الدراسات والبحوث العلمية في مجال العمل الاجتماعي
مقدمة:
تلعب المؤسسات الاجتماعية، بعامة والتطوعية بخاصة دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية بالسلطنة، وتقدم الكثير من الرعاية الاجتماعية لفئات المجتمع المختلفة، سواء كانت رعاية موجهة للعاديين أو غيرهم من غير العاديين من أفراد المجتمع، والبحث في مشكلاتهم الاجتماعية والعمل على إيجاد حلول علمية لها، بجانب التوجيه والإرشاد الاجتماعي للأسرة العمانية في إطار الثقافة العربية الإسلامية.
ولما كان البحث هو " التطبيق المنظم للطريقة العلمية في حل المشكلات، وخلق أساس نافع للمعرفة." فإن البحث التربوي والاجتماعي يزودنا بحلول للمشكلات التربوية والاجتماعية، التي تقابل الأسرة ويدعم المعرفة الثابتة المعممة ذات العلاقة بالمجال التربوي بعامة والاجتماعي بخاصة وما يتصل بالأسرة كمؤسسة اجتماعية.
والهدف النهائي للبحث التربوي والاجتماعي هو مساعدة الباحثين على تطوير نوع من الأساس المعرفي الهام الذي يتصف بالتخصص والنظام، مما يؤكد معنى التقدم والازدهار في عالم التربية، هذا بجانب مساعدة الأفراد على تطوير مهاراتهم المهنية وكفايتهم الاجتماعية وطرق الحياة الاجتماعية المقبولة والتدريبات الجيدة والمواطنة الصالحة.
أولاً: أنواع الدراسات والبحوث.
تعددت الطرق التي تقسم على أساسها الأبحاث أو الدراسات بالرغم من أنها تخضع لإجراءات شبه موحدة، وهي الإجراءات التى تقوم عليها الطريقة العلمية من تحديد للمشكلة، وجمع البيانات والمعلومات، وتفسيرها، وتحليلها، ومن بينها التقسيم وفق الغرض، والتقسيم وفق الطريقة أو الأسلوب المستخدم، وتندرج تحت هذا التقسيم الأنواع التالية من البحوث والدراسات:
1-البحوث التجريبية:
وهي البحوث التي يشكل الضبط لبعض المتغيرات بعداً أساسياً حيث يحاول الباحث إخضاع هذه المتغيرات لسيطرته بدراسة الظاهرة أو المشكلة محور البحث في ظروف يحددها الباحث.
2- البحوث التاريخية:
وهي البحوث التي ترمي إلى وصف وتحليل وتفسير الوقائع والأحداث والظواهر التي جرت في الماضي القريب أو البعيد بغرض الوصول إلى تعميمات تسهم في فهم الماضي والحاضر، وقد تساعد في التنبؤ بأحداث وظواهر المستقبل، ويتميز البحث التاريخي في تركيزه على المصادر الأولية للمعلومات.
3- البحوث الوصفية:
وهي البحوث التي ترمى إلى وصف واقع المشكلات والظواهر كما هي، أو تحديد الصورة التي يجب أن تكون عليها هذه الظواهر في ظل معايير محددة، مع تقديم توصيات أو اقتراحات من شأنها تعديل الواقع للوصول إلى ما يجب أن تكون عليه هذه الظواهر.
وتركز الورقة على الدراسات الوصفية إذ يعد وصف الواقع للظواهر التربوية والاجتماعية الخطوة الأولى في حل المشكلات ذات العلاقة بهذه الظواهر، فقد يكون الوصف لمحتوى معين، أو لعمليات ونشاطات محددة أو ممارسات واتجاهات ذات طبيعة تطورية تؤدي نتائجها إلى وضع تنبؤات عن المستقبل.
أنواع البحوث والدراسات الوصفية: تنقسم هذه البحوث والدراسات إلى:
أ- بحوث مسحية:
يرمى هذا النوع من البحوث إلى التعرف على الظاهر أو المتغيرات في مجتمع معين يحدده الباحث من خلال المعلومات التى يجمعها عن كل فرد في ذلك المجتمع، وبخاصة إذا أمكن تحديد مجتمع صغير محدد في منطقة جغرافية ضيقة، أو عينة من الأفراد، ثم يستدل منها على هذه الظواهر.ولعل معظم البحوث الوصفية تعتمد على أسلوب العينات وذلك لوجود بعض المحددات الاقتصادية أو الاجتماعية مثلاً، وبالطبع فإن اختيار العينة الممثلة للمجتمع نقطة هامة في هذا النوع من البحوث.
وتسهم البحوث المسحية مساهمة فعالة في البحوث التربوية والاجتماعية حيث تركز البحوث المسحية على دراسة المتغيرات المتعلقة بالأفراد سواء كانت متغيرات اجتماعية مثل: الجنس والعمر والدخل والمهنة، أو متغيرات نفسية مثل الاتجاهات والدوافع والآراء والمعتقدات، وبالطبع فإن محور الاهتمام هو دراسة المتغيرات النفسية التي قد ترتبط ببعض المتغيرات الاجتماعية ارتباطاً عكسياً أو طردياً بدرجات متفاوتة.
ب- بحوث تحليلية:ويجد لهذه البحوث ثلاثة أنواع هي:
(1) تحليل العمل:
يتم في هذا النوع من البحوث جمع البيانات والمعلومات عن واجبات العاملين في المؤسسة ونشاطاتهم حيث تسهم الدراسات التحليلية في:
- تحديد جوانب القوة والضعف في المهام المختلفة المكونة للعمل.
- تحديد جوانب العمل التي تحتاج إلى مهارات وكفايات متميزة.
- تصنيف المهام المكونة لعمل ما إلى عوامل تجمع بينها خصائص مشتركة أو متشابهة.
- إعداد برامج تعليمية وتدريبية للعاملين.
- اتخاذ قرارات بشأن التشكيلات الإدارية في المؤسسة وأسس التعيين والترقية.
والمشكلة الأساسية في هذا النوع من الدراسات هي: تحديد مهام العمل وواجبات الأفراد ومسئولياتهم، فقد يقوم الباحث باتباع طرق متعددة لتعرف هذه المهام وذلك من خلال الملاحظة المباشرة أو غير المباشرة للعاملين أثناء قيامهم بالواجب في أوقات متعددة وظروف مختلفة، أو من خلال إجاباتهم عن مجموعة من الأسئلة ذات العلاقة بالعمل يطلب فيها ذكر مهام العمل كما يرونها من خلال ممارساتهم، وقد يلجأ الباحث إلى مجموعة من الثقاة والخبراء في مجال العمل، والدراسات السابقة المتعلقة بالمشكلة.
(2) تحليل المحتوى:
يطلق على تحليل المحتوى أيضاً تحليل الوثائق، وقد تطورت أساليب تحليل المحتوى نظرا لتعدد وتطور وسائل الاتصال وتشكل المادة اللفظية من كتب ومجلات وجرائد ومذكرات وسير ذاتية وخطابات وتقارير.
(3) تحليل الميل:
يهتم الباحثون بتحليل ميول الأفراد، وذلك لتأثير أداء الفرد في عمل أو نشاط أو مهنة معينة بالميل نحو هذا العمل أو النشاط أو المهنة سواء تشكل هذا الميل قبل دخوله فيه أو خلال ممارسته الفعلية له.
وقد يعتمد الباحث على أكثر من طريق للكشف عن الميل من بين ثلاثة طرق هي:
-مقابلة مقننة مع الفرد يسأل فيها مجموعة من الأسئلة ذات العلاقة بالمهنة أو المهن التي كانت محور اهتمامه.
-ملاحظة سلوك الفرد على فترات زمنية يحددها الباحث.
-اختبار الميل باستخدام اختبارات مقننة على افتراض أن الفرد سيحتفظ بمعلومات ذات علاقة بالميل نحو مهنة معينة ومن ثم يتذكرها، مما يهيئ الفرصة لدراسة تباين الميول عند الفرد.
ج- دراسات تطورية:
تهتم هذه الدراسات بنمو السمات المختلفة للأفراد خلال فترة زمنية معينة أو في مراحل عمرية مختلفة، قد تكون هذه السمات عقلية أو جسمية أو انفعالية، ولنتائج هذه الدراسات أهمية كبيرة في تكوين إطار نظري لمختلف جوانب النمو عند الأفراد وهو ما يدي إلى الطبيعة التطورية ومدى التفاعل بين النضج والتعلم للسمات المختلفة.
وتنقسم الدراسات التطويرية إلى نوعين هما:
(1) الدراسات الطولية:
يتم اختيار عينة الدراسة من مرحلة عمرية معينة ويتم متابعتهم وجمع المعلومات عن المتغير أو المتغيرات التي يحددها الباحث على فترات زمنية متعاقبة قد تأخذ عدة سنوات، ومثال ذلك دراسة النمو في القدرة على التفكير المجرد خلال مرحلة دراسية معينة يختار فيها البحث تلاميذ في صف معين ثم يتابعهم خلال الصفوف التالية حتى نهاية المرحلة.
(2) الدراسات المستعرضة:
تشبه الدراسات الطولية في الغرض العام ولكنها تختلف في إجراءات اختيار عينة البحث كأن يختار الباحث عينة من كل صف دراسة لهذ المرحلة وتجميع المعلومات عن المتغير محور البحث وفي نفس الوقت عن الصفوف كلها في تلك المرحلة.وهنا توفر الطريقة المستعرضة الوقت وكذلك تمكنه من دراسة عينة أكبر من الأفراد، مع ضرورة الانتباه إلى الأخطاء الناجمة عن اختيار عينات جزئية من حيث التجانس ومدى تمثيلها للفئات العمرية لهذه المرحلة، وكذلك الإهدار في العينة الطولية ومدى تأثيره في مدى تمثيل العينة للفئات العمرية لهذه المرحلة، فقد يكون الإهدار عشوائياً أو كبيراً ومؤثراً في نتائج الدراسة.
المعايير الأخلاقية في البحث
وضعت هذه المعايير رابطة علماء النفس الأمريكية، ونشرت تحت عنوان " المبادئ الأخلاقية في البحث الإنساني" في واشنطن عام 1973، وأهم هذه المعايير التي يجب أن يراعيها الباحث هي:
1- احترام الخصوصية:
تتعرض بعض الدراسات إلى خصوصيات الإنسان التي لا يرغب أحد في معرفتها مما يجعلهم لا يقبلون المشاركة في البحث أو التجربة، زمن حق هؤلاء الناس عدم الإفضاء بخصوصياتهم، وبمعنى آخر يتطلب هذا وضعاً للحفاظ على بعض المعلومات وعدم نشرها أمام الآخرين، مثل عناصر الشعور الشخصي أو المعتقدات الدينية أو السياسية، في الوقت الذي يفضل الكثيرون من الناس الإبقاء على تلك العناصر ضمن خصوصياتهم ورفضهم الإدلاء بأي رأي حولها.ولتجنب عنصر خصوصية الإنسان يجب على الباحث مراعاة ما يلي:
أ- تجنب الأسئلة غير الضرورية والمحرجة.
ب- تجنب تسجيل رد الفعل الشخصي تجاه عنصر معين في الدراسة ما أمكن ذلك.
ج- الحصول على موافقة الآخرين أولاً للمشاركة في بحثه أو تجربته، وكذلك الموافقة من أولياء أمور الأطفال، أو المعلمين أو من يعنيهم الأمر حول موضوع البحث.
2- السرية:
من الحق أن تبقى الموضوعات التي يتم بحثها مجهولة الاسم، ويتبع الباحث في هذا المجال منهجين هما:
الأول: يمكن تعرف الموضوعات المطلوبة من خلال رمز سري بحيث لا يطلب من المشاركين كتابة أسمائهم.
الثاني: تجميع البيانات أو الإجابات الفردية بعضها مع بعض بحيث يقوم الباحث بعدها بأخذ متوسط الإجابات وليس الإجابة الفردية، أي يجب على الباحث المحافظة على سرية المعلومات في الدراسة.
ولغرض الحفاظ على سرية المعلومات على الباحث اتباع ما يلي:
أ- جدولة جميع البيانات بإعطائها رموزاً كأرقام أو أحرف أبجدية وليس أسمائها الصحيحة.
ب- التخلص من البيانات الأساسية المسجلة وغيرها حال الانتهاء من الدراسة.
ج- الاتجاه نحو جمع المعلومات بواسطته مباشرة، وعدم اللجوء إلى أشخاص آخرين لتنفيذ المهمة.
3- تحمل المسئولية:
أ-على الباحث أن يتحمل نتائج بحثه، وأن يكون مدركاً أو حساساً لشعور الآخرين، وأن يحافظ على كرامتهم حتى يتقبل الآخرون المشاركة في بحثه أو دراسته، ومن هنا على الباحث أن يعرف أهداف بحثه بالتفصيل منذ البداية، بل من حق المشاركين على الباحث أن يعرفوا أهداف بحثه.
ب-كما تقع على عاتق الباحث مسئولية أخلاقية تجاه بحوثه ودراساته، وتجاه زملائه في المهنة، وتجاه الجمهور.
ج- على الباحث أن يكون موضوعيا في عرض النتائج ومعالجة البيانات، والباحث الشريف عادة لا يقوم بالتخلي عن بعض المعلومات التي لا تناسبه، والإبقاء على المعلومات التي تناسب أهداف بحثه أو فرضياته.
د- على الباحث ألا يقوم بتحوير أو تعديل البيانات الأصلية بهدف جعلها ملائمة لموضوع بحثه.
هـ على الباحث ألا يخفي الجوانب الضعيفة في بحثه، أو في النتائج التي توصل إليها وألا يبالغ في النتائج.
و- أن يضع بياناته ونتائجه تحت تصرف الباحثين الآخرين لإجراء المزيد من التحليل عليها والتحقق من نتائجه.
ى-كما أنه على الباحث أن يشكر كل من قدم له مساعدة أثناء قيامه بالبحث.
ط- ألا يكون لبحثه منفعة شخصية فقط وإنما يسخر لخدمة المعرفة والتطور العلمي.