السلوك الانتحاري
الغاية والوقاية
أن إقــدام الفرد على إزهاق روحه والتخلص من حياته بإرادته , يعتبر من أغرب أنواع السلوك الإنساني , وأصعبه على الفهم و التفسير فـالتخلص من الذات (الانتحار) أصبحت من ضمن أسباب الموت البشري في هذا العصر والذي أطلق عليه عصر القلق , وخصوصا في المجتمعات الغربية و النسبة اقل وبكثير في البلاد الإسلامية لوجود الرادع الإيماني إلا أنه ومع هذا فإنها تظل محل الدراسة والعناية من المختصين و الدارسين في مجال العلوم الإنسانية 0 وتتعدد دوافع و غايات الانتحار ذلك لأن الإنسان الواحد هــو عالم خاص فريد بذات فله فلسفته الخاصة في الموت 0
فالكراهية الطاغية للحياة عند الفرد ,كما هو الحال عند مرضى الاكتئاب الشديد ومرضى فصام الشخصية الذين ينتحرون بطريقة اندفاعية كاستجابة
لهلاوس سمعية أو وجود ضلالات إضطهادية ,كذلك الأمراض الخبيثة المستعصية و المؤلمة كالسرطان والإيدز قد تدفع بعض المصابين بتلك الأمراض إلى الانتحار لكراهية أاستمرار حياتهم على هذا الحال 0 وهناك من يقدم على الانتحار للتخلص من العار أو بسبب اليأس و الإحــباط , أو عند شعور الفرد بشدة الآثم أو الجرم الذي أقدم عليه فينتحر كمعاقبة للذات بالموت0
والانتحار في تصوري أنه عملية حسابية شخصية لا واعية يجريها الشخص مع ذاته فيعطي للموت قيمة أكبر و أفضل من الحياة في وضع يتصوره هو أنه يستحيل العيش فيه مع القنوط وفقدان الأمل في التخلص من ما يعانيه من أزمات وضغوط و استحالة التغير إلى الأحسن ــ كما يتصورــ
وهناك من يقدم على الانتحار بسبب ضعف الأيمان ولعدم النضج بفعل عوامل التربية الخاطئة ويصحبها اضطرابات مزاجية حادة , إضافة إلى نظرته السوداوية للحياة 0
و شهدنا في ما مضى من حين 00 ظهور سبب آخر من الأسباب التي تجعل الفرد غير السوي يندفع نحو الموت لكونه قد اعتنق بعض العقائد أو بعض المفاهيم الدينية الخاطئة و خصوصاً فئة الشباب السائرين على هـدى أصحاب التيارات المتطرفة و الفكر المنحرف ،و أصحاب الفتاوى المارقة عن الدين فيضع هؤلاء الشباب الضالين المندفعين أرواحهم تحت تصرفهم معتقدين أن ذلك فداءاً لله و جهاداً في سبيله 0 فيفجرون أنفسهم ضمن عمليات إنتحارية تخريبية كترجمة عملية , إستجابة لنداء الإصلاح و حب الشهادة !!0
و لمنع تفشي ظاهرة الإنتحار ولأي سبب من الأسباب فأن هناك عدة وسائل تختلف من وسيلة إلى أخــر في درجة فاعليتها في منع أو الحد و بدرجة كبيرة من محاولة الإقدام على السلوك الانتحاري هذه الوسائل تشترك فيها أكثر من جهة داخل المجتمع ، من أهم هذه الوسائل :ـ
1ـ تربية الأسرة على مخافة الله ،وعدم اليأس من رحمته . يقول الله تعالى (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)) 0
2ـ تربية أفراد الأسرة على مفهوم أن الإنسان يولد ومحدد له أجله ورزقه وحاله سعيداً أم شقياً 0 وتوضيح إن الانتحار محرم شرعياً وأن فاعله في النــــار 0
3ـ تربية الناشئة على أن هذا الدين العظيم جاء من أجل مقاصد عظيمة يجب أن يتعلمها كل مسلمٍ ومسلمةٍ0 هي حفظ الضرورات الخمس, والتي يسميها العلماء المقاصد الشريعة: الدين , والنفس, والعقل, والعرض, والمال0
4ـ حسن التعامل والتواد مع أفراد الأسرة وخفض نبرة الإنتقاد الزائد عند التحاور وفي مختلف المواقف والظروف التي تنشأ داخل الأسرة ، و أخذ كل تهديد بالإنتحار قد يلوح به أي فرد من أفراد الأسرة بعين الإعتبار حتى لو كان ظاهره نوعاً من التلاعب و عدم الجدية إذ أنه قد يفعلها !! كما يجب مساعدته على حل مشكلاته التي جعلته يهدد بالإنتحار لكي لا يكون فريسة سهلة للأفكار الضالة الهدامة التي تصرفه عن التفكير العقلاني في تدبير شــؤونه 0
5ـ تصحيح المفاهيم و المعتقدات الدينية الخاطئة المظللة وتبيان حقيقة الجهاد في ســبيل الله ، والحث على واجب طاعة الله و رسوله و أولي الأمر
و الحقيقة أنه ليست هذه هي كل سبل الوقاية من الإنتحار أو التفكير فيه ، ولكنها من أهمها و أنجحها0
أ. مـســـفـر يحـيى القحـــــطانـي
(ماجســتير إرشــاد نفـسي)
مستشفى الصحة النفسية بمحافظة الطائف