بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جدد ايمانك بالقرب من الله وتعظيم محبته ...
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين وإله المرسلين
وقيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ....
وبـــعـــد
الإنسان بفطرته محبٌّ وأسير لمن أسدى إليه إحسانًا،
ويكون الحب أشدَّ عندما تعظم النِّعم، وأعظم النِّعم:
النعم الباقيةُ التي لا تنفد ولا تبيد، ولا تُعَدُّ ولا تحصى،
وهذا النوع من النِّعم لا يجده البشر إلا في خزائن الله،
قال تعالى: {
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18].
ولقد عدَّ لنا القرآنُ كثيرًا من النِّعم على سبيل الإجمال في مواضعَ قليلةٍ،
وفصَّل في مواضعَ كثيرة؛ حتى يتركَ للقلوب والعقول مساحةً من التدبر والتفكر
في هذه النعم التي بدورِها تجدِّد الإيمان، وتزيده في القلب.
ومن أمثلة مواضع الإجمال قولُه تعالى: {
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]،
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما مواضع التفصيل، فمنها قوله تعالى:
{
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا
إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32- 34].
وقوله تعالى : {
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]. . .
إلى غير ذلك من الآيات، ويكفي في هذا الموضع سورةُ الرحمن، وسورة (النحل).
هذه النعم تستوجب الشكرَ، والشكر الحقيقيُّ يترجم في صورة عمل،
قال تعالى: {
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
وحبُّ الله من أعلى المنازل التي تحرِّك الإيمانَ في القلب، وتزيده قوة،
وهي رُوح الإيمان والأعمال، فإذا خلَتِ القلوبُ منها، فهي كالجسد الذي لا رُوح فيه،
يقول العلامة ابن القيِّم عن منزلة المحبة: "وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون،
وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شَمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون.
وبروح نسيمها تروَّح العابدون، فهي قُوتُ القلوب، وغذاء الأرواح، وقرَّةُ العيون،
وهي الحياةُ التي من حُرِمَها فهو من جملة الأموات،
والنورُ الذي من فَقده فهو في بحار الظلمات،
والشِّفاءُ الذي من عُدِمه حلَّت بقلبه جميعُ الأسقام،
واللذة التي من لم يظفر بها فعَيشُه كلُّه همومٌ وآلام..
وهي رُوح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال،
التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا رُوح فيه،
تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها،
وتوصلهم إلى منازلَ لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها،
وتبوِّئُهم من مقاعد الصدق مقاماتٍ لم يكونوا لولاها داخليها.
وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب،
وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب،
تالله لقد ذهب أهلُها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من معية محبوبهم أوفرُ نصيب،
وقد قضى الله يوم قدَّر مقاديرَ الخلائق بمشيئته وحكمتِه البالغة أن المرءَ مع من أحبَّ،
فيا لها من نعمةٍ على المحبين سابغة.. .
" (
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 3/ 7).
ـــ يتبــــــــــع ــ