عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-11-2007, 04:02 PM
الصورة الرمزية vip-534
vip-534 vip-534 غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 7,592
معدل تقييم المستوى: 25
vip-534 is on a distinguished road
العالم عام 2020 كيف رصدته سي اي ايه




العالم عام 2020..كيف رصدته"سي آي إيه"؟


"منذ تدشين نظام التحالف الغربي عام 1949 لم تشهد التحالفات الدولية حالة من التقلُب والتغيُر كالتي تشهدها في الزمن الراهن ، فقد أضحت طبيعة تلك التحالفات في تبدل مستمر ، صحيح أن نهاية الحرب الباردة قد أبعدت شبح الحرب المدمرة (التي كان من المفترض وقوعها بين أكبر قوتين في العالم)، إلا أن توابعها غير المرئية وغير المباشرة ما زال سجلها مفتوحا لم يُغلق بعد ، فماذا نرى الآن؟..


صعودا جديدا لقوى فتية في آسيا، وغليانا ظاهرا في الشرق الأوسط، وانقساما صريحا في الحلف الأطلسي... كلها شئون لم تطف على السطح إلا في السنوات الأخيرة ، نمت بسرعة مذهلة.



وليس هذا غريبا أو عجيبا، فمن المُفترض أن تصير سرعة التغيير -الناتجة عن عولمة العالم- هي الصفة المُفسرة للعالم ، أو الطابع الذي يميزه ، في عام 2020.



ليست هذه الصفة فقط ، بل هناك صفات أخرى، من ضمنها: صعود قوى جديدة، وصعود تحديات جديدة لنظم الحكم، وصعود شعور متزايد بعدم الأمن، وما يتضمنه من عمليات الإرهاب ، وقد نلحظ أنه على الرغم من وجود مثل تلك التحديات الصعبة فإنه ما زالت هناك بشائر تحمل في طياتها الأمل لإيجاد بيئة إيجابية إلى حد ما لتخفف من وطأة تلك التحديات ، وتتلخص في الثراء العالمي المتزايد ، وفي عدم نزوع القوى الكبرى للصراع فيما بينها كما كان الوضع من قبل، وحتى إن كان هناك نزوع فهو محدود للغاية.



أما بالنسبة للولايات المتحدة فستكون مهمتها متمثلة أولا في لعب دور حيوي في تحديد كيفية تشكيل العالم، وثانيا في التأثير على الحكومات ، وعلى الفواعل غير الحكومية عند اختيارها للطرق والسبل التي ستنتهجها".



هذه الفقرة تشكل المقدمة التلخيصية لمشروع "خريطة العالم لعام 2020" التي كتبها المجلس القومي الاستخباراتي NIC التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA...



المشروع كُتب في أكثر من 120 صفحة على موقع "المجلس" الإلكتروني، تحت عنوان Mapping the Global Future. ويقدم موقع إسلام أون لاين قراءة في ملخص المشروع الذي يصل لحوالي 20 صفحة ، ويتمحور حول النقاط التالية :



قوى عالمية جديدة ، وآثار العولمة ، وتحديات جديدة للنظم الحكومية ، وانعدام الأمن ، وتغير طبيعة الإرهاب الدولي، والسيناريوهات المقترحة، والمخاطر المُفترضة.



وقبل تناول هذه المحاور سنتحدث أولا عن المنهاجية التي اعتمد عليها الباحثون لإخراج هذا المشروع إلى النور.



المنهاجية :



انطلق المشروع في نوفمبر 2003 حين قام المجلس القومي للاستخبارات بدعوة 25 خبيرا في شتى المجالات والفروع، ليجلسوا سويا مع المحللين الاستخباراتيين العاملين بالمجلس، ويناقشوا آخر ما توصلوا إليه في دراسات المستقبل ، وكان من أهم المدعوين ثلاثة من زعماء أو قادة العلماء في الدراسات المستقبلية (أو كما يطلق عليهم بالإنجليزية futurists): "تيد جوردون" Ted Gordon صاحب مشروع "حولية الأمم المتحدة"، و"جيم ديوار" Jim Dewar رئيس مركز "السياسة العالمية بعيدة المدى ومستقبل الحالة الإنسانية" بمؤسسة "راند" الأمريكية البحثية، و"جيد دافيس" Ged Davis المدير السابق لمشروع "سيناريوهات شركة شيل ****l الدولية".



واستطاع المجلس القومي للاستخبارات – عبر تلك الجلسات المتعاقبة والمُطولة – رصد المنهجيات المختلفة التي استخدمها الخبراء "المستقبليون" ذوو الخبرات المتباينة والمختلفة.



هذا بالإضافة إلى عقد اجتماعات ومؤتمرات خارج الولايات المتحدة الأمريكية -وليس داخلها فقط- حيث قام المجلس بتنظيم ستة مؤتمرات إقليمية في خمس دول، بأربع قارات مختلفة: واحد في كل من: بريطانيا وجنوب أفريقيا وسنغافورة وشيلي، واثنان في هنجاريا (وكما يلاحظ المترجم، لم يعقد مؤتمر واحد بالمنطقة العربية الإسلامية). كان الغرض من تلك المؤتمرات – التي تضمنت مئات من المشاركين الخارجيين – هو استخلاص واستنباط ليس فقط آراء الخبراء الأجانب (غير الأمريكيين)، وإنما أيضا استخلاص آراء رجال الأعمال، وأساتذة الجامعات، وموظفي الحكومات، وأعضاء الهيئات والمؤسسات غير الحكومية.



كان السؤال الأساسي المُوجه إليهم هو: ما مفاتيح التغيير من واقع خبراتهم ومسئولياتهم؟



وكان من بين تلك المؤتمرات:



· مؤتمر عن "المسلمين في أوربا" (أوكسفورد، يوليو 2004)



· مؤتمر عن "الحركات المناهضة للأمركة" (واي بلانتيشين، أكتوبر 2003)



· مؤتمر عن "تغير طبيعة الحرب" (مركز الدراسات البحرية بالولايات المتحدة، مايو 2004)



ونظم أيضا المجلس القومي للاستخبارات ورش العمل والموائد المستديرة لجلب مزيد من المعلومات، وخاصة الدقيقة منها ، فقد ركزت تلك الورش على موضوعات بعينها مثل: التكنولوجيات الجديدة، وسياسات الهوية، وتغير الطقس الجوي.



وكان من بين تلك الورش والموائد:



· الدائرة المستديرة للخبراء الأفارقة (واشنطن، يناير 2004)



· ورشة العمل الروسية والأورآسيوية (بودابيست، إبريل 2004)



· ورشة العمل الأوربية (بودابيست، إبريل 2004)



· ورشة العمل الآسيوية (سنغافورا، مايو 2004)



· ورشة العمل الأمريكية اللاتينية (سانتييجو، يونيو 2004)



· الدائرة المستديرة لأكبر رجال الأعمال في العالم (مركز CIA، سبتمبر 2004)



· الدائرة المستديرة للهوية العالمية (مركز CIA، مايو 2004)



وأخيرا قام المجلس القومي الاستخباراتي باستشارة عدد من المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية والأفراد المعنيين بهذا المشروع.



وكان من بين تلك المنظمات والمؤسسات:



· Eurasia Group مجموعة أورآسيا.



· Oxford Analytica أوكسفورد للتحليل.



· CENTRA Technologies سنترا للتكنولوجيا.



· Simson Center مركز سيمسون.



· UN Millennium Project (مشروع الألفية- الأمم المتحدة) وهي مؤسسة مستقلة مسئولة عن إسداء النصح للأمم المتحدة، لكي تتبع الاستراتيجيات التي تساعدها على تحقيق الأهداف التنموية الحولية.



· NSA وهو مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي أمد مجلس الاستخبارات بمشروعه حول "تكنولوجيا 2020" (Tech 2020).



· وزارة الدفاع البريطانية التي أمدت المجلس بعدد مهول من الدراسات المستقبلية.



وكان من بين الأفراد الذين استشارهم المجلس:



· "مايكل إف. أوبينهايمر" Michael F. Oppenheimer، رئيس مركز "السيناريوهات العالمية"، الذي أمد المجلس بالأطر المنهاجية.



· "جون أيكينبري" John Ikenberry، الأستاذ بجامعة "برينستون" الأمريكية الذي نظم العديد من الجولات النقاشية للخبراء الأكاديميين – لمدة عام أو أكثر – بهدف دراسة العناصر المختلفة للتفوق الأمريكي، والانتقادات لمثل هذا التفوق.



· "إنيد شويتل" Enid Schoettle التي تعتبر إحدى مصممي مشروع "الاتجاهات العالمية لعام 2015"، Global Trends 2015.



· "بيتر شفارتس" Peter Schwartz، وهو رئيس "شبكة التجارة العالمية" Global Business Network، ومؤلف كتاب "المفاجآت التي لا يمكن تجاهلها" أو Inevitable Surprises، وقد أمد المجلس برؤيته حول طبيعة المفاجأة، وكيفية إنزال السيناريو على واقع القطاع الخاص.



اعتمد المجلس القومي للاستخبارات على عدة سبل لتطوير سيناريو 2020:



· كتابة أبحاث وأوراق جديدة معتمدة على تحليل الكم الهائل من المعلومات التي أخرجتها المؤتمرات وورش العمل الدولية.



· استنباط الاتجاهات الإقليمية التي لها معانٍ عالمية، ومن ثم وضع حجر أساس لتطوير سيناريوهات عالمية.



· النظر إلى الاتجاهات الإقليمية في مجملها، وتشخيص تلك الاتجاهات التي تشترك فيها معظم دول العالم.



· إنشاء "جماعة توجيه السيناريو" Scenario Steering Group، وهي جماعة صغيرة من الأعضاء المحللين المرموقين داخل المجتمع الاستخباراتي بالمجلس القومي للاستخبارات، على أن تكون مهمتها دراسة الخلاصات التي أفرزتها المعلومات المجموعة من المؤتمرات وورش العمل، والنظر والتمعن في المفاهيم المستقبلية التي تجمع بين مفاتيح التغير العالمي.



· القراءة بتأنٍ في أهم ما أخرجه القطاعان العام والخاص من دراسات مستقبلية، والتكنيكات والاقترابات المستخدمة في هذه الدراسات، ثم تطوير الاقتراب الخاص بالمجلس.



· من أهم الأوراق التي أثرت في عمل المجلس بالمشروع ورقة وزارة الدفاع البريطانية، وورقة شركة "شيل" الدولية.



· بعد استخراج ومناقشة المفاهيم المستقبلية في إطار "جماعة توجيه السيناريو"، تم تطوير ثمانية سيناريوهات عالمية، تم عرضها على مجموعة أكبر من الخبراء لتُقيم تلك السيناريوهات، حيث انتهى الأمر بتخفيضها إلى أربعة.



· استخدام المجلس في هذا المشروع تقنية المعلومات التي لم يستخدمها من قبل في مشاريعه السابقة ، فبمساعدة منظمة CENTRA Technology، استطاع المجلس أن يدشن موقعا إلكترونيا – محميا بالدخول السري – كملتقى للباحثين والخبراء والعلماء في هذا المجال، حيث تتاح لهم الفرصة لمناقشة أوراقهم وورش الأعمال والتفاعل فيما بينهم في ندوات.. عبر ضغطة زر.



· قوى عالمية جديدة



يتعرض هذا الجزء لمناقشة التغيرات الكبرى على مستوى الدول والمناطق، على امتداد الخمسة عشر عاماً القادمة.. فما هي الدول والمناطق المتوقع لها الصعود؟ وما هي الدول والمناطق المتوقع لها السقوط؟ وما هو مصير القوى الكبرى الحالية، مثل أوروبا واليابان وروسيا؟ وكيف ستتغير خريطة تقسيم العالم على أثر ذلك الصعود والسقوط؟ سيتم الإجابة على هذه التساؤلات عبر المحاور الآتية:



صعود الصين والهند:



يُتوقع أن يكون القرن الواحد والعشرون هو القرن الآسيوي، كما كان القرن العشرون هو القرن الأمريكي ، فالصين والهند مُتوقع لهما ريادة القارة الآسيوية بل ريادة العالم في غضون العقود القادمة ، إن صعود هاتين القوتين الآسيويتين، كلاعبين عالميين جديدين، سوف يؤدي بدوره إلى تغيير الخريطة الجيو-سياسية، كما سيؤدي إلى إحداث تأثيرات "درامية" في العالم ، كما فعل الصعود الألماني في القرن التاسع عشر، وكما فعل الصعود الأمريكي في القرن العشرين.



وقد يمكن إرجاع صعود الصين والهند المُتوقع إلى عدة أسباب متضافرة مع بعضها البعض، تشتمل على الآتي:



نمو اقتصادي مذهل، توسع ملحوظ في القدرات العسكرية، عدد هائل من السكان. فقد تنبأت معظم الإحصاءات والتقارير بأن عام 2020 سيشهد تصاعدا كبيرا لإجمالي الناتج القومي GNP لدولة الصين، الذي سيتجاوز إجمالي الناتج القومي للقوى الاقتصادية الغربية (منفردة ما عدا الولايات المتحدة). وكذلك يتنبأ لإجمالي الناتج القومي الهندي بأن يتجاوز الاقتصاديات الأوربية ، أو على مقربة منها في أسوأ الأحوال.



وكما يشير المجلس القومي للاستخبارات فإن الصعود الصيني والهندي يكاد يكون يقينا لا شك في وقوعه ؛ اللهم إلا إذا تعرضت هاتان الدولتان لكوارث كبرى غير مُتوقعة ، وبالرغم من هذا اليقين الجازم في الصعود الصيني الهندي -الذي يُصرح به المجلس- فإنه لا يُظهر مثل هذا اليقين فيما سيؤول إليه هذا الصعود ، بمعنى آخر: إن كيفية استخدام هاتين الدولتين لقوتهما المتصاعدة سيظل قيد الدراسة والتأمل؛ فما تزال هناك أسئلة مطروحة، يعجز المجلس عن إجابتها، وهي: كيف ستتعامل القوتان مع بعضهما البعض، بعد وصولهما إلى القمة؟ وكيف ستتعاملان مع القوى الأخرى في النظام الدولي؟ وهل ستكون علاقتهما تعاونية مع بقية دول العالم، أم تنافسية؟



البرازيل وإندونيسيا:



وتأتي البرازيل وإندونيسيا في المرحلة الثانية على سلم التوقعات ، فهما دولتان -كما يشير المجلس القومي- تشهدان بالمثل نموا اقتصاديا ملحوظا ، فالاقتصاد البرازيلي -على سبيل المثال- يُتوقع له في عام 2020 التفوق على اقتصاديات الدول النامية والصناعية، ما عدا الدول الأوربية الكبرى، وكذلك الاقتصاد الإندونيسي يُتوقع له الصعود المستمر، حتى يصير في عام 2020 على مقربة من اقتصاديات الدول الأوربية.



أزمة الشيخوخة في أوربا واليابان:



على الرغم من امتلاك القارة الأوربية لجميع المؤهلات -من عملة موحدة، إلى تجارة موحدة، إلى عمالة ماهرة، إلى أسواق رائجة، إلى حكومات ديمقراطية مستقرة- التي تمكنها من تعظيم ثقلها على الساحة الدولية، والتي تمكنها من إعطاء نموذج عالمي وإقليمي يحتذى به من قبل الحكومات النامية والقوى الصاعدة.. فإنها تعاني من مشكلة ضخمة تتمثل في زيادة عدد كبار السن من ناحية، ونقص عدد الشباب أو القوى العاملة من ناحية أخرى؛ وهو ما سيؤدي بدوره إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأوربي بأكمله.



وتعاني اليابان من المشكلة ذاتها التي يمكنها النيل من الاقتصاد الياباني، وتعويق انتعاشه الذي شهده اليابانيون بعد كارثتي "هيروشيما" و"نجازاكي" إبان الحرب العالمية الثانية؛ بل إن اليابان تواجه مشكلة إضافية؛ وهي مشكلة تحديد وضعها ودورها الإقليمي في القارة الآسيوية..



فطوكيو ستكون مسئولة في السنوات المقبلة عن الخيار بين مهادنة الصين ومشاركتها فيما سيصب في مصلحتيهما وموازنة الصين والوقوف حيالها في توازنٍ وتحدٍّ. ويُضاف إلى الأزمة اليابانية - في المنطقة- الوحدة الكورية المرتقبة في السنوات القادمة التي من المفترض أن تؤدي إلى أزمة هي الأخرى بالنسبة لكثير من الدول الآسيوية.



روسيا شريك دولي مرتقب:



تستقي روسيا أهميتها الدولية من كونها مُصدِّرا رئيسيا للنفط والغاز، ومن ثم يُفترض لها - في الآونة القادمة- أن تسعى إلى تطوير ذلك الدور الدولي المهم ، صحيح أنها تواجه تحديات عقيمة، تتمثل في أزمتها الديموغرافية الناتجة عن انخفاض عدد المواليد، وسوء الرعاية الصحية، وتفشي مرض الإيدز في ربوعها، وصحيح أنها تواجه تحديات "إسلامية" خطيرة، تأتيها من الجنوب ، حيث القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى الحافلة بـ"الأصولية الإسلامية" وبـ"الإرهاب" -كما يرى المجلس- إلا أنها قادرة على لعب دور حيوي، عالميا ودوليا.



فلا شك في صعوبة التحديات، ولا شك في كونها تشكل معوقات سياسية واجتماعية تمنع روسيا من لعب ذلك الدور الحيوي، إلا أن المجلس القومي يمضي مؤكدا أن دور "موسكو" المستقبلي سيكون متمثلا حتما في دور الشريك الدولي للقوى الكبرى، سواء أكانت هذه القوى الولايات المتحدة وأوربا، أو كانت الصين والهند.



عالم المدن المتضخمة mega-cities:



إن صعود قوى مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا من شأنه زلزلة القاعدة الأساسية التي قام عليها تقسيم العالم ، وهي قاعدة قديمة، تقول بأن العالم مُقسم إلى شرق وغرب، شمال وجنوب، نام وغير نامٍ، صناعي وغير صناعي، متحالف وغير متحالف. ومن ثم ستفقد التقسيمات الجغرافية التقليدية أهميتها تدريجيا على مستوى العلاقات الدولية، على أن يحل محلها هيكل عالمي من نوع جديد، يقوم على قاعدة المدينة/العالم state-bound world أو عالم المدن المتضخمة world of mega-cities؛ حيث ستكون التكنولوجيا والتجارة هما الرابط الأساسي بين تلك المدن؛ وهو ما سيُزعزع من رابطة الولاءات، ويجعلها أكثر تخلخلا.



آثار العولمة



تمثل العولمة اتجاها متضخما (mega-trend)، يملي قوته في كل مكان على وجه الأرض؛ ومن ثم، فإنه من المنتظر أن يصير لمثل هذا الاتجاه تأثير جبار على جميع الاتجاهات الرئيسية الأخرى التي ستكون -في عام 2020- قد تشكلت وتأطرت وفق النموذج العولمي.



وبالرغم من تنبؤ المجلس القومي بهيمنة العولمة وبتلون العالم بها عبر الخمسة عشر عاما القادمة، فإنه يشكك في استمراريتها أو بقائها بنفس قوتها التي هي عليها الآن. فبقاء بعض عناصر العولمة متوهجة - مثل الثورة المعلوماتية التي لا يمكن لها أن تنحسر أو تنطفئ- لا يعني أبدا بقاء بقية العناصر على نفس درجة التوهج. فليس ببعيد - بالرغم من صعوبته- أن تبطئ حركة العولمة من سرعتها؛ بل ليس ببعيد أن تتوقف تماما عن الحركة؛ بالضبط مثلما حدث في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حينما تراجع عصر العولمة بفعل الحرب العالمية الأولى وبفعل الانتكاسة الاقتصادية العالمية. هذا بالإضافة إلى إصرار الحكومات والمجتمعات المدنية على تغيير أطر العولمة، وإعادة تشكيلها، ومن ثم عدم إبقائها على حالها.



ازدهار الاقتصاد العالمي وعدم عالمية المنافع:



يتوقع المجلس القومي زيادة مهولة وثراء موسعا في الاقتصاد العالمي "في عام 2020، يفترض أن يكون الاقتصاد العالمي قد ازداد بنسبة 80% عن عام 2000، وأن يكون معدل دخل الفرد قد ازداد تقريبا بنسبة 50%" ، كما يتوقع اقتطاف معظم دول العالم من ثمرات هذا الرخاء ، على أن تكون الثمرة الكبرى من حظ القارة الآسيوية التي سوف تتحكم في أكثر وأسرع الأسواق انتشارا، والتي سوف تتحكم في أكبر عدد من المصانع والشركات عبر القومية؛ هذا إذا ظلت القارة على تطورها الاقتصادي السريع.



إلا أن هذا الاقتطاف لن يكون عادلا ؛ فالدول الصاعدة - الصين والهند- سوف تنتهز وتستغل كل فرصة لكي تثبت من وضعها المهيمن على المسرح الدولي ؛ الأمر الذي يعني انشغال الدول الصاعدة "المنتصرة" فقط بالحفاظ على هيمنتها الدولية والعالمية، ومن ثم تجاهل فقرائها وتجاهل جيوبهم الفارغة... والتي ستبقى فارغة.



ولكن ماذا عن قوى "العالم الأول" التي ستصنف ساعتها كقوى قديمة؟ يؤكد المجلس القومي موضحا، بأن هذه القوى سيظل لها دور عالمي ؛ حتى الولايات المتحدة - التي سترى تآكل قوتها النسبية- ستظل أكثر الدول أهمية على جميع المستويات ، أما دول "العالم الثالث"، فستكون كارهة (أو حاقدة) للصعود الصيني الهندي، خاصة بعد أن تنحى بعيدا عن المجالات التي كانت تحتكرها في يوم من الأيام.



التكنولوجيا هي المعيار:



من المتوقع، أن تكون الدول الأكثر استخداما لأحدث أنواع التكنولوجيا هي نفسها الدول الأكثر استفادة من خيرات العولمة. وهذا لا ينطبق على الدول فقط، بل على القوى الاجتماعية أيضا ، كذلك من المتوقع أن يصير التبادل المتفاعل بين الدول المتطورة تكنولوجيا والدول الفقيرة تكنولوجيا -نظرا لطبيعة حركة العولمة- سبيلا مؤديا إلى تعليم الدول الفقيرة الوسائل التكنولوجية الناجعة لمقاومة الأمراض والفقر، مثل تكنولوجيا الهندسة الوراثية التي تزيد من حجم المحاصيل الزراعية..



ولكن بالرغم من ذلك كله، يؤكد المجلس القومي ثانية أن الفجوة بين المالكين وغير المالكين ستبقى على حالها دون أدنى تغير، بل ستزداد توسعا، إلا إذا قامت الدول الفقيرة بانتهاج سياسات مؤيدة لتطبيق التكنولوجيات الجديدة، المتعلقة بإصلاح كل من السوق والحكم والتعليم وفقا للنموذج العالمي.



إن هذه السيولة التكنولوجية - التي ستحققها العولمة- ستمكن أضعف الدول من الحصول على التكنولوجيا، واستخدامها في تطوير ذاتها؛ ولكنها لن تنتهج نفس المنهاج المتدرج المتأني الذي نهجته الدول الكبرى في تطوير تكنولوجياتها؛ ومن ثم، سيكون نهج الدول الضعيفة نهجا عشوائيا، مفتقدا للدراسة والبحث والتدرج.



عولمة آسيوية لا أمريكية:



لا غبار في أن تصير الصين والهند من قادة الدول التكنولوجية في العالم؛ وأن تصير الدولتان من أكبر الدول المتخصصة في التكنولوجيا رفيعة المستوى ، التي من المفترض أن تمثل الثورة التكنولوجية القادمة، وهي تكنولوجيا "النانو" أو المنمنمات. ولا غبار في أنها ستسبق كلا من أوربا والولايات المتحدة في هذا المجال الدقيق للغاية ، وبالرغم من أن الولايات المتحدة ما زالت في وضع القائد -على وجه العموم- فإنها ستكون ملزمة بالمنافسة المستمرة مع آسيا لتحافظ على ذلك الوضع.



لا غبار أيضا في أن تصير الشركات عابرة القارات ذات نكهة آسيوية، بعد أن ظلت عقودا طويلة ذات نكهة أمريكية ، وبالرغم من بقاء أمريكا الشمالية واليابان وأوربا على قمة المؤسسات الدولية السياسية والمالية، فإن العولمة ستأخذ سمتا غير غربي في غضون الأعوام القادمة ، وستكون الشركات الآسيوية العالمية هي المحرك الأساسي لنشر التكنولوجيا في مختلف ربوع العالم، كما ستكون المحرك الأساسي للدفع بعجلة النماء الاقتصادي في الدول غير الصناعية.



وأخيرا، فإنه من المتوقع أن يصير هناك تكالب شديد على المواد الخام، خاصة النفط ، فالاقتصاد العالمي المتوسع سيلزمه بالطبع ثروات طبيعية أكثر ، فتبعا لبعض الإحصاءات، ينتظر أن ينمو إجمالي الطاقة المستهلكة إلى 50% في ظل العقدين القادمين، مقارنة بـ34% فيما بين 1980 و2000. فدول مثل الصين والهند - بأعداد سكانها المتنامية- لا بد أن يزيد احتياجها للطاقة؛ الأمر الذي سيعني انشغالا متزايدا من هاتين الدولتين بمصادر الطاقة؛ وهو ما سيؤثر بقدر كبير على تشكيل سياساتهما الخارجية..



أما بالنسبة لأوربا فسيكون تكالبها أكثر على الغاز الطبيعي؛ وهو ما سيُلزمها بالدخول في علاقات إقليمية مع كل من روسيا وشمال إفريقيا لما يتمتعان به من وفرة هذا النوع من الطاقة.



وبالرغم من هذا التكالب العالمي الشديد على مصادر الطاقة، فإن الدول المصدرة لتلك الطاقة لا تتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي (مثل الشرق الأوسط، وغرب إفريقيا، وفنزويلا). وهنا يكمن الخطر الحقيقي؛ حيث سنجد أنفسنا أمام طلب ملح للطاقة وعجز واضح في الإمداد.



تحديات جديدة للحكومات



في هذا الجزء يتعرض المجلس لأهم التحديات التي ستواجه نظام "الدولة القومية" Nation-State، على امتداد العقدين القادمين؛ وهي تحديات تتمثل في التطور التكنولوجي السريع، وفي بزوغ سياسات الهوية (وخاصة الإسلامية)، والدمقرطة التي ستضغط بشدة على حكومات العالم الثالث، وأخيرا "غول" الهجرات التي ستؤرق حكومات العالم الأول.



التكنولوجيا:



بالرغم من بقاء وحدة الدولة القومية هي الوحدة المهيمنة في النظام العالمي، إلا أن كلا من عولمة الاقتصاد وسيولة التكنولوجيا - وبالأخص تكنولوجيا المعلومات- سوف يكون له أثر كبير على الدول القومية؛ فكل منهما سيشكل قيودا وضغوطا هائلة على الحكومات ، فالترابط المتنامي - الناتج عن عولمة الاقتصاد وسيولة التكنولوجيا- سوف يؤدي إلى انتشار عدد كبير من جماعات المصلحة، خاصة عبر الإنترنت؛ وهو الأمر الذي سيُعقد وسيعرقل من قدرات الحكومات على الحكم والإدارة. بل إن الإنترنت بالذات، سيكون عاملا فعالا في إيجاد حركات عالمية، متحدية للحدود والثقافات واللغات... وطبعا الحكومات.



سياسات الهوية:



ظهور أشكال جديدة من سياسات الهوية - التي ترتكز أساسا على القناعات والمعتقدات الدينية- سوف يمثل ضغطا آخر على الحكومات ، ففي ظل عالم يتجه سريعا نحو العولمة والكوكبة، وفي ظل عالم تموجه الهجرات السريعة أيضا... يأتي الدين ليلعب دوره في منح أتباعه مجتمعا مهيأ تهيئة كاملة، ليكون عزوة لهم، موفرا لهم "شبكة أمان اجتماعي" في أوقات الحاجة؛ وأكثر ما يلعب الدين هذا الدور في وسط مجتمعات المهاجرين.



ويؤكد المجلس القومي هنا على مركزية وأهمية الإسلام السياسي من بين جميع الهويات؛ حيث يتوقع لمثل هذه الهوية أن تصير ذات تأثير عالمي جم بحلول عام 2020. فتضافر عوامل عدة في الدول العربية والإسلامية - مثل الفقر وتأثير التعليم الديني وأسلمة النقابات وانتشار المنظمات غير الحكومية ذات البعد الديني- يؤكد على حتمية وصول الإسلام السياسي إلى أعلى درجات الأهمية في سلم الهويات؛ وهو ما يؤهله ليصير أكبر وأهم حركة اجتماعية وسياسية يشهدها العالم.



وفي الغرب، سيبقى الإسلام السياسي خيارا متاحا أمام المهاجرين المسلمين الذين - على الرغم من كونهم منجذبين للرخاء الغربي ولفرص العمل هناك- يشعرون بالغربة والوحشة وسط الثقافة الغربية التي تناقض ثقافتهم الإسلامية.



وأكثر ما يخوف المجلس القومي من الإسلام السياسي هو قدرته على حشد الجماعات الإثنية والقومية المحبطة، وتفعيلها بعد ذلك لخدمة أهدافه ، والمجلس لا يستبعد أبدا قيام الإسلاميين السياسيين بخلق سلطة لهم عابرة لجميع الحدود القومية.



الدمقرطة تزدهر بالشرق الأوسط:



إذا كانت الحكومات العربية قد استطاعت كبح جماح الإسلاميين السياسيين في تسعينيات القرن العشرين - كما يشير المجلس القومي- فإنها لن تستطيع فعل ذلك عام 2020. فهي إن ظلت سلطوية، فستعاني من ضغوط الدمقرطة؛ وهي إن صارت ديمقراطيات مبتدئة وضعيفة، فستعاني من نقص القدرات اللازمة على التطور والتعايش في ظل التحديات.



ومن المتوقع أن يقل وازع الدمقرطة بحلول عام 2020، كما يتنبأ المجلس القومي للاستخبارات ، فمن المفترض أن تأخذ الدمقرطة طريقها في الانحسار، خاصة في الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفيتي السابق وفي جنوب شرق آسيا ، إلا أنه من المتوقع على الوجه المناقض، أن تبدأ الدمقرطة في الازدهار بالدول الرئيسية في الشرق الأوسط التي حرمت عنوة، طيلة العقود الماضية، من خوض التجربة الديمقراطية.



وسيجد القادة الصينيون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه؛ فهم إما سيضطرون للاستجابة إلى ضغوط الدمقرطة؛ أو سيضطرون لمواجهة غضب جماهيري ليس له مثيل ، ومن ثم فإنه من المفترض أن تسلك بكين "مسلكا آسيويا للديمقراطية" سوف يتضمن إجراءات انتخابية على المستوى المحلي ، وإيجاد آليات استشارية على المستوى القومي، مع بقاء الحزب الشيوعي على قمة السلطة المركزية.



الهجرات:



مع تزايد عدد الهجرات في مختلف بقاع العالم - من أمريكا الشمالية والشرق الأوسط إلى أوربا، ومن أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن جنوب شرق آسيا إلى المناطق الشمالية- فإنه من المتوقع تدفق عدد كبير من الجماعات الإثنية في داخل الدولة الواحدة؛ وهو ما يعرض الأخيرة لتحديات جسيمة في كيفية استيعاب تلك الجماعات المتدفقة. بلغة أخرى، إن تزايد عدد الهجرات من شأنه تعريض عدد أكبر من الدول القومية إلى معضلات إثنية، تتمثل في الإشكالية التالية: كيف يمكن امتصاص الجماعات الإثنية في داخل التراب الوطني القومي، واحترام هوياتهم وخصوصياتهم في نفس الوقت؟



وللعلم بالشيء، فإن الدول القومية ليست هي وحدها التي ستواجه مثل هذه التحديات - التي سردناها في الفقرات السابقة- بل هناك أيضا المؤسسات الدولية التي ستجد نفسها وسط بحر ليس له آخر من الأزمات العالمية المستعصية ، والمؤسسات الإقليمية -على وجه الخصوص- ستكون مكبلة بمسئوليات ضخمة تتمثل في حل تهديدات صعبة ومعقدة، وفي مواجهة المخاطر عبر القومية للإرهاب، كما تتمثل في الجرائم المنظمة وانتشار الأسلحة النووية.



إن المؤسسات - التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية- مثل هيئة الأمم المتحدة UN وصندوق النقد الدولي IMF ستتحول إلى "موضة" قديمة، ما لم تُطبِع وتهيئ نفسها على التأقلم مع التحولات الكبيرة التي سيشهدها النظام العالمي، وأولها بزوغ قوى جديدة.



انعدام الأمن



يركز المجلس هنا على ثلاثة عوامل، ستؤدي -حسب افتراضه- إلى انعدام الأمن العالمي ، فأما العامل الأول فهو اكتساح العمالة الصينية والهندية للسوق العالمية ، وما سينتج عنه من أضرار اقتصادية للعمالة المتواجدة في الدول الصناعية المتقدمة ؛ وأما العامل الثاني فيتمثل في الصراعات الداخلية أو الحروب الأهلية التي ستصير أكثر تهيجا، والتي من المفترض تحولها إلى تربة خصبة لانتشار خطر الإرهاب والمخدرات. وأخيرا، فإن العامل الثالث يتلخص في بقاء الورقة النووية معلقة في الأفق؛ فالدول النووية ستستمر في استعراض قدراتها النووية، بينما ستسعى الدول غير النووية إلى الحصول على النووي... وما أسهل الحصول عليه في عام 2020!.



اكتساح العمالة الصينية والهندية:



يتوقع المجلس القومي ذيوع الشعور بعدم الأمان بين مختلف دول العالم؛ فبحلول عام 2020 ستتضخم المخاطر سواء على البعد المرئي الملموس أو البعد السيكولوجي المجرد ، فعلى الرغم من اغتناء معظم دول العالم، فإنه من المنتظر أن تقوم العولمة بإحداث رجة عنيفة في الوضع العام العالمي؛ الأمر الذي سيؤدي إلى اضطرابات عنيفة أيضا في كل المجالات.



وأول هذه الاضطرابات سيتمثل في نشوء قوى عاملة جديدة ومتضخمة ، فمع التداخل التدريجي للصين والهند مع الاقتصاد العالمي سيتوفر هناك مئات الآلاف من العاملين الصينيين والهنود، الجاهزين لتلقي الوظائف والأعمال ، وبالطبع سيكون هؤلاء العاملون الأكثر جذبا والأكثر منافسة لكونهم الأرخص سعرا، خاصة في ظل عالم يهيمن عليه التطور التكنولوجي المريع الذي يتوسع في مشاريعه وشركاته العالمية، ومن ثم يتوسع في وظائفه وعامليه.



إن هذا التحول سيحمل الأذى والضرر - على وجه الخصوص- للطبقات الوسطى المتواجدة في الدول الصناعية ، فالتجديد الموسع للوظائف، والتغييرات المهنية، والانتقاء الوظيفي على مستويات كبيرة... ستكون جميعها مبادئ جديدة للتوظيف، من شأنها تحويل عدد مهول من العمالة الموجودة في الدول المتقدمة إلى عاطلين ، والسؤال المطروح هنا: كيف سيستطيع القادة السياسيون لتلك الدول استيعاب هذا العدد المهول من العاطلين؟



الصراعات الداخلية:



على الرغم من هبوط عدد الصراعات الداخلية منذ نهايات الثمانينيات وأوائل التسعينيات -وذلك نتيجة لسقوط الاتحاد السوفيتي والأنظمة الشيوعية وسط أوربا، ومن ثم إعطاء متنفس للحركات الإثنية والقومية المكبوتة لكي تظهر على السطح بعد طول اختناق- وعلى الرغم مما يفترض بأن العقد القادم سيكون أكثر سلاما من العقد الماضي، فإن استمرار ضعف المؤسسات الحكومية في كثير من الدول سيعني أن الصراعات الداخلية في طريقها إلى الاستمرار والتكاثر.



ويُحذر المجلس القومي للاستخبارات من الصراعات الداخلية لكونها تجر وراءها ويلات كثيرة؛ منها تحولها إلى صراعات إقليمية، خاصة إذا كانت تلك الصراعات الداخلية تدور بين جماعات إثنية من عاداتها نقل نزاعاتها عبر الحدود الفاصلة بين الدول. ومن هذه الويلات أيضا - بل أشد الويلات- تحول الصراعات الداخلية إلى سبب مباشر للإرهاب. ففي بعض الحالات، يمكن أن يصل الأمر إلى فشل الحكومة في حل تلك الصراعات القائمة على أرضها؛ وهو ما يؤدي إلى فوضى عارمة تجتاح أنحاء البلاد؛ ومن هذه الفوضى تحول أراض شاسعة إلى مناطق غير خاضعة للسلطة الحكومية، وكذلك تحول فئات كثيرة من السكان إلى أناس "فوضويين" يفعلون ما يشاءون، دون ضابط أو رابط. فتكون النتيجة الطبيعية هي تحول تلك الأراضي الشاسعة إلى محميات وملاجئ للإرهابيين عبر القوميين مثل ما حدث في أفغانستان، أو للمجرمين وتجار المخدرات مثل ما يحدث في كولومبيا.



أما بالنسبة للصراعات بين القوى الكبرى، فإن نشوبها - في ظل العقدين القادمين- ليس أكيدا على الإطلاق؛ بل إن قابلية اندلاع مثل هذه الحروب أقل وأضعف من أي وقت مضى، سواء في خلال القرن العشرين أو في خلال القرون التي سبقته ، فلم يعد الوضع الدولي مثل ما كان؛ حينما كانت الصراعات المحلية تؤجج نيران الحروب العالمية ، لقد أدركت القوى الكبرى أن نظام التحالف - الذي كان سائدا قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها- وما تلاه من الحرب الباردة بين الكتلتين الأمريكية والسوفيتية.. أدركت القوى الكبرى أن مثل هذه الأنظمة الدولية الصلبة تساعد في النهاية على تحول الصراعات الصغيرة إلى صراعات كبيرة.



ويقلل أيضا من احتمالية اندلاع مثل هذه الصراعات الكبرى، تغلغل الشبكات العالمية بين الدول، والاعتماد المتزايد على الشبكات التجارية والتمويلية العالمية؛ وهو ما يساعد على ردع أي محاولات لاستثارة مثل هذه الصراعات؛ إلا أن المجلس يضيف مؤكدا بأن الاحتمالات الضعيفة ليست مؤشرا على الامتناع المطلق أو الأبدي لهذه الصراعات.



فما زالت هناك أزمات وإشكاليات لم تحل بعد؛ ومنها على سبيل المثال: عدم وجود آليات ناجعة لحل الصراع في بعض المناطق؛ وبروز النعرات القومية في بعض الدول بروزا مثيرا للقلق؛ ووجود استفزازات بين الأطراف المتصارعة بشأن بعض القضايا مثل المضيق التايواني وأزمة كشمير؛ وظهور تقدم مذهل في الأسلحة الحديثة؛ وهو ما يوجد أجواء تشجع على الاستخدام الوقائي للقوات العسكرية.



استمرار الخطر النووي:



وأخيرا، فإنه من المتوقع أن تستمر الدول النووية في استعراض قدراتها النووية، وفي تطوير الآليات اللازمة لضمان بقاء قوتها النووية الرادعة؛ وهو ما سيهدد بمخاطر عديدة، منها: الانتقاص من مصداقية الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية؛ وتغير محتمل في توازن القوى؛ وإمكانية تصعيد الصراعات التقليدية إلى صراعات نووية.



ومما سيزيد الطين بلة، اتجاه الدول غير النووية - خاصة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا- إلى الحصول على النووي، حينما يتضح لها أن الدول المجاورة العدوة قد حصلت منذ زمن على تلك القوة الرادعة ، وساعتها لن تأخذ الدول غير النووية وقتا طويلا لتنمية قدراتها النووية، إذ ستجد المساعدات والإعانات من دول لسيت بقليلة، بل ومن جماعات وأفراد.



تغير طبيعة الإرهاب الدولي



يعكس المجلس القومي في هذا الجزء مخاوفه من تجاوز "الإرهابيين" لحدودهم المألوفة، واستخدامهم للأساليب غير المألوفة التي قدمتها لهم تكنولوجيا المعلومات على طبق من فضة ، كما يتخوف من نشوء جماعات راديكالية أخرى - على غرار "القاعدة"- واحتضانها للحركات المنشقة المختلفة المنتشرة بوضوح في العالم الإسلامي؛ ويتخوف من تمدد "الأيديولوجية الإسلامية" - كما يسميها- في مناطق بعينها، مثل جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وغربي أوربا.



انتشار الأيديولوجية الإسلامية:



يتوقع المجلس القومي - من البداية- أن العوامل الرئيسية التي أنتجت وأفرزت الإرهاب الدولي لا ولن ترينا - على امتداد الخمسة عشر عاما القادمة- أي علامات أو مؤشرات على انتهائها أو حتى اقترابها للانتهاء ، فشبكات الاتصالات العالمية سهلت على الإسلاميين - كما يقول المجلس- إحياء هويتهم الإسلامية، ونشر أيديولوجيتهم الراديكالية ليس فقط في ربوع الشرق الأوسط، بل في خارجه أيضا؛ في جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وغربي أوربا... حيث لا تتمتع الهوية الدينية بقوة واضحة.



وقد صاحب هذا الإحياء الإسلامي تضامن واسع وتلاحم صادق من قبل المسلمين الذين وجدوا - وما زالوا يجدون- أنفسهم في حروب طاحنة، تتسم بالكفاح الوطني أو الانفصالي؛ مثل مسلمي فلسطين والشيشان والعراق وكشمير وجنوبي تايلاند؛ كذلك وجد هذا الإحياء تضامنا من قبل المسلمين الذين يعيشون تحت وطأة استبداد حكوماتهم، وفسادها، وعدم فعاليتها ، هذا بالإضافة إلى الشبكات غير الرسمية التي تغذي تلك الأيديولوجية -مثل المدارس الدينية والمؤسسات الخيرية والحوالات البنكية- والتي يتوقع لها الاستمرار والانتشار، وتعرضها للاستغلال من قبل العناصر الراديكالية ، ولا يخفى علينا بالطبع، ما تشكله الأعداد المتزايدة من المسلمين العاطلين الذين يمثلون تربة خصبة للتجنيد من قبل خلايا الإرهاب، كما يفترض المجلس القومي للاستخبارات.



تجاوز "القاعدة":



يتوقع المجلس أنه في عام 2020 سيتم تجاوز تنظيم "القاعدة" من قبل جماعات إسلامية أصولية أخرى؛ كما يتوقع قيام حركات إسلامية كبرى - تتقارب فكريا وعمليا مع "القاعدة"- بالالتحام مع الحركات المحلية المنشقة؛ وهو ما يرى فيه المجلس خطرا جسيما على الأمن العالمي، وما يزيد الأمر خطورة هو استغلال تلك الحركات لـ"تكنولوجيا المعلومات" بصورة مكثفة ومرعبة في نفس الوقت؛ فعبر هذه التكنولوجيا سيتمكن الإرهابيون من نشر تهديداتهم في كل مكان؛ إذ إنهم لم ولن يعودوا بحاجة إلى مراكز ينطلقون منها لينفذوا عملياتهم؛ فما وفرته لهم هذه التكنولوجيا من اتصالات وتواصلات ومعلومات أغنتهم عن تلك الحاجة؛ ومن ثم، تحولوا إلى مجموعات إلكترونية من الجماعات والخلايا والأفراد. ولذا، فإن كل ما يتعلق بتدريب الإرهابيين، وبتعليمهم المهارات know how المطلوبة، وبدعمهم ماديا، سيصبح متاحا "أون لاين".



ويضيف المجلس قائلا إن أغلب الهجمات الإرهابية القادمة سوف تكون تقليدية، ولكن مع تطويرها للآليات المُستخدمة ضد الجهود الرامية لمناهضة للإرهاب ، وكما لن ينال الأسلحة والتكنولوجيات "الإرهابية" تغيير واضح - فتظل على تقليديتها- فإن المفاهيم العملياتية "الإرهابية" لن ينالها بالمثل أي تغييرات ، ونقصد هنا بالمفاهيم العملياتية: تصميم العمليات الإرهابية، وتنسيقها وتخطيطها، ودعمها.



مخاطر تجاوز "التقليدي":



إلا أن المجلس لا ينكر ولا يستبعد شغف عدد كبير من الإرهابيين للحصول على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، مما يمكن أن ينبئ بحرب ضروس تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل. "إن همنا الأكبر هو تمكن الإرهابيين من الحصول على الوكلاء والعملاء البيولوجيين، أو على مشروع نووي... كلاهما سيؤدي إلى سقوط ضحايا لا حصر لها".



ومن الملاحظ أن الإرهاب البيولوجي سيكون أكثر تكيفا وتأقلما مع الجماعات الإرهابية الأصغر، والأكثر حصولا على المعلومات ، وآخر ما يتخوف منه المجلس هو تمكن الإرهابيين من تدمير شبكات المعلومات الحساسة من خلال هجماتهم الإنترنتية.



السيناريوهات المقترحة



وسط هذا العالم الهائج المتقلب، يمكننا تخيل أشكال عالمية عديدة -على امتداد الخمسة عشر عاما القادمة- يتمحور معظمها حول تحدي نظام الدولة القومية من ناحية، وإرساء عولمة أكثر استفحالا وتشعبا من ناحية ثانية. يقوم المجلس -عبر تقريره Mapping the Global Future- بتطوير هذه المحاور من خلال أربعة سيناريوهات تخيلية، لا تعكس المستقبل الحقيقي بقدر ما تعكس الصور الممكنة للعالم الذي سنعيش فيه عبر العقدين القادمين؛ وهي تتضمن الآتي:



* عالم دافوس Davos World: يقدم تصورا عن عالم تقوده الصين والهند؛ تحققان فيه نماء اقتصاديا لا مثيل له من الضخامة والقوة؛ وهو ما يعيد تشكيل حركة العولمة، فيجعلها أكثر اتجاها لما هو غير غربي.



* سلام أمريكا Pax Americana: يقدم تصورا عن مدى قدرة الولايات المتحدة على إثبات هيمنتها بالرغم من كل التحديات العالمية، وقدرتها على تشكيل نظام عالمي جديد.



* خلافة جديدة A New Caliphate: يرشح ذلك العالم الذي سينقاد من قبل حركة إسلامية عالمية، تغذيها الهوية الدينية "الراديكالية" التي ستشكل تحديا للمعايير والقيم الغربية التي يقوم عليها النظام العالمي.



* حلقة من الخوف Cycle of Fear: يتخيل ذلك العالم الذي ستسوده المخاوف من انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ فتصير الاحتياطات الأمنية مكتسحة لجميع بقاع الأرض لمنع حدوث أي هجمات مدمرة.



ومن الجدير بالذكر، أن العقدين القادمين سيحملان في طياتهما تغيرات وتقلبات مستمرة، على عكس الوضع المستقر نوعا ما الذي شهدته الساحة الدولية عبر عقود الحرب الباردة. وفي النهاية، فإن هذه السيناريوهات الأربعة تحمل البعض من التكهنات والتصورات لمستقبل العالم في ظل العقدين القادمين.



على الرغم من توقع المجلس القومي للاستخبارات بأن الولايات المتحدة ستظل هي الفاعل الأساسي على الساحة الدولية في عام 2020، وبأنها ستظل صاحبة الدور الأهم في كثير من المجالات - اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية وسياسية- فإنها في نهاية الأمر لن تستطيع إنكار الكثير من المضاعفات التي ستؤثر بالسالب على القيادة الأمريكية، والتي لا فكاك من مواجهتها في عام 2020؛ وهي:



* تعرض الاقتصاد الأمريكي لعدد أكبر من الهزات الاقتصادية نتيجة لدخول دول جديدة بثقلها الاقتصادي والسياسي في النظام الدولي، مثل الصين والهند، وكذلك نتيجة للتداخل العميق الذي سينشأ بين الشبكات التجارية العالمية.



* حساسية الولايات المتحدة بسبب وضعها كدولة معتمدة على استيراد النفط من الخارج؛ فالاضطرابات السياسية والاقتصادية التي ستصيب الدول المصدرة للنفط -على امتداد السنوات القادمة- ستضع الولايات المتحدة في موقف حرج.



* ازدياد عدد الدول المهددة للولايات المتحدة. "فعلى الرغم من أنه لن توجد الدولة التي تستطيع محاربة القوات الأمريكية في عام 2020، فإنه ستوجد دول كثيرة موجعة للولايات المتحدة، تستطيع أن تكلفها الكثير إذا ما قامت بأي فعل عسكري مرفوض". فامتلاك إيران وكوريا الشمالية للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، وامتلاك دول أخرى لها على عام 2020، سيزيد من تكلفة أي ضربة أمريكية سواء كانت ضد هذه الدول أو ضد حلفائها.



* تعقد استراتيجية قمع الإرهاب على امتداد السنوات القادمة؛ إذ ستكون جهود مناهضة الإرهاب ليست منصبة فقط على منظمة مركزية اسمها "القاعدة"، بل ستكون الجهود منصبة على ما هو أبعد وأصعب من ذلك؛ ستكون منصبة على مجموعات من الإرهابيين المتناثرين غير المركزيين الذين تربطهم الأيديولوجية أكثر مما تربطهم الجغرافيا. هذا بالإضافة إلى اعتماد تلك الإستراتيجية - التي تمولها وتروجها الولايات المتحدة- على قدرات الدول الفردية في محاربة الإرهاب على أراضيها؛ وهي قدرات متفاوتة وغير مضمونة.



* حتى لو انخفض عدد الأصوليين، فإن التهديد الإرهابي سيبقى ملوحا في الأفق، بفضل السيولة البيولوجية والتكنولوجية التي ستصير في متناول أيدي الفرد، بغض النظر عن اندراجه تحت جماعة إرهابية أو عدم اندراجه.



* على الرغم من التقدم التكنولوجي في مجال الاستخبارات - الذي سهل ومهد الطرق للوصول إلى الإرهابيين- فإن الإرهابي المهاجم سيبقى وسيظل أفضل وأوفر حظا؛ لكونه في النهاية -عكس رجل الاستخبارات المدافع- غير ملزم بإعداد نفسه حيال مجموعة كبيرة من البدائل الممكنة، أي غير ملزم بالاستعداد لتلقي الخطر الإرهابي من أكثر من جهة.



* بالرغم من بقاء الولايات المتحدة محل طلب واستنجاد في إدارة الصراعات التي يغلب عليها التأزم والتعقد، مثل ما يحدث في فلسطين وكشمير وتايوان وكوريا الشمالية، فإن السيناريوهات الأربعة التي اقترحها المجلس القومي للاستخبارات تتوقع بروز لاعبين جدد على الساحة الدولية، قادرين على الإدلاء بدلوهم في مجال الأمن العالمي؛ ومن ثم منافسة الدور الأمريكي الأوحد.



* تصاعد مركزية القضايا الأخلاقية، على مدى الخمسة عشر عاما القادمة، سيؤدي إلى حدوث انقسام واضح في وسط الجماهير العالمية؛ الأمر الذي سيؤثر بالسالب على القيادة الأمريكية التي استعدت - في الآونة الأخيرة- شعوبا كثيرة بسبب تجاهلها للقضايا الأخلاقية؛ من الحفاظ على البيئة إلى الحفاظ على الخصوصية إلى الحفاظ على حقوق الإنسان... إلخ. ومن ثم، فإن استقطاب الإدارة الأمريكية للرأي العالمي لن يكون سهلا في السنوات القادمة؛ وقد بدأ يقل تدريجيا بالفعل منذ نهاية الحرب الباردة.



وكذلك، فإن الجيل الجديد من القادة -على عكس الجيل القادم- سيكون أكثر قابلية للتناقض والاختلاف مع فكر المسئولين الأمريكيين، حيث إنه لم يتشكل لديه أي انطباعات أو خبرات إيجابية مع الإدارة الأمريكية كإدارة "محررة".



* تعرض العلاقات الأمريكية- الأوربية وكذلك العلاقات الأمريكية- الآسيوية إلى ضعف وهزال واضحين؛ الأمر الذي سيؤثر على القوة الأمريكية التي ظلت معتمدة على تلك العلاقات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فأما أوربا فستتجه إلى تمثيل نفسها عبر الاتحاد الأوربي، ومن ثم لن تعول على حلف الأطلسي كما كانت تعول عليه من قبل؛ وهو ما سيعني إضعاف الرابطة الأطلسية الأمريكية الأوربية التي كانت ناشئة طيلة خمسة عقود. وأما آسيا فإنها ستشكل تحديا للقوة الأمريكية - بعد أن كانت تشكل شريكا- من خلال بزوغ الصين والهند كقوتين عالميتين.



وفي النهاية، يؤكد المجلس مرة أخرى أن الولايات المتحدة قادرة على محاربة جميع تلك التحديات، وعلى استبقاء دورها الريادي؛ وهو إن دل على شيء فإنما يدل على الثقة العمياء التي يضعها المجلس القومي للاستخبارات في القيادة الأمريكية.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

 

التوقيع

 

 
 
رد مع اقتباس