*تكلفة الاستقالة وتكلفة الحل!*
يوم السبت 2 يونيو يكمل هذا الموقع عامه الثاني، وقد تخطت المشاهدات 2,000,000 مشاهدة، فيما تعدت أوامر الطباعة المباشرة 100,000 أمر، وتلقيت ما يجاوز 4,000 ألاف أيميل. فإلى القراء الأعزاء الذين يؤيدون أو يعارضون ما أكتب ألف تحية.
كانت الأمور تتجه نحو إعلان استقالة وزير النفط الشيخ علي الجراح، وهو اتخذ قراره بالاستقالة بناءا على تحليل منطقي للوضع السياسي رأى معه أن من مصلحته الاستقالة وتجنب تداعيات الاستجواب. كان القرار قراره هو، أي أن النظام لم يأمره باتخاذ موقف معين وإن كان الوزير قد لمس أن النظام غير متحمس للدفاع عنه، كما لمس عدم "حماس" رئيس الحكومة له واستعداده لقبول استقالته فورا. غاب الوزير عن جلسة مجلس الأمة ونشرت جميع الصحف بلا استثناء قرار الاستقالة بصيغ مختلفة. ثم فجأة أعلن الوزير أنه باق في منصبه وأنه سوف يواجه الاستجواب، وقدم الاعتذار الثاني من سلسة اعتذاراته، فما الذي حصل؟
تلقى الوزير "أوامر" بالبقاء في منصبه، وفي الوقت نفسه صدرت "رسالة" إلى النواب مفادها أن تقديم طلب طرح الثقة في الوزير سوف يؤدي إلى حل مجلس الأمة، وأنه لا مانع من الاكتفاء بتقديم الاستجواب دون تخطي المناقشة وإصدار التوصيات. ويبدو حسب المؤشرات أنه سوف يتم تقديم طلب طرح الثقة في الوزير وأن فرص الموافقة على الطلب كبيرة جدا، وبالتالي فإن احتمال حل مجلس الأمة أصبح قاب قوسين أو أدنى.
والآن نسأل: أين تكمن مصلحة البلاد؟ هل في استقالة الوزير أم في استجوابه فقط أم في استجوابه وطرح موضوع الثقة فيه ومن ثم حل مجلس الأمة؟ وما هو الموقف من حل مجلس الأمة وإجراء الانتخابات خلال شهرين وفق نظام الدوائر الخمس؟ هل نؤيده أم نقاومه؟
شخصيا أنا أشجع النواب على تقديم الاستجواب والعمل على تقديم طلب طرح الثقة في الوزير كما أشجع قرار حل مجلس الأمة وإجراء الانتخابات وفق نظام الدوائر الخمس. ومع ذلك دعونا نفكر بصوت مسموع:
أولا: خيار الاستقالة:
ليس لاستقالة الوزير تكلفة سياسية على الإطلاق، فالوزير هو الذي "تسبب على روحه"، وتصريحه منح النواب فرصة طالما انتظروها لإعادة الروح لشعار "حماية المال العام" الذي فقد بريقه منذ زمن، وجاءت "عودة الروح" على يد الوزير الذي ينطبق عليه القول المعروف "وعلى نفسها جنت براقش". وحين يستقيل وزير في دولة من دول العالم الثالث بسبب تصريح صحفي فهذا دليل على نمو الوعي السياسي، بل ودليل أيضا على تمتع الوزير بحس سياسي من الدرجة الرفيعة، ومن شأن استقالته أن تحفظ له كرامته الشخصية التي ستهدر حتما على مذبح الاستجواب.
ولعل الوزير يدرك أنه رغم انتماءه إلى أسرة الصباح، إلا أن هذا الانتماء لا يعني أن النظام سوف يهب للدفاع عنه، فهو بالنسبة للنظام ليس في مرتبة الشيخ أحمد العبدالله وزير الصحة السابق الذي تخلى عنه النظام بل أسقطه "عيال عمه" وخرج من الحكومة وهو "يتحلطم"! ومما لا شك فيه أن الوزير يدرك أيضا أن "الأوامر" التي صدرت إليه بالبقاء في منصبه لم تصدر من باب "الفزعة" له وإنما بغرض "استخدامه" ككبش فداء لتمرير قرار حل مجلس الأمة. كما أن الوزير يدرك أيضا أنه "احترق" سواء بقي في منصبه وتم استجوابه وبالتالي صدر قرار حل مجلس الأمة أم استقال، وأن الفرق هو في درجة الحروق فقط!
الاستقالة هي الخيار الأفضل للوزير، وهي الحل الأقل تكلفة على الجميع، خاصة على الوزير نفسه الذي أتمنى ألا يفرح كثيرا بالأوامر التي صدرت إليه بالبقاء في منصبه معتبرا أنها علامة على تمسك النظام به، ومن المفترض أنه يملك الجرأة والشجاعة كي يتخذ القرار الذي يحقق له مصلحته ويصون كرامته. وإن عز عليه الرأي، فما عليه سوى التأمل في وضع من سبقه ممن أهدرت كرامتهم مرتين، مرة على منصة الاستجواب، ومرة بتخلي النظام عنهم بعد استخدامهم. ويا "بو أحمد" لا "تستحي" من الكبار وقدم استقالتك و"فك عمرك". فأقصى شيء ستحصل عليه بعد استخدامك هو تعيينك مستشارا في ديوان ولي العهد وليس الديوان الأميري!
ثانيا: طرح الثقة وحل مجلس الأمة:
أعتقد أن الكويت تحتاج إلى حركة "تجديد سياسي"، وإذا كان التجديد على مستوى الحكم والحكومة غير وارد، فإن المتاح هو التجديد عبر الانتخابات المبكرة وفق نظام الدوائر الخمس. فربما تأتي نتائج الانتخابات بطاقم جديد يتيح تغيير مسار العمل السياسي. وعلى هذا الأساس فإنني أرى أنه في حال أصر الوزير على البقاء في منصبه فإن على النواب أن يذهبوا إلى أبعد مدى استدراجا لحل مجلس الأمة.
وإذا تم حل المجلس فعلا، فإن الناس سوف تفهم الحل باعتباره عقابا للنواب على مواقفهم الوطنية في محاربة الفساد، وأن النظام هو الذي يحتضن الفساد ويدافع عنه ولذلك حل مجلس الأمة. ولا أدري إن كان النظام يدرك الضرر الذي سيلحقه من ربطه مباشرة بالفساد لكن الناس لن تفهم الأمر إلا على هذا النحو. وعلى الرغم من عدم وجود مبررات تستدعي حل مجلس الأمة إلا أن المشكلة هي أن النظام يتعامل مع الوضع وكأن كرامته هي التي على المحك وليس مجرد وزير، ولهذا السبب نجد أن التعامل مع قرار حل المجلس يتم بوصفه "عقاب" للنواب!
من جهة ثانية فإن فهم الناس لقرار حل المجلس على أنه عقوبة للنواب بسبب مواقفهم الوطنية في محاربة الفساد، يساعد نواب مثل أحمد السعدون ومسلم البراك وعادل الصرعاوي وغيرهم من النواب الذين قرروا استجواب الوزير أو طرح الثقة فيه ويمنحهم أفضلية على نواب مثل ناصر الصانع ودعيج الشمري بل حتى رئيس المجلس جاسم الخرافي لن يكون حل المجلس في مصلحته. ومن المأمول أن يطال التغيير في انتخابات الدوائر الخمس "جماعة الحكومة" وهذا هو المطلوب. أي أن الحل يأتي لصالح القوى الوطنية التي تحتاج إلى زخم قوي للدخول في انتخابات الدوائر الخمس، وليس هناك أفضل من الانتخابات التي تتم بعد حل المجلس في موضوع متصل بالمال العام.
وهناك ميزة أخرى لتشجيع الحل الدستوري، فإذا كنا نقول للنظام أن الحل غير الدستوري هو عبث في الدستور وفي نظام الحكم، فإننا لا نملك مصادرة حق النظام في استعمال الحل الدستوري فهو حق للأمير الذي له أن يمارسه وفق الضوابط الدستورية وكلما توفرت مبرراته. وقد يكون استعمال هذا الحق حين يلزم أحد وسائل تطوير العمل السياسي ومنح الناس حق إعادة النظر في من يمثل الأمة. فالانتخابات المبكرة هي في الواقع تحكيم للرأي العام وليس في هذا التحكيم إلا تكريس لحقوق الأمة. باختصار الحل الدستوري هو نافذة يتنفس من خلالها النظام وينفس عن غضبه، وهي نافذة دستورية.
أما بالنسبة لتأثير حل مجلس الأمة على الحكومة وتحديدا على مستقبل رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، فإن حل المجلس يفتح الباب أمام إعفاء رئيس مجلس الوزراء إن كانت هناك نوايا لذلك. وقد يقرر النظام الإتيان "بطاقم" جديد من الشيوخ، وهو أمر سوف تكون له تداعيات كبيرة إن كان الاختيار غير موضوعي. وعلى أية حال فكل الشيوخ ينتمون إلى المدرسة التقليدية والفرق بينهم هو في درجة الانتماء! وإذا كان الخبر الذي نشرته صحيفة الراي اليوم الجمعة عن وجود صفقة بين الحكومة والسلف يعفى فيها وزير الأوقاف مقابل بقاء وزير النفط، فإن تغيير رئاسة الوزراء يصبح أمرا مستحقا فعلا!
وفي اتجاه آخر، يمكن اعتبار "الأزمة" الحالية نموذج فريد من بين الأزمات الحكومية، حيث أن المصالح متباينة بين أركان الفريق الحكومي: فالنظام يرغب في حل مجلس الأمة، ورئيس الحكومة يتمنى استقالة الوزير، وجاسم الخرافي يعارض الحل، والشيخ أحمد الفهد يعمل في اتجاهين أحدهما مع وزير النفط والثاني مع طرح الثقة فيه وصولا لحل المجلس وعودة فرص إبعاد خصمه الشيخ جابر المبارك وتوليه هو منصب وزاري. وفي النهاية حين يدرك جميع النواب، بمن فيهم دعيج الشمري ونواب الحركة الدستورية الذين يعارضون الاستجواب الآن أن حل المجلس "ياي ياي" فسوف يعلنون أنهم مع طرح الثقة في الوزير.
بعد هذا كله.. هل يستقيل الوزير أم يصر النظام على قناعته بحل مجلس الأمة؟
لو كنت مكان الوزير لاستقلت من أول يوم، أو لما شاركت في الحكومة أصلا. لكن كمراقب أتمنى وصول الأمور إلى مرحلة حل المجلس وإجراء الانتخابات المبكرة!