القيادة الإدارية والإصلاح الإداري
إن من أهم عناصر نجاح الإدارة في الدول المتقدمة سياسات الإصلاح الإداري المتطورة، وهي خطط وبرامج تستهدف متابعة الأداء الإداري من فترة زمنية إلى أخرى وقياس الأداء والإنتاجية وفق ضوابط محددة من خلال أجهزة متخصصة. وأبرز هذه السياسات هي سياسة اختيار القادة الإداريين على مستوى الإدارة المتوسطة، وهي سياسات وخطط مقننة منضبطة لا تعتمد على عشوائية الاختيار أو انتمائية الاختيار أو إقليمية التوجه أو حزبية التوزيع وإنما تركز على ضوابط محددة وشروط تحقق متطلبات الدول النامية أو دول العالم الثالث ونحن منهم هي ضعف سياسات وخطط الإدارة، ويعتقد البعض أن الحلول المناسبة لمعالجة المشكلات والأزمات هي تغيير بعض الوزراء أو نوابهم واستبدالهم بآخرين، وهو إجراء قد يكون مناسباً إذا كان ضمن خطة متكاملة للتطوير الشامل، إلا أنه حتى اختيار الوزراء أو نوابهم في العالم الثالث لا يعتمد على أسس علمية، وإنما هو اختيار عشوائي يعتمد على أسس في كثير من الأحيان لا صلة لها بالأسس العلمية والعملية في اختيار القيادات الإدارية أو السياسية حيث يعتمد الاختيار في معظم الدول العربية على العلاقات الشخصية والارتباطات العائلية والقبلية والانتمائية وارتباطات المصالح الخاصة والعامة.
ومن هنا تبدأ معاناة الإدارة وضعف الإنتاجية وتأخر تنفيذ سياسات الإصلاح الإداري. وإذا اعتبرنا أن اختيار القيادات الإدارية العليا "الوزراء ونوابهم والمستشارين" يدخل في إطار السياسة العليا للقيادة العليا ولا يرتبط بأي أسس علمية في الاختيار "وإن كنت أتحفظ على هذا الرأي" إلا أنه قد يكون وراء ذلك أسباب نجهلها، وما لأستهدفه في مقالتي هذه سياسة الإصلاح الإداري للقيادات الإدارية المتوسطة في المملكة وهي سياسة اختيار وكلاء الوزارات ومديري العموم ومديري الفروع ومن هم في مستواها. وهي سياسة لا تعتمد أحياناً على أسس وخطط وضوابط محددة ومنضبطة، وغير معلنة وتعود إلى أهواء الوزراء ونوابهم أو تعود إلى ضغوط خارجية من أشخاص آخرين في الإدارة العليا، ومن هنا تبدأ مشكلة أو مشكلات الإدارة.
حيث يصعب توقع نجاح أي إصلاح إداري ما لم يتم إصلاح القيادة الإدارية وطرق وأسلوب اختيارها. وإذا لم يكن هناك نظام منضبط لاختيار القيادة الإدارية في الإدارة المتوسطة سوف لن تكون هناك فعالية لسياسة الإصلاح الإداري بصفة عامة.
والحقيقة تكمن في أن معظم المشكلات الإدارية في الإدارة المتوسطة هي في غياب القيادة الإدارية المؤهلة تأهيلاً ليس علمياً فقط وإنما مهنياً وسلوكياً، وغياب برامج التأهيل الجيدة والمختصة والمستمرة لإعداد القادة الإداريين علمياً وسلوكياً.
ومن أهم أسباب نجاح القادة الإداريين هو "تميز سلوكياتهم" ومن أهم ما يعانيه أو تعانيه الإدارة السعودية ضعف سياسات إعداد القادة الإداريين وضعف برامج التأهيل لهم بل عدم وجودها في الكثير من التخصصات.
ولهذا تعاني الإدارة السعودية ويعاني العديد من الإداريين التنفيذيين ويعاني العديد من المراجعين والمواطنين من سلوكيات بعض القادة الإداريين، فبعض القادة الإداريين يظهرون قمة التميز والسلوكيات المثالية قبل تعيينهم في مراكز قيادية، وبعد تعيينهم وتثبيتهم على وظائف قيادية ينكشف القناع عنهم وتظهر صورهم الثانية وهي صور لا تشرف الإدارة أو القيادة الإدارية في المملكة.
ونتيجة هذه المعاناة وضعت بعض الدول المتقدمة وبعض الشركات الكبيرة في المملكة سياسات وخططا مثالية لاختيار القيادات الإدارية، وكان من أهمها سلسلة من الشروط والاختيارات والفحوصات العلمية والطبية والسلوكية، يتم بعد تجاوزها اتخاذ القرار النهائي.
وكان البعض ينتقد بعض الشركات الكبرى في وضع شروط تعجيزية منها: الاختبارات النفسية والسلوكية عند اختيار القيادات الإدارية، حتى إن بعض الشركات السعودية ترسل بعض المرشحين للوظائف القيادية لبعض الشركات والمكاتب المتخصصة في هذا في بعض الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة على حساب الشركات الراغبة في التعيين لإجراء الفحوص والاختبارات على المرشحين، وهو إجراء في ظاهره غريب، ولكن في مضمونه إجراء علمي وعملي وصحيح وله عوائد اقتصادية كبيرة ويسهم في تخفيف أو منع حدوث بعض القرارات الخاطئة في الاستثمار أو في معالجة بعض المواقف الصعبة التي تواجه الشركة.
والحقيقة أن سر تراجع تميز الإدارة في بلادنا هو عدم وجود تطبيق متميز لسياسة الإصلاح الإداري، وعدم وجود أسس علمية وعملية في اختيار القيادات الإدارية، وعدم وجود أجهزة رقابية جيدة تتابع الأداء الإداري على مستوى القيادات الإدارية المتوسطة، وعدم وجود نظام منظبط لدورية القيادات الإدارية في الإدارة المتوسطة حتى شعر بعض القياديين الإداريين في الإدارة المتوسطة بأنهم ملكوا الكراسي التي يقبعون عليها منذ أكثر من عشرين عاماً.
وإن استمرار سياسة اختيار القيادات الإدارية في الإدارة المتوسطة إذا استمر على نفس طريقة وأسلوب الاختيار الحالي متجاهلاً الكفاءات المهنية والتخصصية والخبرات المكتسبة فستكون آمالنا المستقبلية في تطوير الإدارة السعودية عبارة عن خطط على ورق.
ولن تتطور الإدارة التنفيذية ولن نواكب التطور الحديث والتقني في الإدارة ما لم نبدأ بتطوير القيادة الإدارية.
عبدالله صادق دحلان