المعلم
مجلة تربوية ثقافية جامعة
على الرغم من اهتمام التربية الحديثة بجوانب النمو الوجداني والمهاري إلى جانب النمو العقلي المعرفي ، إلا أن المعرفة لاتزال -وسوف تظل - ذات أهمية خاصة للمعلم ولعمله في المدرسة.
دليل المعلم
تغيير المناهج ... والنهج
كم كانت خطوة هامة ولافتة تلك التي قام بها وزير المعارف الدكتور محمد الرشيد باعترافه الصريح أمام مجلس الشورى أن في المناهج الدراسية أخطاء بحاجة لتطوير وتعديل وتصحيح واهنئه على هذه الشجاعة التي انتظرناها منذ زمن بعيد بالرغم من قناعة شريحة ليست بالصغيرة في مجتمعنا بضرورة هذا الاصلاح منذ فترة طويلة وهي التي كانت قد طالبت به ولا تزال في مجالسها المغلقة والخاصة وعن طريق المقالات والمقابلات الصحافية. الا ان هذا النداء الوطني المخلص قُوبل بالرفض التام ولم يلتفت للحجج المقدمة منه والدلائل الداعمة لذلك. إن المناهج الحالية لن تُخرّج إلا البطالة. مناهجنا اليوم تبدو كأنها مُصممة كي تُخّرج اناسا غير قابلين للعمل في أي مكان في العالم.
إن لدينا نظاما (تعليميا) لم يدخل بعد القرن الواحد والعشرين, لايعرف متطلبات السوق. نحن الآن عندنا عشرات الآلاف يبحثون عن عمل ونستقدم عشرات الآلاف وفي نفس الكليات ونفس التخصصات التي تُخّرج البطالة هناك عشرات الآلاف من الدارسين! عندما يُقال تغيير المناهج فإن كلمة تغيير ليست كافية. يجب ان يكون هناك تعليم عام. هل يجوز في هذا العصر أن يتخرج إنسان دون ان يعرف (اللغة الانجليزية)? من الذي سيوظفه? هل يجوز في هذا العصر أن نقسم 70% من طلابنا الى (أدبي) لا يعرفون حتى كيف يستعملون الآلة الحاسبة والى طلاب يدرسون في القسم (العلمي), مناهجنا التعليمية هذه تحتاج الى تعديل جذري. اذا أردنا ان نُصبح دولة تقضي على مشكلات البطالة وتدخل القرن الواحد والعشرين فلنفعل ما فعلته دول متقدمة في العالم. نستقبل الطفل وعمره ست سنوات ونُدرّبه عشر سنوات متواصلة في نظام واحد ليس فيه (ابتدائي) واعدادي, ويدرس العلوم الطبيعية كلها مع العلوم الاجتماعية بدون تفرقة بين أدبي وعلمي, وبعد التعليم الالزامي معظم الطلبة يجب ان يذهبوا لكليات تُدربهم تدريبا عمليا بحيث يحصلون على أعمال في القطاع الخاص, وأقلية تذهب للجامعة الى كليات ترتبط مناهجها بحاجات الاقتصاد. هذا هو التعليم الُمتبع في جميع دول العالم المتقدمة. الهدف من التعليم أن يهيئ الانسان لحياة عملية. وكل الدول التي دخلت القرن الواحد والعشرين بدأت بتغيير مناهجها. وحسنا فعلت وزارة المعارف بحواراتها مع قطاعات وشرائح مختلفة من المجتمع لمعرفة وجهة نظرهم تجاه الوزارة ودورها وسياستها المتبعة. وبذلك تكون الوزارة قد قامت بعمل غير مسبوق يُحسب لها وهو تفعيل الحوار الوطني المسؤول بشكل حضاري ولائق وباتساع صدر واحسان ظن نادر. من المؤكد ان الاعتراف بالخطأ فضيلة كما يقول المثل ولكن اصلاح الخطأ وتقديمه هو فضيلة اعظم ولاشك. وتأتي هذه الخطوة كعلامة فارقة ونقلة نوعية في العلاقة بين الجهاز التنفيذي في الدولة والمواطنين وممثليهم في مجلس الشورى. وهذا امر يُؤمل منه الكثير ويُرجى ألا يكون حالة استثنائية فردية. والأمل يبقى قائما ألا يكون وزير المعارف مثالا غريبا وشاذا ونادرا بل يكون القاعدة التي سوف تُتبع حاضرا ومستقبلا في التفاعل مع طلبات الرأي العام واتجاهاته, وبالتالي احداث شفافية أقوى وأمتن وأوقع. وليس بخاف على أي أمين من ابناء هذا البلد أن هناك العديدمن المواضيع والكثير من الأسئلة التي بحاجة لطرح جاد وبناء من أجل الصالح العام ومن اجل مستقبل مشرق وأبلغ وواقعي. ولايجب أن يُؤول ذلك الأمر سوى أنه لصالح الوطن اولا وأخيرا فهناك العديد من الوزارات والهيئات والادارات بحاجة ماسة لاجراء حوارات كالتي حدثت, ليكون طرحها التنفيذي أكثر واقعية وبالتالي أكثر فاعلية يمس حاجة الوطن والمواطن بحق.
ان الطرح الذي قام به وزير المعارف يعد سابقة هامة. ومن اجل أن يكون له معنى مستديم لابد من متابعة ما سوف يتم عمله عبر القيام بطرحه للعامة عبر وسائل الاعلام وفي المجالس المتخصصة لبرنامج الاصلاح التي تنوي الوزارة القيام به حتى يكون البرنامج مناسبا ولائقا وبذلك تكون الوزارة قد قدمت نموذجاً متكاملاً يُحتذى به ويمكنه أن يكون صورة مطورة لكيفية التواصل المثالي. هذا المثال ما هو الا حالة واضحة وصريحة لما يجب عمله على المستوى الاداري والتنفيذي في قطاعات الدولة بجميع اشكالها وما يوضحه الطموح الذي يسكن في افئدة المواطنين. والاعتقاد قائم ولايزال ان هذا الامر من الممكن تحقيقه ومن الممكن الاستمرار عليه ومن الممكن ان يُؤتي نتائج ايجابية مهمة ولكن الاعتقاد شيء والتنفيذ شيء آخر. وحتى نرى النتائج لذلك (الاعتقاد) سنظل نحلم ونأمل.
حسين شبكشي
____________
عن جريدة عكاظ