مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #11  
قديم 27-09-2006, 04:52 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road




لكل شيء إذا ما تم نقصـــــــــــــان
فلا يغر بطيب العيش إنســــــــــــانُ

هي الأمور كما شاهدتهـــــــــا دولٌ
من سرَّهُ زمـــــــــــنٌ ساءته أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحـــــــــــد
ولا يدوم علـــــــــــــى حال لها شانُ

يمزق الدهر حتمًا كل سابغـــــــــــةٍ
إذا نبت مشرفيات وخرصــــــــــــانُ

وينتضي كل سيف للفناء ولــــــــــو
كان ابن ذي يزن والغمد غـــــمدانُ

أين الملوك ذوو التيجان من يمـــنٍ
وأين منهم أكـــــــــــــــاليلٌ وتيجـانُ

وأين ما شــــــــــاده شدَّادُ فـــي إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ

وأين ما حازه قارون من ذهــــــــب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحـــــــــــــــطانُ

أتى على الكل أمر لا مرد لـــــــــــه
حتى قضوا فكأن القوم ما كــــــانوا

وصار ما كان من مُلك ومن مَـــلك
كما حكى عن خيال الطيفِ وسـنانُ

دار الزمان على دارا وقاتلــــــــــه
وأمَّ كســــــــــــــرى فما آواه إيوانُ

كأنما الصعب لم يسهل له سبـــــبُ
يومًا ولا مَلك الدنيــــــــــــا سليمانُ

فجائع الدهر أنواع منوعـــــــــــــة
وللزمـــــــــــــــان مسرات وأحزانُ

وللحوادث سلوان يسهّلــــــــــــــها
وما لما حل بالإســـــــــــلام سلوانُ

دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء لــــــــه
هــــــــــــــــوى له أحدٌ وانهد نهلانُ

أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حتـــــــــــى خلت منه أقطارٌ وبلدانُ

فاسأل بلنسيةَ ما شأنُ مرسيـــــــةٍ
وأين شــــــــــــــــاطبةٌ أمْ أين جيَّانُ

وأين قرطبةٌ دارُ العـــــــــــلوم فكم
من عـــــــــالمٍ قد سما فيها له شانُ

وأين حمصُ وما تحويه مــــن نزهٍ
ونهرهـــــــــــا العذب فياض وملآنُ

قواعدٌ كنَّ أركــــــــــــانَ البلاد فما
عســـــــى البقاء إذا لـــــم تبقَ أركانُ

تبكي الحنيفيةَ البيضـــاءَ من أسفٍ
كما بــــــــــكى لفراق الإلف هيمانُ

حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ ما
فيهنَّ إلا نـــــــــــــــواقيسٌ وصلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جـــامدةٌ
حتى المنــــــــابرُ ترثي وهي عيدانُ

يــــــا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ
إن كنـــــــت في سِنَةٍ فالدهر يقظانُ

وماشيــــــــــــًا مرحًا يلهيه موطنهُ
أبعد حمصٍ تَغرُّ المـــــــــرءَ أوطانُ

تلك المصيبةُ أنْسَتْ ما تقدَّمهــــــــا
وما لها مع طولَ الدهرِ نسيـــــــانُ

يا راكبين عتـــــــاقَ الخيلِ ضامـرةً
كأنهــــــــا في مجال السبقِ عقبانُ

وحــــــــاملين سيوفَ الهندِ مرهقةُ
كـــــــــــــأنها في ظلام النقع نيرانُ

وراتعين وراء البحر في دعـــــــــةٍ
لهم بأوطــــــــــــانهم عزٌّ وسلطانُ

أعندكم نبأ من أهــــــــــــــل أندلسٍ
فقد سرى بحديثِ القومِ ركبــــــــانُ

كم يستغيث بنا المستضعفون وهـم
قتلــــــــى وأسرى فما يهتز إنسانُ

لماذا التقاطع في الإســــــلام بينكمُ
وأنتمْ يا عبـــــــــــــــــاد الله إخوانُ

ألا نفوسٌ أبيَّـــــــــــــــــاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصــــــارٌ وأعوانُ

يا من لذلةِ قـــــــــــــــومٍ بعدَ عزِّهُمُ
أحال حـــــــــــــــالهمْ جورُ وطغيانُ

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلــــهم
واليومَ هم في بلاد الضـــــدِّ عبدانُ

فلو تراهم حيارى لا دليـــــــــل لهمْ
عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألــــــــــــوانُ

ولو رأيتَ بكـــــــــــــاهُم عندَ بيعهمُ
لهــــــالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ

يا ربَّ أمِّ وطفـــــــــــــلٍ حيلَ بينهما
كمــــــــــــــــا تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ

وطفلةٍ مثــــــــــــــل حسنِ الشمسِ
إذ طلعت كأنمــــــا ياقوتٌ ومرجانُ

يقودُها العـــــــلجُ للمكروه مكرهةً
والعينُ بـــــــــــاكيةٌ والقلبُ حيرانُ

لمثل هذا يــــــــذوبُ القلبُ من كمدٍ
إن كان في القلــــب إسلامٌ وإيمان



ابو البقاء الرندي

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 27-09-2006, 04:55 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

عبد الرحمن الغافقي (بطل معركة بلاط الشهداء) [2]


قال الشاعر الإنكليزي " سوذي " يصف جيوش المسلمين التي غزت أوروبا بعد فتح الأندلس :-

( جُمُوعٌ لا تُحْصَى ...

من عرب ، وبربر ، وروم خوارج ....

وفُرْس ، وقبط ، وتتر ، قد انضووا جميعاً تحت لواء واحد ...

يجمعهم إيمان ثائر ، راسخ الفُتُوُّة ....

وحَمِيِّةٌ مُتَلَظِّيَةٌ كالشَّرَر ، وأخوةٌ مذهلة لا تفرق بين البشر ...

* * *

ولم يكن قادتهم أقل ثقة منهم بالنصر بعد أن ثَمِلُوا بحُمَيَّا الظَّفر ...

واختالوا بتلك القوة القوية التي لا يقف أمامها شيء ....

وأيقنوا أن جيوشهم لا يُمكن أن يُــلِــم بها الكَلال ...

فهي دائماً فتــيَّــةٌ مَشبوبةٌ كما انطلقت أول مرة ...

وآمنوا بأنها حيثما تحركت مشى في ركابها النصر والغلب ....

وأنها ستندفع دائماً إلى الأمام ....

حتى يُصبح الغرب المغلوب كالشرق ....

يُطَأْطىء الرَّأس إجلالاً لاسم مُحمد ...

وحتى ينهض الحاج من أقاصي المتجمد ...

إلى أن يطأ بأقدام الإيمان الرِّمال المُحْرقة ....

المنتثرة على صحراء العرب ....

ويقف فوق صخور مكة الصَّلْدة .... )

* * *

لم تكن أيها الشاعر بعيداً عن الحقيقة .

أو هائماً في أودية الخيال في كثير مما قلت .

فقد كانت الجيوش التـي قادها المجاهدون لإخراج آبائِك من جاهليتهم الجهلاء كما وَصَفْتَ ...

ففيها عرب أقوياءُ بالله هَبُّوا إليكم .

من الشام ...

من الحجاز ...

من نجد ...

من اليمن ...

من كل مكان من جزيرة العرب ...

كما تَهُبُّ الريحُ المرسلة .

وفيها بربر أَعِزَةٌ بالإسلام تدفقوا عليكم من فوق جبال الأطلس كما يتدَّفق السيل العَرِم ..

وفيها فُرسٌ عافت عقولهم وثنية الأكاسرة ، وفاءت إلى دين التوحيد ...

وصراط العزيز الحميد .

وفيها رومٌ خوارج ، كما قلت ...

ولكنهم خرجوا على الظلم ، والظلمات ...

وانحازوا إلى نور السماوات والأرض ...

وهُدُوا إلى دين القيِّمة .

وفيها قِبْطٌ رَفَعوا عن رِقَابِهِمْ نِــيــرَ العُبُودِيَّــةِ لِلْقَــيَـــاصِـــرَة .

ليعيشوا كما ولدتهم أمهاتهم أحراراً في أكناف الإسلام ....

نعم ... لقد كان الجيش الذي قاده عبد الرحمن الغافقي وأسلافه لإنقاذ أجدادك من الجاهلية ... فيه الأبيض والأسود ، والعربي والأعجميُّ .

لكنهم انصهروا جميعاً في بوتقة الإسلام ...

فأصبحوا بنعمة الله إخواناً .

وقد كان هَمُّهُمْ - كما ذكرت - أن يُدْخِلُوا الغرب في دين الله كما أدخلوا الشرق من قبل ...

وأن يجعلوا البشرية كُلَّها تُطأطىء الرَّأس لإله الناس .

وأن يعُم نور الإسلام بِــطَـــاحكم وأوديتكم .

وأن تشرق شمسه في كل بيت من بيوتكم .

وأن يُسَـــوِّي عدْله بين مُلُوكم وسُوقَتِكُمْ .

وكانوا قد عزموا على أن يدفعوا أرواحهم ثمناً لهدايتكم إلى الله ...

وإنقاذكم من النار ....

* * *

وبعد .... فإليكم القصة الأخيرة لهذا الجيش .

وخبر بطله الفذِّ عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي .

تناهت إلى " دوق أُكتَانْية " الأخبار المفزعة عن مصرع صِهره عثمان بن أبي نُسعة .

وبلغته أنباء النهاية الحزينة التي صارت إليها ابنته الحسناء " مينين " ....

فأدرك أن طبول الحرب قد دَقَّتْ ...

وأيقن أن أسد الإسلام عبد الرحمن الغافقي مُمْسِ في دياره ، أو مُصْبِح ....

فتأهبَّ للدفاع عن كل شبر من أرضه دفاع المستميت .

واستعدَّ للنِّضال دون نفسه ومملكته ، استعداد المُسْتَبْسِل ...

فقد كان يخشى أن يُساق هو الآخر أسيراً إلى دار الخلافة في الشام كما سيقت ابنتُهُ .

أو أن يُحمل رأسه على طبق ، ويُطاف به في أسواق دمشق كما طِيفَ برأس " لُذَرِيقَ " ملك أسبانيا من قبل .

* * *

لم يُكذَِّب عبد الرحمن الغافقي ظنَّ الدُّوق ...

فانطلق بجيشه اللجب من شمال الأندلس كما ينطلق الإعصار .

وانصبَّ على جنوب فرنسا من فوق جبال " البِرِنِيهْ " كما يَنْصَبُّ السيل .

وكانت عِدَّةُ جيشه مائة ألف مجاهد .

بين جوانح كل منهم قلب أسد ....

وفي عُرُوقِهِ عزمَةُ مارد ...

* * *



يَمَّمَ الجيش الإسلامي وجْهه شطر مدينة " آرل " [ Arles: مدينة في جنوب فرنسا على نهر الرون شمالي مرسيليا] الواقعة على ضفاف نهر " الرُّون "

فلقد كان له معها حساب ...

ذلك أنَّ " آرل " هذه كانت قد صالحت المسلمين على أن تدفع لهم الجزية .

فلمَّا استشهد ( السمح بن مالك الخولانيُّ ) في معركة " تولوز " [Toulouse : مدينة في جنوب فرنسا على نهر الغارون وهي قاعدة محافظة غارون العليا ] وتضعضع المسلمون لمصرعه ، نبذ أهل " آرل " الطاعة ، ونكثوا العهد ، وامتنعوا عن دفع الجزية .

ولمَّا بلغ عبد الرحمن الغافقي ضواحي المدينة ، وجد أنَّ " أَودَ " " دُوقَ أكتانية " قد عبأ قواته الكثيفة عندها .

وَحَشَدَهَا حول تُخُومها ...

وتصَّدى لرد الزحف الإسلامي عليها ...

ثُمَّ ما لبث أن التقى الجيشان وجهاً لوجه .

ودارت بين الفريقين معركة طَحُونٌ ...

قذَفَ خلالها عبد الرحمن الغافقي بكتائب من جيشه تُحِبُّ الموت أكثر ممَّا يُحبُّ أعداؤها الحياة ، فزلزل أقدام العدو .... ومزَّقَ صُفُوفَهُ ...

ودخل المدينة في هذه المرّة حرباً ...

فأعمل السيف في رقاب أهلها ..

وأثخن فيهم إثخاناً ..

وغنم منهم غنائم عزَّت على الحصر ..

أما الدوق " أود " فقد فرَّ بمن بقي حيّاً من جنوده ...

وطفق يُعِدُّ العُدة للقاء آخر من جيوش المسلمين ..

فقد كان يعلم أن معركة " آرل " كانت بداية الطريق ، وليست نهايته .

* * *

عَـبَــرَ عبدُ الرحمن الغافقي بجيشه الجرَّار نهر " الجارون " ، وطفقت كتائبه الظافرة تجُوسُ مقاطعة أوكتانية ذات اليمين ، وذات الشمال .

وأخذت المدن والقرى تتساقط تحت سنابك خيْله كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف إذا هبَّتْ عليها الرياح الهُوجُ .

وأضاف المسلمون إلى غنائمهم السابقة غنائم لاحقة لم ترها عيْنٌ من قبل ...

ولم تسمع بها أُذُنٌ ...

وقد حاول دوق " أُكتانية " أن يتصدى لهذا الزحف الكبير مرة أخرى فاشتبك مع المسلمين في معركة ضروس .

لكنَّ المسلمين ما لبثوا أن هزموه هزيمة طاحنة ...

وأنزلوا به نكبة ساحقة مُدَمِّرة ...

ومزَّقوا جيشه شر ممزَّق ...

وتركوا جيشه بين قتيل ، وأسير ، وهَزِيم ..

* * *

ثم اتجه المسلمون إلى مدينة " بوردو " كبرى المدن الإفرنسية آنذاك ، وعاصمة مقاطعة " أُكتانية " .

وخاضوا مع أميرها معركة لا تقل هوْلاً عن المعارك السابقة ...

استبسل فيها المهاجمون والمدافعون استبسالاً يُثير العجب والإعجاب ...

لكنَّ المدينة الكبيرة الخطيرة ما لبثت أن سقطت في أيدي المسلمين كما سقطت أخواتُها من قبل .

وما لبث أميرها أن قُتل في جملة القتلى .

وأحرز المسلمون من غنائم " بوردو " ما هَوَّن في أعينهم كل ما أحرزوه من غنائم .

وقد كان سقوط " بوردو " في أيدي المسلمين فاتحةً لسقوط مدن أخرى كثيرة خطيرة .

أهمُّها " ليون " و " بيزانسُون " و " سانس SENS " .

* * *

اهتزَّت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها لِسُقُوط نصف فرنسا الجنوبي كله في يدي عبد الرحمن الغافقي خلال بضعة أشهر ....

وفتح الفرنجة أعينهم على الخطر الداهم .

ودبَّ الصريخ في كل مكان يدعو العجزة والقادرين إلى الوقوف في وجه هذا الهوْل القادم من الشَّرق .

ويَحُضُّهُمْ على التَّصَدِّي له بالصدور إذا عزَّت السيوف .

ويدعوهم إلى سدِّ الطريق أمامه بالأجساد إذا انعدم العَــتَاد ..

فاستجابت أوروبا لدعوة الدَّاعي ..

وأقبل الناس على الانضواء تحت لواء " شارل مارتل " ومعهم الشَّجر ، والحَجَر ، والشَّوك ، والسِّلاح .

* * *

كان الجيش الإسلامي آنذاك قدْ بلغ مدينة " تُورَ TOURS " طليعةَ مدنِ فرنسا وَفْرَةً في السكان ، وقُوَّةً في البُنْيَان ، وعراقة في التَّاريخ ....

وكانت المدينة - فوق ذلك - تختال على أكثر مدن " أوروبا " بكنيستها الفخْمة ، الضخمة ، العامرة بجليل الأعلاق [الآثار القديمة ، النفيسة الثمينة ] ، وكريم النَّفائس .

فأحاط بها المسلمون إحاطة الغُلِّ بالعُنُق ....

وانصبُّوا عليها انْصباب المنون إذا جاء الأجل ...

واسترخصوا في سبيل افتتاحها الأرواح والمُهَج ...

فما لبثت أن سقطت بين أيديهم على مرأى " شارل مارتل " وَمَسْمَعِه ....

* * *

وفي العشر الأخير من شهر شعبان سنة أربعٍ ومائة للهجرة ، زحف عبد الرحمن الغافقي بجيشه اللجب على مدينة " بُوَاتْييه POITIERS " ..

وهناك التقى مع جيوش أوروبا الجرَّارَة بقيادة " شارل مارتل " ..

ووقعت بين الفريقين إحدى المعارك الفاصلة لا في تاريخ المُسلمين والفِرنجة فحسب ..

وإنما في تاريخ البشريَّة كُلِّها .

وقد عُرِفَتْ هذه المعركة بمعركة ( بَلاطِ الشُّهَدَاءِ ) .

* * *

كان الجيش الإسلامي يومئذ في ذروة انتصاراته الباهرة .

لكنَّ كاهله كان مُثقلاً بتلك الغنائم التي انْصبَّت عليه انصِباب الغيْث ....

وتكدَّست في أيدي جُنُوده تكدُّس السُّحب ...

وقد نظر عبد الرحمن الغافقي إلى هذه الثروة الطائلة الهائلة نظرة قلق وإشفاقٍ .

وتوجَّس منها خيفةً على المسلمين .

فقد كان لا يأمن أن تَشْغَلَ هذه النَّفائس قُلُوبَهم عند اللِّقاء ..

وأن توزِّع نفوسهم في لحظات البأس ...

وأن تجعل إحدى عيْني الواحد منهم على العدو المُقبل عليه ...

وعيْنه الأخرى على الغنائم التي في يديه ...

ولقد همَّ بأن يأمر جُنُودَه بالتَّخلص من هذه الثروات الطائلة الهائلة ...

ولكنَّه خشي ألَّا تطيب قلوبهم بذلك القرار الخطير ....

وألَّا تسمح نُفُوسهم بالتَّخلي عن هذا الكنز الثمين .

فلم يجد وسيلة خيراً من أن يجمع هذه الغنائم في مخيمات خاصَّة ...

وأن يجعلها وراء المُعسكر قبل إنشاب القتال [إثارة الحرب] .

* * *

وقف الجيشان الكبيران بضعة أيام كلٌّ منهما قُبَالة الآخر في سكون ، وتَرَقُّب وصمت ، كما تقف سلسلتان من الجبال إحداهما في وجْه الأُخرى ...

فقد كان كلٌّ من الجيشين يخشى بأس عدُوِّه ، ويحسبُ للقائِهِ ألْف حِسَاب .

فلمَّا طال الوقت على هذه الحال ، ووجد عبد الرحمن الغافقي مراجل الحمِيَّة والإقدام تغلي في صدور رجاله ، آثر أن يكون هو البادىء بالهجوم مُعْتمداً على مناقب جُنْدِهِ [مزاياهم وخصائصهم] ...

مُتفائلاً بحُسْن طالعه في النَّصر .

* * *

انقضَّ عبد الرحمن الغافقي بفُــرْسانه على صفوف الفرنجة انقضاض الأسود الكاسرة .

وصمد لهم الفرنجة صُمُود الأطواد الرَّاسخة [الجبال] .

وانقضى اليوم الأول من أيَّام المعركة دون أن ترجح فيه كَفَّةٌ على كَفَّةٍ ...

ولم يحجز بين المتقاتلين غير هبوط الظلام على ميدان القتال ...

ثمَّ تجدَّد النِّزال في اليوم التالي ، وحمَلَ المسلمون على الفرنجة حملات باسلةً ، ولكنهم لم ينالوا منهم وَطَراً [بُغية] .

وظلَّت المعركة تدور على هذه الحال سبعة أيام طويلةً ثقيلةً.

فلما كان اليوم الثامن كَـرَّ المسلمون على عدوهم كرَّةً واحدة .

ففتحوا في صفوفه ثُغْرةً كبيرة لاح لهم من خلالها النصر كما يلوح ضوءُ الصبح من خلال الظلام .

عند ذلك أغارت فِرقةٌ من كتائب الفِرِنجةِ على مسكرات الغنائم.

فلما رأى المسلمون أن غنائمهم قد أوشكت أن تقع في أيدي أعدائهم .

انكفأ [تراجع] كثير منهم لاستخلاصها منه.

فتصدعت لذلك صفوفهم ...

وتضعضعت جموعهم...

وذهبت ريحهم...

فهب القائد العظيم يعمل على رد المنكفئين ...

ومدافعة المهاجمين ..

وسدِّ الثغور...

وفيما كان بطل الإسلام عبد الرحمن الغافقي يذرع أرض المعركة على صهوة جواده الأشهب جيئةً وذهاباً ...

وكرّاً وفرّاً..

أصابه سهم نافذ فهوى عن متن فرسه كما يهوي العُــقَاب [طائر من الجوارح] من فوق قمم الجبال .

وثوى صريعا شهيدا على أرض المعركة.

فلما رأى المسلمون ذلك عمهم الذعر وسادهم الاضطراب .

واشتدت عليهم وطأة العدو ، ولم يوقف بأسَه عنهم إلا حلولُ الظلام.


* * *


فلما أصبح الصبح وجد " شارل مارتل " أن المسلمين قد انسحبوا من " بُواتْيِيهْ "..

فلم يجرؤ على مطاردتهم ...

ولو طاردهم لأفناهم .

ذلك أنه خشي أن يكون انسحابهم مكيدة من مكائد الحرب دُبِّرت في ليلٍ ...

فآثر البقاء في مواقعه مكتفيا بذلك النصر الكبير .

لقد كان يوم بلاط الشهداء يوما حاسما في التاريخ .

أضاع فيه المسلمون أملاً من أعز الآمال ...

وفقدوا خلاله بطلا من أعظم الأبطال ...

وتكررت فيه مأساة يوم " أُحُدْ "...

سُنَّة الله في خلقه ...

ولن تجد لسنة الله تبديلا ...


* * *


هزَّت أنباء فاجعة يومِ بلاطِ الشهداء نفوسَ المسلمين في كل مكان هزاً عنيفاً...

وزُلزِلت لهولها أفئدتهم زلزالا شديدا ...

وعَمَّ الحزنُ بسببها كلَّ مدينة وكلَّ قرية وكلَّ بيت.

وما زال جرحُها الممِضُّ ينزفُ من قلوبهمْ دماً حتى اليوم.

وسيظل ينزف ما بقي على ظهر الأرض مسلمٌ.


* * *


ولا تحسبنَّ أن هذا الجرح العَميق الغائر قد أمَضَّ أفئدة المسلمين وحدهم.

وإنما شاركهم في ذلك طائفةٌ من عقلاء الفرنجة .

رأوا في انتصار أجدادهم على المسلمين في " بواتييه " مصيبة كبرى رُزِئت بها الإنسانيةُ.

وخسارةً عظمى أصابت " أوُرُبَّا " في صميمها ...

ونكبةً جُلَّى نُكبت بها الحضارة .



وإذا شئت أن تقف على رأي بعض هؤلاء في فجيعة بلاط الشهداء فاستمع إلى " هنري دي شامبون " مديرِ مَجلةِ " ريفي بارلمِنْتِير " الفَرَنْسِية حيث قال :

( لولا انتصار جيش " شارل مارتل " الهمجيِّ على العرب المسلمين في " فرنسا " لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى [وهي القرون المظلمة التي امتدت من سنة 476 إلى سنة 1500]...

ولَمَــا أصيبت بفظائعها ..

ولا كابدت المذابحَ الأهلية التي دفع إليها التعصُّبُ الديني المذهبي ...

نعم ، لولا ذلك الانتصار الوحشيُّ على المسلمين في " بواتييه " لظلَّت " إِسبانيا " تنعم بسماحة الإسلام .

ولَـنَــجتْ من وصمة محاكم التفتيش [هي المحاكم التي عقدها فرديناند والملكة إيزابيلا للمسلمين في الأندلس وارتكبا فيها من الجرائم الإنسانية ما يندى له جبين التاريخ ] .

ولما تأخر سيرُ المدنية ثمانيةَ قرونٍ.

ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك .

فحن مَدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم ، والفن ، والصناعة .

مدعُوُّون لأن نعترف بأنهم كانوا مثالَ الكمال البشري .

في الوقت الذي كنا فيه مثالَ الهمَجية .

وافتراءٌ ما ندَّعيه اليوم من أن الزمانَ قد استدارَ [ استدار : عاد إلى ما كان عليه ].

وأن المسلمين وصلوا في هذا العصر إلى ما كنا عليه في العصور الوسطى ).

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 27-09-2006, 04:58 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أمجاد ضائعة

كتب ملك قشتاله في أواخر القرن السادس إلى السلطان المسلم أبي يوسف المراكشي يُهدده ويُعنّفه ويَطلب منه تسليم بعض بلاد المسلمين ، وكان فيما قال في غطرسةٍ وكبرياء : أراك تُماطل نفسك تُقدم رِجلاً وتؤخر أخرى ، فما أدري الجبن بطَّأ بِكَ ، أم التّكذيب بما وعدك نبيك . فلمّا قرأ أبو يوسف الكتاب تَنمَّرَ وغضب وتَربَّدَ وجهه وأرغى وأزبد ثم مزَّقه وكتب على رقعة منه بقلم يفتك الشعور ويفلق الصخر : ارجع إليهم فلنأتينَّهم بجنودٍ لاقِِبل لهم بها ولنُخرجنَّهم مِنْها أذِلَّةً وهم صاغرون ، الجوابُ ما ترى لا ما تسمع.


فلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفيّةَ عندنا ****** ولا رُسْلَ إلاّ للخَميسِ العَرَمْرَم

وقام قيام الليث فارق غِيلَهُ ، وقد بُرّزَتْ أنيابه ومخالبه ، استنفر الناس ودعا للجهاد ورغب في الشهادة وحاله :


أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما ***** قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَ


دَوَّت بكل قبيلةٍ ومَحلَّةٍ صيحاتُه .. فتجاوبت أصداؤها ..
سارع مائة ألف مسلم متطوع للبذل والتضحية ..
والذَبِّ عن بَيْضَةِ المسلمين ..
وإعزاز دين رب العالمين ..
لينضموا إلى الجيش الذي يبلغ مائة ألف من الموحدين ..
حالُ كلّ واحدٍ منهم :
ارمني بكل عدو فأنا السهم السريع .. وإلاّ فلا نَعِمَتْ نَفْسٌ .. ولا أَفْلَحَ امرؤٌ .. ولا انْهالَ هَطَّالٌ .. ولا لاحَ مَشْرِقُ ..

مضى الليث إلى الأندلس بجيش يؤمن بالله .. ويستقي من نبع وحي الله ..
شعارهم تكبيرُ الله .. وهذا ما وعدنا الله .. وصدق الله .. وحسبنا الله ..
فكانت الملحمة التي تَنـزَّل معها نصر الله .. على حزب الله ..
فقتلوا من العدو مائة وستة وأربعين ألفا من أعداء الله .. وأسروا من أسروا نصرا من الله ..
وحقت كلمة الله .. وما النصر إلا من عند الله .

( نقلا عن محاضرة بعنوان السما والسماوة ، لفضيلة الدكتور الشيخ / علي بن عبد الخالق القرني )

خواطر وشوارد ..
سطَّر المسلمون للتاريخ أمجاداً لا تنسى ، فحتّى زمَنٍ غيرِ بعيد كنا سادة الدنيا ، وصنَّاع التاريخ ، وهداة الناس ، وقادة العالم ، كنا في الأمام يوم كانت دول الكفر متخلفة ، وكنا ننير الدرب للأنام يوم كانوا غارقين في الظلام ...
كنا نقول فَيُنصت الغير ، ونتكلم فتُصغي الأسماع ..
كان ذلك يوم كان في الأمة رجال ، ويوم أن كان أبناؤها أبطال ، تراهم بالليل ساجدين قائمين ، ذاكرين خاشعين ، وبالنهار تُبصرهم آساداً في ميادين الوغى تصول وتجول ، لا الموت يهابون ، ولا العدو يخافون ، فأعزَّ الله بهم الإسلام ، وأذلَّ الكفر وعبدة الأوثان .
ثم خَبت تلك الأمجاد بعد أن صار الأمر إلى أشباه رجال بل لا رجال ، وانقلب الحال فصرنا على الزمان عاراً ، فليلنا لهوٌ ومجون ، ونهارنا نومٌ ومَلءٌ للبطون .

فما أحوجنا في هذا الزمان إلى رجلٍ مثل أبي يوسف ، زمنٌ تكالبت علينا فيه الأمم ، وأنشبت دول الكفر فينا أظفارها ، ومزقت أوصالنا بأنيابها ، حتى غدا أذلَّ شعب الله علينا عزيزا ، فأي ذلٍّ أعظمُ من أن يسودك الذليل ، وأي مهانة أكبرُ من أن يعلوك الحقير .

فهذه يهود علينا استأسدت ، وبجموعنا استحقرت ، فإلى الله الشكوى ، وهو حَسبُنا ..

أما أمريكا فقد صيرت نفسها علينا واليا ، ولأمورنا مدبرا .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ، قاصِم ظهور الجبابرة ..

وحلفاءُ الصليب من ورائها ، على الإسلام حاقدين ، ولإطفاء نوره عاملين جاهدين ..

لكن هذا دين الله ، هو له حافظ .. وكتاب الله ، هو له ناصر .. يُؤيّدُه الله بعبادٍ يستخدمهم في طاعته على فترة من الزمان ، ليَميزَ الله الخبيث من الطيب ، وليبتلي من يشاء من عباده ، ليُثيبَ الصابرين ويُخْزي المنافقين . فالله نسألُه الثَباتَ على هذا الدين حتّى الممات .. وأن يجعلنا ممن ينصر بهم هذا الدين ..

فهذا رجلٌ من رجال جيل الأمجاد .. إنه أبو يوسف المراكشي .. جاءه خطاب من ملك الكفر في ذلك الزمان ، يطلب منه تسليم بعض أراضي المسلمين ، ويهدده بجيش جرار ...

عَِلم أبو يوسف أن الموقف ليس موضع أقلام ومفاوضات .. وأن الأرض لا تُسترد بالشعارات ..


ولي وطن آليت ألا أبيعه ***** وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا


لم يفكر ، ولم يتردد .. بل أجاب واختصر وأجاز :

فدائي سأمشي في طريقي ***** فإنــي للمنايا خير عـاشق
فدائي لأجلك يا بــــــــلادي ***** أريق دمي لكي تحيا الزنابق


أيقن يقينا لاشك فيه .. أن لا مساومة بأرض الإسلام والمسلمين
وعقد عزما لاريب يثنيه .. أن السيف جواب الطامعين الغاصبين
واختار العزة ولو بموت .. فهي حياة الأحرار الصادقين ..


ونحن أناسٌ لا توسط عندنا ***** لنا الصدر دون العالمين أو القبر


فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدا
أدرك أن البيعة قد عُقِدَت ، وأنّ الله اشترى ، فلا إقالة ولا استقالة


تهون علينا في المعالي نفوسنا ***** ومن يخطب الحسناء لم يُغلها المهر


ربح البيع .. وصدق الله وعده .. وخاب المتخلفون .. فلم يزدادوا بالحياة إلا ذلا .. وبالعيش إلا قهرا .. وبالبقاء إلا مهانة ..


وما للمرء خيرٌ في حياة ***** إذا ما عُدّ من سَقطِ المتاع


لله درُّ أبي يوسف طلب الموت .. فوُهب الحياة
نصر الله .. فنصره الله
غضب لله .. فرضَّاه الله
أخلص لله .. فصدقه الله
قدّم القنا على القلم .. فذلت له الروم وقبلت القدم
بادَرَ السيف على الخطب .. فلم يتأخر عنه النصر ولا عجب
سابق بفعله الأقوال .. فصيغت له المدائح الطوال
كان أول من بَذل .. فجاءه القوم على عَجَلْ


فإلى من طلب العزة ولم يسلك مسالكها .. إن السفينة لا تجري على اليبس..

والناظر في هذا الزمان ، لا يرى أشباها لأمثال أبي يوسف ولا أنصاف أشباه ، بل النقيض والضد ، فالحثالة من الناس يبيعون الأرض بأبخس الأثمان بل بلا أثمان .. يخادعون أنفسهم بشعارات جوفاء وعبارات خرقاء .. فالمهانة عندهم عزة ومكانة ..
والذل فخر ولا غضاضة ..
والجبن إقدام وبسالة ..
العميل عندهم شريف نظيف ..
والخائن يعدونه تاجرا ظريفا ..
والبائع لأرضه شاطر بفنون الرياضة ..
واللؤم والوضاعة من سمات الحكمة والشجاعة ..
وما دروا أنهم لكرامتهم يبيعون ، وعن أعراضهم يتنازلون ، وعلى أنفسهم وحدهم يضحكون ..
جعلوا من أنفسهم لأعدائهم عبيدا وقد خلقهم الله أحرارا ..
وضعوا أنفسهم بموضع مهانة وقد جعل الله لهم في الإسلام عزا ومكانة ..
فإلى الله نشكو حالنا ، وضعفنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على الناس ..
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 27-09-2006, 05:00 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الأمير المجاهد عقبة بن نافع فاتح بلاد المغرب


لقد أيّد الله عز وجل دينه بنوعية خاصة من الرجال، اصطفاهم المولى جل وعلا، واختارهم من بين خلقه لنيل شرف المهمة الجليلة، هؤلاء الرجال الأبطال تغلغل الإيمان في قلوبهم، وارتقت نفوسهم إلى أعلى عليين من أجل نصرة الدين، فلم يبق لهم همة ولا هدف ولا غاية في الحياة إلا لخدمة الإسلام ونشره بين الناس، إنهم رجال آثروا مرضات الله عز وجل بدعوة الناس للإسلام على متاع الحياة الدنيا، فودعوا الراحة والدعة والسكون وهجروا الفراش والسلامة وتركوا الديار والأهل والأحباب، وصارت ظهور الخيل مساكنهم، وآلات الجهاد عيالهم، وإخوان الجهاد رفقاءهم، فلا عجب إذا أن تنتهي حياتهم في أخر بقاع الدنيا، فهذا يموت في بلاد الصين وهذا في أدغال أفريقيا وذاك في أحراش الهند، وكلهم راض بهذه الحياة وهذه النهاية، طالما توجت حياته بأسمى ما يريد : الشهادة في سبيل الله، وهذه قصة واحد من أئمة هؤلاء الأبطال .


*عقبة بن نافع *

هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهرى، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديماً، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية خالصة، وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمت بصلة قرابة للصحابي الجليل 'عمرو بن العاص' من ناحية الأم، وقيل أنهما ابني خالة .

ولقد برز اسم 'عقبة بن نافع' مبكراً على ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث اشترك هو وأبوه 'نافع' في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة 'عمرو بن العاص' رضي الله عنه، ولقد توسم فيه 'عمرو' أنه سيكون له شأن كبير ودور في حركة الفتح الإسلامي على الجبهة الغربية، لذلك أسند إليه مهمة صعبة وهى قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي، ومعلوم عند العسكريين أن سلاح الاستطلاع هو أخطر وأهم سلاح في أي جيش، لأنه هو الذي يحدد طريقة الهجوم بين الشجاعة والقوة والذكاء الشديد وحسن التصرف في المواقف الصعبة، وكلها خصال توفرت في 'عقبة' وأدركها 'عمرو' فيه، لذلك عندما عاد 'عمرو' إلى مصر بعد فتح تونس، جعل 'عقبة بن نافع' والياً عليها على الرغم من وجود العديد من القادة الأكفاء والصحابة الكبار، مما يدل على نجابة هذا البطل الشاب .

أرسل 'عمرو بن العاص' والى مصر البطل الشاب 'عقبة بن نافع' إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، ثم أسند إليه 'عمرو' مهمة في غاية الخطورة، وهي تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، فقاد 'عقبة' كتيبة قتالية على أعلى مستوى قتالي للتصدي لأي هجوم مباغت على المسلمين وتعاقبت عدة ولاة على مصر بعد 'عمرو بن العاص' منهم عبد الله بن أبى السرح ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، كلهم أقر 'عقبة بن نافع' في منصبه كقائد لحامية 'برقة' .


عقبة قائد الفتح الشمالى

ظل 'عقبة' في منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية 'ببرقة' خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم، فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية رضي الله عنه خليفة للمسلمين، أصبح 'معاوية بن حديج' والياً على مصر، وكان أول قرار أخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الأفريقي لبداية حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة 49 هجرية .

كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها 'ودان' و'أفريقية' و'جرمة' و'قصور خاوار'، فانطلق الأسد العنيف عقبة ورجاله الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها وأدبهم أشد تأديب، فقطع أذن ملك 'ودان' وأصبع ملك 'قصور كوار' حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى (مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعاً لأنه مثّله ولكن عقبة اجتهد في تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف).

بعد أن طهر عقبة المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد أفريقية 'تونس' من الأعداء والمخالفين، أقدم عقبة على التغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة .


تأسيس مدينة القيروان

لم يكن عقبة بن نافع قائداً عسكرياً محضاً فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجي فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشئون المغرب والشمال الأفريقي، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقي، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع وذلك لعدة أسباب من أهمها :-

1. تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك وذلك أن عقبة قد لاحظ أمراً هاماً أن أهل الشمال الأفريقي إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر.

2. ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة في مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقي .

3. أن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا في البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.

لهذه الأسباب وغيرها قرر 'عقبة بن نافع' بناء مدينة القيروان في القرن الشمالي لإفريقية في مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوي والحركي للمسلمين بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية في القتال، ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها في منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله: "إنك أمرتنا بالبناء في شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك من دواب الأرض"، وكان في عسكره خمسة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال "إني داع فأمّنوا"، وبالفعل دعا الله عز وجل طويلاً والصحابة والناس يأمّنون، ثم قال عقبة مخاطباً سكان الوادي: "أيتها الحيّات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه".

فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيّات تحمل أولادها، في مشهد لا يرى مثله في التاريخ، فنادى عقبة في الناس: "كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا" وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله عز وجل لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله عز وجل وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التي لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخراً لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية.

استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درة المغرب، وشيّد 'عقبة' بها جامعاً كبيراً أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم وذلك قبل الأزهر بعدة قرون.


المجاهد المخلص

بعدما انتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفي بالتنحّي عن ولاية إفريقية، وتولية رجل من جنود عقبة اسمه 'أبو المهاجر دينار'، وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة.

فما كان رد فعل القائد المظفر الذي فتح معظم الشمال الأفريقي وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل ؟ هل تمرّد ؟ هل امتنع أو حتى تذمر ؟

كلا والله.. إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم ولا الدنيا تفتنهم ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقاً، إنهم خالصين مخلصين لا يريدون إلا وجه الله عز وجل، امتثل عقبة فوراً للأمر وانتظم في سلك الجندية.

استطاع أبو المهاجر القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب إستراتيجية في الشمال الأفريقي على حساب التواجد الرومي بهذه المناطق، واستطاع أيضاً، يستميل زعيم قبائل البربر 'كسيلة بن لمزم' وكان كسيلة شديد التأثير على قومه، قوى الشخصية،محبوباً في قومه، مطاعاً منهم، وكان نصرانياً متمسكاً بدينه وكان نجاح أبى المهاجر في إقناعه بالإسلام مكسباً كبيراً للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك عقبة صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام 'كسيلة' خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه في أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعد كما سنعلم .


عودة الأسد

لم يمض كثيراً من الوقت حتى عاد الأسد الضاري عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب وانتقل أبو المهاجر في صفوف الجنود مجاهداً مخلصاً، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان، وذلك لأن الكل يبتغى مرضات الله ولا يريد شيئاً من عرض الدنيا الزائل .

قرر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامي من حيث انتهى أبو المهاجر، وكانت مدينة 'طنجة' هي أخر محطات الفتح أيام أبي المهاجر، وهنا أشار أبو المهاجر على عقبة ألا يدخل مدينة طنجة لأن 'كسيلة' زعيم البربر قد أسلم، ولكن عقبة كان يشك في نوايا وصحة إسلام كسيلة، فقرر الانطلاق لمواصلة الجهاد مروراً بطنجة وما حولها، خاصة وأن للروم حاميات كثيرة في المغرب الأوسط .


الإعصار المدمر

انطلق عقبة وجنوده من مدينة القيروان، لا يقف لهم أحد ولا يدافعهم أي جيش، فالجميع يفرون من أمامهم، وكلما اجتمع العدو في مكان، انقض عقبة ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة ففتح مدينة 'باغاية'، ثم نزل على مدينة 'تلمسان'، وهي من أكبر المدن في المغرب الأوسط، وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة استبسل فيها الروم والبربر في القتال وكان يوماً عصيباً على المسلمين، حتى أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع حتى منطقة 'الزاب'.

سأل عقبة عن أعظم مدينة في الزاب فقيل له 'أربة'، وهي دار ملكهم وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها عقبة، والروم يفرون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل عقبة بعدها إلى مدينة 'ثاهرت' فأرسلت الحامية الرومية استغاثة لقبائل البربر الوثنية فانضموا إليهم فقام عقبة في جيشه خطيباً بارعاً بعبارات فائقة تلخص رسالة المجاهد في سبيل الله فقال: "أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضي الله تعالى عنهم وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة، وأنتم اليوم في دار غربة وإنما بايعتم رب العالمين، وقد نظر إليكم في مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلباً لرضاه وإعزازاً لدينه، فأبشروا فكلما كثر العدو كان أخزى لهم وأذل إن شاء الله تعالى، وربكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله عز وجل قد جعل بأسه على القوم المجرمين".
وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حمية رجاله، وأعطى درساً بليغاً للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد .

التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً شديداً، وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين لقمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هي عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على 'طنجة' فلقيه أحد قادة الروم واسمه 'جوليان' فخضع لعقبة ودخل له الجزية، فسأله عقبة عن مسألة فتح الأندلس فقال له 'جوليان' أتترك كفار البربر خلفك وترمى بنفسك في بحبوحة الهلاك مع الفرنج ؟ فقال عقبة وأين كفار البربر ؟ فقال في بلاد السوس وهم أهل نجدة وبأس فقال عقبة وما دينهم ؟ قال ليس لهم دين فهم على المجوسية .

فتوجه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذي يدمر كل شيء بإذن الله، واخترق هذه البلاد كلها هازماً لكل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطى فاخترق عقبة بفرسه ماء المحيط ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذي بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام: "يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك".

وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام في ربوع الأرض.


استشهاد البطل

حقق عقبة غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأساً شديداً، حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان، فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجاً ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة 'تهوذة'، فلما رآه الروم في قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام وعندها أظهر 'كسيلة' مكنون صدره الذي كان منطوياً على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين وجمع جموعاً كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه.

كان أبو المهاجر في ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيده، فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة ومن معه، أنشد أبيات أبي محجن الثقفي المشهورة



كفى حزناً أن ترتدي الخيل بالقنا
وأترك مشدوداً علـى وثاقـيـــا

إذا قمت عنأأاني الحديد وأغلقن
مصارع دوني قد تصم المناديا




ففك عقبة وثاقة وقال له: "الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادة"، فقال أبو المهاجر: "وأنا أيضا أريد الشهادة".
وكسر عقبة والمسلمين أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه في أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة 63 هجرية .

كان عقبة بن نافع رضي الله عنه مثالاً في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم والعقلية العسكرية الإستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم في معركة قط، طبق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال مثل مبدأ المباغتة وتحشيد القوات وإقامة الحاميات وتأمين خطوط المواصلات واستخدام سلاح الاستطلاع.

ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالاً عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال وأنجز في وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثراً كبيراً في نفوس البربر وأصبح من يومها يلقّب بـ "سيدي عقبة".


المصادر
1. تاريخ الرسل والملوك.
2. الكامل في التاريخ .
3. البداية والنهاية .
4. سير أعلام النبلاء .
5. تاريخ الخلفاء .
6. أطلس تاريخ الإسلام .
7. قادة فتح بلاد المغرب العربى .
8. فتوح البلدان
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 27-09-2006, 05:19 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مصرع غرناطة ( 1 )


ظهر في أواخر عهد الموحدين ابن هود الذي سعى لتخليص الأندلس من الموحدين ، ومن النصارى أيضاَ ، وحكم قواعد شرقي الأندلس ، ودخلت في طاعته جيان وقرطبة وماردة وبطليوس ، وانتزع غرناطة من المأمون الموحدي سنة 628 هـ ، وحكم ابن الأحمر قواعد أخرى في الجنوب.

وخاض ابن هود مع فرديناند الثالث ملك قشتالة معركة انتهت بسقوط ماردة وبطليوس في يد الإسبان النصارى سنة 628هـ ، و هزم مرة أخرى فسقطت أبدة عام 631هـ ، ثم سار ابن هود لمحاربة خصمه ومنافسه ابن الأحمر في أحواز غرناطة فوجد النصارى الفرصة سانحة للزحف على قرطبة التي سقطت بيدهم سنة 633 هـ فكانت من أشد الضربات القاصمة .

وتوفي ابن هود سنة 635 هـ وبوفاته انهارت دولته ، فسقطت بلنسية في يد النصارى سنة 636 هـ ، ثم شاطبة ودانية ، وانضوت مرسية تحت حماية ملك قشتالة سنة 641هـ .

ومع انهيار دولة ابن هود سارع محمد بن يوسف ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها في أواخر رمضان سنة 635هـ فغدت مقر حكمه .

ورأى النصارى أن ابن الأحمر أصبح منافسهم الأول بعد موت ابن هود ، فكانت معركة صغيرة سنة 636 انتصر فيها ابن الأحمر ، فاغتاظ فرديناند الثالث فأرسل ابنه ألفونسو فاستولى على حصن أرجونة ، وحاصر غرناطة سنة 642 فردهم ابن الأحمر بخسائر فادحة .

ولمس ابن الأحمر تفوق النصارى عليه فهادن ملك قشتالة ورضي أن يحكم باسمه ، وأن يؤدي له الجزية سنوياً وقدرها مائة وخمسون ألف قطعة من الذهب ، وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه بتقديم عدد من الجند ، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي ، وسلم جيان وأرجونة وغيرها رهينة لحسن طاعته .

وسيطرت إسبانية بذلك على الولايات الشرقية وبقي التهام الولايات الغربية ، وفي عام 645 ضم النصارى طلبيرة وشلب والخزانة ومرشوشة والحرة ، وفتحت قرمونة بمعاونة ابن الأحمر ، وبدأ حصار أشبيلية ودام الحصار ثمانية أشهر ثم استسلمت المدينة للنصارى في 27 رمضان 646هـ ، ثم سقطت مدن أخرى تباعاً لهذا السقوط الكبير ، كل هذا بمعاونة ابن الأحمر .

وبدأ ابن الأحمر يواجه النصارى بعد أن رأى الخطر يحوم حوله فبدأ يخرج عن طاعتهم فغزوا أرضه عام 660هـ فردهم ، ثم شددوا الهجوم عليه بدءاً من عام 663 هـ وبدأت الهزائم تتوالى عليه فاضطر ثانية لمهادنة النصارى وتنازل لهم عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي الأندلس ، وفي عام 668 هـ ساءت العلاقة بينه وبين النصارى فطلب ابن الأحمر العون من دولة المرينيين حكام المغرب الأقصى ، وهنا مات ابن الأحمر وحكم ابنه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الذي كان شاعراً وفقيهاً وسمي محمد الفقيه ، ونهض أمير المرينيين أبو يوسف يعقوب المنصور المريني ابن عبد الحق لنجدة غرناطة ، وهزم النصارى في معركة قوية في 25 ربيع الأول سنة 674هـ ، ووطد لحكم بني الأحمر قرابة مدة مائتين وخمسين عاماً أخرى .

ومرت سنون طويلة كانت العلاقة تسوء بين بني الأحمر وبين ملك قشتالة ومرة تهدأ الأوضاع ، وكلما ساءت العلاقة وجاءت نذر الحرب استغاث بنو الأحمر بحلفائهم بني مرين الذين كانوا يجوزون البحر في كل مرة ليغيثوا إخوانهم من مجازر النصارى ، حتى سقطت دولة بني مرين وقامت على أنقاضها دولة بين وطاس الضعيفة التي لم تكن بقوة بني مرين ولا تستطيع جواز البحر لنجدة المسلمين هناك .

وتوحد الأسبان في مملكة واحدة بزواج فرديناند ملك أراغون بإيزابيلا وريثة عرش قشتالة ، واستقر العرش لهما ، وكانا ذوي نزعة صليبية حاقدة ، وكانت غرناطة غارقة في حرب أهلية بين أمير غرناطة أبي الحسن الملقب الغالب بالله وبين أخيه أبي عبد الله محمد المعروف بالزغل الذي طلب عون النصارى على أخيه أبي الحسن مراراً ، ثم اتفق الأخوان على الهدنة والصلح وأن يبقى أبو عبد الله بمالقة وأحوازها.

وحاول أبو الحسن أن يجدد الهدنة مع قشتالة ولكن الملكين الجديدين رفضا إلا بعد دفع جزية سنوية فرفض أبو الحسن طلبهما وزحف لقلعة الصخرة وفتح مدينة رندة .

وكان أبو الحسن قد تزوج من عائشة ابنة عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر وهي المعروفة بعائشة الحرة ، وكانت قوية الشخصية مع سمو في الروح مع رفيع القيم والمثل ، ورزقت من أبي الحسن بولدين هما : أبو عبد الله محمد ، وأبو الحجاج يوسف ، وكان أبو الحسن قد ترك الجهاد وعشق حياة الدعة وغرق في عشق رومية نصرانية اسمها ثريا ، وأصبح أبو الحسن أداة سهلة في يد زوجته ثريا التي كانت ذات دهاء وأطماع ، وتريد أن يكون ولدها يحي ولياً للعهد ، وتقدمه على أخيه الأكبر من عائشة الحرة أبي عبد الله ، وتمكنت ثريا من إقناع أبي الحسن بإقصاء عائشة وولديها حتى أقنعته باعتقالهم ، فتم ذلك في برج قمارش أمنع أبراج الحمراء ، وشدد الحجر عليهم ، وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين : فريق يؤيد السلطان وثريا ، وفريق يؤيد الأميرة الشرعية عائشة وولديها . ولم تستسلم عائشة الحرة فاتصلت بمؤيديها وتمكنت من الهرب من قصر الحمراء سنة 887 هـ وظهرت في وادي آش عند أنصارها .

وقرر فرديناند وإيزابيلا البدء بالحرب بعد أن رأوا أن الحرب الأهلية بدأت تؤتي ثمارها، واستولوا على مكان اسمه الحامة ، الذي يمهد لهم احتلال غرناطة ومالقة معاً ، وتم لهم ذلك ، ولم يستطع أبو الحسن استردادها ، ونشبت الثورة داخل غرناطة تعاطفاً مع عائشة وولديها ففر أبو الحسن إلى مالقة عند أخيه أبي عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزغل .

وجلس أبو عبد الله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة سنة 887 هـ ، وعمره 25 سنة ، وأراد أن يحذو حذو المجاهدين فخرج في قوات هزم بها النصارى في عدة معارك ، ولما عاد مثقلاً بالغنائم داهمه النصارى في ظاهر قلعة اللسانة ، فخسر المعركة وأسر على أثرها ، وعاد الجيش دون ملكه ، وحاولت غرناطة إعادة أبا الحسن إلى عرشه بدل ابنه الأسير ولكن الإعياء هدمه والمرض فتك به فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله الزغل حاكم مالقة .





مصرع غرناطة ، للدكتور شوقي أبو خليل
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 27-09-2006, 05:22 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مصرع غرناطة ( 2)


عرضت أم عبد الله الصغير ووالده الذي خشي من مكر فرديناند وخبثه في التلاعب بابنه دفع فدية كبيرة للنصارى مقابل تسليمه لهم فرفض فرديناند ، واستغل فرديناند قلة خبرة أبي عبد الله الصغير وانعدام حزمه وضعف إرادته وطموحه للحكم ليس غير فاتخذه أداة رائعة يوجهها كيف يشاء ، فأقنع فرديناند أبا عبد الله الصغير أن الصلح مع قشتالة خير ، فأرسل أبو عبد الله الصغير من يقنع المسلمين بذلك ، وسير فرديناند في اللحظة ذاتها ينتزع ما يمكن انتزاعه من مملكة غرناطة ، فاحتل رندة سنة 890 هـ فهددوا بذلك مالقة من الغرب ، وحاولوا احتلال حصن مكلين على مقربة من غرناطة ولكن أبا عبد الله الزغل ردهم .

وفي هذه الأثناء قامت فتنة عاملها الرئيس أبو عبد الله الصغير وحزبه ، حيث دعاه حي البيازين ، فشغل أبو عبد الله الزغل بإخماد الفتنة عن مقاتلة الإسبان ، وفي أحرج المواقف أطلق فرديناند سراح أبي عبد الله الصغير بعد أن وقعه على معاهدة أعلن بها خضوعه وطاعته لملك قشتالة لمدة عامين ، وأن تطبق في جميع البلدان التي تدين بالطاعة لأبي عبد الله الصغير ، وأخذ يبث أبو عبد الله الصغير دعوته في شرق الأندلس ، والحرب الأهلية في غرناطة منذ بداية سنة 891 هـ .

وفي هذه الحروب ضرب القشتاليون الحصون الإسلامية بالأنفاط أي المدافع التي بها صخور من نار فتهلك كل من نزلت عليه وتحرقه ، وحينما نشبت الثورة في حي البيازين أمدوا فريقاً من الثوار بالرجال والأنفاط والبارود .

وفي شوال 891 هـ ظهر أبو عبد الله الصغير في حي البيازين ومن حوله أنصاره وأمده فرديناند بالرجال والذخائر والمؤن ، فزادت الفتنة اضطراباً ، واستغل فرديناند الفتنة القاتلة واحتل بلش مالقة على الرغم من استبسال أهلها في الدفاع عنها بمساعدة الزغل ، فعاد الزغل منها باتجاه غرناطة ليجدها قد خضعت لأبي عبد الله الصغير وتبوأ عرشها في 5 جمادى الأولى 892 هـ ، فارتد الزغل إلى وادي آش ، وبذلك انقسمت مملكة غرناطة إلى قسمين : غرناطة وأعمالها ويحكمها أبو عبد الله الصغير ، ووادي آش وأعماله ويحكمه عمه محمد بن سعد أبو عبد الله الزغل . وهذا ماكان يسعى إليه فرديناند.

وترك فرديناند أبا عبد الله الصغير الخاضع له وبدأ بالأنحاء الشرقية والجنوبية التي تخضع لعمه أبي عبد الله الزغل ، وزحف على مالقة وطوقها براً وبحرا ًفي جمادى الآخرة 892 هـ وخاف الزغل أن يسير إلى إنجادها من وادي آش أن يغدر به ابن أخيه ، فاستنجد بسلطان مصر الأشرف قايتباي ولكن مالقة سقطت في أواخر شعبان 892 هـ ونكث فرديناند بوعوده فغدر بأهل المدينة واسترقهم جميعاً .

ثم سقط ثغر المنكب والمرية عام 895 ، فلم يبق ثغر واحد يصل غرناطة بالمغرب ، وتطور سير الأحداث فانضوى الزغل تحت لواء النصارى فقد رأى أنه يغالب المستحيل ، ودخل النصارى وادي آش في صفر 895 هـ، وبقي الزغل يحكم وادي آش تحت حماية ملك قشتالة ، ولم يقبل بهذا الوضع المهين فجاز البحر إلى المغرب ونزل وهران ثم استقر في تلمسان حزيناً على ضياع الأندلس .
وبقيت غرناطة آخر القواعد الإسلامية وعلى عرشها أبو عبد الله الصغير تنتظر الضرب القاضية .

ثم أرسل الملكان الكاثوليكيان - فرديناند وإيزابيلا - وفداً يطلبان من أبي عبد الله الصغير تسليم غرناطة فثارت نفسه لهذا الغدر والخيانة وأدرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه في محالفة هذا الملك الغادر فرفض التسليم وقرر الدفاع .




مصرع غرناطة ، للدكتور شوقي أبو خليل
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 27-09-2006, 05:23 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مصرع غرناطة ( 3 )


اغتاظ فرديناند وسخط وعاث في بسائط غرناطة وخرب الضياع والقرى ، وجرت ملاحم دموية على أسوار غرناطة ذاتها ، وارتحل فرديناند على أثرها ليرمم القلاع ويشحن الأبراج القريبة من غرناطة استعداداً للمعركة القادمة .

ودبت روح المقاومة في غرناطة ، وثار أهل البشرات ، وفتح المسلمون بعض الحصون القريبة من غرناطة .

وسار فرديناند بجيش تراوح ما بين 50-80 ألفاً ، مع مدافع وعدد ضخمة ، وذخائر وأقوات ، وعسكر على مقربة من غرناطة في 12 جمادى الآخرة سنة 896 هـ ، وأتلف القرى والحقول والزروع حتى لا تمد غرناطة بأي طعام ، وحاصر غرناطة المدينة الوحيدة المتبقية من ملك تليد .

وكان دفاع غرناطة من أمجد ما عرف في تاريخ المدن المحصورة ، ولم يكن هذا الدفاع قاصراً على تحمل ويلات الحصار على مدى أشهر ، بل كان يتعداه إلى ضروب رائعة من الإقدام والبسالة ، فقد خرج المسلمون خلال الحصار لقتال العدو المحاصر مراراً عديدة ، يهاجمونه ويثخنونه في مواقعه ، ويفسدون عليه خططه وتدابيره .

وقرر فارس عربي شجاع المقاومة والجهاد إلى آخر رمق وهو موسى بن أبي غسان ، ومن أقواله : ليعلم ملك النصارى أن العربي قد ولد للجواد والرمح ، فإذا طمح إلى سيوفنا فليكسبها ، وليكسبها غالية ، أما أنا فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت فيه مدافعاً عنه ، من أفخر قصور نغنمها بالخضوع لأعداء الدين .

وتولى موسى قيادة الفرسان المسلمين ، يعاونه نعيم بن رضوان ومحمد بن زائدة ، وتولى آل الثغري حراسة الأسوار ، وتولى زعماء القصبة والحمراء حماية الحصون .

وقطعت غرناطة عما حولها تماماً باستثناء طريق البشرات الجنوبية من ناحية جبل شلير فجلبت منها بعض الأقوات والمؤن الضرورية ، وحل الشتاء وقلت المؤن والذخائر ، ودخل الوزير المسؤول عن غرناطة أبو القاسم عبد الملك مجلس أبي عبد الله الصغير وقال : إن المؤن الباقية لا تكفي إلا لأمد قصير ، وإن اليأس قد دبّ إلى قلوب الجند والعامة ، والدفاع عبث لا يجدي .

ولكن موسى بن أبي غسان قرر الدفاع ما أمكن ، فقال للفرسان : لم يبق لنا سوى الأرض التي نقف عليها ، فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن .

وزحف فرديناند على أسوار المدينة المحاصرة ، فخرج المسلمون إلى لقائه ، وكان القتال رائعاً ، ولكن مشاة المسلمين لم يصمدوا ، فأوصد المسلمون أبواب غرناطة ، وامتنعوا خلف أسوارها يلاقون قدر تمزقهم .

استمر الحصار سبعة أشهر ، واشتد الجوع والحرمان والمرض ، و أعيد تقويم الموقف في بهو الحمراء فأقر الملأ التسليم إلا موسى بن أبي غسان الذي قال بحزم : لم تنضب كل مواردنا بعد .. ولنقاتل العدو حتى آخر نسمة ، وإنه لخير لي أن أحصى بين الذي ماتوا دفاعاً عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها . وكانت هذه الكلمات تخاطب يائسين قرروا المفاوضة والتسليم ، وكلّف بهذه المهمة الوزير أبو القاسم عبد الملك في أواخر سنة 896 هـ .

وفاوض الوزير أبو القاسم فرناندو دي فافرا وجونز الفودي كردوفا ، فوضعوا معاهدة وافق عليها أبو عبد الله الصغير وفرديناند في 21 المحرم 798 هـ ، واشترط المسلمون أن يوافق البابا على الالتزام والوفاء بالشرط إذا مكنوا النصارى من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون ويحلف على عادة النصارى في العهود .

وفي ثاني ربيع الأول من السنة نفسها استولى النصارى على الحمراء ودخلوها بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهناً خوفاً من الغدر ، وكانت الشروط سبعاً وستين ، منها : تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال ، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم ، ومنها إقامة شريعتهم على ما كانت ، ولا يحكم على أحد منهم إلا بشريعتهم ، وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك ، وأن لا يدخل النصارى دار مسلم ، ولا يغصبوا أحداً ، وأن لا يولى على المسلمين نصراني ولا يهودي ممن يتولى عليهم من قِبل سلطانهم قَبل ، وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا ، وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم ويسير المسلم في بلاد النصارى آمناً في نفسه وماله ، ولا يمنع مؤذن و لا مصل ولا صائم ولا غيره من أمور دينه ، ومن ضحك منهم يعاقب ...

ولما أنس فرديناند وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسهم من عدم إخلاص النصارى في عهودهم أعلنا في يوم 29 نوفمبر مع قسم رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم ، أو حيث شاؤوا ، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا ، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب .

وأما فارس الأندلس موسى بن أبي غسان فرفض وقال للزعماء حينما اجتمعوا ليوقعوا على قرار التسليم : اتركوا العويل للنساء والأطفال ، فنحن رجال لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ، ولكن لتقطر الدماء ، وإني لأرى روح الشعب قد خبت حتى ليستحيل علينا أن ننقذ غرناطة ، وسوف تحتضن أمنا الغبراء أبناءها أحراراً من أغلال الفاتح وعسفه ، ولئن لم يظفر أحدنا بقبر يستر رفاته فإنه لن يعدم سماء تغطيه ، وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعا ًعنها .

وساد سكون الموت في ردهة قصر الحمراء ، واليأس ماثل في الوجوه ، عندئذ صاح أبو عبد الله الصغير : الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و لاراد لقضاء الله ، تالله لقد كتب لي أن أكون شقياً ، وأن يذهب الملك على يديّ .

ونهض موسى وصاح : لا تخدعوا أنفسكم ، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم ، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم ، إن الموت أقل ما نخشى ، فأمامنا نهب مدننا وتدميرها ، وتدنيس مساجدها ، وتخريب بيوتنا ، وهتك نسائنا وبناتنا ، وأمامنا الجور الفاحش ، والتعصب الوحشي ، والسياط والأغلال ، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق ، هذا ما سوف نعاني من مصائب الموت الشريف ، أما أنا فوالله لن أراه .

ثم غادر غرناطة واخترق بهو الأسود عابساً حزيناً ، فوصل داره ، ولبس سلاحه ، وسار على جواده مخترقاً شوارع غرناطة ، وعلى ضفة نهر شنيل قابل موسى سرية من الفرسان النصارى تبلغ نحو الخمسة عشر ، فطلبوا إليه أن يقف ، وأن يعرف بنفسه ، فلم يجب ، بل وثب إلى وسطهم وانقض يثخن فيهم طعاناً ، وكانت ضرباته قاتلة ، حتى أفنى معظمهم ، غير أنه أصيب في النهاية بجرح أسقطه عن جواده ، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره وأخذ يجاهد عن نفسه ، فلما رأى أن قواه قد نضبت ولم يرد أن يقع أسيراً في يد خصومه ارتد إلى الوراء بوثبة أخيرة فسقط في مياه نهر شنيل فدفعه سلاحه الثقيل إلى الأعماق .

وفي يوم 20 ديسمبر أرسل أبو عبد الله الصغير وزيره يوسف بن كماشة إلى فرديناند مع رهائن من الأعيان ووجوه القوم مع بعض الهدايا ، واتفق مع ملك قشتالة على تسليم المدينة في الثاني من ربيع الأول سنة 897 هـ ، وأرسل فرديناند المطران مندوسا ليحتل قصر الحمراء وليمهد الطريق لمقدم الموكب الملكي ، وما كاد النصارى يجوزون إلى داخل القصر حتى رفعوا فوق برجه الأعلى صليباً فضياً كبيراً ، وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكاً للملكين الكاثوليكيين ، ودخل فرديناند وإيزابيلا قصر الحمراء مع فرقة رهبان ترتل .

وهكذا انتهت آخر الحواضر الإسلامية في إسبانية ، أما أبو عبد الله الصغير فقد خرج وأسرته ليستقروا في البشرات حاكماً باسم فرديناند وتحت حمايته ، وغادر غرف القصر وأبهاءه وهو يحتبس الزفرات في صدره ، وسار بركب حزين ، وعلى ضفة نهر شنيل التقى مع فرديناند وقدم إليه أبو عبد الله مفاتيح الحمراء قائلاً : إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانية ، ولقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا ، وهكذا قضى الله ، فكن في ظفرك رحيماً عادلاً .

ثم سار مع فرديناند حيث إيزابيلا فقدم الطاعة والتحيات ، واتجه إلى طريق البشرات ، وفي شعب ( بل البذول أو بادول ) أشرف على غرناطة فأجهش بالبكاء فصاحت به أمه عائشة الحرة : أجل ، فلتبك كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال .

وبعد شهور من مصرع غرناطة غادر أبو عبد الله الصغير إلى المغرب مع أسرته وأمواله ونزل مدينة مليلة ، ثم استقر في فاس ، في دولة بني وطاس، بعد أن عجّل بوقوع مأساة غرناطة بالجنوح إلى الدعة والخمول والحرب الأهلية ، وترك شؤون الدفاع والعدو من ورائه متربص متوثب يرقب الفرص .

أما النصارى فقد نقضوا العهود ومنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس ، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها ، وحرق من بقي منهم ، وأمر الكردينال (كمينس ) بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية وأحرقها .

وأجبر المسلمون على اعتناق النصرانية ، ولما قاوموا التنصير وأبوه اعتبروا ثواراً متصلين بالمغرب والقاهرة ، وبدأ القتل فيهم ، فثاروا بالفعل في غرناطة والبيازين والبشرات ، فمزقوا بلا رأفة .

وفي 20 يوليه 1501 أصدر الملكان فرديناند وإيزابيلا أمراً خلاصته : إنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة فإنه يحظر وجود المسلمين فيها .. ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال . فهاجرت جموع المسلمين إلى المغرب ناجية بدينها ومن بقي من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع .





مصرع غرناطة ، للدكتور شوقي أبو خليل
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 27-09-2006, 05:24 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

معركة الزلاقة (1)


سقطت طليطلة التي كان يحكمها بنو ذو النون – الذين حكموها في فترة ملوك الطوائف بالأندلس مدة 78سنة – في يد ألفونسو ملك قشتالة النصراني عام 478هـ بمعاونة المعتمد ابن عباد صاحب إشبيلية ، بعد أن حكمهـا المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً ، وأحدث سقوطها دوياً عنيفاً ، واشتدت وطأة النصارى على المسلمين وتوحدت جهود ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي كان يحكم جليقية وجزءا ًمن البرتغال ، مع سانشو الأول ملك أراجون ونافارا ، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة وأورجل ، وساروا بجيش مشترك وحاصروا مدناً وقلاعاً واحتلوا قرى وأحرقوا أراضي كثيرة ، وانتبه ابن عباد لخطئه بمعاونة النصارى فاجتمع مع أمراء الأندلس الآخرين في إشبيلية ثم في قرطبة واتفقوا على أن يرسلوا سفيراً إلى يوسف بن تاشفين سلطان دولة المرابطين في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا يلتمسون عونه وغوثه .

وجاءت وفود شعبية كثيرة لمدينة مراكش لنفس الغرض ، فاستشار ابن تاشفين مجلسه الاستشاري فوافقوا شرط أن يعطيه الأندلسيون الجزيرة الخضراء يجعل فيها أثقاله وأجناده ، وتكون حصناً له ، وليكون بها على اتصال بإفريقية .
ومع شدة ضغط ألفونسو على المسلمين في الأندلس دفع الأمراء الجزية له ، أو سلموا حصوناً له ، وسلم ابن عباد الجزيرة الخضراء للمرابطين ، وقال لابنه : ( أي بني ، والله لا يسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى ، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري ) ، وقال : ( إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين – لقب المرابطين - ، ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير الفرنج ) ، وقال لبعض حاشيته لما خوفوه من ابن تاشفين : ( تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية ، إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير) .

وقبل ابن تاشفين الدعوة ، ولما أنهى استعدادته أمر بعبور الجمال ، وفي ربيع الأول من عام 479هـ سار ابن تاشفين بجيشه من سبتة ، وما كاد السفن تنشر قلاعها حتى هاج البحر فصعد إلى مقدمة السفينة ، ورفع يديه نحو السماء ، ودعا الله مخلصاً : ( اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرا ًوصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر ، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه ) ، فهدأ البحر ، وجازت السفن سراعاً ، ولما وصلت إلى شاطئ الأندلس سجد لله شكراً .

وتسلم ابن تاشفين الجزيرة الخضراء ، وأمر بتحصينها أتم تحصين ، ورتب بها حامية مختارة لتسهر عليها ، وشحنها بالأقوات والذخائر لتكون ملاذاً أميناً يلتجئ إليه إذا هزم .

ثم غادرها جيشه إلى إشبيلية ، وتعهد كل أمير من أمراء الأندلس أن يجمع كل ما في وسعه من الجند والمؤن ، وأن يسير إلى مكان محدد في وقت معين ، ولبث ابن تاشفين في إشبيلية ثمانية أيام حتى يرتب القوات وتتكامل الأعداد ، وكان صائم النهار قائم الليل ، مكثراً من أعمال البر والصدقات ، ثم غادر إشبيلية إلى بطليوس، في مقدمة الجيش الفرسان يقودهم أبو سليمان داود بن عائشة ، وعددهم عشرة آلاف ، ثم قوات الأندلس عليهم المعتمد بن عباد ، ثم سار بعدهم - بيوم واحد - جيش المرابطين ، ولما وصلوا إلى بطليوس أقام هناك ثلاثة أيام .

ولما سمع ألفونسو بمقدم المرابطين وكان محاصراً سرقسطة تحالف مع ملك أراجون ، والكونت ريموند ، فانضما إليه ، وانضم إليه كذلك فرسان من فرنسا ، وجاءته الإمدادات من كل صوب من ملوك أوروبا ، وعمل الباباوات دوراً كبيراً في توجيه النصارى وحثهم على القتال .

وكان جيش المسلمين ثمانية وأربعين ألفاً نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين ، أما جيش ألفونسو فقد كان مائة ألف من المشاة وثمانين ألفاً من الفرسان ، منهم أربعون ألفاً من ذوي العدد الثقيلة ، والباقون من ذوي العدد الخفيفة .

وعسكر الجيشان قرب بطليوس في سهل تتخلله الأحراش ، سماه العرب الزلاقة ، وفرق بين الجيشين نهر صغير ، وضرب ابن تاشفين معسكره وراء ربوة عالية ، منفصلاً عن مكان الأندلسيين ، وعسكر الأندلسيون أمام النصارى ، ولبث الجيشان أمام بعضهما ثلاثة أيام راسل فيها ابن تاشفين النصارى يدعوهم للإسلام أو الجزية أو القتال فاختاروا الثالثة .

وتكاتب القائدان ، ومما كتبه ألفونسو: ( إن غداً يوم الجمعة وهو يوم المسلمين ، ولست أراه يصلح للقتال ، ويوم الأحد يوم النصارى ، وعلى ذلك فإني أقترح اللقاء يوم الاثنين ، ففيه يستطيع كل منا أن يجاهد بكل قواه لإحراز النصر دون الإخلال بيوم ) ، فقبل ابن تاشفين الاقتراح ، ومع هذا تحوط المسلمون وارتابوا من نيات ملك قشتالة ، فبعث ابن عباد عيونه لترقب تحركات معسكر النصارى ، فوجدوهم يتأهبون للقتال ، فارتدوا مسرعين لابن عباد بالخبر ، فأرسل الخبر إلى ابن تاشفين يعرفه غدر ألفونسو ، فاستعد ، وأرسل كتيبة لتشاغل ألفونسو وجيشه .






الزلاقة ، للدكتور شوقي أبو خليل .
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 27-09-2006, 05:25 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

معركة الزلاقة ( 2 )


خطط المرابطون تخطيطاً جيداً ، إذ اتخذوا الجزيرة الخضراء خطاً للرجعة ، وحينما احتفظوا بقوة احتياطية تحتوي أشجع الجنود للانقضاض في الوقت المناسب على الأعداء ، وحينما قاتل جيشهم بنظام متماسك أربك النصارى ، وهو نظام الصفوف المتراصة المتناسقة الثابتة ، وكان النصارى معتادين على القتال الفردي .

تهيأ الطرفان للمعركة ، وسير ألفونسو القسم الأول من جيشه بقيادة جارسيان ورودريك لينقض بمنتهى العنف على معسكر الأندلسيين الذي يقوده المعتمد ، آملاً في بث الرعب في صفوف المسلمين ، ولكنهم وجدوا أمامهم جيشاً من المرابطين قوامه عشرة آلاف فارس بقيادة داود بن عائشة أشجع قادة ابن تاشفين ، ولم يستطع ابن عائشة الصمود لكثرة النصارى وعنف الهجوم ، لكنه استطاع تحطيم عنف الهجمة ، وخسر كثيراُ من رجاله في صد هذا الهجوم .

ولما رأى الأندلسيون كثرة النصارى هرب بعض أمرائهم ، بيد أن فرسان إشبيلية بقيادة أميرهم الشجاع المعتمد بن عباد استطاعوا الصمود وقاتلوا قتال الأسود الضواري ، يؤازرهم ابن عائشة وفرسانه .

وأيقن ألفونسو بالنصر عندما رأى مقاومة المعتمد تضعف ، وفي هذه اللحظة الحرجة وثب الجيش المرابطي المظفر إلى الميدان ، وقد كان مختبأ خلف ربوة عالية لا يرى ، وأرسل ابن تاشفين عدة فرق لغوث المعتمد ، وبادر بالزحف في حرسه الضخم ، واستطاع أن يباغت معسكر ألفونسو الذي كان يطارد ابن عباد حتى بعد قدوم النجدات التي أرسلها ابن تاشفين .

وفي تلك اللحظة يرى ألفونسو جموعاً فارة من النصارى ، وعلم أن ابن تاشفين قد احتوى المعسكر النصراني ، وفتك بمعظم حرسه ، وغنم كل ما فيه ، وأحرق الخيام ، فتعالت النار في محالهم ، وما كاد ألفونسو يقف على هذا النبأ حتى ترك مطاردة الأندلسيين ، وارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك ، وليسترد معسكره ، وقاتلوا الجيش المرابطي بجلد ، وكان ابن تاشفين يحرض المؤمنين على الجهاد ، وكان بنفسه يقاتل في مقدمة الصفوف يخوض المعركة في ذروة لظاها ، وقد قتلت تحته أفراس ثلاث ، وقاتل المسلمون قتال من يطلب الشهادة ويتمنى الموت .

ودام القتال بضع ساعات ، وسقطت ألوف مؤلفة وقد حصدتهم سيوف المرابطين ، وبدأت طلائع الموقعة الحاسمة قبل حلول الظلام ، فقد لاحظ ابن عباد وابن عائشة عند ارتدادهما في اتجاه بطليوس أن ألفونسو قد كف عن المطاردة فجأة ، وسرعان ما علما أن النصر قد مال إلى جانب ابن تاشفين ، فجمعا قواتهما وهرولا إلى الميدان مرة أخرى ، و أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين .

وكانت الضربة الأخيرة أن دفع يوسف ابن تاشفين بحرسه وقوامه أربعة آلاف إلى قلب المعركة ، واستطاع أحدهم أن يصل إلى ملك قشتالة ألفونسو وأن يطعنه بخنجر في فخذه طعنة نافذة ، وكانت الشمس قد أشرفت على المغيب ، وأدرك ألفونسو وقادته أنهم يواجهون الموت ، ولما جن الليل بادر ألفونسو في قلة من صحبه إلى التراجع والاعتصام بتل قريب ، ولما حل الليل انحدر ومن معه تحت جنح الظلام إلى مدينة قورية .

ولم ينج من جيش القشتاليين مع ملكهم سوى أربعمائة أو خمسمائة فارس معظمهم جرحى ، ولم ينقذ البقية من جيش ألفونسو سوى حلول الظلام حيث أمر ابن تاشفين بوقف المطاردة ، ولم يصل إلى طليطلة فيما بعد من الفرسان سوى مائة فارس فقط .

كل ما سبق كان في 12 رجب من سنة 479هـ ، وقضى المسلمون ليلهم في ساحة القتال يرددون أناشيد النصر شكراً لله عز وجل ، فلما بزغ الفجر أدوا صلاة الصبح في سهل الزلاقة ، ثم حشدوا جموع الأسرى ، وجمعوا الأسلاب والغنائم ، وأمر ابن تاشفين برؤوس القتلى فصفت في سهل الزلاقة على شكل هرم ، ثم أمر فأذن للصلاة من فوق أحدها ، وكان عدد الرؤوس لا يقل عن عشرين ألف رأس .

وذاع خبر النصر وقرئت البشرى به في المساجد وعلى المنابر ، وغنم المسلمون حياة جديدة في الأندلس امتدت أربعة قرون أخرى .





الزلاقة ، للدكتور شوقي أبو خليل .
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 27-09-2006, 05:26 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

معركة الأرك (1)


تولى أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي خلافة الموحدين بعد استشهاد أبيه مجاهدا ً ضد النصارى في الأندلس ، وذلك في جمادى الأولى سنة 580هـ ، وانشغل بإخماد الثورات التي قامت ضده في أفريقية ، حتى كتب ألفونسو السادس خطاباً يدعوه فيه إلى القتال فيه سخرية واستهانة بالمسلمين ، فلما قرأ أبو يوسف الخطاب كتب على ظهر رقعة منه : { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون } الجواب ما ترى لا ما تسمع .

واشتد حنق أبي يوسف ، وأمر بالتأهب للحرب في الأندلس ، وأن يذاع الخطاب في جنود الموحدين ليثير غيرتهم ، فثار الناس للجهاد ودوت صيحة الجهاد في جميع أنحاء المغرب ضد النصارى ، وسير قواته إلى الأندلس ، وعبر إلى الجزيرة الخضراء في 20/7/591هـ ، ولم يسترح بها إلا قليلاً ، ثم بادر بالسير إلى قشتالة ، ولكنه لما علم أن ملك قشتالة قد حشد قواه شمال قلعة رباح على مقربة من قلعة الأرك – الأرك نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس في حينه - اتجه بجيشه إلى ذلك المكان ، ولما وصل إلى قيد مسيرة يومين من جيش النصارى ضرب معسكره وعقد مجلساً من القادة والأشياخ للبحث في خطط المعركة .

مرت أيام عديدة لم يقع فيها اشتباك ، وسأل أبو يوسف مجلسه الاستشاري عن الخطة المناسبة ، وطلب رأي أبي عبد الله بن صناديد الذي كان من أعقل وأخبر زعماء الأندلس بمكائد الحروب ، الذي كان من آرائه أن توضع خطة موحدة لتسيير دفة الحرب ، وأن يجب اختيار قائد عام للجيش كله فاختار أبو يوسف كبير وزرائه أبا يحيى بن أبي حفص الذي امتاز بالفطنة والشجاعة .

وأن يتولى قيادة الأندلسيين زعماؤهم حتى لا تضعف حماستهم حينما يتولى الأجانب قيادتهم ، وأن يتولى الأندلسيون والموحدون لقاء العدو ومواجهة هجومه الأول ، وأما بقية الجيش المكون من قبائل البربر غير النظاميين وجمهرة كبيرة من المجاهدين والمحاربين فإنهم يكونون قوة احتياطية تقوم بالعون والإمداد ، وأما أبو يوسف المنصور فيستطيع بحرسه أن يرجح كفة الموقعة كلها ، ويجب أن يرابط بقواته وراء التلال على مسافة قريبة منا ، ثم ينقض فجأة على العدو ، كل هذه الآراء أبداها الزعيم الأندلسي ووافق عليها أبو يوسف المنصور وأمر بتنفيذها .

وحشد ألفونسو قوات هائلة من مملكته ، وقدم إليه فرسان قلعة رباح ، وفرسان الداوية ، واستطاع أن يحشد مائة ألف مقاتل في رواية ، وأكر عدد ذكرته الروايات ثلاثمائة ألف مقاتل ، ومع ذلك طلب مساعدة ملكي ليون ونافار النصرانيين اللذين جمعا حشوداً ولكنهما تباطآ في المجيء للمساعدة .

وفي 9 شعبان 591هـ كانت موقعة الأرك الفاصلة ، وأعد أبو يوسف المنصور جيشه الذي يساوي على الأغلب عدد جيش النصارى ، فاحتل الموحدون القلب ، واحتل الجناح الأيسر الجند العرب – أعقاب فاتحي المغرب المسلمين - ، ومعهم بعض القبائل البربرية تحت ألويتهم الخاصة ، واحتل الجناح الأيمن قوى الأندلس بقيادة عبد الله بن صناديد ، وتولى أبو يوسف قيادة القوة الاحتياطية مكونة من صفوة الجند ومن الحرس الملكي ، ودفعت صفوف المتطوعين ، ومعظمها مكون من الجنود الخفيفة إلى المقدمة لتفتتح القتال .




الأرك ، للدكتور شوقي أبو خليل
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الاندلس ومجد المسلمين الغابر @الـعـجـمـي@نــت@ المجلس الإســــلامي 1 06-01-2006 05:10 AM
ابو حمد الشامري في وجهاّ لوجه أبو مسعود مجلس الترحيب والتهاني 74 06-12-2005 08:06 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 01:59 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع