خواطر"هاوي قراءة" حول بعض الآيات
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله .. قبل كل شيء .. الإشارة إلى الجرح الذي لا يندمل .. عجزي عن حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى .. ولكن من أجل طلب الدعاء .. وأحمد الله على ما قدر فهو الخير كله .. سبق أن أشرتُ إلى حادثة لا أتذكرها إلا "بصيص"تذكر .. ومفادها أنني كنت قوي الحفظ .. أحفظ بالسماع .. وكانت أمي – أي جدتي – وأبي يرفضان أن يرى أحد لوحي،ون سأل عنه،حتى جاءت قريبة أخرى لأمي – التي ولدتني – وسألت عن"لوحي"فلم تستطع أمي أن ترفض طلب امرأة في سن أمها – رحم الله الجميع – وحين رأت لوحي قالت،متعجبة،وربما حتى فرحة :
وصل هنا!
في كلمتين"مسحت ذاكرتي"وقضيت عامين أو أكثر لا أحفظ شيئا .
هكذا رويت لي القصة مرة .. ولا أظننا كنا نخوض فيها بعد ذلك .. وإن تساءلت الآن .. يا ترى أين وصلت في الحفظ؟
لا أدري بطبيعة الحال .. ولكنني لاحظت أن بعض الكلمات تختلط في ذاكرتي بين قراءة "حفص "و"ورش" .. والآية الوحيدة التي أتذكر الآن أنها ظلت – إلى وقت قريب – تختلط عليّ هي"وآية لهم أنا حملنا ذريتهم" {يس :41} يختلط عليّ الأمر"ذريتهم" أم "ذرياتهم" ؟ فلعلي وصلت "يس" قبل مسح الذاكرة.
هذا ما كان من طلب الدعاء .. وحمد المنعم على ما قدر .. أما ما يخص الخاطرة .. فما أكثر المعانى التي تومض في ذهني وأنا أقرأ .. ثم تختفي .. قبل أن أطرح الأسئلة اللازمة ..
لكن السؤال المتعلق بسورة المائدة لما يزل يطاردني .. كلما قرأتُ " يريدون ان يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم * والسارق والسارقة "{المائدة :37 ،38}.
نظرت في بعض التفاسير ( ابن كثير و القرطبي والطبري وابن عاشور والبغوي والرازي وأضواء البيان) .. تهت في تفاصيل الاحكام الفقهية .. ونصاب السرقة .. والحرز .. وهل يقطع نابش القبور .. وهل يقطع سارق المصحف ..لخ
ولكن السؤال الذي أبحث عنه لم أهتد إليه ..
وجدتُ مثلا
("والسارقة والسارقة فاقطعوا أيدهما جزاء بما كسبا .." {المائدة : 38}
جملة معطوفة على جملة "إنما جزاء الذين يحاربون{ المائدة : 33}
ووجه ذكر السارقة مع السارق دفعُ توهم أن يكون صيغة التذكير في السارق قيداً بحيث لا يجري حد السرقة إلا على الرجال،وقد كانت العرب لا يقيمون للمرأة وزنا فلا يجرون عليها الحدود ) : تفسير ابن عاشور
وأيضا :
(في اتصال الآية بما قبلها وجهان :
الأول : أنه تعالى لما أوجب في الآية المتقدمة قطع الأيدي والأرجل عند أخذ المال على سبيل المحاربة،بين في هذه الآية أن أخذ المال على سبيل السرقة يوجب قطع الأيدي والأرجل أيضا.
والثاني : أنه لما ذكر تعظيم أمر القتل حيث قال"من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا "(المائدة : 32) ذكر بعد هذه الجنايات التي تبيح القتل والإيلام،فذكر أولا قطع الطريق،وثانيا أمر السرقة ) : تفسير الرازي
وتوقفتُ عند قول القرطبي
(فكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف،ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم ) : تفسير القرطبي
ما أعظم هذا الإسلام الذي جاء ليساوي بين "البشر"أول من قُطع رجل من بني عبد مناف،وامرأة من بني مخزوم !! وقد أعطى الإسلام للمرأة الحق في أن توقع عليها العقوبة .. إثباتا لمكانتها،عكس ما كان سائدا،حسب إشارة "ابن عاشور"
وقد كتب بيجوفيتش :
( وفقا لهيجل فإن العقوبة هي الحق الإنساني للمجرم "هيجل،مبادئ فلسفة الحق"لأن العقوبة"كانتقام"هي نتيجة الحرية،ولذا فإن المجرم المعاقب يصبح إنسانا من خلال العقوبة،ويتأكد كإنسان) {هروبي إلى الحرية ص 311}.
عودة إلى كلام "القرطبي" يقول الشيخ الأمين :
( ما ذكره القرطبي من أن المخزومية التي سرقت فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها هي مرة بنت سفيان خلاف التحقيق،والتحقيق أنها فاطمة بن الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم (..) وقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها وقع في غزوة الفتح،وأما سرقة أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد ابنة عم المذكورة،وقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها ففي حجة الوداع،بعد قصة الأولى بأكثر من سنتين ) : أضواء البيان
في المحصلة .. لم أجد ما أبحث عنه .. فالربط بين "إنما جزاء الذين يحاربون الله" {المائدة : 33} وعطف"والسارق والسارقة"{المائدة 38} عليها بدا لي متجاوزا للآيات 35 حتى 37 .. وهذه نظرة على الآيات معا :
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)
السؤال الذي كانت يومض في رأسي،وأنا أقرأ ..
هل تقول الآيات الكريمات للإنسان :
ما قيمة قطع يد أو إقامة أي حدٍ آخر .. قياسا على عذاب "النار" – أجارنا الله ووالدينا وإياكم منها – خصوصا مع تذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم،فيما معناه أن من أقيم عليه"الحد"فهو كفارة له.
جعلنا الله وإياكم ممن يتدبر كتاب الله.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني