مقالة قراتها اليوم في صحيفة الوطن واعجبتني كثيرا ونقلتها لكم
بلغها السيل وتعداها
كتب:د.أحمد يوسف الدعيج
علي مدى التاريخ، وفي طبيعة العلاقة بين انظمة الحكم الوراثية وشعوبها، يعتبر الرصيد الشعبي، واعني بالرصيد الشعبي حب الشعب والتفافه وقناعته بحكامه، من اهم عوامل القوة والبقاء والاستمرارية لهذا النظام، ولذلك فان قادة هذا النمط من انظمة الحكم يحرصون كل الحرص على تقديم افضل رجالهم وابنائهم لكي يمثلوهم في ادارة شؤون الحكم والقيام باعبائه على اكمل وجه، فتتحقق بذلك القناعة والرضى في عيون شعوبهم، ويضمنون بذلك الاستقرار والاستمرارية الى ما شاء مالك الملك سبحانه، في الكويت كانت العلاقة نموذجية بين الشعب وشيوخه آل الصباح في معظم الاحيان ومثالية في غالبها، وذلك منذ ايام الشيخ صباح الاول طيب الله ثراه وحتى ايامنا هذه تحت ظل ولي امرنا وقائد مسيرتنا وراعي نهضتنا صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
بعد النكبة التي حلت بالدولة الاموية عندما سقطت في 749م على يد العباسيين، استطاع احد امرائها الشباب الذي عرف بالتاريخ بعبدالرحمن الداخل، والذي لقبه عدوه الخليفة المنصور العباسي بصقر قريش، وهو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك، استطاع في مايو من سنة 755م ان يلحق الهزيمة باعدائه وان يدخل قرطبة مؤسسا بذلك الدولة الاموية في الاندلس، واستمرت هذه الدولة قوية الى عهد الامير محمد الحكم الذي توفى في سنة 852م حيث دب الضعف في الدولة وهذا ما جعل القبائل والقوميات المختلفة في الاندلس تسعى لتأسيس دويلات لها داخل الدولة الاموية الضعيفة، وسمي هذا العصر من تاريخ الدولة الاموية الذي استمر من سنة 852م الى سنة 912م بعصر دويلات الطوائف الاولى.
لما رأى الحكماء من امراء البيت الاموي ان الوضع لا يمكن احتماله وان العقد سوف ينفرط والامر سوف يخرج من ايديهم، وان المسؤولية الجسيمة تتطلب اميرا حازما قويا قادرا على تحمل المسؤولية، تنازل الاعمام لابن اخيهم ذي الثلاثة والعشرين عاما وبايعوا الامير عبدالرحمن بن محمد ابن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن الحكم بن هشام بن عبدالرحمن الداخل، وهو الذي عرف بعد ذلك بعبدالرحمن الناصر واستمر حكمه من سنة 912م الى سنة 961م، واستطاع ان يعيد الامور الى نصابها وان يوقف كل حزب وكل قومية وكل طائفة وكل قبيلة عند حدها واستعادت الدولة الاموية في الاندلس عزها وفرضت هيبتها على الجميع.
معظم الناس اليوم في الكويت بجميع توجهاتهم يتكلمون عن ضعف الحكومة، وهذا الامر بات واضحا للجميع بعد جلسة يوم الثلاثاء الماضي اذ تعرض سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الاحمد الى هجوم غير مسبوق في الحياة السياسية الكويتية، وتعرضت بذلك، هيبة الحكم للاهتزاز، وبات من الواضح ان الحكومة لن تستطيع في القادم من الايام ان تواجه المد البرلماني المتعاظم، خاصة وأن الجرأة والتطاول وخلو الحمض من أي كائن كان جعل نواباً مثل د. ضيف الله بورمية يعلنون بأن اللون الأحمر لم يعد له وجود في إشاراتنا التي صارت كلها خضراء وذلك عندما خاطب رئيس مجلس الوزراء بقوله: ليعلم رئيس الوزراء أن لا خطوطاً حمر في أجندتي.
قالت العرب في امثالها للامر عندما يتجاوز حده او يكاد، بلغ السيل الزبى، وعندنا في الكويت السيل بلغ الزبى من زمان وتعداه، ويوشك ان تكون في الكويت دول داخل الدولة وزعامات ومرجعيات مع شيوخنا وقادتنا التقليديين، ان الحل لهذا الوضع السياسي المتردي لا يكمن في حل البرلمان، فالبرلمان والدستور والحياة النيابية فيهم اكبر ضمانة لسعادة ورقي الشعب الكويتي واستقرار نظام الحكم، ولكن التاريخ، والتاريخ لا يكذب ابدا يقول: ان من بين افراد اسرة الصباح، شيوخ الكويت وحكامها الكثير من الشباب القادر المتمكن من الذين يملكون الكثير من الطاقات الابداعية والمبادرات الخلاقة، نأمل من الحكماء في الاسرة ان يقرؤوا سيرة عبدالرحمن الداخل وحفيده عبدالرحمن الناصر.
تاريخ النشر: الجمعة 2/11/2007