عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-06-2007, 08:01 PM
أبو ناصر أبو ناصر غير متصل
إداري مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,062
معدل تقييم المستوى: 26
أبو ناصر is on a distinguished road
رد: الدلائل الشرعية على تحريم موافقة اليهود والنصارى في العطلة الأسبوعية

الخاتمة :

لقد تبيَّن لنا فيما مضى تحريم جعل العطلة الأسبوعية كعطلة اليهود يوم السبت , أو كعطلة النصارى يوم الأحد , وممن صرَّح بذلك من أهل العلم :

1 - ابن جرير الطبري حيث ذكر كما تقدَّم أنَّ ترك العمل يوم السبت من طرائق الشيطان الذي نهانا اللهُ أن نتَّبعه .

2 - شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيثُ ذكرَ رحمه الله أنَّ من التشبُّه بالنصارى : ( تركُ الوظائف الراتبة من الصنائع والتجارات , أو حِلَقِ العلم في أيام عيدهم , واتخاذه يوم راحةٍ وفُرجة , وغير ذلك ) ([124]) .

وقال أيضاً : ( لا يَحلُّ للمسلمين أن يتشبَّهوا بهم في شيء , مما يختصُّ بأعيادهم , لا من طعام , ولا لباس ولا اغتسال , ولا إيقاد نيران , ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة , أو غير ذلك ) ([125]) .

3 - سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله , حيث قال : ( ومن ذلك : اعتياد تعطيل ([126]) , وتغيير الزي في أعيادهم , أو زياراتهم , أو زيارة مَحلِّ أعيادهم ، والحال أنك تجدُ أكثر الناس في أيام أعياد الكفار يفعلون كلّ ما يفعله الكفار , وقد صرَّحت الأدلة بالنهي عن ذلك وتحريمه ) ([127]) .

4 - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن باز , وعضوية نائبه سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي , وعبد الله بن قعود رحمهم الله , وعبد الله الغديان وفقه الله , حيث قالوا : ( لا يجوز تخصيص يوم السبت أو الأحد بالعطلة , أو تعطيلهما جميعاً , لِما في ذلك من مشابهة اليهود والنصارى , فإنَّ اليهود يُعطِّلون يوم السبت , والنصارى يُعطلون يوم الأحد , تعظيماً لهما , وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له , وجُعل رزقي تحت ظل رمحي , وجُعل الذلُّ والصغار على مَن خالف أمري , ومن تشبَّه بقوم فهو منهم » رواه أحمد , وأبو يعلى , والطبراني , وابن أبي شيبة , وعبد بن حميد ([128]) , قال شيخ الإسلام : « وسنده جيد » , فهذا الحديث فيه النهي عن التشبه بغير جماعة المسلمين , فيدخل فيه النهي عن التشبه باليهود والنصارى عموماً في كل ما هو من سماتهم , ومن ذلك تعطيل اليهود : يوم السبت , والنصارى : يوم الأحد ) ([129]) .

5 - سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عضو هيئة كبار العلماء - رحمه الله تعالى حيثُ قال : ( وقالت اليهود أيضاً : إن الله عاجز ، لأنه حين خلق السماوات والأرض ، استراح يوم السبت ، وجعل العطلة محلّ عيد ، فصار عيدهم يوم السبت , قاتلهم الله !! ) ([130]) .

6 - فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك - الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً - وفقه الله تعالى حيثُ قال : ( لم يكن المسلمون في عصورهم الأُولى يخصُّون يوماً يُترك العمل فيه , ولهذا عدَّ بعض العلماء العطلة يوم الجمعة نوعاً من التشبُّه بالكفار ([131]) , لأنَّ من عادتهم ترك العمل في عيدهم الأسبوعي كالسبت لليهود , والأحد للنصارى , وقد سرى في العالم الإسلامي ترك العمل الرسمي وشبه الرسمي كالشركات في يوم الجمعة , وكان من الشبهات للتعطيل في يوم الجمعة أنَّ فيه تفرُّغاً لصلاة الجمعة , فلهذا صار عرفاً لا يُستنكر , ويُبعده عن صورة التشبه أنَّ يوم الجمعة هو عيد المسلمين الأسبوعي ، فهو اليوم الذي هدى الله إليه هذه الأمة وأضلَّ عنه اليهود والنصارى ، فلليهود يوم السبت ، وللنصارى يوم الأحد , ولكن لَمَّا اشتدَّ داءُ التشبه في الأمة الإسلامية تنوَّعت طرقهم في التقرب إلى مناهج الأمم الكافرة ، فمنهم من جعل عطلة الأسبوع السبت والأحد موافقة للدولة اليهودية والنصرانية ، وهذا أقبح أنواع التشبه في هذه المسألة ، ومنهم من جعل عطلة الأسبوع يومي الجمعة والسبت ، ولا أظنُّ أحداً جعل عطلة الأسبوع ثلاثة أيام ، ومنهم مَن كفاه في التشبه الموافقة في العدد , عدد أيام إجازة الأسبوع , فجعل إجازة الأسبوع يوم الخميس ويوم الجمعة ، وهذا أهونها ، وفي تطويل الإجازة مفاسد كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها ، والله أعلم ) ([132]) .

7 - الشيخ مصطفى بن محمد عماره المصري رحمه الله , حيثُ قال : ( فليتنبَّه المسلمون ولا يُجاروا الأجانب في أعيادهم ، ولا يتحلَّون بأنواع الزينة يومي السبت والأحد ، ولا يُظهرون أيّ سرور فيهما اتقاء مشاركتهم ، ويجبُ العملُ فيهما ، وعدم إقفال الدكاكين وإبطال المصانع { ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة232

8 - الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل - الأستاذ بجامعة الإمام - وفقه الله , حيثُ قال : ( وكما أنَّ في الإسلام عيداً أسبوعياً هو يوم الجمعة , فليس للدول الإسلامية أن تجعلَ عيدَ عُطلتها الأسبوعيّ في غير هذا اليوم , كما تفعلُ بعضُ الدول في العالم الإسلامي تقليداً إمَّا لليهود بتعطيل يوم السبت , أو للنصارى بتعطيل يوم الأحد ) ([133]) .

9 - الدكتور سليمان بن سالم السحيمي - الأستاذ بالجامعة الإسلامية - وفقه الله , حيثُ قالَ عن الأعياد التي وقَعَت المشابهة والمشاركة من بعض المسلمين للكفَّار فيها : ( الاحتفال بيومي السبت والأحد : فالسبت عيد الأسبوع عند اليهود , والأحد عند النصارى , وقد شاركهم بعض المسلمين في الاحتفال بهما , ومن أوجه المشابهة والمشاركة : تعطيل الدوائر والمحلاَّت التجارية في بعض البلاد الإسلامية , وكونه يوم إجازة رسمية , وما هذا الفعل إلاَّ تعظيماً لهما , مُخالفين بذلك فعله صلى الله عليه وسلم , حيث كان يتعمَّد مُخالفة اليهود والنصارى بصومهما , ويقول : « إنهما يوما عيدٍ للمشركين , فأنا أُحبُّ أن أُخالفهم » فنصَّ صلى الله عليه وسلم على مشروعية مُخالفتهم في ذلك ) ([134]) .

وقد يقول قائلٌ : نحنُ لا نقصد بإجازة يوم السبت أو الأحد التشبُّه باليهود والنصارى ؟ .

فنقولُ : إنَّ تحريم التشبُّه بالكفَّار لا يُشترط فيه قصد التشبُّه ، وهذا هو سرُّ المسألة ، فمتى حَصلَ التشبُّه في الظاهر ثبتَ حكمه ، ولهذا لو أنَّ إنساناً تشبَّه بامرأةٍ في لباسها , أو في شعرها , أو ما أشبهَ ذلك , وقال : ما أردتُّ التشبُّه ، قلنا له : قد حصلَ التشبه ، سواء أردته أم لم تُرده , وهذا أمرٌ واضحٌ للبصير , قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : ( واعلم أنَّ التشبُّه بالكفار يكونُ بمجرد عمل ما يعملون ، قَصَدَ المشابهة ، أو لا ) ([135]) .

فإن قيل : إنَّ إبقاء العطلة الأسبوعية يومي الخميس والجمعة له مفاسد اقتصادية ؟ .

فنقول : على فرض صحَّة هذا الادِّعاء , فإنه إضافةً إلى ما تقدَّم ذكره من أدلة تحريم جعل العطلة الأسبوعية كعطلة اليهود أو النصارى فإنَّ ترك العمل في أيام الأعياد الثلاثة ( يوم الفطر والأضحى والجمعة ) ليس مطلوباً شرعاً , ولذا كره السلف ترك العمل فيها , ومما يدلُّ على عدم الإمساك فيها عن العمل : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

وقالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كان الناسُ أَهْلَ عَمَلٍ ولم يَكُنْ لهم كُفَاةٌ , فَكَانُوا يكُونُ لهم تَفَلٌ , فَقِيلَ لهم : لو اغْتَسَلْتُمْ يوم الْجُمُعَةِ ) ([136]) .

قال النووي رحمه الله : ( قوله : « ولم يكن لهم كُفاة » هو بضم الكاف , جمع كاف , كقاض وقضاة , وهم الخدم الذين يكفونهم العمل , قوله: « لهم تَفَل » هو بتاء مثناة فوق ثم فاء مفتوحتين , أي : رائحة كريهة ) ([137]) .

فإذا كرهَ السلفُ تركَ العمل في أيام الأعياد الشرعيَّة بُعداً عن مشابهة المشركين , كان موافقتهم في أعيادهم في ذلك أشدّ .

وأمَّا دعوى تأثُّر الاقتصاد فمردودة , لأنه ليس في شرعنا أمرٌ بترك العمل التجاري في أيام الأعياد , وعليه : فمن أسباب نموِّ الاقتصاد وازدهاره العمل التجاري في جميع الأيام .

فإن قيل : لا بُدَّ من راحةٍ لموظَّفي الأعمال التجارية ؟ فنقولُ : لا بأسَ بالعمل بنظام النوبات , أوْ ما يُسمَّى بالورديات , والذي تسلكه المستشفيات , ووسائل النقل الجوية والبرية والبحرية , والأسواق التجارية الكبرى ... إلخ , فهي لا تتعطَّل , لأنَّ المصلحة في عملها , فالبنوك وغيرها مما له تعاملات مع جهات تعمل في أيام إجازتنا الأسبوعية , لهذه الأقسام أن تعمل في جميع أيام الأسبوع مع ابتعادها عمَّا حرَّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الربا , والمعاملات المحرمة .

ويُقال أيضاً : نحنُ أمام أمرين : مصلحة اقتصادية مظنونة , ومفسدة دينية مُتحقِّقة , والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتقدِّم : ( لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهراً ما عَجَّلَ الناس الفِطرَ , لأنَّ اليهُودَ والنصَارَى يُؤَخِّرُونَ ) فرَبطَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين ظهور الدين ومُخالفة اليهود والنصارى , وجعلَ ظهور الدين مُعلَّقاً بمخالفتهم ومباينتهم , ومفهومه : أنَّ خفاء الدين واندراسه مُتعلِّقٌ بإظهار مشابهتهم , ولا شكَّ أنَّ مشابهتهم في العطلة الأسبوعية يومَ عيدهم أظهر وأقوى في المشابهة من تأخير الفطور , فالمفسدة الدينية الحاصلة في التشبُّه أعظم من المصلحة الاقتصادية المظنونة , فيجبُ أن ندرأَ المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة , لأنَّ « درأ المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح » ([138]) , قال الله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219

حرَّمهما لأنَّ مفسدتهما أكبر من منفعتهما , أمَّا منفعة الخمر : فبالتجارة ونحوها , وأمَّا منفعة الميسر : فبما يأخذه القامر من المقمور , وأمَّا مفسدة الخمر : فبإزالتها العقول , وما تُحدثه من العداوة والبغضاء , والصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة , وأمَّا مفسدة القمار : فبإيقاع العداوة والبغضاء , والصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة , وهذه مفاسد عظيمة لا نسبة إلى المنافع المذكورة إليها , ولا يشكُّ مَن له أدنى نصيبٍ من علمٍ : أنَّ المصلحة الشرعية في مُخالفة الكفار في أعيادهم أعظم من تفويت بعض المصالح الاقتصادية المظنونة , فكلُّ ما غلَبَ إثمه على نفعه فالعقلُ يقتضي تجنُّبه ([139]) .

على أننا لا نُسلِّمُ بما ذُكر من التأثُّر الاقتصادي , لأنَّ الخير كلّه في اتباع أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق3

وانظر إلى قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله : ( وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً }يقول للمؤمنين : وإن خفتم فاقة وفقراً بمنع المشركين من أن يَقربوا المسجد الحرام { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }... وإنما قيل ذلك لهم : لأنَّ المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم انقطاع تجاراتهم , ودخول ضرر عليهم بانقطاع ذلك , وأمَّنهم الله من العيلة , وعوَّضهم مما كانوا يكرهون انقطاعه عنهم ما هو خير لهم منه ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا } قال : لَمَّا نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن , قال : من أين تأكلون , وقد نُفي المشركون , وانقطعت عنكم العير , فقال الله : هَـذَا {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فأمرهم بقتال أهل الكتاب , وأغناهم من فضله ... عن عكرمة في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا } قال : كان المشركون يجيئون إلى البيت , ويجيئون معهم بالطعام , ويتَّجرون فيه , فلمَّا نُهوا أن يأتوا البيت , قال المسلمون : من أين لنا طعام ؟ فأنزل الله : {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فأنزلَ عليهم المطر , وكثر خيرهم حين ذهب عنهم المشركون ) ([140]) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي ت1373هـ رحمه الله : ( وقوله : {وَإِنْ خِفْتُمْ } أيها المسلمون {عَيْلَةً } أي فقراً وحاجةً من منع المشركين من قربان المسجد الحرام , بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية فليسَ الرزق مقصوراً على بابٍ واحدٍ , ومحلٍ واحدٍ , بل لا ينغلقُ بابٌ إلاَّ وفتح غيره أبواب كثيرة , فإنَّ فضلَ الله واسعٌ , وجوده عظيمٌ , خصوصاً لِمَن تركَ شيئاً لوجه الله الكريم , فإنَّ اللهَ أكرم الأكرمين , وقد أنجز الله وعده , فإن الله قد أغنى المسلمين من فضله , وبسطَ لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك , وقوله { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ }تعليقٌ للإغناء بالمشيئة , لأنَّ الغنى في الدنيا ليسَ من لوازم الإيمان , ولا يدلُّ على محبة الله , فلهذا علَّقه الله بالمشيئة , فإن الله يُعطي الدنيا مَن يُحبُّ ومَن لا يُحبُّ , ولا يُعطي الإيمان والدين إلاَّ مَن يحب { إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة28أي علمه واسعٌ يعلمُ مَن يليقُ به الغنى , ومَن لا يليق , ويَضعُ الأشياءَ مواضعها , ويُنزلها منازلها ) ([141]) .

ويُقالُ أيضاً : أنَّ تركَ مشابهتهم في العطلة الأسبوعية في سنواتنا الماضية أثمرَ بركاتٍ عظيمة , وخيراتٍ كثيرة على بلادنا , إضافة إلى أنَّ قيام دولتنا من أول أمرها على يد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب كانت على التزام التوحيد والسنة , ومُحاربة البدعة والتشبُّه باليهود والنصارى , أثمرَ ثماراً يانعةً , وما نعيشه اليوم من خيرٍ وأمنٍ , وسَعَة رزقٍ , ورَغَد عيشٍ , ما هو إلاَّ من ثمرات ذلك المنهج القويم , والحمدُ لله فالدولة وفقها الله مضى عليها أكثر من مائة سنة وأمورها على التَّمام , فما علَّة أكثر الداعين لجعل الإجازة يومي الجمعة والسبت إلاَّ عقدة التبعيَّة والتشبُّه .

ويُقال أيضاً : إنَّ في التشبُّه باليهود أو النصارى في عطلتهم الأسبوعية تبعيَّة اقتصادية لهم , ولعلَّ الداعين لذلك يجهلون أو يتجاهلون , ويُطلق تعبير التبعيَّة الاقتصادية : ( على وصف حالة اقتصاد بلد من البلدان , ويعني بذلك مُختلف أشكال الالتحاق والخضوع التي تُميِّز علاقة هذا الاقتصاد باقتصاد أقوى يُهيمنُ عليه , ويُمكنُ اعتبار الاستعمار الاقتصادي بمثابة الحدِّ الأقصى لعلاقة التبعيَّة الاقتصادية ) ([142]) .

وبذلكَ يتضحُ لكلِّ مَن له أدنى بصيرةٍ , ورغبةٍ في الحقِّ ، وإنصافٍ في طلبه : أنَّ جعل الإجازة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت أو الأحد بدعةٌ في الدين , وتشبُّهٌ باليهود والنصارى .

وإنَّ واجبَ الحكام والعلماء وطلاب العلم أكبر من واجب غيرهم ، في إنكار هذا المنكر ومنعه , ومنع الداعين إليه , لقدرتهم على ذلك ، فالحكام بسلطانهم والعلماء بعلمهم , فإذا اجتمعَ السُّلطان والعلم كان الجهد أكبر ، والفائدة أكثر في قمع بدعة تغيير الإجازة إلى يومي الجمعة والسبت , أو السبت والأحد , وإظهار السُّـنَّة , والشواهد على ذلك من التاريخ كثيرة , وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا : ( إنَّ اللهَ يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن ) ([143]) , قال ابن كثير : ( أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد , والتهديد الشديد , وهذا هو الواقع ) ([144]) .

وقال شيخ الإسلام : ( وينبغي على ولاة الأمور التشديد في نهي المسلمين عن كلِّ ما فيه عزٌّ للنصارى ) ([145]) .

فعلى حملَة الشريعة إقامة الْحُجَّة على الْخَلْق حَسَبَ الوسع , وهذا من طاعة الله تعالى , وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , الذي فيه صلاحُ المعاش والمعاد , وأمَّا السكوتُ عن بيان الأحكام فهو من أعظم أسباب الفتن , واختلاط الأحوال , وخَفَاء الشريعة , وتقلُّص نورها , وظهور البدع والضَّلالات وأهلها , وإلى الله تعالى وحده الْمُشتَكى مِنْ أُناسٍ يَعكسُون القضيَّة , ويَطيبُ لَهُم التشبُّه بحَطَبِ جهنَّم , مِنَ الْمَغضوب عليهم ( اليهود ) ومن الضالين ( النصارى ) وكيفَ نعتقدُ كُفرهُم , ونُعلنُ البراءَة منهم , ثمَّ يقوم بعض المسلمين بالنَّوْبَةِ عنهم , بالدعوة إلى التشبُّه بهم في أعيادهم الحولية أو الأسبوعية , والمسلمُ مَنْ إذا ذُكِّرَ تَذكَّر , وإذا بُصِّرَ تبَصَّرَ , والحمد لله فلا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعثَ اللهُ به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة , قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قائمةٌ بأمرِ الله لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذلَهُم , ولا مَنْ خَالَفَهُمْ , حتَّى يأتيَهُمْ أمرُ الله وهُم على ذلك ) ([146]) .

رزَقَنا الله جميعاً البصيرة في دينه القويم , ولا حولَ ولا قوة إلاَّ بالله العزيز الحكيم ([147]) , {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88, وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلَّم .

رد مع اقتباس