يمكن تقسيم نشأة التعليم في الكويت ما قبل عصر النفط إلى المراحل التالية :
حي قديم 1- مرحلة المسجد.
2- مرحلة المطوع والملا.
3- مرحلة نشأة مدرستي المباركية والأحمدية.
4- مرحلة إنشاء مجلس المعارف.
5- مرحلة البعثات الخارجية.
6- تعليم المرأة.
1- مرحلة المسجد :
أي مجتمع إسلامي لابد أن يكون بينه من يقرأ القرآن ليؤم المسلمين في الصلاة ويخطبهم في صلاة الجمعة والأعياد ويجيد قسمة المواريث وعقد الزواج. ويعلم الناس الفرائض وأمور الدين. وقد وجد المجتمع الكويتي المسلم في شخص محمد بن فيروز عالم الإحساء المشهور ضالته فطلب إليه المجيء إلى الكويت. فكان بذلك - بعد أن لبي الدعوة - أول عالــم عرفته الكويت وأول قاض وأول واعظ ومدرس ، وكان مسجد ابن بحر الذي انشيء قرب الساحل - وهذا غير المسجد الذي يحمل الاسم نفسه في وسط مدينة الكويت تقريبا بعد استقرار القوم - أول مدرسة اتخذ منها ابن فيروز مقرا لصلاته وخطبه ووعظه . وتوفي هذا العالم في عام 1722م ويرجع بناء المسجد الأول إلى عام 1670م مع بناء الكويت تقريبا ، وهذا أمر مطابق تماما لنشأة أي مدينة إسلامية حيث يبني قصر الإمارة ثم المسجد مركزا للمدينة.
بلغ عدد المساجد في الكويت في عام 1771م حسب رواية القاضي عبد الرحمن السويدي الذي لجأ إلى الكويت هربا من الطاعون في بغداد - 14 جامعا و مــسجدين. وذكــر أنه قرأ الحديث في ستة جوامع ، فكان يقرأ في الجامع يومين أو ثلاثة فيضيق من كثرة المستمعين فينتقلون إلى جامع أكبر ، حتى استقر الدرس في جامع ابن بحر وهو جامع كبير مطل على البحر.
برز في هذه المرحلة شيوخ وعلماء دين كان لهم تلاميذهم أشهرهم محمد بن فيروز وولده عبد الله وحفيده محمد المتوفى عام 1801م في الأحساء. كما شهدت الكويت علماء آخرين قدموا إليها من الأقطار المجاورة أبرزهم القاضي عبدالرحمن السويدي قاضي البصرة آنذاك ، وعرفت الكويت بعد ذلك عبد الجليل الطبطبائي في عام 1836م الذي توفي عام 1854م ومن بعده ابنه أحمد بن عبد الجليل الطبطبائي المتوفى عام 1878م وتتلمذ على يده ثلاثة من أوائل معلمي الكويت هم خالد العدساني ويوسف اليعقوب وعبد الوهاب الغرير، وجاء بعد هؤلاء الثلاثة جيل من المدرسين والعلماء أشهرهم سليمان خالد العدساني ، وعبد الله خلف الدحيان ، ومحمد جنيدل ، وأحمد محمد القطان ، ويوسف بن حمود ، ومحمد ابراهيم الغانم.
2- مرحلة المطوع أو الملا :
الكتاتيب جاءت مرحلة التعليم المقصود وليس الطوعي على يد معلم متفرغ وفي مكان غير المسجد ، فكانت مرحلة مدارس المطوع أو الملا وهي أشبه بالكتاتيب في البلاد الأخرى ، وقد فرض تطور الحياة في الكويت واهتمام أهلها بالتجارة وسفرهم إلى أقطار بعيدة ضرورة تطور أساليب التعليم.
وهنا لجأ المجتمع إلى تنظيمه في عام 1887م عندما عرف ما سمي بالتعليم المقصود الذي بدأ الولد بموجبه يذهب في سن مبكرة إلى مكان خاص رغبة من ذويه ليتعلم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة على يد الملا أو المطوع في جزء من منزله مقابل أجر يتفق عليه حسب إمكانيات ولي أمر الطالب. وكان هذا المكان الخاص للتعليم يطلق عليه اسم "مدرسة" الملا أو المطوع ، وكان أساس التعليم بها دينيا وبذلك اصبح التعلم سببا من أسباب الرزق لبعض المتعلمين في المجتمع. وفي هذه المرحلة عرف أولياء الأمور أنواعا من الأجر الذي يدفع للملا أو المطوع وقد دفعوها عن طيب خاطر مع ضيق الحياة وشظفها وضعف الكسب فيها وكان منها :
الدخلة : عند تسجيل الطالب ولم تكن تزيد عما يساوي الآن 150 فلسا.
الخميسة : وهو أجر يدفع كل خميس ولا يزيد عما يعادل 40 فلسا.
النافلة : وهو ما يدفع للملا في المناسبات الدينية بقدر ما يتيسر من القمح والتمر.
العيدية : وهو مبلغ من المال يدفع حسب قدرة الطالب قبل العيد أو بعده.
الفطرة : وهي زكاة الفطر عند المسلمين يخرجها الصائم عن نفسه أو عمن يعول.
ختمة الجزء : رسوم يدفعها الطالب كلما ختم قسما من القرآن الذي جري تقسيمه حسب اصطلاح الملا الي 13 قسما ، ولم تتبع طري قة تجزئته إلى ثلاثين جزءا.
القطوعة : مبلغ يتفق عليه بين الملا وولي أمر الطالب يدفع عند ختم الولد للقرآن الكريم ولا يلتزم ولي الأمر بغيره من الرسوم.
الختمة : تدفع عند إنهاء الولد تلاوته للقرآن الكريم وقد تكون في سنة أو أكثر.
التحميدة : مبلغ يدفعه سكان الحي تطوعا كي يغطوا فيه نفقات من يختم القرآن الكريم من الطلاب الفقراء وترافقه مسيرة طلابية من الصبية يرددون التحميدة قائلين : الحمد لله الذي هدانا ، للدين والإسلام اجتبانا.
ومن الأمور التي اهتم بها الملا أو المطوع تعليم الخط وحسن أدائه وجماله لان صاحب الخط الجميل كان مطلوبا لدي التجار كي يعمل عندهم. كما كانت معرفة حسابات الغوص وكيفية تقسيم الدخل بين النواخذة (ربابنة السفن) والبحارة أمرا ضروريا ، رافقه معرفة حسابات الجص المستخدم في طلاء البيوت وبنائها ، ومعرفة حسابات الدهن (السمن) الذي كان سلعة أساسية في تجارة الكويت البرية مع ظهيرها البدوي في الصحراء المحيطة بها وبخاصة الظهير النجدي حيث عرفت التجارة مع هذا الظهير في تاريخ الكويت " بالمسابلة " نسبة إلى سبيل أي طريق.
من علماء الكويت الذين اهتموا بتعليم الناشئة في هذه المرحلة الملا قاسم وأخوه الملا عابدين 1883م والملا راشد الصقعبي ابن شرهان 1888م والسيد عبد الوهاب الحقان 1890م الذي تتلمذ على يديه الشيخ يوسف بن عيسي القناعي ، ومنهم الملا عبد الله بن خلف بن دحيان والملا حمادة وابنه قاسم والملا زكريا الانصاري ، الملا عثمان …. الخ والعدساني الأسرة التي اشتهرت بالقضاء في الكويت أبا عن جد.
أما تعليم الحساب بعملياته الأربع المعروفة فلم تعرفه الكويت إلا في عام 1892م عندما زارها الملا علي بن عمار وعمل محاسبا في ديوان الأمير. وبلغ عدد هذه المدارس التي كانت مشابهة للكتاتيب نحو 35 في عام 1935م منها 25 للبنين ، 10 للبنات.
وفي عام 1935م نفسه كان هناك مدرستان هما المباركية والأحمدية بهما حوالي 2500 طالب وطالبة إضافة إلى هذه الكتاتيب.
3- مرحلة نشأة مدرستي المباركية والأحمدية :
شهدت نهاية عام 1910م وبداية عام 1911م نقلة في تاريخ التعليم في الكويت ففي هذا العام كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ قصة المولد النبوي للبرزنجي في ديوانية الشيخ يوسف بن عيسي القناعي. وما إن انتهي الشيخ جنيدل من قراءته حتى خطب الشيخ ياسين الطبطبائي في الحضور داعيا إياهم إلى الإقـتــداء برســول الله ( صلى الله عليه وسلم) ومعرفة سيرته وتعلمها وقال ما معناه : لا يمكن للقوم أن يتعلموا ما لم يكن لهم مدارس ومعلمون .. وطلب إليهم التعاون على فتح المدارس المفيدة ليبعدوا الأمية عن أنفسهم.
وكان ذلك الحديث أساس الفكرة التي التقطها الشيخ يوسف بن عيسي القناعي وبدأ في جمع التبرعات من الميسورين لفتح مدرسة جديدة. وقد استجاب هؤلاء ايما استجابه فجمع أهل الكويت 78 ألف روبية. وتم البناء.
وكانت الدفعة الاولي بالمدرسة 254 طالبا استقبلتهم يوم 22/12/1911م ، وصار للمدرسة مجلس من : حمد الخضير ، وشملان بن علي بن سيف ، وأحمد الحميضي.
وكان الشيخ يوسف أول مدير لها جاء بعده الشيخ يوسف بن حمود ومن بعده السـيد عـمـر الأزميري ، وكانـت طليـعـة المـدرسـيــن بها : الشيخ حافظ وهبة المصري ، عبد العزيز حمد المبارك الإحسائي ، نجم الدين الهندي ، عبدالرحمن العسعوسي ، عبد القادر البغدادي ، محمود الهيتي ، الشيخ محمد نوري ، محمود شوقي الايوبي ، أحمد بن خميس الخلف ، عبدالملك الصالح المبيض.
كان مستوى المباركية متواضعا تعني بالدروس الدينية وتنظيم الدفاتر التجارية وحساب الغوص والسفر. ثم أصبحت الحاجة ملحة إلى تقوية المدرسة وإدخال تعليم الإنجليزية ومواد أخرى إلى المناهج. ولما نوقش الأمر في ديوان السيد خلف باشا النقيب عام 1921م بحضور الشيخ عبدالعزيز الرشيد ، والشيخ يوسف بن عيسي ، اتفق على تأسيس مدرسة جديدة باكتتاب شعبي وتولي أمر الاكتتاب سلطان إبراهيم الكليب ، وفعلا وصل الاكتتاب السنوي إلى ثلاثة عشر ألف روبية.
وتعهد الشيخ أحمد الجابر حاكم البلاد آنذاك بدفع مبلغ ألفي روبية سنويا ، وتم إنشاء مدرسة "الأحمدية" بعد ضم مدرسة العامرية الخاصة إليها وعين عبدالملك الصالح ناظرا لها.
واهتمت الأحمدية بأساسيات القراءة والكتابة وعلوم الدين والحساب والهندسة والتاريخ والجغرافيا والتاريخ الطبيعي والرسم والصلصال والأناشيد والرياضة البدنية.
المدرسة المباركية أصبحت المباركية والأحمدية أعلى من الكتاتيب في الدرجة والمنهج والمواد وأقرب إلى التنظيم التعليمي الحديث ، ومن آفاق هاتين المدرستين المباركية والأحمدية نبتت بذور الأفكار الحرة والآراء الناضجة وانتشرت أشعة مبادئ العلوم ، وعرفت الكويت في ظل وجودهما المؤسسات الفكرية والاجتماعية والأدبية الرائدة مثل الجمعية الخيرية التي أسسها خالد الفرحان عام 1913م ، المكتبة الأهلية (العامة) 1922م ، والنادي الأدبي 1924م.
كما شهدت الكويت في هذه الفترة بدايات المدارس الأهلية التي تعلم اللغة الإنجليزية منها مدرسة الإرسالية الأمريكية 1917م في بيت الربان بإدارة القس كالفرلي ويعاونه جرجس سلو ، ومدرسة إسماعيل كدو الخاصة. كما شهدت الكويت في هذه الفترة أيضا ما بين 1920 و 1923م توجه بعض الطلاب للدراسة على نفقتهم الخـاصة خــارج الكـــويت وعلى الأخص الهند ، منهم : محمد أحمد الغانم ، عبداللطيف محمد ثنيان الغـــانم ، عبدالعزيز الصقر ، محمد يوسف العدساني ، مبارك الساير ، أحمد مدوه.
ينبغي القول أن مدرستي الأحمدي والمباركية عاصرهما مدارس خاصة أكثر تقدما في مناهجها من الكتاتيب الاولي وأهمها : مدرسة الفلاح للملا زكريا الانصاري الذي أنشأها 1895م واستمرت حتى 1941 ، ومدرسة السعادة التي أنشأها شملان بن علي بن سيف عام 1924م على نفقته الخاصة لتعليم الأيتام وأبناء أسرته ، واستمرت حتى عام 1929م ومدرسة الملا مرشد التي افتتحت عام 1926م وأغلقت عام 1956م ومدرسة الملا عثمان عام 1930م وكذلك مدرسة الخنيني عام 1935م.
4- مرحلة إنشاء مجلس المعارف :
رأي نخبة من الكويتيين عام 1936م أن المدارس الموجودة لا تؤدي الفائدة المطلوبة للبلاد لا سيما وأن أخبار اتفاقية استخراج النفط أصبحت معروفة وكان لابد من الاستعداد لعصر النفط بعد أن كان عصر اللؤلؤ قد انتهى بعد استزراع اليابان له و بدء تسويقه على النطاق العالمي في أواخر العشرينات. أضف إلى ذلك أن الأزمة الاقتصادية العالمية امتدت آثارها إلى الكويت ولم يعد كثير من الأثرياء قادرين على التبرع للتعليم بسبب شح الموارد فاجتمع نفر من رجالات الكويت في بيت الشيخ يوسف بن عيسي القناعى ، منهم :
السيد علي السيد سليمان الرفاعي ، سليمان العدساني ، مشاري الحسن ، محمد الغانم ، نصف اليوسف ، عبدالله العسعوسي ، سلطان الكليب.
اقترح هؤلاء زيادة نسبة الجمارك إلى 5% على أن يكون 4% للدولة ، 0,5% لدائرة البلدية التي كانت قد أنشئت عام 1934م ، 0,5% للتعليم ، ووافق حاكم البلاد على ذلك.
تبع الخطوة هذه إصدار الشيخ أحمد الجابر قرارا بتشكيل مجلس للمعارف منتخب على غرار المجلس البلدي ، وقد تم انتخاب المجلس فعلا من بين أهل الحل والعقد وكانوا 12 شخصية برئاسة الشيخ عبدالله الجابر الصباح ، وتألف أول مجلس للمعارف من :
يوسف بن عيسي ، أحمد المشاري ، يوسف الحميضي ، عبدالله الصقر ، مشاري الحسن ، سلطان الكليب ، نصف اليوسف ، محمد الغانم ، سليمان العدساني ، يوسف العدساني ، علي سليمان الرفاعي ، مشعان الخضير.
استقدام المدرسين :
أما القرار الرئيسي الذي اتخذه المجلس فقد تمثل في الكتابة إلى السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين آنذاك وقائد ثورتها طالبا إليه إرسال أربعة مدرسين مؤهلين وعلى خلق حسن للعمل في مدارس الكويت وتمت الموافقة ووصلت أول بعثة من المدرسين العرب إلى الكويت في النصف الأول من رمضان عام 1355هـ وكانوا : أحمد شهاب الدين ، جابر حديد ، محمد المغربي ، خميس نجم ، وبوصولهم بدأ النظام التربوي الحديث في الكويت.
وفي العام نفسه افتتح هاشم البدر مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية وأخذتها منه معارف الكويت وتم فتح صف للتعليم التجاري.
وجاءت البعثة الثانية في العام الدراسي 38/1939م وكانت أربعة مدرسين من فلسطين أيضا.
لم يتوقف الأمر على المباركية والأحمدية ، وافتتح المجلس في عام 1939/1940م مدارس جديدة في القبلة والشرق وبعض القري وجزيرة فيلكا ، وأضيف إلى ميزانية المعارف واردات مصلحة النقل والتنزيل (حمال باشي) عام 1938م ، وجيء ببعثة جديدة من المدرسين كانوا خمسة مدرسين ، وفي عام 1939/1940م رفع الرسم المخصص من الجمارك إلى 1% .
شهد العام الدراسي 1942/1943م وصول بعثات المدرسين من مصر وسوريا لأول مرة بعد أن انتهت أعمال المدرسين الفلسطينيين وكانوا أربعة من مصر وأربعة من سوريا ، وظلت المباركية حجر الزاوية في التعليم وأولت اهتماما في هذا العام بالمكفوفين من الطلبة وخصصت لهم فصلا داخلها لتدريسهم القرآن وحفظه قبل أن ينتقلوا إلى المعهد الديني عند تأسيسه عام 1943م.
كان مقر مجلس المعارف عند إنشائه في إحدى غرف المدرسة المباركية وأصبح له ثلاث غرف في المدرسة نفسها عام 1941م وأصبح عددها أربع غرف في العام 1943/1944م ، واستقل المجلس في عام 1947م بمقر خاص له في بيت مؤجر في براحة السبعان بوسط الكويت ولم تقم المعارف ببناء مقر مستقل لها إلا في عام 1949م في شارع فهد السالم قرب مسجد الملا صالح حاليا وفي موقع بناية الراشد. وأصبح عدد المدارس التي يشرف عليها مجلس المعارف في العام الدراسي 45/1946م ، 12 مدرسة منها مدرسة ثانوية للبنين وسبع مدارس ابتدائية للبنين ، وأربع مدارس ابتدائية للبنات تضم 2815 طالبا و 820 طالبة يدرسهم 108 مدرسين ، وأربع وثلاثون مدرسة ، بعد أن كان عددهم ستمائة طالب في عام 1936م ، وفي العام الدراسي 39/1940م كان هناك ست مدارس للبنين في القري موزعة بين فيلكا ، الفنطاس ، أبو حليفة ، الفحيحيل ، الجهراء ، دمنة (السالمية).
والي جانب هذه المدارس عرفت الكويت المعهد الديني لتخريج أئمة المساجد والخطباء منذ عام 1943م ، والذي شهد نقلة واسعة في تاريخه في عام 1947م.
كما شهدت الكويت في عام 1938م إنشاء أول مدرسة أهلية تسير بنظام تعليمي حديث هي المدرسة الوطنية الجعفرية.
ميزانية التعليم في الكويت حتى عام 1946م:
تولى أولياء الأمور الإنفاق على أبنائهم قبل عام 1936م وكانوا يدفعون رسوما سنوية أشرنا إليها عند الحديث عن مرحلة المطوع أو الملا وأصبحت تدفع بطريقة أكثر تنظيما بعد إنشاء مدرستي المباركية والأحمدية أو "الكتاتيب" الاخرى في هذه الفترة إلا أن الفقراء كانوا يعفون من هذه الرسوم دائما. ولم يكن هناك أي ميزانية للتعليم قبل إنشاء مجلس المعارف في عام 1936م. وفي هذا العام بلغت الميزانية نتيجة تحصيل جمركي قدره 0.5% ما مقداره 63 ألف روبية هندية ( والروبية تعادل 75 فلسا كويتيا أي 25 سنتا ) لكن هذه الميزانية تطورت مع تطور أعداد الطلاب ومع ازدياد الدخل من ضريبة الجمارك ونصف دخل شركة التنزيل والتحميل (حمال باشي) كما كانت تسمي آنذاك.
وفي 1/10/1940م كان عدد مدارس التعليم الحكومي :
أربع مدارس للبنين داخل السور وهي المباركية ، الشرقية ، الأحمدية ، القبلية ، وثلاث مدارس للبنات وهي الوسطي ، القبلة ، الشرقية. وكان عدد الطلاب الذكور 1072 والإناث 275 تلميذة.
وست مدارس للملالي في القري وهي الجهره ، فيلكا ، دمنة (السالمية) ، الفحيحيل ، الفنطاس ، أبو حليفة. وكانت معظم المدارس في بنايات مستأجرة لا تزيد قيمة الإيجار للبناية عن 200 روبية سنويا. وقدمت الجمارك في هذا العام 50 ألف روبية وشركة حمال باشى عشرة آلاف روبية.
وعندما كانت المعارف تعاني العجز في دفع رواتب العطلة الصيفية للمدرسين كانت تستدين من الشيخ يوسف بن عيسي أو غيره من التجار أو من خزانة البلدية.
وكانت رواتب المدرسين آنذاك تتراوح ما بين 14 جنيها استرلينياً للمدير ، و13 جنيها استرلينا للمدرس المؤهل ، وما بين 3-5 جنيهات للمدرس غير المؤهل. أما في مدارس القرى فقد تراوح راتب الملا ما بين 15 روبية و 25 روبية في الشهر تدفعها المعارف.
قفزت أرقام الميزانية في العام الدراسى 42/1943م إلى 415,054 روبية (31,116 د.ك) وكان الوارد 168 ألف روبية :
من جمارك الميناء 159 ألف روبية ، ومن مصلحة النقل 9,000 روبية بعجز قدره 220600 روبية.
أما في الفترة ما بين 1/6/1946م - 31/12/1947م فقد قفز الرقم إلى 1,428,895 روبية ، كان منها 620 ألف روبية من ميزانية الدولة ( بعد تصدير النفط في يونيو 1946) ومن رسوم الميناء 581,855 روبية.
وكانت المصروفات 1,117,076 روبية مما يشير إلى توفر المال لأول مرة في ميزانية التعليم.
وفي العام نفسه 46/1947م كان :
عدد الطلاب 3027
عدد الطالبات 935
عدد مدارس البنين 14
عدد مدارس البنات 4
عدد المدرسين 126
عدد المدرسات 37
من بين عدد السكان البالغ مائة ألف نسمة في عام 1946م بعد أن كان 60 ألفا في عام 1930م .
لكن هذه الأرقام جميعها قفزت قفزات كبيرة بعد العام الدراسي 46/1947م عام تصدير النفط وبعد أن قررت الكويت تحويل شعلات النفط المتقدة إلى شعلات من العلم والثقافة للبنين والبنات للكبار والصغار ، للوافدين والمواطنين على حد سواء إيمانا منها أن مجد الأمم إنما يبنى بالإيمان والمال والعلم والجد والاجتهاد في تحصيله.
5- مرحلة البعثات الخارجية :
كان الشيخ يوسف بن علوي أول من ارتحل طلبا للعلم في مصر وبقي فيها إلى أن توفاه الله عام 1862م ، تبعه الشيخ أحمد الفارس الذي ارتحل إلى الأزهر في عام 1863م وعاد إلى وطنه وبعده الشيخ مساعد العازمي الذي درس الدين في الأزهر وأتقن التطعيم ضد الجدري وعاد ليفيد به وطنه.
ونسمع كذلك عن ارتحال الشيخ أحمد خالد العدساني ، والشيخ يوسف بن عيسي القناعي إلى الإحساء ، وكان فرحان الخالد الذي أنشأ الجمعية الخيرية عام 1913م أول من فكر في إرسال البعثات الطلابية للخارج وجاء هذا الأمر هدفا من أهداف جمعيته ، وقد سبقت الإشارة إلى مجموعة الطلاب الذين درسوا في الهند في الفترة ما بين 1920 و 1923م.
بدأ تاريخ البعثات التعليمية الرسمية للخارج عام 1924م عندما أرسلت حكومة الكويت سبعة طلاب وتبعتها بعثة أخرى عام 1936م من خمسة طلاب إلى بغداد وأربعة آخرين عام 1939م إلى القاهرة وأرسلت في الفترة ما بين 1940-1942م ، 11 طالبا إلى البحرين وطالبين إلى بيروت ، وفي العام الدراسي 46/1947م كان هناك 56 مبعوثا كويتيا في مصر كانوا يقيمون في بيت الكويت الذي أنشأته المعارف في عام 1945م في مصر وتولى إدارته المرحوم عبدالعزيز حسين ، ووفر للطلاب الجو العلمي المناسب مما مكنهم من تحقيق نسب عالية في النجاح.
وكان مقره الأول في الزمالك في بيت فؤاد سلطان باشا وحضر افتتاحه أحمد أمين في أكتوبر 1945م الكاتب الإسلامي المعروف وصاحب مجلة الثقافة الأسبوعية نائبا عن وزير معارف مصر ، واشتهر هذا البيت بأن أصبح مركزا ثقافيا شاملا تقام فيه المحاضرات والندوات والمسابقات الرياضية ويقوم أعضاؤه بزيارة المواقع الأثرية والسياحية. واشتهر بيت الكويت بإصداره لمجلة البعثة في عام 1946م التي كان يحررها الطلبة أنفسهم والتي إحتوت على المقالات الأدبية والقصائد الشعرية وأخبار الطلبة وتحصيلهم وأخبار وطنهم الكويت ، واستمرت في الصدور حتى عام 1953م.
كما اشتهر بيت الكويت في عام 1958م عندما انتقل إلى مقره بالدقي ( السفارة اليوم ) وقام بافتتاحه المرحوم الرئيس جمال عبدالناصر بحضورالشيخ عبدالله الجابر ولفيف من الشخصيات المصرية والكويتية.
6- تعليم المرأة :
تعليم المرأة قديما
لم تنل المرأة الكويتية نصيبها كاملا من التعليم كما ناله الرجل في عصر النـهـضــة في أوائل القرن السابع عشر الميلادي ، وكان للتقاليد الاجتماعية التي فرضت الزواج المبكر على البنت ، وعدم الخروج من البيت أثره في تأخر تعليمها رغم أن الدين الإسلامي يعطي المراة حقها في التفقه والتعلم بما ينفعها ويناسب وضعها الاجتماعي والأسري.
بدأ تعليم المرأة بتحفيظها القرآن الكريم إما على يد ولي الأمر في البيت أو على يد المطوعات والملايات (المدرسات الأوليات ) اللواتي تعلمن قراءة القرآن ومبادئ الكتابة في بيوتهن ، وحتى عام 1938م عرفت الكويت خمسا وأربعين مطوعة تفرقن في أحياء الكويت وعلمن ما لا يقل عن ألفي فتاة قراءة القرآن.
وكانت الفتاة تجلس القرفصاء على الحصير مع زميلاتها حول المطوعة وأمام كل منهن كرسي صغير بدلا من الطاولة ، وكانت الدراسة في العريش صيفا وفي إحدى غرف بيت المطوعة المخصصة للتدريس شتاء. ولم يكن هناك شروط لقبول الطالبة. وفي بعض الأحيان درس الأطفال الذكور مع أقربائهن من الإناث عند المطوعات. وكانت الدراسة عند المطوعة بأجر لكنه كان أجرا متواضعا يدفع على أقساط بمسميات متعددة منها الدخلة عند التسجيل والخميسية كل خميس والنافلة في الأعياد الدينية والختمة عندما تختم الفتاة قراءة القرآن ، ولم تكن جميعا تزيد على ما قيمته خمسة دنانير ( ما يقارب 15 دولارا أمريكيا ) في السنة في أحسن الأحوال ، أما الفقيرة فكانت تعفى من كثير من الرسوم ، وإذا ما انتهت إحداهن من ختمة القرآن لجأت إلى "الزفة" في الحي تدور مع زميلاتها مرددات "التحميدة" ويتلقين ما يتبرع به أهل الحي ليعطى إلى المطوعة ، وإذا ما رفض ولي الأمر الزفة تعهد للمطوعة بجزء من مهر ابنته عند زواجها. وهو أمر يدل دلالة واضحة على الاهتمام بتعليم المرأة.
إرتقى شأن الدراسة للفتاة عما كان عند المطوعة بعد عام 1926م عندما افتتحت عائشة الأزميري مدرسة متميزة للبنات وخرجت بعض الفتيات اللواتي قمن بدورهن بفتح مدارس جديدة على نمط مدرسة عائشة الأزميري وقد توزعت فيها الطالبات إلى مجموعات ثلاث : مستجدة ومتوسطة وفاهمة يجلسن جميعا في غرفة واحدة. وبدأ تعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب إضافة إلى القرآن الكريم ، كما عرفت الفتاة في هذه المرحلة فن التطريز وحياكة الصوف والقطن.
واستمر هذا النوع من المدارس حتى عام 1950م وسار جنبا إلى جنب مع مدارس التعليم النظامي الحكومي للبنات الذي بدأ عام 1937/1938م.
بداية التعليم النظامي للفتاة :
إرتبط تطور تعليم الفتاة بتطور حاجات المجتمع بعد تفتحه على المجتمعات الأخرى ومعرفته بدور المرأة في بناء المجتمع إذا كانت صالحة واعية لتربية جيل واع مؤمن تربية تكمل بها مهمة المدرسة. وظهر دعاة الإصلاح يوسف القناعي ومساعد بن السيد عبدالله الرفاعي وعبد العزيز الرشيد ينادون بضرورة تعليم المرأة في المجتمع مع ما لاقوه من معارضة بعض عناصره. وكان الرجل بذلك هو الذي طالب بتعليم المرأة بسبب جهلها أولا وعدم قدرتها على المطالبة بحقوقها آنذاك ثانيا.
شهدت الكويت في عام 1936م إنشاء مجلس المعارف ليشرف على التعليم كله وليصبح التعليم حكوميا مجانيا لكل راغب فيه.
وكان المجلس مؤلفا من اثنتي عشرة شخصية كويتية برئاسة الشيخ عبد الله الجابر الذي بدأ ورفاقه التنبه إلى ضرورة تعليم الفتاة وعقدوا الاجتماعات لبحث هذا الأمر وما يتوقعونه من ردود الفعل عليه في المجتمع ، وقرروا فتح أول مدرسة نظامية للبنات في العام الدراسي 37/1938م هي المدرسة الوسطى وهي قريبة من مدرسة المباركية للبنين.
وتعاقد المجلس مع أول مدرستين مؤهلتين للعمل في هذه المدرسة هما وصيفة عودة وشقيقتها رفقة عودة من فلسطين ، وعملت معهما مريم الصالح أول مدرسة كويتية في مدارس الحكومة ، وما أن أعلن المجلس عن فتح هذه المدرسة حتى ارتفع عدد المسجلات بها في نهاية العام من مائة طالبة إلى 140 فتاة وهي نسبة تعادل 18% من مجموع الطلاب آنذاك. وفي العام نفسه افتتحت مدرسة الملاية بدرية العتيقي الخاصة ( والمعروفة باسم بنت مطرة ) واستمرت حتى عام 1950م وأدت دورا في تعليم الفتاة أهلها للتقدير والاحترام من المجتمع في حياتها وبعد مماتها.
كانت حماسة أولياء الأمور لتعليم البنات وراء فتح مجلــس المعـارف لثلاث مدارس في الأعوام 38/1939م ، 39/1940م،40/1941 م.
وتم دمج هذه المدارس في ثلاث مدارس في العام الدراسي 42/1943م هي الوسطى والقبلة والشرقية. وما أن حل العام الدراسي 45/1946م حتى كان هناك أربع مدارس للبنات بعد افتتاح مدرسة الزهراء في العام نفسه وتعيين مريم الصالح مديرة لها .
الرجوع إلى بداية الموضوع
المصدر: الديوان الأميري