بسم الله الرحمن الرحيم
نظراً لإعجابي بهذه المادة الأدبية أحببت أن أضع بين يدي أخواني في منتدى مجالس العجمان هذه المادة الدسمة من ما إستطعت أن أجمعه من روايات وقصص ومعلومات عن نظام الصعاليك والشخصيات المؤثرة والشهيرة فيه أتمنى أن تنال رضاكم واستحسانكم.
الصعاليك
نظام قديم ... كان سائدا و متعارف عليه ..عند كافة القبائل العربية والشعراء الصعاليك
هم فئة من الشعراء ظهروا في العصر الجاهلي قبل الاسلام .كانوا لا يتورعون عن القيام بأي فعل .. من شأنه أن يساعدهم ويبقيهم أحياء ..و كلمة صعلوك كما هو معروف .. هي كلمة .. كانت تطلق علي اي فرد ... من أفراد القبيلة ... يقوم بأفعال منكرة ..لا تتفق مع السلوك المتوقع و المتعارف عليه.. لدي افراد القبيلة .
و بسبب العار الذي يلحقه بها انظمام مثل هذا الفرد بين باقي القبائل .. كانت القبيلة تطرد هذا الشخص .. ولا تعترف به ويصبح (( صعلوكا )).. بسبب ما قد قام به .. من أفعال منكرة لا تقرها وتقبلها .. وبسب هذه العقوبة .. و ضمن هذا الوضع الجديد ... يصبح الشخص هنا ... منبوذا من المجتمع والناس والقبيلة ككل ... لذلك كانت تضيق على هذه الفئة من الناس ((الصعاليك )) سبل العيش الكريم .. بسبب عدم تقبل الناس للتعامل معهم ... فكانوا يتجهون الى خارج المدينة ..ليكونوا ضمن عدة افراد مجتمعين . فتجدهم يقطعون الطريق و يغيرون على القوافل يسلبونها وربما يقتلون ويفعلون أفعال أكبر من ذلك .
علي اية حال ... لعله من المناسب الان ..ان نتعرض الى أهم الصفات التي تميز بها الشعراء الصعاليك .
صفاة الصعاليك :
الصعاليك هم أحد مكونات المجتمع .. رغم عدم أعتراف ونكران الأخير
(( المجتمع ))لهم ..الا انهم بالضرورة يشكلون .. فئة وشريحة من شرائح المجتمع القائم في ذلك الوقت ... لذلك لا يمكن ان ننزع الطابع الانساني عنهم بالمطلق .. فقد كان بعض هؤلاء الشعراء يتبنون فلسفة أو قضية إنسانية معينة ... تستطيع ان تلامسها عندما تقرأ اشعارهم التي قالوها .. علي سبيل المثال .. الشاعر تأبط شرا .. فلسفته وطموحه في الحياة هو الصداقة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معني .. أما الشاعر عروة بن الورد فالقضية الانسانية التي تبناها هي أطعام الفقراء والمساكين ..لذلك كان يسرق ويسلب حتي يطعمهم .. وقد أطلق عليه لقب أبو المساكين أو ابو الفقراء .
اما اهم مايتميز به الصعاليك كحالة عامة فأنهم كانوا عدائين ماهرين لا يشق لهم غبار .
فبسبب فقر و حاجة الصعاليك ... وعدم توفر قدر من المال الكافي لديهم ... يكفل لهم شراء فرس أو دابة يركبونها في غاراتهم ... فقد اعتمد أغلبهم ... على خفة حركته وشدة بأسه وتحمله الشديد .. و العدو لمسافات بعيدة وطويلة في طلب الرزق... يساعدهم في ذلك .. سرعتهم في الهرب من تعقب المتعقبين واللحاق بهم .
كان من بينهم من ضرب به المثل في زمانه . في سرعة الركض و شدة العدو. ورويت وقيلت عنه الأقاصيص في ذلك .. من أجل هذا عرفوا وسموا بـ((العدائين))
وقد صار العدو والركض من أهم صفاتهم ومميزاتهم ... التي امتازوا بها عن غيرهم ... حتى
قيل إن الخيل لم تكن تلحق بهم وتدركهم... ونعتوا بأنهم كانوا أشد الناس عدواً ... وانهم لايجارون ركضا و عدواً ... بل انه لايمكن اللحاق بهم ابدا ...
أما عن أبرز اسماء هذه الفئة من الشعراء والذين يعرفون بالشعراء (( الصعاليك )) فهم: الشنفرى(الشنفره) ...وتأبط شراً ... و السليك بن السلكة ... وعروة بن الورد ... وعمرو بن براق ... ونفيل بن براقة ... والقتال الكلابي ... والاعلم الهذلي اخو صخر الغي الهذلي ... والمنتشر بن وهب الباهلي ... وأوفى بن مطر المازني .. وفضالة بن شريك .. وغيرهم
وهنا سنتطرق لبعض المشاهير من الشعراء الصعاليك ونبدأ طبعاً بالشنفرى :
الشنفره (الشنفرى) :
هو ثابت بن أوس الأزدي و الشنفرى لقب غلب عليه حتى أصبح لا يكاد يعرف إلا به ومعنى الشنفرى أي غليظ الشفتين وهذه بداية المظالم التي تعرض لها الشنفرى حياً وميتا
إذ اقتصر كل من شرح تلك الكلمة على هذا المعنى فقط غليظ الشفتين رغم ورود معانٍٍ أُخَــرْ لهذه الكلمة ففي لسان العرب وكتاب العين وردت المعاني التالية:
1 - سئ الخلق : شنفر شنفر رجل شنذيرة وشنظيرة و شنفيرة إذا كان سيء الخلق
وأنشد : شنفيرة ذي خلق زبعبق .
2 - حـِـدّة الســير ، والخفة والنشاط والشهرة .
قال الطرماح يصف ناقتة :
ذات شنفارة إذا همت =الذف بماء عصائم جسده
أراد أنها ذات حدة في السير وقيل ذات شنفارة أي ذات نشاط و الشنفار الخفيف مثل به سيبويه وفسره السيرافي وناقة ذات شنفارة أي حدة ، و الشنفرى اسم رجل ،
الشهرة والوضوح ، وهذا المعنى هو أقرب المعاني إنطباقاً مبني ومعني على الشنفرى .
لنسترسل قليلاً مع إبن خيار وهو يبحث عن الشنفرى من وادٍ إلى واد ومن جبلٍ إلى جبل وهو يصف ما واجه بقوله :
بحثت عنه كثيراً في سوق حباشة ظللت أتفرس في وجوه الناس ابحث عن ذي الشفتين الغليظتين ..!!
وفي بطحــان بحثت عن ذي النقـزتان التي عجز عن تحطيم رقمها القياسي حتى الآن كل أبطال القفزة الثلاثية من شرق الأرض إلى غربها مررت بسوق ذي مجاز فوجدته يباباً خلي الفؤاد والمهاد قرعت سني ندماً وأسفا فكم كنت أمني نفسي بساعة من نهار مع شاعر الأزد
[ الشـــنفرى ] عدت أدراجي وأنا أندم من الكسعي سلكت طريقي آيــبـــاً نحــو الجنوب إلى دياره ، ديار الأزد وأنا لا أ حمل إلا الحسرات والندم والإحبــاط وحينما تخطيت ديار بجيلة ظل بصري معلق بكل قنة جبل ، يحدوني بصيص أمل، وأنا أردد بيته المشهور:
لعمرك ما في الأرض ضيق على أمريء = سرى راغباً أو راهبــاً وهو يعقــل
وحين توغلت في ذرا دوس تذكرت وادي حظــوة فسلكت طريقها وقبل أن أخوت بشعابها سمعت الشنفرى فوق علياء يغني:
فضج وضجت بالبراح كأنها = وإياه نوح فوق علياء ثكــل
فغنيت بأعلى صوتي :
ألالاتعُــدني إن تشـــكـّيت خُلـّتي=شفاني بأعلى ذي البـُريقـَين عَـدوتي
وإنّـي لحــلو إن أريدت حَـلاوتي = ومـُرّ إذا نفـس العـزُوف استمرتِ
أبـيّ لمــا أبــى ســريع مباء تـــي = إلى كل نفـس تنتـحي في مسرتي
كانت هذه الأبيــات هي المفـتاح الذي استطعت أن انفذ بها إلى قلب الشنفرى فاسترعي انتباهه ، دعاني إلى الجلوس فجلست إلى جواره فوق صخرة عالية تمعنت في وجهه وأطلت النظــر فوجدت رجــلاً حسن الصورة [ عــادي الشــفتـيـن ] ليس وسيماً ولا قبيحا وجه قمحي كلون حنطة فرعة دوس وهامته شامخة كشموخ قممها يغطيه شعر أبيض متروك على سجيته فســألني من أنت ..؟؟
فقلت له أنا ابن خيار ...!!
لم يتركني أكمل ، التقط الكلمات من فمي وأكمل :
أنا ابن خيار الحجــر بيتا ومنصبا =وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها
أتـمـم البيت وهو يبتسم.
فاسرعت بســـؤاله:
أما زالت مطيـُّـك راحلة ياثابت؟؟
قال وقد اخرج من صــدره زفرة ســاخنة :
أما الأن فــــــلا وأردف قــائلا :
وإني كفــاني فقـد مـن ليس جــازيـــاً = بحُسنى ولا في قربه متعــلل
ســألته انت الأن في دوس فأين ولدت ؟ وأين عشت ؟
عشت بداية حياتي في ثلاث قبائل فقبيلتي هي الحِـجـْر ثم انتقلت إلى بني شـبـّابة بن فهم ثم انتقلت إلى بني سلامان وعشت في كنف رجل طيب حتى ظننت أنني ابنٌ له وكنت أعيش معه ومع ابنةً له يقال لها قعسوس وكأني واحد من بني سـلامان بن مفرح أما بقية حياتي فكانت برفقة خالي تأبط شرا والبراق وعدد أخر أمثالي ممن احتوتهم تنائف جبال السراة وشعابها.
ولكنهم يقولون انك عشت مابين يثرب ومكة وفي أعماق الصحراء المترامية الأطراف ..!!
يضحك الشنفرى ساخراً ويقول : ألم تتغنى بأشعاري كما كان يفعل أهل زماني ..؟؟
قلت له : بلى لقد قرأت وحفظت بعضهــا
وعــلامَ دلتــــك ..؟؟
دلتني على أن مرابعك كانت تمتد من سوق حباشة في تهامة حتى بطحــان ومنحل والعصداء وبجيلة وعصنصر والعوص في سراة الحجــاز وسوق ذي المجاز ومنى وأرض هذيل وأخبرني بعض الرواة المنصفين أن أخوالك هم قبيلة بني عدوان الذين كانوا يستوطنون مايسمى اليوم [ قرى معشوقه ] أســافل وادي بطحــان الذي كنت تفضل جنا أليفه والذي قيل أنك أسرت به وفيه ختمت حياتك .
مادام شعري ينطق بهذا فلم تســألني أين عشت ..؟؟
أسألك ليطمئن قلبي وقد كثر المجتهدون والمؤلفون عنك وكلهم يدعي صدق روايته وكلهم يدعي العلم والمعرفة عن سيرتك وحياتك ومع ذلك يؤكدون خـــطــأً انك عشت بعيدا عن هذه المنطقة.
حياتي وأصلي ودياري يتحدث عنها شعري اسمع ماقلت :
بريحانة من بطن حلية نورت = لها أرج ماحولها غير مسنت
----------------------------------------------------------
ثلاثا على الاقدام حتى سمابنا = على العوص شعشاع من القوم محرب
------------------------------------------------------------------
وإني لأهوى أن ألف عجاجتي = على ذي كساء من سلامان أو برد
وأصبح بالعصداء أبغي سراتهم = وأسلك خلا بين أرباع والسرد
------------------------------------------------------------------
قتيلي فجار أنتما إن قتلتما = بجوف دحيس أو تبالة يا اسمعا
------------------------------------------------------------------
فإلا تزرني حتفتي أو تلاقني = أمش بدهر أو عذاف فنورا
أمشي بأطراف الحماط وتارة = تنفض رجلي بسبطا فعصنصرا
وأبغي بني صعب بن مر بلادهم = وسوف ألاقيهم إن الله يسرا
ويوما بذات الرأس أو بطن منحل = هنالك تلقى القاصي المتغورا
------------------------------------------------------------------
وما شــأنك مع قعسوس ..؟؟
قعسوس هذه إبنة السلاماني - الطيب الشهم الكريم – الذي عشت طفولتي وشئ من شبابي في أكنافه ، قلت لها يوماً ( اغسلي رأسي يا أخيه ) فصكت وجهي ثم سعت إلى أبيها فأخبرته فخرج إلي ليقتلني فوجدني أنشد :
ألا ليت شعري والتلهف ضـــــلة = بما ضربت كف الفتاة هجينها
ولو علمت قعسوس أنساب والدي = ووالـــدها ظلت تقاصر دونها
أنا ابن خيار الحجــر بيتا ومنصبا = وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها
فقال لي : لولا أني أخاف يا شنفرى أن يقتلني بني سلامان لأنكحتك ابنتي فقلت : علي إن قتلوك أن أقتل منهم مائة رجل فزوجني ابنته وأخلى سبيلي ثم أخبرتني أمي فيما بعد أنني كنت مستعبداً عندهم بالإضافة إلى أن والدي مات قتلاً من قبل كما قتل والد زوجتي فيما بعد وكان لهذه الأحداث أثر كبير في نشوء الغضب في نفسي فاتخذت من الصعلكة أسلوباً للحياة أعيش في نتائــف جبال دوس بصفة خاصة وسراة زهران بل كل السراة بصفه عامة وكنت معروفاً بسرعة العدو حتى ضرب العرب بي المثل فقالوا : ( أعدى من الشنفرى ) والقرى التي تعرفونها الآن بيضان والعصداء ومنحل والسرد وغيرها وقبيلة بجيله ( بني مالك ) وتبالة كانت مسرحاً لعملياتي ، فوق قممها الشماء وفي بطون أوديتها الخصبة ومرابعها الجميلة وحول مياهها العذبة أنشدت أحلى أشعاري ومنها قصيدتي التي أسميتموها فيما بعد ( لامية العرب ) والتي أقول في مطلعها :
أقيموا بني أمي ، صــدورَ مَطِيكم = فإني ، إلى قومٍ سِـــــــواكم لأميلُ !
فقد حـمت الحـاجـاتُ ، والليلُ مقمرٌ = وشُـــــدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى= وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضـيقٌ على أمرئٍ= سَـــرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
وكان الشنفرى يريد أن يستمر في إنشادي قصيدته ذات ال68 بيتاً لكني استمهلته بقولي له :
مهلاً فحديثي معك سيطول ويتشعب ولدي الكثير مما أود التعرف عليه منك شخصياً والوقت قد لايسعفنا مع أن اعتزازي بك وبأدبياتك التي أوردتها في قصيدتك دفعني للبحث عنــك للقائك والتحاور معـــك وكم يسعدني مرافقتك ولو لهنيهات قصيرة .
تبسم وقال :
هـــات ماعندك .
كيف قبل الســلامي أن يزوجك ابنته وأنت أســود ..!![هجـيـــن ] ..!! ومن [ أغــربة العــرب ] كما يقولون..؟؟
ســــود الله وجــه من ســــود وجــهي ..!!
لقد استدلوا على ذلك من كــلامك وأشــعارك
كيــــف ..؟؟
حين أطلقت بيتك المشـهور:
ألا ليت شعري والتلهف ضـــــلة = بما ضربت كف الفتاة هجينها
أولاً : انتم تقرؤون البيت الأول وتهملون ما بعده من أبيات ثم أنكم تناسيتم المعاني الأخرى لكلمة هجين لأنه قد شاع عندكم فقط معنى واحد لكلمة هجين دون بقية المعاني الأخرى ففي قواميس اللغة أن [ الهجان من الإبل البيض الكرام ] وأن [ الهجان الخيار وامرأة هجان كريمة من نسوة هجائن وهي الكريمة الحسب لتي لم تعرق فيها الإماء تعريقا ]
و [ ورجل هجان كريم الحسب نقي وبعير هجان كريم ]
قال ابن حمزة : الهجين مأخوذ من الهجنة وهي الغلظ و الهجان الكريم مأخوذ من الهجان وهو الأبيض و الهجان البيض وهو أحسن البياض وأعتقه في الإبل والرجال والنساء
ويقال خيار كل شيء هجانه قال وإنما أخذ ذلك من الإبل وأصل الهجان البيض وكل هجان أبيض و الهجان من كل شيء الخالص.
وأنشد :
وإذا قيل من هجان قريش = كنت أنت الفتى وأنت الهجان
والعرب تعد البياض من الألوان هجانا وكرما
وأنشد :
ابنوا على ذي صهركم وأحسنوا = ألم تروا صغرى اللقاح تهجن
أهلهم أهجنوهم أي زوجوهم صغارا يزوج الغلام الصغير الجارية الصغيرة
ويقال للقوم الكرام إنهم لمن سراة الهجان
وقال الشماخ:
ومثل سراة قومك لم يجاروا = إلى الربع الهجان ولا الثمين
الهجان الخيار من كل شيء و الهجان من الإبل الناقة الأدماء وهي الخالصة اللون والعتق من نوق هجان و هجن و الهجانة البياض ومنه قيل إبل هجان أي بيض وهي أكرم الإبل
وقال لبيد :
كأن هجانها متأبضات وفـــ = ـــي الأقران أصورة الرغام
و من الا بل البيض والبيضاء والرجل الحسيب ويقال للقوم الكرام إنهم لمن سراة الهجان ونخلص مما سبق إلى المعاني المؤكدة التالية:
البيض الكرام ، الهجان الخيار ،المرأة الكريمة الحسب ، ورجل هجان كريم الحسب ، و الهجان البيض وهو أحسن البياض وأعتقه في الإبل والرجال والنساء ،و خيار كل شيء هجانه ، و الهجان من كل شيء الخالص.
والعرب تعد البياض من الألوان هجانا وكرما
وثانيــاً :
تذكر أنني قلت شعري هذا وأنا مازلت صغيراً لم أتزوج قعسوس بعد
ألا ليت شعري والتلهف ضـــــلة = بما ضربت كف الفتاة هجينها
ولو علمت قعسوس أنساب والدي = ووالـــدها ظلت تقاصر دونها
أنا ابن خيار الحجــر بيتا ومنصبا = وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها
وثالثــــا :
فقد ورد في كتبكم نصوصاً كثيرة ًمؤداها:
( فكان الشنفرى في بني سلامان لاتحسبه إلا أحدهم حتى نازعته بنت الرجل الذي كان في حجره وكان السلامي أتخذه ولداً له )
فلو كنت أســوداً من فصيلة [ العبيــد ] فهل ســأكون بينهم ولا تحسبوني إلا أحــدهم وأين سيذهب الإعتقــاد من اللون الأسود وكيف سيتخذني السلامي ولداً له لو كنت أسود اللون .
وممتى كان العرب يجعلون عبيدهم أبنــاءً لهم ألم يتنكر كثير من العرب لأبناءهم من أصلابهم لأنهم سود البشرة ..؟؟
ألم يفعلوا ذلك مخــافة العــار ..؟؟
فما بالك بمثلي ممن لم يكن من صلب السلامي ولا من جاريته ولو لم أكن من أحرار العرب فهل كان السلامي العربي الأصيل سيتبناني أو يزوجني إبنته قعســوس لولم يعلم أنني من سراة الحـــجر أم أن العبيد عندكم اليــوم هم الســادة ..؟؟
سادت في فترة من الفترات مقولة تنسب قصيدتك [ اللاميــة ] إلى غيرك وبالذات إلى خلف الأحمر الأعجمي الذي عاش في القرن الثاني الهجري وكان ذلك صورة من صورالصراع الذي ساد بين العرب والعجم في العصر العباسي وتبعه في العصر الحديث بعض المستشرقين الذين يشكون في نسبة هذه القصيدة إليك حتى أن اشهر من جمع القصائد العربية في سفر يعد الأشمل وقد وسمه بإسم [[ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ]] لم يضم كتابه قصيدتك اللامية ومن إسمه أستطيع أن أصنفه ضمن من ذكرت لك .
انفعل الشنفرى وبدت على ملامحه عوامل الغضب الشديد وسألني من أي قبيلة أنت ..؟؟
فأخبرته بأني أزدي من قبيلة غامد التي ترتبط بجوار ودم مع قبيلته زهران وظننت أنني حين ذكرت له ما ذكرت سيخفف من إنفعاله وغضبه لكن ثورته ازدادت
وقال ألم تسمع بقبيلة دوس ..؟؟ ألم يتضمن شعري أسماء الأماكن التي كنت أغدو وأعدو فيها ..؟؟ الم تؤرخوا لحياتي ثم كيف تصدقون تلك الأكاذيب ..؟؟ بالرغم من أن تلك القرى ما زالت حتى اليوم تحمل نفس الأسماء وماتزال قائمة بذات الأماكن ومنها وادي دحيس والتي تقع فيه قريتا الشطبة والاشتاء وقرية السرد التي أقول عنها في إحدى قصائدي
كأن قد فلا يغررك مني تمكثي = سلكت طريقاً بين يربع فالسرد
وإني زعيم أن تلف عجاجتي = على ذي كساء من سلامان أو برد
وكان لي في وادي حظــوة -هذّا الذي نشرف عليه ونجلس في علياءه - صولات وجولات مع بني سلامان وهي قرية سميت باسم ذلك الوادي المشهور الذي يعود لبني فهم من دوس وتبعد عن المندق حوالي 8 أميال ووادي أبيده وهو الوادي المشهور بفاكهة الرمان التي ما زلتم تتذوقونها وتجنونه ثمراتها حتى اليوم ثم قرية منحل القريبة من وادي أبيده والتي أخذت اسمها من انشغال أهلها بتربية النحل وإنتاج العسل منذ عصري وحتى عصركم هذا
حيث اقول عنها في شعري :
ويوما بذات الرأس أو بطن منحل = هنالك تلقى القاصي المتغورا
وأقول في بيت آخر :
أمشي بأطراف الحماط وتارة = تنفض رجلي بسبطا فعصنصرا
وهـو جبل في ديار بني سلامان ، و لقد أوردت في شعري كما ذكرت سابقا أماكن وأودية وقرى وعليكم الرجوع إلى كتـَابـَي صفة جزيرة العرب للهمداني ومعجم البلدان لياقوت الحموي إن كنتم قد فقدتم ذاكرتكم وتاريخكم وصدقتم ادعاءات الأدعياء والمشككين الذين لا يريدون إلا مسخ هويتكم العربية والتي أمثل أحد رموزها وإني لأستنكر هذا وأسألكم كيف يمكن لرجل أعجمي عاش في بلاد فارس أن يذكر بالوصف الدقيق تلك القرى وتلك الأماكن وهو لم يعش فيها ولم يتفاعل معها ، وحين أنشدت قصائدي ونضمت قوافيها التي تفاعلت معها ، واختلطت بها حتى أصحبت جزء منها وهي جزء مني وتسكن في سويداء القلب فوصفت حتى صخورها ألم أقول في قصيدتي التي أسميتموها لامية العرب :
إذا الأمعز الصوان لاقى مناسبي = تطا يرمنه قادح ومفلل
فكيف يمكن أن يأتي فتى أعجمي بمثل هذا المعنى الجميل الذي مزجت الطبيعة فيه بنفسي حتى غدوت وإياها كائنا واحدا.
وأغدو على القوت الزهيد كما غدا = أزل تهاداه التنائف اطحــل
غدا طاويا يعارض الريح هافياً = يخوت بأذناب الشعاب ويعسل
ولقد تفاعلت هنا مع الطبيعة ( طبيعة جبال دوس ) ونقلت لكم تجربة إنسانية لا يمكن (ولا فخر ) أن يأتي بها إلا من عايشها مثلي فجبال دوس الشاهقه ذات النتائف المليئة بالذئاب والريح الباردة والجوع وهبتني تجربه إنسانية فريدة أخرجتها في قالب شعري جميل ولقد وصفت مكونات الطبيعة بكافة أشكالها وألوانها بالإضافة إلى ماسبق فقد نقلت صور اخرى للمكونات الطبيعة الثرية المتنوعة في تلك المنطقة فوصفت الذئاب الجائعة التي تنوح فوق أعالي الجبال حيث تتألف من شدة الجوع على شكل جماعات وكأنها مرامل تعزي بعضها بعضا وصورت ملك النحل وهو يحثحث دبره والقطا والضباء والافاعي والحيّـات ولبائد الشعر التي لم يمسسها الدهن ووصفت صبري وايلافي الهموم والجوع وكلها معاني ترتبط بتلك المنطقة وجغرافيتها وحياتها الفطرية بارتباط وثيق تختلف اختلاف كبير عن الحياة في وادي الرافدين
ثم الا تراني قــد وضعت ميسمي على كل حرف مما أسميتموه باللامية ومنها توقيعي الشخصي حيث أقول :
وأعـدلُ مَـنـحـوضاً كـأن فـصُوصَهُ كِـعَـابٌ =دحـاها لاعـبٌ ، فهـي مُثَّلُ
فإن تبتئس بالشنـفرى أم قسطلِ =لما اغتبطتْ بالشنـفـرى قبلُ ، أطولُ!
طَـرِيدُ جِـناياتٍ تياســرنَ لَــحْـمَهُ =عَـقِـيـرَتـُهُ فـي أيِّـهـا حُــمَّ أولُ
تـنامُ إذا ما نام ، يـقـظى عُـيـُونُـها =حِـثـاثـاً إلى مكـروهـهِ تَـتَغَـلْغَـلُ
لقد استرسلت حتى تثبت لنا أنك المالك الوحيد لقصيدتك التي أسميناها لامية العرب وهنا قاطعني قائلا :
سأسألك سؤال فيه دليل أخر، لما تسمون قصيدتي بلامية العرب ..؟؟
أليس في ذلك تمييز لها عن لامية العجم التي أنشأها الحسين بن علي الطغرائي في القرن السادس الهجري وأسماها بلامية العجم ..؟؟
والتي مطلعها :
أصالة الرأي صانتني عن الخطل = وحلية الفضل زانتني لدى العَطَلِ
مجدي أخيراًومجدي أولاً شَرَع =والشمسُ رأد الضحى كالشمس في الطفلِ
فأصبح لديكم لاميتان مُيـّزَت إحداهما بأنها لامية العجم فلابد أن تميز الأخرى بأنها لامية العرب
ثم أخذت بطرف الحديث وسألته عن التناقض بين شهرة قصيدته وحياته المجهولة فأجاب قائلا :
أنا أســتنكف أن أجيب على هذا السؤال لأني في حياتي كنت مشهوراً ومعروفاً وتتردد مغامراتي على كل لسان وتشدو بقصائدي الركبان ولم أكن مجهولا فأنا كما ذكرت سابقا في قصيدتي :
أنا ابن خيارالناس
لكن عقوقكم لي وإغفالكم لتاريخكم جعل تاريخ حياتي أشبه بالمجهول عندكم رغم شهرة قصيدتي وما أوردته فيها من المعاني الكريمة حتى قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ علمو أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق ] .
ومذا عن النساء وأشعارك فيهن ..؟؟
أنشــد وأصابع يمناه تعبث بلحيته البيضــاء :
أرى أم عمرو أجمعت فاستقلت = وما ودعت جيرانها إذ تولت
فقد سبقتنا أم عمرو بأمرها = وقد كان أعناق المطي أظلت
فواندما على أميمة بعدما = طمعت فهبها نعمة العيش ولت
تبيت بُعيد النوم تهدي غبوقهـا = لجارتها إذا الهدية قلت
أميمة لا يخزي نثاها حليلها = إذا ذكر النسوان عفت وجلت
يحل بمنجاة من اللوم بيتها = إذا ما بيوت بالملامة حلت
لقد أعجبتني لا سقوط قناعها = إذا ما مشت ولا بذات تلفت
كأن لها في الأرض نسيا تقصه = إذا ما مشت وإن تحدثك تبلت
يقول بعض النقاد عن قصيدتك اللامية بأنها [نشيد الصحراء ] فهل أبحرت في رمالها وهل قطعت فيافيها وهل لك تجربة شعرية استوحيتها من تلك الفيافي والقفار ؟
كما تعرفون فقد كانت سراة زهران وما تحتويه من جبال وشعاب مسرح لحياتي ولم تكن الصحراء بعيد عني حيث كانت تحيط بالسراة من شرقها وغربها وكانت تربض على أطراف تلك الجبال ولأنني كنت من أكثر الناس عدوا فقد أمر بتلك الأطراف من الصحراء إلا أنني لم اكن أتتوغل فيها كثيراً بحكم حياتي الجبلية وتألفي مع قممها وشعابها وقد كنت أجد في تلك القمم ضالتي فأنشأت صداقاتي مع حيواناتها الضارية من الذئاب والسباع والثعالب والضباع والنحل والمياه العذبة حتى أنني قلت فيها حين أستعداني قومي :
ولي ، دونكم ، أهـــلونَ سِيْدٌ عَمَلَّسٌ = وأرقطُ زُهــلــول وَعَــرفــاءُ جــيألُ
هم الأهلُ . لا مستودعُ السـرِّ ذائعٌ = لديهم ، ولا الجــاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ
هناك في حياتك تناقضات يتمثل التناقض الاول فيما احتواه شعرك من قيم ومثل جميله والثاني في صعلكتك التي تعتمد على السلب والنهب والتي اتخذتها أسلوب لحياتك فماذا يعني هذا لك ؟
التناقض الذي ذكرته لي لست أنا سببه بل أنتم وحدكم لأن الصعلكه كانت في عصرنا تمثل جانب مهم من جوانب الحياة فماذا يفعل الفرد منا إذا لفظه مجتمعه ظلماً وعدوانا..؟؟ أليس من حقه أن يحيا حياة كريمة ..؟؟ ويعيش في مجتمع يتفاعل معه وان يدفع الظلم عن نفسه إذا لحق به فلقد قتل الفهميون أبي واستعبدني بنو سلامان برغم أنني من أسرة تعتبر من خيار الأسر وقتلوا والد زوجتي ولقد أظهرت أهدافي النبيلة ومبادئي القيمة التي كنت احملها وأومن بها في ثنايا شعري فجاء ت معبرة أصدق تعبير عن خلجات نفسي وكنت أتوق إلى حياة كريمة هادئة مطمئنة كبقية البشر لكنهم طاردوني في كل مكان رغم أنهم كانوا يتغنون بقصائدي ويتعاطفون مع مشاعري لكنهم لم يبادلوني تلك المشاعر فكان من حقي أن أعيش ولكن بأسلوبي ألست القائل :
وفي الارض منأى الكريم عن الاذى = و فيها لمن خاف القلى متعزل
أديم مطال الجوع حتي أميته = و أضرب عنه الذكر صفحا فأذهل
واستف ترب الارض كيلا يرى له = علىَّ من الطول امرؤ متطول
ولولا اجتناب الذام لم يبق مشرب = يعاش به إلا لدىّ و مأكل
و لكن نفساً حرة لا تقيم بي = على الضيم إلا ريثما أتحول
وأخيراهل سمعت برثاء خالك لك ..؟؟
وكيف يسمع الميت بمن يرثيه وقد ضمته اللحود ..؟؟
هل تود سماعها ؟؟
أجاب وهو يهز رأسه بالإيجــاب نعم
أسمعته مرثية خاله فرأيت دمعة كبرياء تعلقت بأهداب عينه ولمــّا تسقط وكأنها غيمة شــاردة:
على الشنفرى ساري الغمام ورائح = غزير الكلى وصيب الماء باكر
عليك جزاء مثل يومك بالجبا = وقد أرعفت منك السيوف البواتر
ويومك يوم العيكتين وعطفة = عطفت وقد مس القلوب الحناجر
تجول ببز الموت فيهم كأنهم = بشوكتك الحدى ضئين نوافر
فإنك لو لاقيتني بعدما ترى = وهل يلقين من غيبته المقابر
لألفيتني في غارة أنتمي بها = إليك وإما راجعا أنا ثائر
وإن تك مأسورا وظلت مخيما = وأبليت حتى ما يكيدك واتر
وحتى رماك الشيب في الرأس عانسا = وخيرك مبسوط وزادك حاضر
وأجمل موت المرء إذ كان ميتا = ولا بد يوما موته وهو صابر
فلا يبعدن الشنفري وسلاحه = الحديد وشد خطوه متواتر
إذا راع روع الموت راع = وإن حمى معه حر كريم مصابر
ودعته وتركته لشــأنه وأنا أردد أبيات قالها ذات يوم وكأنه ينتظر مصيره ويطلب من من يقف على جثته أن لا يدفنه ولا يحفر له قبراً:
فلا تقبروني إن قبري محرم = عليكم ولكن أبشري أم عامرِ
إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري= وغودر عند الملتقى ثم سائري
هنالك لا أرجو حياة تسرني = سمير الليالي مبسلا بالجرائرِ
تركت سمير الليالي ومازالت صورته لا تبرح خيالي تركته وأنا أســبح في بحر مـن الخيــال مع تلك القمم والشــعاب وكل مايرتبط بالســمر وتســاءلت هل يذكر ذوو الأسماء المرتبطة بهذا الفـعل [ ســمر ] مابينهم وبين ثابت من علاقة ..؟؟ وهل يتذكر الســمار في ليالي أسمارهم بيتا واحدا [ لسمير الليالي الشنفرى ] ألا ليت شــعري .
ولمن لم يسترسل مع ابن خيار هذا التفصيل السلس لشخصية الشنفرى :
هو ثابت بن أوس الأزدي المتوفى عام 510 ميلادي ، أي قبل هجرة النبي- صلى الله عليه و آله وسلم - بسبعين سنة تقريبا ...
أختلف المؤرخون في تدوين شخصية الشنفرى .. ولهم في هذا أقوال ، منها :
(1) قيل أنه نشأ في قومه في الأزد ثم غاظوه فهجرهم ثم هجاهم ...
(2) ومنهم من قال إن بني سلامان أسروه صغيرا ثم هرب منهم وهجاهم ...
(3) وقالت فئة ثالثه
إنه ولد في سلامان وعاش رهينة عندهم مع أخيه وأمه....
وقال يوما لإبنة مولاه: (( اغسلي رأسي يا أخية )) فغاظها أن يدعوها بأخته فلطمته .. فهرب ثم هجاهم ..
(4) القول الرابع والصحيح
أنه عاش عبدا رقيقا عند بني الأحمر .. ولما كبر واشتد ساعده تقدم لسيده وطلب منه أن يـُــزوجه ابنته ... فتعجب سيده من جرأته .. وزوجه إياها إكراما له على شجاعته وجرأته ..
فلما علم بنو الأحمر بخبره .. وأنه تزوج منهم - وهم من أشراف القبائل - .. وهو عبدا رقيقا ، وأن القبائل الأخرىستنال منهم بسببه، قرروا قتل والد الزوجة - سيد الشنفرى - عقابا له .
وفعلا قتلوه ، فلما عاد الشنفرى وزوجته - من شهر العسل - وعلم بالقصة ؛ أقسم أن يقتل مائة رجل من بني الأحمر .
وفعلا بدأ بإيفاء نذره .. فقتل الأول والثاني والثالث والرابع .. ولا يكاد يمر يوم إلا ويقتل منهم رجل أو أكثر ، فلما رأوا ما فعله بهم تآمروا على وضع كمين له، وفعلا استطاعوا وضع هذا الكمين بعد أن قتل تسعة وتسعين رجلا منهم .. وكان في طريقه لقتل الرجل المائة ، لكنهم أمسكوه قبل أن يقتل الرجل المائة ، وصلبوه حيا ، جردوه من ثيابه وجعلوا الصبيان ترجمه ، والسباع تنهش من جسده ، والغربان تنخر في رأسه ، حتى مات ، ثم تركوه شهورا مصلوبا، حتى لم يبق من جسده إلا النزر اليسير، فأسقطوه وجعلوه ملقى ً على التراب ، فجاء أحد رجال بني الأحمر .. ورأى الجثة ملقاة .. والجمجمة بجوارها .. فركل الجمجمة بقدمه .. فدخلت عظمة من جمجمة الشنفرى في قدم الرجل .... فأثرت عليه حتى مات بسببها ..وقيست قفزاته في تلك الليلة فبلغت القفزة الواحدة عشرين قدماً.
فقال الناس : وفـّــى الشنفرى بنذره وقتل من بني الأحمر مائة رجل .
وماجاء من صفاته أنه أسمر البشرة ، نحيل الجسد، يتلذذ بالعيش في البراري والجبال والقفار ، وكان أيضا خفيف الظل . وكان مشهورا بالسرعة حتى ضرب في سرعته الأمثال فقيل ( أعدى من الشنفرى ) .
و مغامراته في البادية تفوق حد الخيال ويختلط فيها التاريخ بالأسطورة ؛ و الشنفري من الشعراء الصعاليك الذين يمثلون الجانب الإنساني والشيطاني معا، لقي من اضطهاد الناس وعنت الحياة ما لم يلقه غيره .. وكان عنيدا ومع هذا كله ، فقد كان وفيا لسيده حتى مات في سبيل هذا الوفاء .
كما أنه كان شاعرا عظيما في الجاهلية، له قصائد كثيرة ، في الهجاء ، وفي المدح والثناء ، وفي الغزل ، وفي الحـِــكم .
السليك بن السلكة
وليلة جابان كـررت عليهـم = على ساحة فيها الاياب حبيب
عشـية كدت بالحرامي ناقـة = بحـيهلا يــدعـــو بها فـتجـيـب
فضاربت اولى الخيل حتى كانما = اميل عليها ايدع وصبيب
ملاحظة ... الأبيات السابقة .. يصف فيها سليك أحد هجماته وغاراته ..التي أعتمدت على أسلوب الكر المفضل لديه عندما يغير على القوافل ويسلبها.
اولا ... لابد ان نعرف ان ((السلكة)) الأنثى من أولاد الحجل .. وهو طائر بحجم الدجاجة او اصغر قليلا يمتاز بالسرعة وخفة الحركة ... والذكر منه يسمى سلك .. لهذا سمي سليك بن السلكة بهذا الأسم.
سليك هو شاعر من الفتاك اللصوص ... من صعاليك العرب العدائين الذين كانوا لا يلحقون ولا تعلق بهم الخيل إذا ما عدو ..
ويقال ان عمـرو بن معد يكرب الزبيـدي ...رضي الله عنه ... وهو فارس اليمن .. ومن فرسان الجاهليةالمعدودين وبطل من أبطال الإسلام المعروفين قال : ((اني أتي بالضعينة من الشام الى اليمن لااخشى عليها مالم يقابلني حراها او عبدها
وقصد بالعبدين (( عنترة بن شداد وسليك بن السلكة )) لأن السليك كان أسود اللون ايضا .. وسواء صدقت هذه المقولة ام لا ... فهي تدل على ما لسليك من شجاعة وبطش شديدين.
أخبار السليك بن السلكة ونسبه :
هو السليك بن عمرو بن يثربي .... وقيل أيضا ان ابوه هو بن عمير بن يثربي ... وليس عمرو ... أحد بني ((مقاعس)) وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
والسلكة ... أمة وهي أمة سوداء ... وكان يغير على القبائل .. لاسيما القبائل اليمانية وقبائل ربيعة ... وكان من العارفين باقتفاء الأثر والقصاصين. ومن العالمين بمسالك الطرق وطبيعة الأرض .
وفيما يلي سوف نستعرض للأقوال التي ذكرها وقالها عنه بعض الأدباء والمؤرخين ...
يقول الأخفش عن السكري عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي
قال: وفرئ لي خبره وشعره على محمد بن الحسن الأحوال عن الأثرم عن أبي عبيدة قال
أخبرني ببعضه اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل
وقد جمعت رواياتهم فإذا اختلفت نسبت كل مروي إلى روايه.
يستودع بيض النعام ماء في الشتاء ليشربه في الصيف:
كان السليك بن عمير السعدي إذا كان الشتاء استودع ببيض النعام ماء السماء ثم دفنه .. فإذا كان الصيف وانقطعت إغارة الخيل وأغار. واحتاج إلى الماء ...جاء إلى مواضع البيض ... فاستخرج البيض منها وشرب ما فيه من ماء ... وكان أدل من قطاة - يأتي حتى يقف على البيضة .. اي انه يعرف اين دفن هذه البيضة رغم تغير الظروف المناخية ومرور الزمن عليها ... كان لا يغير على مضر وإنما يغير على اليمن فإذا لم يمكنه ذلك أغار على ربيعة.
صفاته:
قال المفضل عنه ..
كان السليك من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم ... وكانت العرب تدعوه سليك
المقانب ... وكان أدل الناس بالأرض وأعلمهم بمسالكها وأشدهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل.
وكان يقول: ((اللهم إنك تهيئ ما شئت لما شئت إذا شئت. اللهم إني لو كنت
ضعيفاً كنت عبداً ولو كنت امرأة كنت أمة. اللهم إني أعوذ بك من الخيبة فأما الهيبة فلا
هيبة.)) وهذا دليل واضح على أنه لا يعرف معنىً للخوف .. أذ انه حتى بدعائه لم يطلب من الله أزالة عامل الخوف والهيبة من نفسه وقال (( أما الهيبة ... فلا هيبة ... ))
أنباء عن قدرته على الاحتمال:
قال أبو عبيدة:
بلغني أن السليك بن السلكة ... رأته طلائع جيش لبكر بن وائل ... وكانوا جازوا منحدرين سرا ... ليغيروا على بني تميم ... ولا يعلم بهم أحد فقالوا : إن علم السليك بنا أنذر قومه وأفسد علينا ...
فبعثوا إليه فارسين على جوادين ... لكي يشاغلونه أو يقبضون عليه ...فلما هايجاه وأقتربا من مكانه ... خرج يمحص كأنه ظبي ... وطارداه سحابة يومه .. وأختفى عن الانظار .. ولم يبقي سوا تتبع أثره علي الأرض.
ثم قالا: إذا جاء الليل تعب وأعيا ... ثم سقط أو قصر وتثاقل عن العدو فنأخذه ... فلما أصبحا وجدا أثره قد عثر بغصن شجرة إخترقت رجله ((فنزعها )) وتقوست فانحطمت فوجدا قطعة منها قد ارتزت بالأرض والأخرى برجله
فقالا : .. ما له أخزاه الله ... ما أشده ! وهما بالرجوع ... ثم قالا :.. لعل هذا كان من أول الليل
ثم فتر فتبعاه فإذا أثره دامٍ قد بلل فرغا في الأرض وخدها فقالا :.. ما له قاتله
الله ما أشد متنه ! والله لا نتبعه أبداً فانصرفا... ونمى سليكا بهذه الأخبار إلى قومه ... وأنذرهم بها فكذبوه لبعد الغاية ... فأنشد يقول:
لعمرك ما سعيت من سعى عاجـز=ولا أنا بالـواني ففيـم أكذبُ
ثكلتـكما إن لـم أكـن قـد رأيــتـها=كراديس يهديها إلى الحي موكبُ
كراديس فيها الحوف زان وقـومه= فوارس همام متى يدع يركبوا
تفاقـدتـم هـل أنـكرن مـغـيرة=مع الصبح يهديهـن أشـقر مغـرب
يعني الحوفزان بن شريك الشيباني
تفاقدتم: يدعو عليهم بالتفاقد. قال وجاء الجيش واحتطمهم.
لماذا لقب بـ(( سليك المقانب))... ؟
المقانب هي الذئاب الضارية المتوحشة.. وقد أردف هذا اللقب بأسم السليك .. نظرا لسلوكه المعتمد علي القسوة والضراوة .
قال في ذلك ضرار الأسدي - وكان قد وجد قوماً يتحدثون إلى امرأته من بني عمها ... فعقرها بالسيف فطلبه بنو عمها فهرب ولم يقدروا عليه - فقال في ذلك:
لزوار ليلى منكم آل برثن =على الهول أمضي من سليك المقانب
يزورونها ولا أزور نساءهما= لهـفى لأولاد الإمــاء الحــــواطــــب
وقال ايضا :
جزى الله عنا مرة اليوم ما جزى=شرارالموالي حين يجزي المواليا
إذا ما رأى من عن يميـني أكلباً=عـوين عوى مستحـلباً عن شـماليا
ويـسـألني أن كيـف حالي بعـده =على كل شـيء ساءه الدهـر حاليا
وحالي إني سوف أهدي له الخسا= وأمشي له المشي الذي قد مشى ليا
(( فكيهة))امراة تجير سليك:
وهي واحدة من ثلاث نسوة يسمون بالوافيات ..
الوافيات في الجاهلية ثلاث خماعة بنت عوف الشيباني ... وفكيهة من بني قيس بن ثعلبه
وأم جميل من دوس ... وهم رهط أبي هريرة من أهل السراة.
وكان الذي ذكر من وفاء خماعة ... أن مروان بن زنباع بن جذيمة العبسي أغار على إبل لعمرو بن هند فطلب حتى انتهى إلى ماء لبنى شيبان ... فنظر إلى أعظمها قبة فولجها ... وهي قبة خماعة فاستجارها ... فنادت في أهل بيتها فجاءوا وجاء الملك عمرو بن هند
فقال: ادفعوا إلي ..
فقالوا : إن خماعة قد أجارته ...
فقال : قد أجارته ..؟!!
قال: فأني قد آليت أن لا أقلع عنه حتى يضع يده في يدي
فقال أبوها عوف بن محلم : يضع يده في يدي وأضع يدي في يدك تبر يمينك ...؟
قال: نعم
ففعل ... فزعمت بكر بن وائل أن الملك قال يومئذ: لا حر بوادى عوف ... وتأويل ذلك .. هو (( أن العزيز به والذليل سواء ))
وكان الذي شهر ذكر وفاء أم جميل أن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل أبا أزيهر الزهراني من أزد شنوءة وكان صهر أبي سفيان بن حرب فلما بلغ ذلك قومه بالسراة وثبوا على ((ضرار بن الخطاب ابن مرداس الفهري)) ليقتلوه ... فسعى حتى دخل بيت أم جميل وعاذ بها فضربه رجل منهم ... فوقع ذباب السيف على الباب ... وقامت في وجوههم فذبتهم عنه ونادت قومها فمنعوه لها
ولما قام عمر بن الخطاب ... ظنت أنه أخوه فأتته بالمدينة ... فلما انتسبت عرف القصة فقال: إني لست بأخيه إلا في الإسلام ... وقد عرفنا منتك عليه فأعطاها على أنها إبنة سبيل.
نرجع مرة اخري لأكمال حديثنا عن الشاعر سليك ...
وكان الذي ذكر من وفاء فكيهة ... أن السليك ابن السلكة غزا بكر ابن وائل فلم يجد غفلة ... فكان ينتظر بها فرأوا أثر قدم لم يعرفوها فقالوا : .. والله إن هذا لأثر رجل يرد الماء ... ما نعرفه فاقعدوا له وأمهلوه حتى يروى ... فإذا روى فشدوا ...
ففعلوا فورد عندما قام قائم الظهيرة ... حتى امتلأ وجعل يصب الماء على رأسه
ووجهه ... ففاعوا به فأثقله بطنه فعدى حتى ولج قبة فكيهة فاستجارها فأدخلته تحت درعها
وجاءوا يطـلبونه فذبت عنه حتى انتزعوا خمارها ... ونادت إخوتها وولدها فجاءوا عشرة
فمنعوه ... قال: وسمعت سنبلاً يقول: إن سليكاً كان يقول: ((كأنى أجد سبد شعرها على ظهري ))
حين أدخلتني تحت درعها ... وقال سليك:
لعـمر أبيـك والأنباء تـنمى=لنعم الجار أخت بني عوارا
من الخفرات لم تفضح أباها=ولم ترفع لأسـرتها شنارا
كما ان السليك كان له قصيدة ... ذكر فيها أنه التقى بالغول وصار جاراً للغيلان ... وقد وصف حاله معها ... حيث قال:
وأدهم قد جبت جلبابه كما =احـتابت الكاعـب الخيعلا
إلى أنسحدا الصبح اثناءه =ومـزق جـلبابه الأليلا
عـلى شــيـم نار تـنورتـها=فـبت لها مـدبراً مـقـبلا
فأصبحت والغول لي جارة=فيا جارتا أنت ما أهـولا
وطالبتُـها بعضـها فالتـوت =بوجـه تهـول فاسـتهـولا
وهي قصيدة ذكرها (( ابن قتيبة)) .
وفاته:
ان قاتل السليك بن السلكة يسمى (( أسد بن مدرك الخثعمي))
وقيل ((يزيد بن رويم الذهلي الشيباني)) توفي قبل قرابة الخمسة عشر عاما ... من بدأ الرسالة المحمدية .. سنة 605 م
تأبط شرا :
نسبه:
هو ثابت بن جابربن سفيان الفهمي، من قبيلة فَهْم.
ويقال بأنه من أغربة العرب ، إذ كانت أمه حبشية سوداء ورث عنها سوادها ، والأقرب للحقيقه أن أمه حرة من فَهم تسمى أميمة .
وقد أختلف القدماء في تعليل لقبه ( تأبط شرا) فقد قيل كما ذكر محسن الحبيب :
اما سبب تسميته تأبط شرا يقال ان احدا اتى يسأل أمه عن ثابت فقالت تأبط شرا وخرج ويقال سمي تأبط شرا لقوله ابيات يصف نفسه فيه قائلاً :
تأبط شرا ثم راح او اغتدى= يوائم غنما او يشيف الى ذحل
وربما كانت قبيلته هي التي لقبته بهذا لكثرة جناياته وجرائره .
إذاًهو من الشعراء الصعاليك، عاش في الحجاز، في المنطقة المحيطة بالطائف، وجمع عصابة للاغارة على بني خثعم وهذيل، والأزد.. شاع شعره في وصف الغيلان والجن.
الخيال :
مما روته كتب التاريخ عن تأبط شراً انه خارق القوة، فان اتكأ على بعير اسقطه، او استوى على ظهر فرس اجهضها، وهو اسرع من الجياد الجامحة ومن ذلك ما يقال عن تأبط شراً من أنه " كان أعدى ذي رِجْلين وذي ساقين وذي عينين ، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة ، فكان ينظر الى الظباء ، فينتقي على نظرة أسمنها ، ثم يجري خلفه ، فلا يفوته ، حتى يأخذه فيذبحه بسيفه ، ثم يشويه فيأكله " ويسبق الظبي في عدوه، وان رمى رمحه، فانه كريح الشتاء، ورغم ان له الكثير من الحكايات الخرافية مع الجان والغيلان، الا ان الذين وصفوه، يرون انه هو الغول بعينه، فضفيرتاه تشبهان قرني الشيطان، وله عينان حمراواتان، تنبعث منهما اشعة كريهة تنذر الناظر اليهما بالموت، وفمه كفوهة بئر، اما انفه فانه يشبه رأس البعير.. مع هذه الاوصاف وغيرها من امارات القبح، فان (تأبط شرا) يعد واحدا ممن يعشقنه النساء، كما تجلى ذلك واضحا في اشعاره.
نادته امه يوما، وقالت له: «ايها الولد العاق، ها أنت ترى ما نحن فيه من شظف العيش، وانت لا هم لك الا ان تسابق الغزلان، لم لا تنطق ايها الخبيث؟!»، فيجيبها: «وماذا تريدين ان افعل، بعد ان جئت لك بكبش سمين، فاذا به ينقلب بين يديك الى ذئب مفترس؟! وسرقت لك ما يزن حمل بعير من التمر، فانقلب التمر حين رأى وجهك الى أفاع سامة!! فماذا افعل لك بعد ذلك يا امرأة؟!
لكنها لا تعبأ بما قال وتصرخ فيه: اسمع ايها الجلف.. ان في فلاة رحى بطان من ارض هذيل، إبل ترعى، فلو تربصت ببعضها ليلا.
فيصيح فيها مقاطعا: انتِ اذاً تريدين لابنك ان يسرق اموال الناس؟ فتجيبه ساخرة: ثكلتك امك، وهل لك صنعة اخرى غير السرقة التي ورثتها عن ابيك؟
فيجيبها: واللات ما اسموك ام الاشرار عبثا, وبئس الأم انت يا من تحرضين ولدك على فعل الشر ، فتقول له: «لا تجادلني، وانت لا عمل لك سوى مجالسة السراق كأبي خراش والشنفري.. هيا اذهب يا تأبط الى رحى بطان، وعد لأمك بلبن النياق.
الخرافة:
عندما شارف تأبط شرا على منطقة رحى بطان، وضع اذنه على الأرض، كي يسمع وقع اقدام النوق، ولكنه سمع ما لم يكن يتوقع، فصار من شدة هول الدهشة، يحدث نفسه: ما هذا؟! ما هذه الاقدام الثقيلة الوقع، كأنها جبل يسير، وصوت اقدامه يأتيني عبر الرمال، مع ما يفصل بيننا بمسافة تبلغ عشرات الفراسخ اي مخلوق هذا الذي يسير بهذه القوة؟.
وفجأة يظهر له من بين العجاج كائن بشع المنظر، ضخم الجثة، فيصيبه الارتباك، واذا بذلك الكائن يصدر صوتا انثويا رقيقا: اقترب مني يا حبيبي... اقترب... فبعد قليل ستصبح زوجي.
فيرد عليها تأبط بعد ان تمكن من السيطرة على اعصابه: واللات ان ما سمعته عن خبث الغيلان لهو حقيقة واقعة.. انك تخدعين الرجال بهذا الصوت الوديع , واذا بالكائن البشع يتحدث اليه بصوت غليظ كأنه الرعد: ما دمت قد عرفت حقيقتي، فماذا جاء بك الى هنا يا تأبط؟ وكيف سولت لك نفسك ان تعتدي على ارضي؟
فلم يجد تأبط شرا عذرا سوى القول انه مر فوق هذه الاراضي عن طريق المصادفة، فتصدر عن الكائن البشع ضحكة جلجلت اصداؤها في الفضاء، ثم يعقبها قوله: كذبت... بل قل ان امك هي التي طلبت اليك ان تأتي الى هنا لتسرق ابل قيس عيلان، ولكنها دفعت ثمن تحريضها اياك على السرقة، ثم استخرجت جثة امه من وعاء، وألقت بها امامه، ها هي ام الاشرار جثة هامدة امامك...
فيصرخ تأبط باكيا: ويحك قتلت امي ايتها الغولة، فتهجم عليه قائلة: وسأمزقك بأنيابي يا تأبط، فيشتبك معها بعد ان تقمصه قوته الخارقة التي كثيرا ما يستدعيها عندما يتعرض لمعارك مع الجن والغيلان، وبينما كانت الغولة تصدر ضحكاتها، عاجلها تأبط بكسر انيابها، فقالت له وهي في قمة حنقها وغضبها: ستكون هذه آخر ليلة من ليالي حياتك، سأمزقك إربا إربا ايها التأبط اللعين ، فيجيبها وهو يكمل تكسير انيابها: بل انا الذي سأسلخ جلدك النتن واصنع منه اكبر خيمة في بلاد العرب، لأذل بك قبيلة الغيلان ايتها الخبيثة.
فأجهز عليها، ثم حملها الى قبيلته منشدا هذه الأبيات:
ألا من مبلغ فتيان فهم= بما لقيت عند رحى بطانِ
بأني قد لقيت الغول تهوى= بسهب كالصحيفة صحصحانِ
فأضربها بلا دهش فخرّت= صريعة لليدين وللجرانِ
فلم انفك متكئا عليها= لأنظر مصبحا ماذا أتاني
اذا عينان في رأس قبيح= كرأس الهر مشقوق اللسانِ
وقد مات والد تأبط وهو لايزال صغيرا فتزوجت والدته بأبي كبير الهذلي،تزوج أبو كبير الهذلي أم تأبط شراًَ
وكان تأبط غلاماً صغيراً فتنكر له ، وعرف أبو كبير ذلك في وجهه ، إلى أن ترعرع الغلام .
فقال أبو كبير لزوجته :
ويحك ، قد رابني والله أمر هذا الغلام ، ولا آمنه . قالت : فاحتل عليه حتى تقتله .
فقال له ذات يوم : هل لك أن تغزو يا ثابت ؟؟ فقال : ذاك من أمري . قال : فامض بنا
فخرجا غازيين لازاد معهما ، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد .. حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع .
فلما أمسى قصد به أبو كبير قوماً كانوا له أعداء ، فلما رأيا نارهم من بعيد قال له أبو كبير : ويحك قد جعنا .
فلو ذهبت إلى تلك النار فالتمست لنا منها شيئا .
فمضى تأبط شراً ، فوجد على النار رجلين من ألصِّ من يكون من العرب وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه .
فلمارأياه قد غشى نارهما وثبا عليه ، فرمى أحدهما وكر على الآخر فرماه ،فقتلهما ، ثم جاء إلى نارهما فأخذ الخبز .
فجاء به إلى أبو كبير فقال له : كل ، لاأشبع الله بطنك ، ولم يأكل هو
فقال : ويحك أخبرني ماذا حدث؟ فأخبره ، فازداد خوفاً منه .
ثم مضيا ليلتهما فأصابا إبلاً ، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليال :
اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه وأنام ، وتنام النصف الآخر ، فقال : ذلك لك ، اختر أيهما شئت .
فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل ويحرسة تأبط شراً ، فإذا نام تأبط شراً نام أبو كبير أيضا لايحرس شيئا حتى استوفى الثلاث .
فلما كان في الليلة الرابعة ظن أبو كبير أن النعاس قد غلب الغلام ،فنام أول الليل إلى نصفه ، وحرسة تأبط شراً ،
فلما نام الغلام قال ابو كبير : الآن يستثقل نوماً وتمكنني فيه الفرصة ، فلما ظن أنه استثقل أخذ حصاة صغيرة فرمى بها فقام تأبط كقيامه الأول وقال :
مالذي أسمع ؟ قال : والله ماأدري لعل بعض الإبل تحركت ، فقام وطاف فلم يرى شيئا
فعاد فنام ، فأخذ حصاة أصغر من تلك فرمى بها فوثب تأبط ، فطاف ورجع إليه فقال : ياهذا، إني قد أنكرت أمرك والله ,لئن عدت أسمع شيئا من هذا لأقتلنك.
قال أبو كبير : فبت والله أحرسه خوفا من ان يتحرك شيء من الإبل فيقتلني
كان تأبط شراً يرافق الشنفرى في كثير من غاراته كما كان يرافقهما صعلوكٌ آخر يسمى عمرو بن برّاق .
له أشعار كثيرة منثورة في كتب الأدب ، كما نسب إليه الكثير أيضا .
ويقال أن من ضمن ما نسب إليه لاميته التي رثى بها خاله والتي مطلعها :
إن بالشعب الذي دون سَلْعٍ =لقتيلا دَمُـهُ مـا يُطَـلُّ
فقد نحلها أياه خلف الأحمر .
ومن أشعاره التي رواها المفضل الضبي في مفضلياته ، والتي يصور فيها أحدى مغامراته مع صديقيه الشنفرى وعمرو بن براق والتي باءت بالفشل فدبروا حيلة بارعة نجوا فيها عدوا على الأقدام :
ليلة صاحوا وأغروا بي سِراعهُمُ=بالعَيكتين لدى مَعْدَى ابن بـرّقِ
كأنما حثحثوا حُصَّـا قَوادِمُـهُأ=و أم خؤشْفٍ بذي شَثّ وطُبَّاقِ
لاشيء أسرع مني ليس ذا عدوٍ=وذا جناحٍ بجنب الريْـدِ خَفـاق
حتى نجوت ولما ينزعوا سلبـي=بِوالهٍ من قَبِيِض الشـدِّ غيْـذاقٍ
ويقول أيضا:
لكنما عِولي إن كنتُ ذا عِـوَلٍ=على بَصيرٍ بكسبِ الحمد سَباقِ
سباقِ غاياتٍ مجدٍ في عشيرته=مُرجعِ الصوتِ هدّا بين أرفاقِ
عاري الظنابيبِ مُمتد نواشرهُ=مِدلاج أدهم واهي الماء غساق
حمـال ألويـة شهـاد أنديـة=قوال محكمـة جـواب آفـاق
فذاك هَمي وغزوي أستغيث بهِ=إذا استغثت بضاق الرأس نعاقِ
فهو يتصف بجهارة الصوت بين رفاقه وبضمور جسمه وقوته وصلابته وجرأته .
ولا ينسى أن يضيف إلى هذه الخصال خصلة الكرم:
بلْ مـن لعذّالـةٍ خَذّالـةٍ أشـبٍ=حَرقَ باللوم جِلدي أيَّ تحـراقِ
يقول أهلكت مـالا قنعـت بـهِ=من ثوب صدقٍ ومن بزّ وأعلاقِ
عاذلتي إن بعض اللـوم مَعْنَفـةٌ=وهل متـاعٌ وإن أبقيتُـه بـاقِ
وكأن الصعلكة قد أنعكست عليها صفات الفرسان من سمو في الأخلاق .
قيل لقي تأبط شرا رجلاً من ثقيف يقال له ابو وهب وكان جباناً اهوج وعليه حلة جيدة
فقال ابو وهب لتأبط شرا: بم تغلب الرجال يا ثابت وانت كما أرى دميم ضئيل؟
قال: باسمى, انما اقول ساعة ما ألقى الرجل:انا تأبط شرآ،فيخلع قلبه حتى انال منه ما اردت.
فقال له الثقفي : أقط؟ قال:قط ، قال: فهل لك ان تبيعني اسمك؟
قال:نعم، قال: فبم تبتاعه؟ قال: بهذة الحلة وبكنيتك
قال لة:افعل،ففعل، وقال تأبط شرآ: لك اسمي ولي كنيتك
وأخذ حلته واعطاه كساء بالي ثم انصرف.
وقال يخاطب زوجة الثقفي:
ألا هل اتى الحسناء ان حليلها=تأبط شرآ واكتنيت أبا وهب
فوهب تسمى باسمي وسميت باسمه=فأين له صبري على معظم الخطب
وأين له بأس كبأسي وسورتي=وأين له في كل فادحة قلبي
عاشقة تأبط شرا :
وصفها بأنها جميلة كالوردة في خدرها، لولا ان بها شوك، فيروي قصته معها، يوم خرج مع صاحبه الشنفرى الذي كان مثله عداء لا يشق له غبار، فتسللا معا في جوف الليل، حتى ظهرت لهما نيران لأناس يسمرون قرب قافلة لهم، فقال الشنفري: علينا ان نسرق ما في هذه القافلة فيسأل تأبط عن السبيل الى ذلك، ورجال القافلة كثيرون؟!
فيرسم له الشنفري الخطة، وهي كالتالي: تقترب انت منهم، فيطمعون فيك، فاذا طاردوك، فطاولهم.. فاذا عدوا خلفك، استأسر لهم، فان اخذوك الى حيث القافلة ثم اوثقوك، بدوت لهم انا من بعيد، اعدوا امامهم، حتى يجدوا في طلبي، فأباعد بينهم وبين القافلة، فتحل انت وثاقك، وتسوق القافلة الى مخبأنا .
وفعل تأبط ما تم الاتفاق عليه، فاذا بدا لهم الشنفرى، سألوا تأبط: اهذا صاحبك؟!
فأجابهم: احذروه، فانه اسرع من يعدو في العرب، وما احسبكم تلحقون به فاجابه احدهم: لن يعجزنا ان نأتي به لنضمه اليك.
وبدأوا يطاردون الشنفرى وهم على ظهور جيادهم، بينما هو يعدو عدوا، قد ابعد بهم مسافات طويلة عن قافلتهم. وفي هذه الاثناء فك تأبط شرا وثاقه، وساق القافلة الى حيث مخبأهما، وما ان ادخل الأبعر الى الكهف، حتى سمع صوتا نسائيا، فاستطلع الامر، واذا به امام شابة رائعة الجمال، لينة الاعطاف، يكاد بياض وجهها ينير ظلمة الكهف، ترجوه ان يتركها الى حال سبيلها بعد ان ظفر بغنيمته، فيقول لها: اومن يظفر بمثلك يفعل ما تطلبين واللات ما افرط فيك ابدا.
فتضحك بمرح ودلال قائلة: ما احسبك الا اضعف الخلق.
فيجيبها محتدا: ليس لمثلي يقال هذا الكلام فتمد نحوه يدها، وترفعه من صدره الى اعلى ثم تلقي به الى الارض, فحاول القيام وهو يتوعدها: واللات ما ابقي عليك حية، وان كنت اجمل الجميلات.
فترفعه من صدره ثانية ثم تلقي به الى الارض، ووضعت رجلها فوق جسمه، وتوجهت اليه بالحديث وهي ضاحكة، ومزهوة بنصرها عليه: والآن ما تقول ايها الخبيث وانت تحت قدمي لا تملك حراكا.
فيجيبها: ويحك من اين لك هذه القوة؟؟
فتنشرح اساريرها لسؤاله: حسنا، ما دمت قد اقررت بأن هناك من هو اقوى منك، فاني اعفو عنك.
ويسألها تأبط: كيف تركتني اسوق قافلة قومك، ولم تمنعيني من ذلك؟
تجيبه: سمعت عن شجاعتك، واعجبت بك، فتركتك تفعل ما تفعل لأظفر بك.
فيجيبها بخذلان وأسى: ظننت انني انا الذي ظفر بك، هيا.. اقتليني فلا احتمل ذلا بعد هذا الذل، امرأة تصرع تأبط شرا؟! اقتليني ويحك، ماذا تنتظرين؟
فتقول له: هناك ما هو خير من قتلك، وهو ان تتزوجني، فوالله قد احببتك من كثرة ما سمعت عنك، تزوجني.. فلا يكون احد في ارض العرب، في شدة قوة اولادنا.
فتزوجها بعد ان شغف بها حباً، ورغم قبحه، صار الناس يضربون الامثال بجمال (براق) ولده الأول منها.
وقُتل تأبط شرا في بلاد هذيل، وألقيت جثته في غار يقال له (رخمان).
عروة بن الورد
"من زعم أن حاتما أسمح العرب فقد ظلم عروة بن الورد "
عبد الملك بن مروان
نسبه:
هو عروة بن الوَرْد العبسي ، كان أبوه من شجعان قبيلته وأشرافهم وكان له دور بارز في حرب داحس والغبراء .أما أمه فكانت من ( نَهْد) من قضاعة ، وهي عشيرة وضيعة لم تعرف بشرف ، فآذى ذلك نفسه ، وأحس في أعماقه بعارٍ لا يمحى ، يقول :
ومابيَ من عـارٍ إخـالُ علمتُـه=سوى أن أخوالي إذا نُسبوا نَهْدُ
وربما هذا هو السبب في ثورته على الأغنياء ، وإن كانت هذه الثورة مهذبة ، فلم يتحول إلى سافك دماء ولا إلى متشرد يرود مجاهل الصحراء ، وقبيلته لم تخلعه ، بل ظل ينزل فيها مرموق الجانب ، إذ أتخذ صعلكته باباً من أبواب المروءة والتعاون الإجتماعي بينه وبين فقراء قبيلته وضعفائها ، ومن أجل ذلك لقب (عروة الصعاليك ) لجمعه أياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم وضاقت بهم الدنيا .
وكانت عبس إذا أجدبت أتى ناس منها ممن أصابهم جوع شديد وبؤس فجلسوا أمام بيت عروة ، حتى إذا أبصروا به صرخوا وقالوا " يا أبا الصعاليك أغثنا" فكان يرق لهم ويخرج بهم فيصيب معاشهم .
وعروة بذلك كله يعبر عن نفس كبيرة ، فهو لا يغزو للسلب ولا للنهب كالشنفرى وتأبط شرا، أنما كان يغزو ليعين الهُلاّك والفقراء والمرضى والمستضعفين من قبيلته ، ولم يكن يُغير على كريم يبذل ماله للناس ، بل كان يتخيرلغارته من عُرفوا بالشح والبخل ومن لا يمدون يد العون للمحتاج في قبائلهم .
شعره:
ولعروة بن الورد ديوان برواية ابن السكيت ، تترد في أشعاره معانٍ كثيرة رائعة ، جعلت معاصريه ومن جاء بعدهم يعجبون به إعجابا شديدا .
ومن المعاني الرفيعة التي جاءت في شعره ، قوله :
إني امرؤٌ عافـى إنائـيَ شٍركـةٌ=وأنت امرؤٌ عافـى إنائـك واحـدُ
أتهـزأ منـي سمنـتَ وأن تـرى=بجسمي شحوبَ الحق والحق جاهدُ
أفرق جسمي فـي جسـوم كثيـرة=وأحسو قراح الماء ، والماء بـارد
إذ تعرض له بعض أصحابه يعيره بأنه هزيل شاحب اللون ، فقال له : إنني يشركني كثيرون من ذوي الحاجة في طعامي ، أما أنت فلا يشركك أحد ..
أنه يقسم طعامه بينه وبين الفقراء أو كما عبر عنها يقسم جسمه في جسومهم ، بل كثيرا ما يؤثرهم على نفسه بكل طعامه مع جوعه ويكتفي بشرب الماء البارد في فصل الشتاء .
ومن أوثق شعره قصيدة رواها الأصمعي في أصمعياته ( أقلي علي اللوم )، وفيها توجيه الخطاب لزوجته سلمى التي تلومه كثيرا على كثرة مخاطرته ومغامراته في الغزوات والغارات :
تقول لك الويلاتُ هل أنت تاركٌ=ضُبوءًا برجلٍ تـارة وبِمنْسـر
ويرد عليها :
أبي الخفض من يغشاكِ من ذي قرابةٍ=ومن كل سوداء المعاصـم تَعتـري
ومُستهَنىء ، زيـدٌ أبـوه فـلا أرى=له مَدْفعَاً فاقْنَى حيـاءَكِ وأصبـري
هو لا يستطيع القعود عن الغزو كما تريد هي ، لما عليه من واجبات تجاه أهل قبيلته من الضعفاء والنساء المعوزات ، فهو أنما يغزو من أجل الوفاء بحقوق هؤلاء جميعا .
ويعرض عليها صورتين للصعلوك ، صورة رديئة ، وأخرى جيدة :
لَحَى اللهُ صُعْلوكاً إذا جنّ ليلـه=مُصَافي المُشاشِ آلِفاً كلِّ مَجْزرِ
يَعُدُّ الغِنى من دهره كل ليلـةٍ=أصاب قِراها من صديق ميسرِ
ينامُ عشاءً ثم يُصبـح قاعـدا=يَحُتُّ الحصا عن جنبِه المتعفر
قليل التماس الـزاد إلا لنفسـه=إذا هو أمسى كالعريش المجور
يُعين نساءَ الحـيِّ مايستعنَّـه=فيُضحى طليحاً كالبعير المحسر
هذا هو الصعلوك ضعيف الهمة ، حسبه لقمة عيشه التي يجمعها من فضلات الموسرين ، وينام ملء جفونه ، فليس هناك ما يشغل باله ، هذا صعلوك ذليل مهان ، يعيش عالة على مجتمعه .
أما الصورة الأخرى :
ولله صعلوكٌ صحيفةُ وجهـهِ=كضَوْء شهابِ القابسِ المتنوِّرِ
مُطِلاَّ على أعدائه يَزْجُرونـه=بساحتهم زَجْرَ المَنِيحِ المشَّهـرِ
وإن يَعُدُوا لا يأمنون اقترابـهُ=تشوُّف أهلِ الغائـبِ المتنظَّـرِ
فذلك إن يَلْـقَ المنيـةَ يلقهـا=حَميداً وإن يستْتَغْنِ يوماً فأجْدِرِ
وهذا هو الصعلوك الذي يعجب به عروة ، صعلوك وجهه مشرق بأعماله المجيدة .
مثل هذا الصعلوك المغامر الجريء حتى لو مات تظل ذكراه خالدة المحامد ، وهكذا كان عروة بن الورد .
وهذه قصيدة ( أفي ناب :
أفي نـاب ٍ منحناهـا فقيـرا=ًله بطنابنـا طنـبٌ مُصيـتُ
وفضلة سمنـةٍ ذهبـت إليـهِ=وأكثر حقـهِ مـا لا يفـوتُ
تبيتُ على المرافقِ ، أم وهبٍ=وقد نام العيونُ لهـا كتيـتُ
فـإنّ حمِيّتنـا أبـداً حـرامٌ=وليس لجارِ منزلنـا حَميـتُ
وربُتَ شبعـةٍ آثـرتُ فيهـايداً= جاءت تُغِيرُ لهـا هَتيـتُ
يقولُ الحـقُ مطلبُـهُ جَميـلٌ=وقد طلبوا إليكَ فلـم يقيتـوا
فقلت ألا أحـيَ وأنـت حـرٌ=ستشبعُ في حياتك أو تمـوتُ
إذا مـا فاتنـي لـم أستقلـهُ=حياتـي والملائِـم لا تفـوت
وقد علمـت سليْمـى أن رأيٌ=ورأي البخلِ مختلفٌ شتيـتُ
وأني لا يريني البخـل رأيٌ=سواءٌ إن عطشتُ وإن رويتُ
وأني حين تشتجـر العوالـي=حوالي اللبِّ ذو رأيٍ زَميـتُ
وأكفي ما علمت بفضلِ علمٍ= وأسألُ ذا البيـانِ إذا عميـتُ
وقصيدة ( قلت لقومي:
قلتُ لقومٍ في الكنيـف تروّحـوا=عشية بتنا عنـد مـاوان رُزّحِ
تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكـم=إلى مستراحٍ من حِمـامٍ مبّـرحِ
ومن يكُ مثلي ذا عيالٍ ومُقتِـراً=من المال يطرَح نفسَهُ كلّ مطَرحِ
ليبلغَ عُذراً أو يصيـب رغيبـةً=ومُبلِغُ نفسٍ عُذرهَا مثلُ منجِـحِ
لعلكُمُ أن تَصلُحُـوا بعدمـا أرى=نباتَ العِضَاهِ الثائبِ المتـوروحِ
ينوؤون بالأيدي وأفضل زادِهِم=بقيةُ لحمٍ مـن جـزور ٍ مُمَلّـحِ
توفي عروة بن الورد سنة 596 للميلاد .
المراجع:
كتاب دهاة العرب للقراغوللي
صعاليك الشعر لسلمان داوود ،
كتاب شعر تأبط شرا لجبار جاسم
كتاب اخبار تأبط شرا للجلودي.