الكثيرون من جنود الجيش الأمريكي صدقوا في بداية الأمر ما رسمته لهم الإدارة الأمريكية من ادعاءات حول أن البقاء في العراق إنما سيكون لبناء النظام الديمقراطي الذي يتمتع في ظله أبناء العراق بالحرية، ولأن مقدم الجيش الأمريكي إلى العراق هو الضمانة الوحيدة لمنع استهداف بلاد العام سام بضربات جديدة من نوعية ضربات الحادي عشر من سبتمبر.
ولكن هؤلاء الجنود الأمريكيين الذين خدموا في العراق قبل عامين ودارت الدائرة ليجدوا أنفسهم عائدين إلى هناك مرة أخرى لا يستطيعون أن يبقوا حتى في محيط المنطقة الخضراء – مقر الاحتلال في قلب العاصمة العراقية - بدون أن تراودهم هواجس التعرض لضربات صاروخية أو انفجار عبوات ناسفة أو سيارات مفخخة أو طلقات القناصة في كل وقت.
الميجور كلارك تايلور من الفرقة المدرعة الأولى فيحكي عن نفسه أن معرفته باستدعائه مرة أخرى إلى العراق بعد عامين كان أسوأ خبر سمعه في حياته، لأنه أمضى عام 2004 بأكمله لا همّ له سوى مطالعة أنباء التفجيرات التي تنفذها المقاومة العراقية وقذائف الهاون التي تنهال على القواعد الأمريكية في بغداد وما حولها. وتذكر الميجور تايلور صديقه الحميم الكابتن جيمس شول الذي أصيب بطلقات نارية في الصدر والرأس من أسلحة المقاومين العراقيين في السابع عشر من نوفمبر الماضي بمنطقة 'أبو غريب' بالعاصمة العراقية بغداد. ويقول وفقًا لوكالة فرانس برس: 'لقد مضى على سقوط بغداد عامان، لكنني ظللت على مدى سبعة أشهر أسمع عن السيارات المفخخة التي تنفجر هنا وهناك، وقذائف الهاون والصواريخ التي تطاردنا في كل مكان في العراق، وبدأت أتساءل: ما الذي يحدث لنا ولماذا؟'
والحقيقة التي تفرض نفسها على أرض الواقع أن بوش وبلير وكل من سار في ركابهما في غزو العراق واحتلاله يقفون اليوم لا ليفتخروا أمام العالم بما تحقق على أيديهم من نجاحات وإنجازات في العراق، وإنما ليحصوا أعداد القتلى والمصابين من جنودهم وعملائهم والمتعاونين معهم الذين عملت المقاومة العراقية على استهدافهم ومازالت طوال العامين الماضيين.
وأصبحت الآلة العسكرية الأمريكية تعلن للقاصي والداني عجزها عن القضاء على المقاومة العراقية، بل على العكس من ذلك يشهد العالم بأن هذه المقاومة تحقق كل يوم توسعًا جديدًا ويشتد عودها ويصلب وتتنوع ضرباتها وتزداد عمقًا.
وأمام فشل الآلة العسكرية الرهيبة في إخماد المقاومة المسلحة وتزايد أعداد الدول المتخلفة عن قطار الاحتلال الأمريكي في العراق، لم يخجل قادة البنتاجون من التركيز في كل مناسبة وبشكل علني على حقيقة أن حلم الجيش الأمريكي في الأمن والاستقرار على أرض الرافدين بات يدور كله في فلك إقامة أجهزة أمن عراقية وجيش عراقي جديد توكل إليهم مهام السيطرة على الأوضاع ويقذف بهذه القوات العراقية في خط المواجهة الأول مع رجال المقاومة.
ولم يعد خافيًا أن الإدارة الأمريكية ما كانت لتتحدث عن تقوية الأمن العراقي وبناء قوات مسلحة عراقية مدربة لولا المأزق الخانق الذي فرضته عليها المقاومة التي جعلت بقاء الأمريكان في العراق مستحيلاً، فبدءوا بالبحث عمن يدافع عن قواعدهم وبقائهم.
ويضع بوش وبلير رهانهما المستقبلي كله على تشكيل الجيش العراقي الجديد الذي هو عبارة عن بضع عشرات الآلاف من المرتزقة الذين سيكلفون بمهمات لا تختلف كثيرًا عن مهمات الشرطة العراقية وقوات الحرس الوطني، على أن يكون أول شرط للانتماء لهذا 'الجيش' هو الموالاة التامة لقوات الاحتلال.
.
المصدر : مفكرة الإسلام بتصرف