الحرب الإعلامية ضد الإرهابيين
كيف يمكن ربح الحرب الإعلامية ضد الإرهاب وضد الإرهابيين؟ هل تجب مقاطعة الإرهابيين إعلامياً والتعتيم على ما يقومون به وما يصدر عنهم من مواقف وبيانات أم يجب التعامل مع المشكلة الإرهابية بموضوعية وتغطية أخبار ونشاطات الإرهابيين كما تتم تغطية أخبار ونشاطات قوى أخرى في المنطقة والعالم؟
النقاش حول هذه القضية المهمة والحساسة جار حالياً في الكثير من المؤسسات الإعلامية الأمريكية والأوروبية والأجنبية وفي بعض المؤسسات الإعلامية العربية, والجواب عن هذه الأسئلة المطروحة ليس سهلاً إذ إن المشكلة الإرهابية ليست مشكلة عادية يمكن بالتالي اعتماد معايير مهنية بحتة في التعاطي معها.
في اعتقادنا أن المنطلق الصحيح للتعاطي مع هذه القضية المهمة والمعقدة هو التأكيد أننا في حالة حرب حقيقية مع الإرهابيين ولسنا في حال من العلاقات العادية الطبيعية معهم وأن الإرهاب أصبح جزءاً من حياتنا اليومية سواء كنا نعيش في العالم العربي أو في مناطق أخرى من العالم. ويجب التعامل مع المشكلة الإرهابية على أنها أساساً مشكلة أمنية - سياسية - استراتيجية تهدد المصالح الحيوية للدول وللمجتمعات المستهدفة ولمواطنيها وليس على أنها مشكلة هامشية. وينبغي الانطلاق من واقع أن العالم كله ساحة للنشاطات الإرهابية وأن الدول غير المستهدفة اليوم قد تكون مستهدفة غداً لأي سبب من الأسباب, وإذا ما ضعفت أية دولة أو مجموعة دول أمام الإرهابيين فإن قدرات الدول الأخرى على مقاتلة الإرهابيين ستضعف. وليس هناك مجال للتفاوض والمساومة مع الإرهابيين بل ليس أمام دول العالم سوى خيار واحد هو التعاون معاً من أجل الانتصار في الحرب على الإرهاب وهو هدف كبير صعب لن يتحقق بسرعة بسبب نمو واتساع رقعة نشاطات التنظيمات والحركات الإرهابية. ولن ينتصر العالم على الإرهابيين إلا إذا كان جبهة واحدة صلبة متماسكة ضدهم وضد مطالبهم, لكن على أساس أن تستخدم كل دولة الأسلحة والوسائل الملائمة لأوضاعها لحسم المعركة مع إرهابييها.
أمر آخر يجب التشديد عليه وهو أن الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين الأبرياء ويزرعون الخراب والدمار والفظاعات والأهوال حيث يعيشون وحيث يضربون, أن هؤلاء الإرهابيين ليست لديهم قضايا عادلة يدافعون عنها إذ إن أية قضية يزعمون أنهم يدافعون عنها تتحول إلى قضية خاسرة وتفقد الكثير من شرعيتها ومقوماتها ومصداقيتها.
هناك ثلاث قواعد أساسية يمكن الاستناد إليها في التعاطي إعلامياً مع الإرهابيين وهي:
أولاً: من الخطأ التعامل بموضوعية وتجرد مع أخبار الإرهابيين ونشاطاتهم لأن الإرهابيين يشكلون خطراً داخلياً كبيراً يهدد مصالح كل مجتمع مستهدف بل إنهم يضعفون المطالب المشروعة للقوى والأطراف التي تستخدم وسائل أخرى غير العنف والإرهاب لإصلاح مجتمعاتها وتطوير أنظمتها وأوضاعها.
ثانياً: الحرب الإعلامية ضد الإرهابيين مشروعة لأن الإرهابيين ليست لديهم أية شرعية. ومن واجب وسائل الإعلام إظهار الإرهابيين على حقيقتهم وإبراز فظاعة ووحشية أعمالهم ونشاطاتهم ومدى تعارضها مع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية ومع مصالح المواطنين وقضاياهم العادلة.
ثالثاً: التعتيم على أخبار ونشاطات الإرهابيين ليس وارداً لأننا في عصر الإعلام المفتوح الذي يتجاوز كل حدود ولأن من حق الجميع الاطلاع على ما يفعله هؤلاء الأعداء. لكن يجب عدم الوقوع في فخ الإرهابيين وتصويرهم على أنهم "أبطال" يقاتلون من أجل مجتمع أفضل إذ إنهم يزرعون فقط الموت والخراب والدمار والفوضى والفتنة واليأس. لذلك من الخطأ نشر بيانات هؤلاء الإرهابيين وعرض مواقفهم من دون الرد المدروس عليها فوراً وفضح زورها وإظهار أخطارها. باختصار, يجب الحرص أولاً وأخيراً على حماية ضحايا الإرهابيين وتحصين الدولة والمجتمع من أخطارهم وليس الحرص على الترويج للإرهابيين وتأمين الدعم لنشاطاتهم وأعمالهم.
[عبدالكريم أبوالنصر]