الداء والدواء في الذباب
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحية داء وفي الأخرى شفاء ) أخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد .. وقوله : ( إن في أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ) رواه أحمد وابن ماجه
من معجزاته الطبية صلى الله عليه وسلم التي يجب أن يسجلها له تاريخ الطب بأحرف ذهبية ذكره لعامل المرض وعامل الشفاء محمولين على جناحى الذبابة قبل اكتشافهما بأربعة عشر قرنا .. وذكره لتطهير الماء إذا وقع الذباب فيه وتلوث بالجراثيم المرضية الموجودة في أحد جناحيه نغمس الذبابة في الماء لإدخال عامل الشفاء الذي يوجد في الجناح الآخر الأمر الذي يؤدي إلى إبادة الجراثيم المرضية الموجودة بالماء وقد أثبت التجارب العلمية الحديثة الأسرار الغامضة التي في هذا الحديث .. أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب هي أنه يحول البكتريا إلى ناحية .. وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب أو الطعام .. فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واحد منها هو مبيد البكتريا يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه .. ولذا فإن غمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة به وكاف في إبطال عملها كما أنه قد ثبت علميا أن الذباب يفرز جسيمات صغيرة من نوع الإنزيم تسمى باكتر يوفاج أي مفترسة الجراثيم وهذه المفترسة للجراثيم الباكتر يوفاج أو عامل الشفاء صغيرة الحجم يقدر طولها بــ 20 : 25 ميلي ميكرون فإذا وقعت الذبابة في الطعام أو الشراب وجب أن تغمس فيه كي تخرج تلك الأجسام الضدية فتبيد الجراثيم التي تنقلها من هنا فالعلم قد حقق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بصورة إعجازية لمن يرفض الحديث وقد كتب الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة الإسكندرية بحثا عن حديث الذبابة أكد فيه أن المراجع الطبية القديمة فيها وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب . وفي العصر الحديث صرح الجراحون الذين عاشوا في السنوات العشر التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا .. أي في الثلاثينيات من القرن الحالي بأنهم قد رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب . ومن هنا يتجلى أن العلم في تطوره قد أثبت في نظرياته العلمية موافقته وتأكيده على مضمون الحديث الشريف مما يعد إعجازا علميا قد سبق به العلماء الآن
المصدر " الإعجاز العلمى في الإسلام والسنة النبوية " محمد كامل عبد الصمد
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليَغمسه كله ، ثم ليطرحه ، فإن في إحدى جناحيه داء و في الآخر شفاء " و في رواية بلفظ " شراب أحدكم " . و وقع في حديث أبي سعيد عند النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و صححه " إذا وقع في الطعام " و التعبير بالإناء أشمل.
قوله " فليغمسه كله " أمر إرشاد لمقابلة الداء بالدواء .
قوله " ثم ليطرحه " أي ثم ليرميه .
فقد أخرج البزار بسند رجاله ثقات أن أنس بن مالك رضي الله عنه وقع ذباب في إنائه فقال بإصبعه فغَمَسه في ذلك الإناء ثم قال : بسم الله و قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرهم أن يفعلوا ذلك .
ورد النص في الذباب فلا يقاس عليه غيره من الحشرات و خاصة فقد بين سبب ذلك بأن في أحد جناحيه داء و في الآخر شفاء ، و هذا المعنى لا يوجد في غيره .
قال الخطابي : تكلَّم في هذا الحديث من لا خَلاَق له فقال : كيف يجتمع الشفاء و الداء في جناحي الذباب ؟ و هذا سؤال جاهل أو متجاهل ، فإن كثيراً من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة ، وقد ألف الله بينها و قهرها على الاجتماع ، و إن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه ، و ألهم النملة أن تدخر قوتها إلى أوان حاجتها ، و أن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت ؛ لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحاً و تؤخِّر أخرى ...
قال ابن الجوزي : ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب ، فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسفلها ، و الحية القاتل سمُّها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم ، و الذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر . و ذكر بعض حُذَّاق الأطباء أن في الذباب قوة سُمِّيَّة يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه و هي بمنزلة السلاح له ، فإذا سقط الذباب في ما يؤذيه تلقَّاه بسلاحه ، فأمر الشارع أن يقابل تلك السُمِّيَّة بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء ، فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى [ فتح الباري : 10 / 252 ] .
وقد لاحظ الأقدمون بالتجربة أن دَلك موضع لدغ الزُّنبور أو العقرب بالذباب ينفع منه نفعاً بيناً . و لوحظ على جرحى الحرب العالمية من الجنود أن جراحهم أسرع شفاء والتئاماً من الضباط الذين يُعنى بهم مزيد عناية في المستشفيات ، لأن الجنود يتداوون في الميدان فيتعرضون لوقوع الذباب على جراحاتهم ...
ومنذ سنة 1922 نشر الدكتور بيريل بعد دراسة مسهبة لأسباب جائحات الهيضة ( الكوليرا ) في الهند وجود كائنات دقيقة تغزو الجراثيم و تلتهمها ، و تدعى : ملتهمات الجراثيم " بكتريوفاج " و أثبت بيريل أن البكتريوفاج هو العامل الأساسي في إطفاء جوائح الهيضة ، و أنه يوجد في براز الناقهين من المرض المذكور ، و أن الذباب ينقله من البراز إلى آبار ماء الشرب فيشربه الأهلون ، و تبدأ جذوة جائحة الهيضة بالانطفاء .
كما تأكد عام 1928 حين أطعم الأستاذ بيريل ذاب البيوت فروع جراثيم ممرضة فاختفى أثرها بعد حين ، و ماتت كلها من جرَّاء وجود ملتهم الجراثيم ، شأن الذباب الكبير في مكافحة الأمراض الجرثومية التي قد ينقلها هو بنفسه ، و عرف أنه إذا هيئ خلاصة من الذباب في مصل فزيولوجي ، فإن هذه الخلاصة تحتوي على ملتهمات أربعة أنواع على الأقل من الجراثيم الممرضة [ السنّة المطهرة و التحديات ] .
والجدير بالذكر أن الأستاذ الألماني بريفلد من جامعة هال وجد أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماه " أمبوزاموسكي " و هذا الطفيلي يقضي حياته في الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة ... و قد أيد العلماء المُحدَثون ما اكتشفه بريفلد و بيَّنوا خصائص هذا الفطر الذي يعيش على بطن الذبابة .
ففي سنة 1945 أعلن أستاذ الفطريات لانجيرون أن الخلايا التي يعيش فيها هذا الفطر فيها خميرة قوية تذيب أجزاء الحشرة الحاملة للمرض .
وفي سنة 1947 عزل موفيتش مضادات حيوية من مزرعة للفطريات تعيش على جيم الذبابة ، و وجدها ذات مفعول قوي على جراثيم غرام سلبي كجراثيم الزحار و التفوئيد . و في نفس السنة تمكَّن العالمان الإنجليزيان آرنشتين و كوك و العالم السويسري رو ليوس من عزل مادة سموها جافاسين من الفطور التي تعيش على الذباب ، و تبين لهم أن هذه المادة مضادة حيوية تقتل جراثيم مختلفة من غرام سلبي و غرام إيجابي .
وفي سنة 1948 تمكن بريان و كورتيس و هيمنغ و جيفيرس من بريطانيا من عزل مضادة حيوية أخرى سموها كلوتيزين من الفطريات التي تعيش في الذباب ، و هي تؤثر في جراثيم غرام سلبي كالتفوئيد و الزحار .
وفي سنة 1949 تمكن العالمان الإنكليزيان كومسي و فارمر و السويسريون جرمان و روث و إثلنجر و بلانتز من عزل صادَّة ( مضادة حيوية ) أخرى من فطر ينتمي غلى فصيلة الفطور التي تعيش في الذباب ، سموها أنياتين و لها أثر شديد في جراثيم غرام سلبي و غرام إيجابي كالتفوئيد و الكوليرا و الزحار و غيرها [ الحقائق الطبية في الإسلام ] .
المصدر : " الأربعون العلمية " عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم