العنف في وسائل الإعلام
إعداد: المهندسة سليفيا بيطار
سوريا
"الأفضل بناء طفل من اصلاح انسان"
من هذا المنطلق يأتي التشديد على الاهتمام بالأطفال كبنية أساسية للمجتمع حيث تشكل رعاية الطفولة وحمايتها الاهتمام المحوري والجوهري في حياة الأسرة والمجتمع.
تؤدي وسائل الإعلام دوراً هاماً بتأثيرها على الأطفال (سلباً أو إيجاباً) من خلال مساهمتها بمضامينها الموجهة لهم والتي تساهم في بناء شخصية الطفل وتوسيع مداركه وزيادة علاقاته الاجتماعية بفتحها آفاق العالم أمام الطفل كما تساهم في تعميق القدرة الأدبية لديه وترهف حسه وذوقه السليم وتنمي ثروته اللغوية وبذلك فهي تؤدي دوراً مهماً في التنشئة إضافة إلى ما تقوم به قنوات التنشئة الأخرى في المجتمع ولكل وسيلة من وسائل الإعلام دورها ولا تلغي وسيلة إعلامية دور وسيلة إعلامية أخرى.
وتكتسي وسائل الاتصال الحديثة دوراً هاماً في وقتنا الحاضر كونها أصبحت اللغة المشتركة في كافة أنحاء العالم تجعل جميع الناس على اتصال ومهتمين ببعضهم البعض في القرية الكونية الصغيرة.
نستعرض في ورقة العمل هذه لدور بعض وسائل الإعلام في تصعيد قضية العنف عند الأطفال.
أولاً: العنف في الإنترنت:
العمر الذي يتعامل مع الإنترنت:
على الرغم من سهولة التعامل مع الإنترنت وازدياد نسبة المستخدمين ما يزال الأطفال دون سن الثانية عشرة بعيدون عن استخدامها لعدة أسباب منها عامل اللغة الذي يلعب دوراً أساسيا في تفهم الأطفال لكيفية العمل مع الإنترنت أو أنهم سيتقيدون بالمواقع العربية الآمنة.
كما أنه حتى هذا العمر يمكن للأهل أن يتمكنوا من مراقبة أولادهم أو حجب الاتصال عن الحاسب المتوفر في المنزل وبالتالي لا يتمكن الأطفال من الدخول إلى الإنترنت. ولكن مع التقدم المستمر وسعي الدول مع الأشخاص إلى تأمين هذه الخدمة لكل فرد في المجتمع سوف يتمكن الأطفال من سن الخامسة من الدخول إلى الشبكات سواء في المدارس أو الـ cafe Internet أو في أي مكان للألعاب…
الأطفال الذين يتعاملون مع الإنترنت:
حالياً لكي يتمكن الطفل من دخول الإنترنت لا بد من توفر حاسب في المنزل واشتراك إنترنت أي أن الأشخاص المثقفون أو أشخاص ينتمون إلى الطبقة الوسطى فما فوق يمكن أن يتوفر لأطفالهم هذه الخدمة وبالتالي ينعكس تأثيرها على نسبة 10% من المجتمع كحد أقصى وابتداء" من سن الثانية عشرة. ولكن نعود ونؤكد أن هذه النسبة سوف تتزايد وبشكل سريع وملحوظ خلال السنين القادمة.
نوعية البرامج و مدى تأثيرها على الأطفال:
عند دخول الأطفال إلى الإنترنت من الصعب الوصول مباشرة إلى أية مواقع عنف وإنما المدخل الأساسي للأولاد هو الـ ألعاب بشكل عام ومن خلال هذه المواقع يتم اختيار الألعاب حسب ما يرغب به الأولاد لا من رقيب ولا من محاسب قد تكون الألعاب عنيفة قد تكون هادفة وسلسة قد تكون موجهة بحيث تلعب دوراً نفسياً يشد الأطفال إليها لتمرير الأفكار المرغوبة.
كما نود التوضيح بأن عملية الدخول إلى مواقع الإنترنت واللعب on line عملية غير واردة نسبياً نظراً لتكلفة الإنترنت وانخفاض أسعار الـ Cds الخاصة بالألعاب.
هناك أيضاً المواقع الخاصة بالشخصيات التلفزيونية الكرتونية والتي تشد الأطفال مثل البوكيـمون وغيرها حيث تحوي عدة أنواع من الألعـاب بعضـها مفـيد مثل الـ ( puzzle ) .
مما تقدم نجد أن الإنترنت لا تشكل عاملاً أساسياً حالياً في عرض العنف إنما تشكل الإنترنت خطراً من النواحي الأدبية للمستخدمين حيث أن غالبية هذه المواقع تكون مبطنة وغير واضحة وغالبيتها تكون من صنع الهواة مما يجعلها تشكل خطراً على نظام الحاسب.
ولكن نظراً لعدم وجود رقيب يتوجب خلق رقيب ذاتي لدى الأطفال عند تجولهم في هذا العالم الرقمي.
ثانياً: العنف في ألعاب الكومبيوتر:
العمر الذي يتعامل مع الكومبيوتر:
يقدر عدد مستخدمي الحواسب بنسبة لا تقل عن 50 ~ 60 % حيث يمكن للطفل أن يبدأ بالتعامل مع الحاسب منذ عمر أربع سنوات وذلك من خلال الألعاب التي يقدمها الأهل لأولادهم والتي تكون مخصصة لهذه الأعمار وسنأتي على ذكرها لاحقاً.
الأطفال (البيئة) الذين يتعاملون مع الكومبيوتر:
نبين نوعين من الأطفال الذين يتعاملون مع الحاسب:
-أطفال تتواجد في بيئة مثقفة نسبياً يستطيع فيها الأهل أن يسايروا التكنولوجيا ويوجهوا أولادهم بها. يتفرع عنها الأهل الغير واعين لما تتركه الألعاب من أثر على الطفل.
-أطفال تتواجد في بيئة غير مسايرة للتكنولوجيا حيث يشعر الأهل بضرورة تعلم ولدهم على الحاسب ويعملون على تأمينه ولكنهم غير قادرين على توجيه أطفالهم في هذا الموضوع.
في البيئة الأولى يكون من السهل التأكد من نوعية البرامج التي يتعرض لها الطفل لأن الأهل هم الذين يختاروا وهذا ممكن حتى سن الثانية عشرة أو للعمر الذي يبدأ فيه الطفل بأخذ مصروف معين من أهله وهو عادة يكون في سن العاشرة.
أما في البيئة الثانية فليس هنا من رقيب وقد يكون المساعد على اختيار البرنامج أحد الأصدقاء أو المعارف أو صاحب محل البرامج والذي غالباً يهتم لأن يسوّق برامجه أكثر من الاهتمام المفرط بالنوعية المقدمة للطفل.
نوعية الألعاب:
إن كافة البرامج وخاصة الألعاب تعتمد على عناصر ومؤثرات ضوئية وصوتية تشد الصغار بشكل كبير وفعال (حتى أنها تشد الكبار أيضاً) نظراً لتمكنها من إخراج صور وألوان معينة قد لا يتمكن مخرجو السينما والتلفاز من تنفيذها وهنا يكمن خطر البرامج إذ أن التركيز العالي مع البرنامج يجعل المتلقي يستقبل كل شيء منه دون أن يفوته أي شيء لذا وجب الاهتمام بما يقدمه البرنامج. نستطيع أن نقسم ألعاب الحاسب إلى الأنواع التالية:
-ألعاب تعليمية تعتمد على قصة أو شخصية كرتونية:
هذا النوع من الألعاب مفيد جداً للأطفال فهو يبدأ في تثقيفهم بثقافة سهلة وسلسة تعتمد على شخصيات محببة للأطفال مثل Dr. Poo وهو الدب الذي يعلم القراءة والحساب وحتى بعض الأغاني وضمن هذا المجال نجد أيضاً بعض البرامج باللغة العربية التي تدعم الثقافة العربية وهذه البرامج (سواء الأجنبية أو العربية ) يمكن أن يبدأ معها الطفل من سن الرابعة.
-ألعاب فكرية (تقوية الملاحظة - التركيز …):
عملياً تعتبر هذه البرامج للصغار ولكنها تشد الكبار أيضاًنظراً لأنها تقوي المخيلة (تساقط المكعبات) سرعة البديهة (الأوراق المتشابهة بشتى الأشكال) الذاكرة إلى ما هنالك من ألعاب ذهنية ويبدأ بها الطفل من سن السابعة إلا أننا نلاحظ أنه لا يستطيع التركيز معها طويلاً نظراً لما تتطلبه من جهد مهما كان بسيطاً ولكن لا غنى" عنها.
-الألعاب التي تعتمد إستراتيجيات حربية (تحتاج إلى وضع الخطط):
هذا النوع من الألعاب يعتبر بنوع ما من المراحل المتقدمة والتي تحتاج إلى نضج عقلي ويبدأ بها من سن العاشرة والمراهقة حتى الشباب وأكثر إذ أنها تتدرج صعوبتها مرحلة فمرحلة سندرس على سبيل المثال برنامج Edge of Empire حيث تعتمد فكرته على إمبراطور يبني مدينته حيث يأمر العبيد بالزراعة ومن ثم صنع القوارب يعبيء خزاناته ويستعد لغزو العدو ينتصر أو يخسر يوسع رقعة إمبراطوريته.
في هذه اللعبة نلحظ التالي:
1- على الرغم من عدم وجود عنف مباشر ولوحات دموية إلا أنها تكرس الأنا عند المستخدم وتضخمها وتجعل البرنامج ملاذاً يهرب به من واقعه ومن إمكانياته الحقيقية ليرسم لنفسه واقع ومدينة وعالم هو الحاكم الأوحد وله مطلق الحرية.
2- صحيح أن هذه اللعبة تعتمد على التخطيط العقلي ورسم مستقبل للمدينة إلا أن مبدعها يعتمد على المادة إذ إن هدف الإمبراطور زيادة رقعة بلاده ويخسر عندما تفرغ مخازنه من المؤنة ونظراً للإقبال الشديد عليه ففي كل فترة يظهر جزء جديد يحمل درجات وإمكانيات قتالية جديدة.
3- إن مبدأ اللعبة هو إما أنا حي أو الآخر حي ولا يمكن أن نحيا معاً بنفس الوقت للتخطيط للقضاء على بعضنا وهذه الفكرة باعتقادي هي قمة العنف الفكري.
مثال آخر لعبة تعتمد أيضاً على استراتيجيات قتالية وتدعى دم وشرف مع واجهة حمراء وأشكال لشياطين والعياذ بالله.
مثال آخر للعبة الكهف نعرض عليكم إن أمكن البرنامج ومقدمته الخاصة والتي تعتمد على قصة أن هناك عمليات إنقاذ لرجال الكهوف من الهياكل العظمية من يسمعها يرى أهدافاً نبيلة إنقاذ ولكن عند البدء باللعب لا نشاهد سوى مناظر مفزعة وعندما نموت إثر ضربات الهياكل العظمية المتكررة نرتمي على الأرض والدم يشر من أصابع اليد بشكل لزج (يا للمنظر الهاديء لولد في العاشرة من عمره).
وقد نسأل هنا عن لعبة الشطرنج العالمية فهي أيضاً لعبة حربية قتالية تعتمد على حياة شخصية واحدة هي الملك ولكن في الشطرنج تتوفر العوامل التالية:
لا يمكن لعملية الشطرنج أن تضخم الأنا لأن اللعب له قوانين وهناك دائماً لاعب في المواجهة وهو لاعب شرس على الرغم من أن الإنسان هو الذي يحدد درجة صعوبة اللعبة (في حال كان يلعب مع الحاسب) .
تعتمد لعبة الشطرنج كثيراً على التخيل وهو أمر لا يمكن للاعب أن ينجح بدونه. عليه أن يرسم المخطط بدماغه وأن يتخيله ثم يلعب ويعدل في مخططه طبقاً لتحرك الخصم ولكن في جميع الأحوال لا يمكن لدرجة المؤنة التي في المخازن أن تحدد نسبة قوة اللاعب بل عليه السعي جاهداً للربح وفي حال شاه مات لا يمكن أن نرى دماء" تسيل على الأرض.
-ألعاب تعتمد فقط على صراع البقاء:
هذا النوع من الألعاب قد يكون عنيفاً وقد لا ولكنه يؤدي إلى تبلد الفكر إذ أنه يعتمد على صيد معين (طائرات ... مراكب فضائية ...) وهو يعتمد فقط على مبدأ تجميع أكبر عدد من النقاط.
-أين يكمن العنف في الألعاب السابقة و لم إقبال الأطفال والبالغين عليها:
بينّا في بداية عرضنا للألعاب مدى تشويقها كونها تعرض الأمور بمؤثرات عالية الجودة من ناحية الصوت الصورة الإضاءة. تكمن مشكلة العنف هنا في أن الألعاب التي تسهل عمليات القتل، أو تفرضها للوصول إلى الهدف فكلما قتل اللاعب زوميي أو رجل أو أي شيء تجده يصرخ من الفرح لأن هذا سيقربه من هدفه و رويداً رويداً لا يعود لموضوع القتل أهمية عنده وفي لحظات معينة وفي شطحات معينة قد ينجرف الإنسان وراء هذا الـ لا إحساس بإنسانية الآخر ويقتل أو يسرق أو.. و بأعصاب باردة.
ناهيك عن كثرة الدماء التي يراها على الشاشة ومنظر الخصوم وهم يتساقطون متألمين إلى ما هنالك من إعطاء اللاعب لذة في القتل وهنا يكمن الخوف من أن تتحول هذه اللذة الخيالية إلى الرغبة باللذة الحقيقة.
-الألعاب القتالية المصنعة من قبل الهواة وخطرها:
هذا النوع من الألعاب هو أخطرها على الإطلاق لعدة أسباب إن الشركات المصنعة للألعاب القتالية والاستراتيجية تسعى جاهدة لأن تقدم بنوع ما موضوع جيد للقصة وهي غالباً غالية الثمن (البرامج الأصلية) أمل بالنسبة لبرامج الهواة فهي تعتمد على بعض البرامج السلسة للحاسب ولا تهتم كثيراً بعملية القصة بل تضع وبشكل أساسي ومباشر شرطي يلاحق لصاً أو العكس.
وهي غالباً تتوفر بأسعار رخيصة وتكون في متناول الجميع لذلك تركز هذه اللعب على إثارة اللاعب قدر الإمكان ليلعب وتعطيه ما أمكن من مظاهر القوة فمثلاً إحدى الألعاب عندما تنتهي تسألك هل تريد العودة لعالمك الممل فإن قلت نعم تبدأ الدماء تسيل من أعلى الشاشة إلى أسفلها حتى تصبح الشاشة حمراء ثم تخرج من اللعبة فأي قيم نقدمها لأولادنا من خلال هذه الألعاب.
مقترحات حول كيفية الوقاية من هذه المشكلة:
الحق يقال أن التأثر بهذا النوع من الألعاب نسبي وهو يختلف من فرد لآخر ولا يمكننا أن نعتبر أن ما يراه أحدنا عنفاً يراه الجميع عنيفاً والعكس بالعكس.
ونتيجة لذلك لا يمكننا وضع ضوابط قانونية لمنع المشاهد العنيفة وخاصة مع كثرة البرامج والألعاب وإنما الحل الأفضل برأي يكون:
التوعية والتوجيه وتكون على صعيد المستوردون لهذه الألعاب وعلى صعيد الأهالي والمجتمع المحيط. إن عملية التوعية تهدف إلى خلق رادع داخلي في الإنسان تجاه هذه الألعاب وخلق وعي لديه بعدم تسويقها وهذا الأمر ضروري جداً.
تدريب الأولاد على ثقافة الحوار والابتعاد عن العنف وحل النزاعات بالطرق السلمية علماً أنه هناك برامج وألعاب تعتمد على هذه الأساليب كما أن إدخال هذه المفاهيم إلى المناهج التربوية في المدارس ضرورة ملحة للحد من ظواهر العنف.
وفي كل الأحوال إن المنع من مصدر ما لا ينفي إمكانية الحصول عليها من مصدر آخر فلم يعد هناك حدود للاتصال في العالم لذا علينا الاهتمام وبشكل مكثف بالتوعية وخلق الـ لاعنف كما غيرنا يهتم بخلق العنف.
ثالثاً: العنف في الدعايات:
دعايات الكبار:
وإن كان الكبار أقل تأثراً بهذه المشاهد فهي تشوه وجهاً حضارياً معيناً عند الإنسان كأمثلة لا للحصر نورد:
دعاية لهاتف خلوي شاب وفتاة يصرخان بوجه بعضهما ويكتب (متعة الاتصال)
دعاية لزوجة تضرب زوجها بجرزة بقدونس وتشده من ثيابه وتطلب منه أن يحضر لها معكرونة.
دعاية لإنسان يأخذ ضربة بوكس لأنه يطلب أقوى طعمة مسكة.
إن هذه الدعايات تسيء إلى شفافية النفس بشكل غير مباشر ولو حاولنا أن نضع قانون لها فهذا مستحيل إذ ليس بها أي مشهد غير مهذب أو عنيف وستكون المسألة مثاراً للجدل لعدم وجود مقياس محدد تقاس به الأمور لذلك أكدنا على التوعية والتوجيه.
ويمكن للدعاية على بساطتها تقديم قيم اجتماعية إذ نجد أن بعض المعلنين يأخذون منحى لفت نظر لبعض العادات الغير محببة في مجتمعنا بطريقة جداً سلسة ويتقبلها الإنسان وبهذه الحالة يقوم الإعلان فعلاً بدور إعلامي إيجابي التوجيه كمثال سلسلة دعايات Pampers التي تنتقد بطريقة ذكية وبناءة الحوار بين الزوجين.
فالإعلان قد ينتقل بنا من مجتمع متحضر إلى مجتمع متخلف أو من مجتمع متخلف إلى مجتمع متقدم والأمر عائد لنا نحن كمشاهدين وكإعلاميين وكمروجين لبضائعنا.
دعايات الصغار:
هذه الدعايات تبث أثناء برامج الأطفال وهي عادة لا يشاهدها الأهل أو لا يعرفونها.
كمثال نأخذ دعاية لمصاصات أطفال يطلب فيه الطفل مصاصة من نوع الدعاية فيقدم له البائع نوع مختلف، يكتشف الطفل الذكي أن هذا ليس هو الطعم الذي طلبه فيتحول عندها إلى وحش ويبدأ بالصراخ فيعرض عليه البائع مصاصة أخرى فيهدأ وعندما يكتشف أنها ليست مطلوبة فيتحول مجدداً إلى وحش هو وكل الأطفال ثم يعطيه نوعاً آخر ... هكذا حتى يحصل على النوع المطلوب.
نلحظ في هذا الموضع التالي:
أشكال الوحوش المخيفة التي يتحول إليها الأولاد والتي تثير الاشمئزاز.
الاستخفاف بإنسانية الإنسان إذ أن المصاصة هي التي تجعله إنسان متحضر.
اللهجة الغير مهذبة التي يتكلم بها طفل الحادية عشرة مع البائع الذي هو بعمر والده.
النتيجة التي قد تكون مباشرة أن يصبح الطفل عنيفاً في طلباته مع أهله حتى يحصل على ما يريد.
وكمثال آخر بناء نورد أن شركة مصنعة للبسكويت "كتاكيت" كانت دعايتها لشهر تموز آب لوحات طرقية كبيرة تحوي صور المتفوقين في الشهادة الثانوية مع تهنئة منها. هذا النوع من الإعلان هادف وبناء ينمي في الطفل التوق إلى تحقيق أفضل ومن ناحية أخرى يرفع من اسم الشركة عالياً ويحمس الأهل لأن يشتروا من منتجاتها لا أن ينفروا من الوحوش المخيفة.
- مدى تعلق الأولاد بالدعاية و أثرها السلبي:
إن الدعاية هي أكثر وسائل الإعلان التي يتأثر بها الطفل نظراً لما تستخدمه من صور متنوعة بالإضافة إلى الموسيقى المصاحبة وهي تشد الأطفال بدء" من السنتين أو الثلاث من هنا يأتي التأكيد على الاهتمام بنوعية ما تقدمه هذه الدعايات للأطفال من مواد فمثال المصاصة لا أظن أن أحداً يرغب بأن يراه طفله أو يتأثر به ولكنه في الحقيقة يراه.
وكذلك الأمر هنا نسبي ويجب توعية القيمين على وسائل الإعلام عن توجيه هذه الدعيات لمصلحة الطفل فمثلاً بدل من التحول إلى وحوش لا يحصل على المصاصة إلا بعد غسيل يديه - مثلاً- هذه الصورة توجه الأطفال للعناية بأنفسهم الحفاظ على نظافتهم وهناك العديد من الأفكار الواجب طرحها للأطفال في السنين المبكرة كي نحصل قدر الإمكان على جيل لا تشوهه مختلف المفاهيم الغريبة عن مجتمعاتنا الأصيلة.
رابعاً: العنف في الرسوم المتحركة:
لم يكن في البداية انتباهاً إلى مدى العنف الذي تعرضه الرسوم المتحركة ولكن بعد فترة من انتشار هذا الفن نتوقف للحظات لنستعرض التالي:
اعتماد الرسوم المتحركة و بشكل كبير على المواضيع القتالية:
إن أول فلم قتالي للرسوم المتحركة لاقى نجاحاً كبيراً وكان يعتمد على الخيال العلمي وشد جميع الناس هو معروف باسم "غراندايزر" وعلى الرغم من أن بعض الأطفال حاولوا تقليده بالقفز إلا أنها كانت حالات استثنائية ونادرة، وانتهت الظاهرة.
بعد ذلك لم نعد نشاهد إلا أفلام قتالية وحروب فضاء ومواضيع لا معنى لها سوى القتال بين سكان الكواكب ولم يعد هناك من موضوع سواه ونعود هنا لنركز على موضوع الهواة والشركات الصغيرة مع احترامنا للجميع فالذي يحدث أن هذه الشركات تسعى للربح وهذه الأفلام لها شعبية واسعة لذلك تعمد على تكثيف إنتاجها دون العمل على موضوعها وللإتيان بالجديد تزيد المؤثرات الصوتية وتزيد حدة النيران المتصاعدة واللهب وعدد الأشخاص الذين يموتون في كل حلقة (حتى ولو كانوا أشراراً نعود لفكرتنا في التعود على القتل وعدم الإحساس بالآخر). ولكن مع غمرة هذه الأفلام لا يجب أن نهمل أن بعضاً منها إيجابي فمسلسل "ساسوكي" مثلاً كانت كل حلقة فيه تحمل قيمة إنسانية معينة كما أن أغنية الشارة كانت ذات معنى وطني وإنساني رائع.
أمام هذه الظاهرة نؤكد على أنه لا ضابط سوى الوعي والتوجيه ونريد هنا أن نوضح نقطة هامة إن الرسوم المتحركة شأنها شأن ألعاب الكومبيوتر تنوع الصورة والكلام لا حدود له وهي تعرض على شاشات التلفاز لذلك فإن لها أوسع جمهور وإضافة إلى ذلك فإن الكثير من الكبار يشاهدونها أيضاً نظراً لأنها تروح عنهم أعباء النهار بطرافتها ويفرح الصغار جداً عندما يشاركهم الأهل لهوهم والرسوم المتحركة من عالمهم لذلك من المهم جداً الانتباه إلى المواضيع و توجيهها.
كمثال على الرسوم المتحركة الموجهة نعرض فيلم (الملك الأسد) Lion king إن هذا الفيلم يعرض الصراع بين الخير والشر، يحفز الإنسان على المقاتلة من أجل حقوقه وعدم الاستسلام، يحفزه على مواجهة ماضيه بشجاعة مهما كان هذا الماضي وذلك من أجل التقدم نحو المستقبل كما أنه ليس بعيد عن الواقع الإنساني الذي يعيشه كل فرد ولا نلمس فيه المواضيع العنيفة "القتل لمجرد القتل".
مثال آخر مسلسل علمي بشكل رسوم متحركة (كان يا مكان) كان له حضور جداً مميز و كان يقدم المادة العلمية عن جسم الإنسان بشكل سلس ومفيد بحيث ترسخ في ذهن الطفل.
تحويل الألعاب الرياضية إلى ألعاب قتالية حربية:
هذه الظاهرة باعتقادي هي وسيلة لاستخدام غطاء الرياضة الجميل ولكن الموضوع يبقى كما هو قتال واقتتال أحياناً له مبرر وأغلبه لا كما أنها تعتمد على مفردات لا علاقة لها بالرياضة مثل (الضربة الصاروخية، الضربة اللولبية الملتهبة... ) والبعيدة جداً عن الواقع الحقيقي للرياضة أضف إلى ذلك إظهار أبطالها على شكل السوبرمان الذي لا يقاوم وهي المواصفات التي لا يمكن أن تتواجد بأي فرد لذا فإنها وبنوع ما تحطم معنويات المشاهد إذ أنه يحلم بأن يصبح كالبطل ولكن ذلك مستحيل.
خامساً: القيم التي يتلقاها الأطفال من خلال الوسائل الإعلامية:
رسوم متحركة ... ألعاب كومبيوتر ... دعاية.
من خلال عرضنا السابق نجد أن الإعلام يساهم ويؤثر بشكل كبير على شخصية الطفل لذلك وجب أن نهتم لما نقدمه له على كافة الأصعدة الفكرية النفسية الاجتماعية والثقافية.
كمثال أود أن أعرض إن أمكن صورة لإحدى شخصيات ألعاب الكومبيوتر وهي Tumb Riddre وهي لعبة جداً معروفة ومتداولة وبشكل كبير بين الأولاد والكبار.
هي مقاتلة ومقدامة جداً ولكن الشخصية الأنثوية مصورة بطريقة لاعلاقة لها بالأنوثة واحترام المرأة في مجتمعاتنا الأصيلة فما هذه الشخصية التي نرغب لفتياتنا التشبه بها ولا نرغب بأن يعجب بها أولادنا كما أن الربح في هذه اللعبة يقدم لنا صورة لهذه المقاتلة لا نرغب بأن يراها أطفالنا أو شبابنا من الناحية العقلية الأدبية.
ليس كل ما هو متوفر هو جيد وواجبنا نحن كل منا في موقع عمله وفي واقعه ومحيطه أن يسعى لأن يقدم لأطفالنا الثقافة الضرورية لتنمية مقدراته فوسائل الإعلام سلاح ذو حدين قد تقوم بدور فعال في توجيه الأطفال وتنشئتهم أو تكون عكس ذلك من خلال المضامين والمواضيع التي تعالجها.
ونؤكد هنا على المادتين 17 و 29 من حقوق الطفل:
"تشجع وسائط الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية للطفل ووفقاً لروح المادة 29 :[ توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجهاً نحو:
تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها.
تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات والمباديء المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة.
تنمية احترام ذوي الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته.
إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات الإثنية والوطنية والدينية والأشخاص الذين ينتمون إلى السكان الأصليين.
تنمية احترام البيئة الطبيعية.]"
دور المؤسسات الدينية في موضوع العنف ضد الأطفال:
دعت كافة الأديان السماوية إلى المحبة والتسامح ومساندة البشر بعضهم للبعض الآخر.
ولكن على الرغم من ذلك نجد أن العنف يتفشى يوماً بعد يوم في المجتمع.
كمؤسسات الدينية لا تزال توجه العالم نحو الخير والمحبة والسلام وهي المواضيع التي لو تم اتبعاها حقيقة والكل لما وصلنا إلى حالة العنف في المجتمع وتعتبر هذه المؤسسات أن العنف الذي يحصل هو حالات فردية نادرة وتخصص لها كادر لا بأس به ولكن الواقع المؤسف الذي وصلنا إليه لم يعد بعد الآن حالات فردية تعالج على حدى أصبح لدينا مجتمع يعاني من ضغوطات شتى تنعكس كلها سلباً على الأولاد في عنف جسدي أو كلامي أو جنسي العنف نراه في كل مكان في المدرسة في البيت أحياناً في الشارع في ألعاب الأطفال لم يعد حالة فردية أبداً ولم يعد بالإمكان حله بالوقاية.
صحيح أن الوقاية هي خير علاج ولكن هذا الكلام سليم في حال درء الإصابة بالمرض ولكن ليس بعد الإصابة به، عند المرض نحتاج إلى علاج خاص وإلى دواء ثم بعد الشفاء نعود لموضوع الوقاية.
الوقاية وكيفيتها وأهميتها:
1- إن الوقاية لم تعد ممكنة بالدعوة إلى المحبة والقيم الدينية فقط وإنما يجب أن تقدم برامج موجهة لتعليم الأفراد كباراً وصغاراً القيم الإنسانية مجدداً مبادئ الحوار، تدريبات الإصغاء للآخر وقبوله كمختلف عني (لقد خلقنا الله مختلفين فلم نريد أن نصبح نسخة واحدة ؟؟؟! ) .
وهنا نريد أن ننوه إلى مدى أهمية المؤسسات الدينية في مجتمعنا العربي فكما نعلم أن المجتمع العربي هو مجتمع مهد الأديان السماوية ويحظى رجال الدين من شيوخ ورجال كنيسة باحتراماً كبيراً حيث يستمع إلى أحاديثهم وأقوالهم كما الأرض العطشى للماء فلذلك يكون لهم درواً كبيراً في نشر ثقافة اللاعنف إن هم تبنوها وتبنوا برامجها فعلينا جميعاً أن نعمل متكافلين من أجل الوصول إلى مجتمع أكثر تقدماً وتحضراً وروحياً أكثر أيضاً.
2- كما أنه يجب أن نعمل يداً بيد أيضاً مع رجال القانون من أجل إيجاد الصيغ القانونية المناسبة لحماية الأطفال من العنف الواقع عليهم أو درئه عنهم كذلك حماية الكبار أيضاً على الرغم من أن هذا ليس موضوعنا ولكننا لا نستطيع أن ننكر أنه في حال كان المجتمع يقع تحت تأثير العنف فلا يمكنه أن يقدم للأطفال بيئة لاعنفية.
3- تكون الوقاية أيضاً بتشجيع المؤسسات الدينية على فتح الحوار في هذا الموضوع وعدم التكتم عليه فنحن غالباً تكون مشاركتنا كمدنيين ولكن نادراً ما نرى المؤسسات الدينية تساهم في حوارات مفتوحة على أجهزة الإعلام وتسلط الضوء على هذه الأمور وهذا أمر خاطئ بنظري لأن التكتم لن يفيد سوى بزيادة الأمور سوء" وتعقيداً وتنمو في الظل دون أن نتمكن من القضاء عليها.
عرض تجربة عن تعامل مؤسسة دينية مع الأحداث:
على الرغم من وجود عدد من المؤسسات الحكومية التي تهتم بالقاصرين تابعة لوزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الداخلية وهي ليست سجون وإنما معاهد إصلاح للأحداث الجانحين إلا أنه توجد بذات الوقت مؤسسات غير حكومية تساعد في هذا المجال ومنها مؤسسات دينية وأريد أن أتعرض في هذه الورقة لتجربة رائدة من وجهة نظري في معالجة حالات العنف مثل معالجة الجانحات وضحايا العنف الجسدي والجنسي.
فمثلاً فيما يتعلق بضحايا العنف لا يوجد مؤسسة أخرى غير حكومية تهتم بفتيات ضحايا العنف الجنسي والجسدي غيرها في دمشق (قد تكون أعمار الفتيات أكبر أصغر من السن القانوني) حيث يوجد فيه ملجأ تلجأ إليه الفتيات هرباً من العنف الواقع عليهم وتقدم لهن الراهبات "راهبات الراعي الصالح" المساعدة الطبية والنفسية والاجتماعية والمساهمة في حل المشكلة إن أمكن وإعادة تأهيلهن وتعليمهم مهن حسب الرغبة أو متابعة تحصيلهم العلمي من أجل كسب العيش والتمكين الاقتصادي والاجتماعي إلا أن هذا المكان والقائمات عليه لا يحاولن التعامل مع المجتمع بشكل علني ولا يمكن التعرف إلى مشاكل الضحايا أو الاجتماع بهن حتى من المهتمين والباحثين حفاظاً على مشاعر المقيمات في الدار.
علماً أن الدار تقدم لهم المأوى والطعام والكساء والدواء وكل ما يحتجن إلية للعيش أو لإعادة دمجهم في المجتمع وهن يبذلن جهودهن حسب الإمكانات المتاحة لهن وبقدر ما يستطعن من عمل.
كما تقوم هذه المؤسسة الدينية إضافة إلى الدار التي تحتضن بها الجانحات بالتعاون مع السلطات المختصة في العمل في السجون مع النساء وأطفالهن حيث يحاولن تعليمهم مهن يستطيعون من خلالها تمكين أنفسهم ولكي يستطعن عند خروجهم أن يعيلوا أنفسهم كما أنهم يهتمون بالأطفال الموجودين مع النساء وهذه نقطة مهمة جداً إذ أن طفل يربى مع أمه في السجن، هل نتخيل الجو المحيط وأية بيئة سليمة ينشأ فيها طفل بريء خلف قضبان السجن ؟؟؟ !
والملفت للنظر أنه أحياناً يكون مستوى الرعاية في السجن أعلى من الرعاية التي تستطيع أن تقدمها الأم خارج السجن.
كما تتعامل هذه المؤسسة أيضاً بالتعاون مع المؤسسات الحكومية في معاهد إصلاح الأحداث من خلال تقديم خدمات اجتماعية ونفسية للبنات والبنين من خلال تشجيعهم على التعليم والتعاون معهم لتصحيح مسارهم الذي بسببه تم إدخالهم إلى هذا المعهد قد يكون سرقة أو حالات عنف يدعي بها الآباء على بنيهم لكي يتخلصوا منهم إلى أن يصبحوا في الثامنة عشرة ….
دور علم النفس وعلم الاجتماع:
على الرغم من أهمية علم النفس والاجتماع من الوقاية من العنف ومعالجة حالات العنف لا تزال النظرة إلى الطبيب النفسي على أنه طبيب للأمراض العقلية على الرغم من الفرق الشاسع والواضح بينهما. ويعود هذا الموضوع مرة أخرى للإعلام الذي لا يفتح كثيراً حوارات علمية في مواضيع العنف والأطفال وتأثير البيئة المحيطة على الأطفال والكبار أيضاً.
ولكن من ناحية أخرى نجد أن الكثير من المؤسسات الدينية تتعاون مع الأطباء النفسيين لكي تعالج حالات العنف ولكن طبعاً بشكل سري واعتقاداً منها بأنها حالات خاصة نادرة وتتزايد أعداد الكوادر التي تتطوع للعمل في هذا المجال مع المؤسسات الأهلية الدينية ولكن دون أي تصريح.
وحبذا لو تتعاون المؤسسات الدينية مع هؤلاء الأطباء لوضع برامج تلائم مجتمعاتنا الشرقية تعمل على تثقيف الأهل لحماية أطفالهم من العنف برامج توعية للأطفال، برامج تخلق ثقافة اللاعنف.
تبقى ظاهرة العنف النفسي والجسدي ضد الفتيان والفتيات ظاهرة طي الكتمان يتم التكتم عليها لأنها تعتبر شأناً خاصاً في مجتمعنا ولا يمكن الحديث عنها علناً ولكن لا بد من نقلها من الشأن الخاص إلى العام حتى يمكن معالجتها أكبر ودرء أخطارها وأخطار وقوعها.
ختاماً نقول أنه أمامنا الكثير من العمل لكي نتمكن من خلق ثقافة لاعنفية بعد أن تم ترسيخ ثقافة عنفية ولكن الأمر يستحق! فلا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونرى العالم يغرق رويداً رويداً في بؤرة عنف لا عودة منها كما أن خلق بيئة صحية للأطفال يتطلب الكثير من الجهد والوقت ولا يمكننا أن ندعي بأن هذا لا يحدث لأولادنا وأننا نهتم فقط بأولادنا السليمين إذ يجب علينا أن ننتبه إلى أنه في كل مرة يخلق فيها طفل معنّف بصحة نفسية غير سليمة سيكبر ويؤذي طفلنا الذي عاش في بيئة سليمة ويتمتع بكامل الصحة النفسية فبنية المجتمع واحدة ليس فقط مجتمعنا بل العالم كله لأنه رويداً رويداً ومع التقدم التكنولوجي لن يعود هناك حدود وإن أي خلل في أي جزء من العالم سوف ينعكس على كل العالم فأين المفر؟؟؟؟؟؟!