مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > مجلس الدراسات والبحوث العلمية

مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

 
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-06-2007, 07:58 PM
أبو ناصر أبو ناصر غير متصل
إداري مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,062
معدل تقييم المستوى: 26
أبو ناصر is on a distinguished road
الدلائل الشرعية على تحريم موافقة اليهود والنصارى في العطلة الأسبوعية

لشيخ / عبد الرحمن بن سعد الشثري





الحمدُ لله ربِّ العالمين , والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه .

أمَّا بعد : فقد كثرت الدعوة في بعض الصحف لجعل إجازتنا الأسبوعية هي يومي الجمعة والسبت , بدلاً مما هي عليه الآن من يومي الخميس والجمعة , وقد قامَ أحدُ الْمُتعالِمين من الصحفيين بلَمْزِ وَرَثةِ الأنبياءِ قديماً وحديثاً لإنكارهم التشبُّه بعطل اليهود والنصارى , كالشيخين ابن باز وابن عثيمين - رحمهما الله - واللجنة الدائمة , واصفاً فتاويهم : بـ ( الآراء الْمُتشنِّجة ؟ أو التي تختلف فقط من أجل الاختلاف ؟ ) وأوجبَ ذلك الصحفيُّ : بأن يُطرحَ هذا الموضوع في مجلس الشورى ؟ ( 1 ) .

ولبيان حكم هذه المسألة العَقَديَّة أقولُ ومن الله تعالى وحده التوفيق والسداد : إنه مِنَ المعلوم مِنَ الدِّينِ بالضرورة , أنَّ ديننا الإسلامي دينٌ كاملٌ لا يحتاجُ إلى زيادة أو نقصان , صالِحٌ لكلِّ زمان ومكان , وقد حذَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من البدع والإحداث في الدين , فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ( مَنْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ ) ([2]) .

وإنه لا شيءَ أفسدَ للدين وأشدَّ تقويضاً لبنيانه من البدع والتشبُّه بالكفار , وإنَّ من أشدِّ وأخطر ما تساهلَ فيه بعضُ المسلمين هو التشبه بالكفار في إجازاتهم في أيام أعيادهم الأسبوعية أو السنوية .

ولقد أخبرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة ؟ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , فقيلَ يا رسولَ الله : كفارس والروم , فقال : وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك ) ([3]) .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( لَتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قبلكم شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , حتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تبعتموهُم , قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى , قال : فَمَنْ ) ([4]) .

قال النووي رحمه الله تعالى : ( والمرادُ بالشبر والذراع وجُحر الضبِّ : التمثيلُ بشدَّةِ الموافقة لَهُمْ في المعاصي والمخالفات ) ([5])

وقال شيخ الإسلام ت728هـ رحمه الله تعالى : ( وهذا كلُّه خَرَجَ منه مَخْرجَ الْخَبَر عن وقوع ذلك , والذَّمُّ لِمَنْ يفعله , كما كانَ يُخبرُ r عمَّا يفعله الناسُ بين يَدَيِّ الساعة من الأشراط والأمور المحرَّمات , فَعُلِمَ أنَّ مشابهتها اليهود والنصارى , وفارس والروم , مِمَّا ذمَّهُ الله ورسولُه r , وهو المطلوب ) ([6]) .

وقال رحمه الله : ( فَعُلِمَ بخبره الصِّدْقِ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه في أمته قومٌ متمسِّكونَ بهديه , الذي هو دينُ الإسلام محضاً , وقومٌ منحرفونَ إلى شعبة من شُعَبِ اليهود , أو إلى شُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِ النصارى , وإنْ كان الرجلُ لا يكفرُ بكلِّ انحراف , بل وقدْ لا يفسقُ أيضاً , بل قد يكون الانحرافُ كفراً , وقد يكونُ فسقاً , وقد يكون معصيةً , وقد يكونُ خطأً , وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويُزيِّنه الشيطان , فلذلك أُمِرَ العبدُ بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهوديةَ فيها ولا نصرانيةَ أصلاً ) ([7]) .

ومن المعلوم أنَّ ( يوم السبت يوم عبادة اليهود ) ([8]) , ويُحرِّمون فيه العمل , حيث جاء في سفر نحميا : ( وشعوب الأرض الذين يأتون بالبضائع وكل الطعام يوم السبت للبيع , لا تأخذ منهم في سبتٍ , ولا في يوم مُقدَّس ) ([9]) .

بل وجزاء مَن يعمل يوم السبت : القتل , والنفي من بني إسرائيل , فقد جاء النصُّ على ذلك في سفر الخروج : ( فتحفظون السبت , لأنه مُقدَّسٌ لكم , مَن دنَّسه يُقتل قتلاً , إنَّ كلّ مَن صنعَ فيه عملاً تُقطع تلك النفس من بين شعبها .. كلّ مَن صنعَ عملاً في يوم السبت يُقتلُ قتلاً ) ([10]) , فلم يراع اليهود هذه الْحُرمة , بل خالفوا كما هو طبعهم , وذكَرَ اللهُ ما حلَّ بهم بسبب مخالفتهم فقال سبحانه : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } فالسبتُ إذاً هو عطلة اليهود الذين أشركوا {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي [11] * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } وهم الذين نسبوا الابن إلى الله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ } وهم الذين وصفوا الله تعالى بالفقر والشحِّ والبخل {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } ووصفوا الله بالتعب ([12]){وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } .

والأحد هو عطلة النصارى الْمُثلِّثة , ويُحرِّمون فيه العمل , حيث جاء النص على تقديسه في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بقرار رقم 106 وجاء فيه : ( ومن ثمَّ كان الرَّبُّ في المرتبة الأولى من أيام الأعياد , واليوم الذي يجب أن يُدعى المؤمنون إلى إحيائه وإرساخه في تقواهم , بحيث يُصبح أيضاً يوم بهجة وانقطاع عن العمل , أما الاحتفالات الأخرى فلا يجوز أن تتقدَّم عليه إلاَّ إذا كانت فائقة الأهمية , وذلك لأنَّ يوم الأحد هو أساس السنة الطقسية كلِّها ونواتها ) ([13]) .

فالأحد إذاً عطلة النصارى الْمُثلِّثة {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } وأخصّ أوصافهم الضلاَل : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } .

وقد منَّ الله تعالى على أُمَّة محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم بيوم الجمعة , وخصَّه الله بفضائل وعبادات خاصة , فهدانا الله إليه بعد أن أضلَّ عنه اليهود والنصارى , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : ( نحنُ الآخِرونَ السابقونَ يومَ القيامة ، بَيدَ أنَّهم أُوتوا الكتابَ مِنْ قَبلِنا ، ثُمَّ هذا يَومُهُمُ الذي فُرضَ عليهم ، فاختلَفوا فيه فَهَدَانا الله لَهُ ، فالناسُ لنا فيه تَبَعٌ : اليهودُ غداً ، والنصارى بَعْدَ غَدٍ ) ([14]) , وفي رواية : ( أَضَلَّ اللهُ عن الْجُمُعَةِ مَنْ كانَ قبلَنا , فكانَ لليهودِ يومُ السَّبْتِ , وكانَ للنَّصارى يومُ الأحد , فجاءَ اللهُ بنا , فهدَانا اللهُ ليومِ الْجُمُعَةِ , فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ والسَّبْتَ والأَحَدَ , وكذلكَ هُمْ تَبَعٌ لَنا يومَ القيامة , نَحْنُ الآخِرونَ مِن أهل الدُّنيا , والأوَّلَونَ يومَ القيامةِ , الْمقضِـيُّ لَهُم قبلَ الْخَلائقِ ) .

وفي روايةِ واصلٍ : ( الْمَقْضيُّ بينهُم ) ([15]) .

وقد سَمَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الْجُمُعَة عيداً في غير موضع , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : ( إنَّ يومَ الجمعة يومُ عيدٍ , فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم , إلاَّ أنْ تصوموا قبلَه أو بعده ) ([16]) .

ونهى عن إفراده بالصوم لِمَا فيه من معنى العيد , فهو صلَّى الله عليه وسلَّم ( ذكرَ أنَّ الْجُمُعَةَ لنا ، كما أنَّ السبت لليهود ، والأحد للنصارى ، واللام تقتضي الاختصاص ، ثمَّ هذا الكلام يقتضي الاقتسام إذا قيل : هذه ثلاثة أثواب , أو ثلاثة غلمان : هذا لي , وهذا لزيد , وهذا لعمرو , أوجبَ ذلكَ أن يكون كلّ واحد مختصاً بما جُعل له , ولا يشركه فيه غيره , فإذا نحنُ شاركناهم في عيدِهم يومَ السبت ، أو عيد يوم الأحد ، خالفنا هذا الحديث ؟ وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي ) ([17]) .

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( وقد شرعَ اللهُ سبحانه وتعالى لكلِّ أُمةٍ في الأسبوع يوماً يتفرَّغون فيه للعبادة , ويجتمعونَ فيه لتذكُّر المبدأ والمعاد والثواب والعقاب , ويتذكَّرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر , قياماً بين يدي ربِّ العالمين , وكان أحقُّ الأيام بهذا الغرض المطلوب : اليوم الذي يجمعُ الله فيه الخلائق , وذلكَ يوم الجمعة , فادَّخره الله لهذه الأمة لفضلها وشَرفها , فشرعَ اجتماعهم في هذا اليوم لطاعته , وقدَّر اجتماعهم فيه مع الأمم لنيل كرامته , فهو يومُ الاجتماع شرعاً في الدنيا , وقَدراً في الآخرة , وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكونُ أهل الجنة في منازلهم , وأهل النار في منازلهم , كما ثبت عن ابن مسعود t من غير وجه أنه قال : « لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في منازلهم , وأهل النار في منازلهم , وقرأ : {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } ([18]) .

وقد دلَّ كتابُ الله تعالى , وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم , واتفاق الصحابة رضي الله عنهم وسائر الفقهاء , والنظر والاعتبار , على تحريم مشابهة اليهود والنصارى في أعيادهم الحولية والأسبوعية , فمن هذه الأدلة على سبيل الاختصار :

دلالة القرآن الكريم :

1 – قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }قال ابن جرير الطبري ت310هـ رحمه الله : ( حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قوله : {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } , قال : نزلت في ثعلبة , وعبد الله بن سلام , وابن يامين , وأسد وأسيد ابني كعب , وسَعْبَة بن عمرو , وقيس بن زيد - كلهم من يهود - قالوا : يا رسول الله , يوم السبت يومٌ كنا نُعظِّمه , فدعنا فلنُسبت فيه ! وإن التوراة كتاب الله , فدعنا فلنقم بها بالليل ! فنزلت : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } , فقد صرَّح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك , من أنَّ تأويل ذلك : دعاء للمؤمنين إلى رَفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام , والعمل بجميع شرائع الإسلام , والنهي عن تضييع شيء من حدوده ) إلى أن قال : ( القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يعني جلَّ ثناؤه بذلك : اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلِّها , وادخلوا في التصديق به قولاً وعملاً , ودَعُوا طرائقَ الشيطان وآثارَه أن تتَّبعوها , فإنه لكم عدوٌ مُبينٌ لكم عداوتَه , وطريقُ الشيطان الذي نهاهم أن يتَّبعوه هو ما خالفَ حكمَ الإسلام وشرائعَه , ومنه تَسْبيتُ السبتِ وسائرُ سُنَن أهل الْمِلَل التي تُخالفُ ملَّة الإسلام ) ([19]) .

قوله : ( ومنه تسبيت السبت ) : السبت : ( اسمٌ ليوم معلوم , مأخوذ من السبت الذي هو القطع , أو من السبات وهو الدَّعة والراحة ) ([20]) , ( وقيل : سُمِّي بذلك لأنَّ اليهود كانوا ينقطعون فيه عن العمل والتصرُّف ) ([21]) ( والمعيشة والاكتساب ) ([22]) , فترك العمل يوم السبت اتباعٌ لطريق الشيطان .

2 - قول الله تعالى : {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }.

قال بعضُ السلف : كابن عباس رضي الله تعالى عنهما ت68هـ ([23]) , وأبو العالية ت90هـ ([24]) , والضحاك بن مزاحم الهلالي ت102هـ ([25]) , ومجاهد ت104هـ ([26]) , وطاووس بن كيسان ت106هـ ([27]) , ومحمد بن سيرين ت120هـ ([28]) , والربيع بن أنس ت136هـ ([29]) , وعبد الملك بن حبيب ت233هـ ([30]) , وأحمد بن حنبل ت241هـ ([31]) , وأبو إسحاق الزجاج ت310هـ ([32]) , وأبو الشيخ الأصبهاني ت369هـ ([33]) , ومحمد بن منصور السمعاني ت489هـ ([34]) , وأبو بكر ابن العربي ت543هـ ([35]) , والعز بن عبد السلام 660هـ ([36]) , ومحمد بن مكرم بن منظور ت711هـ ([37]) , وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ ([38]) , ومحمد بن يوسف بن حيان ت745هـ ([39]) , وابن القيم ت751هـ ([40]) , وابن مفلح الحنبلي ت762هـ ([41]) , ومحمد مرتضى الزبيدي ت1205هـ ([42]) , وغيرهم : أنَّ المرادَ بالزور في هذه الآية : أعياد المشركين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وأمَّا أعيادُ المشركين : فجَمَعَتِ الشبهة والشهوة : وهي باطلٌ : إذ لا منفعة فيها في الدين , وما فيها من اللذة العاجلة : فعاقبتها إلى أَلَمْ , فصارت زوراً , وحضورُها : شهودُها , وإذا كان الله قد مدحَ تركَ شهودِها الذي هو مجرَّد الحضور برؤيةٍ أو سماعٍ , فكيفَ بالموافقة بما يزيدُ على ذلك من العملِ الذي هو عَمَلُ الزور لا مجرَّد شهوده ؟ ) ([43]) .

وإنَّ تعطيل العمل يوم عيد اليهود وهو السبت , أو يوم عيد النصارى يوم الأحد , وجعلهما أو أحدهما عطلة أسبوعية هو أعظم من مجرَّد شهودهما .

3 - قوله تعالى : {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي ت1393هـ : ( الأظهرُ في معنى قوله : { مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ }( أي : مُتَعَبَّداً هم متعبدون فيه , لأنَّ أصلَ النُّسُك التعَبُّد , وقد بيَّن تعالى أنَّ مَنْسَكَ كلّ أُمَّةٍ فيه التقرُّب إلى الله بالذبح , فهو فردٌ من أفراد النسك , صرَّح القرآنُ بدخوله في عمومه , وذلكَ من أنواع البيان الذي تضمنها هذا الكتابُ المبارك ) ([44]) .

وخصَّه بعض السلف بالعيد : كابن عباس رضي الله عنهما ([45]) , والفرَّاء ت207هـ ([46]) , والعز بن عبد السلام ([47]) , وأحمد بن محمد الهائم ت815هـ ([48]) , والسيوطي ت911هـ ([49]) , وغيرهم , وممن ذكره من أهل العلم : محمد بن عزيز السجستاني ت330هـ ([50]) , وشيخ الإسلام ابن تيمية ([51]) , وعبد الله بن عمر البيضاوي ت791هـ ([52]) , وغيرهم .

دلالة السنة :

حيثُ كان صلَّى الله عليه وسلَّم ( يُحِبُّ مُخالَفةَ اليهود والنصارى ويُرشدُ إليها عُمُوماً وخُصُوصاً ) ([53]) ومن ذلك :

1 - أَمْرُه صلَّى الله عليه وسلَّم الرجلَ أن يَصنعَ مع امرأته الحائض كلَّ شيءٍ إلاَّ الجماع مُخالفةً لليهود : فعن أَنسٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ اليهُودَ كَانُوا إذا حَاضَتْ المرأَةُ فيهِمْ لم يُؤَاكِلُوهَا ولم يُجَامِعُوهُنَّ في البيُوتِ , فَسأَلَ أصحَابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأنزلَ الله تَعَالَى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ }إلى آخرِ الآيةِ , فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اصنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ النِّكَاحَ , فَبَلَغَ ذلك اليَهُودَ , فَقَالُوا : ما يُرِيدُ هذا الرَّجُلُ أَن يَدَعَ من أَمْرِنَا شيئاً إلاَّ خَالَفَنَا فيه ) ([54]) .

( فهذا الحديث يدلُّ على كثرة ما شَرَعَهُ اللهُ لنبِّيه صلى الله عليه وسلم من مُخالفة اليهود , بل على أنه صلى الله عليه وسلم خالفهم في عامَّة أمورهم , حتى قالوا : ما يُريدُ أن يَدَعَ من أمرنا شيئاً إلاَّ خالَفَنا فيه ) ([55]) .

2 - خالفَ هديهُ صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى في النداء للصلاة , فعن ابن عُمَرَ : ( كان الْمُسلمُونَ حين قَدِمُوا الْمَدينَةَ يَجتَمِعُونَ فَيَتَحَـيَّـنُونَ الصَّلاةَ ليس يُنَادَى لها , فَتَكَلَّمُوا يَوْماً في ذلك , فقال بَعْضُهُمْ : اتَّخِذُوا نَاقُوساً مِثلَ ناقُوسِ النَّصَارَى , وقال بَعْضُهُمْ : بَلْ بُوقاً مِثْلَ قَرْنِ اليهُودِ , فقال عُمَرُ : أَولا تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بالصَّلاةِ ؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يا بلالُ قُمْ فَنَادِ بالصَّلاةِ ) ([56]) .

وفي رواية : ( فَذُكرَ له الْقُنْعُ - يَعْني الشَّنبورَ - وقال زِيَادٌ : شنبورُ الْيَهُودِ , فلم يُعْجبْهُ ذلك , وقال صلى الله عليه وسلم : « هو من أَمْرِ اليهُودِ » , قال : فَذُكرَ له النَّاقُوسُ , فقال صلى الله عليه وسلم : « هو من أَمْرِ النَّصَارَى » ) ([57]) .

3 - وأُمرَ صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود في استقبال القبلة ([58]) .

4 - ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها حسماً لمادة المشابهة للكفار , وسدَّاً للذريعة ([59])

5 - ونهى صلى الله عليه وسلم عن قيام المأمومين والإمام قاعد منعاً من التشبُّه بفارس والروم ([60]) .

6 - وأمرَ صلى الله عليه وسلم بالصلاة في النعال مُخالفةً لليهود فقال صلى الله عليه وسلم : ( خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ في نِعَالِهِمْ ولا خِفَافِهِمْ ) ([61]) , قال العيني رحمه الله : ( فيكون مستحباً من جهة قصد مُخالفة اليهود ) ([62]) .

7 - ورغَّب صلى الله عليه وسلم في صيام التاسع مع العاشر من شهر الله المحرَّم مُخالفةً لليهود , فقال صلى الله عليه وسلم : ( لَئِنْ بَقيتُ إلى قَابلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) ([63]) , وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا يومَ عاشوراء , وخالفوا اليهود , صوموا قبله يوماً , أو بعده يوماً ) ([64]) .

( فتدبَّر : هذا يوم عاشوراء , يومٌ فاضلٌ يُكفِّر سنة ماضية , صامَهُ رسولُ الله r وأمر بصيامه , ورغَّبَ فيه , ثمَّ لَمَّا قيلَ له قُبَيلَ وفاته : إنه يومٌ تُعظِّمه اليهود والنصارى , أمرَ بمخالفتهم بضمِّ يوم آخر إليه , وعزم على ذلك ) ([65]) .

وقال ابن رجب ت795هـ رحمه الله : ( وهذا يدلُ على النهي عن اتخاذه عيداً , وعلى استحباب صيام أعياد المشركين , فإنَّ الصوم يُنافي اتخاذه عيداً , فيُوافقون في صيامه مع صيام يومٍ آخر , وفي ذلك مُخالفة لهم في كيفية صيامه أيضاً , فلا تبقى فيه موافقة لهم في شيءٍ بالكلية ) ([66]) .

8 - ورغَّب صلى الله عليه وسلم في أكلة السَّحَرِ مُخالفةً لليهود والنصارى , فقال صلى الله عليه وسلم : ( فَصْلُ ما بينَ صيَامِنَا وصيَامِ أَهلِ الْكِتَابِ أَكلَةُ السَّحَرِ ) ([67]) .

9 - ورغَّبَ صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر مُخالفةً لليهود والنصارى , فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهراً ما عَجَّلَ الناس الْفِطْرَ , لأنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ ) ([68]) .

فـ( قوام الدين الحنيفيِّ على مخالفة الأعداء من أهل الكتاب , وأنَّ في موافقتهم تلَفاً للدين ) ([69]) .

( فربط النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين ظهور الدين ومخالفة اليهود والنصارى , وجعل ظهور الدين مُعلَّقاً بمخالفتهم ومباينتهم , ومفهومه : أنَّ خفاء الدين واندراسه مُتعلِّقٌ بإظهار مشابهتهم , فإذا كان التشبُّه بهم يُساهم في فقدان الدين وعدم ظهوره وجبت مُخالفتهم في كلِّ حال ) ([70]) .

ولأنَّ ( المقصود بإرسال الرسل أن يَظهر دين الله على الدين كلِّه , فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة ) ([71]).

10 - ونهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم لمخالفة النصارى , فقد روى الإمام أحمد ([72]) : ( عن لَيلَى امرَأَةِ بَشيرٍ قالت : أَرَدْتُ أن أصوم يَوْمَيْنِ مُوَاصَلَةً , فمنعني بَشيرٌ , وقال : إن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نهى عنه , وقال : يَفْعَلُ ذلك النَّصَارَى , وقال عَفَّانُ : يَفْعَلُ ذلك النَّصَارَى , وَلَكِنْ صُومُوا كما أَمْرَكُمُ الله عز وجل : { أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } فإذا كان اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا ) , ( وهذا يقتضي أنَّ العلَّة في النهي عن الوصال مخالفة النصارى في فعلهم له ) ([73]) .

11 - ودفَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجِّه من مزدلفة قبل طلوع الشمس مُخالفة للمشركين , فعن عَمْرَو بن مَيْمُونٍ قال : ( شَهِدْتُ عُمَرَ رضي الله عنه صلَّى بجَمْعٍ الصُّبْحَ , ثُمَّ وَقَفَ فقال : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفيضُونَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ويَقُولُونَ : أَشْرِقْ ثبيرُ , وَأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَالَفَهُمْ , ثُمَّ أَفَاضَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) ([74]) .

فـ( الشريعة قد استقرَّت ولا سيَّما في المناسك على قصد مُخالفة المشركين , فالنسك المشتمل على مخالفتهم أفضل بلا ريب , وهذا واضحٌ ) ([75]) .

12 - ورغَّب صلى الله عليه وسلم في صبغ الشيب مُخالفةً لليهود والنصارى , فقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَصبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ ) ([76]) .

وهذا : ( دليلٌ على أنَّ التشبُّه بهم يَحصُلُ بغير قصدٍ منَّا ، ولا فعل , بل بمجرَّد ترك تغيير ما خُلقَ فينا ) ([77]) .

وقال الشوكاني : ( إنَّ العلَّةَ في شَرعيَّةِ الصِّباغِ وتغييرِ الشَّيبِ هيَ مُخالَفَةُ اليهُودِ والنَّصارى ) ([78]) .

13 - ونهى صلى الله عليه وسلم عن مشابهة الكفار في كلِّ ما كانوا عليه من العبادات والعادات , فقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ , كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا , في شَهْرِكُمْ هذا , في بَلَدِكُمْ هذا , ألاَ كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ الجاهِليَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ .. ) ([79]) .فقوله صلى الله عليه وسلم : « كلُّ شيءٍ من أمر الجاهلية تحتَ قدميَّ موضوعٌ » ( يَدخلُ فيه ما كانوا عليه من العبادات والعادات .. ولا يدخلُ في هذا اللفظ : ما كانوا عليه في الجاهلية وأقرَّه اللهُ في الإسلام , كالمناسك , وكدية المقتول بمائة من الإبل , وكالقسامة ونحو ذلك , لأنَّ أمرَ الجاهلية معناه المفهوم منه : ما كانوا عليه مما لم يُقرّه الإسلام , فيدخلُ في ذلك : ما كانوا عليه , وإنْ لَمْ يُنه في الإسلام عنه بعينه ) ([80]) .

14 - وأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين في أعيادهم عامَّة :

أ - فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال : ( نَذرَ رَجُلٌ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَنحَرَ إِبلاً ببُوَانةَ ([81]) , فأَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ : إنِّي نَذرْتُ أنْ أنحَرَ إبلاً ببُوَانةَ , فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : هَلْ كانَ فيها وثنٌ مِنْ أوثانِ الجاهليةِ يُعبَدُ ؟ قالوا : لا , قال : هلْ كانَ فيها عيدٌ مِنْ أعيادِهم ؟ قالوا : لا , قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أَوْفِ بنَذرِكَ , فإنه لا وَفَاءَ لنذرٍ في معصية الله , ولا فيما لا يَملِكُ ابنُ آدَمَ ) ([82]) .

قال العلاَّمة علي القاري : ( وهذا كلُّه احترازٌ من التشبُّه بالكفَّار في أفعالهم ) ([83]) .

ب - عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت : ( كانَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصومُ يومَ السبت ويومَ الأحد أكثرَ مِمَّا يصومُ من الأيامِ , ويقول : إنهما عيدا المشركين , فأنا أُحِبُّ أنْ أُخالِفَهم ) ([84]) .

قال الحافظ ابن حجر : ( وأشار بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم : « يوما عيد » إلى أنَّ يوم السبت عيدٌ عند اليهود , والأحد عيدٌ عند النصارى , وأيام العيد لا تُصام فخالفهم بصيامها ) ([85]) .

وقال الإمام ابن القيم : ( فهذا نصٌّ في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم ) ([86]) .

وقال الذهبي ت748هـ رحمه الله : ( فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يُوجبُ اختصاص كلِّ قومٍ بعيدهم , كما قال تعالى : {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} فإذا كان للنصارى عيد , ولليهود عيد , مُختصين بذلك , فلا يشركهم فيه مسلمٌ , كما لا يشاركهم في شرعتهم , ولا في قبلتهم ) ([87]) .

ت - عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنْهُم ) ([88]) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وهذا الحديثُ أقلُّ أحواله أنْ يقتضي تحريمَ التَشَبُّهَ بهم ، وإنْ كان ظاهره يقتضي كفرَ المتشبِّه بهم ، كما في قوله تعالى : {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ([89]) .

وقال ابن كثير ت774هـ رحمه الله تعالى : ( ففيه دلالةٌ على النهي الشديد , والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم , وأفعالهم , ولباسهم , وأعيادهم , وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لَمْ تُشرع لنا ولا نُقرُّ عليها ) ([90]) .

وقال ابن القيم : ( فلأنَّ المشابهةَ في الزيِّ الظاهرِ تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن ، كما دلَّ عليه الشرعُ والعقلُ والحِسُّ ، ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب , وكلِّ ناقص ) ([91]) .

وقال : ( وسرُّ ذلك : أنَّ المشابهةَ في الهدي الظاهر ذريعةٌ إلى الموافقة في القصدِ والعمل ) ([92]) , وقال الصنعاني ت1182هـ : ( والحديثُ دالٌّ على أنَّ مَن تشبَّه بالفساق كان منهم ، أو بالكفار أو بالمبتدعة في أيِّ شيءٍ مما يختصُّون به من ملبوسٍ أو مركوبٍ أو هيئةٍ ، قالوا : فإذا تشبَّه بالكافر في زيٍّ ، واعتقدَ أنه يكونُ بذلك مثله كفرَ ، فإنْ لِمْ يعتقد ففيه خلافٌ بين الفقهاء ، منهم من قال يكفرُ ([93]) وهو ظاهرُ الحديث ، ومنهم من قال لا يكفرُ ولكنْ يُؤَدَّب ) ([94]) .

ج - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( ليسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بغيرنا ، لا تشَبَّهُوا باليهودِ ولا بالنصارى ) ([95]) .

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في مثل هذه النصوص : ( هذا من نصوص الوعيد ، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد : كراهةَ تأويلها ليكونَ أوقعَ في النفوس ، وأبلغ في الزجر ، وهو يدلُّ على أنه يُنافي كمالَ الإيمانِ الواجب ) ([96]) .

وقال ابن القيم : ( والمقصودُ الأعظم : ترك الأسباب التي تدعو إلى موافقتهم ومشابهتهم باطناً ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم سنَّ لأمته ترك التشبُّه بهم بكلِّ طريق ، وقال صلى الله عليه وسلم : « خالفَ هَديُنا هَدْيَ المشركين » ([97]) , وعلى هذا الأصل أكثر من مئة دليل ، حتى شرع لنا في العبادات التي يُحبُّها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، تجنُّبَ مشابهتهم في مجرَّد الصورة ) ([98]) .

وقال الشيخ أحمد شاكر : ( ولَمْ يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا ، أعني في تحريم التشبه بالكفار ، حتى جئنا في هذه العصور المتأخرة ، فنبتت في المسلمين نابتةٌ ذليلةٌ مُستعبَدةٌ ، هُجَيْرَاها وديدَنُها التشبُّه بالكفار في كل شيء ، والاستخدام لهم والاستعباد , ثم وَجَدُوا من الملتصقين بالعلم ، المنتسبين له من يُزَيِّنُ لهم أمرهم ، ويُهَوِّنُ عليهم أمرَ التشبه بالكفار في اللباس والهيئة ، والمظهر والخُلُق ، وكل شيء ، حتى صرنا في أمةٍ ليس لها من مظهر الإسلام إلاَّ مظهرَ الصلاة ، والصيام ، والحجِّ ، على ما أدخلوا فيها من بدعٍ ، بلْ من ألوانِ التشبه بالكفار أيضاً ) ([99]) .

ح - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( أَبغضُ الناسِ إلى الله ثلاثةٌ : مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ , ومُبْتَغٍ فِي الإسلامِ سُنَّةَ الجاهليةِ , وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بغيرِ حَقٍّ لِيُهْرِيقَ دَمَهُ ) ([100]) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فكلُّ مَن أرادَ في الإسلام أنَ يَعمل بشيءٍ مِنْ سُنَنِ الجاهليةِ دَخَلَ في هذا الحديث ) ([101]) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( وقيل : المرادُ من يريدُ بقاء سيرة الجاهلية , أو إشاعتها , أو تنفيذها , وسنة الجاهلية اسمُ جنسٍ يَعُمُّ جميعَ ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه .. ) ([102]) .

خ - قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( اجتنبوا أعداءَ الله في عيدهم ) ([103]) .

أليس في قول عمر رضي الله عنه ( نهيٌ عن لقائهم والاجتماع بهم فيه , فكيف بمَنْ عَمِلَ عيدهم ) ([104]) .

فهذا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه , والذي قال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله جعلَ الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلْبهِ ) ([105]) .

وأمَرَنا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به وبصاحبه أبي بكر , فقال صلى الله عليه وسلم : ( اقتدوا باللذَيْنِ مِنْ بعدي أبي بكر وعمر ) ([106]) .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( ومِنَ الْمُحالِ أنْ يكونَ الخطأُ في مسألةٍ أفتَى بها مَنْ جعلَ اللهُ الحقَّ على لسانه وقلبه حظه , ولا يُنكره عليه أحدٌ مِن الصحابة , ويكون الصوابُ فيها حظَّ مَنْ بعدَه هذا مِن أَبيَنِ الْمحال ) ([107]) .

و - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( .. ولا تدخلوا على المشركينَ فِي كنائسهم يومَ عيدهم , فإنَّ السُّخطَةَ تَنْزِلُ عليهم ) ([108]) .

قال البيهقي رحمه الله : ( وفي هذا كراهةٌ لتخصيص يوم بذلك لَمْ يجعله الشرع مخصوصاً به ) ([109]) .

فأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه نَهَى عن مُجرَّد دخول الكنيسة عليهم يومَ عيدهم , فكيفَ بفعل بعضِ أفعالهم ؟ أو بفعل ما هو من مقتضياتِ دينهم ؟ .

أليست موافقتهم في بعض أعمال عيدهم أعظم من مُجرَّد الدخول عليهم في عيدهم ؟ وإذا كانَ السَّخَطُ يَنْزلُ عليهم يومَ عيدهم بسبب عملهم , فمَنْ يشركهم في العمل أو بعضه أليسَ قد تعرَّض لعقوبة ذلك ([110]) .

د - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( مَنْ بَنَى ببلادِ الأعاجمِ , وصَـنَعَ نَيْرُوزَهُم ([111]) , ومهرَجَانَهُم ([112]) , وتَشَبَّهَ بهِم حتَّى يَموت وَهُوَ كذلكَ , حُشِرَ معهم يومَ القيامة ) ([113]) .

قال شيخ الإسلام قدَّسَ الله روحه : ( وهذا يقتضي أنه جَعَلَهُ كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور , أو جعلَ ذلك من الكبائر الموجبة للنار , وإنْ كان الأولُ ظاهرُ لفظه , فتكونُ المشاركةُ في بعض ذلك معصيةٌ , لأنه لو لَمْ يكن مُؤَثِّراً في استحقاق العقوبة لَمْ يَجُزْ جعله جزءاً من المقتضى , إذ المباح لا يُعاقبُ عليه , وليس الذمُّ على بعض ذلك مشروطاً ببعض , لأنَّ أبعاض ما ذكره يقتضي الذم مفرداً , وإنما ذكر - والله أعلم - مَنْ بَنَى ببلادهم , لأنَّهم على عهدِ عبد الله بن عمرو وغيره من الصحابة كانوا ممنوعين مِن إظهار أعيادهم بدار الإسلام , وما كانَ أحدٌ من المسلمين يَتَشَبَّهُ بهم في عيدهم , وإنما كان يتمكنُ مِن ذلك بكونه في أرضهم ) ([114]) .


يتبع.....

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسعد إمراة في العالم د.فالح العمره مجلس الدراسات والبحوث العلمية 36 12-09-2009 10:24 PM
.:. دوٍرٍة الوٍيـندوٍزٍ Xp .:. بـدرٍ الشـآ‘مـرٍي مجلس الكومبيوتر 5 02-06-2007 10:56 PM
سيرة ابن اسحاق - الجزء الثاني مسفر مبارك مجلس الدراسات والبحوث العلمية 4 20-04-2007 09:33 PM
سيرة ابن اسحاق - الجزء الأول مسفر مبارك مجلس الدراسات والبحوث العلمية 4 20-04-2007 09:31 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 08:53 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع