معركة العقاب (2)
نظم السلطان الموحدي جيشه لخوض المعركة ، وقسم ملوك النصارى جندهم قسمين ، بعضهم على سفح الجبل ، وبعضهم فوق الربى ، وكان ألفونسو في قلب الجيش ، ومشرفاً على الجيش كله ، وقسم القلب إلى أربعة فرق : الأولى : من سكان الجبال القشتالية ، والثانية : من فرسان قلعة رباح وشنت وياقب والاسبتارية والداوية وبعض جنود الحدود القشتالية ، والثالثة : من جند وفرسان من قشتالة واشتوريش وبسكونية ، والرابعة من الجند الاحتياطي من طليطلة وبعض قوات ليون ، ومع الفرقـة الأخيرة يرافقهم عدة أساقفة ، ويقودها ألفونسو بنفسه .
وكان يقود الجناح الأيمن سانشو ملك نافارا ، وفيه فرسان فرنسيون وجند جليقية والبرتغال ، وعلى رأسهم الأمير البرتغالي .
أما الجناح الأيسر فكان أربع فرق ، ويتألف كله من قوات أرغون ، ما عدا بعض جند المشاة القشتاليين ، ويقوده الملك بيدرو ، وحوله الأحبار .
أما جيش الموحدين فقد قسمه أبو عبدالله محمد الناصر تجاه جيش النصارى في سهل ( تولوزا ) إلى خمس فرق .
كانت الفرقة الأمامية من المتطوعة ، واصطفت القوات الأندلسية في الميمنة ، والقبائل البربرية في الميسرة ، وأما القلب والقوات الاحتياطية فكانت تتألف من صفوة الجيش ، من الجند المغاربة والنظاميين .
وضرب أبو عبدالله قبته وسط الصفوف ، وربط أمامها جواده المسرج ، وقعد في داخلها ، إيذاناً باقتراب المعركة ، ثم خرج سلطان الموحدين من قبته رافعاً المصحف الشريف بإحدى يديه وشهر سيفه بالأخرى .
وفي 15صفر 609، 16 تموز- يولية 1212م التحم جموع المتطوعة من المسلمين بجنود الجبال القشتاليين وجموع الفرسان النصارى ، ويشتبك الفريقان في معركة حامية ، ويتحرك الجناحان في كل الجيشين تجاه بعضهما .
ولم يستطع المتطوعة المسلمون اختراق صفوف الفرسان القشتاليين ، الذين ردوا جموع المسلمين ، واستشهد ألوف من المسلمين ، لكن القشتاليين حين مطاردتهم لجموع المتطوعة المسلمين لقوا أشد مقاومة فارتدوا فارين فتبعهم الفرسان المسلمين .
وأراد ألفونسو أن يخوض المعركة بنفسه لما رأى تراجع قواته ، فقال : ( إن الساعة قد حانت لنلقى الموت المجيد ) ، ولكن المطران والقساوسة اعترضوه فأرسل قوات من أشجع الجنود لإمداد المرتدين ، وسار الأحبار يحملون الأعلام وعليها صور المسيح ، وانتهز الفرسان النصارى تقدم الإمدادات معهم فلموا شعثهم ونظموا جموعهم واستأنفوا زحفهم وحطموا كل مقاومة في اتجاه قلب الجيش الإسلامي حيث السلطان ، وضربوا هجومهم على السلسلة الحديدية التي احتشدت من ورائها ألوف مؤلفة من الحرس شاهرين الحراب ، ولكن جناحا الجيش الإسلامي قد تحطما ؛ لأن الأندلسيين ومع بداية المعركة ركنوا إلى الفرار ، ولم يصمد سوى جند الموحدين النظاميين ، والحرس المغاربة ، فقد لبثوا يقاومون النصارى ، وصدّوا النصارى من كل صوب بشجاعة عجيبة ، ولكن الدائرة حطمت فغدا نصر الأسبان تاماً حاسماً ، وكانت الهزيمة فادحة ، ولبث أبو عبد الله يذكي حماسة حرسه حتى آخر لحظة ، ولما رأى الهزيمة حلت بجيشه ووقف على استشهاد ولده الأكبر لم يرد العيش بعده ، فقعد في خيمته ، والعدو يدنو منه ، فأقبل أعرابي ونبأه بفرار جنده ، فناشده ألا يقعد بعد ، فقال أبو عبدالله الناصر: (صدق الرحمن ، وكذب الشيطان ) ، ثم امتطى صهوة جواده أخيراً ، وغادر ميدان المعركة مسرعاً مع نفر من أصدقائه وجنده المخلصين ، واتجه صوب بياسة ، ثم إشبيلية .
وكانت هذه المعركة بداية النهاية لشمس الإسلام في الأندلس ، والتي غربت بمصرع غرناطة .
أسباب الهزيمة :
- الإعجاب بالكثرة ،إذ الثقة بآلف الجند وبمقدرة القائد أفقد القائد والجند اعتمادهم على الله سبحانه ، وهذا يفسر قول السلطان : ( صدق الرحمن وكذب الشيطان ) .
- جبن الأندلسيين وخيانتهم ، إذ ركنوا للفرار بعد معارك قصيرة ، وقد كان من أسباب فرارهم الحقد على الوزير الخائن ابن جامع الذي نصح السلطان بقتل أبي الحجاج ابن قادس أمير قلعة رباح .
- ضعف شخصية أبي عبد الله الناصر أمام وزيره ابن جامع .
- عف الجيش الإسلامي بعد ملازمته لحصار سلبطرة مدة ثمانية أشهر .
- ضعف القيادة وسوء التنسيق ظهر بعدم ثبات البربر والعرب بعد فرار الأندلسيين .
- تماسك جيش النصارى واعتقاد رؤسائهم أنهم جاؤوا لنصرة دينهم على دين آخر .
بعد المعركة :
قتل النصارى كل أسراهم من المسلمين في مكان المعركة ذاته ، وفقد المسلمون ثلث قواتهم في هذه المعركة ، وفتح ألفونسو بعض الحصون والمدن مثل : فرال ، وتولوزا ، وبياسة ، وبلقس ، وبانيوس ، وأبدة التي قتلوا من أهلها ستين ألفاً وأسروا مثل هذا العدد وهدمت الدور ، وقد فتكت الأمراض بالجيش النصارى مما اضطره للرجوع إلى طليطلة عاصمة ملك قشتالة .
العقاب بقيادة أبي عبد الله الناصر ، للدكتور شوقي أبو خليل