير عليكمـوا ألوانـا لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستموا
لـو لـم يكـن ببطرنـة مـا كانـا ما كان أقبحـهم وأحسـنكم بهـا
هذه حالة مؤسفة ومؤسية، أقول: عندما أغرق المسلمون في الشهوات في الملذات، في المعاصي كان ما كان، وهذا سبب سأقف معه بعد قليل من الدروس والعبر، إن شاء الله، فانتبهوا له أيها الإخوة.
حال المسلمين، الآن حال محزنة ومؤسفة، لهو وعبث وضياع وأغان إلا من عصم الله سبحانه وتعالى.
هذا سبب واضح وجلي، قلت لكم: لي وقفة مع هذا السبب، سأعود إليه إن شاء الله.
إلغاء الخلافة وبداية عهد الطوائف
أيضا من أسباب سقوط الأندلس: إلغاء الخلافة وبداية عهد الطوائف: عهد الطوائف عهد التفكك، وعهد من السنوات الصعبة من الفرقة والتنافس، والتشتت والضياع. بدأ عندما أعلن ابو الحزم جهور بن محمد بن جهور، إلغاء الخلافة، ويكفي أن نعلم، أنها بلغت دول الطوائف في فترة من الفترات بلغت سبعا وعشرين طائفة، أو إمارة أو دويلة تتنافس فيما بينها،بدل أن كانت الأندلس دولة واحدة تحولت إلى كم؟ إلى سبعة وعشرين دولة.
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد ألقـاب مملكـة فـي غـير موضعها
وهذه الطوائف، كانت سببا رئيسا في هذا الجانب؛ ولذلك يقول ابن حزم يصف ملك الطوائف، وما جر على المسلمين، والل،ه يقول ابن حزم رحمه الله، وهو من علماء الأندلس: والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم، لبادروا إليها، من التنازلات، التي قدموها فنحن نراهم يستمدون النصارى، فيمكنونهم من حرب المسلمين لعنهم الله جميعا. يقول ابن حزم وسلط عليهم سيفا من سيوفه.
الاختلاف بين المسلمين
نجد من الأسباب التي أودت بالأندلس، الاختلاف بين المسلمين:
والخلاف شر - أيها الأحباب - الخلاف لا يأتي بخير أبدا، لما زاد الخلاف بين المسلمين، واستعدى بعضهم على بعض حلت الكارثة، حتى إنهم بدءوا كما قلت لكم منذ قليل، بدءوا، يستعدون بعضهم ضد بعض عن طريق ملوك النصارى.
يأتي الرجل من ملوك المسلمين، ويتفق ويحالف الملك النصراني ضد أخيه، ضد أخيه! وهذا أمر محزن جدا، أيها الأحباب، يتقاتلون ويتناحرون على السلطة وعلى الشهوات، واستمر الخلاف بين المسلمين وذهبت الفرقة حتى قال شاعرهم:-
فيها وشـمل الضـد غيـر مبـدد ما بال شـمل المسـلمين مبدد
وطريق هـذا العـذر غيـر ممـهد مــاذا اعتذاركـم غدا لنبيكـم
وتركتمـوهـم للعــدو المعتـدي إن قال لـم فرطـتمو في أمـتي
لكفـى الحياء من وجه ذاك السيـد تالله لـو أن العقوبـة لـم تخف
يقول: ألا تستحون من الله سبحانه وتعالى، ألا تستحون عندما تقابلونه وغدا سيسألكم الرسول الله r عن تفريطكم بأمتكم؛ ولذلك استمر الخلاف، حتى كان بنو وطاس، ينتمون إلى بطن من بطون بني مرين، وينافسونهم في طلب الرياسة والملك، فلما اشتدت وطأتهم على السلطان عبد الحق، بطش بهم وقتل معظم رؤسائهم ونجا بعضهم، وتفرقوا في مختلف الأنحاء، وأسلم عبد الحق زمام دولته إلى اليهود، فبغوا وعاثوا في الدولة كعادتهم. تصوروا طرد وزراءه وطرد أبناء عمه، وطرد المسلمين وقتلهم وسلم الدولة لمن؟ سلمها لليهود، ونتساءل لماذا سقطت الأندلس؟.
تخلي بعض العلماء عن القيام بواجبهم
أيضا، قفوا معي - أيها الأحبة - مع هذا السبب المهم من أسباب سقوط الأندلس: تخلي بعض العلماء عن القيام بواجبهم:
إذا تخلى العلماء عن القيام بواجبهم، فعلى الأمة العفاء، إذا تشاغل العلماء، إذا تكاسل العلماء، إذا لهى العلماء حل بالأمة الدمار، وهكذا كانت الأندلس، تشاغل كثير من العلماء بشئونهم الخاصة عن شئون أمتهم:
يقول المقري: من جملة تغفل أهل الأندلس أن العدو أطل عليهم، يجوس خلال الديار، ويقطع كل يوم طرفا ويبيد أمة، والباقون منهم صموت عن ذكر إخوانهم، لهاة عن بثهم ما يسمع بمسجد من مساجدهم مذكر لهم، أو داع فضلا عن نافر إليهم أو ماش، يقول حتى في المساجد، ما كان العلماء يذكرون الولايات، التي تسقط من ولايات المسلمين، ويقول آخر وسبب انصراف عدد من العلماء بدراساتهم إلى العناية المبالغة بالفقه المذهبي وفروعه، يقول من أسباب سقوط الأندلس: أن عددا من علماء المغرب، وما يحدث بالمغرب ينعكس على الأندلس، انشغلوا عن أمتهم بالخلافات، انشغلوا بالخلافات الفرعية.
أتعلمون - أيها الأحبة - عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا، ماذا كان يحدث كان العلماء، يختلفون عند ماذا؟هل هم يختلفون في قضية محاربة الفرنسيين؟ لا. هل يجوز أن يتزوج الشافعي من حنفية؟ أو يأخذ الحنفي شافعية، كأنها من أهل الكتاب، والفرنسيون يبسطون نفوذهم على ماذا؟ على الشام.
وفي الأندلس ضاعت الأندلس، لما انشغل كثير من العلماء، كما يقول هذا المؤرخ في الخلافات والقضايا الفرعية عن مشكلات أمتهم، سافرت إلى بعض بلاد المسلمين، والتقيت ببعض علمائهم، وهذا مما رأيت، الأمة تجدها في ذلك البلد تعاني معاناة مرة من واقع سياسي مؤلم، والعلماء قد انشغلوا في قضايا فرعية.
خذوا مثلا، مثل قريب في بلد من البلاد الإسلامية. كان المسلمون يقتلون ويعذبون كما عذب أهل الأندلس، والشيخ يجلس في درسه، ويقول - وهو من أكبر مشايخ هذا البلد - يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى بعد أمتار تقام مذابح جماعية للمسلمين: مسألة: إذا نبت للمرأة لحية هل يجوز أن تحلقها أم لا؟ هذه قضية واقعة ومتصلة السند.
إذا تساهل العلماء، وتخلوا عن واجبهم حل بالأمة النكبة والدمار، وهكذا أقول تخلى بعض علماء الأندلس، عن واجبهم فحل ما حل اسمعوا ماذا يقول ابن حزم وهو ممن قام بواجبه - رحمه الله - يقول: ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم.
سبحان الله! ما أدق هذا التوصيف من ابن حزم - رحمه الله- هذا سبب، ولعل لي عودة أيضا مرة أخرى، حول هذا الموضوع، ولكنني أذكر سببا آخر، وهو سبب مهم جدا يرتبط بهذا السبب.
وهو أن بعض علماء الأندلس كأبي الوليد الباجي، ومحمد بن حزم، وابن عبد البر وغيرهم قاموا ببعض واجبهم، أو نقول قاموا بواجبهم تجاه أمتهم، ولكن المأساة وهو سبب مهم: عدم سماع ملوك الطوائف لنصح العلماء وتحذيرهم، إذا لم يسمع ولاة الأمور إلى نصح العلماء وإلى تحذيرهم؛ حلت الأمة الكارثة.
ملوك الطوائف، ما كانوا يستمعون لنصح العلماء كأبي الوليد الباجي، كما قلت وابن حزم وابن عبد البر وغيرهم؛ ولذلك حدث ما حدث حتى يقول أحد المؤرخين: لكن مع هذه الأحوال، وتلك الصيحات من العلماء، فإن أغلب ملوك الطوائف بقوا في غيهم سادرين، ففوتوا فرصة الالتحام ودفع المصيبة؛ ولذلك جاء أحد الشعراء، يذكر هذه المأساة ببيتين محزنين، يصور فيها حالة العلماء وحالة الفساق، وعبر عن الوجهاء من الفساق بالكلاب قال: وهذه قريته أو مدينته اسمها بسطة، يقول:
أعلى وأشرف من فقيه الكلب صـار ببسـطة
لمحلــه أو يرتقيـه أنــى فقيـه يعتلـي
ولذلك سقطت الأندلس، لما لم يسمع للعلماء، ولم يسمع لتحذيرهم، ولم يسمع لنصحهم. هذا سبب بارز وجلي أيها الإخوة.
مؤمرات النصارى ومخططاتهم
أجد من الأسباب سببا، سأذكره، وهو يدور حول عدة قضايا، ولكن سأختصره لكم حول النصارى. هذا السبب يتعلق بمؤامرات النصارى ومخططاتهم نعم من أسباب سقوط الأندلس:
مؤمرات النصارى ومخططاتهم، لقد أحكموا المؤامرة، ودبروا، وخططوا والمسلمون في لهوهم، وعبثهم ومجونهم وقصورهم ودنياهم، فحلت الكارثة.
إذاً تخطيط النصارى سبب رئيس من سقوط الأندلس، حتى يقول أحد المؤرخين وقد وضع \\\\\\\\\\\\\\\"فرناندو\\\\\\\\\\\\\\\" برنامجه المحكم؛ لكي يستغل أسر ملك غرناطة ويستعين به على تنفيذ برنامجه المدمر؛ ولذلك جاء ما يلي:
وحدة كلمة النصارى: وهو سبب من أسباب سقوط الأندلس، في الوقت الذي تحدثنا فيه عن تفرق المسلمين، نجد في المقابل وحدة كلمة النصارى للقضاء على المسلمين حتى يقول \\\\\\\\\\\\\\\"ابن عذارا\\\\\\\\\\\\\\\"، واصفا استعداد النصارى لموقعة العقاب، وهي من المواقع التي هزم فيها المسلمون هزيمة منكرة، وقتل فيها عدة آلاف من المسلمين، يقول هذا المؤرخ: حيث ذكر أن ملك قشتالة بث القسيسين والرهبان من البرتغال إلى القسطنطينية، ينادون في البلاد من البحر الرومي إلى البحر الأخضر، غوثا غوثا، ورحمة رحمة، أي ينادون بني جلدتهم، فجاء عباد الصليب من كل فج عميق ومكان سحيق، وأقبلوا إليه إقبال الليل والنهار من رؤوس الجبال وأسياف البحار، لاحظوا هذه الوحدة بين النصارى.
ويذكر في موضع آخر أن البابا \\\\\\\\\\\\\\\"فرستان الثاني\\\\\\\\\\\\\\\" توسط بين مختلف الأمراء الأسبان، فوفق بينهم، وسرعان ما نسوا خصوماتهم، فتماسكوا وهم يعتقدون جازمين، بأنهم جاءوا من كل أصقاع أوروبا لنصرة دينهم على دين آخر، ونجد أيضا أن اتحاد ملك قشتالة وأراجون بزعامة \\\\\\\\\\\\\\\"فرناندو الخامس\\\\\\\\\\\\\\\" \\\\\\\\\\\\\\\"وإيزابيلا\\\\\\\\\\\\\\\" من أسباب سقوط الأندلس، وعلى يد هذا الملك، وهذه الملكة سقطت الأندلس، حتى إن هذا الرجل الذي هو النصراني فرناندو الخامس تزوج بإيزابيلا، وهي ملكة قشتالة واتحدا في مملكة واحدة لإسقاط الأندلس، وفعلا هما اللذين أسقطا الأندلس، اتحدا اتحادا وصل إلى حد الزواج، ووحدا بين المملكتين، وأصبحت مملكة واحدة، وعلى يديهما سلم ابن الأحمر الأندلس لهما. هذه آثار الاتحاد أيها الأحباب.
غدر النصارى ونقضهم للعهود
نجد -أيضا - من الأسباب غدر النصارى، ونقضهم للعهود: وهنا أشير إشارة أبين فيها مأساة لاحظتها، من معرفتي بالواقع وقراءتي للتاريخ، هذه المأساة أن كثيرا من الناس بل أقول من بعض، حتى من بعض طلاب العلم، يتصوروا أن اليهود هم الذين يغدرون، أما النصارى فلا، أو على الأقل يقولوا: إن النصارى أقل غدرا وغدرهم قليل، وهذا خطأ رهيب أيها الأحباب، النصارى لا يقلون في الغدر وفى نقض العهد والميثاق عن اليهود، سواء بسواء، والذى يريد أن يفرق بين اليهود والنصارى، ويتصور أن النصارى أقرب إلى المسلمين، أو أنهم يوفون بعهودهم، فقد أخطأ وأقول له استمع إلى قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)( ).
إذا كانوا خانوا العهد مع الله - سبحانه وتعالى - هل نأمل منهم أن يفوا بالعهود معنا؟ أسأل هؤلاء الذين يتصورون أن النصارى يوفون بعهودهم، فأقول لهم: ما يسمى بالأمم المتحدة، أو مجلس الخوف من الذي يسيطر عليه؟ هم النصارى.
هل في يوم من الأيام وفوا بعهد من العهود للمسلمين؟ لا، استخدم مجلس الخوف وهيئة الأمم، وعصبة الأمم، قبل ذلك ضد المسلمين؛ ولتفريق المسلمين ولتسليم بلاد المسلمين إلى النصارى.
ومع ذلك خذوا هذه الأمثلة من الأندلس، دخل النصارى \\\\\\\\\\\\\\\" أبدة \\\\\\\\\\\\\\\" ونقضوا العهد المقطوع، واقتحم الجنود النصارى المدينة، وقتلوا من أهلها ستين ألفا، خانوا العهد ونقضوا العهد، وقتلوا ستين ألفا، وسبوا مثلهم أو مثل هذا القدر، وتعترف الرواية النصرانية نفسها بهذه الشناعات، وتقدر من قتل وسبي من أهل \\\\\\\\\\\\\\\"أبدة\\\\\\\\\\\\\\\" بمائة ألف، ويقدر بعضهم أن السبايا وحدهم مائة ألف، وهذا بأمر من أحبارهم وباباواتهم وملوكهم، وعندما احتل الطاغية الأرغوني بلنسية، ووقع المعاهدة رحل عنها عشرات الألوف من أهلها، وحولت المساجد إلى كنائس، ونال المسلمين كل أنواع الاضطهاد، وتقلبوا في فنون الأذى، وتعدى الأحياء إلى الأموات، فنبشت القبور كما ذكر ابن الأبار في التكملة، (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً)( ).
وذكرت لكم منذ قليل أن المعاهدة، التي عقدت لتسليم غرناطة نقضت بعد سبع سنوات فقط، إذا أين من يدافعون، أو يدعون أن النصارى يمكن أن يفوا بعهد؟ إنني أخاطب أولئك، الذين يحسنون الظن في النصارى، فأقول لهم مهلا مهلا يا دعاة التقريب مهلا مهلا يا دعاة التخريب، مهلا مهلا يا من أحسنتم الظن بأعداء الله، فركنتم إليهم، إنكم والله تفعلون أسوأ مما فعل من سبقكم، أولئك الذين أحسنوا الظن في النصارى، وقالوا: إنهم أقرب إلينا ويؤمن إليهم - لا أمنهم الله - النصارى لا أمان لهم، ولا عهد كإخوانهم اليهود (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)( ).
استماتة النصارى في سحق المسلمين
أختم ما يتعلق بالنصارى - أيها الأحبة - في استماتة النصارى في سحق المسلمين، استمات النصارى استماتة عجيبة في سحق المسلمين، حتى يقول المقري في نفح الطيب، واصفا استعداد النصارى لإحدى المعارك وجاء الطاغية \\\\\\\\\\\\\\\" دون بطرة \\\\\\\\\\\\\\\" في جيش، لا يحصى، ومعه خمسة وعشرون ملكا، وذهب إلى طليطلة، ودخل على مرجعهم البابا، وسجد له وتضرع وطلب منه استئصال ما بقي من المسلمين في الأندلس، وأكد عزمه على ذلك. عهد لاستئصال المسلمين، ومع كل أسف أقول وفى بعهده واستأصل المسلمين.
ويقول \\\\\\\\\\\\\\\" لوبون\\\\\\\\\\\\\\\" في حضارة العرب: والحق ما شهدت به الأعداء (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا)( )
اسمعوا ماذا يقول: إن الراهب \\\\\\\\\\\\\\\" بليدة\\\\\\\\\\\\\\\" أبدى ارتياحه لقتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة، كانت مؤلفة من مائة وأربعين ألف مهاجر مسلم، حينما كانت متجهة إلى إفريقيا، هؤلاء يريدون الهروب من الأندلس، ولكن ما رضي النصارى بهروبهم، قتلوا وهم مائة وأربعين، قتلوا منهم مائة ألف دفعة واحدة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)( ) هذا قول الحق جل وعلا.
ولذلك يصور أحد الشعراء مأساة المسلمين، واستماتة النصارى في سحق المسلمين وتقتيل الرجال فيقول:
فـاهلك عليـه أسى ولا تتجلد كـم جـامع فيهـا أعيد كنيسة
من قانتين وراكـعين وسـجد أسـفا عليهـا أقفرت صلواتها
فكـلاهما يبغي الفداة ما فدي كم مـن أسـير عندهم وأسيرة
فيهـم تـود لو أنها في ملحد كم مـن عقيلـة معشر معقولة
أي: تود لو أنها في القبر.
مـن ولـداه ودا أنـه لــم يولــد كـم من وليد بينهــم قــد ود
يبكـي لآخـر فـي الكبـول مقيــد كم من تقي بالسلاسـل مــوثق
مـا بـيـن حــدي ذابـل ومهنــد وشهيد معترك توزعـة الــردى
وبكـى لهـم مـن قلبـه كـالجلمـد ضجـت ملائكة السـماء لحالهم
مـمـا دهـانا مـن ردى أو من ردي أفلا تذوب قلــوبكم إخواننـــا
إلـى الفـرض الأحــق الأوكـــد كتب الجهاد عليكموا فتبادروا منه
وأقرضوا حسنا تفوزوا بالحسان الخرد وارضوا بإحدى الحســــنيين
هذه حالة النصارى، وهذه مأساتهم، وهذه خططهم؛ ولذلك نجد أيضا من أبرز الأسباب التخاذل عن نصرة من يحتاج إلى النصرة، والمسلمون تخاذلوا عن نصرة بعضهم بعض، والعجيب أنه في الوقت الذي كان النصارى ينصر بعضهم بعضا، كان النصارى، يأكلون بلاد المسلمين مدينة مدينة، ودولة أو قرية قرية، والمسلمون يتفرجون، فعدم التعاون وصل إلى ما وصل، وكأنهم لم يستمعوا إلى قول الرسول r \\\\\\\\\\\\\\\" انصر أخاك ظالما أو مظلوما \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) ولم يستمعوا إلى قوله r \\\\\\\\\\\\\\\" المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) رواه مسلم.
الرضا بالخضوع وعدم الاستقرار السياسي وتقديم المصالح الشخصية
أختم هذه الأسباب بأسباب سريعة، أسباب سقوط الأندلس فأقول:
أولا الرضى بالخضوع والذل تحت حكم النصارى؛ لأن بعض المسلمين بقوا تحت حكم النصارى، وهم المدجنون، ولم يستمعوا إلى قول الرسول - r \\\\\\\\\\\\\\\" أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) رواه الترمذي وأبو داود وسنده، وهو حديث حسن.
2- عدم الاستقرار السياسي، من الأسباب عدم الاستقرار السياسي وكثرة الفتن والمؤامرات، ومثال على ذلك أن مملكة غرناطة في خلال سنوات محدودة - أيها الأحباب - حكمها قرابة ثلاثين حاكما، ثلاثين حاكما، حكمها، اضطراب، بعضهم لم يحكم إلا عدة أشهر، وبعضهم عدة سنوات، وبعضهم حكم سنوات معدودة، الاضطراب السياسي يؤدى إلى النهاية المدمرة كما حدث.
آخر هذه الأسباب: تقديم المصالح الشخصية على مصالح المسلمين، وغلبة الأنانية - ويا أحبتى - هذا السبب جوهري، سبب مهم، أنني ألحظ في بلاد المسلمين - الآن - من غلبت عليهم مصالحهم الشخصية، تأتيه، وتحدثه عن واقع المسلمين، تحدثه عن المآسي، تحدثه عن الفواجع، ولا يتحرك!!
يفكر في وظيفته، يفكر في راتبه، يفكر في مصلحته لو أتي في دنياه؛ لأقام الدنيا، ولم يقعدها، أما في أمور المسلمين، فلا، إن أحسن أحواله أن يسترجع بل بعضهم يخذل، أقول: هذا ما حل بالأندلس.
مما حل بالأندلس - أيها الأحبة - أنهم قدموا مصالحهم الشخصية على مصالح المسلمين وغلبة الأنانية وحب الذات، فسقطت الأندلس.
هذه - أحبتي الكرام - أبرز الأسباب فيما يتعلق بسقوط الأندلس، وهي أسباب مهمة تحتاج إلى تأمل ووقفة واعتبار.
ثالثاً: دروس وعبر
دور العلماء
أنتقل بعدها إلى ذكر بعض الدروس والعبر، وكل ما ذكرته من أسباب هي دروس وعبر، فاستمعوا - بارك الله لي ولكم - إلى هذه الدروس، عسى أن نتعظ ونعتبر، حتى لا يحل بالمسلمين ما حل بغيرهم فأقول:
من أبرز الدروس: دور العلماء: وذكرت لكم أن من أسباب سقوط الأندلس، عدم قيام بعض العلماء بواجبهم، ومع ذلك فإننا نجد أن هناك من قام بواجبه والعلماء هم سراج الأمة. إننى أوجه حديثي مرة أخرى، فأقول لعلمائنا ولمشايخنا ولطلبة العلم من أمثالكم: الله الله في أمتكم، الله الله أن تفرطوا، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر - أيها الأحبة - وبهذا نحفظ كيان الأمة، العلماء هم ورثة الأنبياء. كما في الحديث \\\\\\\\\\\\\\\" الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر \\\\\\\\\\\\\\\" ( ).
يا علماء المستقبل: الأمة بين أيديكم، الأمة تنتظر منكم الشيء الكثير، ليكن لكم في غيركم عبرة وعظة في بلاد المسلمين في الأندلس، وفى غير الأندلس، والله لقد زرت بعض البلاد الإسلامية، فما وجدت للعلماء مكانا ولا قيمة، حتى قال أحد الزعماء الهالكين - أهلكه الله -: مشايخ! أعط أحدهم فرخة، ويعطيك الفتوى التي تريد.
نعم العلماء هم السياج الواقي، هم الحصانة، هم العلاج. إذا قاموا بواجبهم وإذا تخلوا عن واجبهم، فلا يلوموا إلا أنفسهم، إذا تخلوا عن واجبهم عن الرسالة التي اصطفاهم الله لها وأمرهم بها، فسيحل بهم كما قال الرسول r \\\\\\\\\\\\\\\" لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب من عنده، فتدعونه، فلا يستجاب لكم، لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون \\\\\\\\\\\\\\\" ( ).
يا علماء الأمة، يا علماء المستقبل: الله الله في أمتكم! الله الله أن تنتهك حرمات! الله، وأنتم تنتظرون ماذا تنتظرون؟ إن في بلادنا خيرا كثيرا وعلماؤنا، فيهم الخير الكثير، ولكننا بحاجة إلى المزيد وإلى الصدع بكلمة الحق، ولاتأخذنا في الله لومة لائم، هذا درس أخذته مما حدث في الأندلس.
أيها الأحباب: قلت لكم هناك من وقف كأبي الوليد الباجي وابن عبد البر وأبي حيان الأندلسي وابن حزم وغيرهم، ولكن المأساة أنهم لم يستمع لهم، وهنا أقول: يجب على العلماء أن يؤدوا واجبهم حتى لو لم يستمع لهم (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)( ) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)( ) \\\\\\\\\\\\\\\" يأتي النبي معه الرهط، يأتي النبي معه الرجل والرجلان، يأتي النبي وليس معه أحد \\\\\\\\\\\\\\\" لكنه لا يمنعه من قول الحق، ومن الدعوة إلى الله، هذا درس مهم من دروس الأندلس، ولنا عبرة ولنا عظة ولنا ذكرى.
يقول ابن حزم، مبينا دور العلماء: فالمخلص لنا فيها - يقصد معشر العلماء - يعني من هذه الفتنة، التي حلت بالأندلس، الإمساك للألسنة جملة واحدة إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤسف أن كثيرا من طلاب العلم، يمسكون عن، أو لا يمسكون عن شيء إلا عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وابن حزم يقول: يجب أن نمسك ألسنتنا عن كل شيء إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذم جميع هؤلاء، فمن عجز عن ذلك، فهو معذور، فلو اجتمع كل من ينكر بقلبه لما غلبونا، أي النصارى، فأما الفرد الذي لا يسع أحدا، فإنه لا يعين ظالما بيده ولا بلسانه، ولا أن يزين له فعله ويصوب شره، رحم الله ابن حزم.
يقول: إذا لم يستطع الواجب، أولا: ألا نتكلم إلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومن عجز عن ذلك وبذل جهده، فهو معذور، ولكن الشيء الذي لا يعذر فيه أحد أن يساعد أحد من طلاب العلم الظالم على ظلمه، وأن يزين له هذا الأمر وأن يقره على هذا العمل لا عذر له في ذلك، ما هو عذره أمام الله - سبحانه وتعالى - وهو يحكي عن واقعه - رحمه الله - ولهذا يقول: لما وجد من يزين لأهل المنكر منكرهم، ويبرر لهم تصرفاتهم حل بالأندلس ما حل بها.
هنا أنتهي من هذا السبب، أو من هذه العبرة.
أثر الجهاد في حياة الأمة
وأقف مع درس آخر وهو أثر الجهاد في حياة الأمة.
الأمة بدون الجهاد لا خير فيها، الأمة بدون الجهاد لا حياة فيها أيها الأحباب، الله - سبحانه وتعالى - يقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)( ) ويقول جل وعلا: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)( ) ويقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)( ) وفى السنن قال r \\\\\\\\\\\\\\\" إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) وسنده حسن.
وقال r \\\\\\\\\\\\\\\" رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) وهو حديث صحيح، وقال r \\\\\\\\\\\\\\\" لغدوة في سبيل الله، أو روحة خير من الدنيا وما فيها \\\\\\\\\\\\\\\" ( ) متفق عليه، ونعى الله - سبحانه وتعالى - على القاعدين فقال: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)( ) الجهاد - أيها الإخوة - مما أخذنا من دروس الأندلس: لما وجد الجهاد بقيت الأمة.
لما دخل طارق وموسى، وجاء عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر بقيت الأمة، لما قام بعض ملوك الطوائف بالجهاد بقيت الأمة، كوقعة الزلاقة والأرك وغيرها، ولكن عندما تهاون المسلمون وتخاذلوا حل بالمسلمين وبالمؤمنين الكارثة، وهنا لي وقفة.
أحبتي الكرام: لا حياة للأمة إلا بالجهاد، وها نحن نرى جهاد إخواننا، أو جهاد المسلمين في أفغانستان، جهادا أعاد للأمة عزها وبأسها وقوتها، قبل أن آتيكم بدقائق - أيها الأحباب - كنت أستمع إلى أحد الإخوة، الذين جاءوا من المعارك من هناك من أفغانستان. يذكر لنا قصص البطولة والشجاعة والفداء، وكأننا نقرأ في تاريخ سلفنا الصالح. معارك وقعت منذ أيام فيها الشجاعة والإباء والقوة، نفوس أو رجال اعتلت نفوسهم على شهوات الدنيا وعلى مطامعها.
الله الله - أيها الإخوة - في الحفاظ على هذا الجهاد! هناك مؤامرة كبرى تحاك لهذا الجهاد، وهو جهاد المسلمين في أفغانستان، الله الله أن يسقط الجهاد أمام أعيننا ونحن نتفرج عليه! أعداؤنا يكيدون لنا، أعداؤنا يتآمرون، كادوا للمسلمين في فلسطين فأسقطوها، ماذا حدث في فلسطين؟ مأساة. ماذا حدث في الأندلس؟ مأساة. ماذا يحدث في أفغانستان الآن؟ أقول: هناك مؤامرة كبرى. بعضها ينفذ بأيدي بعض المسلمين، أولئك الذين يثيرون الفتنة، أولئك الذين يثيرون الخلافات، أولئك الذين يثيرون القلاقل والفتن بين المجاهدين لمصلحة من؟ أولئك الذين قسموا المجاهدين إلى شيع وأحزاب لمصلحة من؟ أولئك الذين يتكلمون عن مثالب المجاهدين يخدمون من؟ نحن قد لا نشك في نيات بعضهم وفى إخلاص بعضهم، ولكن الإخلاص وحده - والله - لا يكفي، إنني أوجه نصحي لكم، أنصح نفسي وأنصحكم، وأقول لكم: انصحوا هؤلاء الذين يريدون أن يتلاعبوا في الجهاد من أبناء المسلمين، بل من المدعين الغيرة على الجهاد.
أعداؤنا عندما عجزوا عن الفتك بهذا الجهاد، حاولوا بطرق أخرى للفتك به وأخزاهم، قد نجحوا في بعض محاولاتهم، حافظوا على هذا الجهاد أيها الأحبة، وهذا فيه عزنا، وفيه نصرنا، وفيه قوتنا، لقد رفعنا رؤوسنا بعد أن طؤطئت كثيرا بفضل الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله، فيه العزة، وفيه القوة، وفيه الرحمة، وفيه الخير.
أيها الأحباب: لعل هذا يكفي دليلا وعبرة من دروس الأندلس، إذا لم يوجد الجهاد فعلى الأمة السلام. هذا ما أقوله هنا، وأواصل بعد قليل هذه الدروس إن شاء الله.
مواقف شجاعة تسجل في التاريخ
نواصل - أيها الأحباب - مع الدروس والعبر، هناك مواقف شجاعة تسجل في التاريخ، لما أراد ابن الأحمر أن يسلم غرناطة، وزين له أصحابه وحاشيته أنه لن يستطيع أن يبقى في مقاومة النصارى، جاء أحد المقربين وأحد رجاله وقال له - وهو يسمى موسى بن أبي غسان - وقال له: لا تسلموا غرناطة، دعونا نجاهد في سبيل الله، دعونا نقاتل في سبيل الله، ولكن صيحته ذهبت سدى، وقال له، قال لابن الأحمر رجاله.. قال رجال ابن الأحمر: إن النصارى عرضوا علينا معاهدة، فيها حفظ لكيان المسلمين، ولن يؤت المسلمون بأذى ولا بشر. فهيا نسلم الأندلس، حتى نحافظ على ما بقي لنا بالعهود والشروط، فقال لهم هذا الرجل: إياكم أن تركنوا إلى النصارى، إياكم أن تثقوا في النصارى، لكنهم رفضوا أن يستمعوا إليه، استمعوا إلى ماذا؟
قال لما أعيته الحيلة: لا تخدعوا أنفسكم، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا \\\\\\\\\\\\\\\" هو يذكر لهم ما حدث بالأندلس في مدن الأندلس: \\\\\\\\\\\\\\\" فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق \\\\\\\\\\\\\\\" وكأنه يقرأ التاريخ - رحمه الله - وكأنه يقرأ ما حدث بعده بسنوات معدودة: \\\\\\\\\\\\\\\" وأمامنا السياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق\\\\\\\\\\\\\\\" هذا ما سوف نعاني، أما أنا فوالله لن أراه، ثم ركب فرسه، وتقلد سيفه، وجاهد رحمه الله وحيدا حتى قتل.
قال الشاعر، معبرا عن هذه القصة المعبرة على لسان موسى بن أبي غسان أما أنا قال:
فرضت وأخضع للعـدا أنا لـن أقـر وثيقــة
وخفت أسباب الــردى ما كان عذري إن جبنت
أطال أم قصـر المـدى والموت حق في الرقاب
بيـدي ولــن أتـرددا إنى رسـمت نهايتــي
واليوم للوطـن الفــدا كـنـت الحسـام لأمتي
دًا بل ســأقضي سـيدا أنا لن أعيش العمر عبـ
وقضى شهيدا رحمه الله، في قصة هذا البطل عبرة وعظة لمن يعتبر.
أثر المعاصي والغفلة على واقع المسلمين في الأندلس
أيضا من العبر والعظات، أثر المعاصي والغفلة على واقع المسلمين في الأندلس.
المعاصي ما وقعت في بلد - أيها الأحباب - وفى أمة إلا فتكت بها. اسمعوا إلى قصة أبي الدرداء t عندما فتح المسلمون قبرص، وبدءوا يتقاسمون الغنائم، ويجمعون الغنائم، بكى أبو الدرداء t فجاءه أحد المشاركين في هذه المعركة، وقال له: يا أبا الدرداء هذا يوم فرح فكيف تبكي؟ قال له ويحك! ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، هذه روما التي نقتسم أموالها الآن. الروم عندما عصوا الله، انظر كيف حل بهم، ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره!. ولذلك قلت لكم ما قاله كوندي يبين عن مأساة المسلمين: العرب هووا، عندما نسوا فضائلهم، التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال في الشهوات؛ ولذلك قال المتوكل بن الأفطس أحد ملوك الأندلس: أما ما وهى المسلمين من ضعف أحوالهم، فبسبب الذنوب المركوبة \\\\\\\\\\\\\\\" من عصاني وهو يعرفني؛ سلطت عليه من لا يعرفني \\\\\\\\\\\\\\\" يقول الشاعر البسطي وهو من شعراء ابن الأحمر في الأندلس:
تقوى الإله ودان بالعصيان هـذا جـزاء مخالف مثلي أبى
وقال المرابط كاتب ابن الأحمر:
وجها للقيا الله غير مسود سودت وجهك بالمعاصي تلتمس
أو يقتـدي بنبيه أو يهتدي مـن ذا يتوب لربه مـن ذنبـه
يا أحبة: المعاصي دمار، المعاصي هلاك، خذوا مثلا واحدا ماذا حدث بلبنان؟ من كان يتصور لبنان، التي يطلقون عليها جنة الأرض منذ عشرين سنة فقط، أو منذ سبعة عشر عاما فقط التي يسمونها بلد التسامح، بلد المحبة، لكن لما عصوا الله - سبحانه وتعالى - من كان يتصور أن هذا البلد الذي ينعم بالرفاهية والنعمة والملذات، يتحول إلى جحيم؟ قرابة سبعة عشر عاما الآن، ولا زال يشتد ويشتد حتى أتى على الأخضر واليابس، وكأن القوم ما كانوا.
أمام أعيننا نقرأ أخبارهم صباح مساء. ما السبب في ذلك؟ المعاصي، الذنوب، نسوا الله فنسيهم. انتبهوا إلى عاقبة الذنوب، إياكم أن تتساهلوا في الذنوب أيها الأحبة، إياكم أن تتساهلوا بأثر المعاصي أيها الأحباب، كثرت الذنوب والمعاصي في بلاد المسلمين، الشوارع ملئت بالمعاصي، البيوت امتلأت بالمعاصي، حتى قال قائلهم: حتى إننا نرى المعاصي في المساجد غريب هذا، لا، ليس غريبا ترى المعاصي في داخل بيوت الله، من النساء ومن الرجال، ومن غيرهم أثر المعاصي رهيب.
أمامنا أمثلة من الأندلس، من لبنان... من غيرها، فاتقوا الله، يا عباد الله انتبهوا إلى هذه العبرة وإلى هذه العظة من هذا البلد بلد الأندلس، وما حل فيه كما قلت لكم بسبب المعاصي.
من الدروس المشرفة، وهو درس موقف ابن عباد، جاءه يهودي، فأغلظ له القول، وسب المسلمين، فقام ابن عباد وقتله رحمه الله، ومن مواقف ابن عباد الشجاعة أنه عندما أراد النصارى حصار أشبيلية، وكان واليا عليها جاء واستنجد بابن تاشفين من المغرب، فجاءه بعض ملوك الطوائف، وقالوا يا ابن عباد: كيف تستنجد بابن تاشفين؟! قال: وماذا في ذلك. قالوا: إنه إذا جاء ونصرك؛ سيحتل ملكك قال ما أفعل؟ قالوا: لو استنجدت بأحد ملوك النصارى، كما يفعلون هم لقتال هذا الملك.
قال لهم كلمة خالدة تكتب بماء الذهب: \\\\\\\\\\\\\\\"رعي الجمال خير من رعي الخنازير\\\\\\\\\\\\\\\" لأن أكون راعيا للجمال عند ابن تاشفين، وهو مسلم أحسن من النهاية التي ستكون، سأكون راعيا للخنازير عند هذا النصراني الذي سيأتي ويساعدني \\\\\\\\\\\\\\\" رعي الجمال خير من رعي الخنازير\\\\\\\\\\\\\\\" رحمه الله، وفعلا استنجد بابن تاشفين، ونصره نصرا مؤزرا مكرما.
أهمية التعاون بين المسلمين
أيضا من الأشياء المفيدة، دور المغرب في مساعدة أهل الأندلس، وأهمية التعاون بين المسلمين (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)( ) هنا أقف أمام درس فيه عبرة وعظة، من خلال دراستي لواقع الأندلس، وجدت أن العوامل الداخلية أشد تأثيرا من العوامل الخارجية. كيف ذلك؟
الآن الناس عندهم.. دائما يلقي اللوم على أعدائه، أنا قصدت عندما ذكرت الأسباب، أن أبدأ بالأسباب التي جاءت من المسلمين أنفسهم، وأخرت موضوع النصارى وعداوة النصارى؛ لأنه لولا أن المسلمين مكنوا للنصارى لما استطاع النصارى أن يفعلوا شيئا.
أقول: إن العوامل الداخلية داخل المجتمع المسلم، هي التي تؤثر أكثر من تأثير الأعداء، أعداؤنا لا يستطيعون أن يعملوا فينا شيئا- أيها الأحباب - إلا إذا قدمنا لهم التسهيلات لهذا الأمر، وذكرت لكم مثلا بالجهاد الأفغانى، هذا الجهاد الذي أطاح بروسيا، وأرغم أنفها بالتراب، وأرغم معها أمريكا، تآمروا وخططوا ووجدوا أنهم لن يستطيعوا أن يقفوا ضد هذا الجهاد، إلا إذا استطاعوا أن يحدثوا الفتنة داخل الصف، فبدءوا بزرع بذور الفتنة والشك والريبة ونجحوا والله.
يحدثني أحد الإخوة: أنه بالأيام القريبة القريبة جدا، المجاهدون في بعض المناطق ما عندهم ما يأكلون، كثير من المسلمين الذين يساعدون المجاهدين الأفغان، توقفوا عن المساعدة لماذا؟ بسبب الشبه والشكوك والفتن التي تثار ضد المجاهدين من أين؟ من بعض المتحمسين للجهاد، وكانت النتيجة ضد من؟ ضد الجهاد نفسه. هذه العوامل الداخلية ما عجزت عنه روسيا، وما عجزت عنه أمريكا، ينفذ بأيدي بعض المسلمين، ينفذ بأيدي بعض المنافقين، ينفذ بأيدي الدخلاء على هذا الجهاد، فإن العوامل الداخلية، أمضى وأشد فتكا من العوامل الخارجية. هذا درس اعتبروا به، وانتبهوا له، حتى لا نؤتى من داخلنا.
أيها الأحباب: من الملاحظ سرعة سقوط الأندلس، سقطت الأندلس في بعض الفترات بسرعة، تصوروا أنه في ثلاثين سنة فقط، من عام سبعة وعشرين وستمائة إلى خمسة وخمسين وستمائة هجرية سقط معظم قواعد الأندلس، في قرابة ثلاثين سنة سقطت معظم قواعد الأندلس بسبب ماذا؟ بسبب الأسباب التي ذكرت لكم0
يا دار ومحا محاسنك البلا والنار عـاثـت بسـاحتـك الظبــا
طال اعتبار فيــك واسـتعبـار فــإذا تردد فـي جنابك نـاظر
وتمخـضـت بخرابها الأقــدار أرض تقاذفت الخطـوب بأهلهـا
لا أنــت أنـت ولا الديـار ديـار
فى لحظات تحولت هذه المملكة الأندلسية، البلاد الإسلامية الضخمة إلى بلاد نصرانية كافرة، خلال سنوات معدودة، هذا فيه عبرة وعظة وذكرى، إذا لا يغتر المسلمون على الحال، التي هم فيها، قد يقول بعض المسلمين نحن في حالة - والحمد لله - من الصعب أن تتغير، لا إذا وجدت الأسباب؛ حدثت النتائج، هذا ما يتعلق بهذا الدرس. وسأختصر بقية الدروس.
من الصور المحزنة، التي أذكرها للعبرة مما أسقط الأندلس، كما قلت لكم أبو عبد الله الزغل، أحد ملوك بني الأحمر من آخرهم، أصاب النصارى في معركة وقتل منهم مقتلة عظيمة، وهي من المعارك القليلة، التي نجح فيها فقام ابن أخيه ملك غرناطة، وبعث يعتذر إلى ملك النصارى مما فعل عمه نعم. ومن الصور الأخرى أنه لما سقطت مالقة، وحول مسجدها الأعظم إلى كنيسة أرسل أبو عبد الله الصغير، وهو صغير فعلا؛ لأنه هو الذي سلم غرناطة آخر ممالك الأندلس، أقول: أرسل إلى ملك النصارى يهنئه بذلك، يهنئه بتحويل المسجد إلى كنيسة، لماذا؟ لعداوة شخصية بينه وبين ملك مالقة سابقا، ففرح أنها سقطت مالقة، وحول مسجدها إلى كنيسة، فأرسل يهنئه، وسبحان الله بعد سنوات معدودة، يسقط ابن الأحمر عبد الله الصغير، وتكون نهايته، المأساة التي أشير إليها الآن.
طرد من الأندلس، وجلس في المغرب ذليلا مهانا، ثم بقيت ذريته هناك حتى يقول المقري، وعهدي بذريته بفاس يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين، ويعدون من جملة الشحاذين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نهاية محزنة لابن الأحمر؛ لأنه عصى الله سبحانه وتعالى وسلم غرناطة. أولاده إلى فترة قريبة، يعدون من جملة الشحاذين والمساكين في المغرب، عبرة عظة أين المعتبر؟ أين المتعظ؟
دور النساء في الأندلس
هنا الدرس - وخاصة للأخوات الكريمات، ولكم جميعا - وهو دور النساء في الأندلس، أذكر دور أم عبد الله الصغير، الذي سلم الأندلس، كانت امرأة شجاعة - أيها الأحباب - وكانت لها مواقف فيها بطولة عجيبة، ولا يتسع المقام لذكر بطولتها؛ ولذلك يقول أحد المؤرخين: وتحتل شخصية عائشة الحرة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة، وليس ثمة في تاريخ تلك الفترة شخصية تثير من الإعجاب والاحترام ومن الأسى والشجن، قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة من شجاعة وإقدام، عندما بكى ابنها عندما سلم ابنها الأندلس وبكى جلس على صخرة يبكي، أبو عبد الله الصغير تدرون ماذا قالت له؟ قالت له: لأنها بذلت محاولات جبارة للمحافظة على الأندلس، وحاولت أن تبذل المستحيل، وقامت بأدوار قوية للحفاظ على الأندلس، لا يستطيع أن يقوم بها أكابر الرجال.
أقول: لما جاء ابنها وسلم الأندلس، ثم جلس يبكي قالت له: \\\\\\\\\\\\\\\"ابكِ مثل النساء ملكا مضاعا، لم تحافظ عليه مثل الرجال\\\\\\\\\\\\\\\"
ولذلك صور الشاعر كلماتها بهذه الأبيات على لسان عائشة الحرة، أم عبد الله الصغير، تخاطب ابنها بعد تسليم الأندلس فتقول:
مجدا ثوى وعارا أقامـا تذكر الله باكيا هل يرد الدمع
......................... هدني فـوق خطبنا أنك ابني
تقول مأساتي إنك ابني
يــــا لأم تسـقى العـذاب تؤامـا هــدني فــوق خطبنــا أنـك ابنـي
ركنـه آنـذاك فابـكـه كالأيــامى لــم تصـن كالرجـال ملكـا فأمسـى
أبيات محزنة، تصور هذه الحالة -أيها الأحبة- أقول: إن للنساء دور، إنني أخاطب الأمهات والبنات والأخوات، أخاطب الزوجات، إننا ننتظر منهن الشيء الكثير في مجتمعنا، إنني - والله - أخشى وأرى أن يأتينا عن طريق النساء شرا كثير، كما حذر الرسول r أمته، يخاف على أمته من أين؟ خاف على أمته من الدنيا، ومن النساء، وها نسمع أحيانا من المصائب والمشكلات، سببها الرجال والنساء الله الله يا أمهات المسلمين! الله الله في أبنائنا!! الله الله في رجالنا!! الله الله في أمتنا!! احمين البيوت، أخرجن لنا الرجال، ربين لنا الأبطال كأمهات المؤمنين وكنساء الصحابة وسلف المؤمنين، إننا ننتظر من المرأة شيئا كثيرا، الله الله أن تنخدع بمحاولات الأعداء وبأساليبهم وبإغرائهم وبإغوائهم!!
وقد استمعتم قبل قليل إلى حالة النساء في الأندلس، كيف وصلت من الشهوات والمشي في الأسواق، ولبس الذهب والتفاخر فسقطت الأندلس:
أعددت شعبا طيب الأعراق الأم مدرسة إذا أعددتها
إنني آمل من كل أم، ومن كل أخت أن تكون داعية في بيتها، وفى مجتمعها مصلحة لزوجها ولإخوانها ولأبيها ولأبنائها، هذا أملنا فيها بإذن الله، وتتحطم مكائد الأعداء على هذه الصخرة الفذة القوية والحصن المنيع.
شمس تغرب وشمس تشرق
لا أريد الإطالة، فسأختم هذه الدروس، وهذه العبر أن النصارى كما قلت: نقضوا المعاهدة، عندما سلم ابن الأحمر الأندلس عقدت معاهدة فيها سبعة وستين شرطا، كلها في صالح المسلمين، وصدق عليها البابا، وأقسم عليها ملك النصارى بأغلظ الأيمان، أنه سيوفي بها، وبعد سبع سنوات فقط بدأ بنقض المعاهدة، وقتل المسلمين، وحول المساجد إلى كنائس، وأتيت النساء في الطرقات وقتل الأطفال وشردوا، وهذا جزاء الركون إلى أعداء الله والوثوق بهم، وأشرت لكم إلى مأساة الموريسكيين.
وأختم هذه الدروس فأقول: شمس تغرب، وشمس تشرق، في الوقت الذي سقطت فيه الأندلس، وسلمت فيه الأندلس على صحفة من ذهب، كان محمد الفاتح قد افتتح القسطنطينية، وبزغ نور الإسلام في تركيا، وفى الوقت الذي تصورت أوروبا أنها محت الإسلام من الغرب، جاءها الإسلام من الشرق عن طريق تركيا وهذا دين الله سبحانه وتعالى.
الأمل الأمل!! هذا دين الله، ولكن أين العاملون؟ في الوقت الذي تصور أعداء الله، أنهم قضوا على الجهاد في فلسطين يخرج الجهاد في أفغانستان، وها نحن نرى معالم الجهاد في إريتريا، والحمد لله، وفى الفليبين آمال مشرقة مفرحة.
أيها الأحباب: أقول هذا درس من دروس الأندلس، دين الله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)( ) (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)( ) (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)( ) نعم هذا دين الله، لكن نحن، وهو دين للبشر، النجاة النجاة وإلا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)( ).