مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > مجلس الدراسات والبحوث العلمية

مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #51  
قديم 02-10-2008, 12:46 AM
نسيم الفجر نسيم الفجر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 60
معدل تقييم المستوى: 17
نسيم الفجر is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

صاحبة الكفن
(حفصة بنت سيرين)
كان ذِكْرُ الموت لايفارقها، فهى تعلم أن الدنيا أيام معدودة، فإذا ذهب يوم فقد ذهب بعضها؛ لذا كانت تتوقع الموت فى كل لحظة، حتى روِى أنها كانت تحتفظ بكفن دائم لها هو جزء من ملابسها فإذا حجت وأحرمت لبسته، وإذا جاءت الأيام العشرة الأخيرة من رمضان لبستْه تقيم فيه.
إنها حَفْصَة بنت سيرين، المحدِّثة الزاهدة، التي أمضت شبابها فى عبادة وتقوي، وكانت تقول: يا معشر الشباب! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإنى رأيت العمل فى الشباب.
قَرَأَتْ القرآن الكريم، وتدبرتْ معانيه وعمرها اثنتا عشرة سنة، وكان أخوها "محمد بن سيرين" إذا استشكَل عليه شيء من القرآن الكريم قال: اذهبوا إلى حفصة، واسألوها كيف تقرأ؟
واشتهرت حفصة بالزهد، والصبر الجميل على طاعة اللَّه وعبادته، وكانت كثيرة الصيام، طويلة القيام، تدخل مسجدها تصلى فيه، وتتعبد بقراءة القرآن، ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو لمقابلة من يأتون ليستفتونها، ويتعلمون منها.
وكانت محدثِّة جليلة، نشأت فى بيت علم، وكان لها ستة إخوة غيرها، كلهم يقرءون القرآن، ويشتغلون بالحديث.
وكانت حفصة تحب العلم، وتبذل فى سبيله كل غالٍ ونفيس؛ لأنها تَعْلَم أن العلماء ورثة الأنبياء، كما عُرِفتْ حفصة بشدة تمسكها بتعاليم الإسلام الحقة، وطاعتها للَّه ولرسوله؛ فقد رُوى أن سفيان بن عيينة بن عاصم قال: كنا ندخل على حفصة بنت سيرين، وقد جعلتِ الجلباب هكذا وتنقبت به (أي: لبسته)، فنقول لها: رحمك اللَّه، قال اللَّه تعالى وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[ النور: 60]. فتقول: هو إثبات الجلباب.
ولها باع كبير فى رواية الحديث النبوي، فقد رَوَتْ عن أخيها يحيى وعن غيره، وروى عنها الكثير.
وتُوُفيت "حفصة" -رضى اللَّه عنها- فى العام الثانى والتسعين من الهجرة، وقيل: الحادى بعد المائة، وقد بلغت من العمر سبعين عامًا.

رد مع اقتباس
  #52  
قديم 02-10-2008, 12:48 AM
نسيم الفجر نسيم الفجر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 60
معدل تقييم المستوى: 17
نسيم الفجر is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

الفارسة
(خولة بنت الأزور)
سبق الفارس الملثَّم جيش المسلمين، وفى شجاعة نادرة اخترق صفوف الروم، وأعمل السيف فيهم، فأربك الجنود، وزعزع الصفوف، وتطايرت الرءوس، وسقطت الجثث على الأرض، وتناثرت الأشلاء هنا وهناك، وتعالت الصَّرَخات من الأعداء والتكبيرات من جيش المسلمين.
ليت شعري من هذا الفارس؟ وأيم اللَّه، إنه لفارس شجاع...كلمات قالها خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين في معركة أجنادين عندما لمح الفارس وهو يطيح بسيفه هامات الأعداء، بينما ظن بعض المسلمين أن هذا الفارس لا يكون إلا خالدًا القائد الشجاع.لكن خالدًا قد قرب منهم، فسألوه في تعجب، من هذا الفارس الهُمام؟ فلا يجبهم، فتزداد حيرة المسلمين وخوفهم على هذا الفارس ولكن! ما لبث أن اقترب من جيش المسلمين وعليه آثار الدماء بعد أن قتل كثيرًا من الأعداء، وجعل الرعب يَدُبُّ فى صفوفهم، فصاح خالد والمسلمون: للَّه درُّك من فارس بذل نفسه فى سبيل اللَّه ! اكشف لنا عن لثامك. لكن الفارس لم يستجب لطلبهم، وانزوى بعيدًا عن المسلمين، فذهب إليه خالد وخاطبه قائلا: ويحك لقد شغلتَ قلوب الناس وقلبى لفعلك، من أنت؟ فأجابه: إننى يا أمير لم أُعرِضْ عنك إلا حياءً منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور. فلما علم خالد أنها امرأة سألها -وقد تعجَّب من صنيعها-: وما قصتك؟ فقالت المرأة: علمتُ أن أخى ضرارًا قد وقع أسيرًا فى أيدى الأعداء، فركبتُ وفعلتُ ما فعلتُ.قال خالد: سوف نقاتلهم جميعًا ونرجو اللَّه أن نصل إلى أخيكِ فنفكه من الأسر.
واشتبك جيش المسلمين مع الأعداء وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وكان النصر للمسلمين، وسارت تلك الفارسة تبحث عن أخيها، وتسأل المسلمين عنه، فلم تجد ما يشفى صدرها ويريح قلبها، فجلست تبكى على أخيها وتقول: "يابن أمى ليت شِعْرِي... فى أية بَيْدَاء طَرَحُوكَ، أم بأى سِنَانٍ طعنوك، أم بالْحُسام قتلوكَ. يا أخى لك الفداء، لو أنى أراك أنقذكَ من أيدى الأعداء، ليت شِعْرِى أترى أنى لا أراك بعدها أبدًا؟
لقد تركتَ يابن أمى في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها، ليت شعري، لقد لحقت بأبيك المقتول بين يدَى النبي (، فعليك منى السلام إلى يوم اللقاء. فما إن سمعها الجيش حتى بكوا وبكى خالد بن الوليد.
وما هى إلا لحظات حتى أتى الخبر بالبشرى بأن أخاها مازال على قيد الحياة، وأن جيش الأعداء قد أرسله إلى ملك الروم مكبَّلا بالأغلال، فأرسل "خالدٌ" "رافعَ بن عميرة" فى مائة من جيش المسلمين ليلحق بالأعداء ويفك أسْرَ أخيها، فما إن سمعتْ بخروج "رافع بن عميرة" حتى أسرعتْ إلى خالد تستأذنه للخروج مع المسلمين لفك أسر أخيها، فذهبتْ معهم حيث أعدوا كمينًا فى الطريق، وما إن مرَّ الأعداء بالأسير حتى هجموا عليهم هجمة رجل، واحد وما لبثوا أن قضوا عليهم وفكوا أسر أخيها وأخذوا أسلحة العدو.
تلك هي الفارسة الفدائية خولة بنت الأَزْوَر، صحابية جليلة، أَبْلت بلاء حسنًا فى فتوح الشام ومصر. وكانت من أشجع نساء عصرها.
وتمر الأيام، وتظهر بسالة تلك المرأة، ومدى دفاعها عن الإسلام، ففى موقعة "صجورا" وقعت هي ونسوة معها فى أسر جيش الروم. ولكنها أبت أن تكون عبدة فى جيش الروم، فأخذت تحث أخواتها على الفرار من الأسر، فقامت فيهن قائلة: يا بناتَ حِمْيَر وبقية تبع، أترضين لأنفسكن أن يكون أولادكن عبيدًا لأهل الروم، فأين شجاعتكن وبراعتكن التي تتحدث بها عنكن أحياء العرب؟ وإنى أرى القتل عليكن أهون مما نزل بكُنَّ من خدمة الروم. فألهبت بكلامها حماس النسوة، فأبَيْن إلا القتال والخروج من هذا الذُّل والهوان.
وقالت لهن: خذوا أعمدة الخيام، واجعلوها أسلحة لكُن، وكنَّ فى حلقة متشابكات الأيدى مترابطات، لعل اللَّه ينصرنا عليهم، فنستريح من معرَّة العرب. فهجمت وهجم معها النسوة على الأعداء وقاتلن قتال الأبطال حتى استطعن الخروج من معسكر الأعداء وتخلصن من الأسر.
ولم تنته معارك خَوْلة فى بلاد الشام، فقد أُسِرَ أخوها ضرار مرة أخرى فى معركة مرج راهط، فاقتحمت الصفوف من أجله.
وخاضت مع المسلمين معركة أنطاكية حتى تمَّ النصر فيها للمسلمين، كما اشتركتْ -أيضًا- فى فتح مصر، وغدتْ مفخرة نساء العرب ورجالهم.
وظلتْ السيدة خَوْلة -رضى الله عنها- على إيمانها وحبها للفداء والتضحية، ودفاعها عن دين الله، ورفْع لواء الإسلام حتى تُوُفِّيتْ فى آخر خلافة عثمان بن عفان -رضى الله عنه-.

رد مع اقتباس
  #53  
قديم 02-10-2008, 12:49 AM
نسيم الفجر نسيم الفجر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 60
معدل تقييم المستوى: 17
نسيم الفجر is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

العابدة
(رابعة العدوية)
قامت فى جوف الليل تدعو اللَّه ضارعة وتقول: إلهي، أنارتْ النجوم، ونامتْ العيون، وغلقتْ الملوك أبوابها، وهذا مقامى بين يديك، إلهي.. ما أصغيت إلى صوت حيوان، ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنُّم طائر، ولا تنعم ظل، ولا دوِى ريح، ولا قعقعة رعد... إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالة على أنه ليس كمثلك شيء. سَيدِى بك تقرّب المتقربون فى الخلوات، ولعظمتك سَبَّحَتِ الحيتان فى البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات. أنت الذي سبح لك سواد الليل، وضوء النهار، والفلك الدوار، والبحر الزخار، والقمر النوار، والنجم الزهار، وكل شيء عندك بمقدار؛ لأنك اللّه العلى القهار.
وذات مرة قالت لأبيها: يا أبتِ، لستُ أجعلك فى حلٍّ من حرام تطعمنيه. فقال لها: أرأيت إن لم أجد إلاحرامًا؟ قالت: نصبر فى الدنيا على الجوع، خير من أن نصبر فى الآخرة على النار.
إنها رابعة بنت إسماعيل العدوية، وُلدت بالبصرة لرجل فقير صالح، ومات أبواها، وتركاها صغيرة تواجه مع أخواتها الثلاث صعوبات الحياة. ولما حلّ الجفاف هاجرت أخوات رابعة بينما أبت الهجرة معهن فتركنها وحيدة، حتى وجدها اللصوص، فأخذوها وباعوها لتاجر ثرى ذاقت تحت يده ذل الرق والعبودية. فلما علم التاجر أنها تصلى طوال الليل، ذهب ليتأكد من ذلك فسمعها تدعو: إلهى أنت تعلم أن قلبى يتمنى طاعتك، ونور عينى فى خدمتك، ولو كان الأمر بيدى لما انقطعت لحظة عن مناجاتك. ولكنك تركتنى تحت رحمة هذا المخلوق القاسى من عبادك. فرقّ لها فأعتقها وأطلق سراحها.
انصرفت رابعة بعد ذلك للزهد والعبادة وقراءة القرآن، وظل ذلك دأبها طوال عمرها.
وجاء أحد التجار يطلبها للزواج، فقال لها: إننى أربح فى اليوم ثمانين ألف درهم وأنا أخطبك لنفسي. فقالت له: إن الزهد فى الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن. صُم دهرك ، واجعل الموت فطرك، فما يَسُـرُّنى أن اللّه خولنى أضعاف ما خولك، فيشغلنى به عنه طرفة عين، والسلام.
وعندما أتى رجل إليها ليعطيها أربعين دينارًا وقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك. بكت، ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: هو يعلم أنى أستحى منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟ يا هذا وما ترى من سوء حالي؟! ألستُ على الإسلام؟! فهو العز الذي لا ذُل بعده، والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه. فقام الرجل وهو يقول: ما سمعتُ مثل هذا الكلام. فقالت له: إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكلُّ، وأنت تعلم فاعمل.
كانت رابعة العدوية تصلى الليل، فإذا طلع الفجر هجعت فى مُصَلاها هَجْعَة خفيفة حتى يسفر الفجر، فتثب من مرقدها وهى فزعة وتقول: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تقومين؟ يوشك أن تنامى نومة لا تقومين منها، إلا لصرخة يوم النشور. ثم تبكى وهى ساجدة فإذا رفعت رأسها يُرى موضع سجودها مبلل من دموعها.
قال لها رجل ذات يوم: يا رابعة ادع لى ! فقالت: من أنا، يرحمك اللّه؟!أطع ربك وادعه؛ فإنه يجيب المضطرين.
وقالت لها امرأة: يا رابعة، إنى أحبك في اللّه. فقالت لها: فلا تعصى وأطيعى من أحببتنى فيه، فسألتها: أترين من تعبدينه؟ فقالت: لو كنت لا أراه ما عبدته.
عاشت رابعة حتى صارت عجوزًا كبيرة لها ثمانون سنة، وكانت من زهدها فى الحياة أن بدت ضعيفة تكاد تسقط على الأرض وهى تمشي. وكانت تضع أكفانها أمامها، فإذا ذُكر الموت انتفضت وأصابتها رعدة.
وحين قرب موتها قالت لخادمتها عبدة: يا عبدة لا تُؤْذِنِى بموتى أحدًا (أى لا تُخبريه)، وكَـفِّـنِـينِى فى جُبَّتى هذه وفى خمارى الصوف؛ ليكمل لى بهما ثوابى يوم القيامة .
وتوفيت فى سنة مائة وخمس وثلاثين من الهجرة وعمرها ثمانون عامًا. وقبرها يقع بظاهر القدس .
ومن أقوالها المأثورة:
أستغفر اللَّه العظيم من قلة صدقي في قولي. أستغفر اللَّه.
* كلوا خبز الدنيا واعملوا للآخرة.
* مُحِبُّ الله لا يَسْـكُنُ أنينُه وحنينُه حتى يسكن فى جنة محبوبه.
* وكانت توصى الناس بقولها: اكْـتُمُوا حسناتِـكُمْ كما تكتمون سيئاتكم.

رد مع اقتباس
  #54  
قديم 02-10-2008, 12:50 AM
نسيم الفجر نسيم الفجر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 60
معدل تقييم المستوى: 17
نسيم الفجر is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

نفيسة العلم
(نفيسة بنت الحسن)
كانت من العابدات الزاهدات القانتات لله، كما كانت مصباحًا أضاء الطريق للسالكين الحيارى، وقدوة احتذاها أهل التقوى والإيمان.
فى مكة المكرمة، ولدت نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن ابن على بن أبى طالب، وكان ذلك اليوم السعيد بعد مائة وخمسة وأربعين عامًا من هجرة الرسول ( عام 145هـ.
وفى البلد الحرام عاشت نفيسة مع أحفاد رسول الله (، فتأثرت بهم، وسارت على منهجهم؛ فحفظت القرآن الكريم، وأقبلت على فهم آياته وكلماته، كما حفظت كثيرًا من أحاديث جدها (.
نظرت نفيسة إلى الدنيا، فوجدتها فانية زائلة، فأعرضت عنها، وزهدت فيها، وأقبلت بوجهها إلى الله، تستغفره، وتتوسل إليه، وتطلب منه العفو والغفران، ولما بلغت نفيسة مبلغ الشابات؛ تقدم لخطبتها ابن عمها إسحق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق، فرضيته زوجًا لها.
وفى المدينة المنورة، عاشت نفيسة آمنة مطمئنة، وفتحت بيتها لطلاب العلم، تروى لهم أحاديث رسول الله (، وتفتيهم في أمور دينهم ودنياهم، حتى أطلقوا عليها اسم: "نفيسة العلم والمعرفة".
وفى عام مائة وثلاثة وتسعين من الهجرة (193هـ)، وصلت السيدة نفيسة إلى مصر بصحبة والدها وزوجها، واستقرت فى الفسطاط بدار ابن الجصاص وهو من أعيان مصر، وقد اُستقبلت استقبالا حافلا، وسر أهل البلاد بقدوم حفيدة رسول الله (.
واستمرت نفيسة فى حياة الزهد والعبادة، تقوم الليل، وتصوم النهار، حتى طلب منها زوجها ذات يوم أن ترفق بنفسها، فقالت: "من استقام مع الله، كان الكون بيده وفى طاعته". وكانت تعرف أنها لكى تفوز بجنة الخلد، فلابد لها أن تجتهد فى العبادة، وأن تبتعد عن ملذات الدنيا، تقول: "لا مناص من الشوك فى طريق السعادة، فمن تخطاه وصل".
وداومت السيدة نفيسة على زيارة بيت الله الحرام، وقيل: إنها أدت شعائر الحج ثلاثين مرة، تذهب إلى هناك تتطهر من ذنوبها، وتجدد العهد مع الله على الطاعة، والاستجابة لأوامره، والابتعاد عن كل ما يغضبه، ثم تعود إلى مصر.
وكانت عظيمة القدر والمكانة عند أهل مصر، فكانوا يذهبون إليها، يلتمسون عندها العلم والمعرفة، بل كان يقصد دارها كبار العلماء، فقد تردد عليها الإمام الشافعى، فكانت تستقبله من وراء حجاب، وتناقشه فى الفقه وأصول العبادة وأحاديث الرسول (.
وحين مرض الإمام الشافعى أرسل إليها يطلب الدعاء له بالشفاء، لكنه مات بعد أيام بعد أن أوصى أن تصلى عليه السيدة نفيسة، فصلت عليه بعد أن صلى عليه الرجال، وحزنت من أجله. وكانت -رضى الله عنها- تجير المظلوم، ولا تستريح حتى ترفع الظلم عنه، فقد استجار بها رجل ثرى من ظلم بعض أولى الأمر، فساعدته فى رفع الظلم عنه، ودعت له، وعاد مكرمًا معززًا؛ فأهداها مائة ألف درهم شكرًا لها واعترافًا بفضلها، فوزعتها على الفقراء والمساكين، وهى لا تملك ما يكفيها من طعام يومها.
وبعد سبع سنوات من الإقامة فى مصر، مرضت السيدة نفيسة، فصبرت ورضيت، وكانت تقول: "الصبر يلازم المؤمن بقدر ما فى قلبه من إيمان، وحسب الصابر أن الله معه، وعلى المؤمن أن يستبشر بالمشاق التي تعترضه، فإنها سبيل لرفع درجته عند الله، وقد جعل الأجر على قدر المشقة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم". وتقول أيضًا: "لقد ذكر الصبر فى القرآن الكريم مائة وثلاث مرات، وذلك دليل على قيمة الصبر وعلو شأنه وحسن عاقبته".
ولما أحست السيدة نفيسة أن النهاية قد اقتربت، أرسلت إلى زوجها إسحاق المؤتمن، تطلب منه الحضور وكان بعيدًا عنها.
وفى صحن دارها، حفرت قبرها بيدها، وكانت تنزل فيه وتصلى كثيرًا، حتى إنها قرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهى تبكى بكاء شديدًا.
وكانت السيدة نفيسة صائمة كعادتها، فألحوا عليها أن تفطر رفقًا بها، وهى فى لحظاتها الأخيرة، لكنها صممت على الصوم برغم أنها كانت على وشك لقاء الله، وقالت: واعجبًا، منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن؟! هذا لا يكون. ثم راحت تقرأ بخشوع من سورة الأنعام، حتى وصلت إلى قوله تعالى لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)[الأنعام: 127].
ففارقت الحياة، وفاضت روحها إلى الله، فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا شديدًا، وحينما حضر زوجها أراد أن ينقل جثمانها إلى المدينة، لكن الناس منعوه، ودفنت فى مصر. فرحمة الله عليها.

رد مع اقتباس
  #55  
قديم 02-10-2008, 12:50 AM
نسيم الفجر نسيم الفجر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 60
معدل تقييم المستوى: 17
نسيم الفجر is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

صاحبة القرآن
(زبيدة زوجة الرشيد)
أنصتْ.. استمعْ جيدًا.. تُرَى ما هذا الصوت الغريب القادم من قصر أمير المؤمنين هارون الرشيد، إنه صوتٌ يشبه دَوِىَّ النحل، تعالَ نقترب من القصر، ها قد اتضح الصوت: إنهن جوارى زبيدة زوجة الخليفة يحفظْنَ ويرتلْنَ القرآن الكريم.
كانت زبيدة تتمنى بينها وبين نفسها أن تتزوج من ذلك الشاب اليافع، وها قد تحقق حلمها الذي كانت تحلم به، فقد عاد ابن عمها هارون الرشيد مع أبيه الخليفة "المهدى" من ميدان المعركة بعد أن حققا النصر على الروم، وستكون الفرحة فرحتين، فرحة النصر، وفرحة الزواج من هارون، نصبت الزينات وأقيمت الولائم التي لم يشهدها أحد من قبل فى بلاد العرب وازينت زبيدة بالحلى والجواهر، والمسك والعنبر والروائح الطيبة تنتشر فى مكان العرس، والناس مسرورون بهذا الزواج المبارك.
وتزوجت زبيدة من هارون الرشيد، فملأ الحب قلبيهما، واستطاعت بذكائها ولباقتها أن تزيد من حبه لها حتى أصبح لايطيق فراقها ولا يملُّ صحبتها، ولا يرفض لها طلبًا.
ومرت الأيام، وأنجبت زبيدة من هارون الرشيد ابنها "محمدًا" الأمين وقد أحبته كثيرًا، وكانت شديدة العطف عليه والرفق به لدرجة أنها بعثت ذات يوم جاريتها إلى الكسائى مؤدبه ومعلمه، وكان شديدًا عليه، تقول له : "ترفق بالأمين فهو ثمرة فؤادى وقرة عيني".
وتولى هارون الرشيد الخلافة، فازداد الخير فى البلاد، واتسع ملكه، لدرجة جعلته يقول للغمامة حين تمر فوقه : "اذهبي فأمطري أَنَّى شئت، فإن خراجك سوف يأتى إلىَّ".
ورأت "زبيدة" زوجة خليفة المسلمين أن تساهم فى الخير، وفى إعمار بلاد الإسلام، فحين حجت إلى بيت الله الحرام سنة 186هـ ، وأدركت ما يتحمله أهل مكة من المشاق والصعوبات فى الحصول على ماء الشرب، دعت خازن أموالها، وأمرته أن يجمع المهندسين والعمال من أنحاء البلاد، وقالت له : اعمل ولو تكلَّفتْ ضَرْبةُ الفأس دينارًا. وحُفر البئر ليشرب منه أهل مكة والحجاج وعرف بعد ذلك ببئر زبيدة.
ولم تكتفِ زبيدة بذلك، بل بَنَتْ العديد من المساجد والمبانى المفيدة للمسلمين، وأقامتْ الكثير من الآبار والمنازل على طريق بغداد، حتى يستريح المسافرون، وأرادت زبيدة أن تولى ابنها الأمين الخلافة بعد أبيه، لكن هارون الرشيد كان يرى أن المأمون وهو ابنه من زوجة أخرى أحق بالخلافة لذكائه وحلمه، رغم أنه أصغر من الأمين؛ فدخلت زبيدة على الرشيد تعاتبه وتؤاخذه، فقال لها الرشيد : ويحك، إنما هي أمة محمد (، ورعاية من استرعانى طوقًا بعنقى، وقد عرفت ما بين ابنى، وابنك يا زبيدة، ابنك ليس أهلا للخلافة؛ فقد زينه فى عينيك ما يزين الولد فى عين الأبوين، فاتَّقى الله ؛ فوالله إن ابنك لأحب إلىّ، إلا أنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان أهلا لها، ونحن مسئولون عن هذا الخلق ؛ فما أغنانا أنا نلقى الله بوِزْرِهِمْ، وننقلبَ إليه بإثمهم ؛ فدعينى حتى أنظر فى أمرى. وعلى الرغم من ذلك فقد عهد بولاية العهد لابنه "محمد الأمين"، ثم للمأمون من بعده.
وحين دخل المأمون بغداد بعد مقتل الأمين، وكان صراع قد شب بينهما حول منصب الخلافة استقبلتْهُ، وقالت له: أهنيكَ بخلافة قد هنأتُ نفسى بها عنكَ، قبل أن أراكَ، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفةً؛ لقد عُوِّضْتُ ابنًا خليفة لم ألِدْه، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوض . فقال المأمون: ما تلد النساء مثل هذه. وماذا أبقت فى هذا الكلام لبلغاء الرجال.
وتُوُفِّيت السيدة زبيدة فى بغداد سنة 216هـ بعد حياة حافلة بالخير والبر، فرحمة الله عليها.

رد مع اقتباس
  #56  
قديم 02-10-2008, 01:50 AM
الغروب الغروب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 29,452
معدل تقييم المستوى: 10
الغروب is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

نسيم الفجر

جزاك الله خيرآ واثابك ِ نظير ماقدمتي

وموضوع رائع يوقظ الحس الاسلامي بالمرأة

دمتي بطاعة الرحمن

 

التوقيع

 

 
 
رد مع اقتباس
  #57  
قديم 02-10-2008, 08:23 AM
الصورة الرمزية سراب
سراب سراب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
الدولة: Q8
المشاركات: 1,341
معدل تقييم المستوى: 18
سراب is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

مسلمات في غاية الإفادة والروعة

جزاك الله خير الجزاء

وبارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #58  
قديم 02-10-2008, 11:26 AM
السنافي1 السنافي1 غير متصل
Banned
 
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 3,219
معدل تقييم المستوى: 0
السنافي1 is on a distinguished road
رد: مسلمـــــــــــــــــــات

أسأل الله العلي القدير أن لايحرمك أجر هذه السلسلة الطيبة والرائعه

بيض الله وجهك




لاتتوقفي تابعي

فإننا نتشوق لمثل هذه الدرر



حفظك الرحمن

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 02:28 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع