عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-10-2005, 06:25 AM
سهيل الجنوب سهيل الجنوب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 873
معدل تقييم المستوى: 20
سهيل الجنوب is on a distinguished road




**اسم الكتاب: الجواري والشعر في العصر العباسي
**اسم المؤلف: د. سهام عبد الوهاب الفريح
الناشر: دار قرطاس الكويت عام 2000م
**بحث دراسي قيم، أعد أساسا للحصول على درجة علمية، لذا خرج دراسة مكثفة ومنهجية، يقدم أفكارا كبيرة وعظيمة، تجعله من أحسن الكتب التي تشرح وتقارن وضع المرأة العربية في التاريخ العربي، وفي عصر ازدهاره، في العصر العباسي.
وفي مقدمة الكتاب، تقدم الكاتبة حقيقة غريبة، ولكنها قيمة جدا، فهي تقول إنها كانت بصدد كتابة بحث عن المرأة الحرة فى العصر العباسي، ولكن عندما بدأت في جمع مادة البحث، وجدت أن أغلب النساء المشهورات والمعروفات وذات الثقل الاجتماعي والسياسي والأدبي والفني، كن جواري مملوكات، أو من الرقيق المعتوق. وأصبحن أكثر ظهورا وتأثيرا على المسرح السياسي والاجتماعي من غيرهن من النساء، مما جعل المرأة الحرة تخرج من الساحة ولا تمثل أي ثقل في أي حقل سوى الثقل المعنوي فقط.
وهذا ما دعا الباحثة إلى تغيير مسمى بحثها، وهذا الاكتشاف كان غاية في الأهمية، وتحتاج هذه الحقيقة إلى دراسة منفصلة.
ومن خلال خمسة فصول تتابع هذه الباحثة أسرار الجواري ونجاحا تهن في التغلب على محنة الحياة في الظل. والخروج إلى الأنوار الساطعة كما يفهم في لغة اليوم.
وتبدأ بأنظمة الرق قبل الإسلام وبعده، وتشير إلى أن الإسلام كان يشجع كثيرا على عتق الرقيق، ولكنه لم يمنعه لأن الترتيب الاجتماعي كان يقبل ذلك ويقره، ومنعه كان يخل بالوضع الاقتصادي والاجتماعي.
بل هناك ضرر إنساني آخر خطير للغاية في منع الرق في ذلك الزمان. لأن الانتصار في الحرب عادة ينتهي بامتلاك الغالب للمغلوب، وهذا الرق يمنح المنتصر حق الاستفادة من المغلوب بدلا من قتله، وإبادته، ليكون عديم الفائدة. ويعتبر العتق في شريعة الإسلام من أفضل الحسنات والتقرب إلى الله وهو عبادة من العبادات التي يحض عليها الإسلام كثيرا، بل إنه جعل عتق الرقاب تكفيرا لبعض الذنوب.
الوضع الاجتماعي للجواري!!
وبتوسع الدولة الإسلامية وكثرة انتصاراتها رافق ذلك كثرة الجواري فيها، وكان هناك أسواق لبيع الجواري، اللاتي كن يختلفن في المنشأ والتربية والتعليم، فكانت هناك ثقافات مختلفة وثرية في الفكر والعلم، وفي معرفة أمور الحياة في بيئات غير عربية، عند هؤلاء الجواري، وكان بعض النخاسين يختار من جواريه
(بضائعه) بعض النابهات منهن أو الجميلات، أو صاحبات المواهب بالصوت أو الحركة، ويحرص على تعليمهن وتربيتهن تربية خاصة سواء للغناء أو لتربية الأطفال أو لنظم الشعر أو لتعليم العلوم، وهذا ما ميزهن عن غيرهن من الحرائر اللاتي لم تتح لهن فرصة تعلم أي علم من العلوم النافعة.
ومن هذه الدور خرجت الجواري ذات الشهرة في الغناء والطرب ونظم الشعر، وكان لبعضهن علاقة حميمة وصبابة مع بعض الشعراء، فالكاتبة تذكر من أمثال ذلك قصة أبي نواس والجارية جنان، والشاعر أبي العتاهية وعتبة، وقصة المغني إبراهيم الموصلي وذات الخال.
وتشير الكاتبة إلى ملاحظة قيمة عن تطور الشعر بوجود هذا النوع من الجواري اللاتي كن يشاركن الشعراء في النظم وتبادل الغزل، فظهر الغزل الفاحش الذي لم يعد يخاطب الحرائر من النساء بل يخاطب الجواري المتهتكات واللاتي لا يبالين بالأوصاف الرخيصة لهن، فقد كانت الخلاعة والمجون جزءاً من حياة هذه الفئة.
وتغيرت لغة الشعر وأصبحت أكثر شعبية وأكثر غنائية، ودخلت ألفاظ جديدة على الشعر كما دخلت أوزان جديدة تتوافق مع اللسان الذي يصعب عليه بعض الكلمات العربية.
واغتنم الشعراء هذا المد الحضاري الترفيهي وساعدوا على نموه بوجود هذه الفئة من الجواري اللاتي كن يساهمن في الغناء وفي طرح الكثير من الشعر الخفيف الذي بدأ ينتشر مناسبا للغناء والطرب.

ليس كل الجواري سيئات!
والكاتبة وهي تبحث في أمور الجواري تقدم لنا فئة أخرى عكس هؤلاء الجواري ذات الاهتمامات الشعبية أو الفنية، فهناك جوار دخلن قصور الخلفاء ليصبحن زوجات وأمهات لبعض الخلفاء في عصور مضت. وكان لهن الأثر الكبير في إضافة لمسات الجمال للحياة في قصر الخليفة بما تربين عليه، من دخول أفكار من ثقافات غريبة عن الحضارة العربية، واستطعن الخلط بين الثقافات المختلفة بما لهن من نفوذ في قصر الحاكم.
وهناك من الجواري من كانت تحكم البلاد باسم زوجها، أو ابنها. والتاريخ العربي والإسلامي يمتلئ بهن، فمن المعروف أن الملك والخلافة لجنس الرجل، في الثقافة العربية، ولكن الحكم يمكن للمرأة المشاركة فيه، وهذا ما كانت تفعله بعض الجواري اللاتي وصلن الى أعلى قمة السلطة تحت الرجل.

مقارنة بين عصرين!
ترد مقارنة طريفة للمرأة في العصر الحديث والعصر العربي السابق، فالمرأة في العصر الحديث، وهي تملك الحرية التامة، استخدمت كمادة جمال وتشويق وإضافة، فهي توجد في الدعايات والإعلانات والإعلام وسيلة بذاتها، وبمعنى آخر إنها في هذا الزمن لا تزال جارية أو خادمة أو مملوكة تؤدي غرضا معينا، محدد الأهداف لها، ولم ترسمه هي لنفسها.
ويختلف الوضع عند الجارية العربية في العصر العباسي فهي جارية في الاسم والعرف، ولكنها في مواقع كثيرة لم تكن سوى السيد الذي يأمر وينهى، أي ان اسم الجارية، هو اسم ابتدائي وليس نهائياً. بل إن من هؤلاء الجواري من كن أمهات لخلفاء، ومنهن زوجات لقادة في الجيش تولين القياد في زمن الشدة.
***

 

التوقيع

 

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 
 
رد مع اقتباس