عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-08-2006, 07:21 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
الدعوة العباسية ودورها في نهاية الدولة الأموية

الدكتور/ علي الصلابي 5/1/1427
04/02/2006



ثالثاً : إعلان الثورة العباسية : تعمقت الدعوة العباسية في نفوس الأتباع، وتطلع الناس لها، وانتشرت فكرتها، وعلقوا الآمال عليها، فهي دعوة آل البيت، وهي التي سوف تخلصهم من الدولة الأموية وهي بجانب هذا ستعيد لهم عزهم وسلطانهم التليد، فتمسكوا بها وناصروها فاتسعت خلايا الدعوة، وتعمقت جذورها في السهول والجبال فعمت المدن والقرى والأقاليم وفي هذه الأثناء مات صاحب الدعوة ومنظمها محمد بن علي بالحميمة في ذي القعدة سنة 125 ﻫ وأوصى بتولي أمر الدعوة لابنه إبراهيم الذي تسمى بها بعد بالإمام (136)، وكان رئيس دعاة الكوفة بكير بن ماهان موجوداً في هذا الأثناء بالحميمة فحمل هذه الوصية إلى خراسان وأبلغها إلى النقباء فصدقوه ودفعوا إليه ما اجتمع لديه من نفقات شيعته، ورجع إلى الحميمة، حيث طمأن الإمام عن سير الدعوة في خراسان وأبلغه إخلاص هؤلاء الدعاة لإمامهم الجديد وسلم إليه ما لديه من الأموال فعاد إلى الكوفة (137)، ومعه بعض الشيعة العباسيين بعد أن تعرفوا على إمامهم الجديد، وقد حثوه على تعجيل الثورة المسلحة قائلين : وحتى تأكل الطير لحوم أهل بيتك وتسفك دماؤكم، وتركنا زيداً مصلوباً بالكنانة وابنه " يحي " مطروداً في البلاد، وقد شملكم الخوف، وطالت عليكم مدة أهل البيت السـوء (138).
كان إبراهيم بن محمد، أرفع إخوته مكاناً وأعلاهم شأناً، وكان عظيم القدر عند أهل المدينة ومكة وكان تقياً ورعاً (139)، جواداً، معطاء (140)، حكيماً، حليماً، وحازماً صارماً، وكان له عناية بالحديث ومعرفة بالبلاغة ورواية للشعر (141)، ولما تولى قيادة الدعوة العباسية سعى في بث الدّعوة ونشرها وجدّ في تقويتها وترسيخها واجتهد في تنظيمها وإحكامها (142).
ولما مرض بكير بن ماهان أرسل إلى إبراهيم الإمام يستأذنه بتولية زوج ابنته " أبو سلمة الخلال " رئاسة الدعوة بدلاً منه، فكتب إبراهيم إلى أبي سلمة يأمره بالقيام بعمل بكير بن ماهان، كما أرسل إلى خراسان يخبرهم بتولي أبي سلمة أمر الدعوة، فأجابوه بالطاعة والتصديق له، فمات بكير بعد ذلك بقليل سنة 127ﻫ (143) والحديث عن إعلان الثورة يسوقنا إلى التعرف على شخصية مهمة كانت بجانب إبراهيم الإمام، والتي قامت بأهم أدوار هذا العمل الحربي بعد ذلك في تكوين الدولة العباسية والقضاء على معارضيها في أول الأمر، تلك هي شخصية أبي مسلم الخراساني (144).
1. أبو مسلم الخراساني :
اسمه عبد الرحمن بن مسلم، ويقال : عبد الرحمن بن عثمان بن يسار الخراساني، الأمير صاحب الدعوة، وهازم جيوش الدولة الأموية، والقائم بإنشاء الدولة العباسية، كان من أكبر الملوك في الإسلام. كان ذا شأن عجيب ونبأ غريب من رجل يذهب على حمار بإكافٍ من الشاف حتى يدخل خراسان، ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب دولة، ويُقيم دولة أخرى (145)، كان قصيراً، أسمر جميلاً، نقي البشرة، أحور العين، عريض الجبهة، حسن اللحية، طويل الشعر، طويل الظهر، خافض الصوت، فصيحاً بالعربية والفارسية، حلوَ المنطق، وكان راوية للشعر، عارفاً بالأمور، لم يُر ضاحكاً، ولا مازحاً إلا في وقته وكان لا يكاد يُقطب في شيء من أحواله، تأتيه الفتوحات العظام، فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الفادحة الشديدة، فلا يرى مكتئباً، وكان إذا غضب لم يستفزه الغضب (146) قال عنه الذهبي : كان أبو مسلم سفاكاً للدماء، يزيد على الحجاج في ذلك، وهو أوَّل من سن للدولة لبس السواد (147).
(أ) الوضع العام عند إعلان الثورة :
كانت الظروف مواتيه لإعلان الثورة المسلحة في خراسان :
فقد قامت حركات تمرد في أنحاء خراسان ضد السلطة الأموية حيث قام بها زعماء القبائل مثل جديع بن علي الكرماني وهناك ثورة قد اشتعلت بالكوفة قام بها عبد الله بن معاوية من ولد جعفر بن أبي طالب وانضم معه الكثير من الغاضبين مما فت من عضد الدولة وأربكها، وقد دخل فيها بعض أفراد الأسرة العباسية ومن بينهم أبو جعفر، والسفاح، وعمهم عبد الله بن علي الذي ربما قصدوا من ذلك إفشال هذه الثورة، وقد حدث ذلك حيث كانت نهايته على أيدي رجال الدعوة العباسية في خراسان، ولآن خراسان لا تحتمل أكثر من دعوة وهي الدعوة العباسية (148).
* وفي الشام حروب طاحنة بين الأمراء الأمويين على السلطة.
* اشتداد العصبية القبلية في خراسان والعراق والشام، فقد كانت تتخبط بالانقسامات والفوضى، وحتى الأندلس وصلت العصبية فيها إلى حروب طاحنة بين المضرية واليمنية (149).
* خروج الضحاك بن قيس الشيباني في العراق والجزيرة (150).
* ثورة الخوارج في كل مكان في العراق، أو الحجاز، واليمن (151).
* عصيان كثير من المدن، في سوريا وفلسطين والأردن حيث خرجت عن طاعة الخليفة (152).
على ضوء هذه الأحداث وغيرها جد إبراهيم الإمام بعد ذلك إلى نقل الدعوة العباسية السرية، إلى طور العمل والنضال الحربي فعرض القيادة العامة للجيش على " سليمان بن كثير " رئيس دعاة خراسان فرفض ذلك، ثم عرضها بعد ذلك على إبراهيم بن سلمة فرفض هو الآخر هذا الطلب (153)، وكانا بالحميمة موفدين من قبل الشيعة العباسية لطلب الموافقة من إبراهيم الإمام لإعلان الثورة المسلحة وأن الدعوة السرية لا تستحق أكثر من هذا (154).
(ب) تعيين أبي مسلم الخراساني على القيادة العامة :
استقر رأي إبراهيم الإمام على تولية القيادة العامة لأبي مسلم الخراساني وكان ذلك عام 128ﻫ، ولم يتجاوز عمره – آنذاك – تسع عشرة سنة (155)، وقد كتب معه كتاباً إلى شيعته في الكوفة قائلاً : إن هذا أبو مسلم، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد وليته على ما غلب عليه من أرض خراسان (156) أخذ أبو مسلم هذا الكتاب ليعرضه على الدعاة وكان أول ما عرضه على أبي سلمة الخلال بالكوفة، وهو في طريقة إلى خراسان، ولكنه لم يجد منه قبولاً، فقد استصغره وحقره، وتوجه إلى خراسان بعد ذلك حيث عرض هذا الكتاب على كبار الدعاة فيها، فتخوفوا من عواقب ذلك وردوه، لأنه غلام عديم التجربة، فلا يمكن أن يكون لمثل هذه الأمور الخطرة، فأرسل وأرسلوا إلى إبراهيم الإمام بالحميمة حول هذا الموضوع، فأجابهم الإمام إلى وجوب الالتقاء به عند موسم الحج (157)، خرج هؤلاء والتقوا بإبراهيم الإمام في مكة، فأخبر أبو مسلم أن هؤلاء رفضوا الطاعة، والانقياد له. فقال لهم الإمام : لقد عرضت هذا الأمر على غير واحد لكنهم رفضوا ذلك فاستقر رأيي علي أبي مسلم لتولي رئاسة الجيش، فأمرهم بالسمع والطاعة له (158).
(ج) وصية الإمام إبراهيم لأبي مسلم :
وكتب إبراهيم الإمام وصية لأبي مسلم جاء فيها : (يا عبد الرحمن إنك رجل منا أهل البيت فاحفظ وصيتي، وانظر هذا الحي من اليمن فأكرمهم، وحل بين أظهرهم، فإن الله لا يسمي هذا الأمر إلا بهم، وانظر هذا الحي من ربيعة فاتهمهم في أمرهم، وانظر هذا الحي من مصر فإنهم العدو القريب الدار، فأقتل من شككت في أمره ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك منه شيء، وإن استطعت ألا تدع بخراسان لساناً عربياً فأفعل، فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله ولا تخالف هذا – الشيخ – يعني سليمان بن كثير الخزاعي – ولا تعصه، وإن أشكل عليك أمر فاكتف به مني) (159).
إن هذه الوصية غير متفق عليها بين المؤرخين لذلك لا يمكن قبولها دون تمحيص، فالنقد الخارجي للنص يظهر بأنه مذكور دون سلسلة ورواة الطبري، ولا ذِكْر للنص في مصادر مهمة أخرى مثل أنساب البلاذري وأخبار الدولة العباسية، وليس هناك أهمية كبرى لذكرها في كتب تاريخية متأخرة لأن هؤلاء المؤرخين المتأخرين أمثال ابن خلدون وابن كثير وابن الأثير نقلوها ممن ذكرها قبلهم والمهم هنا أن نذكر بأن رواية الدينوري (160)، وكتاب العيون والحدائق (161)لا تذكر النص الذي يأمر فيه إبراهيم أبا مسلم بقتل العرب دون تمييز، ولكن الوارد أن الأمر كان بقتل العرب الذين يرفضون الدخول في الدعوة العباسية أو المشكوك في ولائهم لها : (واقتل من شككت في أمره) (162). أو كما يقول العوفي : لقتل كل المدّعين أو المطالبين بالإمامة (163)، ويؤيد ذلك ما يذكره صاحب أخبار العباس على لسان أبي مسلم : أمرني الإمام أن أترك في أهل اليمن وأتألف ربيعة ولا أدع نصيبي من صالحي مضر وأحذر أكثرهم من اتباع بني أمية وأجمع إليّ العجم (164). ويمكن تلخيص النقد الداخلي للوصية بالنقاط التالية :
* الرواية مجزأة في الطبري إلى قسمين تذكر بينهما حوادث ذات علاقة بتطور الدعوة ولا علاقة لها بالوصية.
* تأتي الوصية تحت عنوان سبب قتل مروان بن محمد لإبراهيم الإمام، مما يدل على أنها أو بعضها على الأقل دعاية ضد العباسيين وضعت من جانب أعدائهم.
* يظهر نص الرواية تناقضات كثيرة فكيف يصح أن يأمر إبراهيم الإمام بقتل كل العرب وهو يدرك أهميتهم ويوصيه في بداية الرواية بتعهد اليمانيين وإلى درجة ما الربعيين.
* وأخيراً لا آخراً فإن سياسة أبي مسلم وسليمان الخزاعي في خراسان لم تسر أبداً حسب الوصية المزعومة فإن الدعاة العباسيين تقربوا لليمانية والربيعية حتى أن أبا مسلم قبل الكثير من المضريين في صفوف الدعوة (165).
(د) موقف سليمان الخزاعي من أبي مسلم :
وأما موقف سليمان الخزاعي من أبي مسلم فلم يكن ودياً أول الأمر حيث طرده ولم يقبله بين صفوف الدعاة قائلاً : (صلينا بمكروه هذا الأمر واستشعرنا الخوف واكتحلنا السهر حتى قطعت فيه الأيدي والأرجل وبريت فيه الألسن جزاً بالسعار وسملت الأعين وابتلينا بأنواع العذاب وكان الضرب والحبس في السجون من أيسر ما نالنا فلما تنسمنا روح الحياة وانفسحت وأينعت ثمار غراسنا طرأ علينا هذا المجهول الذي لا ندري أية بيضة تقلعت عن رأسه ولا من أي عش درج. والله لقد عرفت الدعوة من قبل أن يخلق هذا في بطن أمه) (166). ولكن نفور بعض الدعاة أمثال أبي منصور طلحة بن رزيق وأبي داود خالد بن إبراهيم وغيره من كبرياء سليمان هو الذي دعاهم إلى قبول الشخص الغريب أبي مسلم، فاضطر سليمان إلى الاعتراف بأبي مسلم خوفاً من تشقق الثورة وتصدعها (167). ولعل رفض سليمان الخزاعي لأبي مسلم الخراساني يعود أيضاً إلى حداثة سنه وقلة تجربته التي قد تعرض الدعوة للخطر، هذا بالإضافة إلى أن سليمان طلب من إبراهيم الإمام ممثلاً له : من أهل البيت (168). أي من الهاشميين وخاصة العباسيين ولم يكن يتخيل أنه سيرسل مولى له يمثله في خراسان (169)، وكان موقف أبي مسلم مرناً ويدل على ذكاء حيث تقرب من سليمان وأعلمه بأن الإمام أوصاه بألا يعصي له -أي لسليمان- أمراً ويقدمه في جميع ما يدبرون، وترجّاه كذلك ألاّ يشك فيه : أحسن بي الظن فإني أطوع لك من يمينك. (170) ولم يكن شيعة العباسيين في قرى خراسان ومدنها يطيعون إلا سليمان الخزاعي، صاحبهم والمنظور إليه منهم، ولذلك كتب إليهم سليمان يخبرهم بأمر إبراهيم وإرساله أبي مسلم إلى خراسان (171).
(د) مجلس النقباء في خراسان يرتب أمور الحرب :
عقد مجلس النقباء اجتماعاً لينظروا في أمر المكان الملائم لإعلان الثورة فيه فكان هناك رأي بضرورة إعلانها بخوارزم : فإنها بلاد منقطعة عن نصر بن سيار فإلى أن يرسل عسكره يكون قد تسامع بنا إخواننا فيأتونا ويكثر جمعنا فنقوى على من يأتينا إلا أن عدداً من النقباء عارضوا ذلك وأكدوا على مرو الروذ لأنها : متوسطة بين مرو بلخ. ثم اقترح عدد آخر مرو الشاهجان لأن بها خلقاً كثيراً من إخواننا وبها السلطان قد وهن أمره ومتى يقوى بها أمرنا يقوى في غيرها. وأبو ذلك سليمان الخزاعي قائلاً : إن قوتنا بها أعظم وعددنا أكبر. ووافقه أبو منصور كامل بن المظفر حيث قال : إذا اجتث الأصل فلا بقاء للفرع إذا ظهرتم بغير مرو تفرغ لكم سلطانكم وساعده عدده عليكم. وهكذا اتفق أمرهم على أن مرو الشاهجان أصلح مكان لإعلان الثورة، وأرسل الدعاة ليخبروا الشيعة بالالتقاء والتجمع في مرو في الوقت المحدد وكان في يوم عيد الفطر سنة 129ﻫ (172)وكان نصر بن سيار منشغلاً بالاستعداد لجديع الكرماني فلما سمع بنبأ تجمع الشيعة في مرو وضواحيها قرر أن يكمن لهم ويلتقطهم جماعة جماعة ويقضي عليهم ولما علم سليمان الخزاعي وأبو منصور كامل بن المظفر بذلك أشارا على أبي مسلم بضرورة التجمع وإعلان الظهور قبل الموعد المحدد وإلا تشتت الشيعة وفشلت الحركة. فأعلنها أبو مسلم ولمّا يبقي في رمضان إلا خمسة أيام وعسكر في حُصَين تابع لسليمان الخزاعي حيث أصبح نقطة تجمع أنصار الدعوة لآل البيت (173). وحين فشا خبر أبي مسلم أقبلت الشيعة من كل جانب إلى مرو فأتاهم عيسى بن شبل وأبو الوضاح وأبو مرة في نحو من ألف رجل : وقد كثر جمعهم وسودوا ثيابهم ونصبوا أعلامهم ونشروا راياتهم فصلى بهم سليمان بن كثير الخزاعي يوم العيد وهي أول جماعة كانت لأهل الدعوة (174). وقد قام النقباء بترتيب نوع من التنظيم السياسي للحركة حيث كلف أبو صالح كامل بن المظفر بتدبير الأمور وكتابة الكتب وبجمع الأموال والغنائم وقسمها وإعطاء الجند وهو صاحب السر كذلك، وعين مالك بن الهيثم : يقوم بأمر العسكر ... ويحكم بين أهله وينقي أهل الريب منه فقبلوا ذلك منه واتفقوا عليه. ثم عين حرساً خاصاً لأبي مسلم من عدة رجال ينتخبون أبا مسلم ويكونون رسلاً يرسلون لتدبير بعض الأمور وكان يؤم الناس في الصلوات سليمان بن كثير الخزاعي (175). وفي ليلة الخميس لخمس بقين من شهر رمضان عقد أبو مسلم راية النصر التي بعثها إليه إبراهيم الإمام وهي اللواء – يدعى الظل – على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً. والراية – تدعى السحاب – على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً وهما سوداوان وهو يتلوه (176)" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " ( الحج ، أية 29) ولبس السواد هو وسليمان بن كثير وإخوة سليمان وحميد بن رزين وإخوه عثمان بن رزين، أوقدوا النيران ليلتهم أجمع للشيعة من سكان حزفان : .. وتأويل أسمى الظل والسحاب، أن السحاب يطبق الأرض، وكذلك دعوة بني العباس، وتأويل الظل أن الأرض لا تخلو من الظل أبداً، وكذلك لا تخلو من خليفة عباسي أبد الدهر (177). كانت دعوة شيعة بني العباس في خراسان قوية، فقد ظهر أمرهم وكثر من يأتيهم وجعلت الدّعاية العباسية وحملتهم الإعلامية تستهدف أفعال بني أمية وما نالوا من أمر رسول الله، حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر وظهر الدعاة ورئيت المنامات وتُدورست كتب الملاحم (178)، وكان اختيار اللون الأسود هو الخطوة الأولى، ثم كانت الخطوة الثانية هي إرسال الرايات إلى خراسان، فكان أن بعث بأبي سلمة إليها : بعد أن دفع له ثلاث رايات سود، وأمره أن يدفع واحدة إلى من بمرو من الشيعة، ويدفع واحدة إلى من بجرجان من الشيعة ويبعث بواحدة إلى ما وراء النهر فشخص أبو سلمة إلى خراسان، فكان أول من قدمها بالريات السود (179). وكان وصول الرايات مترافقاً مع حال الفوضى المستشرية في خراسان، وقد أفاد من ذلك أبو سلمة وسليمان بن كثير، وكانت الفتنة التي نشبت بين نصر وعلي الكرماني ثم ابنه جديع الكرماني تتأجج بفعل تأثير السياسات المركزية (180)، ثم فتحت جبهة جديدة لوالي الأمويين بخراسان بقيادة شيبان الحروري، فكانت الفرصة مواتية لأبي مسلم أكثر، فدخل هذا المعترك بعد أن ضعفت قوة نصر بن سيار وانضمت إلى أبي مسلم كل الفئات الغاضبة في خراسان (181).
(2) جهود نصر بن سيار للقضاء على الدعوة العباسية :
في عام 129ﻫ كانت أول صلاة عيد علانية للعباسيين وقد أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلى بالناس ونصب له منبراً، وأن يخالف في ذلك بني أمية ويعمل بالسنة فنودي للصلاة، الصلاة جامعة، ولم يؤذن ولم يقم، خلافاً لهم وبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكبّر سبعة في الأولى قبل القراءة لا أربعاً وخمساً في الثانية لا ثلاثاً خلافاً لهم. وابتدأ الخطبة بالذكر والتكبير وختمها بالقراءة وانصرف الناس من صلاة العيد وقد أعّد لهم أبو مسلم طعاماً، فوضعه بين أيدي الناس وكتب إلى نصر بن سيّار كتاباً بدأ فيه بنفسه، ثم قال : إلى نصر بن سيّار، بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنَّ الله تبارك اسمه عيَّر أقواماً في كتابه فقال : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلمّا جاءهم تذير ما زادهم إلا نفوراً استكباراً في الأرض ومكر السَّيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأوَّلين فلن تجد لسنت الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً " ( فاطر : 42 ، 43 ). فعظم عليه أن قدم اسمه على اسمه، وأطال الفكرة وقال : هذا كتاب له جواب (182)، ثم بعث نصر بن سيار خيلاً عظيمة لمحاربة أبي مسلم وذلك بعد ظهوره بثمانية عشر شهراً، فأرسل أبو مسلم إليهم مالك بن الهيثم الخزاعي، فالتقوا هنالك فدعاهم مالك إلى الرّضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا ذلك فتصافوُّا من أول النهار إلى العصر، ثم جاءه مدد فقوى مالك عليهم، واستظهر وظفر بهم، وكان هذا أول موقف اقتتل فيه دعاة بني العباس وجند بني أمية (183).. ولما استفحل أمر أبي مسلم بخراسان تعاقدت طوائف من أحياء العرب الذين بها على حربه ومقاتلته، ولم يكره أمره الكرماني وشيبان، لأنهما خرجا على نصر وهذا مخالف له وهو مع ذلك يدعو إلى خلع مروان بن محمد وقد طلب نصر من شيبان أن يكون معه على حرب أبي مسلم أو يكف عنه حتى يتفرغ لحربه، فإذا قتله وتفّرغ منه عاد عدواتهما، فبلغ ذلك أبا مسلم بعث إلى ابن الكرماني يعلمه بذلك، فثني ابن الكرماني شيبان عن ذلك الرأي، وبعث أبو مسلم إلى هَرَاة النضر بن نعُيم، فافتتحها وطرد عنها عاملها عيسى بن عقيل الليثي، واستحوذ على البلد وكتب إلى أبي مسلم بذلك، وجاء عاملها إلى نصر هارباً ثم إن شيبان وادع نصَر بن سيار سنة على ترك الحرب بينه وبينه وذلك عن كره من ابن الكرماني فبعث ابن الكرماني إلى أبي مسلم : إني معك على قتال نصر وركب أبو مسلم إلى خدمة (184) ابن الكرماني فنزل عنده واجتمعا، فاتفقا على حربه ومخالفته وتحّول أبو مسلم إلى موضع فسيح وكثر جنده وعظم جيشه واستعمل على الشرط والحرس والرّسائل والّديوان وغير ذلك مما يحتاج الملك إليه، وجعل القاسم بن مُجاشع التَّميميَّ – وكان أحد النقباء – على القضاء، وكان يُصلي بأبي مسلم الصَّلوات، ويقص بعد العصر، فيذكر محاسن بني هاشم ويذُمُّ بني أُمية. ثم تحول أبو مسلم فنزل بقرية يقال لها آلِينُ (185)وكان في مكان منخفض، فخشى أن يقطع عنه نصر ابن سيار الماء وذلك في سادس ذي الحجّة من هذه السنة، وصلَّى بهم يوم النَّحر القاضي بن مجاشع، وسار نصر بن سيار في جحافل قاصداً قتال أبي مسلم، واستخلف على البلاد نّواباً (186).
(أ) طلب نصر بن سيار المدد من مروان بن محمد :
نشبت الحرب بين نصر بن سيار وبين الكرماني وهو جديع بن علي الكرماني، فقتل بينهما من الفرقين خلق كثير، وجعل أبو مسلم يُكاتب كُلاً من الطائفتين ويستميلهم إليه، يكتب إلى نصر وإلى الكرماني : إنّ الإمام قد أوصاني بكم خيراً، ولست أعدوُ رأيه فيكم. وكتب إلى الكور يدعو إلى بني العباس، فاستجاب له خلق كثير وجمُّ غفير، وأقبل أبو مسلم، فنزل بين خندق نصر بن سيار وخندق جديع الكرماني، فهابه الفريقان جميعاً وكتب نصرُ بن سيار إلى الخليفة مروان بن محمد، الملقب بالحمار يعلمه بأمر أبي مسلم، وكثرة من معه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد وكتب في كتابه :


أرى بين الرّماد وميض جمرٍ *** فأحْرِ بأن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذْكى *** وإن الحرب مبْدؤها الكلام
فقلت من التعجب ليت شعري *** أأيقاظ أمية أم نيام


فكتب إليه مروان : الشاهد يرى مالا يرى الغائب : فقال نصر : إن صاحبكم قد أعلمكم أن لا نصرة عنده (187)وبعضهم يرويها بلفظ آخر.


أرى خَلَلَ الرماد وَميضَ نار *** فيو شك أن يكون لها ضِرام
فإن النارَ بالزندين يوُرَى (188) *** وإن الحرب أولها الكلام
لئن لم يُطفِها عقلاء قوم *** يكون وَقودَها جثت وهام
أقول من التعجُّب ليت شعري *** أأيقاظ أمية أم ينام
فإن كانوا لحينهم نياماً *** فقل قوموا فقد حان القيام

وكتب إليه :

أبلغ يزيد وخير القول أصدَقُهُ *** وقد تبّينت أن لا خير في الكذب
بأن خراسانَ أرض قد رأيت بها *** بيضاً لو أفرخ قد حَُّدثتَ بالعجب
فِراخ عامين إلا أنها كبرت *** لمّا بُطِرنَ وقد سُرْبِلْنَ بالزَّغَبِ
فإن يطرن ولم يُحْتَلْ لهنّ بهَا *** يُلهبن بِنيرانَ حرب أيَّما لَهَب (189)

فبعث ابن هبيرة بكتاب نصر إلى مروان (190).
(ب) دعاية نصر بن سيار ضد دعوة أبي مسلم الخراساني :
شنّ نصر بن سيار حملة دعاية قوية ضد شيعة بني العباس ووصفهم بأنهم أخلاط من الناس لا أصول لهم، ولا ذمم عندهم، فهم غرباء مجهولون ودُخلاء مغمورون، لا ينتمون إلى العرب المذكورين، ولا إلى الموالي المعروفين، واتهمهم بأنهم ليسوا من المسلمين ولا من الكتابييَّن فهم يعتنقون نحلة مخالفة لكل الأديان، وزعم أنهَّهم يبتغون إبادة العرب واستعبادهم، ويرومون سبي نسائهم وهتك أعراضهم وانتهاك حرماتهم (191) حيث قال :


أبلغ ربيعـــة في مرو وإخوتهـم *** فليغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب
ولينصبوا الحرب إن القومَ قد نصبوا *** حربا يُحّرق في حافاتها الحطـب
ما بالكم تَلْحِقون الحرب بينكـم *** كأن أهل الحِجاَ عن فِعِلكم غُيُبُ (192)
وتتركون عدّواً قد أحاط بكــم *** فيمن تأشَّبَ (193) لا دين ولا حسب
لا عرب مِثلُكُم في الناس تعرفهـم *** ولا صريح موالٍ إن هم نُسِبـُوا
من كان يسألني عن أصل دينهـم *** فإن دينهم أن تهلك العـــرب
قوم يدينون ديناً ما سمعــت به *** عن النبي ولا جاءت به الكتـب
ويقسم الخُمس من أموالكم أُسَراً *** من العلوج ولا يبقى لكم نَشَبُ (194)وينكحوا فيكم قسْراً بناتكــم *** لو كان قومي أحراراً لقد غضبوا
ذروا التفرق والأحقاد واجتمعوا *** لِيُوصل الحبل والأصهار والنَّسَبُ (195)
إن تُبعدوا الأزده مِنّا لا نُقَّربها *** أو تدن نحمدهم يوماً إذا اقتربوا
أتخذِلُون إذا احتجنا وننصُرُهم *** لبئس والله ما ظنُّوا وما حسبوا (196)

ولكن الرَّبعية لم يعبأوا بنداء نصر في أول الأمر ولم يبالوا بدعوته، ولم يكترثوا لتحذيره بل مضوا يتشبثون بمخالفتهم اليمانية، واستمروا يساندون ابن الكرماني ويعينونه، ويقاتلون المضريَّة معه، فعاد نصر إلى رمي أبي مسلم وشيعة بني العباس بالكفر وألحّ على القدح في عقيدته، ولحَّ في التشهير بغاياتهم، يريد أن يُبغضهم إلى الناس ويُكرههم إليهم ويحملهم على الطعن فيهم، ويدفعهم إلى مكافحتهم، ويحمسهم على محاربتهم فجعل يقذفهم بأنهم وثنيُّون مشركون وأنهم يأمنون بالمانوّيه والمجوسيَّة وغيرهما من الملل الفارسية القديمة وراح يشيع في أصحابه أنهم يقصدون إلى نسف قواعد الإسلام، وهدم دعائمه وتحطيم أركانه وطمس معالمه واستئصال آثاره وأنهم يستهدفون لتقويض سلطان العرب وتمزيق قبائلهم، وقتل رجالهم واسترقاق أبنائهم وأسر بناتهم، ولم يزل يذيع ذلك فيهم ويزينه لهم (197). وقد تأثر الناس بدعاية نصر بن سيار. وبعث نصر إلى القراء، والفقهاء، والأتقياء الذين اعتزلوا الحرب، فجمعهم وقال لهم : (إنكم كرهتم مشاهدتنا في حربنا هذه، وزعمتم أنها فتنة القاتل والمقتول فيها في النار، فلم نرد عليكم رأيكم في ذلك، وهذا حدث قد ظهر بحضرتكم. هذه المُسّوَّدَة، وهي تدعو إلى غير ملتنا وقد أظهروا غير سُنَّتنا وليسوا من أهل قبلتنا، يعبدون الّسنانير، ويعبدون الرؤوس، علوج وأغتام (198)، وعبيد سُقّاط العرب والموالي فهلُمُّوا فلنعاون على إطفاء نائرتهم (199)، وقمع ضلالتهم ولكم أن نعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه وسنة العمرين بعده)، فأجابوه إلى مظاهرته على حرب أبي مسلم والجِدَّ معه في ذلك (200).
(ج) الدعاية المضادة للأمويين :
لقد أقلقت هذه الدعاية الأموية الشيعة العباسية، حيث إنهم خشوا تأثر العلماء، والأتقياء، وكذلك العامة من الناس بها، ولذلك قاموا بدعاية مضادة للأمويين حيث عقد اجتماع عام بايع فيه المجتمعون لسليمان الخزاعي واتفقوا على أن يعلنوا مبادئهم وكان من مبادئهم العمل بالكتاب والسنة وتحقيق العدل ورفع الظلم والمساواة بين المسلمين وإنصاف المستضعفين، والبيعة للرَّضا من آل محمد، ثم أعلنوا مبادئهم في معسكرهم وأخذوا البيعة عليها من شيعتهم. فنفوا أراجيف نصر عن دعوتهم ونجوا من تدبيره بالإيقاع بهم، وأزالوا الشبهات عن أنفسهم... وأخذ الناس يقبلون عليهم وينضمون إليهم (201) كما وأن أبا مسلم اتبع أسلوباً آخر ليقابل به دعاية الأمويين فقد كان يحرر الأسرى من الجيش الأموي بعد أن يريهم مدى تقوى الشيعة العباسية وتمسكهم بالإسلام وبعد أن يعاملهم معاملة حسنة وذلك من أجل أن يذهبوا إلى معسكر نصر فيرووا ما شاهدوا. وهذا ما فعله مع يزيد مولى نصر الذي أسر في معركة مع العباسيين بقيادة مالك الخزاعي ثم أطلق سراحه فعاد وامتدح سيرة أبي مسلم وأتباعه وصدق إسلامهم (202).
(د) أسر إبراهيم الإمام صاحب الدعوة العباسية وقتله :
استطاع الأمويون أن يلقوا القبض على إبراهيم الإمام وتعددت أسباب القبض ومن هذه الأسباب قيل : إن إبراهيم الإمام شهد الموسم عام 131ﻫ واشتهر أمره هنالك، لأنّه وقف في أبهة عظيمة، ونجائب كثيرة وحُرْمة وافرة، فأنِهيَ أمره إلى مروان، وقيل له : إن أبا مسلم يدعو الناس إلى هذا ويُسمُّونه الخليفة. فبعث إليه في المحرم من سنة ثنتين وثلاثين وقتلة في صفر من هذه السنة (203)، وقيل ألقى القبض عليه عام 129ﻫ بعدما أطلع على كتاب من إبراهيم الإمام إلى أبي مسلم الخُراساني يأمره فيه بأن لا يُبقي أحداً بأرض خراسان ممّن يتكلم بالعربية إلا أباده، فلمّا وقف مروان على ذلك سأل عن إبراهيم، فقيل له : هو بالبلقاء. فكتب إلى نائب دمشق أن يحضره وبعث رسولاً في ذلك ومعه صفته ونعته، فذهب الرسول، فوجد أخاه أبا العباس السفَّاَّحَ فاعتقد أنه هو، فأخذه فقيل له : إنه ليس هو وإنما هو أخوه، فُدلَّ على إبراهيم، فأخذه وذهب معه بأم ولد له يُحبُّها وأوصى إلى أهله أن يكون الخليفة من بعده أخوه أبو العباس السَّفَاحُ وأمرهم بالمسير إلى الكوفة فارتحلوا من فورهم إليها كانوا جماعة، منهم أعمامه السَّتةُ، وهم عبد الله ، وداود ، وعيسى وصالح، وإسماعيل ، وعبد الصمد بنو عليٍّ، وأخواه أبو العباس عبد الله، ويحي ابنا محمد بن علي وابناه محمد وعبد الوهاب وخلق سواهم، فلما دخلوا الكوفة أنزلهم أبو سلمة الخلاَّل دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أوْدٍ وكتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من القواد والأمراء ثم ارتحل بهم بعد ذلك إلى موضع آخر، حتى فتحت البلاد ثم بويع للسَّفاح (204). كانت الدعوة العباسية قد ترسخت جذورها في الأرض، وبات القضاء عليها في منتهى الصعوبة، فلم يغير إلقاء القبض على إبراهيم بن محمد الإمام من الواقع شيئاً أو يُحدث خللاً في مسار الدعوة، إذ جاء الأمر متأخراً (205)، وقد كان إبراهيم هذا كريماً مُمدَّحاً، له فضائل وفواضل، رَوَى الحديث عن أبيه وجدَّه وأبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية وعنه أخواه عبد الله أبو العباس أبو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية وعنه أخواه عبد الله أبو العباس السَّفاح، وأبو جعفر المنصور وأبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم الخراساني، ومالك ابن الهيثم ومن كلامه الحسن : قوله : الكامل المروءة من أحرز دِينه، ووصل رحمه، واجتنب ما يُلام عليه (206) وقد رثاه أحد الشعراء فقال :


قد كنت أحسبني جلداً فضعضعني *** قبراً بحّرانَ فيه عصمةُ الدين
فيه الإمام وخير الناس كلهم *** بين الصفائح والأحجار والطين
فيه الإمام الذي عمت مصيبته *** وعَيَّلتَ كلّ ذي مال ومسكين
فلا عفا الله عن مروان مظلمة *** لكن عفا الله عمّا قال آمين (207)

(3) سيطرة أبي مسلم على خراسان :
سعى نصر بن سيار للوصول إلى هدنة مع ابن الكرماني وشيبان الصغير للقضاء على أبي مسلم واستطاع الأخير أن يفسد تلك المساعي بدسائسه ومكره وخداعه فقد أسرع أبو مسلم فاعترف بابن الكرماني أميراً على خراسان وبدأ هو وأصحابه يصلي وراءه وهكذا نجح أبو مسلم في إشباع رغبة ابن الكرماني المتعطشة للسلطة والإمارة فلم يكن الوقت وقت منافسة على السلطة بل كان الهدف هو ضمان كسب اتباع ابن الكرماني إلى جانب الثورة العباسية وقد كانت هذه خطورة بارعة لضمان وحدة الجند الخرسانية في كتلة واحدة ولما يأس نصر من العون من العراق كتب إلى مروان رسائل لحثه على إمداده ولكن بدون جدوى، ولانشغال مروان بالحروب الداخلية في بلاد الشام والعراق والحجاز وبعد أن فشل نصر في محاولته الأولى لكسب ابن الكرماني وفي محاولته الثانية لكسب شيبان الصغير حاول هذه المرة أن يتقرب نحو أبي مسلم في نفس الوقت الذي ينتظر فيه الإمدادات من الخليفة لقد أمل نصر أن يفرق بين أبي مسلم وابن الكرماني فدبر أمر اجتماع حضرته وفود نصر المضرية ووفود ابن الكرماني ومندوبون عن أبي مسلم الذين امتدحوا وفد ابن الكرماني، وفضلوه على وفد نصر حيث قرر سليمان الخزاعي وطلحة الخزاعي ومزيد السلمي التحالف مع ابن الكرماني ضد نصر وبذلك كسبت الدعوة العباسية مصدر القوة في خراسان إلى جانبها ألا وهو القبائل العربية من أتباع ابن الكرماني (208).
(أ) خطة أبي مسلم للاستيلاء على العاصمة مرو :
كانت خطة أبي مسلم وابن الكرماني الآتية هي الاستيلاء على العاصمة مرو. وتختلف الروايات التاريخية في كيفية فتح مرو ولكن الظاهر أن أبا مسلم كان حذراً ومرناً في موقفه تجاه كتلة نصر وكتلة ابن الكرماني فرغم اعترافه بأن ابن الكرماني والياً على خراسان، فإنه كان يؤمل أن يكسب نصراً أو أتباعه إليه بطريقة أو بأخرى فضمن الحماية لوفد نصر الذي حضر الاجتماع الآنف الذكر، كما سمح نصر للشيعة العباسية بالتسوق من أسواق مرو دون مهاجمتهم، ولكن حدث وأن قام نزاع بين بكر بن وائل من ربيعة وبين بعض المضريين في سوق مرو، فساعد نصر المضرية بينما أنجد ابن الكرماني الربعية ودعى ابن الكرماني أبا مسلم إلى مساعدته والانضمام إليه، إلا أن أبا مسلم تشاغل حتى تأكد من احتدام الصراع العنيف فتدخل إلى جانب ابن الكرماني حيث دخلت قواتهما مرو في 130ﻫ وعلى المقدمة أسيد الخزاعي وعلى الميمنة مالك الخزاعي وعلى الميسرة القاسم التميمي وهو يتلو : "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه " ( القصص، أية : 15). وأمر بالكف عن القتال (209)وأرسل أبو مسلم وفداً إلى نصر يعده الأمان إذا سلم نفسه ولكن نصر شاغل الوفد وهرب إلى نيسابور. ويروى أن لاهز بن قريضى حذر نصر من الاستسلام بتلاوة الآية : " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك" ( القصص، أية : 20) وقد قتل لاهز جزاء عمله (210) وبدا الآن الوجه الحقيقي للدعوة بالظهور بصورة تدريجية ألا وهو الوجه العباسي، فحين جُمع الأنصار لتقديم الولاء أكد أبو مسلم على " الشيعة الهاشمية " مما يشير إلى أن هؤلاء الذين كانوا جند العقيدة العباسية المخلصين هم عماد الثورة وليس الجماعات الأخرى التي استغلت من قبل الثورة وقد أصبحت مرو الشاهجان العاصمة وقراها ثم مرو الروذ وهيرات وابيورد تحت نفوذ الشيعة العباسية (211).
(ب) مقاومة بلخ للقوات العباسية التي وجدت صعوبة في احتلالها وذلك لأسباب ثلاثة.
* أن المقاتلة العرب في بلخ كانوا متحدين لم تتنازعهم العصبية القبلية ولذلك فإن أسد بن عبد الله القسري وطنّهم فيها ككتلة واحدة دون الأخذ بخطة الأخماس التي كانت مستعملة في البصرة ولذلك كان العرب في بلخ موالين للأمير ومخلصين للأمويين.
* أن الجند السوري في بلخ وعدده 2500 كان موالياً لنصر بن سيار.
* أن السكان المحليين في طخارستان وأقاليم أخرى في بلاد ما وراء النهر أظهروا مساعدتهم للوالي الأموي وعلى حدّ قول الطبري، فقد اتفقت مضر واليمن وربيعة والعجم في بلخ على قتال المسودة (212).
إن مقاومة بلخ للدعوة العباسية ظاهرة مهمة وذلك لأنها ربما كانت من أول الأحداث السياسية التي تميط اللثام عن بعض أساليب الدعوة العباسية، فنحن نلاحظ أولاً بأن الدعوة أستغلت العصبية القبلية فنجحت حيث وجدت العصبية وفشلت في بلخ حيث كان العرب متحدين على اختلاف قبائلهم ومخلصين لواليهم الأموي، ثم إن هذه الحادثة تظهر ثانياً بأن الدعوة العباسية لم تكن فارسية موجهة ضد العرب ذلك لأن السكان المحليين الإيرانيين وقادتهم في بلخ وقفوا إلى جانب الأمويين ضد العباسيين. وقد قاتل الموالي مع العرب جنباً إلى جنب لاسترداد بلخ من المسودة، كما وأنها تكشف ثالثاً خطأ ما ذهب إليه بعض المؤرخين من أنه كان هنالك في إيران تذمر عميق ضد الحكم العربي الإسلامي الذي لم يعط الموالي حقهم. فلو كان الأمر كذلك لهبت خراسان وبلاد ما وراء النهر عن بكرة أبيها لتدعم حركة المسودة (213).
رابعاً : تعين قحطبة الطائي قائداً لجيش خراسان المتقدم نحو العراق :
صدرت أوامر إبراهيم الإمام قبل سجنه بتعيين قحطبة بن شبيب الطائي قائداً عاماً للجيش الخراساني المتقدم نحو العراق وبلاد الشام (214)، وكان ذلك بعد استقرار الأمور في خراسان لصالح العباسيين وكانت قيادة الدعوة تهدف من وراء هذا التعيين أمور جد خطيرة منها ألا يتجاوز أبو مسلم خراسان مهما كانت الأحوال، ومنها أن من المناسب أن يكون القائد العام لدخول العراق من أصول عربية، ونلاحظ بعد تولي أبي العباس الخلافة سارع إلى انتزاع القيادة من العسكريين المظفرين إلى أبناء البيت العباسي من الأخوة والأعمام (215).
وبعد خروج نصر بن سيار من مرو أخذ يتنقل بين المدن يتخذها مقراً له من سرخس، إلى قومس، إلى خوار الري، وينتهز الفرصة للانقضاض على أبي مسلم في مرو، ولما لم يتمكن من استرداد مرو كتب إلى ابن هبيرة مستنجداً فلم يجبه، ثم كتب إلى الخليفة مروان بن محمد، الذي كتب بدوره إلى ابن هبيرة، فأمده بثلاثة آلاف فارس، عليهم القائد ابن غطيف اليماني، فأخذ هذا القائد يتباطأ في سيره ويطيل في الطريق (216). وفي هذه الأثناء كان قحطبة بن شبيب الطائي يلحق الهزيمة تلو الآخري بجيش ابن هبيرة، وكانت آخر معركة لنصر بن سيار في خوار الري حيث اقتتل مع جيش الحسن بن قحطبة، وكاد يقتل لولا أن بعض جند العرب في جيش الحسن انضموا إلى صفوف نصر بن سيار، فهُزم جيش الحسن (217)، ولما لم يصل مدد ابن هبيرة ركب نصر بن سيار جواده وسلك المفازة بين الري وهمذان فمات في جبالها، في شهر المحرم سنة 131ﻫ.
(1) تصفيات في خراسان :
وبعد موت نصر بن سيار زعيم المضرية قضى أبو مسلم على علي بن جديع الكرماني زعيم اليمانية، الذي، كان له دور كبير في انتصار الثورة، ودخل مرو فاتحاً ثم قَّدمها لأبي مسلم، وقد قتل أبو مسلم علياً بن جديع وأتباعه (218)، كما قتل النقيب لاهز بن قريض التميمي بتهمة السماح لنصر بن سيار بالخروج من دار الإمارة، ولأنه كان يعارض تأمير أبي مسلم على الثورة، يوم مؤتمر مكة (219)، كما قتل أبو مسلم عبد الله بن معاوية الطالبي، الذي احتمى بجيش أبي مسلم بعد أن هرب أمام الجيش الأموي من أصبهان إلى خراسان، إما لأنه صاحب ثورة يخشى جانبه، أو لأنه من أصحاب أبي جعفر خصم أبي مسلم (220)، ثم بدأ أبو مسلم بمحاربة شيبان الحروري الذي رفض المبايعة للإمام العباسي، فاستطاع أن يدحره ويشتت شمله (221).
(2) الاتصالات المستمرة بين المراكز الثلاثة للثورة :
ولما سُجن إبراهيم الإمام في حران استمرت الاتصالات بين المراكز الثلاثة للثورة في الحميمة، والكوفة، وخراسان. ففي الحميمة كان أبو جعفر وأخوه عبد الله بن الحارثية وجماعة من أولاد علي بن عبد الله بن العباس، وكان أنشطهم أبو جعفر الذي كان يتصل إذا اقتضى الأمر بسجن حّران (222). أما في الكوفة فقد كاد النقيب أبو سلمة الخلال، وزير الدعوة، الذي ما إن سمع بمقتل إبراهيم الإمام حتى أخذ يبحث عن زعيم علوي يقلده أمر الدعوة إلا أنه فشل ويأتي الحديث عن ذلك عند دراستنا للدولة العباسية بإذن الله تعالى. وشهدت الحميمة مشاورات سرية حول من يخلف إبراهيم الإمام، إذا طرأ عليه طارئ في سجنه، ولا يُعرف مصير هذه المشاورات، فربما أوصى الإمام لأخيه عبد الله بن الحارثية، وقد تداخل الشك أبا مسلم حول صحة الوصية وربما أن العباسيين في الحميمة أجمعوا على عبد الله فعلاً، وربما لأنه الأكثر قبولاً عند أبي مسلم، أو لأن أخواله من العرب اليمانية، ومنهم عدد كبير من جيش الثورة، بما فيهم القائد الأعلى قحطبة بن شبيب الطائي ومجموعة من نقباء الدعوة خاصة سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وغيرهما (223).
(3) جيوش قحطبة الطائي تدخل العراق :
ما إن جاء عام 132ﻫ حتى كانت جيوش قحطبة الطائي تحتل خراسان بأجمعها مع البلاد التي حولها، بعد حروب شديدة، ثم اتجه قحطبة بجيش الثورة غرباً يريد العراق، فتحرك إليه الخليفة مروان بن محمد بعد أن أمر بقتل إبراهيم الإمام في سجنه واتجه إلى الموصل فنزل على نهر الزاب الكبير، وأمد عامله يزيد بن هبيرة بثلاثين ألف فارس لقتال قحطبة المتقدم إلى الكوفة، حيث التقي جيش ابن هبيرة مع جيش قحطبة قرب الفلوجة، على نهر الفرات وقتل في المعركة القائد قحطبة الطائي، ولكن ابنه الحسن بن قحطبة تولى القيادة، في حين اضطر ابن هبيرة للانسحاب نحو واسط (224)، ودخل الحسن بن قحطبة بجيشه الكوفة التي سيطر عليها محمد بن خالد القسري، ودعا الناس إلى بيعة الرضا من آل محمد (225).
(4) أبو سلمه الخلال يتولى إدارة الأمور :
أخرج محمد بن خالد القسري أبا سلمة الخلال من مخبئه، وأجلسه مجلس الإمارة، وقدم له الطاعة، ووضع الجيش تحت تصرفه، وأقام أبو سلمة معسكره في حمام أعين في ظاهر الكوفة، ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط ومعه ستة عشر قائداً، لحصار ابن هبيرة ولمنعه من الاتصال بالخليفة مروان ووجه الفرق والكتائب لفتح المدن العراقية؛ إذ بعث حميد بن قحطبة للمدائن ومعه اثنان من القادة مع جنودهما والمسيب بن زهير الضبي ومعه خالد بن برمك إلى دير قنىّ، وبسام بن إبراهيم إلى الأهواز، وشراحبيل إلى عين التمر، وسفيان بن معاوية المهلبي إلى البصرة (226)، وأقر أبو سلمة محمد بن خالد القسري على الكوفة (227). ثم وزع أبو سلمة عماله؛ فقد ولّى عمر بن الزيات حجابته، والمغيرة بن الريان ولاّه الخراج، ثم نقله إلى ديوان الرسائل، فيما ولّى يوسف بن ثابت ديوان الخراج، وعبد السلام بن عبد الرحمن الغامدي ولاّه الصوافي، والقطائع، والخزائن، وولىَّ أبا سلمى بيت المال، وأعطى الجند من ديوان بني العباس، وبعث عمال الخراج إلى الكور (228). كان أبو سلمة قد استقبل إخوة إبراهيم الإمام وأولاده وأعمامه خارج الكوفة وأدخلهم سراً – بعد سجن إبراهيم – وأخفى أمر مجيئهم عن الشيعة العباسية وقادة الجيش، وطلب منهم كتم أمرهم إلى أن يستتب الأمر في واسط لوجود جيش ابن المحاصر، وفي البصرة لوجود جيش أموي بقيادة سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي (229). ولكن حقيقة الأمر بالنسبة لإخفاء أمر العباسيين في الكوفة من قبل أبي سلمة الخلال، هو انتظار لنتائج اتصالاته السرية لأحفاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والتي جاءت مخيبة للآمال، فقد رد جعفر الصادق على أبي سلمة : إن صاحبكم بأرض الشراة، أما عبد الله بن الحسن فقد فكّر أن يسند الأمر إلى ابنه محمد بن عبد الله " النفس الزكية " ولكن الإمام جعفر الصادق نهاه عن ذلك لما شاوره (230).
خامساً : إعلان قيام الدولة العباسية :
بقى العباسيون في معزلهم بالكوفة مدة أربعين يوماً إلى أن علم بأمرهم بعض قادة الجيش في معسكر حمام أعين، وعلى رأسهم القائد أبو الجهم بن عطية ومعه من القادة موسى بن كعب التميمي وإبراهيم بن محمد الحميري، وأبو غالب عبد الحميد بن ربعي، وسلمة بن محمد، وعبد الله الطائي واسحاق بن إبراهيم، وشراحبيل، وعبد الله بن بسام وغيرهم، وجاءوا إلى العباسيين وبايعوا أبا العباس عبد الله بن الحارثية، وسلموا عليه بالخلافة في 12 ربيع الأول 132ﻫ ثم أخرجوه إلى منبر المسجد لإعلان خلافته، وتسمى أبو العباس بأمير المؤمنين بينما اتخذ أبو سلمة الخلال لقب وزير آل محمد (231)، وجاء في رواية : أن أبا سلمة الخلال عندما ما أراد إخراج الخليفة العباسي نزل إلى السَّرداب وصاح يا عبد الله، مُدَّ يدك، فتبارى إليه الإخوان. فقال أيُّكما الذي معه العلامة ؟ قال المنصور : فعلمت أني أخرت، لأني لم يكن معي علامة، فتلا أخي العلامة وهي : " ونريد أن نمن على اللذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ... " ( القصص : 5 ) فبايعه أبو سلمة وخرجوا جميعاً إلى جامع الكوفة، فبُويع وخطب الناس (232) فكان أول ما نطق به : (الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فكّرمه وشرّفه وعظمَّه واختاره لنا، وأيَّده بنا، وجعلنا أهله وكهفه والُقوَّام به والذَّابيَّن عنه، والناصرين له وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها خضَّابرحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته واشتقنَّا من نبعته ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يتلى عليهم فقال : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (الأحزاب: 33) وقال : " قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربي " (الشعراء : 214).
وقال : "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى" (الحشر، : 7). فأعلمهم الله عز وجل فضلنا وأوجب عليهم حقنا ومودَّتنا وأجزل من الفيء – والغنيمة نصيبنا، تكرمة لنا، وفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم وزعمت السَّبئيَّة الضلال أن غيرنا أحقُّ بالرَّياسة والسيَّاسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم بم ولم أيها الناس ؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم وبصَّرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وأتّم النَّقيصة، وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبرَّ ومواساة في ديناهم، وإخواناً على سُرُر متقابلين في أُخراهم، فتح الله ذلك مِنَّةً ومنحة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلما قبضه الله إليه قام بذلك الأمر من بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم، فحَوَوْا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها وخرجوا خِماصاً منها، ثم وثب بنو حرب ومرون فابتزوُّها وتداولوها، فجاروا فيها، واستأثروا بها وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه (233)، فلمّا آسفوه انتقم منهم بأيدينا، وردّ علينا حقَّنِا، وتدارك بنا أمَّتَنا وولى نصرنا والقيام بأمرنا؛ ليَمُنَّ بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا وإني لأرْجُو أن لا يأتيكم الجَور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصَّلاحُ، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله، يا أهل الكوفة، أنتم محلُّ محبَّتنا ومنزل مودَّتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السَّفَّاح الهائج والثائر المبير) (234)، وكان به وعك فاشتَّد عليه حتى جلس على المنبر ونهض عمُّه داود فقال : (الحمد لله شُكراً شُكراً شكراً الذي أهلك عدوَّنا، وأصار إلينا مِيراثنا من نبينَّا، أيها الناس الآن انقشعت أرْضُها وسماؤها وطلعت الشمس من مطلعها، وبزغ القمر من مبزعه ورجع الحقُّ إلى نصابه في أهل بيت نبيكم، أهل الرَّأفة والرّحمة بكم والعطف عليكم، أيها الناس، إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنُكثر لجُيناً (235) ولا عقيانا (236)، ولا لنحفر نهراً ولا لنبني قصراً، وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقَّنا والغضب لبني عمَّنا ولُسوءٍ سيرة بني أمية فيكم، واستذلالهم لكم واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم، فلكم علينا ذمة الله وذمة رسوله وذمّة العباس، أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل بكتاب الله، ونسير في العامّة منكم والخاصَّة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبَّاً تّبَاً لبني أمية وبني مروان؛ آثروا العاجلة على الآجلة والدارَ الفانية على الدار الباقية، فركبوا الآثام وظلموا الأنام، وارتكبوا المحارم وغشوا الجرائم وجاروا في سيرتهم في العباد وسُنَّتِهم في البلاد التي بها، استلذُّوا تسربل الأوزار، وتجلبُب الآصار، ومَرِحوا في أعنَّة المعاصي وركضوا في ميادين الغيَّ جهلا باستدراج الله، وأمنا لمكر الله، فأتاهم بأس الله بياتاً وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث، ومزَّقوا كل مُمَّزق، فبُعدا للقوم الظالمين وأدالنا (237)، الله من مروان، وقد غرَّه بالله الغرور، وأرسل لعدوَّ الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه أظن عدو الله أن لن نقدر عليه ؟ فنادى حزبه، وجمع مكايده، ورمى بكتائبه، فوجد أمامه ووراءه وعن يمنيه وشماله من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله ومحق ضلاله، وجعل دائرة السَّوءِ به وأحيا شرفنا وعِزنا وردَّ إلينا حقَّنا وإرثنا، ... فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية، فقد أبدلكم الله بمروان عدوَّ الرحمن وخليفة الشيطان، المُتَّبع للسَّفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد صلاحها، الشابَّ المتكهَّل المقتدى بسلفه الأبرار الأخيار، الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهُدى ومناهج التُّقى).
قال : فعجّ الناس له بالدعاء ثم قال : (وأعلموا يا أهل الكوفة أنه لم يصعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد هذا – وأشار بيده إلى السَّفَّاح – وأعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نُسلَّمه إلى عيسى ابن مريم عليه السلام والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا)، ثم نزل أبو العباس وداود حتى دخلا القصر ثم دخل الناس يُبايعون إلى العصر ثم من بعد العصر إلى الليل (238). وخرج أبو العباس يوم السبت من الكوفة إلى معسكره في " حمام أعين " مع الأمير أبي سلمة وجعل على حجابته عبد الله بن بسام، وجعل على الكوفة وأعمالها عمه داود بن علي (239)، وجهز أبو العباس جيشاً قوامه ثلاثون ألفاً لمواجهة جيش الخليفة مروان بن محمد بقيادة الخليفة نفسه في الموصل، وقد أسند أبو العباس قيادة هذا الجيش لعمه عبد الله بن علي ومعه يزيد بن عيسى بن موسى، فتحرك الجيشان للمواجهة فالتقيا على نهر الزاب الأكبر في معركة حاسمة (240).
سادساً : انتصار العباسيين على الأمويين في معركة الزاب : 132ﻫ .
قال تعالى " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " ( آل عمران ، أية : 26 ). حان وقت زوال ملك بني أمية وساق الله لذلك الأسباب ومنها الانهزام الكبير لجيوشهم في معركة الزاب، فقد تحركت جيوش العباسيين لملاقاة جيوش الدولة الأموية التي كان يقودها الخليفة الأموي مروان بن محمد الذي تخندق بين دجلة والزاب الكبير وكان جيشه مؤلفاً من أهل الشام، والجزيرة الفراتية على شكل كتائب منها الصحصحية، والراشدية، والمحمرة، والدوكانية، كما انضم إليه البدو وبعض قبائل الجزيرة. ولقد كانت القوات الأموية والعباسية بنفس العدد تقريباً بين 20000 – 24000 ألف جندي، على أنهم لم يكونوا بنفس الانسجام والقوة المعنوية التي تميز بها جند الدعوة العباسية، وقد عملت العصبية القبلية عملها في جيش مروان الذي كان يتكون في غالبيته من القبائل القيسية (241) وكانت المعركة يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة من سنة 132ﻫ فقال مروان لأهل الشام، قِفوا لا تبدءوهم بقتال، فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان – وهو ختن مروان على ابنته – فحمل فغضب مروان وشتمه فقاتل أهل الميمنة، ونودي في الجيش العباسي الأرض فنزل الناس وأشرعوا الرَّماح وجثوا على الرُّكب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام يتأخّرون، كأنما يُدفعون، وجعل عبد الله بن علي يمشي قدماً وهو يقول : ياربَّ حتى متى نقتل فيك ؟ ونادى يا أهل خُراسان، يالثارات إبراهيم يا محمد، يا منصورن واشتد القتال بين الناس جدَّاً. فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا : قل لبني سليم فلينزلوا. وأرسل إلى السكاسِكِ أن أحملوا. فقالوا : قل لبني عامر فليحملوا، فأرسل إلى السَّكون أن احِمْلوا. فقالوا : قل لغطفان فليحملوا. فقال لصاحب شرطته انزلْ : فقال لا والله لا أجعل نفسي غرضاً. قال : أما والله لأسوءَنك قال : وودت والله أنك قدرت على ذلك (242).
ثم انهزم أهل الشام واتَّبعهم أهل خُراسان في أدبارهم يقتلون ويأسرون، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قُتل، وقد أمر عبد الله بن علي بعقد الجسر واستخراج من هلك من الغرقى وجعل يتلو قوله تعالى : " وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون " ( البقرة : 50 ). وأقام عبد الله بن علي في موضع المعركة سبعة أيام وقد قال رجل من ولد سعيد بن العاص في مروان وفراره يومئذ :

لج الفرار بمروان فقلت لـــه *** عاد الظلوم ظَليماَّ هَمُّه الهَـرَبُ
أين الفِرار وترك الملك إذ ذهبت *** عنك الهُوين فلا دين ولا حسب
فراشة الحلم فرعون العقاب وإن *** تطلب نداه فكلب دونه كلـب

واحتاز عبد الله ما كان في معسكر مروان من الأموال والأمتعة والحواصل ولم يجد فيه امرأة سوى جارية كانت لعبد الله بن مروان، وكتب إلى أمير المؤمنين أبي العباس السَّفاح يخبره بما فتح الله عليه من النّصِر، وما حصل لهم من الأموال؛ فصلَّى السَّفَّاح ركعتين شكراً لله عز وجل، وأطلق لكلَّ من حضر الوقعة خمسمائة خمسمائة، ورفع في أرزاقهم وجعل يتلو (243) قوله تعالى : " فلما فصل طالوت بالجنود " ( البقرة : 249 ).
كانت هذه المعركة من المعارك الحاسمة فقد بدأت دولة جديدة هي دولة بني العباس، وأنهت دولة قديمة هي دولة بني أمية (244)لقد أرتكب مروان خطأ استراتيجياً كبيراً بعبوره إلى الساحل الأيسر من الزاب الكبير فبسبب ذلك فقد سيطرته وموقعه الحصين ولذلك خسر المعركة وانسحب باتجاه الموصل التي أغلقت أبوابها فاضطر إلى الانسحاب إلى الشام يتبعه عبد الله بن علي العباسي وقد حاول مروان أن يستنجد بالقبائل الشامية في قنسرين وحمص ولكنها لم تستجب له بل على العكس هاجمته لغرض سلب مؤنه وأرزاقه، ولم يستطيع مروان البقاء طويلاً في دمشق حيث انقسم الناس إلى قسمين بين مؤيد للأمويين ومعارض لهم، بل أقسمت بعض القبائل اليمانية يمين الولاء لبني هاشم، فتركها متجها نحو فلسطين فمصر (245)، وسيأتي الحديث عن مقتله بإذن الله تعالى. وقد حصد مروان الثاني ثمار سياسته القبلية باعتماده على قيس وأخذه الناس بالشك والشبهة حتى تفرقوا عنه وقال قولته المشهورة وهو يتراجع باتجاه مصر : انفرجت عني قيس انفراج الرأس ما تبقى منهم أحد وذلك أننا وضعنا الأمر في غير موضعه (246).
وأما دمشق فلم تستسلم أول الأمر لعبد الله بن علي وأعتصم أهلها وراء أسوار المدينة ولكن عبد الله دعى اليمانيين في المدينة وأغراهم ووعدهم خيراً قائلاً : إنكم وإخوانكم من ربيعة كنتم بخراسان شيعتنا وأنصارنا ... فانصرفوا وخلوا بيننا وبين مضر (247). فانضموا إليه ودخل الجيش العباسي مدينة دمشق (248).
(1) حصار واسط ومقتل ابن هبيرة :
أرسل أبو العباس أخاه أبا جعفر لقيادة الحصار المضروب على يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري الذي حصن نفسه في واسط ورفض الاقتراح بالهجوم على الكوفة، كما رفض الالتحاق بمروان الثاني وكان الحسن بن قحطبة قائداً للجيش الخراساني ولكن الخليفة رأى من الأفضل إرسال عباسي لقيادة الجيش وكتب رسالة إلى الحسن الطائي قائلاً : إن العسكر عسكرك والقواد قوادك ولكن أحببت أن يكون أخي حاضراً فاسمع له وأطع وأحسن مؤازرته (249) وكتب إلى أبي نصر مالك بن الهيثم بمثل ذلك، فكان الحسن المدبر لذلك العسكر بأمر أبي جعفر (250). وكان جيش ابن هبيرة كبيراً يتكون من الجند السوري الموجود في العراق ومن أهل خراسان الموالين لبني أمية ومن أهل العراق اليمانيين والقيسيين. على أن ضعفه كان بارزاً يتمثل في العصبية القبلية التي شقته فشلت حركته ولذلك لم يصمد مع ابن هبيرة على القتال إلا الصعاليك والفتيان وقد استطاع أبو جعفر أن يكسب اليمانية في واسط بإغرائهم قائلاً : السلطان سلطانكم والدولة دولتكم. فانشق زياد الحارثي مع اليمانية عن ابن هبيرة وجذب معه شيوخاً آخرين، ويظهر أن هؤلاء الشيوخ كانوا قد سئموا الأمويين وأملوا الخير العميم من دولة ( أهل البيت ) الجديدة (251). لقد دام الحصار حوالي 11 شهراً ولما يفكر ابن هبيرة بالاستسلام حتى سمع بنبأ نهاية مروان فلم يبق مبرر للمقاومة فجرت محادثات للصلح وأعطى أبو جعفر أمانا لابن هبيرة شاور فيه ابن هبيرة الفقهاء والعلماء أربعين يوماً حتى يرى نقاط الضعف والقوة فيه، ثم وافق عليه، وأرسله إلى أبي جعفر لأخذ موافقة الخليفة عليه وقد أورد ابن أعثم الكوفي نص الأمان. على أن السلطة العباسية لم تكن لتحتمل ذلك القائد والوالي ذا النفوذ القبلي الكبير والذي كان يعامل أبا جعفر وكأنه مساوياً له من حيث المنزلة وكان يحف به في ذهابه وإيابه 800 مقاتل بين فارس وراجل (252).
والواقع فإن أبا جعفر أراد أن يكسبه للدولة الجديدة فكان يقول : عجباً لمن يأمرني بقتل مثل هذا. كما أنه كان يستشيره فيشير إليه قائلاً : إن دولتكم هذه جديدة فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرراتها لتسرع محبتكم إلى قلوبهم ويعذب ذكركم على ألسنتهم (253)، على أن الخليفة أمر أبا جعفر بقتله لأسباب سياسية وتعددت الروايات التاريخية في أسباب قتله فمنهم من يذكر أنه كان بتحريض من أبي مسلم الذي كتب إلى الخليفة : أنه قلّ طريق سهل تلقى فيه حجارة إلا ضّر ذلك بأهله ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة (254) وقد تردد أبو جعفر في قتله وقال : لا أفعل وله في عنقي بيعة وأمان : فأجابه أبو العباس : والله لتقتلنه أو لأبعثن إليك من يخرجه من عندك ويتولى ذلك عنك (255) وواضح أن الخليفة رأي في ابن هبيرة خطرا على الدولة الجديدة ووافقه في ذلك أبو مسلم (256) قال الذهبي في مقتل ابن هبيرة .. فحاصره المنصور مدة ثم خدعه المنصور وآمنه، ونكث فدخلوا عليه داره فقتلوه صبراً وابنه داود ومماليكه وحاجبه، فسجد لله فنزلوا عليه فهبروه (257)، وكان بطلاً، شجاعاً، سائساً، جواداً، فصيحاً خطيباً (258)، وكان رزقه في السنة ست مائة ألف وكان يفرقها في العلماء والوجوه (259). وهكذا قضى العباسيون على جيب من الجيوب الأموية في العراق وسقطت مدينة واسط (260).
(2) استسلام البصرة :
اعتصم مسلم بن قتيبة الباهلي بالبصرة ودافع عنها بصفته الوالي الأموي وظل مسلمٌ فيها حتى علم بمقتل ابن هبيرة وحينئذ ترك البصرة إلى الحجاز وعين بدله أحد الهاشميين واليا على البصرة حيث استبدله أبو العباس سفيان المهلبي وبهذا سيطر العباسيون على البصرة، لقد استطاع العباسيون أن يقضوا على فلول الأمويين ومراكزهم الحصينة في العراق وبلاد الشام، وقضوا على آخر خلفائهم مروان الثاني (261).
سابعاً : مقتل مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين 132ﻫ
استولى عبد الله بن علي العباسي على الجزيرة والشام وهرب مروان بن محمد إلى مصر، فتبعته الجيوش العباسية وعبر مروان النيل فلحقه صالح بن علي عّم السَّفَّاح، فأدركه بقرية من قرى الفَيُّوم من أرض مصر يقال لها بُوصير (262)، فوافاه صائماً وقد قدّم له الفطور، فسمع الصائح فخرج وسيفه مصلت، فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجَّاج بن حكيم :


متقلَّدين صفائحاً هندية *** يتركن من ضربوا كأن لم يولد
وإذا دعوتهم ليوم كريهة *** وأفوك بين مكبر ومـــوحَّد


فقصدته الخيول من كل جانب (263)، وبقي يقاتل حتى قتل وكان من كلامه قبل أن يقتل : (إن الجزع لا يزيد في الأجل وإن الصبر لا ينقص الأجل) وكان يتمثل بهذين البيتين كما جاء في بعض الروايات :

ذلُّ الحياة وهــول الممات *** وكـــلاَّ آراه وخيماً وبيلا
فإن كان لا بـد من ميتة *** فسيري إلى الموت سيراً جميلاً (264)

وكان أهله وبناته في كنيسة هناك فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم، فأخُذ وسئل عن مراده فقال : إن مروان أمرني إذا تيقنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته فأرادوا قتله، فقال : إن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم – قالوا : فدلنا على ذلك إن كنت صادقاً، فخرج بهم إلى رمل هناك، فكشفوه فإذا فيه القضيب والبُرد والقَعبُ... فأخذوه وكان الذي تولى قتله عامر بن إسماعيل الخُراساني، وهو صاحب مقدمة صالح ولما قتله دخل بيته، وركب سريره، ودعا بعشائه، وجعل رأس مروان في حجر ابنته، وأقبل يوبخَها، فقالت له : يا عامر، إن دهراً أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتَّى تعشيت عشاءه لقد أبلغ في موعظتك، وعمل في إيقاظك وتنبيهك إن عقلت وفكرت، ثم قالت : وا أبتاه وا أمير المؤمنيناه، فأخذ عامراً الرُّعب من كلامها، وبلغ ذلك أبا العباس السَّفَّاح، فكتب إلى عامر يوبخَّه ويقول : أما في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده (265). وكان مروان بطلاً شجاعاً، ظالماً، أبيض، ضخم الهامة، ربعة، أشهل العين، كث اللحية أسرع إلى الشيب، ذكره المنصور مرّةً فقال : لله درُّه ما كان أحزمه وأسوسه، وأعفَّه عن الفي (266). وكان نقش خاتمه : أذكر الله يا غافل (267). وقد قيل : إن مروان قتل يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من ذي الحجَّة سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وقد جاوز الستين (268)وبموته زال ملك بني أمية، وجميع خلفاء بني أمية من لدن معاوية إلى مروان بن محمد أربعة عشر رجلاً، وكانت مدة خلافة بني أمية منُذ أن خلص الأمر لمعاوية، وإلى أن قتل مروان بن محمد إحدى وتسعين سنة وتسعة أشهر وخمسة (269) أيام منها – خلافة – ابن الزبير تسع سنين وعشرون يوماًثم تفرقت بنو أمية في البلاد هرباً بأنفسهم وهرب عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس وبايعه أهل الأندلس عام 138ﻫ (270)... لقد انقضت تلك السنون وأهلها، فكأنهم على ميعاد (271)وهكذا انتهت دولة بني أمية في المشرق التي عّمرت في الأرض عقوداً مديدة وأعواماً عديدة، وأقاموا فيها المدن المنيعة، والقصور الرفيعة، ولكن ذهبوا وتركوا كل ذلك، ولقد لحقتهم دول وشعوب وأمم وإليك هذا التصوير عن تلك النهايات التي فيها الدروس والعبر لمن ألقى السمع وهو شهيد قال الشاعر أبو العتاهية :


أين القرون الماضية *** تركوا المنازل خالية
فاستبدلت بهم ديارهم *** الرياح الهاوية
وتشتت عنها الجموع*** وفارقتها الغاشية
فإذا محل للوحوش
درجوا فما أبقت صروف *** الدهر منهم باقية
لم يبق بعدهم *** إلا العظام البالية (272)

قال تعالى : " لقد كان في قصصهم عبرة لأُولى الألباب .." ( يوسف ، آية : 111).


|1|2|


--------------------------------------------------------------------------------
(136) العلويون والعباسيون ودعوة آل البيت ص 83.
(137) المصدر نفسه ص 83.
(138) طبيعة الدعوة العباسية ص 83.
(139) أنساب الأشراف ( 3/125 ) الدعوة العباسية ص 236.
(140) أنساب الأشراف ( 3/260 ) الدعوة العباسية ص 236.
(141) مروج الذهب ( 3/260 ) الدعوة العباسية ص 236.
(142) الدعوة العباسية ص 236.
(143) تاريخ الطبري نقلاً عن العلويين والعباسيين ودعوة أهل البيت ص 84.
(144) العلويون والعباسيون ودعوة أهل البيت ص 84.
(145) سير أعلام النبلاء ( 6/48 ) .
(146) المصدر نفسه ( 6/48 ) .
(147) المصدر نفسه ( 6/49 ) .
(148) العلويون والعباسيون ودعوة إلى البيت ص 85.
(149) تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس ص 160 إلى 170.
(150) تاريخ الطبري ( 8/233 إلى 236 ).
(151) العلويون والعباسيون ودعوة آل البيت ص 85.
(152) تاريخ الطبري ( 8/198).
(153) تاريخ الطبري نقلاً عن العلويين والعباسيين ص 86.
(154) العلويون والعباسيون ودعوة آل البيت ص 86.
(155) الكامل في التاريخ ( 3/453 ) العلويون العباسيون ص 86.
(156) الكامل ( 3/453 ) العلويون والعباسيون ص 86.
(157) تاريخ الطبري ( 8/243 9 العلويون والعباسيون ص 87.
(158) العلويون والعباسيون ودعوة آل البيت ص 87.
(159) تاريخ الطبري نقلاً عن العلويين والعباسيين ص 87.
(160) الأخبار الطوال ص 352.
(161) العيون والحدائق ص 184.
(162) الثورة العباسية ص 124.
(163) المصدر نفسه ص 124.
(164) الثورة العباسية ص 122.
(165) الثورة العباسية ص 124.
(166) الثورة العباسية ص 124.
(167) الثورة العباسية ص 124.
(168) المصدر نفسه ص 124.
(169) المصدر نفسه ص 125.
(170) المصدر نفسه ص 125.
(171) المصدر نفسه ص 125.
(172) تاريخ الطبري ( 8/245 ) ، الثورة العباسية ص 125.
(173) الثورة العباسية ص 125.
(174) تاريخ الطبري ( 8/247 ).
(175) الثورة العباسية ص 131.
(176) تاريخ الطبري ( 8/246 ) .
(177) تاريخ الطبري ( 8/247 ) .
(178) السلطة والمعارضة في الإسلام ص 523 .
(179) أخبار الدولة العباسية ص 245.
(180) السلطة والمعارضة في الإسلام في 523.
(181) العلويون والعباسيون ص 88.
(182) البداية والنهاية ( 13/226 ) .
(183) المصدر نفسه ( 13/227 ) .
(184) الخدمة : حلقة القوم وجماعتهم.
(185) ألين : من قرى مرو على أسفل نهر خارقان معجم البلدان ( 1/66 ).
(186) البداية والنهاية ( 13/229 ) .
(187) البداية والنهاية ( 13/230 ) .
(188) الزندان : هما خشبتان يُستقدح بهما فالسفلى زندة والأعلى زند .
(189) البداية والنهاية ( 13/231 ) .
(190) المصدر نفسه ( 13/231 ) .
(191) الدعوة العباسية ص 208.
(192) الحجا : العقل والفطنة.
(193) تأشب : أي اجتمع إليه والتفَّ عليه من أخلاط الناس.
(194) العلوج : أ ي اجتمع إليه والتفَّ عليه من أخلاط الناس.
(195) أخبار الدولة العباسية ص 313 الدعوة العباسية ص 280 ، 281.
(196) الأخبار الطوال ص 332 ، الدعوة العباسية ص 281.
(197) الدعوة العباسية ص 281 ، أخبار الدولة العباسية ص 282.
(198) الاغتام : جمع أغتم ، وهو الذي لا يفصح ، أي العجمي .
(199) النائرة : الفتنة والشر والشحناء والعداوة .
(200) أخبار الدولة العباسية ص 290 الدعوة العباسية ص 282.
(201) الدعوة العباسية ص 283.
(202) الثورة العباسية ص 133.
(203) البداية والنهاية ( 13/248 ) .
(204) المصدر نفسه ( 13/247 ) .
(205) تاريخ بلاد الشام، بيضون ص 229.
(206) البداية والنهاية ( 13/248 ).
(207) تاريخ الطبري ( 8/339 ).
(208) الثورة العباسية ص 134 ، 135 ، 136.
(209) تاريخ الطبري ( 8/272 ) .
(210) المصدر نفسه ( 8/279 ).
(211) الثورة العباسية ص 137.
(212) الثورة العباسية ص 137 ، نقلاً عن تاريخ الطبري .
(213) الثورة العباسية ص 138.
(214) تاريخ الطبري نقلاً عن الثورة العباسية ص 144.
(215) العالم الإسلامي في العصر العباسي ص 49.
(216) الكامل في التاريخ ( 3/479 ) الجيش في العصر العباسي الأول ص 50.
(217) الكامل في التاريخ ( 3/479 ) .
(218) تاريخ الطبري ( 8/280 ) .
(219) تاريخ الطبري ( 8/279 ) الجيش في العصر العباسي ص 51.
(220) داهية العرب أبو جعفر المنصور ص 94.
(221) البداية والنهاية ( 13/235 ).
(222) الجيش في العصر العباسي الأول ص 51.
(223) المصدر نفسه ص 52.
(224) داهية العرب أبو جعفر المنصور ص 97.
(225) سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية ص 193.
(226) داهية العرب أبو جعفر المنصور ص 98.
(227) سقوط الدولة الأموية للثعالبي ص 194.
(228) تاريخ بلاد الشام ص 259.
(229) العصر العباسي الأول ، عبد العزيز الدوري ص 43.
(230) داهية العرب أبو جعفر المنصور ص 98 – 99.
(231) الجيش في العصر العباسي الأول ص 55 .
(232) سير أعلام النبلاء ( 6/78 ) .

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس