جذور الحركة الدستورية الإسلامية
انطلقت الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) على يد رجال التزموا نهج الإسلام المعتدل وانتهجوا طريق التغيير السلمي حاملين لواء التيار الإسلامي الشمولي, الذي نما في أحضان جمعية الإصلاح الاجتماعي ، فساهموا في تعميق أصول وقيم الإسلام في الكويت، وفي إطار العملية السياسية القائمة التزموا مبادئ العدل والمساواة والتعددية، ورسخوا قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضوابط أحكام الشريعة وقواعدها.
وتؤمن حدس بمنهاج الإسلام كنظام شامل لجميع جوانب الحياة باعتباره أساس الأمن وقاعدة البناء، وتناصر عقيدته، وتدعو لتطبيق شريعته، وتنادي للتمسك بقيمه ونظمه، وتعمل لإرشاد المجتمع لأخلاقه.. وتنبذ الحزبية البغيضة التي تقوم على التنابذ والتقاطع والضرر بمصلحة الأمة لمصالح ضيقة.
وتسعى "حدس" لتحقيق ديمقراطية متميزة وفق أطر دستورية من خلال الممارسة السياسية والأدوات البرلمانية والوسائل المشروعة وفقا لقاعدة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )..
وعبر مسيرة تجاوزت السبعة عشر عاما لم تنتهج "الحركة الدستورية الإسلامية" أسلوب المعارضة لذات المعارضة، أو تتخذ العداء والخصومة السياسية منطقا لمواقفها، أو تجعل المكاسب السياسية الضيقة أساسا لممارساتها، وبالرغم مما واجهته من تحديات وخصومات وضغوطات إلا أنها أوجدت واقعا سياسيا متميزا في أصالته ومصداقيته صححت فيه مساراتِ العملِ البرلماني التشريعي والرقابي لِتَصُبَّ باتجاهِ الإنجازِ وتحقيقِ خُطَطِ الدولةِ التنمويةِ الشاملةِ وتُسَاهِمَ في تنفيذ أهدافِ المجتمع العليا وتدفعِ عجلةِ الإصلاحِ الاقتصادي والإداري وتواجه الفسادِ وإزالةِ عوامِل التأزيم وضياعِ الأولوياتِ والبرامج..
البدايات..من رحم الغزو
جاء الغزو العراقي الغاشم على الكويت في منتصف العام 1990 ليحدث صدمة عظيمة وكبيرة في نفوس الجميع, حيث وجد أهالي الكويت أنفسهم بلا سيادة ولا حكومة ولا نظام ولا جيش دون مقدمات أو سابق إنذار.
الأمر الذي ولد مقاومة وطنية تذود عن تراب بلدها وتدافع عن مقدراتها وتحافظ على أهلها، فلعبت جمعية الإصلاح الاجتماعي دورا محوريا في قيادة عملية التحرير من العدوان الغاشم بالتعاون مع باقي الجمعيات الخيرية والقوى الشعبية... فكان المسجد محور التحرير والاستقلال، حيث برزت منه الإدارة السياسية والاجتماعية؛ وجمع كلمة أبناء الكويت تحت كلمة واحدة مضحين بالغالي والنفيس.
ونشأت لجان التكافل الاجتماعي التي جسدت صور الصمود والتعاون بين جميع أبناء المجتمع على مختلف توجهاتهم ، فقامت بإرسال المعونات المادية والغذائية وتوزيعها على الأسر, ورتبت أمور الجمعيات التعاونية وأوضاع الأسواق, وتوفير الخدمات الأساسية والضرورات الحياتية, كما شكلت فرق حراسة لضمان الأمن في الأحياء ، كذلك وجدت لجان تعمل من خلال المساجد على رفع معنويات الشعب وتزويدهم بالمعاني الإيمانية المطلوبة خلال تلك المرحلة.
فامتلأت المساجد بالمصلين في كل الأوقات وكانت دروس العبر والابتلاء والتثبيت هي ديدن خطباء المساجد, فثبت الناس بفضل الله ورابطوا دفاعاً عن وطنهم وعن عقيدتهم وعن شرعيتهم الدستورية التي حاول البعث اجتثاثها من الوجود.
وبرز عمل جمعية الإصلاح من خلال إقرارها هيكلية مجتمعية مبنية على الانفتاح على المجتمع ككل، ليصبح التحرك على كل أطياف بدلاً من التمركز على الحلقات العلمية والتربوية والسلوكية في الأوساط الدينية.. وانتقلت الحركة الإسلامية من حركة فئوية إلى حركة مجتمعية تخدم الجميع في سبيل الله، وجراء ذلك نجحت بإحداث تغيير الفكري في آلية التعامل مع المجتمع لتعمق حضورها المجتمعي..
وتمحورت هيكلية التغيير في التعامل حول سبل الاندماج المتكامل في المجتمع والابتعاد عن التمحور الذاتي والالتفاف حول ذاتية الدعاة. فكانت أول الخطوات العملية في سبيل تحقيق ذلك إشراك المجتمع بكامله في اتخاذ القرار، وهذا ما حدث في منزل عيسى الشاهين يوم الجمعة 3 أغسطس 1990م.
فالتقت قيادات جمعية الإصلاح مع بعض القياديين العسكريين ليتمخض عنه تشكيل هيكل خاص "حركة المقاومة الكويتية", ثم جمع هيكل لجان التكافل مع لجان المقاومة ليكون بعد ذلك تحت اسم "حركة المرابطين".
وساهم رجال جمعية الإصلاح في تأسيس "حركة المرابطين" التي أبلت بلاءً حسناً في مقاومة المحتل، وأصدرت صحيفة "المرابطون" للدفاع عن الكويت وقادوا المظاهرات للتنديد بالغزو مطالبين الدول العربية بالتعاون لطرد المحتل الغاشم, وساهمت في إيصال الأموال للمقاومين والمرابطين في الداخل للإنفاق على المقاومة والعمليات الفدائية ضد المحتل.
ويمكن حصر جهود "جمعية الإصلاح الاجتماعي" أثناء الاحتلال العراقي فيما يلي :
أ. داخل الكويت:
1- تأسيس لجان التكافل الاجتماعي:
2- المشاركة في أعمال جمعية الهلال الأحمر الكويتية
3- المشاركة في تأسيس حركة المقاومة الكويتية
ب- خارج الكويت:
1. 1- انشاء الهيئة العالمية للتضامن مع الكويت والتي أشهرت رسميا بجهود د. طارق السويدان في واشنطن, وبمشاركة الاعضاء أحمد الجاسر و د. اسماعيل الشطي وبدر السميط وخالد الصالح وسعد الراجحي وسليمان شمس الدين وصلاح العبد الجادر وعبدالحميد البلالي وعبد الرحمن العبيدلي وعبد الله الربيعة و عبد الله العتيقي وعبد الله المطوع وعبدالمحسن العثمان وعبد الواحد أمان وعبد الوهاب الحوطي وعيسى العيسى وفؤاد الفوزان وماجد الرفاعي ومبارك الدويلة ومحمد الراشد ومساعد عبد الجادر وناصر الصانع ويوسف الحجي من الكويت.
2- المشاركة الفعالة في المؤتمر الشعبي الكويتي بجدة برئاسة رئيس مجلس ادارتها العم عبدالله المطوع – يرحمه الله – ودوره الكبير في رأب الصدع وتوحيد الصفوف أمام المجتمع الدولي ضد العدوان العراقي..
3- المشاركة في تأسيس لجنة الإخاء الإماراتية الكويتية بعضوية مساعد العبد الجادر –يرحمه الله- ومحمد الراشد, وعبد الله العتيقي, وبراك عبد النصار "نائب القنصل العام لدولة الكويت في الامارات آنذاك.
4- المشاركة في تأسيس "اللجنة النسائية في القنصلية الكويتية" في دبي بادارة سعاد الجارالله وخوله العتيقي.
5- المشاركة في اللجنة الكويتية العليا في بريطانيا (Free Kuwait): من خلال عبد العزيز الخلف وعثمان الخضر وصلاح العبد الجادر ود.فيصل الكندري ود. فيصل مندني ود.بدر الناشي ود.ناصر الصانع.. وغيرهم.
6- المشاركة في إدارة فرع "لجنة هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية" التي عملت في تركيا لمساعدة الكويتيين مباشرة بعد الغزو:
7- المشاركة في المؤتمر الطلابي الإسلامي العالمي للتضامن مع الكويت بالشارقة في 25/8/1991م الذي أقامه الاتحاد الوطني لطلبة الكويت والإمارات بحضور د.عبد الله العتيقي ود.إسماعيل الشطي والشيخ عبد الحميد البلالي ومبارك الدويلة ومحمد الراشد وخالد الصالح، وممثلين عن 48 منظمة طلابية.
8- المشاركة في المؤتمر الإسلامي العالمي لرابطة العالم الإسلامي حول أزمة الخليج:
9- المشاركة في مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة الكويت – فرع أمريكا- للدفاع عن قضية الكويت أثناء في الفترة من 31/8/1990م إلى 2/9/1990م برئاسة عبد الله المطوع يرحمه الله.
بعد الغزو مباشرة
قررت جمعية الإصلاح الاجتماعي أن تغير من هيكلية إدارة عملها وأنظمة ولوائح تعاملاتها لتتناسب مع آثار وتبعات الحدث, واعادة ترتيب أوراقها.
وقد أوجد هذا الانفتاح المجتمعي فكراً خاصاً يتوافق مع هذا الحدث فصار التفكير في مستقبل الكويت، حيث بدأ الجناح العسكري يعمل والجناح الاجتماعي يخطط, وباتت تتضح جليا فكرة إنشاء حركة سياسية ذات جذور إسلامية تتوافق مع التغيرات الإقليمية التي طرأت على الخريطة السياسية العالمية.
وترسخ إيمان بأهمية وضع خطة تربوية, وثقافية, واجتماعية, وسياسية للبلد لاستشراف المستقبل، فأخذت ترتب أوراقها، وتعيد أولوياتها ، وتنسق أعمالها ،و تجهز أوراقها للعمل السياسي ، فكان بزوغ حركة تجمع بين الجانب الدستوري والإسلامي في وقت كان التعامل مع الدستور والبرلمانات أشبه بالمحرم،
وتم الاتفاق على اسم :"الحركة الدستورية الإسلامية"..
وبدأت الحركة استطلاع آراء جميع القوى السياسية في المسودة الأولى حتى تبلورت وثيقة الحركة الدستورية الإسلامية. وتم التنسيق مع قيادات الحركة الإسلامية في الخارج.
وجاء الاعلان عن الحركة الدستورية الإسلامية يوم 31/3/1991م من خلال عرض الوثيقة التي تمحورت حول ثلاثة نقاط مهمة "التحول من حركة فئوية إلى حركة مجتمعية"، "الدعوة إلى فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء"، "التأصيل والتقعيد للقوى السياسية وتحويلها إلى كتل سياسية في خطوة مهمة للوصول للنظام الحزبي".
وتم إعداد إستراتيجية للحركة تحت مسمى (الإستراتيجية الدستورية الإسلامية لبناء الكويت). ولما كانت التحديات تواجه الحركة في تحقيق أهدافها تبنت رؤية واحدة لبناء الكويت بعد التحرير ودونتها في وثيقة وقع عليها ثلة من رجالات الكويت يمثلون شرائح المجتمع والقوى السياسية كافة (وثيقة الرؤية المستقبلية).
وارتكزت الوثيقة على أساسيات وثوابت منهجية:
* الإيمان المطلق بقدرات الله والالتزام بتطبيق شريعته.
* التمسك الصادق بدستور عام 1962 مذكرته التفسيرية، واحترام كامل مواده نصا وروحا والعمل على جدية تطبيقه بأمانة.
* إصلاح الأداة التنفيذية
* استقلال السلطة القضائية
* الوحدة الخليجية
واستجابت الحركة الدستورية الإسلامية لكل المبادرات التي تهدف للتنسيق بين القوى السياسية الكويتية، وساهمت بشكل إيجابي للتنسيق بينها، واتخذت المبادرات في مواجهة الأحداث المتعاقبة، كما ساهمت في كسر الجمود بين القوى والتيارات السياسية.
وبدأت فكرة التنسيق في الساحة السياسية من خلال مجموعة أنشطة سياسية تهدف إلى منع التفرد بالحكم والإصرار على إشراك الشعب في رسم مستقبله, مع التأكيد على المرجعية الدستورية في الحكم.
وساهمت الحركة بفعالية كبيرة في هذا الاتجاه, حتى جاء بيانها الصادر في 5 أبريل 1991م والذي أعلن فيه عدة مطالب جوهرية تتمثل بالآتي:
1) احترام نصوص الدستور ووقف عمليات انتهاكه المستمرة, بدءاً بإلغاء قرارات 3 يوليو 1986م, والخاصة بتعليق بعض أحكام الدستور وحل مجلس الأمة, وانتهاءً بإلغاء قرار إنشاء ما يسمى " بالمجلس الوطني ".
2) تحديد موعد قريب لانتخابات مجلس الأمة على ألا يتجاوز ذلك ستة أشهر .
3) أن يحمل التغيير الحكومي القادم منهجية جديدة في الاختيار تقوم على أساس قوة الكفاءة وأمانة الأداء وشعبية التمثيل.
4) إقصاء أعضاء الحكومة المسئولين عن الفشل الذريع الذي حدث في مواجهة الكارثة ومقدماتها ومعالجة الآثار المترتبة عليها, فضلاً عن محاسبة المقصرين.
وعرضت الحركة تصورها لوزارة ما بعد التحرير من خلال بيانها الصادر يوم السبت 13أبريل 1991م على, إذ وضعت مجموعة لاءات تتمثل بالآتي :
· لا يجوز أن نلجأ إلى الحلول الترقيعية في محاولة تلمس المخرج من كارثة الأمس...
· لا يجوز أن نكافئ المسئولين عن أزمة الأمس بتسليمهم مسؤولية بناء المستقبل...
· لا يجوز أن نجري تبادلا داخليا في الحقائب الوزارية...
· لا يجوز أن نعمد إلى تولية غير القوي الأمين في مواقع المسؤولية الوزارية...
· لا يجوز أن نأتي بأشخاص تجاوزتهم الأحداث والوقائع ليكونوا محلاً للمسؤولية.
· لا يجوز أن نتجاوز إرادة الشعب وآراءه في مواصفات وأسلوب اختيار الوزراء وتوليتهم...
· لا يجوز أن نكرس عدم الثقة بالشعب من خلال احتكار المناصب الوزارية الهامة...
لم تكتف القوى السياسية بالوضع القائم، بل سعت حثيثا للإعداد للمؤتمر الشعبي, ولعبت مؤسسات أهلية وشعبية من دول التحالف دوراً مهما في إقامة المؤتمر المنشود, فكان تحديد موعد الانتخابات البرلمانية الخطوة الأهم التي أقدمت عليها السلطة في مواجهة عقد هذا المؤتمر. وحينها بذلت "الحركة الدستورية الإسلامية" جهوداً كبيرة من أجل عودة التنسيق ونجحت دعوتها في جمع اللجنة التنسيقية.
وجاء إلغاء الرقابة عن الصحافة وتثبيت الدوائر الانتخابية كآخر محاولة من السلطة لتفريغ خطاب المعارضة السياسي من محتواه, بالرغم ما انتهى إليه من تفكك اللجنة التنسيقية وانشغال معظم قواها بالاستعداد للانتخابات .
واقترب موعد الانتخابات وازداد التنافس فيها، وصار مجالاً خصباُ لخلخلة جدران الثقة بين تلك القوى، وفي مواجهة هذه المحاولات تقدمت الحركة بمشروع ينظم عمل اللجنة التنسيقية، وأطلقت عليه "دائرة العمل المشترك " ( دعم) وكان على شكل وثيقة ليؤكد وحدة الصف الشعبي تجاه قضايا الوطن المصيرية الماسة بوجوده أو بسيادته أو بمكتسباته، ويوجه العمل الشعبي السياسي إلى الوجهة التي تتحقق فيها المصلحة العليا للوطن, وبالأسلوب الذي يكرس التنسيق بين جهود التجمعات والقوى السياسية المختلفة، ويوجد قواعد مشتركة لعلاقة القوى السياسية مع السلطة الحاكمة، ويعمل على تكريس وتحقيق المبادئ التي نادت بها الوثيقة التاريخية لما بعد التحرير" الرؤية المستقبلية لبناء الكويت " ، وينادي بميثاق شرف العمل السياسي الشعبي في الساحة الكويتية بين كافة القوى والتجمعات التي اختارت لنفسها المشاركة فيه.
ورغم أهمية الطرح السياسي الذي احتواه المشروع, إلا أن التنافس غير المحمود في الدوائر الانتخابية والعمل المضاد لتفتيت هذا التنسيق حالا دون لقاء القوى ببعضها, الأمر الذي جعل الانتخابات نهايةً للتنسيق في فترة ما قبل الحياة النيابية.
ومع بداية الفصل التشريعي السابع خاضت القوى السياسية انتخابات اللجان البرلمانية, وعلى إثر نتائجها اتسع الخلاف بين التيارين الرئيسيين في الساحة المحافظ والليبرالي, حتى وصل الأمر إلى شكوك وتبادل اتهامات. الوضع الذي دفع الحركة الدستورية الإسلامية إلى التنسيق مع بقية الكتل الإسلامية والمحافظة، ونشأت كتلة برلمانية إسلامية تنسق فيما بينها, وظلت هذه الكتلة تعمل طوال فترة الحياة النيابية حتى الآن.
ورأت الحركة آنذاك أن الإصلاح لن يكون إلا بالتنسيق والتعاون بين القوى السياسية الشعبية, فقدمت مقترحا للتعاون يرتكز على أساس أخلاقي وأساس إداري متضمنا دعوة إلى إيقاف كافة الحملات التهجمية والتحريضية والتشكيكية الفردية والتنظيمية, والاتفاق على المطالب المشتركة التي تضمنتها "وثيقة الرؤية المستقبلية", وتحديد أولويات العمل الشعبي لتتبناها كافة القوى السياسية, وإعلان موقف موحد ضد سياسات الاستسلام لتقديمه في المجلس, ودعم مؤسسة البرلمان وحمايتها من التطاول والتجريح.