الجديد في جراحة الأذن وطب السمع والاتزان
خبرات ألمانية وأميركية وعربية إلى جانب الخبرة السعودية في ندوة علمية
جدة: د. عبد الحفيظ خوجة
تأتي حاسة السمع في مقدمة حواس الانسان وتعتبر أعظم الحواس وأهمها لارتباطها الشديد بالتعقّل والإدراك، إضافة إلى أن آخر ما ينام في الإنسان هو السمع وأول ما يستيقظ من جوارحه هو السمع، أيضاً مما يدل على قوة هذه الحاسة وأهميتها. ولمواكبة آخر المستجدات وما توصل إليه العلم في مجال جراحة الأذن وطب السمع والاتزان، عقد مركز الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الملك فهد بجدة، تحت رعاية الدكتور حمد بن عبد الله المانع وزير الصحة، ندوته السنوية «ندوة وورشة العمل الثانية عن الجديد في أمراض وجراحة الأذن وطب السمع و الاتزان» والتي اختتمت أعمالها يوم أمس الأربعاء، وافتتحها نيابة عنه الدكتور خالد العيبان وكيل الوزارة للتخطيط والتطوير.
وصرح لـ «الشرق الأوسط» الدكتور عبد المنعم حسن الشيخ رئيس الندوة وورشة العمل ومدير عام مستشفى الملك فهد بجدة ومدير مركز المساعدية للأنف والأذن والحنجرة، أن هذه الندوة العالمية هي النشاط الثاني عشر لمركز المساعدية للأنف والأذن والحنجرة، وشارك في الندوة اساتذة استشاريون عالميون من ألمانيا وأميركا وتسعة عشر متحدثاً من معظم مناطق المملكة المختلفة على مدار ثلاثة أيـام.
وتم خلال الندوة بحث الجديد في مجال جراحة الأذن وزراعة القوقعة الصناعية، مرض تسوس عظمة النتوء الحلمي، مرض التهاب الأذن الخارجية الخبيث بالإضافة إلى بحث ومناقشة الجديد في أمراض السمع والاتزان مثل فقد السمع الحسي العصبي، أسباب الدوار والجديد في علاجه. كما تم عمل نقل حي من غرفة العمليات للجراحات المتقدمة في هذا المجال والتي شارك فيها بخبرته الطويلة البروفيسور هيلدمان رئيس المستشفى الجامعي للأنف والأذن والحنجرة بجامعة بوخم بألمانيا، والأستاذ الدكتور محمد عبد الحميد أستاذ طب السمع والاتزان بمركز كليفلاند في الولايات المتحدة الأميركية.
الدكتورة أريج صالح غريب استشارية الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الملك فهد بجدة، تحدثت في الندوة وقسمت الأذن من الناحية التشريحية إلى ثلاثة أقسام: وهي الأذن الخارجية، الأذن الوسطى والأذن الداخلية. جهاز السمع (القوقعة)، وجهاز التوازن (التيه أو الحلزون) هما الجزءان المكونان للأذن الداخلية. القوقعة: عبارة عن قناة طويلة ذات شكل مخروطي دقيق ملتف حول نفسه لفتين ونصف على شكل قوقعة، تحتوى على ثلاث حجيرات أو (قنيات)، تحتوي على السائل اللمفي المحيطي. القنية الوسطى تسمى (القناة الحلزونية) وتحتوي على خلايا خاصة وظيفتها التقاط الذبذبات الحركية إلى إشارات عصبية تنتقل إلى المخ عبر عصب السمع. هذه الخلايا يطلق عليها «عضو كورتي»، ويرقد هذا العضو على غشاء قاعدي يتصل بغشاء التيه (أو الغشاء الدهليزي). وتحتوي القناة الحلزونية على سائل الليمف الداخلي (الإندوليمف). التيه أو الحلزون: ( جهاز التوازن)، عبارة عن ثلاث قنوات هلالية (خارجية وخلفية وعليا)، متصلة ببعضها بعضا بزوايا قائمة بحيث يمكنها تمييز حركات الرأس في جميع الاتجاهات. وتحتوي هذه القنوات على السائل اللمفي الداخلي (الإندوليمف). وتنتهي القنوات الهلالية في أطرافها بحويصلة. وعند التقاء القنوات الهلالية بالحويصلة تنتفخ القنوات الهلالية وتسمى (أمبولا).
في كل أمبولا توجد مجموعة خلايا عصبية، كل خلية تحمل شعيرة حسية طويلة. مجموعة هذه الخلايا تغطى بمادة لزجة تسمى (كوبيولا) وهي كمادة الجلي تتحرك ككتلة واحدة لزجة من جهة لأخرى. حركة الكوبيولا تتسبب في صدور نوع معين من الإشارات العصبية من خلال حركة الشعيرات الحسية الموجودة على سطح الخلايا العصبية. كما تعمل أيضا الكوبيولا على فتح وغلق تجويف القناة الهلالية فتؤثر على حركة الإندوليمف داخل هذه القنوات فيستشعر الإنسان مدى سرعة دوران حركة الرأس.
أما الحويصلة فتحتوي على مناطق حسية خاصة تسمى بقع (ماكيولا)، متصلة ببعضها بزوايا قائمة. تحتوي هذه البقع على خلايا حسية، كل خلية تحمل شعيرة طويلة، انحناءة هذه الشعيرة تصدر إشارة عصبية تنتقل إلى عصب التوازن. هذه البقع مغطاة بمادة لزجة... وأعلى الشعيرات داخل المادة اللزجة تقبع أجسام كلسية تسمى «حصيات». هذه الخلايا الحسية في البقع تمكن المخ من تحديد اتجاه ومصدر الحركة، وأيضا معلومات عن اتجاه وقوة الجاذبية. يقول الدكتور سعيد سالم بامخيَّر اختصاصي أول ورئيس وحدة السمع والاتزان بمستشفى الملك فهد بجدة، إن المخيخ الذي يعد مصدراً لترتيب التوازن يرتبط بمصادر حفظ الاتزان وهي:
1ـ الأعصاب الحسية (مفاصل الجسم والأقدام).
2ـ الأعصاب البصرية للعينين.
3ـ قنوات الاتزان بالأذن الداخلية.
وكل هذه المصادر ترتبط بعضها بعضاً عن طريق شبكة من الأعصاب المعقدة. وأهمها قنوات الاتزان بالأذن الداخلية، حيث إن كل أذن داخلية تتكون من ثلاث قنوات شبه دائرية ومرتبة بشكل متعامد بحيث تغطي الأبعاد الثلاثية، ويوجد أيضا بكل أذن داخلية قناتان طوليتان، وذلك للتسارع الأفقي والعمودي.
إن أي علة بأي من قنوات الاتزان بالأذن الداخلية ينتج عنه إحساس لدى الشخص بالدوار، سواء بإحساسه بأن كل شيء حوله يدور أو أن الشخص نفسه يدور وكل ما هو في محيطه ثابت.
وللدوار أسباب عديدة منها ما هو بالأذن و منها ما هو بخارجها:
1 ـ التهابات الأذن المزمنة والحادة: كالعدوى الفيروسية التي تصيب قنوات الاتزان أو عصب الاتزان الدهليزي، وهذه عادة ما تحصل بعد الإصابة بعدوى الإنفلونزا أو العدوى الفيروسية لمجارى الهواء العليا.
2 ـ مرض استسقاء الأذن الداخلية والمعروف بمرض منيرز Meniere"s Disease ، هنا يشتكي المريض بدوار مصاحب بضغط في إحدى الأذنين أو كليهما وبضغط في السمع وطنين، وتأتي على شكل نوبات وعادة ما يكون المريض سليماً بين النوبات.
3 ـ تعاطي بعض العقاقير الطبية التي لها تأثير جانبي مباشر على الأذن مثل مضادات الاماينوجلايكوسايد الحيوية والعقاقير المضادة للتشنجات.
4 ـ ورم العصب السمعي والدهليزي وعادة ما يصيب هذا المرض أذن واحدة أكثر منه الإصابة بالأذنين معاً ويشتكي المريض بالإضافة إلى الدوار من طنين وضعف بالسمع عند الترددات العالية.
5 ـ دوار ما بعد العمليات الجراحية بالأذن وهي قليلة وعادة ما تكون مؤقتة.
6 ـ الدوار الحميد الموضعي المؤقت. وهو أكثر أنواع أمراض اختلال الاتزان شيوعاً. وعادة ما يأتي على شكل دوار حاد لمدة ثوان أو دقائق، ويأتي نتيجة تغيير وضع الجسم أو الرأس من جهة إلى أخرى، مثلاً عند التقلب أثناء النوم أو الجلوس أو النظر إلى أعلى.
وينصح د. بامخير من يشتكي من اختلال بالاتزان بالآتي:
1ـ البقاء في مكان ثابت لدقائق وعدم الحركة بصورة مفاجئة.
2ـ إخبار من حولك بما تحس به.
3ـ عدم قيادة السيارة وعدم عمل الأعمال اليدوية.
4ـ عدم الصعود إلى مناطق عالية مفتوحة.
5ـ اللجوء إلى اقرب مركز تخصصي لإمراض الاتزان.
حيث يقوم الأخصائي بأخذ التاريخ المرضي ويقوم بفحص المريض وإجراء الاختبارات اللازمة للاتزان وإجراء بعض الفحوصات المخبرية الهامة، ففي أكثر الأحيان يتم تشخيص المرض داخل العيادة ويتم علاجها بإجراء بعض الحركات الضرورية للرأس والجسم في حالات الدوار الحميد الموضعي المؤقت.
وكذلك يمكن إرشاد المريض بالقيام بتدريبات وتمارين لإعادة تأهيل المريض تدريجياً ومتابعته بصفة دورية.
كما يجب على الطبيب إيقاف جميع العقاقير الطبية التي تؤدي إلى دوار إن لم يكن لها داع ضروري لسبب طبي آخر.
بالإضافة إلى انه توجد بعض الأدوية التي توصف لبعض المرضى والتي تعمل على تخفيف الشعور بالدوار. وربما تستدعي بعض الحالات الطبية النادرة التدخل الجراحي الضروري.
* مشاكل الأذن الخارجية عند مرضى السكري > ذكر الدكتور محمد محمود زهران رئيس اللجنة المنظمة مساعد مدير مركز المساعدية للأنف والأذن والحنجرة ومدير التدريب والتثقيف بمستشفى الملك فهد بجدة، أنه توجد هناك مشاكل خاصة بالأذن لدى مرضى السكري، منها ما هو بسيط كالالتهابات الفطرية المتكررة ومنها ما هو خطير كالتهاب الأذن الخارجية الخبيث أو بتعبير أدق التهاب عظم قاع الجمجمة الناتج عن التهاب الأذن الخارجية بنوع خاص من البكتريا تسمى «سودومونس أيريجينوزا» والتي تنمو بسرعة كبيرة في الأذن الخارجية لمريض السكري.
في حالة عدم انتظام السكر لفترات طويلة مما يؤدي لمضاعفات خطيرة كشلل بعصب الوجه أو أعصاب أخرى، وعادة يعاني المريض من إفرازات صديدية في الأذن وآلام شديدة مع نقص بسيط بالسمع، كما قد يسبب التهابات خطيرة لقاع الجمجمة ويحتاج في مثل تلك الحالات إلى علاج مكثف بالمضادات الحيوية القوية لفترات تتراوح من شهر إلى ستة أشهر وقد تطول إلى سنة، كما يحتاج إلى تنظيم السكر بالدم وننصح كافة مرضى السكري بمراجعة مختص الأذن والأنف والحنجرة في حالة وجود أي آلام أو إفرازات صديدية من الأذن حتى لا يتطور الأمر إلى مثل هذه الحالات.
* زراعة قوقعة الأذن الداخلية > هي إحدى عمليات زراعة الأجهزة التعويضية لمساعدة الفرد على استعادة قدر من العضو أو الحاسة التي فقدها، وتجرى هنا لمساعدة المرضى المصابين بالصمم على استعادة حاسة السمع.
وهي عملية جراحية يزرع فيها جهاز إلكتروني مكون من أقطاب كهربائية داخل قوقعة الأذن الداخلية وجهاز آخر يوضع في العظم خلف الأذن الداخلية، وتجرى هذه العملية لمن يعانون من صمم تام في الأذنين ولا يستفيدون من استعمال السماعة الطبية المكبرة للكلام. ويتكون هذا الجهاز الإلكتروني من:
1 ـ ميكروفون موجه: يلتقط الأصوات من البيئة المحيطة ويرسلها إلى مبرمج الكلام. 2 ـ مبرمج الكلام: وهو جهاز مثل الراديو الترانزستور الصغير يستقبل الأصوات المرسلة من الميكروفون ويبرمجها إلى ذبذبات كهربائية ويرسلها إلى القوقعة الصناعية ( المستقبل / المنبه ) ويوضع في جيب المريض.
3 ـ المرسل: ويثبت هذا الجهاز من الخارج على الجلد بواسطة مغناطيس مع الجزء المزروع بالعظم ليرسل الموجات الكهربائية المبرمجة إلى جهاز القوقعة.
4 ـ جهاز القوقعة: وتتم زراعته في العظم خلف الأذن وهو عبارة عن مغناطيس ومستقبل/منبه وأقطاب كهربائية تزرع داخل القوقعة لتكون على اتصال بالعصب السمعي.
يلتقط الميكروفون الموجه للأصوات ثم يرسلها إلى مبرمج الكلام حيث تتحول إلى ذبذبات كهربائية وترسل إلى المرسل ثم إلى الأقطاب الكهربائية فتؤثر على العصب السمعي ومنه إلى المخ لينتج الإحساس بالسمع. وقبل إجراء الجراحة يتم استقبال المرضى ومقابلة الفريق الطبي المكون من الجراح وأخصائي السمعيات لمعرفة التاريخ المرضي وعمل الفحوصات اللازمة، وبعدها تتم مقابلة اختصاصي التخاطب لتحديد القدرة الكلامية واللغوية، ثم مقابلة الاختصاصي النفسي، ثم الأخصائي الاجتماعي لدراسة الحالة الاجتماعية للمريض والأسرة، ثم يقرر الاختصاصيون المعنيون مدى استفادة المريض من إجراء العملية. وتستغرق العملية الجراحية من ثلاث إلى خمس ساعات تحت التخدير العام، ويبقى المريض بالمستشفى لمدة عشرة أيام بعد العملية، ثم يبدأ البرنامج التأهيلي بعد أربعة إلى ستة أسابيع من إجراء العملية حيث يتم برمجة مبرمج الكلام ويوصل للمريض ويتدرب على استعماله مع برنامج مكثف لتعلم الكلام والتخاطب قد يستغرق من ستة أشهر إلى عامين للذين فقدوا السمع بعد تعلم الكلام، وقد يستغرق خمس سنوات للذين فقدوا السمع منذ الولادة أو في السنين الأولى من الولادة، ويعتمد ذلك على تعاون المريض مع الفريق الطبي المختص. وتعتبر العوامل النفسية والاجتماعية من العوامل الهامة لنجاح عملية زراعة القوقعة، فكثير من المرضى يرفضون إجراء العملية، والذين يتمتعون بحالة نفسية جيدة يحتاجون إلى عملية إعادة تأهيل بسيطة وكثيراً ما يستبعد الأشخاص الذين يعانون من بعض المشاكل النفسية أو الذين تكون نتائج اختبارات الذكاء لهم غير مناسبة لإجراء التأهيل بعد العملية. ويرى البعض عكس ذلك حيث إن الحالات النفسية يمكن علاجها من الاكتئاب والانطواء الاجتماعي، بل أن نجاح العملية قد يساعد على شفاء هذه الحالات النفسية. وعلى أية حال يجب عدم إغفال القدرات الذهنية للمريض على تعلم برامج التأهيل بعد العملية.