مجالس العجمان الرسمي


المجلس الإســــلامي لطرح كافة القضايا المتعلقة بالدين الاسلامي

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #21  
قديم 29-09-2008, 02:08 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

وفي حديث آخر
: «فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»(1) .

قال تعالى في سورة آل عمران
(103): {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا..}: أي عنه صلى الله عليه وسلم.

وبناءً على ما قدَّمناه نقول
: نحن في صلاتنا واستقبالنا الكعبة لا نعبد الكعبة ولا نتَّجه إلى الأحجار بل إنَّما نتجه من ذلك المسجد الحرام إلى الله ونحن لا نعبد رسول الله، بل إنما نتَّخذه لنا في صلاتنا إماماً وفي نفوسنا سراجاً منيراً، تدخل نفوسنا متى أرادت الإقبال على الله من ذلك المكان فتجد إمامها به فتقتدي به وتقبل على الله بمعيَّته وهو لها نِعمَ الإمام وخير رفيق. وتستنير بالنور الإلهي الساطع على نفسه صلى الله عليه وسلم بسبب إقباله على الله ويريها بعض ما استكنَّ في أوامره تعالى من الأسرار والخيرات.. وهذا يوضِّح لنا سرَّ قوله تعالى:{إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبيِّ يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً}(2) .

فما أمرنا الله تعالى بالصلاة على هذا الرسول الكريم إلا لنصل نفوسنا به فتدخل على الله بمعيَّته وتستنير بذلك النور الإلهي الساطع على نفسه
. ومن لا صلة له برسول الله، ومن لا محبة له بهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فليس بمستطيع مهما حاول وجهد أن يصلي الصلاة التي أمر بها الله، وهو محروم من ذوق الإقبال على الله، أعشى البصيرة عن رؤية كمال الله وهو ليس بمدرك شيئاً مما يقرؤه من آيات. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ في الظُّلُمَاتِ..}(1).

أقول والاتجاه إلى الله تعالى من طريق الكعبة ما هو بالأمر الجديد الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن لسان الله، بل إنما جعلها الله تعالى قبلة العالمين منذ عهد سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم
. وقد ذكر لنا تعالى أن سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم إنما كان يعلِّم الناس من قبل قواعد الاتجاه إليه تعالى من طريق هذا البيت. فقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ}(2).

وليست الكعبة قبلة لسيدنا إبراهيم فحسب بل إنما هي أول بيت وضع للناس منذ أن أوجدهم الله تعالى على سطح هذه الأرض، وإن شئت فقل من لَدُن آدم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى
: {إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاس لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِين، فيهِ آياتٌ بَيِناتٌ مَقَامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً..}(3).

فالكعبة إذن
: هي الوسيلة في قيام وجهة الأنفس إلى خالقها في الصلاة وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة. قال تعالى: {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاس..}(4) .

ومشروعية ذلك كما رأيت أن تجتمع الأنفس في كل زمان برسولها المتوجِّهة نفسه من ذلك المكان إلى الله
. أما وقد شرَّف الله تعالى العالم ببعثة سيِّد ولد آدم فهو صلى الله عليه وسلم إمامنا وإمام العالمين. وروح الصلاة أن تُقبل على الله بمعيَّته. وتعرج نفسك إلى الله تعالى برفقته. ومن يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور. أما وقد عرفت سر الإتجاه إلى الكعبة المشرّفة والطريق إلى العقل فلنذكر لك بشيء من التفصيل أصول الصلاة التي يحصل لك بها العقل فنقول:

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 29-09-2008, 02:09 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

الـــوضـــــــــــــوء
أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم إذا نحن قمنا إلى الصلاة أن نغسل وجوهنا وأيدينا إلى المرافق وأن نمسح برؤوسنا ونغسل أرجلنا إلى الكعبين قال تعالى
: {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم وَأرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُم جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإن كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْديكُمْ مِنْهُ مَا يُريد اللهُ ليَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1).

ولبيان طرف من المراد من هذا الأمر الإلهي نقول
:

من الثابت أن هناك علاقة قوية وارتباطاً وثيقاً بين النفس والجسد وإذا كان نشيطاً نشطت النفس واستيقظت وتفتَّحت مسامعها لما يُلقى عليها في الصلاة من أوامر الله المنطوية في آيات الذكر الحكيم
.

وعلى العكس إذا كان الجسد إثر النوم أو التعب الجسدي فاقد النشاط خمدت بالتالي النفس وكان من العسير عليها أن تفقه أسرار الأوامر الإلهية وأن تعي كلام الله بالصلاة، وبما أنَّ هذه الأعضاء الواردة في الآية الكريمة مواطن لنهايات آلاف مؤلَّفة من الأعصاب ولذلك فإن غسلها بالماء يوقظ الجملة العصبية كلها وينبِّه كافة الأعصاب، وحيث أن النفس كما نعلم مركزها الأساسي في الصدر وأشعَّتها سارية عن طريق الأعصاب في سائر أنحاء الجسم لذلك فإن النفس بهذا الغسل تستيقظ وتنشط وتغدو مستعدة لسماع كلام الله وفهم المراد الإلهي، فضلاً عما يعود به هذا الوضوء من نشاط الدورة الدموية في الجسم وإزالة ما تراكم على أطرافه من أدران إن وُجدت، فالغاية من الوضوء
"النشاط" حصراً ليس إلاَّ.

ولعلَّك تقول
: إذا كانت الآية الكريمة لم تفصِّل في باقي الأعمال التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بها أثناء الوضوء والتي تعارف الناس على تسميتها بسنن الوضوء وآدابه، فهل معنى ذلك أن الرسول أضاف شيئاً من عنده تمَّم به آية الوضوء، أم أن جميع ما أُثر عنه صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال كل ذلك إنما هو موجود في القرآن الكريم ومنطوي تحت آياته؟.

وجواباً على ذلك نقول
: ما يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأمين على كلام الله المبلغ لرسالات ربه أن يضيف شيئاً من عنده ويزيد على كلام الله. وإن نحن قلنا أن السنة النبوية جاءت متمِّمة لكلام الله، وإن نحن ثبتنا ذلك ورضيناه فمعناه أن كتاب الله جاء ناقصاً، وأن السنَّة جاءت لتلافي هذا النقص وهذا مما يخالف المنطق الصحيح ولا يرضى به الفكر السليم، إذ ما يكون لبشر أن يتمِّم كلام الله وحاشا لله وهو صاحب الكمال أن ينزِّل على رسوله شريعة ناقصة تحتاج لإتمام، فضلاً عن أن القول بذلك يخالف كل المخالفة ما جاء به صريح القرآن قال تعالى في محكم كتابه، عن رسل الله الكرام: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}(1).

وقوله الكريم
: {..مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَيءٍ..}(2).

وإذا كانت هذه الآية الكريمة تثبت لنا أن الله تعالى ما فرَّط في الكتاب من شيء وكلامه تعالى إنما جاء منطوياً على كل ما يلزم هذا الإنسان وكل ما يحتاجه في الحياة، فكيف تستطيع أن تقول أم كيف تجرؤ على قول أن السنة النبوية وسائر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أحاديث أنها متممة لنقصٍ سهى عنه الله فجاء الرسول وأكمله، وهو تعالى منبع الكمال ولا تأخذه سنة ولا نوم
.

فالحقيقة إذن أنَّ كل ما ورد عن الرسول الكريم إن هو إلاَّ محض توضيح وبيان لما انطوى تحت آيات الله من معاني غفل عنها من غفل وأدركها صلى الله عليه وسلم بما امتاز به من عظيم الإقبال على الله وشديد صلته بالله قال تعالى
: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلاَّ رِجَالاً نُوحي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(3) .

وزيادة في إيضاح هذه النقطة نقول
:

إذا نحن رجعنا إلى آية الوضوء وجدناها منطوية على جميع السنن التي أُثرت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص
.

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً لتعليم البدو المتأخرين اجتماعياً يدلك بعد المرة الأولى العضو المأمور بغسله لينحلَّ ما تراكم عليه من غبار أو خلافه
.

وفي المرة الثانية يزول عن العضو بالغسل ما انحل
.

وفي المرة الثالثة لا يبقى عليه أثر من درن أو نحوه
.

لقد فَهمَ الرسول صلى الله عليه وسلم سرَّ الأمر الإلهي من كلمة
(اغسلوا) وعَلِمَ أن المراد من الغسل النشاط والنظافة إن لزمت لا مجرَّد تبلل العضو بالماء لأن كلمة (اغسلوا) تستدعي تنظيف العضو بالنسبة لبعض القبائل الموغلة في البوادي العفراء. والتنظيف إنما يكون بالصورة التي أدَّاها صلى الله عليه وسلم.

أما إذا بلَّ الإنسان العضو بالماء وصب عليه الماء مرة واحدة فلا يعدُّ ذلك غسلاً بالنسبة لهؤلاء البدو، وعليه فهذا التنظيف والنشاط المرفق هو لبعض القبائل البدوية والتي كان أفرادها متخلِّفون بالحياة الحضارية وكانت ظروفهم المعاشية الصعبة في أعماق صحراء الجزيرة العربية ولندرة الماء وافتقاده في كثير من الأحيان يعمدون إلى التيمُّم فتتَّسِخ جلودهم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أُرسل رحمةً للعالمين
.. للبدو وللحضَر، ولكن حقيقة الوضوء وحكمة فرضه عموماً ليْستا أبداً وقطعاً للنظافة لأن النظافة لها الاستحمام، لكنه فقط للنشاط لأن تيقُّظ الأعصاب ونشاط النفس يقتضي تكرار الغسل ثلاثاً كما أشرنا قبل قليل «قال الله من ثلاث» حديث شريف.

رجوعاً إلى علم النفس العتيد نجد إثباتاتٍ علميةٍ وتجاربَ عمليةٍ لا مجال أبداً لنقضها تكشِفُ اللثامَ عن أن من قوانين النفس الفطرية أن الحقيقة لا تثبت يقيناً فيها إلاَّ بتكرار الطلب ثلاث مرات فلا تنساها النفس وتثبت فيها، وهذا الأمر يتجلَّى حين توصي الأطفال الأبرياء بأمرٍ أو جلبِ أغراضٍ مرةً أو مرتين فالطفل ينسى المطلوب، ولكن في حال التكرار ثلاثاً فلن ينسى الطفل المطلوب منه
.

هذا ثابت قطعاً بعلم النفس ولكن رجوعاً إلى القرآن كتاب الله المقدَّس نجد هذا القانون مشاراً إليه وساري المفعول كما
«قال الله من ثلاث».

فقد ثبتت حكمة الحقائق الثلاث التي طبَّقها سيدنا الخضر بحضرة سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم
.

كذا فالطلاق للفراق الأبدي بالثلاث
"إلاَّ بحال الزواج من زوج ثاني" هذا الطلاق بلا رجعة يتم بالثلاث كما هو معلوم(1).

كذلك تثبت حقيقة الإيمان ويشرق بنفس السالك بالحقِّ للحقِّ بثلاث بمدلول الآية الكريمة
: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى..}(2) .. والتي مجموعها ثلاث.

كذا بمدلول الآية الكريمة
: {..فَارجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى من فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتينِ..}(1).. والتي بمجموعها تكون ثلاثاً.

كذا بإنذار سيدنا صالح
صلى الله عليه وسلم لثمود {..ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}(2).

وعلامة بشرى سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى
: {..قَالَ آيتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}(3).

وبآية أخرى
: {..ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً..}(4).

فقانون ثبات أيِّ أمرٍ بالنفس تكراره ثلاثاً فيثبت، فقانون النفس من ثلاث، كذلك كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يكرِّر الجمل الهامة ثلاث مرات لتستقر في نفوس السامعين.

هذا وقد توصَّل أبونا إبراهيم أبو الأنبياء بنفسه إلى اليقين بربِّ اليقين من ثلاث
: "الكوكب والقمر فالشمس".

وقد عزَّز تعالى الرسل بسورة
(يس) برسولٍ ثالث، حتى أن كفارة اليمين ثلاثة أيامٍ صياماً وغيرها من البراهين الصادقة.

فرسول الله من إله العرش مقتبسٌعلماً هداهُ لنا نوراً من الأزللذا سنَّ لنا بما يوحيه الله له بتكرار الاستنشاق وغسل الفم وغسل الأعضاء بالوضوء ثلاثاً بغية تحقيق النشاط للنفس من ثنايا الجسم.. فدين الإسلام دين قوةٍ ونشاط فبتمرير الماء على كلِّ عضو أثناء الوضوء ثلاث مرات كافٍ تماماً ووافٍ ليُوقظ الجملة العصبية كلّها وتنبيه كافة الأعصاب، عندها تنشط النفس لا سيما بأيام الصيف الحارة وبعد التعب وإثر الاستيقاظ من النوم، فبالماء ثلاث مرات يذهب التعب والكسل والميل للنوم إثر الاستيقاظ ويصرفها أصلاً وينهض بالنفس بالصلاة وصلاً.
وهكذا فكلمة
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ} تقتضي الغسل ثلاثاً وينطوي تحتها الدلك وتخليل أصابع اليدين والرجلين عند غسلهما وتحريك الخاتم، وكذلك الترتيب والموالاة إلى غير ذلك من السنن التي نستطيع أن نعدّها وردت في الآية صريحة بالنسبة لصاحب الذوق السليم والإدراك الصحيح والفطنة العالية لأن الإيجاز بالنسبة لهذا الإنسان هو عين البلاغة ومحض البيان.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 29-09-2008, 02:09 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

وليس من البلاغة في شيء أن تفصِّل في مثل هذه الأمور البديهية
. وعلى وجه المثال نقول: لو أن امرءاً طلب من ابنه الرشيد ذي الذوق والإدراك السليم أن يسقيه ماءً فهل من المعقول أن يقول له ضع الماء في الكأس، واغسل الكأس قبل ملئه غسلاً جيداً نظيفاً، ولا تناولني كأس الماء إلا بيمناك وباعد أطراف أصابعك عن حافة الكأس عندما تقدّمه، وليكن الماء نظيفاً بارداً إلى غير ذلك من البديهيات، أم أن كلمة (اسقني) تقتضي جميع هذه التفصيلات وأن كل ذي ذوق سليم وفطنة لا يفعل إلا وفق تلك الأصول المذكورة.

والآن بعد أن قدَّمنا ما قدَّمناه نستطيع أن نقول أن جميع ما أُثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال منها السنن المؤكَّدة والمستحبَّات وجميع ما كان يتجنبه من مكروهات ومفسدات سواء في الوضوء والصلاة، أو الصوم والحج والزكاة، إلى غير ذلك من الأوامر والتشريعات الإلهية كل ذلك إنما ينطوي مندرجاً تحت كلام الله تعالى فما فرَّط الله تعالى في القرآن من شيء
.

وبما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أقرب الخلق إلى الله وأعلمهم بكلام الله وأشدهم إقبالاً عليه وأعلاهم بسبب إقباله هذا فهماً وفطنة للمراد الإلهي لذلك أنزل الله تعالى كتابه على هذا الإنسان العالي الفطن الذي لم يضارعه صلى الله عليه وسلم أحدٌ في دقَّة الفهم الناشئة عن ذلك الإقبال العظيم
.

وأمرنا تعالى أن نتابع هذا السيد الفَطِن والرسول الكريم فقال تعالى
: {..وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا..}(1).

وإن آية
: {..مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَيءٍ..}(2).

تقرِّر أن السنن النبوية كلها منطوية في القرآن الكريم وأن الأحاديث الشريفة جميعها مأخوذة من كتاب الله
. كلما ازداد الإنسان إقبالاً على الله وقرباً من ذلك الجناب العالي استطاع أن يدرك سرَّ الأحاديث الشريفة ويعرف مصادرها من القرآن وهنالك يقدّر هذا الرسول الكريم ويشيد بعالي فهمه وفطنته، وسامي إدراكه وعظيم إقباله فيحبّه ويجلّه ويزيد إيماناً وتصديقاً برسالته، ولعمري ذلك هو طريق الفقه الصحيح وتلك هي أصول الفقه، وهكذا فالفقه لا يكون إلا عن طريق الإيمان، وعلم أصول الفقه إنما يكون بالإيمان الصحيح والإقبال العالي على الله. وكذلك الأمر بالنسبة للحديث الشريف فلا يدرك صحيحه من باطله وموضوعه إلا من سلك طريق الإيمان، والمؤمن المقبل هو وحده ذو الدراية بصحيح الرواية، وهو وحده الذي يستطيع أن يعرف أصول تصحيح الأحاديث، وما سوى ذلك من دراسات واستحفاظ أشكال وطرق بصحيح الأحاديث إن هو إلا تخبُّط أعشى يتخبَّطُ في الظلمات ولا يستطيع أن يعرف صحيحاً من موضوع، كما لا يستطيع أن يعي أسرار ما جاء به صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال. فإن أنت أردت أن تتعلم أصول الحديث الشريف، وإن أنت أردت أن تعرف مصادر السنة النبوية من القرآن الكريم وأن تتعلم أصول الفقه والتأويل الصحيح فاسلك طريق الإيمان الذي أشرنا إليه من قبل والذي سلكه أصحاب رسول الله الكريم، فكانوا علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبيَاء، قال تعالى: {هُوَ الَّذي بَعَثَ في الأُمِيِّنَ رَسُولاً مِنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلاَلٍ مُبينٍ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِم وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ}(1).

والآن وبعد أن تكلمنا عن الوضوء وأثره في إعداد النفس للصلاة والوقوف بين يدي الله ننتقل إلى أعمال أخرى نؤديها قبل الصلاة فنقول
: لابدَّ للمؤمن إذا أراد أن يقف في الصلاة المفروضة من:

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 29-09-2008, 02:10 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

الأذان والإقـامـةيسمعهما من غيره أو يقوم بهما بنفسه وللأذان والإقامة مكانتهما الظاهرة لدى من أراد الصلاة.

والأذان
: معناه إيذان وإعلام بحلول الوقت الذي آن للنفس أن تقف بين يدي خالقها تستمع إلى آياته ودلالته التي يقتضي أن تسير عليهما في الحياة، كما تدفع عنها بهذا الوقوف بين يدي الله ما تسرَّب إليها من انشغال بمصالح الحياة ومهمّاتها، فتنسجم وتعود إلى إقبالها على الله، فتعود لها الطمأنينة بقربها من ذلك الجناب العالي مصدر حياة الكون ومبعث حياة الوجود. وتأوي إلى ملاذها إذا أحاطت بها الكروب وموئلها إذا ادلهمت بها الخطوب، فتقف بين يديه تعالى مقبلة عليه، فتتجدّد لها الحياة الطيبة وتحط في بابه جل جلاله ما أنقض ظهرها من الأثقال والأحمال. وتتوهج شعلة الإيمان فيها من بعد أن ذكَّرتها ألفاظ الأذان بما استقر فيها من قبل من تعظيم وإجلال وشهود الإحسان من صاحب الإحسان، خالق الأرض والسماء. وهكذا ففي الأذان دعوة وإعلام وذكرى يتذكر بها المؤمن مشاهدات شهدتها من قبل نفسه وأقَرَّ بها قلبه. فتراه يردّد مع المؤذن ما يتلوه على مسمعه من كلمات، فإذا به بهذه الذكرى وذلك الترديد يدخل في كمالات ذلك الشهود السابق ويعرج في معارج القدس من جديد.

يقول المؤذن
: الله أكبر.. الله أكبر وتطرق هذه الكلمة مسامع النفس فتذكّرها بشهودها السابق لجلال الله وعظمته وتهيّجها هذه الذكرى وترجع بها إلى ذلك الشهود الجميل الذي كانت شاهدته من قبل، فإذا بها تسمو وتتسامى وقد شاقها ذلك القول إلى اللقاء. فإذا ما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر وأعادها ثانيةً قالت معه مصدِّقة وردَّدت معبرة عن شهود جديد خاضت غماره فتقول الله أكبر الله أكبر وهي تسبح في لجج ذلك الجلال الإلهي. وهي ترى أن لا نهاية لذلك الجلال فمهما شهدت من تلك العظمة فهو سبحانه أعظم وأوسع ومهما رأت من جلال الله وعظمته فهو تعالى أكبر وأكبر.

وينتقل المؤذن إلى كلمة
: أشهد أن لا إله إلا الله.. يقول المؤذن ذلك معبّراً عن شهوده، أنه يشهد أن لا مسيِّر لهذا الكون ولا مدبِّر لشؤونه إلا الله. فبيده تعالى وحده سيْر السموات والأرض وما فيهما، وبيده وحده أمور الكون كله، وبتدبيره وحده يسير ما في الكون كُلٌّ ضمن اختصاصه وفي حدود وظيفته. إنه تعبير يعبّرُ به المؤذن عن مشاهدته النفسية لمعنى هذه الكلمة ويقولها المؤمن من بعده مردداً ألفاظها فيتذكر هو أيضاً إيمانه بها ويتذكَّر مشاهدته السابقة. ويعود إليها المؤذن فيلفظها ثانيةً فإذا بالمؤمن وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله يدخل نفسياً في مجال جديد وشهود جديد يقول هذه الكلمة وهو يشاهد جديداً وتنغمس نفسه مستغرقةً في ذلك الشهود، متقدمةً في هذا المضمار أشواطاً جديدة أوسع بكثير مما كانت عليه من قبل.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 29-09-2008, 02:10 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

فإذا قال المؤذن
: أشهد أن محمداً رسول الله وكرَّرها انطلقت نفس المؤمن سارية إلى البيت الحرام مجتمعة برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة برفقته على الله فتكون له بذلك صلة وحياة.

فإذا أتبع ذلك المؤذن بقوله
: حيَّ على الصلاة.. سمعت ذلك منه وهي تشعر وترى أن لا حياة لها ولا حياة للخلق إلا بالصلة بالله فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويكرر المؤذن وتكرر معه.

ثم يتابع فيقول
: حيَّ على الفلاح.. فتقرُّ له وهي ترى أن سعادتها موقوفة على ما تقوم به من أعمال البرّ والفلاح في هذه الحياة، فتلتجئ إلى الله طالبة منه أن يمدّها بالعون على ذلك وهي تقول، لا حول ولا قوة إلا بالله، ويشارف المؤذن أن يختم الأذان فيقول: الله أكبر الله أكبر فتزداد إقراراً بالعظمة والرحمة التي لا حدَّ لها ولا انتهاء.

فإذا قال المؤذن
: لا إله إلا الله، عاد هذا المؤمن المستمع فدخل في ذلك الحصن الحصين ورأى أنه وأن الكون كله في قبضة هذا الرب العزيز الرحيم، نواصي الخلق كلهم بيده وهو وحده المسيِّر يسيِّرهم فيما يعود عليهم بالسعادة والخير.

وأخيراً يختم المؤذن بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترافاً بفضل هذا السيد العظيم الذي كان دليلاً لتلك الأنفس إلى الله وسبباً في قربها من الله وشهودها لجلال الله ووصولها إلى ما وصلت إليه من سعادة مدى الحياة. وذلك طرفٌ مما تشعر به النفس المؤمنة إزاء الأذان. أمَّاالإقامة: فليس المراد منها ألفاظاً تتلى ولا نهوضاً من بعد جلوس كما يتبادر لأذهان طائفة من الناس إذ تراهم قعوداً لا ينهضون إلاَّ إذا سمعوا كلمة قد قامت الصلاة وهنالك يقفون منتظمين في صفوفهم وما وعوا شيئاً مما يتلى عليهم. الإقامة في حقيقتها إيقاظ مشاعر النفس وعودة بها إلى الطريق الذي مرَّت به خلال الأذان لتعود بها هذه الذكرى إلى مشاهداتها فلعلَّها انصرفت من بعد الأذان بعض الشيء عن هذه الوجهة فإذا ما وقفت بين يدي الله للصلاة فسرعان ما تعود بها ألفاظ الإقامة إلى ذلك المجال. مجال الإقبال على الله والدخول في ذلك الجناب. وما أسرع ما تعود بها الذكرى إلى ذلك الشهود العالي شهود الرحمة والعظمة والجلال والقدرة والله أكبر الله أكبر مما شاهدت هذه النفس من هذه المعاني لتلك الأسماء وتعود النفس بكلمة أشهد أن لا إله إلا الله تذكر شهودها للتسيير الإلهي لملكوت السموات والأرض، وتنغمس بهذا التكرار في تلك الرؤية وذلك الشهود، وتشتبك هذه النفس المؤمنة من جديد بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تذكّرها كلمة أشهد أن محمداً رسول الله، وتستشفع بالصلة به إلى الله فإذا هي قائمة بين يدي الله، مستغرقة في تلك المشاهد لتلك الأنوار الإلهية منغمسة في لجج الجمال والكمال الإلهي فتعبّر عن أذواقها وتشعر بكلماتها عما يجري في قراراتها وتقول حيَّ على الصلاة حيَّ على الصلاة فما الحياة إلا بالصلة بالله حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، وما الحياة بمتحصِّلة إلا لمن قام بعمل الخير والإحسان وحيث أن هذا المؤمن قد تحقق بما يقول وقدَّم من عمل الخير والإحسان ما جعله يخوض غمار هذه الصلة ويقف هذا الموقف العالي بين يدي بارئ الكون وخالق الأرض والسموات وحيث أن نفسه أضحت في ذلك الجناب العالي تستمتع بشهود ذلك الجلال الإلهي وتنعم برؤية ذلك الجمال، فهنالك تعبر عن ذلك بقولها: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة: أي لقد أصبحت نفسي الآن في صلة مع الله. لقد قامت في نفسي تلك الصلة بالله، لقد أصبحت منغمساً في لجج الإقبال على الله والشهود لجلال الله، الله أكبر الله أكبر مما أشاهده وأراه إذ لا حدَّ لعظمة وفضل هذا الرب الكريم ولا انتهاء لا إله إلا الله.
ذلك طرف وبعض الشيء مما يتذوّقه المؤمن أثناء الأذان وإقامة الصلاة، وليس الوصف كالذوق وليس البيان والشرح كالمشاهدة والعيان ولكلٍ درجات ومشاهدات وأذواق بحسب ما هو فيه من حبّ لخالقه وتقدير وإيمان
.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 29-09-2008, 02:10 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

والمحروم كل المحروم من حُرِمَ الصلة بالله، والخاسر من ترك الصلاة وما تشرَّفت نفسه في يوم من الأيام بالوقوف بين يدي الله والإقبال عليه تعالى بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
. إنه المسكين يلهو بالدنيا وأكدارها وكدوراتها وينغمس في رذائلها ودنيء شهواتها ويحرم نفسه من نفائس الإقبال والتمتُّع بشهود أسماء ذي الجلال.

إنه ينصرف إلى المخلوق ويدع الخالق، إنه يتمسك بالأكدار ويدع الجواهر واللآلئ إنه الأعمى، أعمى القلب، وإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
. إنه ميت القلب وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات، فيا خسارة إنسان لحق الدنيا وترك منابع السعادة وموارد الإيمان، آن الآن لهذه النفس من بعد أن أذَّنت هذا الأذان وأقامت الصلاة هذه الإقامة وإن شئت فقل آن لهذه النفس من بعد أن قامت صلتها بالله أن تقف بين يدي ربها للصلاة التي أمرها بها تسبِّح بحمده وتناجيه وتستمع إلى أوامره تعالى ونصائحه فتشترك بالتبعية في تلقي نصائح خالقها وأوامره كيما تستنير بها في حياتها وتسير عليها، ففيها مناسكها، وما يجب أن تطبقه في أعمالها، وهي نبراسها ونورها.

ومن لم يصلِّ هذه الصلاة التي قدَّمنا لها هذا التقديم، ومن لا يعي ولا يعقل في صلاته شيئاً مما يتلى من آيات الله، ظلَّ في جهالة، وظلت نفسه واقفة عند حدٍ واحد لا تتقدم في طريق معرفة أوامر الله خطوة واحدة، بل إنما هو ناقل لما يراه في الكتاب وما يسمعه من غيره غير عاقل لها
.

أما هذا المصلي وعندما يكبّر تكبيرة الإحرام فإنه يشير بذلك إلى إلقائه الدنيا وما فيها من مشاغل وأعمال وراءه ظهرياً، ملتفتاً بكلِّيته إلى الله جامعاً نفسه على الله
.. تراه يبدأ أول ما يبدأ بدعاء الثناء، فهو يقول: (سبحانك اللهم)وما كلمة (سبحانك)إلاَّ تعبير لفظي عن سبح النفس في عظمة ربها تلك العظمة التي لا تتناهى. وما كلمة (اللهم)إلاَّ تعبير عن مشاهدة النفس للتسيير الإلهي لسائر الكائنات، فإنها بكلمة (سبحانك اللهم) تعبر عن سبح نفسي مقرون بشهود للتسيير الإلهي لسائر ما في الكون، ورؤية أن هذا الكون بجميع ما فيه من عوالم سائر كله بإرادة هذا الرب العظيم، فلا نهاية والحالة هذه لجلال الله ولا حدَّ له ولا انتهاء. وتفيد كلمة (وبحمدك)إقراراً من النفس بأن هذا التسيير الإلهي لجميع ما في الكون، هذا التسيير كلَّه مبني على رحمة وفضل، فهو سبحانه يُحمد على هذا التسيير، ونتائجه كلها فضل على هذا المخلوق وإحسان وخير، ولا يصدر من هذه الذات العليّة إلا محض الإحسان والخير. لقد شاهدت هذه النفس المؤمنة التي وقفت تصلي هذه الصلاة طرفاً من هذا الحمد في التسيير الإلهي، ورأت من قبل شيئاً منه فقامت تعبِّر عن مشاهدتها بقولها (سبحانك اللهم وبحمدك)، فإنها تقول ما أعظم جلالك أيها الرب العظيم، وما أعظم فضلك أيها المسيّر الحكيم، إن كل ما في الكون سائر بأمرك، وإن كل ما تسيِّره بما تُحمد عليه إنه يسير سيراً مقروناً بحمدك.

أما كلمة
(وتبارك اسمك)فهي تعني أن اسم الله هذا الاسم الذي يشير إلى الذات العليَّة، هذا الاسم العالي، وهو كلمة "الله" ينطوي تحته معانٍ كلُّها خير وكلها فضل وإحسان لسائر العباد والمخلوقات، ففيها البركة على العباد وفيها الخير المستمر على سائر المخلوقات.

وإن كلمة
(تبارك) تعني تتالي الخير الإلهي وتتابعه على المخلوقات. وكلمة (اسمك)تشير إلى ما ينطوي تحت كلمة (الله)من معان وأسماء. إنها تشير إلى اسم الرحمن الرحيم، والحكيم العليم، والقوي القادر، المقسط العادل.. إنها تتضمن سائر الأسماء الإلهية التي انطوت تحت كلمة (الله) كلها خير وفضل وإحسان. ذلك بعض ما نفهمه من كلمة (وتبارك اسمك).

وذلك حال النفس تعبر عن إيمانها ومشاهدتها لما يتتالى على الخلق من خيرات هذه الحضرة الإلهية تتالياً متتابعاً لا ينقطع طرفة عين أو لحظة من اللحظات، ثم ينتقل المصلي إلى كلمة
(وتعالى جدك)، وكلمة وتعالى جدك مأخوذة من الجد تقول جد فلان في الأمر أي انصرف إلى إتمامه وإنجازه انصرافاً تاماً لا يدع معه أدنى خلل أو نقص فيه.

وهكذا فالله جل جلاله متواصلٌ خلْقُهُ وإمداده لا ينقطع، وخلقه إنما يأتي دوماً على أبدع وجه من الكمال فما من نبات ولا حيوان وما من تنظيم لشؤون هذا الكون وما من مخلوق من المخلوقات إلا ويتم خلقه وتتواصل العناية الإلهية به على أكمل وجه وبصورة لا يستطيع أحد أن يجد فيه نقصاً أو خللاً فضلاً عن أن يدرك لكماله نهاية
. هذه المخلوقات كاملة من كل ناحية تامة من كل وجه لا يستطيع الإنسان أن يجد نهاية لكمالها في حسن ترتيبها ودقة صنعها وإذا الكون كله في كماله وإذا كل مخلوق من مخلوقاته وإذا كل عضو من أعضاء لأي مخلوق كان وإذا وظائف الأجهزة والأعضاء وإذا الترابط الوظيفي بين هذه الأجهزة والأعضاء، وإذا الكون كله مهما دقت أجزاؤه ومهما عظمت وكثرت مخلوقاته كل ذلك جاء خلقه ويجيء على التوالي تاماً كاملاً يعجز الإنسان أن يرى لكماله نهاية وكيف يدرك لهذا الكمال نهاية وهو نسيج يد القدرة الإلهية؟
ولذلك يعبر المصلي عن طرف من مشاهداته لهذا الكمال الإلهي في إيجاد هذه المخلوقات بقوله
: (وتعالى جدك) أي تعالى خلقك عن أن أجد لكماله أو أن يجد أحد لكماله نهاية فلا نهاية ولا حدَّ لكمال الخلق الذي قامت عليه هذه الموجودات.

ويختم المصلي دعاء الاستفتاح بقوله
(ولا إله غيرك). فعلى الرغم من سعة هذا الكون وعلى الرغم من تطلّبه تسييراً دقيقاً وعلماً واسعاً وقدرة لا متناهية وحكمة بالغة فليس له من إله معك فأنت المسير لشؤونه وحدك وأنت العليم بما تتطلبه سائر مخلوقاتك وأنت الواسع الحكيم وأنت الإله القدير والعزيز الرحيم وهذه بعض معاني وأذواق ذاقتها نفس هذا المؤمن خلال مسيره في طريق الإيمان فقام يعبر عن أذواقه ومشاهداته لمَّا وقف بين يدي خالقه للصلاة ذكَّره بها وأعاده لشهودها كله كلمة (الله أكبر)الذي افتتح بها الصلاة فذكر بهذه الكلمة وتذكَّر ولا يتذكَّر إلا من تذكَّر.

ثم يبدأ المصلي صلاته بكلمة
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وتدخل نفسه بهذه الكلمة الكعبة البيت الحرام والحصن الحصين وهنالك تجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم إمامه وإمام العالمين فيقتدي بهذا الرسول الكريم وينصت إليه فإذا به صلى الله عليه وسلم يقول لهذا المقتدي بل لكل من ائتم به ووقف يصلي معه (بسم الله الرحمن الرحيم).

أي يا عبد الله إنما أبلغك باسم هذا الإله الرحمن الرحيم وأتلو عليك ما سأتلوه عن لسانه
.

وهكذا فكلمة
(بسم الله الرحمن الرحيم)إنما هي خطاب لك أيها المصلِّي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبك بها معرفاً ومبيناً أنه إنما يتلو عليك ما يتلوه باسم الله وعن لسان الله وهو بيان لك من الله وينصت هذا المصلِّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويصغي إليه وتتفتح مسامع نفسه لما سيتلوه عليه فإذا به صلى الله عليه وسلم يتلو كلام الله قائلاً: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين}.. ونوجز ثم نفصل فنقول:

يريد الله تعالى أن يعرفك في الآية الأولى من هذه الآيات الثلاث بأنه تعالى يُحمد على تسييره لهذا الكون فما من حادثة تحدث ولا مصيبة أو ضائقة تلم وتنزل ولا عسر أو يسر ولا مرض أو شفاء وما من هم أو غم ولا نصرة أو خذلان وما من واقع يقع في هذا الكون إلا وهو منه تعالى محض الخير والفضل والإحسان فهو سبحانه يحمد على كل حال وهو تعالى يستحق الحمد وله الحمد في كل ما يسوقه لهذه المخلوقات، أدرك طرفاً من ذلك أولوا العلم والأبصار ولو انكشف الغطاء لما اخترت إلا ما اختاره الله لك وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبُّوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
. وكيف لا يُحمد الله تعالى على ما يسوقه لعباده وهو الرحمن الرحيم؟ وهل يعاملك الرحمن إلا بما فيه السعادة لك وهل يسوق لك هذا الرب الرحيم إلا ما فيه خيرك؟

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 29-09-2008, 02:11 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

أما الآية الثالثة وهي كلمة
(مالك يوم الدين)فهي تبيّن لك أن هذا الرب الرحيم الذي كل فعله لعباده إحسان وخير هو المالك يوم القيامة وليس لأحد من الخلق يومئذٍ إرادة ولا اختيار في عمل يتقرب به إلى الله. وإذا كان قد منحك الله في هذه الحياة الدنيا حُريّة الاختيار لتقوم بالأعمال التي تكون سبباً في سعادتك يوم المعاد فقد انقضى في ذلك اليوم العظيم وقت العمل ومضى وسيكون يومئذٍ الحساب وسيكون الجزاء على الأعمال وليس لأحد إذ ذاك أن يختار غير ما يستحق وليس يُجزى إلا على ما قدَّم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

وتفصيلاً لمعنى هذه الآيات الثلاثة نقول
: أما الآية الأولى وهي كلمة (الحمد لله رب العالمين)فإنما تنطوي تحتها معان جمّة فهي تعرفنا أن الله تعالى "رب".. وأن هذه الربوبية عامة فهو سبحانه وتعالى رب العالمين ثم هي تعرفنا أيضاً بأنه تعالى هو المسير لأمور هذا الكون وهي تعرفنا بأنه يحمد على تسييره وأن الحمد مقصور عليه فله الحمد وحده وبصورة عامة إنما تعرفنا بأن رب العالمين المسير لما في الكون من إنسان وحيوان أو أي شيء إنما يحمد على كل حال وأن كل فعله وسائر ما يسوقه لمخلوقاته فضل وإحسان وخير.

ونعرفك بكلمة
(رب)فنقول: الرب هو المربي مأخوذة من ربَّى وأصل الفعل ربا بمعنى زكا ونما وكما تقول ربا الزرع أي: نما وتشدِّد الباء فتقول: ربَّى فلان الغنمة أي خصَّها بالعناية فجعلها بسبب هذه العناية تنمو وتستمر في الحياة فأمدها بما يلزمها من مأكل منوَّع مُغذِّي وشرب موافق روي وعني بإيوائها في مأوى خاص مهوّى وأسامها في الأرض ترعى في الفلاة متعرضة لنور الشمس والهواء النقي.. وبصورة عامة قدّم لها سائر ما يتوقف عليه دوام وجودها وحياتها واستمرار نمائها.

فالتربية إذاً تعني الإمداد بما يلزم لدوام الحياة واستمرار الوجود والنماء وقد أصبح من السهل علينا أن ندرك معنى التربية لنبتة أو لزرع، ومعنى تربية طفل أو شخص، ومن اليسير علينا أن ندرك المراد من قولنا المعلم مربٍ وأن ندرك مجال تربيته والنواحي التي يخصها بعنايته
. وكذلك الأمر بالنسبة للمرشد والرسول وبصورة أعم نستطيع أن ندرك طرفاً من تربية الله تعالى لهذا الإنسان وعنايته به وإمداده إياه بما يلزم منذ أن كان جنيناً في بطن أمه حتى أضحى طفلاً ضعيفاً وما كان يرافق هذه الطفولة من العناية الإلهية في تسخير الأم المشحون قلبها بالعطف والحنان إلى أن أصبح إنساناً سوياً ورجلاً كاملاً ثم دوام هذه التربية واستمرارها عليه حتى آخر لحظة من لحظاته.

ويضيق بنا المجال ولا تتسع بطون الكتب لشرح معنى كلمة
(رب)ونحن وإن كنا لا نستطيع أن نجد لهذه الكلمة نهاية غير أن ذلك لا يمنعنا من تقريب القارئ من معناها بعض الشيء فلعله إذا هو فكَّر أدرك طرفاً من هذه التربية ووجد نفسه على شاطئ بحر خضم منها لا يدرك لها قراراً ولا تُحدُّ بحدٍ وهنالك يعظِّم المربِّي ويقدِّره وتخشع نفسه له وتعلم أن الحمد كله له.

أرأيت تربيتك في بطن أمك إذ جعلك تعالى في مستودع محفوظ من كل أذى وضرر ذي حرارة مناسبة وجو معتدل يأتيك رزقك رغداً بأصول ونظام تحار له العقول وأنت تسبح في الماء لا يضرك شيء من الأشياء يساق لك الدم صافياً نقياً والغذاء كاملاً وتخلق خلقاً من بعد خلق حتى تغدو إنساناً سوياً
.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 29-09-2008, 02:11 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

فمن الذي كان يعتني بتربيتك آن ذاك؟
. أهي أمك أم أبوك؟. ومن هو المربي لك؟. في ذلك الطَوْر؟. أليس هو الله تعالى صاحب العطف والحنان؟. هل جلست تفكر بعنايته بك في هذه الفترة من حياتك وهل جلب انتباهك هذا الدور؟. فعندما نزلت إلى هذه الدنيا وواجهتْ عيناك النور من هو الذي كان يحضر لك اللبن سائغاً رويّاً في ثديي أمك؟. من هو الذي كان يبدل لك معاييره يوماً من بعد يوم؟. أمَّن هذا الذي أودع في قلب أمك العطف عليك والحنان وجعلها تحزن لحزنك وتفرح لفرحك وتمرض لمرضك وترضى أن تضحي براحتها راغبة في سبيل تأمين راحتك؟. والآن وقد بلغت أشدك وأصبحت رجلاً هل فكرت في من يقدّم لك صنوفاً وألواناً وأنواعاً متنوعة من الأغذية والثمار؟. ومن ينزِّل لك من السماء الثلوج والأمطار؟. ومن الذي سلك لك في الأرض الينابيع والأنهار(1)؟. ومن الذي جعل لك الأرض، هذه الكرة السابحة في الفضاء تدور حول نفسها فيتولد في ذلك الليل والنهار؟.

وهل نظرت إلى الشمس وما يأتيك منها من حرارة وضياء وإشعاع والقمر وما هو عليه من نظام تتعرف به إلى السنين والحساب
.. والهواء وما فيه من غازات نافعة بنسب معينة لا تستطيع أن تظل بدونها ساعة من نهار؟. من الذي شحن الهواء بهذه الغازات الضرورية للحياة؟. ومن الذي جعل الليل والنهار خلفةً وبهذا القدر المناسب للراحة والحياة؟. من الذي خلق لك البحار وملأها بالماء وجعل ماءَها ملحاً أجاجاً لا يفسد؟. ما هذه الرياح المستمرة في طوافها على سطح الأرض تأتي بالخير وتبشِّر بالمطر وتجدِّد الهواء؟. ما هذه المعادن المودوعة في باطن الأرض ما هذه الأتربة وما هذه الأملاح؟. من الذي ألقى في الأرض من كل زوج اثنين من النبات وبث فيها من كل دابة؟. أليس ذلك كله ضروري للحياة؟. أليس ذلك الممد المربي هو الله؟ وهل فكَّرت بشيء من عنايته بك وعرفت معنى كلمة (الرَّب)؟. الذي يربِّيك في هذه الحياة.

وأوجز القول وأنتقل إلى كلمة
(العالمين).. إن كلمة (العالمين)هي جمع عالم والعالم كل شيء من المخلوقات اشترك بعضه مع بعض في الحياة في صفات واحدة ومن جنس واحد.

فالنمل عالم والطير عالم والأسماك في البحار عالم والنباتات عالم والمواشي عالم والإنسان عالم والنجوم السابحات في الفضاء عالم والجراثيم عالم
.. حتى أن عالم الطير يضم عوالم عديدة وكذلك عالم الأسماك يشتمل على أنواع شتى وعوالم مختلفة.

وفي الإنسان عوالم كثيرة من كريات بيض وكريات حمر ولكل من الكريات أنواع وأشكال ووظائف وأعمال وتوالد وتكاثر وغذاء ووسط مناسب للحياة، وفي الإنسان ما فيه من عوالم لا تحصى وما يعلم بها إلا الله ولو أنك دققت وفكرت بعض الشيء لشاهدت ورأيت ولطأطأت نفسك مقرَّةً بجلال الله وعظمته وقدرته ولرأيت أن الله تعالى واسع عليم وأنه سبحانه العزيز الحكيم والرؤوف الرحيم
.

وهكذا ففي هذا الكون الخضم عوالم وفي كل شيء عوالم لا يعلم بعددها إلا خالقها وموجدها ولكل عالم من هذه العوالم شرائط للحياة وإمداد خاص بها وأصول للتوالد والتكاثر وأنواع منوَّعة من الأغذية
. وعلى سطح الأرض مقادير وأعداد ونسب معينة وقوانين للحياة. قال تعالى: {..وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ}(1).

وهذا الرب الممد لهذه العوالم كلها القائم عليها والمتكفل برزقها والممد لها بالحياة هو الله تعالى وحده رب العالمين
.

أما كلمة
(الله)في كلمة (الحمد لله) فهي مأخوذة من الإله والإله هو الذي يؤول إليه أمر كل ما في الكون من حيث رزقه ومعاشه وإمداده بالحياة وقيامه وتسييره في أعماله ومنحه ما يتطلبه في حياته بما يتناسب وكمال كافة المخلوقات فمن كمال لكمال أوسع وليس بالإمكان أبدع مما كان.. أي ليس بإمكان أحد من البشر أن يبدع مثل هذا الإبداع أبداً. فسبحانك ربي ما أعظم كمالاتك ولا إله لي وللكائنات كلها سواك.

فالابن الرشيد العاقل حين ينضج ويكبر يحمد كل ما قام به والده بسن صغره تجاهه من تصرفات على اختلاف وجوهها من عطاء أو منع، شدة أو رحمة، غضب أو رضى، أي يقرّ نفسياً بحسن هذه التصرفات ويحترم تلك المعاملة التي عامله بها أبوه حتى رفع من سويته العلمية والخلقية
.

فأنا حينما أرى أن المرض قد زال عني وخلصت منه، وحينما أرجع إلى معالجة الطبيب وعنايته بي حتى خلَّصني مما كنت أشكو منه وشعرت بالصحة قد عادت لي من بعد ألم ومرض أجد في نفسي تقديراً واعترافاً بفضل هذا الطبيب وأرى جميع تصرفاته ومعالجاته إياي مهما كان نوعها إنما كانت حسنة، إذ أن غايته جميعها كانت شفائي وخلاصي مما كان بي، فأرى الخير فيما وصف لي من الأدوية الكريهة المرّة، وأرى الخير في تلك المعالجات الشديدة حتى أرى الخير بما قام به هذا الطبيب من جرحٍ جرحني به وألم أثاره في بعض نواحي جسمي تبيّن لي الآن عواقب ذلك كله وقد عادت عليَّ بالخير والشفاء والسعادة، وكذلك الطالب حينما يصبح رجلاً وجيهاً في المجتمع ذا منصب رفيع في عمله ومعرفة عالية بين ذويه وعندما يرى شأنه العالي ومكانته السامية التي أصبح عليها هنالك يحمد معلِّمه، أي يرى الخير فيما قام به تجاهه من تصرُّفات مهما كان نوعها ومهما كانت صورتها، حتى أنه ليقرَّ معترفاً في قرارة نفسه بأن ضرب معلِّمه ومعاقبته وحرمانه إياه في بعض الأحيان من الحرية وشدته عليه إنما كانت كلَّها خيراً وهي لا تختلف عنده في شيء عن مدحه ومكافأته وثنائه عليه
.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 29-09-2008, 02:12 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

وإطلاق السراح والتضييق والحرمان كلاهما عند هذا الطالب سيَّان في الخير إذ لولاهما لما استقامت نفسه ولما كدَّت وجدّت في سبيل التعليم، وبالتالي لما نالت تلك المنزلة الرفيعة، ولما بلغت ذلك الشأن العالي في المجتمع، فهو يحمد معلمه على ما قام به تجاهه من تصرُّفات لأنها كلها خير وإحسان
. وكذلك بالنسبة للابن الرشيد مع أبيه، والمريد الصادق مع مرشده ودليله إلى الله والمؤمن مع رسوله، والإنسان تجاه خالقه ومربيه فهذا الإنسان حينما يرى مثلاً أن هذه الأمراض التي ساقها الله له تعالى في الحياة، وأن الفقر والمصائب والهموم والكروب والشدائد في الحروب إنما كانت سبباً في توبته إلى الله، وخلاص نفسه وتطهيرها مما بها من العلل والأمراض. تراه حينما يشعر بالصحة النفسية يحمد الله تعالى على ما تفضَّل به عليه. ويرى الخير في جميع تلك المعاملات التي عامله بها تعالى مهما كانت شديدة، ومهما كانت مؤلمة إذ أنه لولاهما لما تطهرت نفسه من الأدران ولما تمحَّصَ ما في قلبه، بل لكان ألمه النفسي ولكانت دنائته وانحطاطه أشد عليه من جميع تلك الشدائد من مرض أو فقر أو خوف وفزع وضيق.

ذاك كله يراه المؤمن في الحياة الدنيا فيحمد الله تعالى عليه في دنياه قبل موته، فإذا كانت الآخرة وكانت الحياة الطيبة وأضحى هذا المؤمن في جنان الخلد يستغرق في النعيم فهنالك يحمد الله تعالى حمداً لا نهاية له حمداً لا يوافي نعم الله ولا يكافئ مزيده، لأن نعمه تعالى لا تتناهى، وكل حمدٍ مهما عظم ففضله تعالى أعظم ونعمته سبحانه أكبر وأكبر
. أما الكافر فيحمد الله تعالى في الآخرة، يحمده على أن ساق له في الدنيا ما ساق من شدائد كلها كانت في مصلحته ولخيره ويحمده على أن خلق له النار لأنه يرى أن احتراق جسده بها وشديد إيلامها أهون عليه مما يخالج نفسه ويلازمها من حسرة على ما فرّط في الحياة الدنيا ومن خزي ودناءة وانحطاط تمثل أمامه بسبب أعماله التي قدّمها، فإذا ما صار إلى النار وذاق عذاب حريقها وكان ذلك الألم الجسدي من عذاب الحريق سبباً في غيبته عن آلامه النفسيّة التي لا تطاق، وسبباً في احتجابه عن عاره وخزيه ودناءته وحسراته فهنالك يحمد الله تعالى.

قال صلى الله عليه وسلم
: «إن العَارَ ليلزم المرءَ يوم القيامة حتى يقول يا ربِّ لإرسالُكَ بي إلى النارِ أيسرُ عليَّ ممَّا ألقى وإِنَّه ليعْلَم ما فِيهَا من شِدةِ العذاب»(1).

وهكذا فأهل الجنة يحمدون الله تعالى، وأهل النار يحمدونه، وكل الخلق يومئذٍ يرون فضل الله تعالى عليهم، وعظيم إحسانه إليهم قال تعالى
: {..وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ}(2).

ولا تظننَّ أن معنى كلمة
(الحمد لله)تقف بنا عند هذا الحدّ الذي بيَّناه فما ذاك من معناها إلا طرف يسير، وهنالك معانٍ تنطوي تحت هذه الكلمة لا يعلمها إلا الله فما من واقع يقع، ولا حادث يحدث ولا حال يحول ولا همّ ولا غم ينزل، ولا مرضٍ أو فقر وشدة تلمّ إلاَّ وهي من الله تعالى فضل ونعمة وإحسان تسوقها وتنزلها يد الرحمن الرحيم، فهو تعالى دائم العناية بالخلق، باسط يده على عباده بالحنان والرحمة يقلبهم من يسر إلى عسر ومن ضيق إلى فرج، ومن فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر وفاقة، ومن صحة إلى مرض، ومن مرض إلى صحة، يحوِّل من حال إلى حال وكل ذلك منه تعالى تمحيص وتنقية لهذه النفس وكله منه تعالى مداواة وتطهير وتصفية، وكل ذلك فضل ورحمة وإحسان فلو كشف الغطاء لما اخترت غير ما اختاره لك الله ولرضيت بالواقع. قال تعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(1) .

وفي الصبر على ما تكره خير كثير
. قال تعالى: {..وَبَشِّرِ الصَّابِرينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أولَئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئكَ هُمُ الْمهْتَدُونَ}(2).

فالمؤمن إذا أصابته المصيبة، وحاقت به الشدة صبر واستسلم لأنه يعلم أن يد الحنَّان المنَّان إنما أنزلت به ما أنزلت من شدة، فكيف لا يرضى وكيف لا يستسلم؟
. إنه يرضى ويستسلم لأنه يعلم رحمة الله، ويعلم حنان الله ويرى عناية الله، عنايته تعالى التي خلقت ما في الأرض وما في السموات لهذا الإنسان، عنايته تعالى التي سخَّرت الشمس وسخَّرت القمر دائبَيْن، وسخرت الليل والنهار والأنهار والبحار، وخلقت من فواكه وأثمار ونباتات وأزهار وسهول وجبال، ومآكل ومشارب ولذائذ، خلقت كل ذلك وتخلق على الدوام فضلاً ومنَّة ورعاية لهذا الإنسان، إنه يرى تلك العناية الإلهية المحيطة به، القائمة على هذا الكون كله والمشرفة عليه كله، إنه يرى دوام العناية الإلهية عليه في الليل والنهار، وفي كل لحظة من اللحظات فلو انقطع إمداده تعالى عن العين لما أبصرت وعن الأذن لصمّت وما سمعت، وعن اللسان لتوقّف وما نبس بكلمة، وعن الفكر لزال وما وعى، وعن القلب لسكت وما نبض نبضة، يرى المؤمن عناية الله تعالى به ظاهراً وباطناً فيستسلم لتصرُّفاته تعالى ويعلم أنها كلها خير وفضل ورحمة.

ويحمده تعالى على كل حال
. على أن كلمة (الحمد لله رب العالمين)ليست فيما وردت عليه الآن في سورة الفاتحة اعترافاً من المصلِّي يعترف به، وإقراراً يقرّه، بل إنما هي إعلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 29-09-2008, 02:12 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

فهذه الذات العليّة التي خلقتك وأوجدتك، والتي تشرف على شؤونك وتربيك، هذه الذات العليَّة التي تسيِّر جميع الكائنات والتي يؤول إليها أمر كل شيء فتشاهد طرفاً منها بمعيته صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمة أن الحمد لله رب العالمين
.

إنها تُعرِّفك أن رب العالمين الذي شملت تربيته كل شيء، المسيِّر الذي بيده كل شيء وإليه تؤول أمور كل شيء هذا الرب الممدُّ والإله المسيِّر يُحمدُ على كل ما تراه وكل ما يجري في هذا الكون من تسيير وتصرفات
.. في كل ركعة، وفي كل صلاة، لا بل في كل يوم وبما يقارب الأربعين مرة يتلو عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لسان الله كلمة (الحمد لله رب العالمين)لتستقر هذه الكلمة في نفسك ولتتبع معناها ولتحمده تعالى حقاً، فإذا أنت حمدته وعرفت حنانه فقد توثقت الصلة بينك وبينه وهنالك تدخل في النعيم، النعيم النفسي وتتسامى نفسك وترقى من حال إلى حالٍ أعلى، والصلاة معراج المؤمن، وتلك هي الغاية من الصلاة، ومن لم يقرأ سورة الفاتحة ويفهم كلمة (الحمد)ومن لم يتعرَّف إلى كلمة (الحمد لله)ومن لم يفقه معانيها ويدخل بها على الله فلا صلاة له وما هو من الصلاة في شيء.

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف نعشق الصلاة المرور المجلس الإســــلامي 10 08-10-2008 06:11 PM
ادعية الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة فلاح بن حثلين المجلس الإســــلامي 13 20-11-2007 02:08 AM
من أسرار الصلاة أثر الصلاة على استقرار الدماغ بنيان اليامي المجلس الإســــلامي 8 21-10-2005 06:50 AM
كيف تخشع في الصلاة.. ابوانس المجلس الإســــلامي 15 28-09-2005 09:02 AM
قبل أن تؤدي الصلاة kinzaan المجلس الإســــلامي 4 14-09-2005 11:06 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 02:18 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع