مجالس العجمان الرسمي


مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 15-09-2006, 04:11 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
الحروب الصليبية

التسمية
سمي الصليبييون في النصوص العربية بالفرنجة او الافرنج وكانوا يسمون في الغرب بتسميات متعددة كمؤمني القديس بطرس (fideles Sancti Petri) او جنود المسيح (milites Christ)، ورأى من كان مندفعا بدافع الدين من الصليبيين انفسهم, على انهم حجاج ، واستخدم اسم "الحجاج المسلحين" لوصفهم في اشارة الى ان الحجيج لا يحمل السلاح في العادة .وكان الصليبيون ينذرون او يقسمون ان يصلوا الى القدس ويحصلوا على صليب من قماش يخاط الى ملابسهم ، واصبح اخذ هذا الصليب إشارة الى مجمل الرحلة التي يقوم بها كل صليبي .

وفي العصور الوسطى كان يشار الى هذه الحروب عند الاوروبيين بمصطلحات تقابل الترحال والطواف والتجوب (peregrinatio)والطريق الى الارض المقدسة (iter in terram sanctam) وظهر مصطلح "الحرب الصليبية" او "الحملة الصليبية" على ما يبدو اول ما ظهر في بحث لمؤرخ بلاط لويس التاسع عشر ، لويس ممبور سنة 1675.


السياق التاريخي
جاءت بداية الحروب الصليبية في فترة كانت فيها اوروبا قد تنصرت بالكامل تقريبا بعد اعتناق الفايكينج والسلاف والمجر للمسيحية .فكانت طبقة المحاربين الاوروبيين قد اصبحوا بلا عدو لقتاله ، فاصبحوا ينشرون الرعب بين السكان ، وتحولوا الى السرقة وقطع الطرق والقتال في ما بينهم ، فكان من الكنيسة ان حاولت التخفيف بمنع ذلك ضد جماعات معينة في فترات معينة من اجل السيطرة على حالة الفوضى القائمة .وفي ذات الوقت افسح المجال للاوربيين للاهتمام بموضوع الارض المقدسة التي سيطر عليها المسلمون منذ عدة قرون ولم يتسن للاوربيين الالتفات لها لانشغالهم بالحروب ضد غير المسيحيين من الفايكنج والمجريين الذين كانوا يشكلون المشكلة الاقرب جغرافيا سابقا ، وكذلك بدأت الكنيسة تلعب دورا في الحرب الاستردادية في اسبانيا ، حيث قام البابا الكسندر الثاني عام 1063 بمباركة المحاربين الذاهبين الى الاندلس ، الامر الذي لعب دورا كبيرا في تكوين فكرة الحرب المقدسة.

كذلك كانت جذور الفكرة الصليبية قد بدأت بالظهور عندما بدا ان المسلمين يضطهدون المسيحيين في الديار المقدسة عندما هدمت احدى الكنائس في القدس ، وان كان قد اعيد بناؤها فيما بعد. وفي هذه الظروف التاريخية ، كان شن حروب الى ما وراء البحار باسم هداية الناس الى الطريق الصحيح والدفاع عن الاخوة في الارض المقدسة فكرة لاقت ترحيبا في صفوف الاوروبيين.

دوافعها

الدوافع الدينية
كانت دعوة الباباوية للحروب الصليبية التي بدأها البابا اوربان الثاني في نوفمبر 1095 بعقده مجمعا لرجال الدين في مدينة كليرمون فران الفرنسية ، وكان الكثير من الحملات قد بررت بتطبيق "ارادة الرب" عن طريق الحج الى الارض المقدسة للتكفير عن الخطايا ، وكانت الدعوات تروي عن اضطهاد الحكم الاسلامي للمسيحيين في الارض المقدسة وتدعو الى تحريرهم ، وتراجعت هذه الدوافع الدينية مع مرور الوقت لتصل الى حد تدمير مدينة القسطنطينية المسيحية الشرقية في الحملة الصليبية الأولي و الرابعةغلي أيدي الصليبيين أنفسهم .

الدوافع الاجتماعية
كان قانون الارث المطبق في اوروبا ينص على ان يرث الابن الاكبر عقارات والده وعبيده بعد موته ، وتوزع المنقولات بين ابنائه ، وبسبب هذا القانون نشأت طبقة من النبلاء او الاسياد الذين لم يكونوا يملكون اقطاعيات ، فشاعت بينهم القاب مثل "بلا ارض" و"المعدم" دلالة على عدم ملكيتهم لقطعة ارض ، ورأى الكثير من هؤلاء فرصتهم في الحملات الصليبية للحصول على اراض في الشرق ، ورأى آخرون فيها فرصة لتوسيع املاكهم بضم املاك جديدة ، كما كان الفقراء يجدون فيها فرصة لحياة جديدة افضل ووسيلة تخرجهم من حياة العبودية التي كانوا يعيشونها في ظل نظام الاقطاع السائد في ذلك الوقت.


العلاقة مع الإسلام
كانت العلاقات الخارجية لاوروبا مع المد الإسلامي لا تبعث على الطمأنينة .فالمسلمون الذين كانوا قد قاتلوا البيزنطيين منذ القرن السابع الميلادي قد وصلوا الى جبال البيرينية في شمال اسبانيا وجنوب فرنسا بعد ان سيطروا على شمال افريقيا ، فكانت المناطق الاوروبية المتاخمة لحدود دولة الأندلس الاسلامية بشبه جزيرة إيبيريا وجزيرة صقلية تشعر بتهديد السيطرة الإسلامية عليها مما ساهم في تجنيد الاوروبيين بدافع الحماية والدفاع عن مناطقهم.

[تحرير]
التوترات بين روما والقسطنطينة
رأت البابوية في السيطرة على الارض المقدسة دعما كبيرا لنفوذها ، كما رأت ايضا , في السيطرة على الكنيسة الشرقية بالقسطنطينية وسيلة لاعادة توحيد الكنيسة تحت ظلال البابوية ، ولعبت العوامل الاقتصادية والتنافسية دورا بدا واضحا في الحملة الصليبية الرابعة. مما أدي الى التضاؤل المستمر في دفاع الصليبيين عن الامبراطورية البيزنطية.

الحملات الرئيسية
يصعب الفصل بين الاحداث التي وقعت في فترة الحروب الصليبية . لكن المؤرخين يقسمون الحملات الصليبية الى الحملات التالية:

حملة الفقراء أو حملة الشعب
للمقال الكامل راجع حملة الفقراء

حملة قام بها الفقراء والاقنان وجمهور قليل من الفرسان ، حيث كان الوعد الكنسي بالخلاص والفوز بالغنائم سببا مقنعا لمغادرة حياتهم البائسة والتوجه الى تحرير القدس. وهذه الحملة قادها بطرس الناسك حتى وصولها إلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزطية. وكانت الجموع تندفع دون توقف ودون انتظار أوامر القيادة، خلفت وراءها خرابا ونهبا في المجروالصرب واليونان وآسيا الصغري، حتى سحقتهم قوات السلاجقة الأتراك في 21 أكتوبر عام 1096 م. وكان عدد الصليبيين 25 ألف رجل.

الحملة الاولى

الحرب الصليبية الاولى و الحرب الصليبية الثانية[1]تحركت في اغسطس عام 1096 من اللورين ,طوابير قادها غودفري دي بويون الرابع , وانضم اليها اتباعه (اخوه الاكبر الكونت يفتسافي من بولون واخوه الاصغر بودوان من بولون ايضا ، كما انضم بودوان له بورغ ابن عم غودفري ، والكونت بودوان من اينو والكونت رينو من تول) على اثر الدعوة التي انطلقت لها حملة الفقراء ، مشت هذه الفصائل على طريق الراين-الدانوب التي سارت عليها قبلهم فصائل الفلاحين الفقراء. حتي وصلت القسطنطينية نهاية عام 1096 .

واسفرت الحملة الاولى عن احتلال القدس عام 1099 وقيام مملكة القدس اللاتينية بالاضافة الى عدّة مناطق حكم صليبية اخرى ,كالرها(اديسا) وامارة انطاكية وطرابلس بالشام .

ولعبت الخلافات بين حكام المسلمين المحليين دورا كبيرا في الهزيمة التي تعرضوا لها ، كالخلافات بين الفاطميين بالقاهرة ,والسلاجقة الأتراك بنيقية بالأناضول وقتها .وباءت المحاولات لطرد الصليبيين بالفشل كمحاولة الوزير الافضل الفاطمي الذي وصل عسقلان ولكنه فر بعدها امام الجحافل الصليبية التي استكملت السيطرة على بعض البلاد الشامية والفلسطينية بعدها.

الحملة الثانية
مقالة رئيسية: حملة صليبية ثانية

بدأت الحملة الثانية عام 1147 وانتهت عام 1149 . وكانت قد أعقبت فترة من الهدوء ، دعا اليها برنارد دي كليرفو ، وكان قادتها لويس السابع ملك فرنسا وكونراد الثالث هوهنشتاوفن امبراطور الجرمان(المانيا) ، وهي اول حملة يشترك فيها الملوك ، تعرضت فيها الجحافل الالمانية لضربة قوية تمثلت في الجوع والمرض بعد هزيمة لحقت بها امام فصائل الخيالة التابعة لسلطان قونية السلجوقي جوار ضورليوم ، كما منيت القوات الفرنسية بهزيمة خطرة بجوار خونة . انهك السلاجقة الصليبيين بغاراتهم المتواصلة. وفي 24 يونيو 1147 تلاقى لويس السابع وكونراد الثالث ووصية العرش ميليساندا مع اعيان القدس . ومضوا لحصار دمشق الحصينة ، لان فتحها كان يبشر بغنائم وفيرة .دام الحصار خمسة ايام (من 23 الى 27 يوليو ). لكنه فشل . و تخلي ملك القدس بودوان وبارون طبرية عن مطلبهما بعد تدهور موقعهم العسكري بسبب مناورة عسكرية أو لعله برشوة قدمها لهما الوزير الدمشقي معين الدين نور.

في 4 يوليو 1187 وقعت معركة حطين التاريخية والمحورية . حيث انتصر فيها السلطان صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر . فحرر القدس في 2 اكتوبر 1187 ، الامر الذي دفع بالبابا غريغوريوس الثامن الى الدعوة الى حملة صليبية جديدة.


الحملة الثالثة
للمقال الكامل اقرأ الحملة الصليبية الثالثة

دعا اليها البابا غريغوريوس الثامن ، عام 1187 ردا علي استرداد صلاح الدين للقدس وعودتها للمسلمين .وقاد الجيوش الصليبية ملك فرنسا فيليب اوغست الثاني ، وملك انجلترا ريتشارد الاول الذي كان يلقب برتشارد قلب الاسد ، وملك الجرمان (المانيا) فريدريك الاول برباروسا . لكن برباروسا غرق في 1190 في نهر اللامس . فتشردت صفوف قواته .اما الفرنسيون والانجليز ، فلم ينتهوا من الاستعداد للحملة حتى 1190 ، وفي الطريق عمل ريتشارد الاول على توسيع نفوذه في صقلية مما وتر العلاقات مع الملك الفرنسي واضعف التحالف بينهما.

قام الصليبيون بحصار عكا التي استسلمت في 12 يونيو 1191 . وغادر فيليب عائدا الى فرنسا ، وجرت مذبحة بأمر ريتشارد وتحت قيادته في عكا . بعدها تمت محاولاته لاحتلال مدن اخرى .لكنها باءت كلها بالفشل ، وفي عام 1192 .عقد الصلح مع صلاح الدين ، واحتفظ الصليبيون بشريط ساحلي يمتد من صور الى يافا ، وسمح صلاح الدين للحجاج والتجار بزيارة مدينة القدس والأماكن المقدسة .

الحملة الرابعة
للمقال الكامل اقرأ الحملة الصليبية الرابعة

دعا اليها البابا اينوقنتيوس الثالث في 1202 . وكانت خطة الصليبيين الاولية تتلخص في دفع القوات الى مصر, لضرب القوة الاسلامية الكبري في المنطقة .ثم شن الحرب منها باتجاه القدس .لكن البندقيين الذين تولوا امر توجيه وتوفير وسائل النقل والغذاء للحملة مقابل 85 الف مارك ذهبي ، اثّروا في مسار الحملة ووجهوها الى القسطنطينية عمدا . لأن الصليبيين لم يوفروا المبلغ المتفق عليه . واسفرت الحملة عن تخريب وتدمير القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ومركز الثقافة الإغريقية العريقة ، ولم تتخذ البابوية اجراءات فعلية تجاه هذا الحدث . وكانت تلك الحملة تمثل انحطاط الحملات الصليبية التي اصبحت فيما بعد بحاجة الى تبرير مقنع , بعدما كانت امرا الهيا باسم الكنيسة.

الحملات الطفولية
للمقال الكامل انظر الحملات الصليبية الطفولية

حدثت في حدود عام 1212 وكانت هذه الحركة شبيهة بحملة الفقراء الأولى قبل 1096م ، يختلف حولها المؤرخون لقلة ما كتب عنها.

يرى بعض المؤرخين ان هاتين الحملتين لم تكونا سوى جموعا من الاقنان والفقراء الذين استاءوا من الفشل الذي لاقته الحملات السابقة بقيادة الاسياد ، وان تسميتهم بالحملة الطفولية او حملة الاطفال جاءت كاستعارة صورية لهذه الجموع .ولم تكن ترتبط حقيقة بكون المشاركين فيها من الاطفال . لكنها تصوير لفظي اصبح فيما بعد وهما تاريخيا . ويرى البعض من المؤرخين انها كانت حملتين اشترك فيها اعداد كبيرة من الاطفال ,وان لم تقتصر عليهم.

مات العديد من المشاركين بسبب الجوع والظروف القاسية ، وتفرقت الجموع وركب بعضهم السفن فوقعوا في ايدي القراصنة وبيعوا كعبيد في اسواق النخاسةز ولم يصل المشاركون في اي من الحملتين الى الارض المقدسة.


الحملة الخامسة
للمقال الكامل انظر الحملة الصليبية الخامسة

سعى البابا اينوشنتيوس الثالث الى بدء حملة صليبية جديدة عام 1213 . فبدأ بحملة وعظ دامت حتى انعقاد المجمع اللاتيني الرابع عام 1215 الذي اتخذ سلسلة من الاجراءات التي تتعلق بتنظيم الحملات الصليبية . تحركت قوات مجرية وجنوب المانية بقيادة اندارش الثاني وقوات نمساوية .ووصلت الى عكا .وتوقفت هناك حتى انضمت اليها قوات المانية وهولندية . فتوجهوا الى مدينة دمياط في شمال شرق الدلتا بمصر علي النيل . واستولوا عليها عام 1219 . وتحت الحاح نائب البابا اونوريوس الثالث والقاصد الرسولي بيلاجيوس استكمل الهجوم نحو المنصورة .وفي ذلك الوقت بالذات بدأ فيضان النيل.وفتح المصريون السد علي النهر . وقطع المسلمون طريق التراجع على الصليبيين .وحاصرت قوات المسلمين الصليبيين باعداد كبيرة .وغرق المئات بمياه الفيضان . وأسر الملك لويس التاسع بدار إبن لقمان بالمنثورة فطلب الصليبييون الصلح واطلاق سراح الملك لويس .وقبلت الملكة شجر الدر زوجة السلطان الكامل الأيوبي الصلح ادراكا منها بخطر المغول في المشرق . وكان الكامل قد مات ليلة معركة المنصورة ووقع الصلح في 30 اغسطس 1221 لمدة 8 سنوات ، وكان على الصليبيين مغادرة دمياط ، ونفذوا ذلك في اوائل سبتمبر من نفس العام ومنيت الحملة الصليبية الخامسة بالفشل الذريع.

الحملة السادسة
للمقالة الكاملة إقرأ الحملة الصليبية السادسة

قادها الامبراطور فريدريك الثاني هوهنشتاوفن الالماني الذي اراد ان يحقق مقاصده دون ان يسحب سيفه من غمده في صيف 1228 ، ولم تحظ هذه الحملة بمباركة البابوية بل حرم الامبراطور من الكنيسة لتأخره في تنفيذ نذره بأخذ الصليب .تفاوض فيها فريدريك مع السلطان الكامل مما اسفر في فبراير 1229 عن صلح لمدة 10 سنوات تنازل بمقابله السلطان عن القدس باستتثناء منطقة الحرم ، وبيت لحم والناصرة وقسم من دائرة صيدا وطورون (تبنين حاليا) وكانت الحملة الاولى التي لا تبارك انطلاقها البابوية.

الحملة السابعة
للمقالة الكاملة اقرأ الحملة الصليبية السابعة

كان الهزيمة التي لحقت بقصائل الصليبيين عام 1244 وخسارتهم التامة للقدس ادت الى ترتيب الحملة الصليبية السابعة ، فقادها الملك الفرنسي لويس التاسع وتوجه بها الى مصر واستمرت الحملة بين عامي 1248 و1254 ، فسيطروا في البدء على دمياط ثم المنصورة ، ولكن المسلمين بقيادة الملك المعظم طوران شاه نجحوا في تدمير قواتهم وفي حصر بقاياها في المنصورة حتى استسلموا ، ووقع لويس في الاسر حتى تم فديه عام 1250 فعاد الى عكا وبقي فيها 4 سنوات قبل العودة الى فرنسا بخفي حنين.


الحملة الثامنة
للمقالة الكاملة إقرأ الحملة الصليبية الثامنة

انطلق في هذه الحملة لويس التاسع ملك فرنسا في عام 1270 بعد حوالي 3 سنوات من التأخير ، وقد قام بها عدد قليل من البارونات والفرسان الفرنسيون ، اذ ان فشل الحملات الجلي وانحطاط سمعتها صدهم عنها ، حتى ان مؤرخ سيرة حياة لويس التاسع الذي رافقه في حملته السابقة رفض الانضمام اليه هذه المرة ، ويروي هذا المؤرخ ان نبأ الحملة الجديدة كان مفاجئا للغاية بالنسبة له شخصيا وبالنسبة للاشخاص الآخرين المقربين من الملك ، وانه اذهل البارونات ، وكانت المعارضة مجمع عليها تقريبا واضطر الملك الى شراء حماسة الاسياد بالمال ، ونذر مع الملك النذر الصليبي ابناءه الثلاثة وبعض تابعي الملك الآخرين ، واتفق على ان توجه الحملة نحو تونس.

بدأت المفاوضات مع المستنصر امير تونس ولما نزل الصليبيون في تونس وصلت المفاوضات الى طريق مسدود ، وعندها انضم شارل الاول كونت انجو ، الاخ الاصغر للويس وملك مملكة نابولي. واستولوا على قلعة قرطاجا القديمة ، ولكن وباء دب في صفوف الفرسان ، وتوفي على اثره الملك وافراد العائلة المالكة المرافقة باستثناء فيليب الابن البكر للملك الذي شفي ، وفي نفس يوم وفاة الملك وهو 25 اغسطس 1270 وصل اخاه شارل الاول ، وخاضت قواته برفقة قوات لويس بقيادة خلفه فيليب بضع معارك ناجحة ضد قوات أمير تونس ، وفي اول نوفمبر 1270 وقعت معاهدة صلح مع المستنصر الزمته بدفع جزية مضاعفة الى ملك الصقليتيين ، كما شملت حقوقا تجارية متبادلة ، وبعد 17 يوما من التوقيع ، ركب الصليبييون السفن وغادرو تونس.

وقد حدثت حملات صليبية اخرى غير رئيسية منها:

الحملة على الهراطقة الالبيجيين في جنوب فرنسا بين عام 1209 و 1229 ،
الحملة الصليبية على الاسكندرية بين عامي 1365 و 1369 بقيادة الملك بطرس الاول ملك قبرص ،
حملة نيقيا عام 1396 ،
وفي القرن الرابع عشر حدث اكنر من 50 حملة ضد البروسيين الهادينيشيين ومدينة ليتاور نظمها الحاكمون في مناطق ألمانيا ، وفي القرن الخامس عشر حدثت 4 حملات صليبية ضد الهوسيين التشيكيين ، ومن 1443 الى 1444 حدثت آخر حملة صليبية ضد الامبراطورية العثمانية.

تأثيرات الحملات الصليبية
كان للحملات الصليبية تأثير كبير على اوروبا في العصور الوسطى ، في وقت كان السواد الاعظم من القارة موحدا تحت راية البابوية القوية ، ولكن بحلول القرن الرابع عشر الميلادي ، تفتت المبدأ القديم للمسيحية ، وبدأ تطور البيروقراطيات المركزية التي شكلت فيما بعد شكل الدولة القومية الحديثة في انجلترا وفرنسا والمانيا وغيرها.

كان تأثر الاوروبيين بالحضارة العربية والاسلامية كبيرا في فترة الحروب الصليبية ، ولكن يرى العديد من المؤرخين ان التأثير الاعظم وانتقال المعارف الطبية والمعمارية والعلمية الاخرى كان قد حدث في مناطق التبادل الثقافي والتجاري التي كانت في حالة سلام مع الولايات الاسلامية ، مثل الدولة النورمانية في جنوب ايطاليا ومناطق التداخل العربي- الاسلامي مع اوروبا في الاندلس ومدن الازدهار التجاري في حوض المتوسط كالبندقية وجنوه والاسكندرية ، ولكن ما من شك بتأثر الاوروبين بالعرب خلال الحملات الصليبية ايضا ، فكان تطور بناء القلاع الاوربية لتصبح ابنية حجرية ضخمة كما هي القلاع في الشرق بدلا من الابنية الخشبية البسيطة التي كانت في السابق ، كما ساهمت الحملات الصليبية في انشاء المدن- الدول في ايطاليا التي استفادت منذ البدء من العلاقات التجارية والمبادلات الثقافية مع الممالك الصليبية والمدن الاسلامية.

وكان للحملات الصليبية اثارا دموية ، فبالاضافة الى سفك الدماء في الحروب في الشرق ، كانت الاقليات من غير المؤمنين تعاني الامرين ، فكان الهراطقة الالبيجيين في جنوب فرنسا واليهود في المانيا وهنغاريا قد تعرضوا لمذابح بوصفهم "كفرة" او "قتلة المسيح" ، وادى ذلك الى تنمية التمييز العرقي بين شعوب اوروبا الذي كان تكتل اليهود في اوروبا وعزلهم من نتائجه ، الامر الذي الهم فيما بعد الفكر النازي والفاشي في فترة مراهقة الدول القومية في اوروبا.

الحروب الصليبية في الذاكرة الانسانية
ترى الشعوب التي تم السيطرة عليها من قبل الصليبيين اثناء الحروب الصليبية على انها كانت شكل استعماري وفترة قمع وتأخر ، ويرى المسلمون في شخصيات كصلاح الدين والظاهر بيبرس ابطالا محررين ، وكذلك يرى الاوروبيون الشخصيات المشاركة في الحروب الصليبية ابطالا مغامرين محاطين بهالة من القداسة ، فيعتبر لويس التاسع قديسا ويمثل صورة المؤمن الخالص في فرنسا ، ويعتبر ريتشارد قلب الاسد ملك صليبي نموذجي ، وكذلك فريدريك بربروسا في الثقافة الالمانية.

كما ينظر إلى مسمى حملة صليبية في عديد من الثقافات الغربية نظرة إيجابية على أنه حملة لأجل الخير أو لهدف سامي ويعمم المصطلح أحيانا ليتخطى الإطار الديني، فقد ترد عبارات كـ"بدأ فلان حملة صليبية لإطعام الجياع"، كما استخدم المصطلح من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش لوصف ما أسماه الحرب على الإرهاب في 16 سبتمبر 2001 في عبارة مثيرة للجدل "This crusade, this war on terrorism is going to take a while." أي "هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب سيستلزمها وقت."[2]

مراجع
الحملات الصليبية من الموسوعة الانجليزية
الحملات الصليبية من الموسوعة الالمانية
الصليبيون في الشرق - ميخائيل زابوروف - دار التقدم / موسكو 1986
الحروب الصليبية كما رآها العرب،أمين معلوف

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-09-2006, 04:13 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الحروب الصليبية.. حملة الرعاع

(في ذكرى تجمعها: 21 من شعبان 489هـ)

أحمد تمام



أوربان الثاني يستنفر الرعاع

شهدت مدينة "كليرومونت" الفرنسية حدثًا خطيرًا في (26 من ذي القعدة 488هـ = 27 من نوفمبر 1095م) كان نقطة البداية للحروب الصليبية؛ حيث وقف البابا "أوربان الثاني" في جمع حاشد من الناس يدعو أمراء أوروبا إلى شنّ حرب مقدسة من أجل المسيح، وخاطب الحاضرين بلغة مؤثرة تكوسها الحماسة ودعاهم إلى تخليص الأرض المقدسة من سيطرة المسلمين، ونجدة إخوانهم في الشرق، ودعا المسيحيين في غرب أوروبا إلى ترك الحروب والمشاحنات، وتوحيد جهودهم إلى قتال المسلمين في الشرق.

وكي يُقبل الناس على الاشتراك في هذه الحروب وعدهم البابا بمنح الغفران لكل من يشترك في هذه الحرب، وتعهد بأن الكنيسة ستبسط حمايتها على أسر المحاربين وأمتعتهم؛ فلا تتعرض زوجاتهم أو أطفالهم أو أملاكهم لأية أخطار، وقد لقيت خطبة "أوربان" الحماسية بما انطوت عليه من امتيازات ومكاسب دينية ودنيوية – استجابة هائلة على الفور من الحاضرين، وأيقظت في نفوسهم روح المغامرة والكسب؛ فصاحوا جميعًا صيحة مدوية هزت أرجاء الفضاء قائلين: "هذه مشيئة الله"، وكانت هذه الصيحة المشئومة إيذانا بفتح أول صفحة في كتاب "الحروب الصليبية"، وبداية صراع دام عدة قرون.

أول متطوع في الحروب الصليبية

ولم يكد البابا "أوربان الثاني" يفرغ من خطبته التي دعا فيها إلى محاربة المسلمين حتى جثا "أدهمار" أسقف بوي أمام قدمي البابا، راجيًا أن يكون له شرف المساهمة في تلك الحرب المقدسة، وبذلك افتتح هذا الأسقف قائمة المتطوعين التي لم تتوقف بعد ذلك، واختاره البابا ليكون مندوبًا عنه يقود الصليبيين في رحلتهم إلى المشرق، إشارة بأن تلك الحروب إنما تتم تحت إشراف الكنيسة وهيمنتها.

وأمر البابا رجال الكنيسة الذين كانوا يحضرون خطبته أن يعودوا إلى بلادهم، ويبشروا بالحروب الصليبية، وعهد إلى أحد رؤساء الأديرة بأن يدعو إلى الحرب في "نورمانديا" و"إنجلترا"، وبعث بأسقفين إلى "جنوة" لإثارة حماس أهلها، وحدد البابا الخامس عشر من أغسطس من سنة 1096م (وهو يوافق 21 من شعبان 488) موعدًا لرحيل الحملة إلى الشرق؛ حيث تكون المحاصيل قد جُمعت، ويكون التجمع واللقاء في مدينة القسطنطينية الحصينة.

ولم تلبث دعوة البابا أن لقيت رواجًا وانتشارًا في أوروبا، وتأثر بها العامة والدهماء، وراودتهم أحلامهم في حياة ينعمون فيها بالرخاء في الشرق، متأثرين بما يروجه رجال الكنيسة، وسرعان ما تكونت حركة شعبية ارتبطت باسم "بطرس الناسك".

بطرس الناسك

يذكر المؤرخون أن بطرس الناسك كان رجلا قصير القامة، أسمر اللون، يمشى حافي القدمين، مرتديا ملابس رثة، وكان راهبًا هجر الدير بتكليف من البابا؛ لكي يقوم بالدعوة إلى الحملة الصليبية، فطاف بمختلف أقاليم فرنسا بهيئته المزرية داعيا إلى حملة البابا، وفي كل مكان يحل به كان يسحر ألباب الناس، ويخلب أفئدتهم ببيانه الساحر وفصاحته حتى تجمع حوله أعداد هائلة من الأتباع، بلغوا خمسة عشر ألفًا، منهم فلاحون وأهل مدن، وفئات من صغار النبلاء، وبعض المجرمين وقطاع الطرق، ولم يكن يجمع هؤلاء الشراذم إلا الحماسة والرغبة في قتال المسلمين، والاستيلاء على الأرض.

لم تصبر هذه الجموع الغوغاء حتى موعد الرحيل الذي حدده البابا للحملة، ولم تفلح محاولات البابا في إثنائهم عن الرحيل، ولم تجد دعوته استجابة من هؤلاء الغوغاء، ولم تستطع اللوائح التي وضعها "أوربان" علاج الموقف.

وتحركت هذه الجموع تحمل محاصيلهم فوق عربات ثقيلة تجرها الثيران، وفي صحبتهم الزوجات والأطفال، حتى وصلوا "كولونيا" في (15 من ربيع الآخر 489هـ= 12 من إبريل 1096م)، وظلوا بها فترة من الوقت يتزودون بالمؤن، ويتقوون بانضمام الألمان إليهم حتى تضاعف عددهم.

والتر المفلس

وفي الوقت الذي كان فيه بطرس الناسك ماضيا في دعوته في الغرب الأوروبي ظهر زعيم آخر من زعماء العامة اسمه "والتر المفلس"، التف حوله بعض الناس، وعبر بهم أرض "هنغاريا" ثم أراضي الدولة البيزنطية، وطوال الطريق كانوا ينهبون ويسلبون ويعتدون على الأهالي حتى بلغوا القسطنطينية في (رمضان 489هـ = يوليو 1096) وسمح لهم الإمبراطور البيزنطي ألكسويس كوفين بالانتظار خارج أسوار العاصمة حتى وصول "بطرس الناسك".

الطريق إلى القسطنطينية

غادر بطرس الناسك "كولونيا" في (23 من ربيع الآخر 489هـ = 2 من إبريل 1096م) متجها إلى المجر، على رأس حشوده الجرارة من الغوغاء والدهماء، وأثناء عبورهم المجر عند بلدة "سملين"، وقع خلاف بين المجر وجنود الحملة بسبب الحصول على المؤن، وتطور الخلاف إلى مذبحة ارتكبها الصليبيون أسفرت عن مقتل أربعة آلاف من أهل المجر الأبرياء، وتحولت "سملين" إلى خرائب تتصاعد منها دخان الحرائق التي أشعلها جنود الرب، ضد إخوانهم المسيحيين الذين زعم الصليبيون أنهم جاءوا لنجدتهم.

وعندما وصل "بطرس الناسك" الذي كان يمتطي حماره في مقدمة جيشه إلى مدينة "نيش" التي تقع على الحدود البيزنطية خاف قائد الحامية البيزنطية على مدينته من التصرفات الحمقاء لهذه الجموع، فاتخذ تدابير لمواجهتهم عند الضرورة بأخذ بعض الرهائن منهم، لكن الصليبيين عاودوا أعمال السلب والنهب وتخريب القرى والمدن، ولم يجد البيزنطيون بُدًّا من مهاجمة بطرس الناسك، وقتل كثير من رجاله، وأسر عدد آخر، والاستيلاء على الأموال والتبرعات التي كان الراهب قد جمعها من أغنياء غرب أوروبا، لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة الجيش الصليبي، وسار صوب مدينة "صوفيا"، وهناك لقيه مندوبون عن الإمبراطور البيزنطي، وأبلغوا "بطرس" ومن معه باستياء الإمبراطور، وبأوامره التي تقضي بألا يمكث الصليبيون في أي مدينة بيزنطية أكثر من ثلاثة أيام.

على أسوار القسطنطينية

وصلت الشراذم المتبقية من حملة بطرس الناسك إلى أسوار القسطنطينية في (شعبان 489هـ = يوليو 1096م)، وأرسل الإمبراطور البيزنطي في طلب بطرس الناسك، وعرض عليه أن ينتظر بقواته خارج المدينة حتى تأتي القوات الصليبية الرئيسية في الموعد الذي حدده البابا لتجمع القوات الصليبية، لكن بطرس رفض عرض الإمبراطور ونصائحه التي أسداها إليه، وأغرته كثرة أتباعه وأنصاره.

وواصل الصليبيون أعمالهم الهمجية في القسطنطينية، وارتكبوا كثيرًا من المخازي، ومارسوا السلب والنهب، واضطر الإمبراطور البيزنطي أو أن يتخلص من هذا الشر المستطير بنقلهم بسرعة عبر المضايق إلى آسيا الصغرى، وفي الوقت نفسه كرر نصائحه للصليبيين بالتروي والانتظار عند أحد المراكز الحصينة بالقرب من "البسفور"، حتى تأتيهم الإمدادات والجيوش النظامية المدربة من الغرب، لكنهم لم ينصتوا إلى نصائحه، ولم يستطيعوا ضبط أنفسهم، والكف عن السلب والنهب، والاعتداء على المزارع والضياع والقرى والكنائس القريبة.

نهاية محتومة

أخذ الصليبيون يوسعون دائرة أعمالهم الهمجية، وواصلوا زحفهم إلى "نيقية" قاعدة السلطان السلجوقي "قلج بن أرسلان"، وكان عدد الصليبيين خمسة وعشرين ألفا، منهم خمسمائة من الفرسان -على أكثر تقدير-، والباقون من المشاة المعدمين الذين لا يربطهم نظام، ولا توحد صفوفهم قيادة مؤهلة، ولم يجد الأتراك السلاجقة صعوبة في الإيقاع بهذا الجيش الهمجي والإجهاز عليه تمامًا، حتى إنه لم ينج من ذلك الجمع الحاشد من الصليبيين سوى ثلاثة آلاف، وعندما وصلت أنباء هذه الهزيمة إلى الإمبراطور أرسل بعض سفنه تحمل إمدادات إلى الصليبيين، لكن ذلك كان بعد فوات الأوان، فحملت فلولهم إلى القسطنطينية وظلوا في رعاية الإمبراطور حتى وصول الحملة الرئيسية التي شاءت لها الأقدار أن تؤسس الإمارات الصليبية في الشرق، وتستولي على بيت المقدس.

وهكذا انتهت حملة الرعاع فوق تراب الشرق، وضاع الحلم الذي راودهم، وحرك فيهم مشاعر الطمع والاستمتاع بخيرات الأرض التي تفيض باللبن والعسل.. لكن الهزيمة لم تمنع من تكرار المحاولة، وبدأت سلسلة الحملات الصليبية على الشرق الإسلامي.

من مصادر البحث:

ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية ـ ترجمة السيد الباز العريني ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ( 1413هـ= 1993م).

سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ (1982).

السيد الباز العريني: الشرق الأوسط والحروب الصليبية ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة (1963).

قاسم عبده قاسم ـ ماهية الحروب الصليبية ـ سلسلة عالم المعرفة (149) ـ الكويت (1410هـ = 1990م).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-09-2006, 04:18 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الحروب الصليبية
استطاع الصليبيون في نهاية القرن الحادي عشر ، الإفادة من الانقسامات التي تعرض لها العالم الإسلامي الفترة التي دبت بين الشيعة والسنة في تلك الفترة، والعرب والترك في تلك الفترة، حتى أن الوزير الفاطمي الأفضل أرسل إلى الصليبيين سفارة عام 1098 م يعرض فيها محالفتهم ضد الأتراك السلاجقة

عقد الصليبيون العزم على أن يسيروا إلى بيت المقدس وذلك بعد الاستيلاء على انطاكية وتقدمت القوات الصليبية في 7 يونيه 1099م وحوصرت المدينة المقدسة من جميع الاتجاهات

وقد كانت المدينة مزودة بكميات كبيرة من المؤن والماء والأسلحة التي فاقت أسلحة الصليبيين ، كما دعمت الأبراج بالقطن والدريس لتصمد أمام قذائف منجنيقات العدو ، وصمدت القوات الإسلامية في المدينة وتعرض الصليبيون إلى هجمات المسلمين ونفذت مؤنهم وعانوا كثيراً من حرارة الشمس، وفشل الصليبيون في هجومهم الأول على المدينة. وحينما وصلت إليهم إمدادات جديدة وعتاد وعدة ،عاودوا الهجوم

لقد بلغ عدد قوات الصليبيين المحاصرة للمدينة 12ألفا من الراجلة، و1300 من الفرسان بالإضافة إلى معاونة حجاج مسيحيين لهم، وفي ليلة 14 يوليو 1099 م استطاع الصليبيون دخول المدينة خلال الأسوار عبر أبراج صنعت خصيصا لذلك

ودمر الصليبيون ما شاء لهم أن يدمروا ،ونهبوا الكثير، كما نهبوا بعض المعادن النفيسة التي كانت على المقدسات ولا سيما قبة الصخرة، وانطلق الصليبيون في شوارع المدينة والى المنازل والمساجد يذبحون كل من صادفهم من الرجال والنساء والأطفال ،وهكذا استطاع المسيحيون الاستيلاء على بيت المقدس

منذ ذلك التاريخ أصبحت قضية تحرير القدس التي ترمز إلى تحرير فلسطين هي القضية الأولى الأساسية على المستويين السياسي والديني لدى العرب والمسلمين

في غضون ذلك وصلت سفارة مصرية إلى بيت المقدس وطلبت من الصليبيين الرحيل من البلاد ، وتقدم " الوزير الأفضل " وزير مصر نحو فلسطين فوصل عسقلان في 4 أغسطس ، وخرج "جودفري " بجيشه من بيت المقدس لمواجهة جيوش المصريين في 9 أغسطس 1099 واحتشد الجيش الصليبي في سهل المجدل ( شمالي عسقلان ) حيث يعسكر الوزير الأفضل وفوجئ الأفضل بتلك الجموع وولى الأدبار إلى مصر بحرا ، وبذلك اصبح نصر الصليبيين لبيت المقدس مؤكدا ، ولم يلبث أن استولى الصليبيون على الجليل وطبريا وحيفا وقيسارية وغيرها

وعلى أثر ذلك أصبح "جودفري دي بويون " هو الحاكم الذي منح لقب المدافع عن كنيسة القيامة

وفي 11 نوفمبر عام 1100 م اصبح "بلدوين الأول " على رأس مملكة الصليبيين في بيت المقدس ، وقد استمرت هذه المملكة 87 سنة ولم يسمح للمسلمين ولا غيرهم بالإقامة داخل المدينة

لقد شعر الصليبيون في تلك الفترة بأنه بتوجب عليهم التخلص من الثقافة العربية في المنطقة وجعل تلك البقعة من الوطن العربي لاتينية، وكذلك القضاء على الأرثوذكسية التي كانت منتشرة فيها وقيل أيضا بأن الهدف الرئيسي لغزو الصليبيين كان تجارياً، حيث ساد نظام الإقطاع في الإدارة فكانت الأرض كلها للفرسان .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-09-2006, 04:24 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مجلة النبأ العدد 45 صفر 1421 ايار 2000




الحروب الصليبية..

و

صكوك الغفران!!


الحملة الصليبية الأولى..
فتاوى الجهاد المقدس
أسباب الحروب الصليبية..


خاتمة..
مذابح الصليبيين


لاول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ تأسيسها وحتى الآن يطلب رئيسها البابا يوحنا بولس الثاني الصفح عن الأخطاء التي ارتكبتها وقال (نطلب الصفح عن الانقسامات في صفوف المسيحيين واستخدام العنف الذي لجأ إليه بعض المسيحيين لخدمة الحقيقة والسلوك العدواني الذي اعتمد إزاء اتباع الديانات الأخرى في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ضد المنشقين).. وتابع قائلاً (عن الدور الذي لعبه كل منا، وعن سلوكنا وعن الأعمال التي أدت إلى تشويه صورة الكنيسة نطلب الصفح بكل تواضع).. وأضاف (نحن نصفح ونطلب الصفح)...

واعلن البابا في كلامه بمناسبة (يوم الغفران) للعام 2000 (كم مرة تجاهل المسيحيون الجائعين والعطشى والفقراء والعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم).. واوضح البابا أن هدفه من الصفح هو (تطهير الذاكرة من تاريخ حزين من الكراهية والمنافسة)...

وقد قام خمسة كرادلة واسقفان بالاعتذار نيابة عن الكنيسة الكاثوليكية فقد اعترف الكاردينال الفرنسي (روجية اشيغاراي) بالأخطاء التي (خرقت وحدة المسيحيين) وأعرب عن أمله بان (يمهد الله الطريق أمام المصالحة).

واقر رئيس الأساقفة الياباني (ستيفن فوميوهاماو) بالأخطاء التي ارتكبتها الكنيسة (ضد الحب والسلام وحقوق الشعوب واحترام الثقافات والديانات).. وأشار البابا إلى حقبتي الاستعمار واولى بعثات التبشير حين (تنكر المسيحيون للانجيل)..

أما كاردينال النيجر فرانسيس ارينزي فقد تحدث عن الأخطاء التي (مست كرامة المرأة ووحدة الجنس البشري).. واعترف رئيس الأساقفة الفيتنامي فرانسوا كزافيية تغوين (بالأخطاء التي ارتكبت في مجال الحقوق الأساسية للإنسان)..

أما الكاردينال الألماني جوزف راتزينغر فقد دعا البابا والكهنة إلى الاعتراف (بالأخطاء التي ارتكبت باسم الحقيقة وباساليب بعيدة عن الاناجيل).. في إشارة إلى الحملات الصليبية وحقبة المحاكم الدينية.. فرد البابا طالباً بقوة صفح الله عن كون المسيحيين (متعارضين ومنقسمين) وعن قرارات (تبادل القاء الجرم)...

منذ الحملة الصليبية الأولى وحتى الوقت الحاضر ولفترة تمتد لأكثر من تسعة قرون لم تقدم الكنيسة الكاثوليكية على ما أقدمت عليه ممثلة بالبابا لطلب الصفح عن أخطاءها وخطاياها بحق المسيحيين أنفسهم وبحق اتباع الديانات والثقافات الأخرى.. إن الهدف كما يقول البابا هو التطهير وغسل الأرواح من ذنوبها التي ترزح تحتها ومن الكراهية التي سكنت النفوس ولا زالت والتي أدت على مدى تلك القرون إلى انهار من الدماء والخراب والمآسي والتي يطلب البابا بتواضع الصفح عنها..

قراءة هذا الطلب يحتاج منا العودة للوراء لمتابعة تلك الحروب التي حملت جحافلها صليب المسيح في مقدمة زحفها ليكون زحفاً مقدساً ومباركاً باسم الرب...

نشاهد في تاريخ المسيحية ومنذ أوائل عهودها خلافات مذهبية عميقة جداً كان لها آثارها الخطيرة إن على مستوى تاريخ أوربا أو مستوى الشرق.. واهم مشاكل الخلاف هي طبيعة عقيدة التثليث والعلاقة بين الاقانيم الثلاثة (الأب ـ الابن ـ روح القدس).. واستفحلت تلك المشكلة حين حدث خلاف حاد بين اثنين من رجال الكنيسة في الإسكندرية وهما (اريوس) و(اثناسيوس).. حيث قال اريوس: أن المسيح مخلوق لاله عظيم وحيد متفرد بطاقاته وصفاته، وإذا لم يكن الحال كذلك فإن المسيحيين يكونون غير مؤمنين بعقيدة التوحيد ويعبدون اكثر من اله..

أما (اثناسيوس) فقد قال: أن فكرة الثالوث المقدس تقضي أن يكون الابن مساوياً للأب ومن نفس العنصر تماماً ودونما خلاف في القدرة والمكانة رغم تميزهما عن بعضهما...

وقد حققت مقولات اثناسيوس مع الأيام تقدماً ملحوظاً على حساب الأفكار التي طرحها (اريوس) من خلال ما دخل إلى العقيدة المسيحية من تقديس للشهداء والقديسين وبقاياهم التي ادت إلى عبادة المخلفات المقدسة والصور حيث حدث إقبال شديد على اقتناء ما سمي (بالايقونات) سواء من قبل الكنائس أو الأفراد.. وما رافق ذلك من أحاديث عن شفاء الأمراض وحل المعضلات وجلب السعادة وطرد التعاسة.. وأدى ذلك إلى إقبال الناس على الإكثار من زيارة الآثار المقدسة للتبرك وتطورت تلك العادة حيث صار الأفراد يسافرون من مكان إلى آخر لزيارة الكنائس والأديرة والآثار وقبور القديسين ومشاهدهم الحاوية لتلك الآثار..

وحيث أن أرض ميلاد المسيح تضم أهم الآثار من حيث مكانتها وقدسيتها فقد اخذ البعض يسافر نحو فلسطين.. وبهذا جاءت إلى الوجود عقيدة جديدة دخلت إلى أركان الديانة المسيحية وهي عقيدة الحج..

وقد حمل الحجاج معهم أثناء عودتهم إلى ديارهم صوراً ومعلومات وافية عن أحوال الشام والمشرق العربي من كافة النواحي مع المبالغة في تصوير أحوال الرفاهية التي ينعم بها الآخرون وتوفر الثروات وكثرتها لديهم..

أسباب الحروب الصليبية..

بدءاً يجب توضيح الالتباس الحاصل في مصطلح (الحروب الصليبية).. حيث لم يظهر هذا المصطلح إلا في عام 1675 على يد المؤرخ في بلاط لويس الرابع (لويس ممبور) مسمياً بحثاً في هذا الموضوع (تاريخ الحروب الصليبية).

أما عن أسباب هذه الحروب فيمكن تحديدها بالآتي:

أولاً: الأسباب الدينية:

ويمكن تلمسها بالتشدد الذي مارسه السلاجقة بعد استيلائهم على الحكم على المسيحيين الزائرين لبيت المقدس كما يذكر ول ديورانت في قصة الحضارة.. إضافة لما أحسه المتصدون في الكنيسة بخطورة موقفهم نتيجة لانتشار الثقافة الإسلامية بعد اتساع نطاق الفتوحات..

لقد عمل رجال الكنيسة على التبشير والترغيب بين الناس للمشاركة في الحرب من خلال وعدهم بأن الزيارة لمهد عيسى تساوي الذهاب إلى الجنة..

ثانياً: العوامل السياسية..

بعد اتساع الفتوحات الإسلامية التي امتدت على طول الشرق والغرب سعى الصليبيون إلى تدمير ومحو الإسلام الذي يهدد سلطانهم مستغلين الوضع الذي كانت تعيشه الدويلات الإسلامية بعد أن دب الضعف والانحلال إلى جسدها..

ثالثاً: العوامل الاقتصادية..

وخير ما يصف ذلك هو المؤرخ الروسي (ميخائيل زابوروف) في كتابه (الصليبيون في الشرق) حيث يقول: أن الجفاف الرهيب حرق العشب في المروج واباد السنابل والخضراوات وتسبب بالتالي بجوع فظيع.. وفي سنة 1095 كانتا نورمنديا وفرنسا مرهقتين بنسبة عظيمة من الوفيات أفرغت الكثير من البيوت ودفع الجوع الأقصى البلايا إلى أقصى الحدود..

ويضيف قائلاً: أن تعاظم الميول الدينية في الريف قد نجم عن ظروف حياة الفلاحين العبيد التي لا تطاق.. فإن العبيد كان يسحقهم العوز، وتضغط عليهم التبعية الشخصية حيال السيد وكانوا مهانين واذلاء بسبب جهلهم. وهذا الجهل كان رجال الدين الكاثوليك يحافظون عيه ويطالبون الفلاحين بالصبر الطويل والاستكانة للأسياد، ويبثون الخوف من نيران جهنم..

كان الفلاح الجاهل والامي الذي اعتاد على العوز والذي لم ير شيئاً أبعد من كونه، يتقبل ويدرك البلايا الاجتماعية والطبيعية من خلال موشور مفهومه البدائي.. قحط الموسم الزراعي، الجوع، الطاعون الناري، الذي يسوق زوجته وأولاده إلى القبر.. كل هذا كان يتصوره بصورة عقاب من السماء نزل عليه من أعلى بسبب خطايا مجهولة.. ومن هنا نشأ شعور غامض بأنه لا يمكن التخلص من العذابات اليومية الدائمة إلا بطلب الرحمة من الرب الغاضب.. ولكن بأي نحو؟ قبل كل شيء، باجتراح مأثرة ما خارجة عن المألوف، بطولية بالمعنى الديني لأجل (التكفير عن الذنوب) لأجل (غفران الخطايا) من نوع الاستشهاد باسم الإيمان.. وهكذا انعكس التحرق إلى الخلاص من اضطهاد الأسياد، والسعي إلى خلع سلاسل العبودية والتفلت من براثن العوز في دماغ الفلاح المرهق بمشقات العيش انعكاساً فاسداً مشوهاً وتحول إلى رغبة عارمة في اجتراح مأثرة دينية..

رابعاً: الأسباب الاجتماعية..

في بداية القرن الحادي عشر وبعد استقرار المسيحيين في المجتمعات الأوروبية لم يلبث هذا الاستقرار أن تبلبل بسبب تمرد أقوام لم تهضم الثقافة المسيحية بشكل كامل ولم تندمج معها.. إضافة إلى المجاعات المتكررة التي شهدتها أوربا سنوات 1005 و1016 و1096 حيث ترك الكثير من الناس أعمالهم والتجأوا إلى الجبال والمناطق النائية مما احدث هزة عنيفة في النظام الاجتماعي.. ولم تنفع التدابير المتخذة بحزم حتى ولا عقوبة الإعدام أن تضع حداً لهجرة الناس وتشردهم.. لقد كان الناس البؤساء يتشبثون بأي شيء للخلاص من وضعهم المؤسف.. لذلك نراهم يتجهون إلى تلك الحروب بحرارة واندفاع..

فتاوى الجهاد المقدس

اقام باباوات الكنيسة في بادئ الأمر مجمعاً سموه (بالاساس) شارك فيه فئتان من علماء وبطارقة المسيحيين وثلاثون ألفا من الإشراف أو الخيّالة العسكرية.. وتحدث في هذا الجمع الراهب (بيرار ميت) الذي كان يحمل الصليب في يده ويطوف في أوربا مدينة مدينة محرضاً الناس على حرب المسلمين..

أما القرارات التي أصدرها المجمع الكنسي الذي عقد في (كليرمونت) في العام 1095 فقد لخصت المشروع الذي قدمه البابا اوربان الثاني ودعى فيه إلى قيام الحملة الصليبية الأولى على النحو التالي (أن كل من يرحل إلى بيت المقدس بدافع التقوى والورع وبهدف تحرير كنيسة الرب وليس بغية الحصول على المجد أو المال فانه يستطيع بهذه الرحلة أن يكفر عن ذنوبه وآثامه كافة)..

وقال: لا يجوز لكل رجل يسعى في خلاص روحه أن يتوانى عن سلوك طريق الرب بكل خشوع وإن احتاج إلى المال فالعناية الربانية ستسعفه.. وأضاف في بيانه قائلاً: أيها الإخوان عليكم أن تتحملوا كثيراً من المشقة والفقر والعذاب من اجل اسم المسيح وتعانوا العري والاضطهاد والمذلة والمرض والجوع والعطش وما شاكل هذا من صنوف الشرور كما قال الرب لحوارييه (سأريكم كم ينبغي أن تتألموا من اجل اسمي.. وقوله (إني أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها).. أو كما قال أيضاً (إنكم ستأخذون ميراثاً عظيماً)..

إن المشروع الأصلي للحرب الصليبية كما تخيله البابا اوربان الثاني في ذهنه كان يتلخص في إرسال فرقة عسكرية من الفرسان الأوربيين لمساعدة الإمبراطور البيزنطي (الكسيوس) في صراعه ضد الأتراك السلاجقة في أسيا الصغرى قبل الزحف إلى الأراضي المقدسة.. ولذلك فأن دعوة البابا اوربان الثاني كانت موجهة بشكل مباشر إلى طبقة الفرسان في وطنه فرنسا، لا سيما أن هذا البلد كان يتميز بضعف السلطة المركزية فيه وانعدام القانون في أرجائه انعداماً مزمناً نتيجة أعمال أولئك الفرسان وممارساتهم، وبذلك ربما كانت الحرب المخرج الوحيد لنقل أعمال العنف هذه من تلك البلاد إلى مكان أخر واعطاء الفرسان الأوربيين في الوقت نفسه فرصة للخلاص أيضاً.. ولقد استجاب هؤلاء الفرسان وبأعداد كبيرة لنداء البابا اوربان الثاني وشكلوا العمود الفقري للجيش الصليبي.

الحملة الصليبية الأولى..

في شتاء 1095-1096 اجتمعت في فرنسا قوات مدنية غفيرة من الفقراء المستعدين للذهاب إلى المناطق البعيدة..

وفي آذار 1096 نهضت أول جموع الفلاحين الفقراء من فرنسا الشمالية والوسطى ومن الفلاندر ولورين وألمانيا ثم من بلدان أخرى في أوربا الغربية إلى الحج المقدس..

وعلى حد تعبير صاحب يوميات (أعمال الفرنجة): جاء إلى الوجود هذا اليوم ما كان المسيح يقوله دوماً لاتباعه ومصداقاً لما جاء في الكتاب المقدس (إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني)..

مما أحدث هياجاً عظيماً، ولم يتوان كل ذي قلب طاهر وروح سليمة، صادق النية في إيمانه بالرب عن حمل الصليب والمبادرة لاخذ الطريق نحو القبر المقدس...

كان الفلاحون يمضون بلا سلاح تقريباً.. كانت الهراوات والمناجل والفؤوس والمذاري تقوم عندهم مقام الرماح والسيوف.. كانوا يتحركون مثل حشود غير منتظمة من النازحين، بعضهم مشياً على الأقدام، واخرون على عربات من عجلتين تجرها الثيران، مع نسائهم واولادهم وامتعتهم البيتية الحقيرة.. آملين سراً في تدبير امورهم بنحو افضل في أماكن جديدة في (أرض الميعاد) في الطريق سلك الصليبيون سلوك النهابين.. فاثناء مرورهم في أراضي المجريين والبلغار، كانوا ينتزعون المأكولات بالعنف من السكان، ويسوقون الاحصنة والبقر والغنم ويقتلون ويغتصبون ويتعسفون.. كان النهب بالنسبة للفقراء الأسلوب الوحيد لتحصيل ما يأكلونه.. وكان الصليبيون يواصلون النهب والسلب بعد دخولهم أراضي بيزنطية، لم يكن لدى الفلاحين نقود لكي يدفعوا ثمن المؤونة المقدمة لهم، ناهيك بأن عدداً لا يستهان به من العناصر المتفسخة طبقياً الذين كانوا يرون في المشروع الصليبي مجرد وسيلة ملائمة لأجل النهب والسلب كان يشترك في زحف الفلاحين والفقراء.. وعلى حد وصف أحد مدوني الأخبار لهؤلاء الصليبيين (أن كثيرين من شتى الأوباش قد التحقوا بالعســـكر الصليبي، لا لكي يكفروا عن الخطايا، بل لكي يقترفوا خطايا جديدة)...

إن الصليبيين الذين فسدت معنوياتهم بأعمال السلب والنهب السابقة قد سلكوا في عاصمة الإمبراطورية البيزنطية أيضاً سلوكاً منفلتاً لا ضابط له.. فقد كانوا يدمرون ويحرقون القصور في ضواحي المدينة، ويتخاطفون صفائح الرصاص التي كانت سطوح الكنائس مصنوعة منها..

مذابح الصليبيين

في كتابه (على خطى الصليبيين) يقول مؤلفه الفرنسي (جان كلود جويبو).. تحت ضغط الحجاج قرر (رايموند دي سال ـ جيل) بدءً من 23 نوفمبر محاصرة معرة النعمان ـ في سوريا ـ كان الحصار طويلاً صعباً لكن الصليبيين افلحوا في الاستيلاء على المدينة وذبحوا سكانها.. وفي هذا يقول ابن الأثير: خلال ثلاثة أيام اعملت الفرنجة السيف في المسلمين قاتلين اكثر من مائة ألف شخص واسرين عدداً اكبر من الأسرى..

يقول الكاتب الفرنسي: في جهنم معرة النعمان المتروكة للرعب وللجوع والعطش وبينما كان البارونات يتشاجرون كان الفقراء وقطاعاتهم قد استسلموا لاغراء الممنوع بين الجميع.. فجثث المسلمين التي طرحت في الخنادق قطعت والتهمت بشراهة..

وكتب المؤرخ (راوول دين كاين): عمل جماعتنا على سلق الوثنيين ـ يقصد المسلمين ـ البالغين في الطناجر، وثبتوا الأطفال على الأسياخ والتهموها مشوية ويكتب المؤرخ (البيرديكس): لم تتورع جماعتنا عن أن تأكل الأتراك والمسلمين فحسب وإنما الكلاب أيضاً..

ويكتب (الانويم): بعضهم الآخر قطع لحم الجثث قطعاً وطبخها كي يأكلها..

واخيراً في رسالة رسمية جداً كتبت للبابا (مجاعة رهيبة أوقعت الجيش في (المعرة) ووضعته في الضرورة الجائرة ليتغذى من جثث المسلمين.. ويذكر المؤلف الفرنسي معقباً على تلك الشهادات: في الإسلام برمته سيزرع هذا المشهد الخوف ويؤدي بعدد من المدن العربية إلى الاستسلام دون قتال مع وصول الفرنجة..

وقد كتب (امين معلوف) تعليقاً على تلك الشهادات: لن ينسى الأتراك مطلقاً أكل الغربيين للحم الإنسان، وعبر كل أدبهم الملحمي سيكون الفرنجة موصوفين دائماً كأكلة لحوم البشر، وسوف يساهم مشهد معرة النعمان بحفر هوة بين العرب والفرنجة لا تكفي قرون عديدة لردمها...

وينقل لنا الكاتب صفحات من تاريخ أوربا الهمجي في المدينة التي أمنوا بقدسيتها ـ ونعني بها القدس ـ يقول:

وانفلت الرعب الذي عرضته اليوميات بهلع، الرعب الذي يسميه رينيه غروسية (الخطيئة) التي تحط من شرف الصليبيين، انه الرعب الذي انطبع في الذاكرة الإسلامية إلى الأبد.. ويتابع قائلاً: اخذ الصليبيون يلاحقون ويذبحون المسلمين واليهود الذين كانوا عندئذ حلفاء..

ويصف ابن الأثير في الكامل الاستيلاء على القدس: ولبث الفرنج في البلدة أسبوعا يقتلون فيه المسلمين، وقتل الفرنج في المسجد الأقصى ما يزيد على السبعين الفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور ذلك الموضع الشريف، ثم بدأ النهب والسلب..

أما ما ذكره الفرنجة من خلال يومية مجهول من الحملة الصليبية الأولى فهي: وحالما دخل حجاجنا المدينة تابعوا ذبح المسلمين حتى معبد سليمان حيث تجمعوا ودخلوا طيلة اليوم في معركة عنيفة مع جماعتنا وكان ذلك إلى حد أن المعبد كان يرشح من دمهم...

ويكتب (وليم الصوري): كانت المدينة تمثل بمذبحة الأعداء هذه مشهداً ما كان حتى للمنتصرين أنفسهم إلا أن يتأثروا بالرعب والتقزز، أما الانويم فيستعمل صورة سوف يستعيدها التاريخ حيث يؤكد انه داخل المسجد الأقصى كان جماعتنا يمشون في الدم حتى عراقيب أرجلهم، ويتحدث اخباريون آخرون أن أكوام الجثث تلك التي ظلت تحرق تحت أسوار المدينة على امتداد أسبوع بكامله..

ولا نستطيع أن نسجل جميع تلك الأحداث التي جرت في الحروب الصليبية والتي لا يكفيها مقال واحد ولا حتى عشرات المقالات بل تحتاج إلى مجلدات كبيرة وكثيرة..

خاتمة..

لقد كان مشروع البابا اوربان الثاني جذاباً للغاية حتى أن عناصر المجتمع الأوربي كافة كانت ممثلة تقريباً في الحملة الصليبية الأولى، ولكن الاستثناء اللافت للنظر كثيراً في هذا العدد هو غياب ملوك أوربا جميعاً عن هذه الحملة.. فقد اعتبر البابا اوربان الثاني الحملة الصليبية مشروعاً يرتبط بالبابوية ارتباطاً مباشراً، ومن ثم لم يدع الملوك العلمانيين في الغرب بشكل واضح للانضمام إليه...

ولا بأس في النهاية أن نذكر جملة من الأسباب التي ادّت إلى استجابة الناس بهذه الأعداد لنداء البابا اوربان الثاني إضافة إلى الأسباب التي ذكرناها في البداية:

1ـ التوسع المكاني لذلك العصر (إقطاعيات جديدة لما وراء البحار)..

2ـ البطالة التي كانت تخيم على بقية الأبناء بعد البكر في العائلة النبيلة التي تمنح الثروة للابن البكر...

3ـ مصلحة البابوات وعدد من ملوك أوربا وسلطة الكنسيين وشره الرهبان..

4ـ حقد المسيحيين على المسلمين..

ولا يفوتنا أن نذكر أن الصليبية ظاهرة حملت شعار الصليب (الذي لم يكن أبدا رمزاً للحرب والقتل والعدوان) ولم تحمل جوهر المسيحية.. بينما تسترت بلباسها وحملت رايتها وقتلت (حتى المسيحيين) باسمها فكانت معادية لرسالتها وأهدافها.. وكما عبر البابا شنودة الثالث بقوله: إن المسيحية تخالف الفكر الصليبي، وإن الغزاة استتروا وراء الدين ووراء عبارة الأماكن المقدسة، ثم كشفوا عن هدفهم وهو الاحتلال...

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-09-2006, 04:28 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مرحلة الحروب الصليبية

تمثل المرحلة الصليبية فترة مظلمة في تاريخ العلاقات بين أوربا والعالم الإسلامي ، مرحلة مليئة بالعنف والحروب والنهب والمذابح الوحشية وتدمير المدن ، وتصاعد الحقد والكراهية وعدم الاستقرار . من جانب آخر كانت مناسبة لاكتشاف كل طرف الطرف الآخر عن قرب ، وعبر التعامل المباشر . يعلق الباحث نورمان دانييل Norman Daniel على المزاعم المسيحية فيقول : «لقد اعتبر المسيحيون الحروب الصليبية حرباً مقدسة War Holy من أجل انتزاع الأرض التي تعود للمسيحيين . ولا زالوا يعتقدون بأنهم الأمة الوحيدة التي نهب منها ثلث أفضل ممتلكات الكنيسة بعد ظهور الإسلام» [1].

بدأت الخطوة الأولى من الحروب الصليبية ، عندما وجه الإمبراطور البيزنطي الكسيوس كومونيس Communes Alexius (حكم 1081 ـ 1118م) نداءات متكررة طالباً مساعدة بابوية لمواجهة احتلال الأتراك السلاجقة جزءاً من أراضي الإمبراطورية، ليس بعيداً عن العاصمة القسطنطينية. ورداً على استغاثته ، ألقى البابا أوربان الثاني II Urban (1088 ـ 1099م) خطاباً في عام 1095 ، جنوب فرنسا ، قريباً من الحدود الإسلامية لإسبانيا . وكان خطابه مليئاً بالإشاعات عن وحشية المسلمين وفظاعتهم ، ملمحاً إلى الأطماع الشخصية ومؤكداً على أتباعه «في دخول الطريق إلى الضريح المقدس ، وانتزاعه من العنصر الشرير ، ووضعه بأيديهم» [2]. ورفع شعاراً دينياً يبرر الحملات المرتقبة ويشجع الناس عليه ، فكان شعار (هذه مشيئة الله) هو القادر على تعبئة الجماهير . وسرعان ما انتشرت دعوة البابا مثل النار في الهشيم من فرنسا إلى بقية الأوربيين ، غني وفقير ، شاب وكهل . فقد تبنى التبشير بالحركة الصليبية بطرس الناسك الذي كان يتمتع بالفصاحة والقدرة على التأثير ، فطاف أقاليم فرنسا ليخرج منها بخمسة عشر ألف متطوع معهم نساؤهم وأطفالهم .

وبحلول عام 1097 كان هناك 000ر150 محارب صليبي قد وصلوا القسطنطينية ، معظمهم قدم من فرنسا والنورمان .

وهناك عدة أسباب داخلية وخارجية مهدت الأجواء لتنامي الحملات الصليبية وهي :

1 ـ يدعي الباحث أرنست باركر Barker Ernest أن السلاجقة قد احتلوا القدس عام 1071 ، وهم قوم قساة ، لا يعرفون التسامح مثل الحكام المسلمين السابقين ، أي الفاطميين . فكان المسيحيون يواجهون صعوبات كثيرة أثناء رحلتهم إلى حج القدس [3] . «فأدرك المسيحيون في الغرب ما يعترض طريقهم ، ويمنع حركتهم الطبيعية نحو منبع ديانتهم ، فكان من الطبيعي أنه لا بد لهم آخر الأمر أن يبذلوا جهدهم في تمهيد طريقهم».

وهذا السبب الذي يعرضه باركر مبالغ فيه لأن طريق القدس بقي مفتوحاً أمام المسيحيين في كل العصور ، وحتى في المرحلة الصليبية وما بعدها مما يشير إلى التسامح الإسلامي الفريد من نوعه . ومتناسياً أنه عام 1021 م أصبح الإشراف على الأماكن المقدسة ، مثل كنيسة القيامة وبيت لحم والمؤسسات الملحقة بها كالمستشفى والمدرسة ، من قبل الإمبراطورية البيزنطية ، بعد أن كانت حتى ذلك الوقت برعاية الكنيسة اللاتينية الرومانية . ويعترف باركر أن «البيزنطيين لم يحرصوا على أن يجعلوا طريق الحجاج هيناً سهلاً . وكان لزاماً على البابا فكتور الثاني أن يجأر بالشكوى إلى الإمبراطورة تيودورا ، بسبب ما لجأ إليه موظفوها من ابتزاز الحجاج وإهانتهم» [4].

2 ـ إن البحث عن وسائل جديدة مباشرة للاتصال بطرق التجارة الشرقية ، يعتبر من الأغراض التي انطوت عليها الحروب الصليبية ذاتها . وأدت إلى ما يصح تسميته اكتشاف آسيا في القرن الثالث عشر [5] .

فالمدن الإيطالية التي اشتهرت بتجارتها كانت تبحث عن طرق مباشرة لشراء المنتجات الشرقية من الهند والصين ، دون وساطة العرب المسلمين . فالطرق البحرية كانت غالية ومحفوفة بالمخاطر .

3 ـ كان الأمراء الأوربيون يبحثون عن ثروات وأراض جديدة . فكانت الأطماع متوجهة نحو الشرق ، حيث الكنوز والثراء والتجارة والذهب والحرير والجواري . فهذه الأحلام لعبت دوراً في تأجيج الحماسة .

4 ـ كان الناس العاديون في أوربا يعيشون في أوضاع مزرية من الفقر وتكرر المجاعات والأوبئة التي فتكت بعشرات الآلاف . ففي عام 1094 إنتشر الطاعون من الفلاندرز Flanders إلى بوهيميا Bohemia. وفي عام 1095 حدثت مجاعة في منطقة اللورين Lauren بفرنسا . وتعرضت الكثير من الأراضي الزراعية للخراب نتيجة غزوات الفايكنغ والبرابرة ، فقلّت الأقوات في الوقت الذي ازدادت أعداد السكان . ثم أن الحروب والمنازعات بين الأمراء والإقطاعيين أسهمت في الإخلال بالأمن وتعريض أرواح الناس للهلاك وممتلكاتهم للنهب ، مما جعل الغالبية العظمى من أهالي غرب أوربا يعيشون في حالة يرثى لها من الفقر والحرمان والخوف ، دون أن يجدوا أي ضمان لحماية أرواحهم وممتلكاتهم وأرزاقهم [6] .

فاعتقد هؤلاء البسطاء أن مشاكلهم ستحل بهجرتهم إلى الشرق . ففي عام 1096 نجح الصليبيون بتجنيد خمسة جيوش من هؤلاء المعدمين .

5 ـ كان هناك عدد كبير من المغامرين ، المفلسين مثل الزعيم الصليبي والتر المفلس ، وقطاع الطرق ، والعبيد الهاربين والرهبان المستائين. لقد كانت هناك دوافع كثيرة للبحث عن مناجم الذهب الموعودة في الشرق .

وعلى الرغم من أن الجنود الأوربيين كان يحملون علامات الصليب ، دليلاً على الدافع الديني للحملات الصليبية ، لكن الدين كان آخر سبب وراءها . فخلال عبورهم هنغاريا ثم أراضي الدولة البيزنطية ، نسيت الجموع أنهم يخترقون بلاداً مسيحية ، فأخذوا ينهبون ويسلبون ويعتدون على الأهالي الآمنين [7] . وأثناء انتظارهم العبور إلى الجانب الآسيوي من الإمبراطورية البيزنطية ، كان تجمع الصليبيين أمام أسوار القسطنطينية يثير مخاوف الدولة ومتاعبها ، إذ أخذ الصليبيون يواصلون نهب القرى والضياع المجاورة ، ويعتدون على الأهالي ويسلبونهم أقواتهم وأمتعتهم ، بل أن الكنائس لم تسلم من إعتداءات أولئك الرعاع [8]. فأسرع الإمبراطور الكسيوس إلى نقلهم إلى الشاطئ الآخر . واستمر ذلك السلوك الوحشي بمهاجمة القرى المسيحية والمزارع والمواشي والكنائس [9] .

وعندما احتل الصليبيون مدينة القدس ، لم يرحموا أحداً «وحتى إخوانهم في الدين لم يوفروهم ، وكان من أول ما اتخذوه من تدابير أنهم طردوا من كنيسة القيامة جميع الكهنة من الكنيسة الشرقية ، روماً وجيورجيين وأرمنيين وأقباطاً وسرياناً ، والذي كانوا يقيمون القداسات معاً تبعاً لمذهب كان جميع الفاتحين قد احترموه حتى ذلك الحين .وإذ ذهل وجهاء الطوائف المسيحية أمام هذا القدر من التعصب ، فقد عزموا على المقاومة ، ورفضوا أن يكشفوا للمحتل عن المكان الذي خبأوا فيه الصليب الحقيقي الذي مات عليه المسيح .وإذ قبض الأوربيون على الكهنة المكلفين بحراسة الصليب ، وأخضعوهم للتعذيب فقد تمكنوا من انتزاع سرهم والحصول منهم بالقوة على أغلى ما يملكون من ذخائر» [10].

وقد ذبح الصليبيون آلاف المدنيين الأبرياء من سكان القدس دون سبب ، فقط لمجرد الإنتقام من المسلمين. ففي يوم 15 تموز 1099 دخل الصليبيون المدينة المقدسة وارتكبوا مذابح فظيعة . يصف أحد المؤرخين اللاتينيين المشاهد المريعة فيقول «كانت أكداس الرؤوس والأيدي ترى من بعيد في الساحات والشوارع» [11].

ويصف مؤرخ آخر ذلك اليوم العصيب فيقول «ولا يزال النازحون يرتجفون كلما تحدثوا بذلك وتجمد أبصارهم وكأنهم لا يزالون يرون بأعينهم أولئك المقاتلين الشُّقر المدرعين المعتمرين الخُوَذ وقد انتشروا في الشوارع شاهرين سيوفهم ، ذابحين الرجال والنساء والأطفال ، ناهبين البيوت ، مخربين المساجد . وعندما توقفت المذبحة بعد يومين لم يكن قد بقي مسلم واحد داخل الأسوار . فقد انتهز بعضهم فرصة الهرج فانسلوا إلى الخارج من الأبواب التي كان المحاصِرون قد خلعوها . وأما الآخرون فكانوا مطروحين بالآلاف في مناقع الدم عند أعتاب مساكنهم أو بجوار المساجد ، وكان بينهم عدد كبير من الأئمة والعلماء والزهاد المتصوفين الذين كانوا قد غادروا بلادهم وجاؤوا يقضون بقية أيامهم في عزلة في هذه الأماكن المقدسة . ولقد أُكرِه من بقوا على قيد الحياة على القيام بأشق الأعمال : أن يحملوا جثث ذويهم فوق ظهورهم ويكدسوها بلا قبور في الأراضي البور ثم يحرقوها قبل أن يُذبحوا بدورهم أو يباعوا في أسواق النخاسة» [12].

أما المؤرخ والدبلوماسي المسلم أسامة بن منقذ (488 ـ 584 هـ /1091 ـ 1188م) الذي عاصر الحروب الصليبية ، فقد كتب في مذكراته عن تلك الأحداث ووصف تفاصيلها . فكان قد شاهد الأحداث عن قرب لأنه كان كاتباً (سكرتيراً) لدى صلاح الدين الأيوبي [13] . وأورد إبن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) بعض جرائم الصليبيين ، إذ ينقل الحادثة التالية التي تعبر عن الوحشية والقسوة . فقد هاجم الصليبيون مدينة المعرة في سوريا ، «وعند الفجر وصل الفرنج ، إنها المذبحة ، فوضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام فقتلوا ما يزيد على مائة ألف وسَبَوا السبي الكثير» [14]. ويصف أحد المؤرخين الصليبيين ، راول دي كين ، المرافق للجيش الذي دخل المعرة فيقول «كان جماعتنا في المعرة يغلون وثنيين بالغين في القدور ، ويشكون الأولاد في سفافيد ويلتهمونهم مشويين» [15].

ويرى أرنست باركر أن الحروب الصليبية ، أصلاً ، مشروع فرنسي . فقد زرعت بذورها في أرض فرنسية ، بلدة كليرمون Clermonte، وكان أول مبشر بها هـو بابا فرنسي الأصل ، أوربان الثاني . وأنها والمملكة التي أقامها الصليبيون في الشرق كانت في جـوهـرها مملكـة فرنسية ، في لغتها وعاداتها ، وفي فضائلها ورذائلها [16] . ولعل ما يؤيد ذلك أن العرب كانوا يسمونهم بالفرنجـة ، وهـو لقب يخص الفرنسيين ، ولكـن استخدامـه يعم كل الغربيين . من جانب آخـر لا تتحدث المراجع العربية عن (حروب صليبية) بل عن حروب وغزوات ضد الفرنجـة . إن مصطلـح (صليبي) هـو ما أطلقه الأوربيـون على أنفسهم في تلـك الفتـرة ، لإسباغ البعد الديني على حروبهم ، ويمثل الصليب المسيحية ، إذ صار شعاراً لها .

رغم المقاومة التي أبداها المسلمون في الدفاع عن أنفسهم ، إلا أن الحركة الحقيقية بدأت بعد قرن ونصف من وصول الصليبيين . فقد تمكن زنكي ، وهو تركي يحكم الموصل ، عام 1144 م أن يستعيد مدينة الرها Edessa. وأكمل إبنه نور الدين حركة التحرير ، إنطلاقاً من عاصمته دمشق . إذ بدأ بعمليات عسكرية ومناوشات ضد القوات الصليبية . وبلغت المقاومة الإسلامية ذروتها حين وصل صلاح الدين إلى عرش مصر بعد الفاطميين . إذ استطاع صلاح الدين أن يوحد مصر وسوريا تحت هيمنته ، فوضع الصليبيين بين حجري الرحى ، سوريا شمالاً وغرباً ، ومصر جنوباً وغرباً . وحقق صلاح الدين إنتصاراً كبيراً في معركة حطين في 4 تموز 1187 م ، حين هزم الملك الصليبي غي دو لوزينيان Guy de Lusignan، ملك القدس ، وتمزق جيشه البالغ 000ر20 محارب ، ووقع الملك أسيراً . ودخل صلاح الدين القدس دون مقاومة ، فأكرم الأسرى وأطلق سراحهم ، وعامل المسيحيين بالإحسان والتسامح.

بعد فشل الحروب الصليبية ، بقي الأوربيون يبحثون عن أرض جديدة قادرة على استيعاب طموحاتهم وأطماعهم . فبدأت حركة استكشافات جغرافية واسعة . لقد كانوا يبحثون عن خيار آخر غير أوربا التي ضاقت بهم ، وضاقت إمكاناتها فأصبحت الحروب هي لغة التعامل في التنازع على الثروات والموارد الطبيعية والأراضي . أصبح البحث عن أرض جديدة بمثابة الحل الأمثل للمشاكل التي تعانيها القارة الأوربية ، الصراعات السياسية ، الأزمات الإقتصادية ، الخلافات المذهبية والإضطهاد الديني . في عام 1492 م تم اكتشاف أميركا ، واكتشفت أستراليا عام 1606 م فكانتا الحل الذي انتظره الأوربيون قروناً . فأخذت موجات المهاجرين تتدفق على الأرض الجديدة ، لكنهم لم يجدوا حضارة مزدهرة كما في الشرق ، بل قبائل بدائية وشعوباً متأخرة ، سرعان ما أبادوها ، وليقيموا فيها إلى الأبد .





--------------------------------------------------------------------------------


- Normal Daniel, "Islam and the West", p.109.


- Hitti, "Islam and the West", p.79.

[3] ـ أرنست باركر ، «الحروب الصليبية» / ص 16.

[4] ـ المرجع السابق / ص 15.

[5] ـ المرجع السابق / ص 16.

[6] ـ سعيد عبد الفتاح عاشور ، «تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى»/ ص 89 ـ90.

[7] ـ المرجع السابق / ص 90.

[8] ـ المرجع السابق / ص 92.

[9] ـ أنظر سعيد عاشور / مصدر سابق / ص 92 ، وأمين معلوف ، «الحروب الصليبية كما رآها العرب» / ص 22.

[10] ـ أمين معلوف ، «الحروب الصليبية كما رآها العرب» / ص 78.


- Hitti, "Islam and the West", p.79.

[12] ـ أمين معلوف ، «الحروب الصليبية كما رآها العرب» / ص 12ـ13.

[13] ـ أسامة بن منقذ ، «كتاب الإعتبار» / تحقيق الدكتور قاسم السامرائي.

[14] ـ أمين معلوف / مصدر سابق / ص 63 نقلاً عن الكامل في التاريخ / ج 8 / ص 187.

[15] ـ المرجع السابق / ص 63.

[16] ـ أرنست باركر ، «الحروب الصليبية» / ص 23ـ24.

الفهرس

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-09-2006, 04:42 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

(( المسيحية والسيف))
وثائق تاريخية عن فظائع الحروب الصليبية
34 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36 وَ هَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ! (إنجيل متى :10)

يتغنى النصارى بمقولة المسيح : ( من ضربك على خدك الايمن فادر له خدك الايسر ) ليدللوا على ان دينهم دين سلام ورحمة وفي المقابل نجدهم ينعقون ليلا نهارا بأن الاسلام دين السيف والارهاب فهل التاريخ والواقع يصدق ذلك ؟؟

روى ابن الاثير في تاريخه 8/189-190 عن دخول الصليبين للقدس في الحروب الصليبية فقال : ( ملك الفرنج القدس نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان وركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة اسبوعا يقتلون فيه المسلمين واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود فاعتصموا به و قاتلوا فيه ثلاثة ايام و قتل الفرنج بالمسجد الاقصى ما يزيد على سبعين الفا منهم جماعة كبيرة من ائمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الاوطان و جاور بذلك الموضع الشريف )

كما وصف ستيفن رنسيمان في كتابه تاريخ الحروب الصليبية ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال : ( و في الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين فأجهزت على جميع اللاجئين اليه وحينما توجه قائد القوة ريموند اجيل في الضحى لزيارة ساحة المعبد اخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه وتركت مذبحة بيت المقدس اثرا عميقا في جميع العالم وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها غير انها ادت الى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود بل ان كثير من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث) 1/404/406

وقد وصف كثير من المؤرخين احداث المذبحة التي حدثت في القدس يوم دخول الصليبيين اليها و كيف انهم كانوا يزهون بانفسهم لان ركب خيولهم كانت تخوض في دماء المسلمين التي سالت في الشوارع و قد كان من وسائل الترفيه لدى الصليبيين ان يشووا اطفال المسلمين كما تشوى النعاج. ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الاسد في الحملة الصليبية الثالثة عند احتلاله لعكا بأسرى المسلمين فقد ذبح 2700 أسير من اسرى المسلمين الذين كانوا في حامية عكا و قد لقيت زوجات واطفال الاسرى مصرعهم الى جوارهم.

فاي سلام يحمله هؤلاء ؟؟؟

فقد امنهم الاسلام على انفسهم لكنهم لا يعرفون معنا للقيم والعهد والسلام . ومع ما فعله الصليبيون في القدس فاننا نرى رحمة الاسلام ومسا محته حتى مع هؤلاء الكلاب فقد وصف المؤرخون ما حدث في اليوم الذي دخل فيه صلاح الدين الايوبي رضي الله عنه الى القدس فاتحا لم ينتقم او يقتل او يذبج بل اشتهر المسلمون الظافرون في الواقع بالاستقامة والانسانية فبينما كان الصليبيون منذ ثماني وثمانين سنة يخوضون في دماء ضحاياهم المسلمين لم تتعرض ا أي دار من دور بيت المقدس للنهب ولم يحل بأحد من الاشخاص مكروه اذ صار رجال الشرطة يطوفون بالشوارع والابواب تنفيذا لامر صلاح الدين لمنع كل اعتداء يحتمل وقوعه على المسيحيين وقد تأثر الملك العادل لمنظر بؤس الاسرى فطلب من اخيه صلاح الدين اطلاق سراح الف اسير فوهبهم له فاطلق العادل سراحهم على الفور واعلن صلاح الدين انه سوف يطلق سراح كل شيخ وكل امراة عجوز.

وأقبل نساء الصليبيين وقد امتلأت عيونهن بالدموع فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن بعد أن لقي ازواجهن أو آباؤهن مصرعهم أو وقعوا في الأسر فأجاب صلاح الدين بأن وعد باطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن وبذل للأرامل واليتامى من خزانته العطايا كل بحسب حالته فكانت رحمته وعطفه نقيض افعال الصليبيون الغزاة.

اما بالنسبة لرجال الكنيسة انفسهم وعلى رأسهم بطريرك بيت المقدس فانهم لم يهتموا الا بأنفسهم وقد ذهل المسلمون حينما رأوا البطريرك هرقل وهو يؤدي عشرة دنانير ( مقدار الفدية المطلوبة منه ) ويغادر المدينة وقد انحنت قامته لثقل ما يحمله من الذهب وقد تبعته عربات تحمل ما بحوزته من الاموال والجواهر والاواني النفيسة .

ولو نظرنا الى عصرنا الحاضر لما احتجنا كثيرا لقراءة التاريخ فالتاريخ اسود والواقع اشد سوادا فما يزالون يحملون احقادهم ضد المسلمين في كل مكان وضد الانسانية التي يتغنون بها وجنوب السودان وصبرا وشاتيلا والبوسنة والفلبين و الشيشان وكوسوفا وابخازيا واذربيجان تشهد على دمويتهم وحقدهم فقد خرجوا من جحورهم واستأسدوا عندما غابت الليوث لكن سيأتي يوم الحساب قريبا ومهما طال ليل الباطل فلا بد له ان يندحر وتشرق شمس الحق من جديد.


--------------------------------------------------------------------------------

وصف للمجاز الصليبية التي حدثت في القدس حين دخول الصليبيين اليها

ذكر غوستاف لوبون في كتابه الحضارة العربية نقلا عن روايات رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية الحاقدة على القدس ما حدث حين دخول الصليبيين للمدينة المقدسة من مجازر دموية لا تدل إلا على حقد أسود متأصل في نفوس ووجدان الصليبيين. فقال الراهب روبرت أحد الصليبيين المتعصبين وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفا سلوك قومه ص325 ( كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها ! كانوا يذبحون الأولاد والشباب ويقطعونهم إربا إربا وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية فيا للشره وحب الذهب وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث )

وقال كاهن أبوس ( ريموند داجميل ) شامتا ص326-327:
(حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسرار القدس وبروجها فقد قطعت رؤوس بعضهم فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم وبقرت بطون بعضهم فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار وحرق بعضهم في النار فكان ذلك بعد عذاب طويل وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا).

وقال واصفا مذبحة مسجد عمر:
لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها فإذا اتصلت ذراع بجسم لم يعرف اصلها. ولم يكتفي الفرسان الصليبيون الأتقياء (!) بذلك فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود و خوارج النصارى الذين كان عددهم ستين ألفا فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام و لم يستبقوا منهم امرأة و لا ولدا و لا شيخا )

وفي ص396 يقول : ( و عمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع و المختبئين في السراديب فأهلكوا صبرا ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات و كانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطاكية و غيرها بيد الصليبيين).

فأي انسانية يتغنى بمثلها هؤلاء ؟ هل فعلا يديرون الخد الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن ؟
تاريخهم يجيب عن ذلك!

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15-09-2006, 04:49 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road






علاقة الشرق بالغرب :

تعد فتوحات الإسكندر السبب في مجيء الإغريق والرومان إلى المسرح الشرقي ، وكان هذا أول التقاء حضاري بين هذين العالمين.

وكان من نتائج هذا التفاعل الحضاري نشوء حضارة جديدة أطلق عليها الحضارة (الهلنستية) تمييزاً لها عن الحضارة (الهلينية) التي تعني الحضارة الإغريقية في البلاد الأم ، وأصبحت الحضارة (الهنستية) الحضارة التي تميزت بها بلدان الشرق الأدنى في القرون الثلاثة التي سبقت المسيحية.

وكان غزو الإسكندر للشرق هو بداية لتطلع الغرب لخيرات الشرق واحتلاله ، فعندما حلت الإمبراطورية الرومانية محل الإمبراطورية الإغريقية بعدما تغلبت روما على إسبرطة وأثينا ، احتلت سوريا سنة 64 ق.ب وانتهت بضم مصر إليها ، ثم غزت شمال إفريقيا بكامله بعد قضائها المبرم والنهائي على مدينة (قرطاجنة) التي صيرتها خراباً إلى يومنا هذا ، وذلك بعد حرقها وتدميرها وزرع أرضها بالملح حتى لا تنبت مرة أخرى ، وبلغت حدود الإمبراطورية الرومانية من المحيط الأطلسي غرباً إلى الصحراء السورية العربية شرقاً.

وهكذا نجد أن علاقة الغرب بالشرق التي بدأت منذ الحروب الفارسية اليونانية إلى الحروب الرومانية مررواً بالفتوحات الإغريقية أدت إلى وصول الإغريق والرومان إلى هذه الأصقاع التي استعمروها سياسياً وحضارياً ، وكان لها أثر بالغ من الناحية الاقتصادية باحتلال هؤلاء الغزاة للموانئ العربية ، وإقامة مراكز تجارية بها ، كما عززوها بقواعد عسكرية لحماية تلك التجارة ، وهنا نتوقف وقفة : إذ نجد التاريخ يعيد نفسه ، فهاهو الحضور الغربي في الخليج العربي لحماية مصالحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية ابتداء من الاحتلال البرتغالي مروراً بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق ، ووجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج.

هذه بداية كان لا بد منها لمعرفة أبعاد وجذور علاقة الغرب بالشرق قبل الإسلام ، وأنها كانت علاقة قائمة على تفاعل حضاري وتبادل تجاري من ناحية ، وتطورت إلى أن أصبحت علاقات قائمة على أطماع ، ومصالح اقتصادية.

لقد جسد المشروع الصليبي عصبية الغرب تجاه الإسلام وهذا ما اعتبره توماس أرنولد بمثابة (حركة روحية أوضحت نفسها بنظام روحي ، ووصفها بأنها عبارة عن حرب مقدسة ، حرب عادلة عند رجال الدين من الوجهة النظرية ، فضلاً عن أنها حرب مباركة يصح أن يعول الناس مصائرهم عليها ، حرب أشعلت في سبيل القضية النصرانية ، ووحدت مصدر قوى المسيحية كلها في إطار عداء جمعي ضد خصمها الألد في الدين) ، بينما يرى المستشرق الروسي (اليكسي فاسيلينتس جورافكسي) أن الدراسات الأوروبية المعاصرة حول الإسلام قد تشكلت على مدى أربعة عشر قرناً تقريباً من تجاور الإسلام والمسيحية أو من وجودهما المشترك ، ويقرر في موضع آخر أن التصورات الأوربية عن الإسلام قد تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد ، في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية ، مشيراً في ذلك إلى مؤلفات (يوحنا الدمشقي) التي ناقش فيها الإسلام كبدعة ، وأن المسلمين لا يعتقدون بألوهية المسيح وصلبه ، وأن يوحنا يرفض أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الله وهو خاتم المرسلين ، وأن القرآن كلمة الله المنزلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم من السماء إذ يرى أن سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان ولم تكن الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي ، وقصائد لوجيت الإنجليزي سوى أمثلة على تلك العصبية الغريبة التي وضعت الإسلام أمام محكمة تاريخية ودعت إلى إعدامه ونفيه خارج عقل الغرب وروحه.

بواعث الحروب الصليبية:

للحروب الصليبية أسباب دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية سأتعرض لكل منها بشيء من التوضيح.

1-الأسباب الدينية:

يثبت التاريخ أن المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ، تشهد عليها الرسالة التي بعث بها (ثيودسيوس) بطرق بيت القدس سنة 869 إلى زميله (اجناتيوس) بطرق القسطنطينية والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة. وقد قال بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إن المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت).

وهذا وإن تعرض بعض المسيحيين أحياناً في بعض البلدان الإسلامية لنوع من الضغط أو الاضطهاد ، فتلك حالات فردية شاذة شذت عن القاعدة العامة التي حرص الإسلام عليها دائماً. وهي التسامح المطلق مع أهل الكتاب ، وإذا كان بعض المؤلفين الأوربيين قد تمسكوا بهذه الحالات الفردية ، وأرادوا أن يتخذوها دليلاً على تعسف حكام المسلمين مع المسيحيين في عصر الحروب الصليبية ، فلعل هؤلاء الكتاب نسوا أو تناسوا ما صحب انتشار المسيحية ذاتها من اضطهادات ومجازر بدأت منذ القرن الرابع للميلاد ، واستمرت حتى نهاية العصور الوسطى ، ويكفي أن أذكر ما قام به خلفاء الأمير قسطنطين الأول من اضطهادات لإرغام غير المسيحيين على اعتناق المسيحية ، وما قام به شارلمان في القرن الثامن من فرض المسيحية على السكسون والبارفيين بحد السيف حتى أنه قتل من السكسون في مذبحة (فردن) الشهيرة أكثر من أربعة آلاف فرد جملة واحدة ، وما ارتكبه الفرسان التيتون ، وفرسان منظمة السيف من وحشية وقسوة بالغة في محاولتهم نشر المسيحية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من البروسيين واللتوانيين وغيرهم من الشعوب السلافية قرب شاطئ البحر البلطي ، هذا إضافة إلى ما قام به المنصرون (الجزويت) في القرن السابع عشر من عنف لنشر المسيحية في الهند.

مما سبق يتبين لنا أنه لم يكن هناك اضطهاد ديني لمسيحي الشرق من قبل المسلمين يبرر قيام هذه الحملة الصليبية على الإسلام وبلاده ، والتي امتدت أكثر من قرنين من الزمان (1092- 1295م) ، ولكن دعاة الحملة الصليبية الأولى ، وعلى رأسهم (البابا أوريان الثاني) قد استغلوا فكرة الاضطهاد للاستهلاك المحلي للدعاية لمشروعهم في غرب أوروبا ، تماماً كما ادعوا الآن بوجود أسلحة دمار شامل لدى العراق ووصفوا الإسلام بالإرهاب.

أطماع البابوية الحقيقية:

لقد كانت للبابوية أهداف وأطماع وراء الحروب الصليبية على المسلمين متذرعة برفع الظلم والاضطهاد عن المسيحيين في الشرق ، كما أراد أن يكون الزعيم الروحي لجميع المسيحيين في الشرق والغرب.

ويذكرنا هذا بتصريح بابا الفاتيكان الذي أعلن في المجمع المسكوني الذي عقد عام 1962 – 1965م باستقبال الألفية الثالثة بلا إسلام ، وقد كان من قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني : اعتبار المسيحيين هم شعب الله المختار ، ونشر الإنجيل على كافة البشر ، والتأكيد على عصمة البابا من الخطأ ، واقتلاع الديانات الأخرى ، وبخاصة الإسلام.

ولنتوقف هنا عند كلمة (مسكوني) ماذا يعني هذا المصطلح ؟ مصطلح (مسكوني) يدل على (الأرض المسكونة) وهي في القرنين الرابع والخامس للميلاد مساحة الإمبراطورية اليونانية والرومانية وبهذا يطلق على البطريرك الأرثوذكسي في القسطنطينية (العاصمة الثانية للإمبراطورية الرومانية) لقب البطريرك المسكوني وعلى مستوى الكنيسة تدل صفة المسكوني على لقاءات الأساقفة (مجامع) للبحث في المسائل المختصة بالكنيسة كلها ومنذ مطلع القرن العشرين استعمل لفظ مسكونية لوصف الجهود المبذولة لجمع شمل المسيحيين في كنيسة واحدة ، وفي الأدبيات المسيحية تصريح بأن (الحركة المسكونية) ترقى بنشأتها إلى مؤتمر (الإرساليات التبشيرية العالمي) المنعقد في أدنبرة استكلندا عام 1910م والكلام عن (الحركة المسكونية) كان يعني أولاً السعي للنهوض بوحدة الكنيسة ، وثانيا بوحدة البشرية ، وذلك عبر التنصير والإرساليات ، وعبر العمل الاجتماعي في العالم غير المسيحي. إن الحركة التنصيرية العالمية أو (الوحدة في العمل التنصيري) شكلت الولادة الحقيقية للعمل المسكوني وللحركة المسكونية ، وفي ذاكرة المسلمين والمسيحيين في الشرق صور أليمة ومريرة عن المواجهة مع الحركات التنصيرية.

من هنا يتضح لنا سبب استغلال الإدارة الأمريكية لأحداث سبتمبر ، ونسبتها للعرب والمسلمين لتتهمهم بالإرهاب ، ولتجعل هذا مبرراً لإعلان الحرب على كل ما هو إسلامي ، واحتلال بلاد العرب والمسلمين بحجة محاربة الإرهاب ، ويؤكد هذا دخول البعثات التنصيرية العراق مع قوات الاحتلال لتمارس دورها في التنصير عن طريق أعمال الإغاثة في حين جمدت الإدارة الأمريكية أنشطة الجمعيات الإسلامية الخيرية لتنفرد هذه الإرساليات بأعمال الإغاثة ، فالفكر الغربي هو هو لا يتغير مهما مضى الزمن ، فأساليبه ومبرراته واحدة ، وعلى المسلمين أن يعتبروا ويتعظوا من دروس التاريخ وأن يولوا دراسته وصناعته إعلاميا جل اهتمامهم.

2-الأسباب الاقتصادية :

تتلخص الأسباب الاقتصادية في سوء الأحوال الاقتصادية في غرب أوربا لدرجة اضطرت الناس لأكل الأعشاب والحشائش في جو مشحون بالحرب المحلية بين الأمراء الإقطاعيين مما أضر بالتجارة والزراعة فكانت الحروب الصليبية طريقاً للخلاص من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشوا فيها بتحريض من اليهود ، فحشد للحرب كل المعدمين والفقراء والمساكين الفارين من القانون ، من الذين يفكرون في بطونهم قبل أن يفكروا في عقولهم أو بدافع من دينهم بدليل ما قاموا به طوال طريقهم إلى القسطنطينية من أعمال العدوان والسلب والنهب ضد الشعوب المسيحية التي مروا بأراضيها مما يتعارض مع أي وازع ديني.

مصالح البندقية وجنوا وبيزا :

فقد حرصت كل من (البندقية وجنوا وبيزا) لتحقيق أكبر قسط من المكاسب الذاتية على حساب البابوية والصليبيين جميعاً ، ويؤكد هذا ما قامت به البندقية من تضليل حملة صليبية كبرى ، حيث وجهتها نحو القسطنطينية ، وليس غزو مصر.

وهكذا نجد أن الحرب الصليبية صبغت من أول أمرها بصيغة اقتصادية استغلالية واضحة ، فكثير من الذين شاركوا في هذه الحروب لم يفعلوا ذلك لخدمة الصليب وحرب المسلمين ، وإنما جرياً وراء المال وجمع الثروات ، وإقامة مستعمرات ومراكز ثابتة لهم في قلب الوطن العربي بغية استغلال موارده والمتاجرة فيها ، والحصول على أكبر قدر ممكن من الثروة.

ونجد ذلك لا يختلف عن البواعث الاقتصادية للحروب الأمريكية على البلاد العربية والإسلامية ، وإن حل البترول في زمننا هذا محل الأطماع الاقتصادية الأخرى ، فأطماع الغرب من ثروات الشرق ليست وليدة العهد وجري الجمهوريات البحرية الإيطالية وراء جمع مال وثروات البلاد العربية لا يختلف عن جري رجال الإدارة الأمريكية على تأمين آبار ومنشآت بترول العراق ، وجري شركات البناء والتعمير للحصول على عقود إعمار العراق ، فرجال الإدارة الأمريكية الحالية كلهم كانوا يعملون في النفط فعائلة بوش كل تجارتها قائمة على البترول ، وقس على ذلك كثير من المسؤولين ، والسيطرة على البترول تحقق لأمريكا الهيمنة على العالم إضافة إلى حل الأزمة المالية التي تعاني منها الإدارة الأمريكية : إذ تعاني من عجز في ميزانيتها قيمته سبعمائة مليار دولار.

ومما يجدر الإشارة إليه أنه كما كان لليهود دور في إشعال فتيل الحروب الصليبية ، كان لهم دور في الحرب الراهنة على الإسلام والمسلمين ، ويؤكد هذا ما قاله السيناتور موران في الثالث من مارس الماضي (إن الحرب التي تخيم على العراق هي نسيج أيدي اليهود الأمريكيين وإنه لولا دعم المجموعة اليهودية القوي لهذه الحرب لكنا تصرفنا بشكل مختلف).

في ذلك الوقت كانت الحرب مجرد شبح يثير القلق والمخاوف ، أما الآن وبعد أن أصبحت حقيقة واقعة فإن موران ممنوع من الكلام ذلك أن المجموعة اليهودية التي دفعت الولايات المتحدة إلى الحرب تمارس كل ما لديها من نفوذ للتشهير بالسيناتور الكاثوليكي لحمله على الاستقالة من عضوية الكونجرس.

3-الأسباب السياسية :

لم تكن بواعث خروج ملوك أوروبا للحروب الصليبية من أجل حرب المسلمين ، ولكن لوقوعهم تحت ضغوط البابوية ذات النفوذ الكبير آنذاك ، فلا يستطيع ملك من ملوك الغرب أن يعصي لها أمراً ، أو يرد لها طلباً ، وإلا تعرض للحرمان والطرد من الكنيسة ورحمتها ، فلا يستطيع الاحتفاظ بعرشه أو بولاء شعبه.

أما الأمراء الذين أسهموا في الحروب الصليبية ، فمعظمهم كان يجري وراء أطماع سياسية لم يستطيعوا إخفاءها قبل وصولهم إلى الشام ومعظم هؤلاء الأمراء كانوا لا يملكون إقطاعا في بلادهم بموجب نظام الأكبر ، ويؤكد هذا صراع هؤلاء الأمراء فيما بينهم ، وكيف أنهم أخذوا يقسمون الغنيمة وهم في طريقهم إلى الشام.

يضاف إلى ذلك رغبة طبقة الخدم والفلاحين في الخلاص من ظلم الأمراء ولو بالموت أثناء الحرب ، وهذا الصراع على الغنيمة يماثل ما حدث بين الإدارة الأمريكية وبريطانيا ، والدول التي تحالفت معهما على غزو العراق.

وفي النهاية أقول : إن بواعث الحروب الصليبية التي تعرضنا لها في الفترة من (1091 – 1295م) هي ذاتها بواعث الحرب الحالية المعلنة على العالم الإسلامي تحت مسمى محاربة الإرهاب والتي ستطول ولا نعلم مداها لأن قائمة الدول التي سوف تعلن الحرب عليها طويلة ، وإن اختلفت في مصطلحاتها ومفرداتها ، مع إضافة البواعث الثقافية إليها ، وهي فرض الثقافة الصهيو أمريكية علينا ، وتحقيق المشروع الصهيوني في إقامة دولة إسرائيل الكبرى.

وهذا يؤكد أن النزعة الاستعمارية لدى الغربي نزعة متأصلة فيه ذات جذور عميقة بدأت منذ عهد الإسكندر ، وامتدت إلى أيامنا هذه ، وبواعثه وأهدافه ومبرراته هي هي لا تتغير ، ولكننا نحن لا نقرأ التاريخ ، ولا نستفيد من دروسه.

المنار ، العدد 70 ، جمادى الأولى 1424هـ ، بقلم الأستاذة سهيلة زين العابدين.

|








رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15-09-2006, 04:55 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road



الحرب المقدسة.. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم


عرض/ إبراهيم غرايبة
يعالج هذا الكتاب موضوع الحروب الصليبية معالجة تاريخية وبمقاربات سياسية من الواقع القائم على نحو يبدو تاريخيا سياسيا تحليليا ودينيا أيضا، ويركز على الصراع بين اليهود والمسلمين والمسيحيين الذين يفترض أنهم يتبعون جميعا نبيا واحدا هو إبراهيم ويؤمنون بنبوة ذريته من الأنبياء ويتبعونهم.


غلاف الكتاب

-اسم الكتاب: الحرب المقدسة.. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم
-المؤلف: كارين أرمسترونغ
-عدد الصفحات: 707
-الطبعة: الأولى 2004
-الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت



الحروب الصليبية والنزاع الراهن بدأت أوروبا تشهد في القرن الحادي عشر الميلادي حالة من النهضة، ومحاولات للتخلص من الشعور بالدونية تجاه المسلمين الأشد منهم بأسا والأرقى ثقافة، وبدؤوا يحاولون بناء ذات جديدة ويشعرون بثقة جديدة. وهكذا كانت الحملات الصليبية جزءا أساسيا من هذه العملية، وعبرت تماما عن الروح الغربية الجديدة.

إن اختلاق عدو إجراء بالغ الأهمية كوسيلة لتطوير هوية جديدة، وقد وفر المسلمون ذلك العدو الكامل، وإن كان من الواضح أن الفرنجة لم تكن لهم حتى ذلك الحين أية مآخذ على المسلمين، ولم يكونوا يعرفون شيئا عن الديانة الإسلامية سوى أن المسلمين غير مسيحيين وأنهم مقاتلون أشداء، ومن شأن التغلب عليهم أن يعلي كثيرا من شأن الفرنجة.

كانت الحروب الصليبية قائمة أساسا على معاداة السامية، وبدأت بمهاجمة اليهود والسعي للقضاء عليهم، وكانوا يخيرون بين التنصر والموت. وقبل أن تتحرك الجيوش الصليبية إلى الشرق كانت مشغولة بتطهير أوروبا من اليهود قتلة المسيح، وجعل الصليبيون من اللاسامية مرضا غربيا لا شفاء منه استمر متلبثا في الغرب طوال العصور الوسطى. وعندما نهض هتلر مرة أخرى كان يقتل أيضا حتى الذين اعتنقوا المسيحية من اليهود قبل مئات السنين هربا من المذابح التي ارتكبها قادة الحروب الصليبية.


في بداية رحلة الصليبيين إلى ذات جديدة لهم ذبحوا اليهود، وفي نهاية حملتهم المرعبة ذبحوا المسلمين في القدس بوحشية تقشعر لها الأبدان، ولولا اللاسامية الغربية لما قامت دولة يهودية في الشرق الأوسط

يجب أن يكون واضحا -برأي المؤلفة- كيف وصلت الفكرة الصليبية إلى أن ترتبط ارتباطا واضحا ومباشرا بالنزاع الحالي في الشرق الأوسط، ففي بداية رحلتهم إلى ذات جديدة لهم ذبح الصليبيون اليهود، وفي نهاية حملتهم المرعبة ذبحوا المسلمين في القدس بوحشية تقشعر لها الأبدان، وكان الحقد على اليهود والمسلمين قد انغرس عميقا في الهوية الغربية، ولولا اللاسامية الغربية لما قامت دولة يهودية في الشرق الأوسط.

وشهد القرن الثامن عشر حقبة قومية ملتهبة، وظهر اليهودي عدوا للشخصية القومية، وفي ألمانيا تشكلت قومية قائمة على الشعب وليس الحضارة والمدينة، وهذه الرؤية جعلت اليهود عدوا أساسيا للروح الألمانية، وفي خضم هذه البيئة القومية المحمومة راح اليهود يلتمسون لأنفسهم حلا قوميا، وكانت الفلسفة الأساسية للحل القومي هي إعادة الاتصال المادي بأرض آبائهم، ونشأت الحركة الصهيونية.

كانت الهجرة الأولى إلى فلسطين بدوافع صهيونية في ثمانينات القرن التاسع عشر، وعندما تبلورت الحركة الصهيونية حركة سياسية ذات شرعية ومعترفا بها لدى كثير من الحكومات وقادة الدول في أوروبا، كانت الفكرة الأساسية هي وطن قومي لليهود، وليس بالضرورة أن يكون هذا الوطن هو فلسطين، بل يمكن أن يكون في سيناء أو أفريقيا.

وعندما انتزع البريطانيون فلسطين من الأتراك عام 1917 لم يكن الفلسطينيون قد أخطروا رسميا بإعلان بلفور، وقد حيا الكثيرون منهم بريطانيا متأملين أن أياما أفضل تنتظرهم في المستقبل. وهكذا فقد وصف الشاعر على الريماوي العهد التركي الطويل بالمظلم في قصيدة نظمها عام 1918، وأشار إلى أن الفلسطينيين والعرب يعلقون آمالا على البريطانيين.

وتبدي قصيدة لمعروف الرصافي نظمها عام 1920 بمناسبة قدوم المفوض السامي هربرت صموئيل ونفى فيها أن يكون العرب يكرهون اليهود:

ولسنا كما قال الألى يتهموننـا*** نعادي بني إسرال في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهــم*** يمت إسماعيل قدما بنو فهر
ولكنا نخشى الجلاء ونتقــي*** سياسة حكم يأخذ القوم بالقهر

ولكن جرت الأحداث بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين كما هو معروف، فقد بدأ اليهود يتدفقون إلى فلسطين حتى أعلنوا قيام دولتهم عام 1948، وهجر مئات الآلاف من الفلسطينيين من أوطانهم، وهدمت قراهم ومحيت من الوجود، واستبدل بها قرى بأسماء عبرية، وتحول النزاع العلماني على الأرض مرة أخرى إلى نزاع ديني وحرب مقدسة.

وتقول المؤلفة "إنه من الأهمية أن ندرك ما قد يعنيه هذا التصعيد في العنف ذي البواعث الدينية بالنسبة للشرق الأوسط، وأحسب أن قصة الحملات الصليبية والاستجابة الإسلامية لتحدياتها، يمكن أن توفر لنا بعض الدروس والعبر القيمة، ليس لأن التاريخ يكرر نفسه، بل لأن اليهود والمسلمين الذين يتحاربون اليوم تتملكهم العديد من نفس الهواجس والأهواء التي كنا نجدها لدى جنود الرب المحاربين في سبيل دينه حين زحف الصليبيون على القدس لتحرير قبر المسيح".

الدوافع الحقيقية للحرب الصليبية
من رواد الحرب الصليبية على الشرق غودفري ولي عهد دوقية اللورين التي قضى عليها الإمبراطور هنري الرابع وعين غودفري وكيلا لها. ولم يكن له مستقبل في الغرب، فقد كان على وشك أن يطرده هنري الرابع من منصبه، وجاء غودفري على رأس أول جيش صليبي ليكون أول حاكم صليبي للقدس.

ومنهم أيضا بوهيموند أحد إقطاعيي دوقية أبوليا جنوب شرق إيطاليا، والذي وجد في الحرب الصليبية فرصة للمجد والثراء في الشرق. وروبرت أوف نورماندي الابن البكر لوليام الفاتح، والذي فشل في صراعه مع أخيه في وراثة عرش أبيه، وعندما عاد من الحروب الصليبية وضعه أخوه في السجن ليقضي بقية حياته فيه. ومنهم بالدورين الذي خسر كل أملاكه وفشل في أن يكون رجل دين. وكان هؤلاء يقودون جيشا من الغوغاء يحلم بالسلب والنهب والثراء.


عندما وصل الصليبيون إلى القدس ودخلوها قتلوا كل من وجدوه في طريقهم من رجال ونساء وأطفال كما لو كانوا يستعيدون المشهد التوراتي الذي صور دخول يوشع بن نون للمدن والمناطق نفسها قبل ألفي عام

وهكذا فقد امتزجت في الحرب الصليبية الدوافع الشخصية والمغامرة والمثل المسيحية فكانت هذه الحملات. كما أوصلت تداعياتها وتطوراتها حالة من المساواة الجديدة المفروضة بين الفقراء والعاديين من الأوروبيين وبين الفرسان والنبلاء الذين جعلتهم المحنة والغربة والحاجة متساوين تماما، مما أعطى الفقراء فرصة بالشعور أنهم من الصفوة، وكانت غنائم بعضهم من الوفرة التي تجعلهم في مصاف النبلاء وتحررهم من شعور طويل متراكم بالمذلة والعبودية، وتعززت فكرة الصليبيين الفقراء الباحثين عن العدالة والمساواة.

وعندما وصل الصليبيون إلى القدس ودخلوها قتلوا كل من وجدوه في طريقهم من رجال ونساء وأطفال كما لو كانوا يستعيدون المشهد التوراتي الذي صور دخول يوشع بن نون للمدن والمناطق نفسها قبل ألفي عام.

وذكر ريمون داغويليه الذي كان يرافق الحملة أن رؤوس الناس كانت تقطع ويلقى بجثثهم في الشوارع، وحرق الكثير وعذبوا وألقي بهم من أبراج المدينة. وأما هيكل سليمان حيث تقام خدمة الرب فربما كان المشهد -كما يروي داغويليه- جذلا لا يصدق، فقد غاص الرجال حتى الركب وأعنة الخيل في الدماء، وقتل في يومين زهاء 40 ألفا من أهل المدينة.

وجرى تعزيز الوجود الصليبي بفرق من الفرسان المقاتلين الذين استولوا على القلاع والحصون، وأقاموا نظاما خاصا اقتبسته بعد مئات السنين المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية.

وفي المقابل فقد كان المؤرخون المسلمون الذين كتبوا عن الحروب الصليبية يرونها حملات عسكرية توسعية اقتصادية ولم يربطوها أبدا بالدين المسيحي، غير أن عماد الدين زنكي بدأ حملة مضادة لمواجهة الصليبيين، واستعيدت من جديد قيم الجهاد وأفكاره لتجميع المسلمين في مواجهة الصليبيين، وتحولت الحرب لدى المسلمين من علمانية للتحرير والدفاع إلى حرب ممزوجة بالكرامات الدينية، وتصاعدت الوتيرة الدينية للحرب بمجيء محمود نور الدين زنكي بعد مقتل أبيه عماد، فقد كان محمود بخلاف أبيه متدينا.

وفي تلك الأثناء تدفقت الهجرة اليهودية إلى الشرق هربا من مذابح الصليبيين، وجاء موسى بن ميمون إلى مصر مع والده وكان طفلا في الخامسة من عمره، فتعلم الطب هناك وبرع فيه، وصار طبيب صلاح الدين الأيوبي، كما كان أيضا أحد أهم المراجع الدينية حتى اليوم لدى اليهود، فقد أنشأ حلما يهوديا -ولعله كان في ذلك متأثرا بالصراع على القدس- بقيام دولة لليهود على أرض إسرائيل تحكمها التوراة.

تنحو الحرب المقدسة اليهودية منحى الحرب المقدسة المسيحية، حتى إن الصهاينة المتدينين يبدون كما لو أنهم يستعيدون ويقتبسون النموذج الصليبي، ويبدو أن الحرب الصليبية ساعدت في تشكيل الصهيونية الدينية تماما كما أنشأت اللاسامية المعادية لليهود.

الحملة الصليبية الثانية
حشد برنار رئيس دير الرهبان في كليرفو منطلقا من فرنسا لحملة صليبية ثانية عام 1146 بعد 50 سنة من الحملة الأولى بهدف إعادة الرهان إلى الحظيرة الصليبية بعدما استولى عليها عماد الدين زنكي.

والواقع أن الحشود الصليبية القادمة من الشرق لم تتوقف منذ بدأت عام 1099، ولكن هذه الحملة المشار إليها بالثانية لدى المؤرخين ينظر إليها باعتبارها واحدة من الحملات الثماني الكبرى التي كان ينفر لحشدها البابوات والأساقفة والقادة والنبلاء.

ولكن حدثت تفاعلات سياسية وخصومات ومنافسات جعلت الإعلان عن حرب صليبية جديدة مخرجا من الأزمة ووسيلة للتخلص من المنافسين، كما في التنافس بين برنار راعي الحملة الصليبية وبين منافسه الفيلسوف ورجل الدين بيير إبيلار. ووجد ملك فرنسا الشاب لويس في الحملة مخرجا لأزمته الشخصية والنفسية بعد المذبحة الهائلة التي نفذها بحق أبناء مدينة فييتري التابعة لمملكته.

وحرضته على الحملة زوجته الشابة الغنية التي كانت أكثر منه ثراء، وعندما تزوجته وانتقلت من الجنوب إلى باريس وجدتها كئيبة لا تطاق، فقد كان الجنوب الفرنسي أقرب إلى العلمانية وأرفع ثقافة من الشمال، فهي كانت تتقن عدة لغات وتنظم الشعر ودرست الفلسفة والعلوم المعاصرة، في حين لم يكن زوجها الملك لويس يملك من الثقافة إلا شيئا ضئيلا وتافها.

وتحركت الحملة من ألمانيا وهي تواصل أعمال النهب والسلب وذبح اليهود والمسلمين في كل النواحي التي تمر بها، وفي جبال طوروس أجهز الأتراك السلاجقة على تسعة أعشار الحملة.

وأما الجانب الفرنسي من الحملة بقيادة لويس فهي وإن كانت أكثر انضباطا فإنها اضطهدت جميع السكان الذين مرت بهم بمن فيهم المسيحيون الأوروبيون.

وانضم إليه بقايا الجيش الألماني بقيادة الملك كونراد، وتعرض الجيش لمناوشات متواصلة مع الأتراك طوال الطريق، وأرهقه الجوع، ووقع خلاف كبير مع الإمبراطور البيزنطي مانويل الذي ضاق ذرعا بالصليبيين، وكان يفضل الصلح مع المسلمين بدلا من تموين جيوش هائلة همجية، وبخاصة في الشتاء عندما تكون المؤونة لا تكفي أصحابها.

وعندما وصل الجيش إلى أنطاكية قرر قادته استخدام البحر لتجنب الصراع الطويل والمتراكم مع المسلمين، ولكن السفن لم تكن تكفي الجيش ومرافقيه من الحجاج وعائلاتهم، فاقتصر تحميل السفن على الفرسان والنبلاء وترك الفقراء وعائلاتهم يواجهون مصيرهم، وهكذا فقد اختفى هؤلاء من التاريخ، ولا يعرف عنهم شيء بعد ذلك، فقد قتلوا واستعبدوا أو اختفوا في وسط المجتمع الإسلامي مهاجرين فقراء ذليلين.


لم يقتل مسيحي واحد من المدنيين بعد معركة حطين، ومازال صلاح الدين موضع تقدير العالم المسيحي، ونسجت حوله الأساطير الضخمة إلى حد اعتباره أحد القديسين المسيحيين

ومرض الملك كونراد فاضطر للرجوع إلى القسطنطينية، حيث اعتنى به الملك مانويل برغم أن كونراد كان قد هدد بتدمير مملكته، وعندما وصل لويس مع جيشه إلى أنطاكية أمضى مع جنوده فترة من الاسترخاء واللهو، واستمتعت إليانور زوجة الملك لويس بأنطاكية كثيرا فقد وجدتها مترفة عامرة وتشبه الجنوب الفرنسي، كما التقت هناك ريمون صديق طفولتها، واستعادا معا أيام الجنوب تاركين الملك في غيرته وعباداته الكثيرة الطويلة.

واختلف لويس مع ريمون الأنطاكي فأبحر نحو عكا مختطفا زوجته بالقوة، وترك ريمون ليلاقي حتفه على يد جيش نور الدين زنكي. وصدم الصليبيون القادمون حين وجدوا أسلافهم الصليبيين قد استقروا في الشرق وتزوجوا من مسلمات وبدؤوا يندمجون في حياة الشرق ومجتمعاته، ولكنهم استنفروا مرة أخرى على يد الصليبيين الأكثر حماسة وتدينا، ولكن جيوش المسلمين كانت هذه المرة أكثر حماسة وتنظيما بقيادة نور الدين زنكي.. وفشلت الحملة فشلا قاسيا.

وخلف صلاح الدين الأيوبي نور الدين زنكي مدشنا حربا شاملة على الصليبيين، وأصبح الوجود الصليبي في الشرق ضعيفا وهامشيا، فقد أوقع صلاح الدين جيوش الصليبيين في فخ بالغ الإحكام والذكاء وأباده تقريبا عن بكرة أبيه، وسقطت القدس تلقائيا بعد معركة حطين عام 1186 بيد صلاح الدين الأيوبي، وجرت بعد ذلك عمليات واسعة لإطلاق سراح بقايا الصليبيين من الأسرى وجمع شملهم بعائلاتهم، ونقلهم إلى بلادهم أو بقايا مدنهم على البحر المتوسط مثل عكا وصور.

وتقول المؤلفة إنه لم يقتل مسيحي واحد من المدنيين بعد معركة حطين، ومازال صلاح الدين موضع تقدير العالم المسيحي، ونسجت حوله الأساطير الضخمة إلى حد اعتباره أحد القديسين المسيحيين.




رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15-09-2006, 05:14 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

بسم الله الرحمن الرحيم

الحروب الصليبية ... اعتذار أم تكرار ؟


قال صاحب كتاب ( التنصير – تعريفه – أهدافه – وسائله – حسرات المنصِّرين ) :
يُريد النصارى أن ينسى المسلمون الحروب الصليبية حتى تزول الحواجز النفسية التي يظنون أنها هي التي تحول بينهم وبين النصرانية
ومن أجل ذلك انطلقت من أوربا ( مسيرة مُصالحة ) نصرانية للاعتذار للمسلمين عن الحملات الصليبية ، وقد بدأت هذه المسيرة عام 1996 م في فرنسا ، ثم تبعها في ألمانيا حوالي 1000 شخص عام 1997 م معظمهم من سلالة الصليبيين ، وقد زارت هذه المسيرة تركيا ولبنان ، والتقت بعض المسؤولين وبعض المارّة وقدّمت لهم بعض الهدايا مع اعتذار شفهي عن جرائم أجدادهم الصليبيين !! الذين غزوا المنطقة قبل تسعمائة سنة ، وارتكبوا فيها المجازر وألحقوا بالبلاد الدمار .
ومضى صاحب الكتاب قائلاً :
فهل يظن النصارى السذّج أن المسلمين ينسون ذلك التاريخ بهدية تافهة واعتذار بارد ؟؟
فهلا أقاموا مُدناً في بلاد المسلمين عما دمّروه ؟
وهلاّ قدموا إعانات مالية لأبناء المسلمين ؟
وهلا قدموا تدريبا تعليميا وتقنيا ؟
وهلا قدموا رعاية مالية للمعوزين والأيتام ؟
كما يُقدّمون اليوم لليهود ضريبة لما ارتكبوه في حقـّهم – كما افترى ذلك اليهود !! ( يعني بذلك ما يسميه اليهود قضية الأفران !! زعموا )
ولكن هل نَسيت تلك المسيرات النصرانية أن دماءنا لا زالت راعفة في البوسنة والهرسك ؟
وأن جراحنا لا زالت دامية في كوسوفا ؟
وأن إخواننا المسلمين في تلك البلاد يسكنون الخيام بعد أن دَمّرت النصرانية بيوتهم ؟
فمتى ستتجوّل مسيرة مُصالحة أخرى عن هذه الجرائم ؟؟
انتهى كلامه .

وعليه أقول :
هل نسينا دماءنا النازفة في الشيشان بمباركة العالم الغربي .
وإن نسينا كل جرح فلن ننسى جرح الأمة الغائر . جرح الأقصى
وجراحنا التي لا زال ينكؤها النصارى في جُزر الملوك بأندونيسيا
فيُحرقون المساجد على من فيها ، ثم تُجرف الجثث كما تـُجرف النفايات
( انظر موقع www.malukujihad.cjb.net يأتيك بالخبر اليقين )
وغيرها ... الكثير الكثير من جرائم النصارى في حق المسلمين بل في حق الإنسانية .
وكل ذلك يتم تحت سمع وبصر العالم الغربي ( المتحضّر ) دونما نكير أو تشدّق بحقوق الإنسان ؟؟!!

وما بال عظيم الروم ( هرقل ) يُريد أن يُعيدها جذعة !!
ما باله يُريد أن يُعلنها حروبا صليبية ؟؟
أيُريد – بزعمه – حرب الإرهاب أم توليد الإرهاب ؟!!
ما بال وزير دفاعه يُعلن أن الحرب ستشمل ( 60 ) بلدا ؟؟!!

فإذا ما كان له ما يُريد ، وإذا ما سيّرها حروبا صليبية
فمتى سيُقدّم الاعتذار البارد ؟!!
ومتى ستـُـقدّم لنا ورود ( السلام ) وهدايا ( التعايش السلمي ) !!

ومتى سيندمل جرح أمتنا ؟!!
ومتى ستـُفيق أمتي لتعلم علم يقين أن النصارى هم النصارى ، وأن اليهود هم اليهود ؟
وأن تتذكّر جيدا عداوة العدو المتربص وهي تستعيذ بالله من سلوك صراطه في كل يوم ( 17 ) مرة ( غير المغضوب عليهم ) اليهود ( ولا الضالين ) النصارى .
وأن تعي ( ولن ترضى )

قال الدكتور الشاعر يوسف أبو هلالة :

أنا أقسمـت بالذي ذرأ الكـون مـن عـــــدم
وكسى ثوب عـزة كل من بالهدى اعتصــم
ورمــى مدمـن الضـــلال بســوط النقــــم
إن قنعــنا بسخفـنا وركــنّا إلـى النـعــــــم
فخطى الخصم ماضيات من القدس للحرم
عندهـــا يندم الجمــيع ولا ينفــــع الــندم

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15-09-2006, 11:10 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road




العرب..و الصهاينة

دروس التجربة الصليبية
ــــــــــــــــــــــــــــ

عبد العال الباقوري*



بعد حوالي سبعة قرون على انتهائها، في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وتسعة قرون على إعلانها وبدئها (في أوخر القرن الحادي عشر)، لاتزال"الحروب الصليبية"، فكرة وأحداثاً، تلقى إلى اليوم بتأثيراتها على الفكر العربي، الإسلامي من ناحية، ومن ناحية أخرى على جناح أو آخر من الفكر الأوربي متفرعاً عنه وتابعاً له "الفكر الصهيوني". واليوم، لا يكاد يتذكر عربي أو مسلم"الحروب الصليبية" إلا وطافت بذهنه"الغزوة الصهيونية"، والعكس صحيح.



و"الحروب الصليبية" تجربة تاريخية، لها، ككل تجربة تاريخية، دروسها المستفادة، والمفيدة. ومن المؤكد أننا لا نبحث عن شفاء أمراضنا الحالية في أحداث ما ضينا. للماضي منطقه، وللحاضر منطقه. ولكن أوجهاً من وجوه التشابه بين الأحداث واردة. وعند هذا الحد يجب التوقف بإمعان لاستخلاص الدروس: لماذا حدث ما حدث؟ وكيف حدث؟ وهل، أو حتى، كيف"يمكن" أن يحدث ثانية (أو حتى يتكرر ؟) في ظروف مغايرة، وأجواء مختلفة.



إن أحداَ من العرب لا ينتظر صلاح الدين ولا عودة عماد الدين زنكي أو بيبرس أو قلاوون، إن هؤلاء لا يعدوننا بمستقبل أفضل، إلا إذا خلقنا الظروف التي تلد أمثالهم اليوم، بكل ما في كلمة "اليوم" من تبعات[1].



وفي الوقت نفسه فإن"التجربة الصليبية" هاجس وشبح يؤرِّق الصهاينة، ويكاد يقض مضاجع بعضهم، سياسيين وعسكريين ومفكرين، ويدفعهم إلى دراسة هذه التجربة دراسة عميقة مستفيضة، بغرض استنباط الدروس المستفادة، للأخذ بها وتطبيقها، لعل ذلك يكون حائلاً ومانعاً دون أن تلقي الظاهرة الصهيونية المصير نفسه الذي لقته الظاهرة الصليبية.



التطابق ليس وارداً بين ظاهرتين تاريخيّتين في سياقين زمنيين مختلفين، وفي إطارين دوليين لا يمكن أن يتشابها، ولكن حديث"الدروس المستفادة" قد يغري بالإغراق في حديث"المشابهة"، خاصة وأن هناك وجوهاً كثيرة ومفردات عديدة تبدو"متشابهة" بين تجربة أمس وظاهرة اليوم، ولا نزال، نحن العرب، نفتقد وجود دراسة شاملة تلم بأطراف ذلك، وتغوص في أعماق أدق التفصيلات، وعلى الرغم من أننا نتحدث كثيراً عن مصير الصليبيين فإن غالبية كتاباتنا بأن الصهاينة سيلقون نفس المصير تصدر ذلك وكأنه حكم نهائي بات، وتكتفي بالاهتمام بالمشابهة أكثر من اهتمامها بالدروس المستفادة[2].



وأوجه التشابه بين التجربتين شديدة الإغراء لمن يريد أن يطرقها، وهي ليست مدار بحثنا هنا، حيث تكفي نظرة طائر يحلق، يرى الأحداث في مجراها ومسارها، لا يعددها ولا يفصِّلها، ولكن يضعها في الاعتبار، ويختزنها خلفية لاستخلاص الدرس، دون أن يتردد في طرح التساؤل عن إمكانية "التكرار" في ظل ظروف متغيرة، وأحوال مغايرة، وأجواء متقلَّبة، وقيادات مختلفة، فما يحدث اليوم لا يمكن أن"يكرَّر" صورة ما حدث أمس. دون أن نسقط من الاعتبار أن الأرض التي دارت فوقها أحداث أمس هي الأرض نفسها التي تدور فوقها أحداث اليوم. فهل التاريخ هو ظل الأحداث فوق هذه الرقعة الجغرافية، أي فلسطين، بوابة مصر الشرقية، وجنوب الشام، ومن يسيطر عليها يؤِّثر عليهما؟



ظاهرتان ومقارنة

لا يتردد الدكتور قاسم عبده قاسم، وهو واحد من أهم المؤرخين العرب المعاصرين اهتماماً بـ"الحركة الصليبية" في أن يصف هذا المصطلح بأنه"المصطلح المضلل المربك"[3]، ويشرح أسباب ذلك مشيراً إلى أن أحداث هذه الحركة بدأت في السابع والعشرين من شهر نوفمبر 1095م بالخطبة التي ألقاها البابا "أربان الثاني" في كليرمون في جنوب فرنسا[4]، داعياً إلى شن حملة تحت راية الصليب ضد المسلمين في فلسطين. ودارت رحى أحداث امتدت أكثر من قرنين.



وإذا كان الذين انخرطوا في هذه الحروب قد خاطوا على ستراتهم صلباناً من قماش، إلا أن حركتهم لم تحمل صفة "الصليبية" إلا في أوائل القرن الثالث عشر، واستخدمت بدلاً من ذلك مصطلحات أخرى مثل "رحلة الحج" و"الرحلة إلى الأرض المقدسة" و"الحرب المقدسة"[5] وبالمثل، لم يستخدم المؤرخون العرب الكبار المعاصرون لهذه الحروب مصطلحات مثل "الصليبيين" أو "الحملة الصليبية" أو "الحرب الصليبية" بل استخدموا تعبيرات مثل "حركة الفرنج"[6].



وقد أخذت هذه الحروب شكل "حملات" تعددت فوصلت إلى سبع أو ثماني حملات، بدأت أولاها في 1096، وخرجت الأخيرة منها من أوروبا في 1250. وقد نجحت"الحركة الصليبية" في إقامة"مملكة بيت المقدس" وعدد من الإمارات الصليبية الأخرى. لم يكن مسرحها فلسطين وحدها أو المشرق العربي ـ الإسلامي فقط، إنما كان حوض المتوسط بأكمله، بجزره وشواطئه العربية والإسلامية"[7].



ولم يقف بعض قادة هذه الحملات عند هذه الحدود، بل مدّوا أبصارهم إلى ما وراءها، وصولاً إلى المقدسات الإسلامية في الحجاز، ويرى أغلب المؤرخين أن هذه الحروب قد انتهت بتحرير عكا واستعادتها في 1291، بينما يرى آخرون أنها امتدت إلى القرن 15، ويعتبر فريق ثالث من المؤرخين العرب أن هذه الحروب لا تزال مستمرة إلى اليوم[8] ويعتبر الحرب في أفغانستان والعراق "حرباً صليبية".[9]. وقد أصبح تعبير "حرب صليبية" متداولاً ويُضرب مثلاً كدلالة على أية حرب "ضروس" أو طويلة الأمد، ودون أن يعني أنها حرب مقدسة، بل يكاد العكس يكون صحيحاً[10].



أما"الحركة الصهيونية فتعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، وهي ترتبط بكلمة "صهيون" وهو جبل يقع في شرق القدس، وهي، باختصار شديد، تعني إقامة "مجتمع يهودي محض" في فلسطين[11] أو في حدود الأرض الموعودة، التي يزعم اليهود أنه يحق لهم أن يعودوا إليها. ويعتبر كثيرون المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا، وقيام "المنظمة الصهيونية العالمية" بداية لوجود "الصهيونية السياسية" بينما يرون أن "الصهيونية الدينية" أقدم من ذلك بكثير. وعلى الرغم من أن فلسطين لم تكن منذ بدء الحركة الصهيونية هي الهدف لإقامة "الدولة اليهودية" إلا أن الأنظار والأفكار والأعمال الصهيونية تركزت عليها منذ العقد الأول من القرن العشرين، وتأكد ذلك بشكل خاص منذ صدور وعد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا في 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وحين حصلت بريطانيا على الانتداب على فلسطين بدأت تطبيق ذلك عملياً، إلى أن صدر قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، مع تدويل منطقة القدس، ثم انسحبت بريطانيا فجأة من فلسطين وأعلن الصهاينة في 15 أيار 1948 إنشاء كيان أسموه "إسرائيل" والتي خاضت منذ ذلك الوقت عدة حروب، وتوسعت إلى أن سيطرت على كامل الأرض الفلسطينية في عدوان حزيران 1967، كما استولت على سيناء المصرية والجولان السورية، التي لا تزال محتلة إلى اليوم (كانون الأول 2003) أما سيناء فقد جلت إسرائيل عنها في الفترة الممتدة من 1979ـ 1982، بناء على معاهدة وقعتها مع مصر في آذار 1979، أصبحت سيناء بمقتضاها منزوعة السلاح، ولا تزال كامل الأرض الفلسطينية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.



وقبل أن نتطرّق إلى أية مقارنة بين التجربتين الصليبية والصهيونية، نلاحظ بداية أن الصليبيين قد امتلكوا بعد فترة قصيرة من بداية غزوهم "الجانب الأكبر من فلسطين وساحل الشام"، وهي رقعة بلغ امتدادها من الشمال إلى الجنوب نحو خمسمائة ميل، وبلغ عرضها حوالي خمسين ميلاً[12] وتكاد خريطة "الكيان الصهيوني" كما حدّدها قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في 1947 تتشابه إلى حد كبير مع خريطة "مملكة بيت المقدس الصليبية" التي أنشئت في 1099[13] وإذا كانت الحركة الصليبية "مغامرة استيطانية متعصّبة"[14] فإن ذلك ينطبق أيضاً على الحركة الصهيونية، وإذا كانت الأولى قد خرجت تحت شعار الدعوة إلى تخليص قبر السيد المسيح عليه السلام، فإن الثانية خرجت تحت شعار الدعوة إلى استرداد الأرض التي منحها الرب لإبراهيم عليه السلام.



وإذا كان هناك من يرى أنه لا وجه، أولا ضرورة، بتعبير أدق، للمقارنة بين الحركتين، على أساس أن كلاً منهما حدثت في عالم يختلف كلية عن عالم الأخرى، فهناك من يرى بين الظاهرتين تطابقاً كاملاً أو تشابهاً يصل لحدّ التماثل! ويرى البعض[15] في الحركتين تشابهاً مثيراً للدهشة ويعتبر الفروق بينهما ليست شيئاً يذكر أمام أوجه الشبه المثيرة.



ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى عقد مقارنات بين الأشخاص أو القيادات في الحركتين، وبين الشعارات، أو الرموز والسلوكيات، فضلاً عن تشابه الخرائط الذي سبقت الإشارة إليه[16]. ومما لا شك فيه أننا لسنا إزاء ظاهرتين متطابقتين حتى لو كانتا قد حدثتا فوق الأرض نفسها، ولكن في زمنين مختلفين. وفي الوقت نفسه لا يمكن نفي وجود أوجه للتشابه وأخرى للاختلاف بين الحركتين، مما يجعل الدروس المستفادة أمراً وارداً، ويستحق الاهتمام، وحتى هذه الدروس تظل مجرد مؤشرات قد تعين في وضع وبلورة الرؤية العلمية والعملية التي تكفل لنا مواجهة الظاهرة الصهيونية، ومكافحتها، والتغلب عليها. وهذا أمر ممكن، وفي مدى أقصر زمنياً مما عاشته "الإمارات"الصليبية فوق أرضنا.



الحركة الصليبية: كيف يراها الصهاينة والعرب؟

من المؤكد أن للصهاينة رؤيتهم وتقويمهم الخاص للحركة الصليبية، كما أن للعرب رؤيتهم وتقويمهم، فقد اهتم الصهاينة منذ وقت مبكِّر بدراسة الحركة الصليبية، سعياً لإثبات أنها ظاهرة غير قابلة للتكرار من ناحية، وبحثاً عن الأخطاء ونقاط الضعف في هذه الظاهرة كي يتجنّبوها، ونقاط القوة في الجانب العربي الإسلامي (في مواجهة الصليبيين) ليحولوا دون وقوعها، ظناً منهم أن هذا سيحول دون أن يلقوا مصير الصليبيين. ليس أدل على هذا، من الناحية الأكاديمية، من أن البروفيسور "يوشع براور" هو أستاذ تاريخ "العصور الوسطى والحروب الصليبية" بالجامعة العبرية بالقدس المحتلة[17] ونحن الذين شُنت هذه الحروب ضدنا وجرت فوق أرضنا، ندرس هذه الحروب في إطار العصور الوسطى، ولا أعرف جامعة عربية تخصّص كرسياً للعصور الوسطى والحروب الصليبية! إن هذا لا ينبع من فراغ، خاصة إذا تذكرنا أن "براور" هذا حصل في 1969 على أهم جوائز رئيس الدولة في "إسرائيل" لأنه "أثبت"(!) أن السابقة الصليبية لن تُكرر مع"إسرائيل"[18].



وعلى الرغم من أن المكتبة العربية حول الحركة الصليبية شهدت في الربع الأخير من القرن الماضي وفرة في الدراسات والبحوث والكتب، إلا أنها لاتزال تفتقر إلى اليوم إلى دراسة عربية عن الكتابات الصهيونية والإسرائيلية حول الحركة الصليبية وفي الدراستين المترجمتين إلى العربية واللتين كتبهما "يوشع براور" لا نجد إلا سطوراً تعد على أصابع اليد الواحدة عن الرجل وعن الكتابات الإسرائيلية الأخرى[19].



الصهاينة والحركة الصليبية:

سأحاول هنا تجميع شتات بعض النظرات الإسرائيلية في الحركة الصليبية:

اسحق رابين[20]: في احتفال أقيم بمناسبة الذكرى السبعين للمؤتمر الصهيوني الأول في بال، ألقى رابين في أيلول 1967 خطاباً أعرب فيه عن قلقه من أن السابقة الصليبية قد تتكرر. وبعد أن قارن الحركتين الصليبية والصهيونية، قال: "إن أكثر ما أخشاه على إسرائيل هو أن تذبل، إذا أصابها جفاف في الهجرة، كما حصل مع الدولة الصليبية".[21].



وكان رابين عند إلقاء خطابه هذا لا يزال رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، يحمل لقب "المنتصر" وحين يكون مهندس عدوان 1967، وقائد نصره غير المستحَق مؤرَّقاً إلى هذا الحد بالسابقة الصليبية، فإن هذا يبين مدى قلق الإسرائيليين على كيانهم، ومدى انزعاجهم من أن يلقوا المصيرالذي لقيه الصليبيون من قبل.



شيمون بيريز[22]: في 1998، وبمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء الكيان الصهيوني أصدر كتاب "الرحلة الخيالية مع تيودور هرتزل إلى إسرائيل"[23] وهو عبارة عن حوار مع الوجوه والأجيال والأماكن في صحبة "تيودور هرتزل" ليرى الدولة التي دعا إلى إنشائها، وكيف أنها فاقت المثال الذي تصوره. وفي هذا الكتاب يتحدث بيريز إلى صاحبه عن تكوين الجيش الإسرائيلي ودوره في الحياة الإسرائيلية، حيث رفضت"إسرائيل" إقامة نظام عسكري. يقول بيريز مخاطباً هرتزل: "لم نكن حتماً، وكما بطريقة عجائبية، محصَّنين ضد هذا الخطر، ليس فقط لأن مجتمعنا يحتضن جماعات وأحزاباً تحبّذ ظهور أنظمة استبدادية وتؤثر العسكريين على المدنيين، لكن كأن التاريخ المضطرب للأراضي المقدسة ينشئ في هذا المجال سوابق خطرة". ويضيف بيريز أن هرتزل سوف يفهم هذا تماماً فيما لو أخذه مصادفة للنزهة قرب قيسارية أو عكا للتمتع برؤية آثار القلاع الضخمة التي بناها الصليبيون القادمون من أوربا، ويصف هذه القلاع بأنها المعالم الأخيرة على وجود أولئك "الفرسان" في هذه الأمكنة، وقد عاشوا على الدوام في إطار الدول الفرنجية في المشرق، وكان همهم الوحيد الاستمرار في محيط مناهض، بعيداً عن الأهواء الدينية وفكرة دوام ملك المسيح على الأرض لألف سنة حتى قيامة الموتى، وفقاً لما أوحت به الحروب الصليبية. خلال تجوالنا يمكنني أن أشرح له أن من غير باب الصدفة أن يكون أفضل إخصائيَين مشهورَين عالمياً في تاريخ دولة الفرنجة كانا العالمَين القروسطيين الإسرائيليين "آريي نمرا بويس" و"جوشوا بروسي" وكان لهدف دراستهما وسيلة لتأريخ المتناقضات القائمة في مجتمعهما. ولأننا كنا على اطّلاع على أخطار مثل هذا الانحراف، فقد تمكنا من تحاشي أن تشهد إسرائيل المصير المأساوي الذي عرفته الدول الفرنجية، إذ إن عسكرتها التدريجية لم تمنع من زوالها في النهاية. لقد اخترنا، بالعكس، الديمقراطية التي تشكل السلاح الأفعل والأمضى لضمان بقائنا." [24].



بنيامين نتنياهو[25]: تولى رئاسة الحكومة في الكيان الصهيوني في 1996، وعندئذ ذاع وانتشر كتابه الذي تُرجم إلى العربية بعنوان "مكان تحت الشمس"[26] وهو كتاب نموذجي في قلب الحقائق، من رجل جمع التطرف من جميع أطرافه[27] وقد أشار نتنياهو إلى "الحروب الصليبية" عدة مرات في كتابه، من أهمها قوله (ص174): "إن الانتصارات التي حققتها المسيحية الغربية وقدرتها على الصمود في وجه أحلام التوسع العربي ـ الإسلامي، جعلتها العدو الرئيس للعرب، طيلة أجيال عديدة. كما تلقّى العرب إهانة أخرى في عام 1099، عندما سقطت القدس بأيدي الصليبيين الذين كانوا أقل منهم عدداً، لكنهم أكثر منهم تنظيماً. لكن صلاح الدين استطاع إلحاق الهزيمة بالصليبيين في معركة حطّين عام 1187، تلك الهزيمة التي أنهت الوجود الصليبي في "أرض إسرائيل" لكن هذا النصر لم يعمَّر طويلاً، إذ سرعان ما احتلت المنطقة كلها من ـ قبل المماليك، ثم خضعت بعد ذلك لحكم العثمانيين مدة 400 سنة.."



وبعد صفحات قليلة وفي الصفحتين "179 و180" يعود نتنياهو إلى حديث الحروب الصليبية وصلاح الدين ويقول: "لقد اعتبر الزعماء العرب ـ المعادون للغرب دائماً وأبداً ـ الصهيونية معبراً وممثلاً للثقافة الغربية، وغرسة غربية تعمل على تقسيم العالم العربي، وما الصهاينة سوى صليبيين جدد".



"وهناك نغمة سائدة في العالم العربي تقول: إن توحيد العرب تحت قيادة صلاح الدين جديد وقذف "دولة الصليبيين" الجديدة إلى البحر هي مسألة وقت فقط". "وحقيقة أن إسرائيل، ترى بعلاقتها الغربية هذه، يمكن أن نلمسها بوضوح بتكرار اسم صلاح الدين على ألسنة صدام حسين، والأسد، وعرفات فقد قال عرفات قبل فترة:"إن منظمة التحرير الفلسطينية لا تطرح سلام الضعفاء، بل سلام صلاح الدين". "إن ما لم يقله عرفات هنا بوضوح، ويعرفه الشعب العربي جيداً، هو أن "سلام صلاح الدين" (أي الاتفاق الذي وقّعه مع الصليبيين). لم يكن سوى خدعة، إذ بعد هذا الاتفاق استأنف المسلمون هجماتهم على الصليبيين، حتى طردوهم نهائياً من الأرض المقدسة. من المحتمل إذن، أن يكون هذا هو السبب الذي جعل الرئيس حافظ الأسد يعلّق في مكتبه صورة كبيرة لصلاح الدين، بطل الانتصارات، الذي طرد آخر الصليبيين". "إن الرغبة في تكرار إنجازات صلاح الدين في الوقت الحالي، كانت دائماً مصدر وحى للهجمات المتكررة على إسرائيل، والعمل المستمر ضد أنظمة الحكم الموالية للغرب، والمحاولات العديدة لإنهاء الوجود الغربي في الشرق الأوسط على غرار ما حاولت العراق عمله بالكويت عام 91. ومثلما نجحت سوريا في عمله بلبنان..".



إن هذه قراءة صهيونية نموذجية للأحداث في الماضي، وفي الحاضر، وهي قراءة لا تقدمها إلا عقلية متعجرفة وعنصرية وكارهة للحقيقة مثل عقلية نتنياهو الذي يتحدث عن فلسطين في زمن الحروب الصليبية على أنها "أرض إسرائيل"، ويفصح عن جهله بأبسط حقائق التاريخ في تلك الفترة فيجعل صلاح الدين هو الذي طرد آخر الصليبيين، ويرى أن العرب خرقوا الهدنة بعد اتفاق أبرمه صلاح الدين إلى أن تمكّنوا من طرد الصليبيين نهائياً.



يوري أفنيري[28]: يبدي اهتماماً كبيراً ومن وجهة نظر صهيونية، بقراءة الحروب الصليبية. وقد برز هذا بشكل خاص في كتابة "إسرائيل دون صهاينة" وكرّس فيه فصلاً خاصاً عنوانه"الصهيونية والصليبيون"[29] وهو يعالج هذا الموضوع بنظرة أقل التواء من نتنياهو، وأكثر استقامة من بيريز، ولكنها تظل معالجة صهيونية خالصة.



يستوقف التشابه بين الحركتين الصليبية والصهيونية أفنيري الذي يشير إلى أنه قرأ كتاب"ستيفان رنسيمان" عن"تاريخ الحملات الصليبية"، وكان ذلك بعد سنوات من"حرب تحرير إسرائيل"، كما يذكر أنه حين وصل إلى الفصل الذي يتحدث عن تحصينات الصليبيين لحماية مملكة بيت المقدس من المصريين، مقابل قطاع غزة، أصيب باضطراب لأنه احتل المواقع نفسها عندما كان جندياً صغيراً في الجيش الإسرائيلي[30].



إن أفنيري، مثل جميع الصهاينة الذين كتبوا عن الحروب الصليبية، تهزه أوجه التشابه بينها وبين الحملة الصهيونية: "خلال قراءتي، كانت تبرز في ذهني مئات التشابهات الصغيرة والكبيرة. قد يؤدي ذلك إلى محاصرة العقل. لم يكتف المرء بتقريب الأحداث الهامة والمؤسسات، إنما يرد الشخصيات المعاصرة إلى الملوك والدوقات والفرسان. فيتساءل المرء أي إسرائيلي يطابق أمير الجليل؟ ومن هو دوق شرق الأردن؟..."، ويعلو صوته إلى حد الصراخ، حين يصل إلىأن "التشابه مثير للغاية" خاصة وأن هذا التشابه يبدو واضحاً، إذ "كان الصليبيون يبرعون في لعبة الحرب، شأن الإسرائيليين، إذ كانوا يعون أن أمنهم يكمن في سرعتهم في مقاومة هجوم العدو. إن مملكة الصليب، كمملكة نجمة داوود، استمرت في التوسع بواسطة الحرب، ولفترة طويلة، بعد إقامتها. كان الصليبيون يسيطرون في أوج توسعهم على مساحة تفوق مساحة الأرض التي احتلتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة". ويقود هذا التحليل أفنيري إلى طرح السؤال الذي يثيره هذا التشابه، وهو: "هل انقراض الدولة الصليبية سيتبعه انقراض الدولة الإسرائيلية؟". ويجيب على ذلك قائلاً: "إن المقارنة بين الحملة الصليبية والغزو الصهيوني، بحد ذاتها ليست مدهشة.. إذ إن الصليبيين فشلوا. فبعد أن حاربوا طيلة أجيال ثمانية، أُلقوا إلى البحر ـ بكل معنى الكلمة ـ من قبل العرب".. إننا نفهم إذاً لماذا يخشى الإسرائيليون أن يبدو التشابه المتتابع إلى أقصى حدوده كإنذار بمقدور حتمي يؤدي في النهاية إلى التأثير الحقيقي على مستقبلهم التاريخي"[31].



وحين يسأل أفنيري نفسه: لماذا انقرضت الدولة الصليبية؟، يعود إلى العلاّمة"رنسيمان" و"تاريخ الحروب الصليبية"، ويقتبس منه: "ما وراء البحار، هكذا كان الأوروبيون يدعون الدول الصليبية، كان دائماً مكبلاً بين احتمالين. لقد تأسس بفضل خليط من الحمية الدينية ومن العطش إلى الأرض والمغامرة. إنما إذا كان عليه أن يدوم بشكل سليم، ما كان بإمكانه أن يظل تابعاً للغرب من حيث المال والرجال كان يتوجب عليه أن يمكن وجوده الاقتصادي الخاص. وماكان بوسعه التوصل إلى هذه النتيجة إلا بشرط التفاهم مع جيرانه.. فإذا كانوا محبين وميمونين، هو أيضاً سيكون محباً وميموناً.



غير أن ابتغاء صداقة المسلمين كان يبدو للصليبيين خيانة كاملة لتصورهم المثالي: أما المسلمون، فما كان بمقدورهم قبول فكرة وجود دولة دخيلة وأجنبية، في ما كانوا يعتبرونه أرضهم. إن الصليبيين في الواقع كدسوا الأخطاء، كانت سياستهم متقلبة ومتورعة. ولكننا لا نستطيع إدانتهم لكونهم لم يجدوا حلاً لمشكلة لم يكن لها حل في الواقع"[32].



إن كتابات أفنيري عن الحركة الصليبية هدفها تنبيه الصهاينة إلى عدم ارتكاب الأخطاء التي ارتكبها الصليبيون وأدت إلى نهايتهم.

إن هذا يبدو واضحاً من مقال كتبه عند غزو إسرائيل للبنان في حزيران 82، واستيلائها على قلعة الشقيف. إن دعوة أفنيري إلى الإسرائيليين تتلخص في الإقلاع عن استمرار الحروب والمعارك التي تستنزفهم، وعليهم بدلاً من ذلك أن يهتموا بالبحث عن السلام "الذي هو وحده يمكن أن يحقق لهم عهداً نظير عهد سليمان.. عندها ستكون إسرائيل مندمجة في منطقتها وستتحالف مع جيرانها من أجل السلم، مثلما حصل أيام سليمان"، حسب قوله في "إسرائيل دون صهاينة"[33].



ميزان المناعة والأمن القومي:

بدءاً من كانون الأول 2000 وإلى الآن شهدت "إسرائيل" سلسلة مؤتمرات عقدت في"المركز المتعدد الاختصاصات "هرتزليا" وهي مؤتمرات تركز أساساً على "الأمن القومي الإسرائيلي" وتعطي اهتماما ًخاصاً للهاجس الديموجرافي[34].



ولدي انطباع بأن هذه المؤتمرات كأنما تبحث في كيفية اجتناب المصير الذي لقيه الصليبيون من قبل. لا أعرف بالضبط من أين جاءني هذا الانطباع، ربما لأن بعض الموضوعات التي تعرّضت لها هذه المؤتمرات تكاد تعكس، بدرجة أو أخرى، بعض ما اتجه إليه أفنيري، أو لأني قرأت دون أن أتذكر أين قرأت أن بعض المتحدثين في المؤتمر الأول أشاروا إلى الحروب الصليبية.



على أية حال، ماذكرناه عن جهود صهيونية في دراسة الحركة الصليبية يبين مدى اهتمام الصهاينة بهذه التجربة، وما وصلت إليه، وكيف يعملون ويحاولون جاهدين لتجنب هذا المصير. ويلوح لي أيضاً، في ضوء ما سبق، أن الصهاينة يعكفون جاهدين على تتبع التجربة الصليبية في أدق تفصيلاتها من أجل الحرص على الابتعاد عن كل نقطة ضعف أصابت الجسد الصليبي، وأسهمت بقدر أو آخر في إنهاء الكيانات الصليبية بعد أن استمرت حوالي قرنين. ولعل تقصي التفصيلات الدقيقة يتضح من كتاب "براور" عن "مملكة بيت المقدس" والاستيطان الصليبي فيها، إنه يغوص في أعماق التجربة، ويقلبها من جميع نواحيها وجوانبها، ويكاد يستنطقها: تحدثي، ماذا حدث؟".



ومن أسف، أن الترجمة التي بين أيدينا، والتي قام بها أستاذ جامعي هو الدكتور عبدالباسط البنا، بكلية الآداب بجامعة الزقازيق المصرية، قد خلت من الهوامش والمصادر، ولذلك جاءت ناقصة ومعيبة، لأنها افتقدت جانباً مهماً لمن يريد أن يقف على المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف، وكيف وظفها لهدف ارتآه، وإن لم يفصح عنه، وهو أن التجربة الصليبية غير قابلة للتكرار بالنسبة لإسرائيل.



العرب والحركة الصليبية:

من النادر أن يخلو كتاب عربي حديث عن الحروب الصليبية من الإشارة ولوفي في مقدمته، إلى الحركة الصهيونية، وربما يزيد على ذلك بأن يقارن بين التجربتين، ليصل إلى القول أن مصير الأولى سيكون مصير الثانية. ولن نحاول، لأننا أصلاً لن نستطيع، أن نتقصى كل هذا وأن نرصده، ولذلك سنأخذ أمثلة من كتابات وخطب سياسية اهتمت بأن تتناول الظاهرتين أو الحركتين الصليبية والصهيونية معاً.



جمال عبدالناصر: قد يكون الزعيم العربي جمال عبدالناصر أكثر السياسيين العرب الذين أشاروا في خطبهم وأحاديثهم إلى الحركة الصليبية، فقد اعتمد على التاريخ العربي كمصدر لفهم العملية السياسية[35]، وعبدالناصر في أحاديثه عن الحروب الصليبية يربط هزيمة العرب فيها بالفرقة، وانتصاراتهم بالوحدة.



في خطاب إعلان الوحدة المصرية السورية في 5 شباط 1958: "واتحدت المنطقة تحت قوة السلامة المشتركة يوم واجهت استعمار أوروبا يتقدم منها محاولاً أن يرفع الصليب ليستر مطامعه وراء قناع من المسيحية، وكان معنى الوحدة قاطعاً في دلالته حين اشتركت المسيحية في المشرق العربي في مقاومة الصليبيين جنباً إلى جنب مع جحافل النصر"[36].



وفي خطاب إلى المؤتمر التعاوني في 26 تشرين الثاني 1958، يقول عبد الناصر: "هدف الاستعمار أن يقضي على القومية العربية ويفتتها ويقيم بينها قوميات أخرى.. هذا الهدف قديم ليس جديداً، من القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، منذ جاءت الحرب الصليبية تتنكر تحت اسم الدين ولم يكن هدفها إلا القضاء على القومية العربية وإقامة استعمار وتحكم في هذه المنطقة من العالم"[37].



وفي الاحتفال بقيام الوحدة المصرية السورية، بعد مرورعام عليها، في 21 شباط 1959، يقول عبدالناصر: "إذا كانت المنطقة التي نعيش فيها قد تعلمت خلال تاريخها الطويل أن الكفاح من أجل القوة والحياة، يلازم الكفاح من أجل الوحدة. كان الكفاح من أجل القوة إرادة الحياة، وكان الكفاح من أجل الوحدة إرادة النصر، ذلك هو درس التاريخ والكفاح المستمر. تاريخ هذه المنطقة التي نعيش فيها في مواجهة الامبراطوريات الغازية، الإغريق والرومان والحروب الصليبية والفتح العثماني، تاريخ هذه المنطقة في مواجهة الاستعمار".[38].



كان لدى عبدالناصر إحساس عميق بالتاريخ[39]، وطالما استخدم الوقائع التاريخية ليدلل ويثبت أن الوحدة مفتاح النصر، وأنها الباب لهزيمة الأعداء ولذلك فهي خطوة حتمية، وهو يلخص ذلك في خطاب في 21 آذار 1959، بقوله: "في القرن الثاني عشر، حينما احتل الاستعمار الصليبي فلسطين، وحينما تقدم الصليبيون من فلسطين حتى دخلت قواتهم إلى مشارف القاهرة، وحينما كانت قوات مصر تحارب وتتقهقر ثم تحارب وتصمد، قامت القوات السورية، وأرسل نور الدين في سوريا جيشاً قوياً لمساندة إخوته المصريين، ووصل الجيش القومي من سوريا إلى مصر، وهزم الصليبيين.. الجيش السوري حينما اتحد مع الجيش المصري استطاعا أن يخلصا الأمة العربية من الاحتلال والاستعمار الصليبي. واليوم يتحد الجيش السوري والجيش المصري تحت راية الجمهورية العربية المتحدة مرة أخرى بعد مئات السنين، وبإذن الله نستطيع أن نحرر الأمة العربية كما حررناها في القرن الثاني عشر، وكما حررناها من التتار حينما اتحد جيش مصر أيضاً مع الجيش السوري.. حدث هذا ضد الاستعمار الصليبي، وحدث هذا أيضاً منذ الغزو التتاري".[40]



إن عبدالناصر في أحاديثه عن الحروب الصليبية وآثارها ونتائجها لم يكن لينسى أستاذيته وخبرته كمدرس في الكلية الحربية، حيث يحرص العسكريون في أحاديثهم عن المعارك على البحث عن الدروس المستفادة، وإذا كانت لكل معركة خبرتها، فلكل معركة دروسها. ومن المؤكد أن عبدالناصر ليس السياسي والقائد العربي الوحيد الذي تحدث عن الحروب الصليبية وتجربتها، ودروسها. إن آخرين فعلوا مثله، منهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والرئيس العراقي السابق ــ أوالمخلوع ــ صدام حسين، ولكن المصادر المتاحة تحت يدي والتي تضمّنت أحاديث وخطباً لكل منهما، بالإضافة إلى مراجع تطرّقت إلى ذلك، كل هذا خلا من أية إشارة إلى كلام الأسد أو صدّام عن الحروب الصليبية.



الدكتور يوسف القرضاوي (رؤية إسلامية): تعددت في السنوات الأخيرة الكتابات الإسلامية حول الحروب الصليبية، وهي في غالبيتها العظمى تعبر عن رؤية أيديولوجية أكثر مما تتضمن تحليلاً موضوعياً عميقاً، ولعل هذا ما نلمسه من لغة خطابية في كتاب أنيس القاسم وعنوانه: "تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني". وعلى الرغم من أن الدكتور يوسف القرضاوي الذي يعتبر من رجالات حركة "الإخوان المسلمين" كتب كتاباً عن "دروس النكبة الثانية: لماذا انهزمنا؟.. وكيف ننتصر؟" [41] وهو يعني بذلك هزيمة حزيران 1967 التي امتدت ما بين القنطرة والقنيطرة والتي يعتبرها "إحدى الكوارث الكبرى في تاريخ هذه الأمة، ولا يشبهها إلا نكبة التتار حين دخلوا بغداد، ودمروا الحضارة الإسلامية، وأسقطوا الخلافة العباسية، وخرّبوا من الدور، وألقوا من الكتب، وذبحوا من البشر، ما لم يكد يحدث مثله في التاريخ". والحل الذي يقدمه الدكتور القرضاوي هو "الحل الإسلامي" الذي يعبر عنه بقوله: "إذا كان أبناء فلسطين، وإذا كان العرب، وإذا كان المسلمون حريصين على تحرير فلسطين وطرد أعداء الله وأعدائهم من أرضها، فليحرروا أنفسهم أولاً من العبودية لغير الله، ومن اتباع غير هداه، وليصمموا صادقين على العودة إلى الإسلام. فهذا هو أضمن طريق، وإن كان أشق طريق، لاستنقاذ فلسطين". و"الحل الإسلامي" هو الحل الوحيد ولا بديل له عند القرضاوي: "وإذا كانت قضية الإسلام ذاته لا تستحق أن تحظى بتفكيرهم ولا اهتمامهم ولاجهادهم، وكانت العقيدة أهون عندهم من الأرض، والشريعة أرخص من التراب، فهيهات أن يتنزّل عليهم نصر الله الذي وعد به المؤمنين"(ص111). إنه"الحل الإسلامي" وكفى، ولا تسل عن الخطة والاستراتيجية والوسائل، فلن تجد إلا خطاباً عاماً، يصدق على كل حالة، وفي كل وقت، إنه خطبة منبرية تشّنف الآذان، ولا ترسخ في القلوب.. وأغلب الظن أنها لن تتحول إلى"عمل صالح".



الرؤية الإسلامية لفلسطين وقضيتها وتحريرها يحتاج إلى دراسة ليس هذا مجالها، ولكن الشيخ القرضاوي لا يقف، للحق، عند هذا الحد، إنه يدعو إلى تعبئة تقوم على ربط "قضية فلسطين بأصلها الأصيل وهو الإسلام" (108) وفي هذه التعبئة هناك أمران لا بد منهما الأول: هو المناخ السياسي "الذي يهيئ لجماهير الأمة أن تتنشق أنسام الحرية وأن تخط مصيرها بيدها، وأن تملك حق الولاية والعزل، وأن تقول للمحسن أحسنت وللمسيئ أسأت". "المناخ الذي نقصده هو الذي يجعل جيش الأمة لحرب أعدائها، لا لإرهاب أبنائها، ويجعل مخابراته للتجسس على عوارت العدو لا لتتبع أفراد الشعب وإرهابهم بالحرب النفسية وغسيل المخ.. ويجعل أكبر همه المحافظة على سيادة الشعب لا على سيادة شخص أو أسرة أو حزب". "هذا هو المناخ الذي نريده وهذا هو النظام الذي ننشده لا ذلك الذي يخنق أنفاس الشعب باسم الشعب.. ويزهق روح الحرية باسم الحرية"(ص112) وعلى استحياء يقول الشيخ إنه يدعو إلى "تغيير سياسي في المنطقة العربية"(113)، ويحدد الشيخ معالم هذا التغيير بصياغة أقرب إلى الشعار منها إلى برنامج العمل، الشعار مثل: "الجيش لا للسياسة، الجيش لقهر العدو لا لقهر الشعب" و"أن يحقق الحرية السياسية للشعب.. حرية الحقوق لا حرية الفسوق"(114) و"لا بد من تغيير سياسي ينتزع السلطة من أيدي الطغاة المستبدين ويردها إلى الأمة لتختار لنفسها القوى الأمين الذي يسخّر طاقته لإرادة الأمة لا الذي يسخّر طاقات الأمة لإرادته.."(115) والعنصر الثاني في التعبئة التي يدعوإليها الدكتور القرضاوي هو "لابد من صلاح الدين" أي القائد، فبدون هذا القائد سيظل هناك سؤال يدور على الشفاه، ويجول في الخواطر، ولا يجد الجواب.



يقول هذا السؤال: لقد دعوت إلى الجهاد وإلى التعبئة من أجله فمن الذي يستنفر الأمة لهذا الجهاد، ويجمعها عليه، ويعدّها للقيام بأعبائه، ويجند طاقاتها المادية والمعنوية لخدمته؟".(ص120)



ويتساءل: وما صلاح الدين؟. ويجيب: "إنه ليس البطل الأسطوري الذي يحمل في إصبعه خاتم سليمان. ولكن"صلاح الدين" "يعني الحاكم المسلم الذي يلتزم بمنهج الإسلام، وأحكام الإسلام، وأخلاق الإسلام". وأكتفي بهذا القدر من رؤية الدكتور القرضاوي دون أن أنسى الاعتراف بأنها رؤية مختصَرة من جانبي، وهناك من يرى أن كل اختصار خيانة، وأرجو ألا أكون قد تعمدت ذلك.



الحروب الصليبية مستمرة من مطلع الإسلام إلى اليوم:

هذا اتجاه سلفت الإشارة إليه باختصار، ولكنه يعبر عن وجهة نظر تستحق شيئاً من التفصيل، وهذا ما سنفعله استناداً إلى كتاب الدكتور أحمد شلبي أستاذ ورئيس قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، رحمه الله، وعنوان الكتاب هو: "الحروب الصليبية: بدؤها مع مطلع الإسلام واستمرارها حتى الآن: عرض للهجمات الصليبية الغربية على العالم الإسلامي عبر العصور".[42] ويقول الدكتور شلبي(ص18) إنه تتبع الحروب الصليبية كما يراها، لا كما تعود المؤرخون أن يدونوها "فتتبعت مواقف الصليب وهو يهاجم الإسلام والمسلمين على مر العصور، وفي أمكنة مختلفة ولم أُخدع بالاتجاه الذي حصر الحروب الصليبية في المدة من السنة 1069 إلى سنة 1292م، ولعلي بذلك أكون قد صححت خطأ طال السكوت عليه، وقد أكد "اللنبي" هذا المعنى عندما قال، عقب دخول الحلفاء فلسطين في الحرب العالمية الأولى، إذ قال: الآن تنتهي الحروب الصليبية".



ويعود الدكتور شلبي إلى تكرار هذا المعنى وتأكيده، فيقول (ص21) "إن الحروب الصليبية ـ أو الحركات الصليبية ـ قد بدأت قبل البابا "أوربان الثاني" بعدة قرون، وأنها امتدت بعد "الأشرف خليل" بعدة قرون كذلك، وأنها لا تزال دائرة بشكل أو بآخر، تتضح معالمها أحياناً حينما كان الغرب كله يستعمر دول العالم الإسلامي كلها، يسرق هذه الدول، وينزل بها الذل والهوان، وتختفي معالمها المسعورة أحياناً حين يتظاهر الغرب بإقامة صداقات بينه وبين بعض الدول الإسلامية أو كلها ليشغلها عن عمل صليبي محموم هو إقامة دولة الصهاينة بفلسطين لتكون على مر الزمن شوكة في ظهر العرب جميعاً والمسلمين جميعاً".



والأمر كذلك، فإن الدكتور شلبي يعتبر إنشاء الكيان الصهيوني حملة صليبية. وهذه رؤية فيها قدر كبير من التبسيط، لأنها تكاد تفسر التاريخ تفسيراً صليبياً، فالحركة الصليبية ضد الامبراطورية العثمانية، ووراء حملة نابليون على مصر، وهي التي حطمت خطوات الإصلاح في العالم الإسلامي، ووقفت خلف استعمار أوربا للدول الإسلامية، وخلف زرع إسرائيل في العالم الإسلامي، وهي تتعاون مع الصهاينة لخلق أندية تنفث السم بالعالم الإسلامي كالماسونية والروتاري والليونز، وخلف الحرب بين إيران والعراق، وخلف الحروب المدمرة في لبنان، وتجذب الصينيين في ماليزيا لتحارب بهم السكان المسلمين من أهل البلاد وتزرع التحلل الأخلاقي في البلاد الإسلامية، وتمد أخطارها إلى جيل المستقبل. والحركة الصليبية مؤيدة بالغرب تصارع المسلمين في القرن الأفريقي وأريتريا مع مطلع الإسلام إلى اليوم!! [43] وأكتفي بهذا القدر من رؤية الدكتور شلبي التي تكاد تكون صورة من فكرة"صراع الحضارات".



الوحدة وحركات اليقظة العربية إبان العدوان الصليبي:

الدكتور "جوزيف نسيم يوسف" اسم كبير بين المؤرخين المعاصرين للحروب الصليبية، وقد رحل عن دنيانا، بعد أن شغل منصب أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية حيث تخرج على يديه جيل من الباحثين الذين أثروا المكتبة العربية برسائلهم للماجستير والدكتوراه عن بعض جوانب الحروب الصليبية. ومن مؤلفات الدكتور جوزيف مجموعة كتب أصدرها بعنوان:"مكتبة الحروب الصليبية"، من بينها كتاب صغير الحجم فائق الأهمية تناول فيه"الوحدة، وحركات اليقظة العربية إبان العدوان الصليبي"[44] وهو الكتاب الرابع في هذه المكتبة. ومن المعروف أن هذه القضية يتناولها مؤرخو الحروب الصليبية في ثنايا كتاباتهم، وقد تكون مبادرة الدكتور "جوزيف نسيم" الأولى من نوعها في تخصيص دراسة كاملة لحركات الوحدة واليقظة رداً على العدوان الصليبي.



ويبلور الدكتور جوزيف فكرته ــ بل قل فلسفته ــ في هذا الخصوص انطلاقاً من أن"العدوان الصليبي كان يبدأ عادة عندما يكون الشرق الأدنى العربي منقسماً على نفسه، وفي حالة ضعف وتفكك، بينما الغرب في مركز القوة، وينتهى غالباً بانتصارات سريعة خاطفة على حساب العرب. ثم يعقب ذلك استشعار العرب أنفسهم بالخطر وعواقبه، ومبادرتهم بالتكتل والتجمع "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" وغالباً ما تكون حركات التجمع العربي هذه محلية وفي مناطق الخطر نفسها، بقصد العمل على منع امتداده واستفحاله. وكانت تحرز نجاحاً جزئياً وليس نهائياً أو حاسماً، ولكنها كانت تعتبر البداية الطبيعية لحركة اليقظة والإفاقة الشاملة التي تؤدي إلى التئام شمل الشعوب العربية في المنطقة في وحدة واحدة متكاملة تحس بالخطر المشترك وبأبعاده، وتدرك عواقبه ومضاعفاته، وتستعد لدفعه والقضاء عليه "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل". "وكانت هذه المراحل المتتابعة تؤدي في نهاية الأمر إلى المرحلة الأخيرة الكبيرة، ونعني بها الجهاد المقدس""انفروا خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون". والمقصود بذلك الجهاد العسكري المسلح في سبيل الله والعروبة والوطن العربي. ويكون لهذا الجهاد نتائجه الحاسمة، إذ يؤتي ثماره الطيبة بطرد الدخلاء من المنطقة العربية وإحراز نصر مبين عليهم: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم".[45] وبهذا وضع الدكتور "جوزيف نسيم يوسف" يده على قانونٍ حكم حركة المواجهة والإفاقة والتوحد العربي ضد الغزو الصليبي. وهو يرى فيما وضع يده عليه "ظواهر طبيعية منطقية تنير السبيل أمام الشعوب العربية في حاضرها، وهي تستجمع قواها وتكتل جهودها من أجل مستقبل أفضل. وهو يرى أيضاً أن ما توصل إليه[46] "أحكام وقواعد صحيحة أشبه ما تكون بالقوانين العلمية التي لا تخطئ. فضلاً عما فيها من عظات وعبر ودروس".



إن هذه كلمات تنقلنا مباشرة وإلى جوهر ما نتصدى له هنا، وقبل أن ندخل في ذلك نتوقف مع صاحب هذه الكلمات مرة أخرى وأخيرة لنقرأ قوله: "هذه الأفكار يمكن أن تنبثق عنها آراء ونظريات أخرى جديدة قد تغير الكثير من الشائع والمعروف عن الحركة الصليبية وبعضها لا يزال ينتظر دراسات دقيقة مستفيضة تسد نقصاً في زاوية من زوايا العدوان الصليبي لا يزال الغموض يكتنفها، أو تعدل وجهة نظر بحاجة للتصويب".



قوانين الحركة الصليبية ودروسها صهيونياًوعربياً

ونصل إلى بيت القصيد: الدروس المستفادة. فكل ما سبق كان مقدمة وتمهيداً وخلفية من أجل الاستنباط والاستخلاص عن بيّنة وبناء على أساس متين، كشف لنا أن الصهاينة لا يقلون اهتماماً عن العرب بالحروب الصليبية، بل ربما كان اهتمامهم أكبر، وربما كان أعمق. دلالة ذلك مثلاً أن دراسة "يوشع براور" عن "مملكة بيت المقدس" لا توجد دراسة عربية توازنها في عمقها وشمولها، بصرف النظر عن الهدف الذي يحركه إلى ذلك، وهو محاولة إثبات ـ بشكل غير مباشر ـ أن ما حدث في هذه المملكة غير قابل للتكرار، وعلى "إسرائيل" ألا تخشى ذلك. ولكن باحثين آخرين لا يقلون عمقاً عن "براور" في بحوثهم يخلصون إلى عكس ما خلص إليه، ومن هؤلاء العالم الفيزيائي، الرياضي، اليهودي "هيرمان كاهن" الذي يقرر في محاضرة بجامعة "بارايلان" في تل أبيب أن العرب لن يعدموا وسيلة لاستعادة "فلسطين" مثلما فعل اليهود حينما عادوا إليها بعد فاصل من ألوف السنين[47].



أكثر من هذا، كشف هيرمان النقاب عن أنه يرأس فريقاً من العلماء لدراسة المشكلة، والبحث في العوامل الاقتصادية والسياسية التي يمكن اللجوء إليها للتخفيف من ضغط العرب على إسرائيل، وإبقاء قوة إسرائيل متفوقة حتى يوجه العرب أنظارهم نحو شئون أخرى [بعيداً عن الحرب] ويتم بالتالي تخفيف حدة التوتر"[48] أليس هذا أبسط معاني التخطيط السياسي؟. ولعل هذا ـ بالإضافة إلى أسباب أخرى ـ ما جعلنا نرى في "مؤتمرات المناعة القومية" التي تُعقد في "إسرائيل" منذ العام 2000 محاولة للبحث، ولو بشكل غير مباشر، في كيفية اتقاء المصير الذي آلت إليه الحركة الصليبية.



ولا حاجة إلى القول إن للعرب دروسهم من الحروب الصليبية، وللصهاينة دروساً أخرى، ولكنهما يسيران في طريق واحد، ولكن من اتجاهين مختلفين، فما يريد العرب تحقيقه هو ما لا يريده الصهاينة وما يسعى الصهاينة إلى تجنبه هو ما يعمل العرب من أجل إنجازه. وفي سبيل ذلك عقدت هيئة إسرائيلية سلسلة حلقات دراسية حول أوجه التشابه بين الظاهرتين الصليبية والصهيونية بهدف الاستفادة من دروس الماضي للحيلولة دون أن يكون مصير الظاهرة الصهيونية مطابقاً لمصير الظاهرة الصليبية".[49]



الصهاينة والخبرة الصليبية:

الظاهرة الصهيونية لها جوانب انميازها عن الحركة الصليبية، والإسرائيليون منذ أن نجحوا في إقامة كيانهم حريصون ـ عن وعي أو لا وعي ـ على تعميق جوانب الانمياز هذه وتضخيمها، وتجنب نقيضها، ومن هذه الجوانب:



ـ الحركة الصهيونية حركة عالمية، بل ربما كانت أكبر وأكثر التنظيمات دقة وقوة طوال القرن العشرين، وقد أثبتت الأحداث أنها كانت أقوى من الحركة الشيوعية الدولية. و"إسرائيل" في حركتها على مسرح السياسة الدولية تخطط لأن تكون لها علاقات مع كافة القوى الدولية المؤثرة. صحيح أن رابطتها الوثقى هي مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها ذات علاقات قوية مع الاتحاد الأوربي، ومع اليابان، والصين، بل ومع الهند وروسيا الاتحادية اللتين كانتا إلى وقت قريب من أصدق أصدقاء العرب. وتخطّط إسرائيل لدورها الدولي على أساس أنها قوة مؤثرة عالمياً فإن لم تكن قوة كبرى عالمياً، فهي على الأقل قوة كبرى إقليمياً. وقد تحدث "آرييل شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ـ أي في 2004 ـ وعندما كان وزيراً للدفاع في 1981 عن مجال حيوي إسرائيلي يمتد من أفغانستان وباكستان إلى المغرب، ومن تركيا إلى جنوب إفريقيا. وجاء "فرايم سنيه" العمالي في كتاب له عن إسرائيل بعد سنة 2000 ليضع معالم سياسة لإسرائيل وكأنها قوة كبرى. [50]



ـ الحركة الصليبية ارتبطت بالحج إلى قبر السيد المسيح في القدس، ولم تعتبر الإقامة في فلسطين واجباً دينياً أو دنيوياً، ولذلك فإن الحجاج والفرسان والأمراء والمقاتلين الذين توافدوا على الشرق لم يكن في خاطر أغلبهم أن يبقى ويقيم. وكانت الغالبية تنظر إلى دورها على أنه أمر مؤقت تؤديه، وتعود مرة أخرى إلى أوروبا. أما الحركة الصهيونية فإنها تكاد تجعل من الهجرة والإقامة والاستيطان في فلسطين عملاً لا تكتمل يهودية اليهودي إلا به، وتشن منظمات صهيونية مختلفة حملات وبرامج منظمة من أجل دعوة يهود العالم إلى المجئ إلى فلسطين. وهي ـ على عكس الحركة الصليبية ـ اعتمدت في عملها هذا على مؤسسات منظمة وقوية، على رأسها المؤتمر اليهودي العالمي والحركة الصهيونية.



ـ ترتّب على العاملين السابقين أنه "لم يكن لدى الصليبيين شعور ارتباط بالأرض مساوٍ لشعور الارتباط لدى الصهاينة. وكان لدى الصليبيين شعور بأنهم جزء من شعب له أرض في مكان آخر، أما الصهاينة فقد تطورت أيديولوجيتهم على أساس مقاومة ذلك الشعب الآخر الذي كانوا جزءاً منه".[51] كان الصليبي يأتي إلى المشرق وفي نيته أنه سيلبث زمناً ثم يعود إلى وطنه في أوربا، أما الصهيوني فإنه ينظر إلى نفسه على أنه عائد إلى أرضه ووطنه، الذي لا يوجد له وطن سواه، والذي دون العيش فيه لا تكتمل شخصيته ولا تتوافر مقوماتها.



ـ "إسرائيل" كيان سياسي موحد، وله سلطة مركزية واحدة، ولكل هيئة اختصاصاتها المحددة التي تضمن استمرار هذه الوحدة، ولم تكن الكيانات الصليبية كذلك، بل كانت تنشب بينها صراعات وخلافات داخلية بين الأمراء في الرها وطرابلس وأنطاكيا وعكا (بعد تحرير العرب ــ المسلمين للقدس) مما أفقد هذه الإمارات عنصر الوحدة والتماسك الذي تتمتع به إسرائيل. لقد كانت "الإمارات الصليبية" عبارة عن "حلف مفكك مهدد بالانهيار" وشيئاً فشيئاً برز تمايز بين فريقين من الصليبيين: "البارونات المحليين" الذين يميلون إلى المسالمة والمحافظة على التقاليد التي استقرت بين اللاتين في الشرق، والقادمين الجدد من الغرب الذين اشتهروا بالمغامرة والحرص على أن تكون لهم إقطاعات خاصة، مع شدة كراهيتهم للمسلمين. [52]



ـ قامت الحركة الصليبية على أساس الحملات التي جاءت إلى الشرق على فترات متباعدة ولأسباب عدة دفعت كل واحدة منها إلى الخروج من أوربا وبعضها انحرف عن مساره، أما "الهجرة اليهودية" فهي عملية مستمرة، وتيار متدفق، قد يختلف عدد المهاجرين من سنة إلى سنة ولكن منذ أواخر القرن التاسع عشر لم يتوقف، وما من سنة إلا وهناك أعداد جديدة من المهاجرين. ويتم هذا بشكل مخطط ولا يُترك للعشوائية والارتجال[53]. وتبحث"إسرائيل" حالياً عن استجلاب وتهجير المليون السابع، لعله يسعفها في علاج عجز ديموجرافي يهددها تهديداً بنيوياً.



وإذا كانت هذه نقاط قوة أو تفوق في الكيان الصهيوني عند مقارنته بالكيانات الصليبية، فإن هناك نقاط ضعف هيكلية عانت منها الإمارات الصليبية، ويعاني منها الكيان الصهيوني. فعلى مدى قرنين من السنين نشأت بين الصليبيين والسكان العرب المسلمين علاقات معقدة ومتداخلة، وكان السكان المحليون يشكلون أكثرية في بعض المناطق التي استولى عليها الفرنجة وأخضعوها لحكمهم على الرغم من أنهم أقاموا فيها مستوطنات جذبت سكاناً من الغرب الأوربي ليفدوا إلى الشرق وعلى الرغم من أنهم قاموا بحركة تفريغ بعض القرى من سكانها المسلمين بعد الاستيلاء عليها".[54]



هل تعلّم الصهاينة هذا الدرس من الصليبيين؟. ولكن هذا الدرس له جانب آخر، تمثل في أن حكام المسلمين حرصوا على أن تتضمن المعاهدات التي عقدوها مع الفرنج نصاً على عودة الفلاحين إلى الأراضي التي هجروا منها. [55]



وهنا، وفي رصدنا للدروس المستفادة صهيونياً من الحركة الصليبية، لاحظنا أمراً جديراً بالوقوف أمامه، وهو أن العلامة "رنسيمان" يركز[56] في الحديث عن العلاقات بين المسلمين والفرنج على جانب الصداقة رغم من الصدام بينهم إلى حد أن لقى كل من السادة من الفرنج والمسلمين عادة الترحيب والتشريف في بلاط كليهما، على الرغم من الاختلاف في الدين، وقد يحدث في زمن السلام، أن يشترك سادة الأطراف من الجانبين معاً في حملات الصيد بينما نجد "يوشع براور" يركز على نقيض ذلك، ويقول: "نظراً لأن الصليبيين قد انتهجوا سياسة كانت ترمي إلى نبذ ورفض عملية التقارب بين السكان المحليين والصليبيين فإن هذه السياسة استطاعت أن تقوّض أساس النظام القائم، وأن تحبط محاولات الاندماج الاجتماعي بين الطرفين".[57]



كل يغني على ليلاه. ويبدو أن براور يريد أن ينبه الصهاينة إلى خطر الانفتاح على العرب، ظناً منه أنه ذلك سيطيل عمر كيانهم، ويحافظ على وحدتهم، وعلى أية حال، من المعروف أنه قامت علاقات اقتصادية بين الإمارات الصليبية والأراضي العربية المجاورة لها.



ولكن الصهاينة أذكى من أن يأخذوا بما ذهب إليه "براور" لأنهم يعرفون أن هذه العلاقات الاقتصادية بين الصليبيين والعرب ـ المسلمين لعبت دوراً في إطالة عمر الكيانات الصليبية، التي كان يمكن أن تتلاشى قبل التاريخ الذي اختفت فيه لوأنها انغلقت على ذاتها، بينما كان الزاد البشري والمادي الوارد لها من أوربا يتراجع ويتناقص. ولذلك، يصرّ الصهاينة على ما يسمونه "التطبيع" خاصة في ميداني السياسة والاقتصاد، ولكنه ليس تطبيعاً بين ندين، بل بين سيد ومسود، أو على الأقل، بين قوي وضعيف. والرد العربي الصحيح على ذلك معروف ومجرب وهو المقاطعة والمحاصرة، حتى يظل الكيان الصهيوني وسكانه في حالة عزلة، وفي "جيتو" يشعرون داخله أنهم غير طبيعيين أو إن شئت فقل "مقاطعين"[58].. وسنأتي لذلك بقدر من التفصيل. و"إسرائيل" في ضوء السابقة الصليبية يتنازعها اتجاهان: هل تكون جزءاً من "المنطقة" التي تعيش فيها، والتي لا تراها إلا "الشرق الأوسط" على ألا يخل هذا بطابعها الخاص؟ أو تظل قطعة من الغرب لا صلة لها بالشرق الذي تعيش فيه؟ والتردد بين هذين الاتجاهين يبدو عند السياسي، أو المفكر، الواحد، فهو مرة يبدو مع اتجاه الاندماج في المنطقة، ومرة أخرى يميل إلى الأخذ بالعزلة والحرص على البعد عن المنطقة، أو أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم. [59] وبعد مرور أكثر من خمسين سنة على إنشاء الكيان الصهيوني، يبدو سكانه موزعين على هذين الاتجاهين، فمشاعر واتجاهات "الصابرا" تختلف عن مشاعر واتجاهات المهاجرين الجدد، وهؤلاء يختلفون عن المهاجرين القدامى، وفي داخل كل فريق من هذه الفرق هناك شرائح تتأثر بانتماءاتها الدينية "أصولية أو غير أصولية" وبالبلاد التي وفدت منها، وباتجاهها السياسي، إلى جانب شريحة المثقفين وصناع الرأي العام وقادته.



وهناك جوانب عديدة، وجزئيات كثيرة في السابقة الصليبية يعكف الإسرائيليون على دراستها بعمق للاستفادةبها. ويذكر "أفنيري"[60] أن مؤرخاً مشهوراً قال له: "على الإسرائيليين أن يعتبروا كتاب "تاريخ الحملات الصليبية" دليلاً عملياً للأخطاء التي يجب تجنبها وعدم ارتكابها" وهو يعني بذلك كتاب "العلامة""رنسيمان" الذي يعتبر بحق من أفضل ما كتب عن الحركة الصليبية، أنه عند قراءته هذا الكتاب كانت تبرز في ذهنه مئات"التشابهات الصغيرة والكبيرة".[61]



إن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن هل ينقاد الصهاينة للحرب الدائمة مع العرب؟. ألم تكن الحرب هي وسيلة العرب التي استنزفوا بها الكيانات الصليبية إلى أن قضوا عليها.



وبعد كلماته السابقة مباشرة يضيف "أفنيري" كلمات أخرى لا تقل أهمية: "إن الأعمال العسكرية المدهشة التي أوصلت الصليبيين إلى قلب مصر حجبت المشاكل الرئيسية، هذه المشاكل التي على المدى البعيد، قررت مصيرهم". فما هي هذه المشاكل؟



يكاد"أفنيري" بناء على قراءته الواعية لرنسيمان يضع يديه على القانون الذي حكم مصير الكيانات الصليبية.. لقد رأى "رنسيمان" منذ وقت مبكر من الوجود الصليبي في الشرق أن هذا الوجود محكوم بالفشل، وقرر في المجلد الثاني من موسوعته: [63] "لم يلبث أن صار واضحاً أنه كيما يبقى لسكان فلسطين من الفرنج من القوة ما يكفي للسيطرة على البلاد، لا بد أن يقدم من أوروبا باستمرار هجرات وفيرة العدد".



"ولا بد أيضاً من رد الحد المصري إلى الجنوب حتى يتوافر الأمن في الطريق من بيت المقدس إلى الساحل، وتحتم تشييد معاقل أمامية فيما ورا ء نهر الأردن، وإلى الجنوب من البحر الميت. وينبغي لـ"بلدوين" أن يحاول ربط مملكته بالإمارات المسيحية الواقعة إلى الشمال، حتى يتيسر بذلك فتح الطريق للحجاج، ولأعداد متزايدة من المهاجرين. وتحتم عليه أن يبذل كل جهد لبسط سلطانه على امتداد الساحل، وأن يشجع قيام إمارات مسيحية أخرى في سوريا. وينبغي أن يوفر لمملكته ميناء آخر، يفصل كلاً من حيفا ويافا. ذلك أن ميناء يافا لم يكن من العمق بما يكفل للسفن الضخمة الوصول إلى الشاطئ، ولذا لم يتم النزول إلى البر إلا باستخدام قوارب العبور، وتعرُّض الهابطين للخطر الشديد، عند هبوب الرياح، فإذا اشتدت الرياح، كان ذلك خطراً على السفن".



يبدو أن إسرائيل عبر ما يزيد عن خمسين عاماً لم تفعل ولا تفعل سوى ذلك، سواء من حيث امتداد حدودها والأراضي التي تستولي عليها، أو من حيث بناء البنية التحتية في النقل والمواصلات والمواني على طول الساحل الذي تحتله بالكامل، من حيفا إلى غزة!



ولكن هذا وحده لا يكفي، كان تأمين دولة "بلدوين" يحتاج أكثر، يحتاج إلى المال والرجال. ويقول رنسيمان[64]: "الواقع أن المال والرجال هما أهم ما احتاجه "بلدوين" لحكومته في الداخل. ولن يأمل في إقامة مملكته ما لم يتوافر له من الثروة والقوة ما يكفي لضبط أتباعه. فلن يستطيع الحصول على القوة البشرية إلا بالترحيب بالهجرة، وبتشجيع المسيحيين الوطنيين على التعاون معه، أما المال فيستطيع الحصول عليه، بتشجيع التجارة مع البلاد المجاورة، وبالإفادة من توافر الرغبة في عمل الخير عند المسيحيين في أوربا، بما يسهمون به من أموال، وما يجرونه من أحباس على المنشآت ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بأن"بلدوين" هو كونت "الرها" وملك بيت المقدس من(1100ـ1118) وهو الذي وضع الأسس التي استمرت عليها هذه المملكة، إنه "بن جوريون" المملكة الصليبية، وبالمثل يمكن اعتبار "بن جوريون" "بلدوين" الكيان الصهيوني. وإذا كان "بلدوين" قد رأى رد حدود دولته إلى الجنوب مع مصر، فإن بن جوريون استمسك باحتلال النقب، وتطلع إلى بقاء سيناء في 1956 بين يديه، وحذر الإسرائيليين من القيادة المصرية للعالم العربي[65]. فهل هذا ممكن؟ من ناحية، وهل لو لم تقم مصر بقيادة الوطن العربي سيظل هذا الوطن يعاني من فراغ قيادي، أم أن هناك قوى أخرى ما ستملأ هذا الفراغ؟



الجواب مفروغ منه، ولكن "رنسيمان" يأبى إلا أن يكرر الحديث عن استراتيجية بلدوين فيعود إلى القول[66] إنه كان يدرك دائماً أن فلسطين معرضة باستمرار "للغزو والتسلل من جهة الجنوب الشرقي عن طريق النقب، ولذا كان لا بد من السيطرة على الإقليم الواقع بين البحر الميت وخليج العقبة، لقطع طريق الاتصال بين مصر وسائر العالم الإسلامي".



يبدو أن"بن جوريون" استوعب جيداً تجربة بلدوين، على الرغم من أنه لم يفصح عن ذلك، على الأَقل فيما قرأته له وعنه: ألم يستوطن النقب في آخر أيام حياته، حين بعد عن المعترك السياسي في تل أبيب؟ ألم يكتب في مقدمة كتاب "أسياد الصحراء" في 1960 أن آمال إسرائيل معقودة على استصلاح النقب لاستيعاب المهاجرين الجدد، وفي 1967 وعلى الرغم من تهليله فرحاً بالانتصار، رأي أن القوة العسكرية وحدها لن تؤمن مستقبل إسرائيل، ويجب أن تكون المهمة الأساسية جذب عشرات الألوف من يهود الغرب للهجرة إلى إسرائيل وزيادة عدد سكانها. [67]



إذن نقطتا ضعف هيكليتان أدتا إلى ضعف وتلاشي الكيانات الصليبية إنهما النقص في المال، والنقص في الرجال. من ناحية المال، وعلى الرغم مما نشأ بين "مملكة بيت المقدس الصليبية" وجاراتها العربيات من علاقات اقتصادية، إلا أن هذه المملكة والكيانات الصليبية الأخرى اعتمدت بصورة أساسية على تلقي المساعدات ورؤوس الأموال بصورة مستمرة من الغرب وأخذت هذه المساعدات أشكالاً عديدة وظلت هذه الكيانات عالة على ما كانت تتلقاه.



"إسرائيل" تنظر إلى نفسها على أنها حالة مختلفة، وأنها استطاعت الاعتماد على نفسها اقتصادياً، وأنها تستطيع أن تستغني عن المعونات التي تتلقاها من الغرب سواء في شكل منح ومعونات من الولايات المتحدة، تصل في حدودها القصوى حالياً إلى حوالي عشرة مليارات دولار سنوياً، أو الهبات التي يرسلها اليهود في أوربا والولايات المتحدة. ولكن هذه الأموال تسهم بدور غير قليل في ضمان مستوى المعيشة المرتفع الذي يتمتع به الإسرائيليون، وفي توفير استثمارات كبيرة تساعد اقتصاد إسرائيل على المزيد من النمو والتقدم، هل تستطيع "إسرائيل" الاستغناء عن هذه المعونات؟.



يرى الدكتور عبدالوهاب المسيري أن هناك إجماعاً صهيونياً على أنه"دون الدعم الغربي، وبخاصة الأمريكي، للمستوطن الصهيوني لن يقدر له البقاء والاستمرار.. وأن الغرب قد تبنى المشروع الصهيوني وضمن له البقاء والاستمرار كي يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ودون أداء هذه الوظيفة، لن يكون هناك دعم".[68]



إن الأموال الغربية ـ اليهودية والصهيونية ومساعدات الحكومات والدول ـ أحد العوامل الأساسية في بناء إسرائيل، واستمرارها وأحد ضمانات بقائها متقدمة ومتفوقة اقتصادياً. فهل يمكن أن تتوقف هذه المساعدات؟ وكيف؟ ومتى؟ دون أن نجيب على هذه الأسئلة، يمكن القول إنه حين تجدّ ظروف تؤدي إلى تجفيف منابع هذه المساعدات وإلى توقفها، فإن هذا سيؤثر كثيراً على الكيان الصهيوني، وسيهزه هزة عنيفة.



وهنا، فإن خبرة السابقة الصهيونية تشير إلى أن زعماء أوربا القرن الثالث عشر لم يعودوا متحمسين لشن حروب صليبية جديدة ضد المسلمين لسببين هما: الانغماس في المشاكل الداخلية من ناحية، ولإدراكهم من ناحية أخرى أنه من غير الممكن فرض الوجود الصليبي بالقوة إلى الأبد[69]. وارتبط هذا بنقص القوة البشرية، أو الرجال، حسب تعبير "رنسيمان" فقد كان هذا واحداً من الأسباب المباشرة لانهيار الإمارات الصليبية، وذهابها في ذمة التاريخ. و"إسرائيل" بدورها تعتبر توقف الهجرة بداية النهاية. وهي إذا كانت تتمنى لو تستطيع أن تجلب من المهاجرين ما يصل بعدد سكانها من اليهود إلى 10 ملايين أو حتى 12 مليون نسمة فإنها تعمل حالياً جاهدة لاستجلاب المليون السابع، بالتركيز على البلاد التي لا تزال بها أعداد كبيرة من السكان"اليهود".[70]. إن"إسرائيل" في حاجة إلى هؤلاء المهاجرين أو المهجرين من أجل الميزان الديموجرافي في الداخل، أي مع الفلسطينيين من أبناء 1948 ومع أبناء 1967 من جانب، وللتوازن مع الطوفان البشري العربي المحيط بها. وهنا، فإن وقفة قصيرة مع الأرقام قد تكون مفيدة:



[1] يذكر"ميخائيل زابوروف"[71] أنه في حوالي أواخر الثمانينيات من القرن الثاني عشر، كان عدد المستعمرين الإفرنج المقيمين في المدن والقلاع، كما حسب المؤرخون، يربو على 100ـ 120 ألفاً."وكانت قوى الأتباع وحدهم لا تكفي في آن واحد لإبقاء هؤلاء السكان في حالة الخضوع، ولصد هجمات الجيران المسلمين.



[2] في حال"التعبئة العامة" للاتين القادرين علىحمل السلاح، لم يكن بوسع مملكة بيت المقدس أن تجند أكثر من ألفي فارس ثقيلي السلاح و20 ألفاً من الرماة خفيفي السلاح.



[3] كانت الأوساط العليا المميزة في الشرق اللاتيني تعيش بين السكان المحليين المعادين، فضلاً عن أنهم أكثر تعداداً بكثير من الافرنج، وكانت أشبه بمعسكر يطوقه ويحاصره العدو على الدوام.



من المقرر أن الصليبيين قاموا بعمليات اضطهاد واستغلال منظمين للسكان العرب في المدن والقرى التي استولوا عليها كما قاموا بعمليات طرد وتهجير. ولكن لم تخل البلاد من أهلها الأصليين، خاصة من الفلاحين، الذين كانوا يقومون بزراعة أراضيهم.



ينظر الصهاينة إلى هذا الوضع ويرونه نقطة ضعف ولذلك فإن الترحيل أو "الترانسفير" عندهم سياسة ثابتة من قبل إنشاء كيانهم في 1948 وإلى اليوم. ويؤرقهم وجود الشعب الفلسطيني، الذي قالت عنه "جولدا مائير" يوماً: "لا أعرف شيئاً بهذا الاسم". لم يكن هذا جهلاً، بل كان محاولة تجاهل، لجأت إليها وهي تغلي من داخلها صارخة كلما سمعت عن ميلاد طفل فلسطيني.



ومن المفيد هنا أن نربط ما أورده "زابوروف" من أرقام بما سجله الدكتور قاسم عبده قاسم من أن سكان بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية كان حوالي مليونين وسبعمائة ألف نسمة، حسب تقديرات بعض الباحثين، وربما يكون من الصعب تقدير المساحة المأهولة من بلاد الشام في زمن الحروب الصليبية".[72]



ولا نملك أرقاماً دقيقة عن الصليبيين في مملكتهم وإماراتهم سنة بعد سنة، منذ دخولهم القدس إلى انسحابهم من الأرض العربية كلها، بحيث نقارن هذه الأعداد بسكان بلاد الشام، وسكان الوطن العربي بعامة، فيما بين القرنين العاشر والثاني عشر، لنتبين على ضوء ذلك الميزان الديموجرافي الحالي بين الصهاينة من جانب والسكان الفلسطينيين من جانب آخر، وكذا بين الصهاينة وسكان الوطن العربي.



لكن الواضح أن الصهاينة يحاولون ما استطاعوا أن يستجلبوا "يهوداً" من كل بقاع الأرض بدءاً من "الفلاشا" الأثيوبيين إلى يهود الاتحاد السوفيتي السابق، الذي يعرفون ويعترفون بأن جزءاً غير قليل منهم ليسوا يهوداً. وعملية التجميع هذه تخلق مشكلات وصراعات، على المدى البعيد، قد لا تقل حدة عن الصراعات بين اليهود الأصوليين واليهود العلمانيين. فضلاً عن توقعات إسرائيل بأن السنوات القريبة قد تشهد توازناً بين السكان اليهود والمواطنين الفلسطينيين في حدود أرض فلسطين التاريخية، ما بين البحر والنهر ثم تتلو ذلك مرحلة يتفوق فيها الفلسطينيون عدداً على "اليهود" وقد اجتاحت الكيان الصهيوني حالة من الهلع منذ أن وضع الدكتور "أرنون سوفير" الخبير الديموجرافي والأستاذ بجامعة حيفا ومستشار المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء دراسته عن النمو السكاني في فلسطين التاريخية، والتي توقع فيها أن يكون عدد اليهود 6,300,000 نسمة في 2020، بينما سيصل عدد الفلسطينيين إلى 7,900,000 نسمة. [73]



كيف ستواجه إسرائيل ذلك الوضع؟. إن الخبرة الصليبية لا تفيدها، ولا تسعفها، بل تزعجها؛ ذلك أن القوة وحدها ليست ضماناً كافياً لاستمرار وبقاء الكيانات الاستيطانية، كما أن التفوق في التسليح والتدريب لا يمكن أن يظل إلى الأبد من نصيب طرف واحد من الطرفين المتصارعين. إن هذا التفوق مؤقت وقصير المدى. أما التفوق البشري فمستمر، وطويل المدى. ومن وقائع الحروب الصليبية أن صلاح الدين حاقت به في 1177 هزيمة كبيرة قرب "قلعة تل الجزر" على مسافة بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من الرملة، حيث فاجأه فرسان الفرنجة، بينما كان جانب من عساكره يسعى للحصول على العلف للخيل ولم يتوافر لصلاح الدين ما يكفي من الوقت لإعادة حشد من بقى منهم. فلاذ عدد كبير منهم بالفرار عند أول صدام، بينما لم ينقذ حياة صلاح الدين إلا حرسه الخاص من غلمانه. أما القوات التي صمدت في القتال فقد جرت إبادتها".[74]



ويقدم العلامة تفصيلاً لبعض ما جرى فيه هذه المعركة يذكرنا بما حدث بالضبط في هزيمة حزيران 1967، فيقول: "ولى الجيش المصري الأدبار إلى بلاده في بضع ساعات، بعد أن خلف وراءه كل ما حاز من غنيمة وأسرى، بل إن العساكر المصرية قذفوا بأسلحتهم إلى الأرض، كيما تزداد سرعتهم في الفرار، وحاول صلاح الدين أن يعيد الأمن إلى نصابه، غير أن اجتياز صحراء سيناء كان شاقاً ومؤلماً فانقض البدو على هؤلاء الفارين الذين كادوا أن يكونوا عزلاً من كل سلاح".



وفي تعليقه على الهزيمة المرة التي لحقت بصلاح الدين وقواته، يقول "رنسيمان":[75] "كان ذلك انتصاراً باهراً، إذ أنقذ مملكة بيت المقدس في الوقت الراهن، غير أنه لم يغير الوضع على مر الزمن، فلا حد لموارد مصر، على حين أن الفرنج مازالوا يعانون نقصاً في الرجال". في معارك الشعوب، الهزيمة تؤذن بنصر، والضعف يدفع إلى خلق القوة. هذه الهزيمة المنكرة لم تبعد عن "حطين" ونصرها المؤزر سوى عشر سنين. وفي أيامنا، لم يبعد نصر أكتوبر المجيد سوى ست سنوات وأربعة أشهر عن الهزيمة المُرة في 1967.. ومما لا شك فيه أن نقص الرجال في جانب ووفرة الرجال في الجانب الآخر عامل مؤثر في ذلك، وقد يكون حاسماً.



العرب ودروس الحملات الصليبية:

الوطن العربي ـ بلغة عصرنا ـ والبلاد العربية الإسلامية بمفاهيم زمن الغزو الصليبي، يكاد يحكمه قانون أساسي: "إن اتحد انتصر، وإن تفرق انهزم"، وعشية مجيئ الصليبيين كانت المنطقة في حالة وهن سياسي بسبب الخلافات والصراعات بين الخلفاء والأمراء والملوك، وفي حالة ضعف اقتصادي نتيجة التجزئة والحروب بين الأشقاء، وقوم هذه حالهم واجهوا الفرنجة فرادى، وفرادى انهزموا ودخل الصليبيون القدس في 15 تموز 1099 في ظل خلافتين إسلاميتين؛ عباسية في بغداد وفاطمية في مصر. وبعد ذلك بخمسة وأربعين سنة فقط، بدأت مرحلة الإفاقة وبدايات التوحد التي أدت سريعاً إلى تحرير الرّها في 1144 وحين جاءت الحملة الصليبية الثانية لم تحرِّر أرضاً، ولم تحقق نصراً.



وهكذا تثبت بدايات الغزو الصليبي أن "جميع المصائب التي حلت بالأمة العربية قد ساهمت التجزئة والخلافات في تحقيقها"[76] والعكس صحيح، فالوحدة طريق النصر، ودربه الآمن، وطريقه السالك.



هل نقول إن هذا مفروغ منه، ومتفق عليه؟. لا أدل على ذلك من الحقيقة التي يبرزها د. أنيس القاسم[77] ويعبر عنها بقوله: ".. الاحتلال الصليبي كله أو معظمه قد قُضى عليه في فترة حكم رجل واحد فقط عندما حزم أمره، وشحذ عزيمته، ووهب نفسه للتحرير".



التحرير هدف، ورسالة، وقرار، من اتخذه لايقر له قرار إلا بعد أن ينفذه، ويحققه، باتخاذه العدة والأساليب التي تكفل له إنجاز ما قرره: "لقد دام حكم صلاح الدين من عام 1169 حتى عام 1193، أي حوالي ربع قرن واستطاع في هذه الفترة الوجيزة نسبياً أن يقوض دعائم الاحتلال الصليبي ويسترد القدس بعد مواجهة متواصلة استمرت علىالأقل من عام 1183 حتى عام 1193".



ويستوقفنا تعبير "المواجهة المتواصلة" ويجب أن نقف أمامه ونطيل التفكير وبعمق، خاصة لو اتفقنا على أن هذه "المواجهة" تعني "تعبئة عامة" شاملة، لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الانقطاع، سواء على المستوى "الرسمي" أو "الشعبي". ويكفي عند الحديث عن دور الشعب في المعركة ضد الغزو الصليبي أن نتذكر الكلمات التي قالها "عموري" ملك بيت المقدس عندما دعى من الحامية الصليبية في مصر إلى العودة للاستيلاء عليها، فقال إن "صاحب مصر وعساكره وعامة بلاده وفلاحيها لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها".[78]



وفي مواجهة الغزو الصليبي استخلص العرب ـ المسلمون وبسرعة أن "الاحتلال مهما كان نوعه لا يقضي عليه سوى النضال المتواصل".[79] وغداة تحرير الرها، ومنذ سنة 1150 نادى الشيخ علي السلمي من مسجد في ضاحية دمشق "بجهاد هجومي" يكون هدفه تحرير القدس. [80]



وإذا كان القانون الذي حدد مصير الكيانات الصليبية هو نقص المال والرجال، فإن هذا القانون له وجه عربي، تمثل من جانب في التعبئة المستمرة، والحرب المستمرة، ومن جانب آخر في"عدم التفريط" وعدم التنازل عن حق، بل الاستمساك وبقوة بمبدإ وحق التحرير، وبرفض إقرار أن للعدو حقاً أي حق في أرض احتلها؟!



لقد قامت استراتيجية التحرير العربية ـ الإسلامية ضد الغزو والاحتلال الصليبيين على وضع العدو في حالة حرب دائمة، تتضمن الضغط بلا هوادة، والاستنزاف بلا توقف، وبحيث تكون اتفاقات الهدنة التي أبرمت ـ أياً كانت مدتها ـ فترة لالتقاط الأنفاس استعداداً للجولة القادمة، وليست "ستاراً للاسترخاء والتهاون مع العدو".



وفي الوقت نفسه كانت المعركة المستمرة وسيلة لرأب الصدع وسد الثغرة التي تسرب منها العدو، وهي ثغرة الخلافات والفرقة، بحيث تم "بناء دولة الطوق" التي وضعت الكيان الصليبي بين "فكي كماشة" كان يتم الضغط على جانبيها بشكل مستمر، وبناء. "دولة صلاح الدين" هي النموذج الذي حقق النصر وأنجز التحرير الذي احتشدت الأمة كلها وراءه ومن أجله.



ومرة أخرى، يضع العلامة "رنسيمان" يده على النقطة المركزية، أو الحلقة المركزية في الموقف العربي ـ الإسلامي بتركيزه على ما سماه "إمبراطورية صلاح الدين"[81] التي امتدت من برقة إلى نهر دجلة حيث "ارتكن إلى ثروة مصر، وخضعت لحكمه المباشر المدينتان الكبيرتان دمشق وحلب، وأحاط بهما وامتد صوب الشمال الشرقي حتى أسوار الموصل، الاقطاعات الحربية التي ارتكن صلاح الدين إلى مساندة أربابها. ولقى صلاح الدين التأييد من الخليفة العباسي ببغداد. وسعى سلطان السلاجقة ببلاد الأناضول "آسيا الصغرى" إلى كسب صداقته ولم يكن لأمراء السلاجقة بالشرق من القوة مايدفعهم إلى مقاومته ولم تعد الامبراطورية البيزنطية مصدر خطر له".



وعندئذ، لم يتبق لصلاح الدين إلا أن يضرب ضربته ليقهر الدخلاء "الذين صاروا وصمة عار في جبين الإسلام، بتملكهم فلسطين وساحل الشام".[82] وقد فعل. وكانت حطين منطلق الظفر، والبداية الحقيقة لإزالة الوجود الصليبي. ولكن، هل من الضروري أن تقوم دولة عربية في حدود دولة صلاح الدين كي يتم النصر على الكيان الصهيوني؟ ثم ألا يوجد فارق نوعي بين كيان أمس وكيان اليوم الذي يتدرع بسلاح نووي ويستند إلى مدد لا ينفد من جانب أمريكا التي تقدم له سنوياً حوالي 10 مليارات دولار؟.



عوامل لا تسقط من الاعتبار، ونحن نتذكر أننا كنا قريبين يوماً من حدود دولة صلاح الدين، وتمثل هذا في نطاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في أبريل 1963. ومن قبل كانت وحدة مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة، لماذا تساقط هذا؟



إننا نحتاج إلى القيادة التي تجعل التحرير هدفاً ورسالة، وتربط كل شئ بهذا الهدف/ الرسالة التي يحملها قائد، ربما يكون شخصاً أو حزباً أو اتجاهاً يشحذ الأمة كلها خلفه، بحيث تنتقل الرسالة من يد إلى يد، كما انتقلت من قبل من عماد الدين زنكي، إلى ابنه نور الدين محمود ثم إلى صلاح الدين، وخلف من ورثوها بعده. صحيح أن بعضهم فرط أو تنازل، كما فعل الكامل محمد، ولكن خط التحرير ظل خطاً مستمراً ومتصاعداً لدرجة أن المماليك واصلوا رسالة الأيوبيين وأكملوها، ومن أسف ومنذ 1948 إلى اليوم نكاد نفتقد مثل هذه القيادة، اللهم إلا عبدالناصر ما بعد هزيمة حزيران 1967 إلى أن توفي قبل ذلك وبعد ذلك، نجد قيادات وأحزاباً وتنظيمات تتنازل اليوم عما استمسكت به أمس، وتفرط هنا فيما رفضت التفريط فيه هناك، أي لا نعرف بقاءً على مبدأ، ولا قتالاً من أجل الحق، سواء في ميدان الحرب أو على مائدة المفاوضات.



يروي صاحب "النوادر السلطانية"[83] أنه في إحدى جولات المفاوضات بين العادل شقيق صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد الذي يسميه "الأنكتار" بعث هذا إلى السلطان رسالة قال فيها: "إن المسلمين والفرنج قد هلكوا، وخربت البلاد، وخرجت من يد الفريقين بالكلية، وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين، وقد أخذ هذا الأمر حقه، وليس هناك سوى القدس والصليب، والبلاد، والقدس فمتعبدنا ما ننزل عنه، ولو لم يبق منا واحد، وأما البلاد فيعاد إلينا منها ما هو قاطع الأردن، وأما الصليب فهو خشبة لامقدار له عندكم، وهو عندنا عظيم، فيمن به السلطان علينا ونصطلح ونستريح من هذا العناء الدائم". فما كان من صلاح الدين إلا أن رد عليه بقوله: "القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنه مسرى نبينا ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين وأما البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان طارئاً عليها، لضعف من كان بها من المسلمين في ذلك الوقت. وما أقدركم الله على عمارة حجر منها ما دام الحرب قائماً بيننا، وما بأيدينا نحن منها نأكل بحمد الله وننتفع، وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، ولا يجوز لنا أن نفرط فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها".



إن الصلابة ليست في ميدان القتال فقط، بل في كافة الميادين، فمن يفرط أو يتنازل مرة يفعل ذلك مرات ومرات. وهذا ما تحتاج إلى أن تتعلمه وتقتدي به كل الشخصيات التي تفاوض العدو الصهيوني في أي مجال من المجالات، دون أن ننسى أن التفاوض هو شكل من أشكال الصراع، وليس وسيلة لراحة أو استرخاء وحين نستذكر أحوال مفاوضينا، من كامب ديفيد إلى أوسلو على سبيل المثال، فإن الصورة لا تسر أحداً، لدرجة أن العادل وزير خارجية صلاح الدين كان أشد بأساً ومراساً وأكفأ وأقدر على المناورة والأخذ والعطاء من رجال الدبلوماسية العرب المعاصرين الذين أدمنوا التفاوض، كما أدمنوا التنازل. ومن أسف أنهم يكابرون ويتبجحون ويقولون: هل تريدوننا أن نقاتل إلى الأبد؟ ويهزأون من الشعارات التي التفت حولها الأمة متسائلين: ما معنى أن "ما ضاع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"؟ ويزعمون أن هذا قمة الضياع. ويسخرون من الاستمساك بحق العودة، ومن الدعوة إلى الحرب المستمرة، ويتمسحون في صلاح الدين بدعوة أنه فاوض، وهادن، وعقد صلحاً، دون أن يعرفوا أن هذا القائد ابن العصور الوسطى لم يبرم ما يسمى صلحاً نهائياً، وسار خلفاؤه من بعده على هذا النهج، بينما نجد أن الوزير الفاطمي "شاور" كان مستعداً وموافقاً على عقد "معاهدة سلام دائمة" مع ملك مملكة بيت المقدس يباركها الخليفة الفاطمي العاضد. [84]



وإذا كانت الحرب هي الدبلوماسية بوسائل أخرى، فإن صلاح الدين كان يقاتل ويفاوض هكذا فعل مع ريتشارد قلب الأسد أثناء القتال عند عكا، بعد تحرير القدس. وعندما حمى وطيس القتال، واشتدت المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين، طلب ريتشارد عقد "قمة" مع صلاح الدين "دون تحديد مسبق للأساس الذي تقوم عليه المفاوضات بينهما"، فما كان منه إلا أن رفض وقال كلمة صارت مثلاً وقاعدة وعرفاً: "الملوك لا يجتمعون إلا عن قاعدة".[85]



كان صلاح الدين يعرف أهدافه، وقد أجاد الإعداد والتخطيط لها، سياسة وقتالاً ضد العدو، وإعداداً لدولته من الداخل. وقد وضع نصب عينيه هدفين أساسييين ومتكاملين: توحيد مصر والشام والجزيرة، واتخاذ ذلك قاعدة انطلاق للجهاد ضد الفرنجة، وكان الهدفان يتكاملان معاً، ويسيران معاً. التوحيد والاندماج خطوة خطوة، والجهاد معركة بعد معركة، فالتوحيد زاد للجهاد، والجهاد يخلق الأرضية لتحقيق المزيد من الوحدة. [86]



ولكن التاريخ ليس خطاً بيانياً صاعداً باستمرار. وبعد رحيل صلاح الدين في 1193 تمزقت دولته بين أشقائه وأبنائه، وحدث نزاع بين البيت الأيوبي والبيت الزنكي.. ووصلت الأمور إلى حد أن الملك الكامل محمد ـ ابن أخي صلاح الدين ـ تنازل في اتفاقية يافا في 18 شباط 1229 عن بيت المقدس للامبراطور فردريك الثاني، بالإضافة إلى بيت لحم والناصرة وتبنين وصيدا. وبالفعل دخل الامبراطور المدينة المقدسة في 17آذار من السنة نفسها. وفي 1244 اقتحم الخوارزمية بيت المقدس واستولوا عليه من الفرنجة، وأدى هذا إلى خروج الحملة الصليبية السابعة، التي توجهت إلى دمياط واستولت عليها، ولكن لويس التاسع وقواته هزموا وأسر هو في المنصورة في 1250 وفي السنة نفسها انتهى حكم الأيوبيين في مصر، وبدأت دولة المماليك.



وبهذا نرى أن ما حققه صلاح الدين من إنجازات فيما بين 1182 و1193 بشكل خاص، كاد يتبدد على أيدي خلفائه، لولا أن شعلة الجهاد كانت قد اتقدت وبدأت تحرك "الشارع العربي ـ الإسلامي" إنكاراً واستنكاراً لكل تنازل للأعداء، وإدانة له وسخطاً عليه. فحينما تنازل الكامل محمد للامبراطور فردريك عن بيت المقدس: "قامت القيامة في جميع بلاد الإسلام، واشتدت العظايم بحيث أنه أقيمت المآتم"، ويقول المقريزي إنه حين سمع المسلمون بخبر تفريط الكامل في القدس: "اشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل، وحضر الأئمة والمؤذنون من القدس إلى مخيم الكامل وأذنوا على بابه في غير وقت الأذان.. فعظم على أهل الإسلام هذا البلاء، واشتد الإنكار على الملك الكامل وكثرت الشناعات عليه في سائر الأقطار".[87]



ورد الفعل الشعبي هذا أقوى بكثير من رد الفعل على سقوط القدس في أيدي الصليبيين في 1099، فقد شارك "الشعب" على مدى قرن ونصف في احتمال أعباء الجهاد، ولعب دوره في كثير من المعارك، ولذلك لم يعد يتقبل الهزيمة أو يقبل التفريط.. وقد لعب هذا التفريط من قبل الكامل محمد دوره في نهاية دولة الأيوبيين ومجيئ المماليك، الذين رأوا أن شرعيتهم لن تكتمل إلا بمواصلة الحرب والجهاد ضد الصليبيين، والقضاء على بقايا وجودهم في المنطقة.



وإذا كانت المعارك ضد الصليبيين قد استمرت حوالي قرنين، تخللتها تطورات عديدة فقد تقاعس بعض الحكام وسعى آخرون إلى خطب ود الصليبيين اتقاء لشرهم أو طمعاً في مغنم على حساب آخرين من الحكام والأمراء العرب ـ المسلمين في حين أن أهل الفكر لم يهادنوا يوماً، ولم يظهر بينهم من يدعو إلى قبول الصليبيين أو مصالحتهم بل كان العماد الفاضل، وابن شداد وغيرهما من رجال الفكر والأدب الذين أحاطوا بصلاح الدين أصحاب دور كبير في شحذ الهمم، وتوحيد الصفوف، ودعوة القوى العربية ـ الإسلامية إلى مساندة السلطان في جهاده.



ومع غزارة ما كتب في تلك الفترة من أدب وشعر وكتب، فإن المرء لم يقدر له أن يجد كلمة من كاتب تدعو إلى تثبيط الهمم، أوالتقاعس عن القتال، مثل تلك الدعاوى التي تتوالي في أيامنا هذه، بدعوى "السلام" تارة والحرص على التنمية تارة أخرى، ومراعاة الظروف الدولية مرة ثالثة!! بالعكس، كان صوت وسوط النقد يلهب ظهور من يتقاعسون عن الجهاد، أو يفرون من ميدان القتال ولا يأتون من البأس إلا قليلاً، ولم ينج حتى كبار القادة من النقد الذي لم يسلم منه صلاح الدين بعظمته وبطولاته وانتصاراته.



ويسجل التاريخ أن "أدب المقاومة العربي" بدأ مع بداية الاجتياح الصليبي للشام وأن المساهمين فيه، سواء كانوا عرباً أو غير عرب، كتبوا أدبهم بالعربية، لغة الثقافة والتراث"[88] وإدراكاً من العدو الصهيوني اليوم لدور الكلمة في المعركة فإنه يحاول بوسائل متعددة أن يؤثر على الكتاب والأدباء والمثقفين والصحفيين وقادة الرأي العام.



وعلى الرغم من أن محاولاته لم تحقق نجاحاً، إلا أنه لم يتوقف، وقد بدأ يحدث اختراق في هذه الجبهة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في 1993.. فالذين كانوا ضد التطبيع كادوا يصبحون سماسرة تطبيع، وما أسهل التبرير والتزييف، ورفع شعار حرية الرأي والاجتهاد، مادامت الخيانة قد أصبحت وجهة نظر.



وفي مواجهة هذا الإفك، فإن إحياء وتعميق الكتابة عن فترة الحملات الصليبية يعتبر مهمة نضالية، خاصة وأن كثيراً من أدب عصر الحروب الصليبية كما يقول الدكتور أحمد أحمد بدوي "لايزال خبيئاً في الخزائن، مخطوطاً أو مصوراً، لم يحقق تحقيقاً علمياً يظهره في أكمل صورة ممكنة، وأن من الواجب تضافر القوى على نشر هذا الأدب وإذاعته حتى يكون من الميسور دراسته في صورة أوسع.." [89] ولكل قاعدة شواذ والشاذ هو الذي يثبت القاعدة ويؤكدها. جميع الكتاب والشعراء المثقفين كانوا مع الجهاد ووراءه، ورفع رايته، والانخراط فيه.. باستثناء واحد، واحد فقط، في قرنين من الزمان وهذا الواحد يروي الدكتور أحمد أحمد بدوي قصته بقوله: [90] "مما ينبغي أن يسجل لندرته، حتى لا يروي تاريخ الأدب له نظيراً، هذا الشعر الخائن الذي يشمت بهزيمة المسلمين، ويشمت بما ينالهم من ضر، ولا يروي التاريخ من هذا النوع سوى بيتين، قالهما شاعر لم يشأ التاريخ أن يحتفظ باسمه بل ذكر فحسب أنه كان عند الفرنج، وأنه كان ينتجعهم ولست أدري السبب الذي دفعه إلى انتجاع أعداء البلاد، وفي أمراء البلاد الإسلامية ما كان يغنيه عن هذه الخيانة النكراء، فهل احتفظ به الفرنج وأغدقوا عليه ليكون داعيتهم وليتخذوا لسانه سلاحاً لهم، ينشر في صفوف المسلمين الرعب من الفرنج والرهبة لهم؟!. يقف التاريخ صامتاً عن السبب الذي دفع هذا الشاعر إلى هذا الاتجاه، الذي لم أر له مثيلاً: أما البيتان فقد قالهما الشاعر عقب غزوة غير ناجحة للأفضل الوزير المصري، ابن أمير الجيوش، فقد كوتب من عسقلان بأن الفرنج قد اجتمعوا للغزو، فعنى الأفضل بالأمر أيما عناية، ولم يبق في مكنته شئ من مال، وسلاح، وخيل، ورجال، وأناب أخاه مكانه بين يدي الخليفة، ومضى لا يريد أن يصد هجومهم المترقب فحسب، بل أن يستنقذ الساحل كله من أيديهم ولكنه لم يوفق في بلوغ هدفه. ويقال إن السبب في ذلك يعود إلى خيانة من الجند، فعاد الأفضل غاضباً على جنده وشيعه هذا الشاعر الخائن بقوله، يخاطب صنجل ملك الفرنج: نصرت بسيفك دين المسيح فلله درك من صنجـــل



وما سمع الناس فيــما رووه بأقبح من كسرة الأفضل

ولقد لقى هذا الشاعر جزاء خيانته، فقد توصل الأفضل إلى ذبحه ومما لا ريب فيه أن هذا الشاعر الخائن ندد بالمسلمين في غير هذا الشعر، وربما يكون الفرنج قد قصدوا بشعره هذا أن يشيع بين المسلمين الذين بقوا تحت سيطرة الفرنج إن كان قد بقى منهم أحد".



ولا شك أن بيننا اليوم أكثر من واحد من أمثال هذا الشاعر الذين يوهنون العزائم، ويثبطون الهمم، ويكادون يقولون إنه ليس بمقدورنا أن نهزم العدو. إنهم لا يقولونها صريحة واضحة، ولكنهم يلفلفونها ويلفون من حولها ويدورون، وإذا كان العصر غير العصر، حيث صار العالم "قرية واحدة" وخارج واحد على الصف يمكن أن يكون لصوته ناقل في الإذاعات، والفضائيات والصحف، خاصة وأن أدعياء "الحكمة" يتكاثرون، وساحة المواجهة لا تقف عند حدود دول الطوق: مصر والشام والجزيرة، بل إن كل قطر عربي يحاول أن تكون له كلمة ورأي حتىدون أن يقول كلمة حق من أجل فلسطين. وحين عجز العدو عن أن يفتح أبواباً للتطبيع مع مصر وسوريا ولبنان، وحين جوبه بحركة مضادة قوية في الأردن، ذهب يقرع أبواباً في عُمان وفي قطر.. وحتى في موريتانيا، وبذلك فإن العدو يعترف بفشله لا بنجاحه، ذلك أن مصائر فلسطين في عصر الصليبيين وفي عصرنا الراهن لم تقررها ولن تقررها إلا إرادة أبنائها، ودول الجوار اللصيقة.. التي تستطيع أن تكون قاطرة لدول عربية أو حتى إسلامية أخرى. وهنا، فنحن أمام "معادلة هامة في تاريخ المنطقة العربية" حسب تعبير الدكتور قاسم عبده قاسم[91]، معادلة مؤداها أن العمل المشترك والتنسيق والحد الأدنى من الوحدة كانت شروطاً لازمة للنجاح والنصر. هذا هو القانون الحاكم، وسنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.



وفي هذا الإطار ومن أجل معركة التحرير، فإن هناك إقليماً قاعدة، حسب التعبير العصري. وهذا الإقليم هو مصر، فيه "تقرر آخر الأمر مصير مملكة بيت المقدس"[92] وبعبارة أخرى: فإن دعاة الحركة الصليبية والمتحمسين لها وصلوا في نهاية القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر إلى نتيجة حاسمة لا شبهة فيها ولا جدال حولها، هي أن مفاتيح بيت المقدس توجد في القاهرة، وأن عليهم البدء بمصر أولاً بوصفها الطريق الطبيعي الذي ـ لا طريق غيره ـ للوصول بهم إلى بيت المقدس.



وقد ظهرت هذه العقيدة بوضوح في أقوال زعماء الحركة الصليبية ودعاتها، فهم حيناً يشبهون مصر بأنها رأس الأفعى وأحياناً يشبهونها بأنها مخزن الإمدادات في العالم الإسلامي، ومرة ثالثة يشبهونها بالقلب في الجسم"[93].. وتفكير الصليبيين في مصر، والنظر إليها على أن في عاصمتها مفتاح القدس تفكير برز منذ بدايات الحملة الصليبية، وغداة الاستيلاء على القدس في 1099 ولكن مع نهاية القرن الثاني عشر وبداية الثالث عشر أصبح راسخاً في أذهان الصليبيين أن "الاستيلاء على مصر ضروري لتأمين مشاريعهم وبقائهم في فلسطين، وأنه بدون سيطرتهم على مصر لن تستقر حياتهم في الشام" وعلى الجانب الآخر، الجانب العربي ـ الإسلامي، أنذرالكامل محمد من خلال سبعين رسولاً أهل الإسلام من غلبة الفرنج على مصر، وخوفهم من أنهم حتى ملكوها "لا يمتنع عليهم شئ من الممالك بعدها".[94]



هذا عن الصليبيين، فماذا عن الصهاينة؟. أليس هذا عينه ما تحدث به بن جوريون، النبي المسلح، حين حذر بني قومه من القيادة المصرية للعالم العربي؟!.



والصهاينة على خطى الصليبيين حاولوا غزو مصر، وغزوها فعلاً ولكنهم لم يدخلوا القاهرة أو دمياط.. بل وقفوا عند ضفة القناة، واجتازوها مرة واحدة في 1973، ووقفوا على مبعدة 101 كيلو متر من القاهرة.. ولكنهم من ناحية أخرى لا يألون جهداً من أجل نزع مصر من مقعد زعامة وقيادة الوطن العربي.



إذن درس مستفاد آخر، وليس أخيراً، هو الاستمساك بدور مصر العربي، ومقاومة أية محاولة لإضعافه أو التقليل منه.. من يفعل ذلك يجد نفسه، شاء أم أبى، يقف بجوار العدو، ويعمل ما يحقق مصلحته.



ماذا بعد؟.. ماذا عن المستقبل؟

المقارنة بين الحركة الصليبية والحركة الصهيونية تقود غالباً إلى الحديث عن المستقبل، أي مستقبل الكيان الصهيوني، لأن السؤال الذي يختفي وراء هذه المقارنة، والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف هو: هل سيلقى الكيان الصهيوني المصير نفسه الذي لقيته مملكة بيت المقدس الصليبية؟ إذن كيف ومتى؟؟



الدراسات ذات الطابع الإسلامي أوالدراسات الإسلامية تعتبر زوال إسرائيل مسألة مفروغاً منهاً، وحتمية قرآنية وهي في أغلبها تفسير تأويلي لبعض آيات القرآن الكريم.



هناك دراسات عربية أخرى، منها دراسة الدكتور أسامة الغزالي حرب عن مستقبل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحوار منير شفيق والسيد أباه عن "مستقبل إسرائيل"[95] وهناك دراسات أخرى، وربما حملت العنوان نفسه.. ولكن هناك كتابات من الجانب، كتابات مثيرة، إن لم تناقش علمياً، فإنها تستحق أن تؤخذ في الاعتبار.



منها، كتاب "أوري وزولي" وعنوانه: هل ستبقى إسرائيل حتى عام 2048؟ [96] من قبل وفي عدد 12ـ18 تشرين الأول 2000 من مجلة"الإكسبريس"الفرنسية خرج "جاك أتالي" مستشار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران وأحد القادة السابقين للطائفة اليهودية بمقال عنوانه: "إسرائيل إلى أين؟ الحلم الصهيوني محكوم بالموت".[97]



وفي سبتمبر من العام 2003، خرج "إبراهام بورج" الرئيس السابق للكنيست الإسرائيلي بعنوان: مجتمع إسرائيلي فاشل ينهار، فيما يلزم قادته الصمت وتتحكم فيه دولة المستوطنات".[98]



ووسط تلال الأوراق والقصاصات وجدت اقتباسة لم أسجل مصدرها الذي نقلت عنه، ولكنها تشير إلى مجلة "مومينت" الصهيونية الأمريكية عدد سبتمبر 1977، المجلد الثاني العدد الثاني، ص51.. والاقتباسة تشير إلى أن هذه المجلة نشرت مقابلة مع الزعيم الصهيوني المعروف "ناحوم جولدمان" يتحدث فيها عن "حديث على انفراد" بينه وبين "بن جوريون" أحد رؤساء الوزراء السابقين في "إسرائيل". ويقول جولدمان "إن الحديث كان من الخطورة لدرجة أنهما أبعدا زوجة بن جوريون عن سماعه".



في ذاك المساء قال بن جوريون حسب رواية جولدمان: "لماذا يجب على العرب أن يقيموا سلاماً معنا؟. هل هم مجانين؟. لوكنت عربياً هل كنت أقبل بإسرائيل؟ لقد جئنا وسلبناهم بلادهم، فلماذا يجب أن يقيموا سلاما؟" في بقية الحديث كما رواه جولدمان ألقى بن جوريون نظرة مستقبلية على صراع الكيان الصهيوني ضد العرب. سأل جولدمان زميله بن جوريون: إذا كان هذا هو الوضع في رأيك يا ديفيد فكيف ترى المستقبل؟ حسب رواية جولدمان فإن جواب "بن جوريون" كان: سأخبرك، في شهرين أو ثلاثة سأبلغ السبعين، فإذ سألتني ما إذا كنت سأموت وأدفن في دولة يهودية، أقول لك إذا عشت 10 أو 15 سنة، ربما، أعتقد نعم أموت وأدفن في دولة يهودية. ابني عاموس سيبلغ الخمسين في شهر أكتوبر، إذا سألتني ما إذاكان سيموت ويدفن في دولة يهودية، أقول لك إن حظه في ذلك 50% في أفضل الأحوال. يختتم "جولدمان" روايته بأنه سأل بن جوريون: كيف ينام الليل كرئيس للوزراء لديه مثل هذه التوقعات؟



أجاب بن جوريون: "من قال لك إني أنام الليل؟". ومنذ شهر بالتمام والكمال قبل كتابة هذه الكلمات أي في 27 تشرين الثاني 2003 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالاً للكاتب الإسرائيلي "يرون لندن" قال فيه: "في مؤتمر المناعة الاجتماعية" الذي عقد هذا الأسبوع، في سدروت علم أن نسبة كبيرة جداً من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة. هذه المعطيات تدل على أن عقارب الساعة تقترب من الساعة الثانية عشرة. وهذا هو السبب لكثرة الخطط السياسية التي تولد خارج الرحم العاقر للسلطة".



في 18نوفمبر الماضي نفسه، كتب "يوئيل ماركوس" مقالاً بعنوان: "القبطان ملزم بالمغادرة" في هآرتس، أشار فيه أيضاً إلى حكاية الثلاثين سنة، وقال: "في بعض الحلقات البحثية والدراسية أصبحوا يتداولون في كون إقامة الدولة مسألة خاطئة من البداية، من انتفاضة الحجارة والزجاجات الحارقة الأولى، وصلنا إلى وضع تطرح فيه أسئلة حول تواصل بقاء إسرائيل كدولة يهودية بعد 30 سنة"..



شخصياً، أكاد لا أصدق هذه الأقوال"الإسرائيلية" أحسبها نوعاً من المبالغة في المعارضة لشارون وسياساته، كما أن المقاومة الفلسطينية، والرفض العربي لم يصلا إلى الحد الذي يسقط "إسرائيل"، بعد 30 سنة من الآن. ليس بعد...



هوامش:

(1) أنظر في معنى مغاير لما ذهبنا إليه الدكتور بشارة خضر، في كتابه: أوربا وفلسطين من الحروب الصليبية حتى اليوم"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ، 2003. ص60ــ61، حيث يقرر أن العرب والمسلمين يجدون في"حروب الإفرنج" نوعاً من الوعد بمستقبل أفضل، أو هي أسطورة تستخدم" كتعويض عن حاضر محبط نفسياً". ثم يضيف(60ــ61) "هكذا تصبح ملحمة الحروب الصليبية، كأسطورة سياسية،"خزان دروس" للأزمنة الحاضرة" وسيستخدم الصحافيون والمؤرخون والمناضلون القوميون أو المسلمون هذا الحدث الماضي للتشديد على أهمية وحدة الأمة العربية أو الأمة الإسلامية، لإبراز مركزية مصر أو سوريا في السلم والحرب، وأخيراً لطمأنة رأي عام محبَط بإعلان أن نصر العرب والمسلمين على أعدائهم مندرج في نوع من الضرورة التاريخية الموضوعية". ويكفي أن الدكتور بشارة يبدو كمن يرد على نفسه حين يذكر أن"هذا اللجوء إلى التاريخ ـ المرافعة ليس خاصاً بالعالم العربي. فلدى جميع الشعوب نزعة إلى تحويل الذكريات إلى إرث، وإلى أن تجعل الهزيمة الوطنية تسمو نحو فعل بطولة، وإلى أن تبتدع لنفسها أساطير سياسية".



ويبدو أن الدكتور بشارة ليس ملماً بما يكفي بالأدبيات العربية حول الحروب الصليبية.. ولو أن كلامه عن"أسطرة" هذه الحروب عند العرب صحيح، لما اهتم بها الصهاينة، ووضعوها موضع دراستهم، كما سنبين في المتن.. وحتى الكتابات الإسلامية الجادة والأصيلة لا تذهب إلى ما سماه الدكتور بشارة"إعلان أن النصر.. مندرج في نوع من الضرورة التاريخية والموضوعية" بل تتحدث عن التغيير والقوانين أو السنن التي توجهه، أنظر على سبيل المثال: د. ماجد عرسان الكيلاني: هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس.المعهد العالمي للفكر الإسلامي هيرندن ــ فرجينيا ــ الولايات المتحدة الأمريكية، 1994. ومع ذلك، يجب أن نضع في الذهن ما يذكره الدكتور قاسم عبده قاسم"ماهية الحروب الصليبية. سلسلة عالم المعرفة، الكويت، مايو ــ آيار1990 ص7] من أن أدبيات الحروب الصليبية في التدوين التاريخي العربي"لاتزال تدور في الغالب الأعم حول أحداث المعارك ووقائع الحروب ولا يزال رصد الظاهرة من منظور يهتم بالسببية التاريخية ويحاول استقصاء نتائجها وحصادها محدوداً للغاية".



(2) هناك عدد من الدراسات العربية التي تناولت المشابهة بين الظاهرتين الصليبية والصهيونية بشكل مباشر من أبرزها:

أ ـ شارل عيسوي: الحروب الصليبية والأزمات الحالية في الشرق الأدنى مشابهة تاريخية. مجلة"الأبحاث"، بيروت، ديسمبر1957.

ب ــ الدكتور أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني. الدار العربية للكتاب، ليبيا ــ تونس، 1975.

جـ ـ أنطوان بطرس: مشكلة إسرائيل بين أمثولة التاريخ وبرامج البقاء. مجلة شؤون فلسطينية بيروت، ع 22، حزيران ــ يونيو 1973.

د ــ كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: دراسة حول المشابهة التاريخية بين الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية. دار الموقف العربي للصحافة والنشر والتوزيع، القاهرة، دون تاريخ نشر"تاريخ الإيداع في دار الكتب المصرية هو 1980".

هـ ـ د. عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي: مستقبل الصراع على فلسطين في ضوء مقارنة بين الاستعمارين الصليبي والإسرائيلي. مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، القاهرة2002.

(3) د. قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره ، ص9.

(4) لا يوجد نص كامل لخطبة البابا أربان الثاني، أنظر ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة الباز العريني، دار الثقافة، بيروت، الجزء الأول، 1967. ص60 ــ 63.

(5) د. قاسم عبده قاسم، ماهية الحروب، مصدر سبق ذكره، ص12.

(6) المصدر نفسه، ص14. ومن أسف أن أ. د. زينب عبدالعزيز في كتابها "حرب صليبية بكل المقاييس" دار الكتاب العربي، دمشق ـ القاهرة، 2003. ص7" تعتبر استخدام تعبير حرب الفرنجة تلاعباً بالألفاظ من قبل أقلام كبار المسيحيين في مصر ليمحوا عنها ارتباطها بالدين المسيحي والصليب، مستخدمين عبارة "حرب الفرنجة" بدلاً عنها لأن الصليب منها برئ. وتسابقت بعدهم أقلام بعض الذين ألفوا التطوع والمواكبة من المسلمين لإثبات صحة هذا التحريف الجديد أو هذا التلاعب بالألفاظ، ترى هل كان مؤرخونا الكبار، الذين أشار إليهم د. قاسم، من أمثال ابن القلانسي وابن الأثير وابن العديم وابن واصل وغيرهم يتلاعبون بالألفاظ فلم يستخدموا تعبير"حرب صليبية" واستخدموا بدلاً منها"حرب الفرنجة"؟. وهل قرأت الأستاذة الدكتورة كتابات هؤلاء المؤرخين الكبار؟.

(7) الدكتور أنيس قاسم: تأملأت في الاحتلالين، مصدر سبق ذكره ، ص46.

(8) عبدالعال الباقوري: مشروع مكتبة عربية حول الحروب الصليبية. صامد الاقتصادي"مجلة فصلية تصدر من عمان" العدد 133ــ134، السنة 25، من حزيران إلى كانون الأول 2003، ص352.

(9) د. زينب عبدالعزيز: حرب صليبية...، مصدر سبق ذكره ص22 ــ 23.

(10) يشير الدكتور قاسم عبده قاسم"ماهية الحروب الصليبية. مصدر سبق ذكره، ص14، إلى أن"ماركس وإنجلز ولينين يرون أن"الحملات الصليبية" كانت مشروعات استعمارية استيطانية تهدف إلى استعباد الشعوب تحت راية الصليب" ويضيف أن"لينين جسد هذه النظرية حين اعتبر الإجراءات التي اتخذت عشية الحرب العالمية في أيرلندا ضد العمال" حملة صليبية" ضد العمال وحقوقهم وقد درج الماركسيون على تضمين مصطلح"الصليبية" معنى مجازياً سلبياً في كل كتاباتهم".

(11) الكتابات حول الصهيونية عديدة، وتعريفاتها متعددة، ويكفي أن نشير هنا إلى مصدرين فقط هما:

أـ د. محمد عبدالرؤوف سليم: تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة 1897ـ1918، القسم الأول. معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1974.

ب ــ روجيه جارودي: ملف إسرائيل: دراسة للصهيونية السياسية. دار الشروق،القاهرة، 1984.

(12) د. السيد على السيد: العلاقات الاقتصادية بين المسلمين والصليبيين. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1996 .ص155 وانظر المرجع الذي يشير إليه في الهامش.

(13) كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: مصدر سبق ذكره. ص14

(14) التعبير للدكتور قاسم عبده قاسم في "ماهية الحروب الصليبية"، مصدر سبق ذكره، ص15

(15) كمال محمد محمد الأسطل، مستقبل إسرائيل. مصدر سبق ذكره، ص6ــ7.

(16) يعقد كمال الأسطل مقارنات بشكل موسع تشغل الصفحات من الصفحة الحادية عشرة ، إلى الصفحة الواحدة والثلاثين.

(17) مقدمة الدكتور عبدالحافظ البنا لترجمة كتاب يوشع براور: الاستيطان الصليبي في فلسطين: مملكة بيت المقدس. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2001.ص2

(18) أنطوان بطرس: مشكلة إسرائيل..، مرجع سبق ذكره. ص20.

(19) الدراستان هما"الاستيطان الصليبي في فلسطين: مملكة بيت المقدس" الذي سبقت الإشارة إليه"أنظر الهامش رقم1" و"عالم الصليبيين" ترجمة: الدكتور قاسم عبده قاسم والدكتور محمد خليفة حسن، دار المعارف، القاهرة1981. وقد وعد الدكتور محمد خليفة في مقدمته للترجمة"ص26" بتقديم دراسة بيبلوجرافية وهستوريو جرافية عن الدراسات الصهيونية حول الحركة الصليبية، وأظن أنها لم تصدر إلى اليوم على الرغم من أن الرجل يرأس منذ سنوات مركز الدراسات الشرقية في جامعة القاهرة وهو مركز مهتم بالدراسات والأعمال الصهيونية والعبرية واليهودية.

(20) رئيس الأركان الإسرائيلي في عدوان 1967، وقد تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية ولقى حتفه اغتيالاً على يدي صهيوني أكثر منه تطرفاً في 4نوفمبر ــ تشرين الثاني 1995، لأنه وقع اتفاق أوسلو في 1993.

(21) كمال محمد محمد الأسطل، مستقبل إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص33، انطوان بطرس، مصدر سبق ذكره، ص20. والمصدر الأصلي الذي استقى منه الاثنان هو كتاب يوري أفنيري"إسرائيل دون صهيونية" الصادر في 1969، أنظر كميل منصور: أوري أفنيري أو الصهيونية المستحدثة، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، سلسلة دراسات فلسطينية، رقم 80، بيروت، 1971.

(22) يتولى شيمون بيريز رئاسة حزب العمل حالياً، وقد تولى من قبل عدة حقائب وزارية منها وزارة الخارجية، كما رأس الحكومة الإسرائيلية من 1984إلى 1986، ومن 1995 إلى 1996.

(23) ترجمه إلى العربية يوسف ضومط، وصدر عن الأهلية للنشر والتوزيع في عمان في 2001.

(24) المرجع السابق نفسه، ص115 ــ 116.

(25) ولد في عام49 في تل أبيب، عضو نشط في الليكود، واحد من أكبر المتطرفين في قيادته المتطرفة، وقد تولى رئاسة الحكومة في 96 حين هزم بيريز بفارق ضئيل، وقد نافس شارون على زعامة الليكود، ثم تولى وزارتي الخارجية والمالية في حكومة شارون منذ 2001.

(26) ترجمه إلى العربية محمد عودة الدويري، وصدر عن دار الجليل/ عمان 96، وتضمنت الترجمة مقدمة كتبها نتنياهو لهذه الترجمة!

(27) صدر عدد غير قليل من الكتب العربية رداً على هذا الكتاب، منها على سبيل المثال لا الحصر: حسين سراج: نتنياهو رجل حرب أم داعية سلام؟‍‍‍‍، دار ديوان، القاهرة، دون تاريخ، حمدان حمدان: اغتيال التاريخ، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1997، د. سليمان المدني: العرب على مذبح السلام. المنارة، دمشق، 97، مازن النقيب: بنيامين نتنياهو إرهابي تحت الأضواء. مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996.

(28) صحفي وسياسي إسرائيلي شغل عضوية الكنيست وأصدر صحيفة"هاعولام هازيه" أو"هذا العالم"، له عدد من الكتب أشهرها:"إسرائيل دون صهاينة" و"صديقي العدو".

(29) كميل منصور: أوري أفنيري..، مصدر سبق ذكره، ص137. (30) المصدر نفسه، ص138. (31) المصدر نفسه، ص138ـ139. (32) المصدر نفسه، ص140. (33) المصدر نفسه، ص147.

(34) خالد عايد(إعداد): مؤتمر هيرتسليا للأمن القومي الإسرائيلي بين الهاجس الديموغرافي وتداعيات 11أيلول ــ سبتمبر. مجلة الدراسات الفلسطينية"فصلية تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية" ، بيروت، العدد 52، خريف 2002. ص88 ــ 96.

(35) الدكتور محمد سيد سليم: التحليل السياسي الناصري: دراسة في العقائد والسياسة الخارجية. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1983. ص133.

(36) عن د. مارلين نصر: التصور القومي في فكر جمال عبدالناصر 52ــ1970. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1981 ص58.

(37) نقلاً عن المصدر نفسه، ص55.

(38) نقلاً عن الدكتور محمد سيد سليم، التحليل السياسي الناصري مصدر سبق ذكره، ص133.

(39) المصدر الأخير، ص139.

(40) المصدر الأخير نفسه ، ص183 ــ 184.

(41) الدكتور يوسف القرضاوي: درس النكبة الثانية: لماذات انهزمنا.. وكيف ننتصر؟ مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1987.

(42) الكتاب صادر عن مكتبة النهضة المصرية، دون تاريخ نشر، ويصدّره الكاتب بإشارة إلى أن"هذا الكتاب قائم بذاته وهو في الوقت نفسه يمثل الأجزاء 42و43و44 من المكتبة الإسلامية لكل الأعمار.

(43) الدكتور أحمد شلبي: الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص24ــ25.

(44) صدرت هذه الكتب عن دار النهضة العربية، بيروت، 1981.

(45) الدكتور جوزيف نسيم يوسف: الوحدة وحركات اليقظة، مصدر سبق ذكره في المتن، ص48.

(46) المصدر السابق نفسه، ص65.

(47) انطوان بطرس: مشكلة إسرائيل..، مصدر سبق ذكره ،ص22، ولم يذكر المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات.

(48) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.

(49) جورج جبور:"دروس التجارب التاريخية" في"العرب ومواجهة إسرائيل: احتمالات المستقبل" الجزء الأول. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000. ص49.

(50) أنظر العرض الذي أعددناه بشكل مفصل لهذا الكتاب، والذي صدر عن دار ميريت، بالقاهرة، في 2001 بعنوان:"حدود التسوية واستراتيجية إسرائيل في القرن21".

(51) جورج جبور: دروس التجارب التاريخية، مصدر سبق ذكره، ص49.

(52) الدكتور الباز العريني في تقديمه للجزء الثاني من موسوعة رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، ص6.

(53) هناك خلافات كبيرة جداً بين المؤرخين حول أعداد الصليبيين، فهل كان المشاركون في الحملة الأولى 600ألف، أو 300ألف أو 100 ألف؟ هكذا يتساءل العلامة رنسيمان"الجزء الأول ص481 وأنظر ص 483" حيث يقول:"صار مستحيلاً علينا في الوقت الحاضر أن نتحقق من الحجم الحقيقي للجيوش الصليبية.. ليس للأرقام من معنى سوى أنها تدل على أن العدد بالغ الضخامة" بمقاييس الزمن الذي جرت فيه هذه الحملات. ويعود ليذكر أن مجموع الفرسان في الحملة الأولى كان يتراوح بين 4200 و4500 فارس و30ألفاً من الرجالة، وفي "ص487" يذكر أن الذين حاصروا بيت المقدس كانوا نحو 1200 أو 1300 فارس، وما يزيد قليلاً على 10آلاف من الرجالة، أما"براور" فقّدر عدد الذين سكنوا في الأرض المقدسة بحوالي 100 ــ 120 ألف رجل، وأن المدن الثلاث الكبرى وهي القدس وعكا وصور كان سكانها 20ألفاً و40 ألفاً و30ألفاً على التوالي.

(54) د. السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية بين المسلمين والصليبيين. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1996. ص21ــ22 وانظر ص156 ــ 157.

(55) المصدر السابق نفسه، ص51.

(56) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص511 ــ 514.

(57) يوشع براور: الاستيطان الصليبي في فلسطين، مصدر سبق ذكره، ص602 ــ 604.

(58) الدكتور السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية، مصدر سبق ذكره، ص11، وانظر ص126.

(59) محمد حسن (اسم مستعار لكاتب مصري صرف جهده في السنوات الأخيرة للعمل في مجال حقوق الإنسان العربي): مصر في التصور الإسرائيلي. دار الكلمة، بيروت 1981.

(60) كميل منصور: أوري أفنيري..، مصدر سبق ذكره، ص145.

(61) المصدر السابق نفسه، ص138.

(62) المصدر السابق نفسه، ص145ــ146.

(63) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية. الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص20ــ21.

(64) المصدر السابق نفسه، ص21.

(65) كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل.. مصدر سبق ذكره، 281.

(66) رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص158.

(67) تهاني هلسه: دافيد بن جوريون. مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1968. ص158و199.

(68) د. عبدالوهاب المسيري: مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر العربي المعاصر دمشق ـ بيروت 2002 ص 143.

(69) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص158 ــ 159.

(70) كارم يحيى: رهان المليون السابع: اليهود والهجرة الصهيونية حتى 2020. دون دار نشر، القاهرة، 2002.

(71) ميخائيل زابوروف: الصليبيون في الشرق. دار التقدم، موسكو، 1986. ص156.

(72) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص201 ــ 202.

(73) الدكتور محمود سعيد عبدالظاهر: الوضع الديموجرافي وتأثيره على مستقبل إسرائيل، بحث مقدم إلى مؤتمر"مستقبل فلسطين.. ماذا بعد زوال إسرائيل؟" الذي أقامته جمعية مصر للثقافة والحوار، في مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة، 16يونيو 2002.

(74) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص672 ــ 673.

(75) المصدر السابق نفسه، ص673.

(76) أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين..، مصدر سبق ذكره، ص81.

(77) المصدر السابق نفسه، ص81.

(78) الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية، الجزء الثاني. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1963. ص696. ويعلق الدكتور عاشور على كلمات"عموري" هذه فيقول:"ولعله مما يشرف مصر وتاريخها أن الملك عموري والصليبيين عملوا حساباً لعامة أهل مصر وفلاحيها في الوقت الذي كانوا يعلمون جيداً مدى انحلال حّكام مصر وضعفهم". وعن دور المقاومة الشعبية وأساليبها ضد الصليبيين، أنظر: الدكتور السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية..، مصدر سبق ذكره، ص182 ــ 197.

(79) الدكتور أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين...، مصدر سبق ذكره، ص59.

(80) نيكيتا إليسيف: المملكة اللاتينية في القدس والحكام المسلمون في القرن 12م خطوط كبرى للعلاقات السياسية. في "الصراع الإسلامي ـ الفرنجي على فلسطين في القرون الوسطى" تحرير: هادية دجاني ـ شكيل برهان دجاني . مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 94. ص229. ويذكر أنطوان بطرس"مشكلة إسرائيل بين أمثولة التاريخ وبرامج البقاء، مصدر سبق ذكره، ص24، أن"عمانوئيل سيفان"، في دراسته عن"الإسلام والصليبيين" تناول فكرة الجهاد عند المسلمين"كما دونها أبو طاهر السلمي في"كتاب الجهاد" ويضيف"ولهذا الكتاب ـ المخطوطة أهمية خاصة إذ إنه كتب بعد ثلاث سنوات فقط من دخول الصليبيين إلى المنطقة، وبالتالي فهو أول دراسة عن موقف العرب من الدولة الدخيلة" وأنقب في كتب"الجهاد" عن أية معلومات عن"السلمي" هذا فلا أجد!!

(81) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص704.

(82) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها.

(83) بهاء الدين بن شداد: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق د. جمال الدين الشيال. الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1964. ص 194.

(84) الدكتور عمر كمال توفيق: الدبلوماسية الإسلامية والعلاقات السلمية مع الصليبيين. مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1986. ص66ــ67.

(85) المصدر الأخير نفسه، ص172، ويشير الدكتور عمر كمال توفيق في هامش بالصفحة نفسها إلى أنه عندما طلب ريتشارد الاجتماع بالسلطان، رد الملك العادل والأفضل على رسول ملك انجلترا قائلين:"لا يمكن لقاء السلطان لكل من يرسل، وما كل مقصود عليه يعرض، ليعلم في الأول هل هو مما يقبل أو عنه يعرض". انظر المصدر الذي استند إليه.

(86) إن قائداً بلا أخطاء لم يولد بعد، ولم يعرف بعد. ولست مع الصورة الملائكية التي ترسمها كتابات كثيرة لصلاح الدين، فقد كان بشراً، أخطأ وأصاب، ولكن أخطاءه لم تكن في مستوى إنجازاته العظيمة وأعتقد أن المبالغة في تصويره كقائد ورع وبطل لا يهزم، ليست من التاريخ في شئ. وفي الوقت نفسه، فإن تقييمه بنظرة طائفية ليس من التاريخ أيضاً في شئ، كما فعل حسن الأمين في كتابه: صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين، دار الجديد، بيروت، 95. أما ابن الأثير في"الكامل" فيوجه سهام نقده بموضوعية إلى بعض أعمال صلاح الدين، مثل بطء حركته بعد تحرير القدس، وعدم اهتمامه بالإسراع في تحرير الثغور، وتركه الصليبيين يتجمعون في عكا، وبعض خصوماته مع عدد من الحكام المسلمين.

(87) نقلاً عن الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره،102.

(88) هادية دجاني ـ شكيل برهان الدجاني: الصراع الإسلامي ــ الفرنجي..، مصدر سبق ذكره، ص6 ويسجل الكاتبان أن التحرير لم يكن ليتم عسكرياً لولا حملة إعداد فكري قوية واكبته بمشاركة من العلماء والخطباء والأدباء والمتصوفة الذين كان لهم دور مرموق، غرسوا من خلاله قولاً وكتابة، مثل الجهاد والتحرير والارتباط بالأرض. وكتابات هؤلاء عديدة لم تسبر أغوارها حتى الآن.

(89) د. أحمد أحمد بدوي: الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، دار نهضة مصر، القاهرة ط2، دون تاريخ. ص566.

(90) المصدر السابق نفسه، ص543 ــ 544.

(91) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية. مصدر سبق ذكره، ص7.

(92) أرنست باركر: الحروب الصليبية، نقله إلى العربية الدكتور السيد البار: العريني. دار النهضة العربية، بيروت، دون تاريخ. ص78.

(93) الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية. الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص961ــ963.

(94) المصدر السابق نفسه، ص974.

(95) الدكتور أسامة الغزالي حرب: مستقبل الصراع العربي ــ الإسرائيلي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987.

الدكتور السيد ولد أباه والأستاذ منير شفيق: مستقبل إسرائيل. دار الفكر ــ دار الفكر المعاصر، دمشق ــ بيروت، 2001.

(96) أوري وزولي: هل ستبقى إسرائيل حتى عام2048؟، ترجمة سميرة دميان. الهيئة العامة للاستعلامات بوزارة الإعلام المصرية، سلسلة: كتب مترجمة، رقم 845، القاهرة، 2002.

(97) النهار، بيروت، في 12 ــ 12 ــ 2000

(98) الحياة،(لندن)، 12 ــ 9 ــ 2003.




رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
@صدر المجالس@( لاخير بعنصريه على رفيق الدروب) أنور الخريصي مجلس الشعر النبطي 4 04-11-2005 11:06 PM
بشارة المجاهدين-القائم:عشرات المارينز وطائرتين و15آليـة..الجيوش تنهكهم saad المجلس السياسي 1 10-10-2005 08:34 AM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 02:24 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع