تدليل الأطفال بين الإفراط والتفريط..!
يؤثر عن الطبيب النفساني والكاتب رودلف دريكورس عبارة شهيرة مفادها «إن الطفل يحتاج إلى التشجيع مثلما يحتاج النبات إلى الماء». فالتشجيع هو بمنزلة احتياج إنساني أساس. والناس في حاجة إلى من يقيم أعمالهم ويثمنها. من هنا، نعتقد أنه من الملائم أن نحور عبارة دريكورس إلى ما يلي: «إن الإنسان يحتاج إلى التشجيع مثلما يحتاج النبات إلى الماء». ذلك أن الإنسان الذي لا يلقى تشجيعاً لن يمكنه أن يشجع طفلاً. ما يعني أننا لا يجب أن نركز فقط على كيفية تشجيع الكبار للأطفال، بل أيضاً على كيفية تشجيع الكبار لأنفسهم. فأنت لا يمكنك أن تغرس الإيمان والثقة في طفل ما إلا إذا كان لديك إيمان وثقة بنفسك.. وفاقد الشيء لا يعطيه. ويقصد بالتشجيع التركيز على الأصول وعلى مصادر القوة، ومتأصل في الاعتقاد بأن الناس لديهم قدرة فطرية في التعامل بإيجابية مع تحديات الحياة. فالتشجيع يعكس أسلوباً مقبولاً. وإذا كنا نريد أن نكون مشجعين، فقد نحتاج إلى تغيير بعض معتقداتنا وأساليب تعاملنا واتصالنا وسلوكنا، فبدلاً من الإسهاب في الأخطاء والأغلاط يمكن أن نغير تركيزنا إلى النافع والمفيد. ونحن جميعاً لدينا تصورات للطريقة التي يتعين علينا وعلى الأطفال أن نتصرف بها، ففي الوقت الذي تكون فيه نوايانا عموماً طيبة إلا أن أساليبنا وطرائقنا التي نستخدمها من أجل تحقيق أهدافنا غالباً ما تفشل في تحقيق هذه الأهداف. فعلى سبيل المثال، هل تتوقع أن تتسم أنت أو أن يتسم الأطفال بالاحترام للآخرين؟ إنها فكرة جديرة بالاهتمام، ولكن كيف يمكنك أن تشجع ذلك؟ هل تظهر الاحترام لنفسك وللأطفال؟ أم أنك تستعمل أسلوب التوبيخ والتعنيف والعقاب وتظهر عدم الاحترام؟ هل تعتقد أنه من الضروري على الشخص أن يشعر شعوراً طيباً تجاه نفسه وأن تكون لديه ثقة في نفسه؟ إنها فكرة جديرة بالاحترام أيضاً. فكيف يمكن تعزيز ذلك؟ هل تؤمن بنفسك؟ هل تبدي الثقة في الأطفال؟ أم أنك تفتقر إلى الثقة بالنفس، وتنأى بنفسك عن المهام الصعبة وتنقل الأسلوب والمخاوف نفسها إلى الأطفال. هل تفعل للأطفال ما يمكن أن يفعلوه بأنفسهم ومن ثم تظهر لهم أنهم غير قادرين على فعل شيء، أم أنك تشجعهم لكي يحاولوا أن يفعلوا الأشياء التي بمقدورهم أن يفعلوها؟ فإذا كنا نريد تحقيق مبادئنا ومثلنا الشريفة والنبيلة، فعلينا أن نستخدم الطرائق والوسائل التي تتماشى مع هذه المبادئ والمثل. عدم التشجيع: إن عدم التشجيع أو بمعنى أدق تثبيط الهمة يقوم على الاعتقاد بأن شخصاً ما ليس لديه القدرة على مواجهة أعباء الحياة وتحدياتها. ومن هنا فإن الأشخاص المثبطين يتزايد قلقهم حول وضعهم ومكانتهم واحترامهم. فهم ينظرون إلى المهام الموكلة إليهم من منظور مدى قدرتهم على أدائها بدلاً من أن يضعوا جل تركيزهم في المهمة نفسها، وغالباً فإنهم سوف يتجنبون أداء المهام التي يخشون من عدم قدرتهم على تأديتها بشكل جيد. وقبل أن نخوض في كيفية الطريقة التي من خلالها يمكن أن نصبح أشخاصاً أكثر تشجيعاً، علينا أن ندرك أن هناك بعض المعتقدات والسلوكيات التي تساهم في تثبيط الهمم. منها التوقعات السلبية، فبالطبع من المحتمل أنك سمعت العبارة القائلة"إن ما تراه هو ما تحصل عليه"، ومن خلال استعراضنا للقضية يمكن أن نقول.. إنك إذا رأيت نفسك أو رأيت الأطفال غير قادرين، فإن ما تحصل عليه هو عدم القدرة. فقد تعودنا أن نسير وفقاً لتوقعاتنا، وهي بمنزلة مؤشرات قوية على سلوكياتنا. فهل سبق لك أن توقعت أنك لن تنجح في أداء مهمة؟ هل كنت مصاباً بخيبة أمل في إمكانية قيامك بإنجاز هذه المهمة الوشيكة؟ إن من يقضي معظم وقته في توقع حدوث الفشل يجعل نفسه أكثر عرضة للفشل من ناحية ثانية، إذا كنت واثقاً ومتوقعاً لحدوث النجاح فإن هذا يزيد من فرص إنجاز توقعاتك وتحقيقها. ومن بين تلك المعتقدات والسلوكيات الأخرى أيضاً الإفراط الشديد في تمني الوصول إلى المستويات العليا. فنحن جميعاً لدينا أهداف نأمل تحقيقها، وإذا كانت هذه الأهداف واقعية ومن الممكن تحقيقها، فسوف يشجعنا ذلك على تحقيقها. أما إذا نظرنا إلى المستويات العالياللنجاح, فمن المحتمل أن نشعر بتثبيط الهمة وبوهن في العزيمة ومن المحتمل أيضاً يكون اسلوبنا في الوصول إلى النجاح من العوامل التي تؤدي إلى تثبيط الهمم. إن الكثيرين يتوقعون الكمال منا ومن الآخرين. ونحن عندما نضع لأنفسنا ولأولادنا أهدافاً غير واقعية فإننا نحكم على ذلك بالفشل. وأيضاً إذا كانت الأهداف التي نضعها غير معقولة فنحن لن نكون راضين أبداً لا عن أنفسنا ولا عن الآخرين. فالكمال شيء مستحيل، وحلم لا ضرورة منه. ولك أن تتخيل كيف سيكون وجه الحياة إذا تحقق الكمال، لن تكون هناك تحديات ولن يكون للحياة معنى. ولكن لكي يكون الشخص ناجحاً في حياته، فلابد أن يكون عنده لديه من الطموح. أما إذا كانت لدينا طموحات زائدة على الحد، ولسنا راضين عن أدائنا أو عن أداء أولادنا، فقد لا نحقق نجاحاً إلا في إلحاق الهزائم بأنفسنا وبالآخرين، وعندها نعاني ضعف الهمة وفقدان التشجيع لأنفسنا ومن ثم فنحن ننقل هذا الأسلوب إلى أولادنا. فالأطفال يتعلمون المنافسة دون تلقي تدريبات خاصة. والاختلافات في الشخصية بين الإخوة والأخوات تعكس المنافسة في الحصول على مكان في الأسرة، فحيث يتفوق طفل في مكان ما، قد يتجنب الآخر هذه المنطقة ويحاول أن يطور مكاناً آخر. والآباء والمدرسون يزيدون من المنافسة بين الأطفال عن غير قصد. فهم ربما يعقدون مقارنة بين أخ وأخته مع أخ آخر أو أخت أخرى، وهذا الأسلوب يزيد من عدم التشجيع، ويجعل الأطفال يتراجعون عن الدخول في المنافسة خوفاً من الفشل. إضافة إلى ذلك، هناك أنواع من السلوك والمعتقدات التي لا تساهم في التشجيع منها: تنمية إحساس الفكاهة والمرح: ربما يكون إحساس الفكاهة من أهم العناصر التي يمكن أن يتحلى بها الفرد لمواجهة تحديات الحياة. وعندما تسخر من نفسك فإن ذلك يقلل من ألم صدمات الحياة. ومن الخطوات الفعالة لتتعلم كيف تسخر من نفسك هي أن تجمع الصور الكاريكاتيرية التي توضح خصوصياتك المزاجية، وألصق هذه الصور في مكان يمكنك رؤيتها فيه مراراً، وتأكد من أنك ستطالع مدلولات هذه الصور عندما تشعر بالإحباط. ويمكنك تعليم أطفالك جرأة مواجهة النقائص والعيوب من خلال إظهار سخريتك لأخطائك أمام أطفالك، فيتعلمون من ذلك أن الأخطاء ليست كوارث. التمييز بين المدح والتشجيع: يرى كثيرون أن المعنى واحد، وهذا افتراض غير صحيح. وعلى الرغم من أن كليهما يركزان على السلوكيات الإيجابية إلا أن هدف المدح وتأثيره يختلف كثيراً عن التشجيع. يعتبر المدح بمنزلة مكافأة شفهية، ويركز على روح المنافسة التي يجب اكتسابها ويكافأ لكونه الأفضل أو لقيامه بعمل فائق. وهو بذلك دافع خارجي. وعلى النقيض من ذلك، فالتشجيع يكون من أجل المجهود والتحسين. وهو يساعد الأطفال على إحساسهم بالفائدة من خلال المساهمة لصالح الجميع. وهو يركز على الفرد باستحسان الكفاءة التي هو عليها، فهو غير مطالب بأن يكون متفوقاً على الآخرين حتى تكون له قيمة. والتشجيع يركز على تحفيز الأطفال من خلال التحفيز الخارجي مع تجنب تقويم أعمالهم. وعلى عكس المدح أيضاً فإن التشجيع مطلوب عندما يشعر الأطفال بعدم القدرة على مواجهة تحديات الحياة، فهو يغرس الإيمان والعقيدة في قدرات الطفل. والإفراط في المدح يمكن أن يولد الإحساس بالإحباط. فبعض الأطفال قد يعتقدون أن قيمتهم الشخصية تعتمد على إبهاج الآخرين. فعندما يفعلون شيئاً يستحق المديح فربما يتحول سلوكهم إلى سلوك سيىء بعد مدحهم. والسبب في حدوث ذلك هو أنهم لا يعتقدون عادة بأنهم يستحقون المديح ويحاولون إثباته. بالاضافة إلى تولد إحاسهم بالقلق إزاء ما إذا كانوا قادرين على أن ينالوا المدح مرة أخرى. أما مدح الطفل لنفسه أو مكافأته لنفسه فذلك أمر مختلف. فعندما يمدح البالغون أو الأطفال أداءهم فهذا أمر مشجع جداً؛ نظراً لأنهم يحكمون على إنجازاتهم بأنفسهم. فالتركيز ليس في إبهاج الآخرين وإنما في إبهاج أنفسهم. كما أن عبارات التشجيع لا تحمل في طياتها كلمات تشير إلى حكم تقويمي، بالإضافة إلى أن التشجيع يختلف عن المدح في النواحي التالية: - كلمات التشجيع تدل على القبول مثل «أنا مسرور لأنك سعيد بدرجتك». - تهدف إلى جعل الطفل أو الطفلة يقوم أداءه مثل «كيف تشعر تجاه عملك». - كلمات التشجيع تغرس في النفس روح الإيمان والثقة مثل «إنه أمر صعب، ولكني أعرف أنك تستطيع التعامل معه». - أنها تركز على تقدير المشاركات مثل «أنا أقدر مساعدتك، لقد كان من الصعب أن أنجز ذلك بدونك». - كلمات التشجيع تركز على المجهود والتحسين مثل «الموضوعات الإنشائية تتحسن بالفعل،أستطيع أن أرى أنك بذلت جهداً كبيراً فيها». - كلمات التشجيع تركز أيضاً على مصادر القوة والقدرة مثل «لقد استمتعت فعلاً بالوجبة التي أعددتها».