عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 17-10-2005, 06:39 AM
سهيل الجنوب سهيل الجنوب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 873
معدل تقييم المستوى: 20
سهيل الجنوب is on a distinguished road
«العـولميـة».. لا(العولمة)!


القاهرة - د. عبـدالصبــور شـــــــاهين ( مفكر إسلامي وعضو مجمع اللغة العربية )


الاستعمال حديثاً استخدام كلمة «عولمة» في مقابل (Globalism) ويقصد بها: اتجاه الحركة الحضارية نحو سيادة نظام واحد تقوده في الغالب قوة واحدة، أو بعبارة أخرى استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم والمقصود طبعاً قوة الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المعروف أن استعمال الكلمات المنتهية باللاحقة (ism) يقصد به تسمية الاتجاهات العامة والمذاهب السائدة والأفكار القائدة مثل (Capitalism) و (Socialism) بمعنى الرأسمالية والاشتراكية. وكان موقف مجمع اللغة العربية السليم في نقل مفاهيم هذه المصطلحات هو مقابلة اللاحقة (ism) باللاحقة (ية) أو الياء المشددة والتاء لصياغة مصدر صناعي يتضمن المعنى المقصود مثل الرأسمالية والاشتراكية.. وعلى هذا جرى الاستعمال في صياغة كثير من المصادر الصناعية المتخذة قياساً في مثل: الكلاسيكية والرومانسية والشيوعية والناصرية.. إلخ. فأما صيغة الفعللة التي تأتي منها العولمة فإنما تستعمل للتعبير عن مفهوم الأحداث والإضافة، وهي مماثلة في هذه الوظيفة لصيغة (التفعيل) وتستعمل الصيغتان مقابل الكلمات التي تنتهي باللاحقة (ion) لإفادة المعنى نفسه، كما نجد ذلك في كلمات مثل: (Capitalization) وهي الرسملة: الفعللة وتعني إحداث الاتجاه نحو الرأسمالية مثل (Egypt ion iation) بمعنى التمصير أي صبغ الشيء بصبغة المصرية، وتلكم هي القاعدة السليمة في معاملة أمثال هذه الكلمات. فإذا جاءت كلمة «العولمة» وجب حملها على معنى الإحداث أو الإضافة في مقابل (globalization) لاعلى معنى العنونة وتسمية الاتجاه المقابل لمصطلح (globalism) الذي يقابله في العربية السليمة صيغة المصدر الصناعي «العولمية» وهو ما نوصي به من يحتاجون إلى استخدام المصطلح بوجه عام. ولكي نزيد هذا المعنى تأكيداً نرجع إلى استعمال العربية لصيغة الفعللة وسنجد من أمثلتها ما يجيء من فعل أصلي رباعي مثل: دحرج دحرجة وبعثر بعثرة، ومنها ما يجيء من المعرب مثل: بستر بسترة وتلفز تلفزة، ومنها ما يجيء من المنعوت مثل بسمل بسملة وحمدل حمدلة، فأما العولمة مصدراً فقد جاءت توليداً من كلمة عالم ونفترض لها فعلاً هو عولم يعولم عولمة بطريقة التوليد القياسي. فهذا عن مصطلح العولمة من الناحية اللغوية، وأما الناحية الاقتصادية السياسية فإن الخطأ فيها فادح لا يقل عن هذا الخطأ اللغوي، ذلك أن حركة العولمة ترى أن اقتصاد العالم يتجه إلى الاستقطاب ناحية القوة السياسية والاقتصادية في العالم ومركزها الولايات المتحدة الأمريكية، فكل السياسات الدولية يجب أن تتوافق مع مصالحها وتوجهاتها في الإنتاج والاستهلاك، وإذا كان العالم منقسماً بطبيعة الحال إلى متقدمين ومتخلفين فإن العولمة تعني بداهة مزيداً من خضوع المتخلفين للمتقدمين، أي مزيداً من التبعية السياسية والاقتصادية، وأي تجاوز للخط الأحمر الفاصل بين التقدم والتخلف يعني العزلة أو العزل عن الموكب الواحد الذي تمثله العولمة. وإذا كنا نشهد الآن أن التقدم يعني التفوق التقني، وأن التقنية تقفز قفزات جبارة بفضل ما أتيح للعالم المتقدم من تطور خطير في مجال استخدام الطاقة النووية وما يحتكر من أسرارها -هذا من ناحية- ثم نشهد من ناحية أخرى أن الدخول إلى هذا المجال النووي محرم على دول العالم الثالث فإن معنى ذلك أن يزداد المتقدمون تقدماً كما يزداد المتخلفون تخلفاً، ومعناه أيضاً أن العالم المتقدم يتحكم في حياة الآخرين ويحدد لهم النموذج الذي ينبغي أن يعيشوه، فهو المنتج والتاجر الوحيد في السوق العالمية، والآخرون زبائن في هذه السوق الهائلة وهم مجرد فقراء مستهلكين مدينين للدول الغنية التي تملك الزمام، وتتحكم في السياسات النقدية في العالم، وبذلك تصبح العولمة الصورة الجديدة للأخطبوط الاستعماري الذي قسم العالم في الماضي إلى فريقين سادة وعبيد، وهو يقسمه الآن إلى أغنياء وفقراء. فللأغنياء كل ما على المائدة من الثروات والكنوز، وللفقراء ما تبقى أسفل المائدة من فتات وحطام، وهي صورة لا تختلف عن العبودية الاستعمارية. ومن المؤسف حقاً أن كثيراً من المهيمنين على مقاليد السلطة في العالم الثالث لا يدركون أبعاد هذه العولمة التي تتجاوز في بعض الدول موضوعات السياسة والاقتصاد، لتمتد إلى مجالات التربية في محاولة لعولمة البشر أيضاً ابتداء من مراحل التعليم الأولى، فإذا بموضة المدارس الأجنبية أو ما يسمى بمدارس اللغات تتفشى في المجتمعات النامية لتغيير ألسنة الشعوب ومحاربة اللغات المحلية، ونصيب اللغة العربية من هذا النشاط التخريبي كبير جداً بفضل ما دخل على المنهج التعليمي في كل المراحل من تعديلات قضت على علاقة النظام التعليمي باللغة والدين، فهما الآن في أضعف حالاتهما لحساب اللغة الإنجليزية أو على الأصح لحساب اللغات الأوروبية الأمريكية استطراداً مع اتجاه العولمة، وهكذا تعمل هذه العولمة جنباً إلى جنب مع مخططات الماسونية والصهيونية العالمية على إفقار الشعوب العربية من لغتها وثرواتها وعقيدتها لتصبح من بعد كلاً مباحاً لشراذمهم العدوانية. إن العولمة جريمة أو مؤامرة تقضي على الخصوصية التي تميز الشعب، وهي إعدام لمعنى الانتماء للأمة والجماعة وتذويب للفوارق التي تعني الأصالة والحضارة بكل أبعادهما الأخلاقية والتاريخية، وهي أولاً وآخراً قدر مفروض على المغلوبين لمصلحة الغالبين. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)

 

التوقيع

 

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 
 
رد مع اقتباس