التخطيط التعليمي وعلاقته بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية
للتخطيط التعليمي صلة وثيقة بالتنمية، لأنه في واقع الأمر أداة من أدواته، باعتباره محاولة فعّالة لضبط الاتجاهات الجارية للتنمية، وتوجيهها للحصول على الأهداف التي تحقق مصالح الجماعة العُليا، حيث اتجه كثير من التربويون إلى الربط بين التخطيط التعليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنسيق بينها، وذلك من اجل تنمية مناشط الأفراد والجماعات، والاستفادة من الامكانات المتاحة إلى أبعد حد ممكن(30).
وقد برزت هذه العلاقة المتكاملة عندما اعتبر التعليم استثمار اقتصادي في الموارد البشرية وهو من مجالات الاعتبار في تخطيط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن النظر إلى التعليم كعامل من عوامل الإنتاج يعد طرفا من أطراف مكانة التعليم في العملية الاقتصادية، وقيمته كعامل للتأثير على الأنماط الاستهلاكية قد يعوق عمليات التنمية الاقتصادية.
وفي البلاد العربية، كما هو الحال في غيرها من الدول، يوجد اعتقاد سائد وقوي في أن التعليم مدخل أساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد برزت العلاقة بينهما منذ زمن ليس بالقريب، فنجد أن \"آدم سميث\" من فلاسفة الاقتصاد في القرن الثامن عشر أكد أهمية التعليم والتدريب في رفع الكفاءة الإنتاجية للعامل، وزيادة مهارات العامل اليدوية، وكما أشار إلى أهمية التعليم وتخطيطه في إحداث الاستقرار السياسي والاجتماعي وهو ما يعتبر شرطاً ضرورياً للتنمية الاقتصادية(11).
والتخطيط التعليمي ليس هدفه مجرد تلبية حاجات التنمية الاقتصادية بل هدفه تلبية حاجات التنمية بالمعنى الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بجوانبها المختلفة والمتعلقة بتطوير الإنسان وتغيير مواقفه(3).
ولقد كانت هنالك نظرة قديمة إلى مشروعات التنمية الاجتماعية على اعتبار أنها مشروعات استهلاكية لا تؤدي إلى عائد أو مردود اقتصادي مُباشر، كما هو الشأن في التعليم –سابقاً- إلا إن هذه النظرة قد تغيرت وأصبح ينظر الآن إلى برامج التنمية والخدمات الاجتماعية على أنها ذات عائد اقتصادي ينتج عن اكتساب المهارات والمعرفة كنتيجة للتعليم مما يؤثر في الإنتاج وفي القدرة على العمل ومواصلته، فعلى هذا نستطيع القول بأن التنمية الاجتماعية برامج اقتصادية، والاستثمار فيها طويل الأجل له فوائد محققة.
ولقد ركز الاقتصاديون اهتمامهم منذ أمد بعيد على دور التعليم في التنمية الاقتصادية، وتتراوح طرق الاهتمام بين الدفاع العام عن التعليم بوصفه قوة كبرى في تكوين مجتمع ميال إلى التقدم وبين المقاييس الاقتصادية البواقي العائد من التعليم ومعدلاته.
ولابد من القول بأن تخطيط التعليم يعمل على إحداث الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتهيئة الظروف المناسبة للتنمية الاقتصادية، إضافة إلى انه يعطي الأفراد فرصاً متزايدة من التعليم حتى تتكشف مواهبهم وقدراتهم. ومع إننا حالياً لا نعرف إلا القليل عن دور تخطيط التعليم في تطور الاقتصاد الذي ما يزال في مراحله الأولى من التنمية إلا أن هنالك بعض الدلائل على أنه من أهم مطالب الوصول إلى اقتصاد متين(11). بتصرف.
وثمة موضوعات أساسية في موضوع التخطيط والتنمية إذا تم وضعها في أذهاننا يمكن أن يوفر علينا الكثير من الجهد والوقت والجدل، هي موضوعات بديهية ولكن يحسن التفكير بها وهي:
الموضوع الأول:
هو إن القصد من التنمية في شتى مجالات-ونغني هنا التنمية الشاملة وليس مجرد النمو الاقتصادي، فهنا لابد من التفريق بين النمو والتنمية، فالنو الاقتصادي في نظر الباحث- طريقة تهدف إلى إيجاد طاقة هذه الطاقة تؤدي إلى زيادة في الاقتصاد خلال فترة زمنية معينة، في حين أن التنمية الاقتصادية هي العملية التي توجد تقلبات وتطورات في تطوير الاقتصاد القومي بحيث تعمل على جعله أكثر قدرة على الإنتاج الأمر الذي يؤدي إلى زيادة مستمرة في إنتاجية الفرد أو المجتمع.
فالتنمية الاقتصادية ليست النمو الاقتصادي هذا موضوع يجب أن يكون في أذهان المخططين وخاصة التربويين.
الموضوع الثاني:
وهو موضوع يجب أن ينطلق منه تخطيط التعليم وهو التربية التي تستطيع أن تؤدي للتنمية في جوانبها المختلفة ليست أي نوع من التربية، فثمة أنماط من التربية تؤدي إلى عكس أهداف التنمية، إذ لم نضع فيها أهداف التنمية، والشواهد على ذلك كثيرة لعل أبرزها وجود عدد كبير من المثقفين العاطلين عن العمل، وتزايد عطالة المثقفين في البلدان النامية بوجه خاص، فليس أي تربية تؤدي إلى التنمية، إذ لابد أن نضع في التربية المواصفات المطلوبة التي تؤدي إلى التنمية، وإذا لابد من التخطيط التعليمي لانه في النهاية هو الناظم والوسيلة والأداة التي تحاول ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، أن تجعل التربية فعلاً في خدمة التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة، وفي خدمة حاجات القوى العاملة من جانب، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من جانب آخر.
الموضوع الثالث:
وهو الصلة بين التعليم وسواه من العوامل الاجتماعية والاقتصادية صلة دائرية، فالكثير من التربويين يخيل لهم أن الصلة خطية، فلا التربية وحدها علة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولا هذه العوامل علة للتربية، بل بينهما اخذ وعطاء .
والتخطيط السليم هو الذي يدرك هذه العلاقة بين الأخذ والعطاء ويستخرج منه أفضل صيغة ممكنة للنهوض بالمجتمع والفرد نهوضاً متسقاً لا نهوضاً متصارعاً فالتخطيط إذن لابد أن يكون دائرياً(3).
الموضوع الرابع(5):
أهم ما في التخطيط الأوليات، والمقصود بالأوليات تقديم تخصص أو مرحلة تعليمية على أخرى في الإنفاق والدعم والاهتمام، ومشكلة الأوليات لابد أن ننظر إليها من بعدين:
البعد الأول: درجة النمو أو التطور في المراحل والأنواع المختلفة من التعليم.
البعد الثاني: مدى الحاجة في التوسع في المراحل والأنواع المختلفة من التعليم لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأن أي دراسة لأولويات التعليم يجب أن تبحث ضمن الإطار الشامل لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتبارات احتياجات القطاعات المختلفة، بحيث تؤدي تنفيذ الخطة التعليمية إلى إحداث توازن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فإن أي تخطيط للتعليم يبنى على أساس شعارات سياسية معينة دون النظر إلى الاعتبارات الاقتصادية، أو دون الاعتماد على الأساليب الموضوعية، قد يؤدي إلى نتائج اقتصادية واجتماعية خطيرة.
ضمن بحث حول التخطيط تناول العديد من الموضوعات المتعلقة بالتخطيط و سيتم نشر هذه الموضوعات منفصلة من اجل الفائدة.
إعداد / محمد علي القضاة