تحدثت جريدة الواشنطن بوست في تقرير لها بتاريخ الأحد 24 أبريل عن المأزق الذي يعيشه الاحتلال الأمريكي في العراق، خاصة بعد تأكيد الجريدة الأمريكية على أن قوات الشرطة والجيش العراقيين لا يسيطران فعليًا على الكثير من مدن العراق، وأنهم لا تواجد لهم في الشارع العراقي، كما تحدث التقرير عن هروب العديد من أفراد القوات الأمنية من مواقعهم وخلو نقاط الشرطة من الجنود، وزيادة عدد هجمات المقاومة العراقية بنسبة 40% عن الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويأتي ذلك التقرير في الوقت الذي امتدح فيه الرئيس بوش القوات العراقية وقال أنها وصلت إلى مرحلة تدريبية عالية تمكنها من استلام زمام الأمور في البلاد، وهو ما يعده المراقبون كتمهيد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق؛ انسحاب هروب وليس كما يقول سحب للقوات.
وقد استهلت إيلين نيكماير التقرير بزيادة أعمال المقاومة بصورة حادة بعد فترة وصفت بأنها فترة 'هدوء نسبي' أعقبت الانتخابات العراقية في الثلاثين من يناير الماضي؛ فقد تكاثفت هجمات المقاومة التي شنتها بالقنابل والكمائن والسيارات المفخخة وعمليات الاختطاف التي استهدفت العراقيين والأجانب المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي في العراق، سواء المدنيين أو العسكريين، في الوقت الذي لا تزال 'الحكومة العراقية' تصارع من أجل توزيع الحقائب الوزارية على أولئك الذين قبلوا بإجراء انتخابات في ظل الاحتلال.
ويقول التقرير أن القوات العراقية لم تستطيع مواجهة العديد من الهجمات في مناطق واسعة من العراق التي تسيطر عليها المقاومة، وذلك على لسان مسئولي الجيش الأمريكي والمسئولين العراقيين والمدنيين، وطبقًا لمشاهدات مراسل الواشنطن بوست بالعراق، وقد قتل وجرح مئات العراقيين والأجانب في هذا الأسبوع وحده، بحسب إحصائيات الجيش الأمريكي.
وقد صرح مسئول أمريكي من بغداد رفض ذكر اسمه أن 'العنف ازداد سوءًا في العراق، وهناك شعور قوي بأن الزخم السياسي الذي أفرزته الانتخابات العراقية والذي كان بمثابة لكمة عنيفة في أحشاء المقاومة – بحسب المقال - ، كل ذلك قد تلاشى في الهواء، فالمأزق السياسي الذي أعقب الانتخابات قد أعطى المقاومة أملاً جديدًا وقوة جديدة '.
وقد تمكنت المقاومة من تجميع صفوفها في العديد من المناطق في العراق، إضافة إلى نقاط للتجمع والتجنيد في غرب ومنتصف العراق، وفي شرق العراق بطول نهر دجلة، إضافة إلى مناطق أخرى كثيرة.
وفي مدينة حصيبة السنية على الحدود السورية وصف المسئولون الأوضاع الأمنية هناك بأنها مأساوية، وقد شن مقاتلو القاعدة هجومًا يعد ثاني أكبر هجوم منظم على قواعد وتحصينات أمريكية في هذا الشهر، فقد كانت هناك وحدة تابعة للجيش العراقي قوامها 400 مجند، ولكنهم تقلصوا إلى ما يقرب من عشرين حارسًا فقط، 'مختبئين' داخل معمل للفوسفات خارج حصيبة، وكانوا حريصين فقط على حماية أنفسهم وليس المنطقة، كما صرح بذلك قائد أمريكي من المارينز.
فقد صرح الميجور جون ريد الضابط التنفيذي للكتيبة الثالثة من الفوج الثاني مارينز والتي كان لها فرقة في حصيبة أن الحراس العراقيين انسحبوا إلى معمل الفوسفات مع عائلاتهم في الوقت الذي قامت فيه المقاومة بهجماتها التي أسفرت عن مصرع العديد من الأشخاص في الأشهر الماضية في المنطقة.
وأضاف ريد الذي لا تقم قواته بأية دوريات إلا نادرًا في حصيبة: 'سوف يزعمون ـ القوات العراقية ـ أنهم لديهم المئات من القوات الجاهزة للعودة والقتال، ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أكثر من 30 شخصًا فقط في أي يوم من الأيام، كما أنهم منعدموا الفاعلية تمامًا'.
أما في الطارمية بطول شاطئ نهر دجلة والتي يقطنها غالبية سنية فيقول مراسل الواشنطن بوست أن الجنود الشيعة الذين أرسلتهم حكومتهم يظلون خارج المدينة، ولا يدخلونها إلا بمصاحبة الدوريات الأمريكية، أما داخل المدينة فهناك نقاط شرطة ولكن يديرها ضباط شرطة من السنة من القبائل السنية في المدينة، ولكن نادرًا ما يراهم المواطنون.
ويشير المراسل إلى أنه مدينة وراء مدينة وبلدة وراء بلدة هربت القوات الأمنية التي تعاقدت مع الحكومة من أجل تأمين العراق واستبدال القوات الأمريكية؛ فهم ما بين هارب تارك لمواقعه، أو مختبئ داخل نقاط الشرطة مخافة القتل.
ولم يهرب فقط جنود الشرطة العراقية من الموصل، ولكن أيضًا انعدمت المعلومات الأمنية والاستخبارية عن المدينة، فسكان الموصل يشكون في أن الشرطة تستطيع حماية من يبلغ عن رجال المقاومة، وتصف الجريدة إحدى العمليات التي رأى فيها ناظر إحدى المدارس رجال المقاومة وهم يزرعون متفجرات خارج بوابة نقطة الشرطة بالقرب من باب بيته، ولكن الناظر لم يستطع أن يفعل شيئًا سوى أن يقوم بهدوء بصرف التلاميذ من المدرسة وإعطائهم إجازة بقية اليوم الدراسي، ثم مكث في بيته. ويضيف جاسم الجندي بالجيش العراقي أن وزارة الداخلية بعيدة المنال، ومن المفترض أن تطلب قوات الشرطة الإمدادات منها في حال وجود هجوم، ولكنه يضيف: 'إنهم نادرًا ما يستجيبون'.
يقول بروس هوفمان الخبير بشئون الإرهاب بمؤسسة راند أن جماعات المقاومة العراقية تستخدم الحرب النفسية لترويع من يقوم بالوشاية بها، وقد أظهرت الأيام الماضية عودة لشرائط الفيديو المرعبة التي تظهر الرهائن الخائفين وحالات الإعدام، في الوقت الذي تؤدي فيه التفجيرات اليومية إلى جعل الخروج من المنزل في حد ذاته هي مغامرة غير مأمونة الجانب في العراق.
ويضيف هوفمان أن 'المقاومة لا يمكن قياسها بالضرورة بعدد الهجمات ولكن بمستوى الأمن بصورة عامة في العراق، وما يظهر الآن هو أن الأمن غير متوفر في العراق، حتى في عاصمة البلاد'، واستدل بإسقاط المروحية شمال مطار بغداد والتفجيرات على طريق المطار التي حصدت أرواح العشرات من القتلى والجرحى هذا الشهر. وقد اعترف سياسيو العراق الجدد بزيادة ضغوط الولايات المتحدة عليهم لتشكيل حكومة سريعًا من أجل التعامل مع المقاومة، إضافة إلى ضغوط الشعب العراقي.
أما بالنسبة لسكان العاصمة بغداد التي من المفترض أن تكون قوات الشرطة فيها تتمتع بأفضل التدريب، فإنها هي الأخرى قد فشلت في وقف الهجمات التي تقع بصورة يومية، وقد أدى ذلك إلى تسرب اليأس إلى الجميع، ويقول وليد سرحان : 'لا أمل في أن يتم إحلال الأمن على يد قوات الشرطة في البلاد'.
المصدر: مفكرة الإسلام