تأثير المعلم على المدى البعيد
يذهب إلى المدرسة في الأيام الأولى طائفتان من البشر بمشاعر مختلطة:
الأطفال والمدرسون، ولكل منهم آماله طموحاته، وأيضًا تخوفاته التي تنبع أساسًا مما ستسير عليه العلاقة بين الطرفين؛ الطفل يفكر: \"من يا ترى سيكون مدرس الفصل؟ هل هي شخصية مرحة مريحة يمكن التفاهم معها، أم سيكتب علينا النظر في وجه عبوس بائس طيلة العام الدراسي، هل – وهنا هو السؤال الجوهري – سأحبها تلك المعلم/المعلمة؟
المدرس يدور في ذهنه: \"كيف سأتعامل مع هؤلاء الأطفال الصغار السن، البارعين في القدرة على استفزاز من يمارس عليهم أدنى سلطة مهما علت مكانته أو كبر سنه\"؟ هل سأنجح في ترويض \"الشياطين الصغار\" -هكذا يطلق عليهم بعض المعلمين – أم سيقومون هم بقيادة أعصابي وانفعالاتي إلى التهلكة؟ هل سأنجح في التعامل معهم أم سيكون ضياع صوتي وحنجرتي هو المصير المحتوم؟ واختصارًا، هل سأنجح في أن أكوّن بيني وبينهم علاقة يسودها الحب والاحترام؟.
وترديد هذه الأسئلة مع افتقاد جوهر العلاقة بين الطالب/الطالبة والمعلم/المعلمة يزيد من اضطرا بات الأطفال، ويُدخل المعلمين سراديب مظلمة تؤدي بهم في النهاية إلى الهلاك.
إن جوهر العلاقة هو: الحب والاحترام المتبادل، نعم المتبادل، فكما أن المدرس عليه أن يحب صغاره، عليه أن يحترم عقولهم الصغيرة، فهي ليست صغيرة؛ ولكنها كبيرة جدًا بما تختزنه من علاقات وتجارب ومعلومات يتم تحليلها وتركيبها والتعامل معها شيئًا فشيئًا وهذا هو \"النمو\".
عليه أن يحترم مشاعرهم، فالأطفال -أدرك ذلك المعلم أم لم يدرك- مرهفو الحس، يؤثر فيهم لمسة اليد..والابتسامة..والنظرة الحانية.. أو الهدية المتواضعة ، ويمكن بيسر أن يمتلك المعلم شغاف قلوبهم بمجرد كلمة طيبة.
وإذا كنا نتساءل دائمًا ودومًا لماذا وكيف يمكن لبعض الشعوب قبول الذل والمهانة والخضوع، والإجابة بسيطة لأنها تم تربيتها على ذلك. فإن استمر مسلسل معاملة التلاميذ والصغار (أكان في المدرسة أم البيت على السواء) بأسلوب \"اسمع الكلام وإلا..\" (مع رفع السلاح الأبيض: الحذاء أو شماعة الملابس، أو المسطرة أو العصي الغليظة) فلن نجني حتمًا سوى جيلاً من الخانعين الأذلاء البؤساء.
الأخصائية الاجتماعية / مدرسة الفارابي / أبوظبي