السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نكمل معكم ما تبقى من أجزاء من كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة الجزء السابع
باب بيان المحشر إلي الموقف كيف هو وفي أرض المحشر وذكره الصخرة . وقولة تعالى {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }[ق:41] الآية.
أبو نعيم قال : حدثنا أبي قال , حدثنا إسحاق قال , حدثنا محمد قال , حدثنا عبد الرزاق قال , خبرنا المنذر بن النعمان أنة سمع وهب بن منبه يقول : قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس: (( لأضعن عليك عرشي ولأحشرن عليك خلقي وليأتينك يومئذ داود راكباً )) وقال بعض العلماء في قولة تعالى {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }[ق: 41] قال : إنه ملك قائم على صخرة بيت المقدس فينادي : أيتها العظام البالية , والأوصال المتقطعة , ويا عظاماً نخرة , ويا أكفاناً فانية , ويا قلوباً خاوية , ويا أبداناً فاسدة , ويا عيوناً سائلة , قوموا لعرض رب العالمين . قال قتادة : المنادي هو صاحب الصور ينادي من الصخرة من بيت المقدس . قال كعب : وهي أقرب الأرض إلي السماء بثمانية عشر ميلاً . وقيل : باثني عشر ميلاً , وذكر القشيري , والأول ذكرة الماوردي , وقيل إن المنادي جبريل والله أعلم . قال عكرمة : ينادي منادي الرحمن فكأنما ينادي في آذانهم {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ } يريد : النفخ في الصور {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق: 42] {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا } [ق:44] إلي المادي , صاحب الصور , إلي بيت المقدس أرض المحشر {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ق: 44] أي هين سهل
فإن قيل : فإن كانت الصيحة للخروج فكيف يسمعونها وهم أموات ؟ قيل له : إن نفخة الإحياء تمتد وتطول , فتكون أولها للإحياء وما بعدها للإزعاج من القبور فلا يسمعون ما يكون للإحياء ويسمعون ما يكون للإزعاج , ويحتمل أن تتطاول تلك النفخة والناس يحيون منها أولاً فأولاً وكلما حيي واحد سمع ما يحي به من بعدة إلي أن يتكامل الجميع للخروج (1) وقد تقدم أن الأرواح في الصور , فإذا نفخ فية النفخة الثانية ذهب كل روح إلي جسده{ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ} أي القبور {إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس:51] وهذا يبين لك ما ذكرنا وبالله توفيقنا
مسلم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم (( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فية علم لأحد )) (2)
وخرج أبو بكر أحمد بن علي الخطيب , عن عبد الله بن مسعود (( يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط , وأظمأ ما كانوا قط , وأعرى ما كانوا قط , وأنصب ما كانوا قط , فمن أطعم الله أطعمه , ومن سقا لله سقاه الله , ومن كسا لله كساه , ومن عمل لله كفاه , ومن نصر الله أراحة الله في ذلك اليوم )) (3)
باب ما جاء في حشر الناس إلي الله عز وجل حفاة عراة غرلاً وفي أول من يكسى منهم وفي أول ما يتكلم من الإنسان
مسلم عن أبن عباس رضي الله عنة قال : قام فينا رسول الله صلى الله علية وسلم بموعظة فقال : (( أيها الناس إنكم تحشرون إلي الله حفاة عراة غرلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء : 104] . ألا وإن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم علية السلام , ألا وإنه يؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال , فأقول : يا رب أصحابي , فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك , فأقول العبد الصالح {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [ المائدة : 117] إلي قولة : {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة : 118] .قال : فيقال : إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم )) (4) أخرجه البخاري أيضا , وأخرجه الترمذي , عن معاوية بن حيدة رضي الله عنة عن النبي صلى الله علية وسلم في حديث ذكره قال : وأشار بيده إلي الشام فقال : ههنا إلي ههنا تحشرون ركباناً ومشاة وتجرون على وجوهكم يوم القيامة أفواهكم الفدام توفون سبعين أمة أنتم خيرهم على الله وأكرمهم على الله , وإن أول ما يعرب على أحدكم فخذه )) (5)
فصل : قوله (( غرلاً )) أي غير مختونين , النقي : الحواري , وهو الدرمك من الدقيق والعفر : بياض ليس بخالص يضرب إلي الحمرة قليلاً , والفدام : مصفاة الكوز والإبريق . قاله الليث , وقال أبو عبيدة : يعني أنهم منعوا الكلام حتى تتكلم أفخاذهم , فشبه ذلك بالفدام الذي يجعل على الإبريق . وقوله : (( أول من يكسى إبراهيم )) فضيلة عظيمة لإبراهيم وخصوص له كما خص موسى علية السلام بأن النبي صلى الله علية وسلم يجده معلقاً بساق العرش مع أن النبي صلى الله علية وسلم أول من تنشق عنه الأرض ولا يلزم من هذا أن يكون أفضل منه مطلقاً بل هو أفضل من وافى القيامة على ما يأتي بيانه في أحاديث الشفاعة والمقام المحمود إن شاء الله تعالى
(1) المنهاج في شعب الإيمان 1/455.
(2) رواة البخاري (6521) ومسلم (2790).
(3) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3/422.
(4) رواة البخاري (4740) ومسلم (2860) والترمذي (2423) والنسائي (2084).
(5) رواة الترمذي (2424) مختصراً عن بهز بن حكيم عن أبية عن جده وأحمد 4/447 و 5/3_4_5 .