مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > مجلس الدراسات والبحوث العلمية

مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2006, 05:57 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

د. محمود خليل




مقدمة

أثرت المتغيرات التي صاحبت العولمة على مفهوم السيادة الوطنية ونطاق تطبيقه في المجالين الداخلي والخارجي على حد سواء. وقد أثارت تلك المتغيرات تحديات طالت كل أنماط الدول، وطرحت نفسها بأشكال مختلفة على تلك الأنماط. وكان لتلك التحديات مصادرها الداخلية والخارجية، التي أثارت بدورها الحاجة إلى رصدها وتحليل مدى تأثيرها على مفهوم السيادة.
وبشكل عام، يمكن القول أن هناك علاقة طـردية محتملة بين المتغيرات التي صاحبت العولمة وتقلص السيادة الوطنية، وأن هناك علاقة طردية محتملة بين تأثر سيادة الدولة بمتغيرات العولمة والتغير في مضمون الوظائف التي تقوم بها الدولة. كما يمكن القول أيضا أن هناك علاقة عكسية محتملة بين تقدم الدولة ومدى تأثرها بمتغيرات العولمة.
وفي هذا الإطار، تعالج الدراسة إشكالية العلاقة بين العولمة وسيادة الدولة من خلال أربعة أقسام. يحاول القسم الأول تقديم تعريف لمفهومي العولمة والسيادة، بينما يتضمن القسم الثاني عرضا لمجموعة المتغيرات التي صاحبت العولمة، والتي أدت إلى الربط بين مفهومي العولمة والسيادة الوطنية. ويعرض القسم الثالث للتأثيرات السلبية والإيجابية للعولمة على سيادة الدولة. وأخيرا، يقدم القسم الرابع رؤية مستقبلية لمفهوم السيادة الوطنية في ظل ظاهرة العولمة.
أولا- تعريف مفهومي العولمة والسيادة وتطورهما
1- العولمة :
تبدو صياغة تعريف دقيق للعولمة مسألة شاقة، نظرا لتعدد تعريفاتها، وتأثر تلك التعريفات بالانحيازات الأيديولوجية للباحثين واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضا أو قبولا. إلا أن هناك اتجاها عاما يعرف العولمة باعتبارها مجموعة من العمليات التي تغطى أغلب الكوكب أو التي تشيع على مستوى العالم. كما تتضمن العولمة من ناحية أخرى تعميقا في مستويات التفاعل والاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات التي تشكل المجتمع العالمي. وهكذا تتضمن العولمة بعدين رئيسيين، الأول هو الامتداد إلى كل أنحاء العالم، والثاني هو تعمق العمليات الكونية(1). غير أن أهم ما يتضمنه مفهوم العولمة هو عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث في ظل تنامي الابتكارات التكنولوجية والمنافسة بين القوى العظمى(2).
وقد برز مفهوم العولمة في البداية في مجال الاقتصاد، وكنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية التي مثلت نقلة جديدة لتطور الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ميزت القرنين السابقين. فالثورة الصناعية بشكلها التقليدي ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر في إنجلترا ومنها إلى القارة الأوروبية، حيث أدى التطور في استخدام الطاقة (البخار والكهرباء) إلى تغير جذري في أسلوب وقوى وعلاقات الإنتاج. وأدت هذه التغيرات المتلاحقة إلى الخروج من عصر الإقطاع وبداية مراحل التطور والتوسع الاقتصادي التي استلزمت بدورها الحصول على الموارد الطبيعية وفتح الأسواق العالمية، فارتبط بتلك المرحلة ظاهرة الحروب الأوروبية والاستعمار الخارجي بهدف توفير احتياجات الرأسمالية الصاعدة . وإذا كانت هذه الظواهر قد ارتبطت تاريخيا بمراحل التطور المختلفة للرأسمالية العالمية، فإن استمرار التطور التكنولوجي، وثورة المعلومات والاتصالات التي صاحبته، والتي شكلت فتحا جديدا في نمط الإنتاج وطبيعته، حققت بدورها تغييرا في شكل التفاعلات والتعاملات الدولية، حيث ظهرت الحاجة إلى توحيد أسواق الدول الصناعية في سوق عالمية واحدة، وتوفير إمكانيات الارتقاء بأداء الدول الصناعية بما يقتضيه ذلك من إعادة بناء شكل الرأسمالية. وكان ذلك يعنى ضرورة تجاوز الحدود القومية وإزالة الأوضاع الاحتكارية وإعادة توزيع الدخل، والعمل على رفع مستوى المعيشة حتى يمكن توسيع الأسواق الخارجية للدول الصناعية لاستيعاب المنتجات الحديثة، وهى المرحلة التي عرفت بمجتمع الاستهلاك الكبير، بعد أن كانت قيمة الادخار هي القيمة الأساسية التي اتسمت بها الرأسمالية منذ نشأتها وحتى الحرب العالمية الثانية(3).
وشكلت هذه السمات بذور التحول من نمط الرأسمالية القومية إلى الرأسمالية العابرة للقوميات، التي ارتبط بها ظهور مفهوم العولمة الذي عبر عن ظاهرة اتساع مجال الإنتاج والتجارة ليشمل السوق العالمية بأجمعها، بحيث لم يعد الاقتصاد محكوما بمنطق الدولة القومية وحدها، وإنما ظهر فاعلون اقتصاديون من نوع جديد. أي أن أهم ما ميز العولمة هو أن الفاعلية الاقتصادية لم تعد قاصرة على مالكي رؤوس الأموال من تجار وصناعيين ومدراء كان نشاطهم محكوما في السابق بحدود الدولة القومية التي ينتمون إليها وإنما أصبحت تلك الفاعلية مرتبطة بالمجموعات المالية والصناعية الحرة عبر الشركات والمؤسسات متعددة الجنسيات. وبعبارة أخرى، لم تعد الدولة القومية هي الفاعل أو المحدد الرئيسي للفاعلية الاقتصادية على المستوى العالمي، وإنما أصبح للقطاع الخاص الدور الأول في مجال الإنتاج والتسويق والمنافسة العالمية. كما أصبحت الشركات متعددة الجنسيات تلعب دورا محوريا في هذا المجال(4).
ومن ناحية أخرى، أدى تنافس الدول الرأسمالية القوية في ظل العولمة إلى تهميش دور دول العالم الثالث غير القادرة على المنافسة. ولعل هذا الواقع هو ما قاد إلى الاعتقاد في استناد العولمة إلى الداروينية وقانون البقاء للأصلح، حيث رأى بعض المفكرين أن القوى الرأسمالية الكبرى والمتدثرة بغطاء العولمة قد وجدت في هذا المبدأ أساسا نظريا صالحا لإسباغ الشرعية على تجليات العولمة وتداعياتها(5). بل اعتقد بعضهم أن العولمة هي ما بعد الاستعمار، باعتبار أن الـ ما بعد في مثل هذه التعبيرات لا يعنى القطعية مع الـ ما قبل بقدر ما يعني الاستمرار بصورة جديدة كما نقول ما بعد الحداثة(6).
كما اعتبر المعارضون للعولمة أن القاعدة الاقتصادية التي تحكم اقتصاد العولمة هي إنتاج أكثر ما يمكن من السلع والسلع المصنعة بأقل ما يمكن من العمل، وبالتالي تبدو الخصخصة والمبادرة الحرة والمنافسة.. الخ على حقيقتها كإيديولوجيا للإقصاء والتهميش وتسريح العمال بمبدأ كثير من الربح .. قليل من المأجورين(7).
ولكن العولمة ليست نظاما اقتصاديا وحسب، وإنما تمتد إلى مجالات الحياة المختلفة سواء في السياسة أو الإعلام أو الثقافة بوجه عام. فالنمو الاقتصادي الرأسمالي كما يستلزم وجود أسواق حرة، يستلزم أيضا وجود أنظمة سياسية وشكلا معينا من أشكال الحكم، فتعدد مراكز القوة الاقتصادية استلزم بدوره تعددا في مراكز القوة السياسية، وخلق بدائل وتعددية في القوى على مستوى السلطة ومنع تركيز القوة السياسية، ومنع تركيز الثروة في يد الدولة, وتحقيق درجة هامة من اللامركزية. ولذلك لم تكن مصادفة أن كانت الصيغة الديمقراطية الليبرالية في الحكم هي الصيغة التي ارتبطت بالمجتمعات الرأسمالية وتطورت معها، أي مع الرأسمالية ذاتها، وأكدت نفسها بانتصارها على كل الصيغ والأشكال الأخرى، بدءا من النازية والفاشية إلى البلشفية. وقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط النظم الشمولية في أوروبا الشرقية والتحولات المتلاحقة نحو أشكال الحكم الديمقراطي أبرز مظاهر الارتباط بين التطور الرأسمالي والتطور الديمقراطي. ومن هنا اعتبر البعض أن الديمقراطية الليبرالية وقرينتها الرأسمالية هي نهاية التاريخ الإنساني، وأن النموذج الأمريكي هو خلاصة وقمة التطور البشرى(8).
ومع أن هناك فاعليات اقتصادية متعددة، تنتمي لثقافات وبلاد مختلفة، تؤثر معا في مسار وتطور الظاهرة المعروفة بالعولمة، إلا أن كون الغلبة بين هذه الفعاليات تعود إلى مؤسسات أمريكية، بالإضافة إلى الارتباط بين بروز العولمة واحتلال الولايات المتحدة لمكانة الدولة العظمى الوحيدة، جعل البعض يعتقدون أن العولمة تعنى الدعوة إلى تبنى النموذج الأمريكي في الاقتصاد والسياسة، وفى طريقة الحياة بشكل عام. ومن هنا اعتبر البعض أن العولمة مرادف للأمركة، وأنها مجرد إفراز من إفرازات الدولة القومية عند لحظة من لحظات تضخم قوتها ومحاولتها فرض هيمنتها على العالم على نحو ما تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية من فرض لمنظومتها القيمية في ظل نظام العولمة(9).
ويرى الباحث أنه لا يمكن القول بأن العولمة مرادف للأمركة، وإلا فإن حدوث أي تراجع في الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية سيعنى اختفاء العولمة، فالواضح أن للعولمة أدوات ومؤسسات وقيما وفاعلين لو اختفى أي عنصر منها، لا يعنى ذلك أن العناصر الأخرى ستختفي. فعلى الجانب الاقتصادي هناك ثلاث مؤسسات دولية كبرى تقوم بإرساء قواعد وبنيات هيكل العولمة، وتشرف على تكوين البنية التحتية الأساسية لها، وهى: منظمة التجارة العالمية، والتي تعد أخطر المؤسسات المتعلقة بالعولمة من خلال الدور الذي تقوم به في تكريس تلك الظاهرة، وتحويل الاقتصاديات المحلية المغلقة على ذاتها إلى اقتصاديات مفتوحة مدمجة فعليا في الاقتصاد العالمي؛ وصندوق النقد الدولي، والذي يسهم في دعم اتجاهات العولمة وتحقيق مزيد من الدافع والحافز لدى الدول على التعولم، والانخراط في تيار عولمة الاقتصاد العالمي من خلال وظائفه الرئيسية المتمثلة في تصحيح الاختلالات في موازين المدفوعات للدول الأعضاء واستعادة توازنها وتحقيق استقرار سعر صرف عملاتها، وتحرير المدفوعات الجارية، وإقامة نظام متعدد الأطراف للمدفوعات الدولية. وأخيرا، البنك الدولي، والذي تطورت وتوسعت أنشطته إلى الدرجة التي أصبح ينظر معها إليه كمجموعة تضم ثلاث مؤسسات رئيسية يطلق عليها مجموعة البنك وهى: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والرابطة الدولية للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية. وتعمل هذه المؤسسات معا على تحقيق العولمة من خلال إحداث تغيرات أهمها زيادة الاعتماد المتبادل داخليا وخارجيا، وزيادة انفتاح المشروعات على الأسواق العالمية، وزيادة استقطاب المشروعات للرؤى الابتكارية(10).
وعلى الجانب المعلوماتي الاتصالي، وهو جانب شديد الأهمية بالغ الأثر تتدافع وتتزاحم من خلاله تيارات العولمة واتجاهاتها المختلفة، نجد أن هناك فواعل وعوامل رئيسية ذات قوة تأثيرية هائلة تدعم العولمة، وأهمها :
- شبكة الإنترنت، والتي تمارس دورها الرئيسي في توحيد العالم، وزيادة ترابطه واتصاله.
- التجارة الإليكترونية، والتي يبلغ حجمها السنوي حاليا ما يزيد عن 101.9 مليار دولا(11)، واستطاعت جذب مئات الملايين إليها، حيث وجد كل منهم فيها مآربه وأهدافه ووسيلته للتعايش، وإشباع احتياجاته ورغباته.
- المنظمات الجماهيرية غير الحكومية، والتي أصبح لها دورها المهم في إعادة تشكيل التوجه الاجتماعي العام وخلق رأى عام مستنيرا تجاه القضايا العالمية.
- التغطية الإعلامية الكونية، فالمتابع للشبكات الإعلامية الإخبارية وما تحققه من وظيفة اتصالية، ونقل فوري للأخبار إلي أي مكان في العالم، وجعل المشاهد لها يعايشها معايشة العين والإحساس و الرأي، يكتشف بما لا يدع مجالا للشك أن العولمة الإعلامية قد أصبحت واقعا ملموسا و معاشا.
- شبكة الاتصالات العالمية، فقد أتاح التطور المتصاعد في تقنية الاتصالات وتطور أنظمة الشبكات والدوائر الفائقة التقدم واستخدام أنظمة الهواتف النقالة والاتصالات الخلوية بالأقمار الصناعية مباشرة، قدرة هائلة علي جعل سكان العالم باختلاف أماكنهم مرتبطين ببعضهم البعض، بما أزال العزلة وحواجز المكان وفواصل الزمان.
وعلي نحو ما هو متوقع، فقد شغل تأثير العولمة علي مفهوم السيادة ووضعية الدولة القومية حيزا لا يستهان به من شواغل المحللين السياسيين في رؤيتهم للعولمة التي تهدف إلي جعل الشيء علي مستوي عالمي، أي نقله من المحدود المراقب إلي اللا محدود الذي ينأى عن كل مراقبة. والمحدود طبقا لهذا التعريف يؤكد علي دور الدولة القومية التي تتمتع بسيادة وطنية كاملة تستطيع من خلالها توفير الحماية الداخلية والخاصة، أما اللا محدود فهو النطاق العالمي، حيث تسعي العولمة إلي إلغاء حدود الدولة القومية في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية وتعميم نمط معين من الأفكار ليشمل الجميع.
2- السيادة :
كان مبدأ السيادة - ولا يزال- أحد المقومات المهمة التي تنهض عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني التقليدي. والدولة - بوصفها الشخص الرئيسي والمتميز من أشخاص القانون الدولي - تتكون من عناصر ثلاثة هي: الإقليم، والسكان، والسلطة السياسية المنظمة (الحكومة) التي تقوم علي تنظيم السلطات والمرافق العامة وإدارتها في الداخل والخارج. ووجود هذه العناصر هو الذي يحدد للدولة اختصاصات واسعة في النطاق القانوني الدولي، وبدون ممارسة تلك الاختصاصات لا تتصف الدولة بالشخصية القانونية الدولية في نظر القانون الدولي العام، ولا تظهر كصاحبة سيادة ذات اتصال مباشر بالحياة الدولية، لأن مبدأ السيادة لا يعطي مضمونا واقعيا ما لم تجسده مباشرة هذه الاختصاصات.
وقد نشأ مبدأ السيادة مع استئثار الملوك بالسلطة في الدولة الحديثة في أوروبا ومقاومة العباءة الكنسية للسلطة البابوية والإمبراطور وتصفية الإقطاع، فأصبحت الدولة هي السلطة التي لا تعلوها أي سلطة أخرى والتي تخضع لسيطرتها جميع الهيئات الأخرى من المنظمات الاجتماعية كالطوائف مثلا (12).
ويعد المفكر الفرنسي جان بودان هو أول من حاول بلورة نظرية متكاملة للسيادة من خلال مؤلفه الشهير الكتب الستة عن الجمهورية، الصادر عام 1576م، إلا أن بودان وضع سيادة الدولة في صورة مجردة لكونها سلطة عليا لا تخضع للقوانين، أي سلطة مطلقة. ولا شك أن ذلك لا يتلاءم مع البيئة المعقدة التي يتعين علي الدول الحديثة أن تعمل في إطارها والتي تحتوي علي أبعاد ذات تأثير سلبي علي مفهوم السيادة بمعناه التقليدي، وعلي رأس تلك الأبعاد الدور المتنامي للقانون الدولي والمنظمات الدولية (13).
وقد أدرك المنظرون ذوو المعتقدات الإيديولوجية المتباينة انخفاض حجم وفعالية الوظائف التي تقوم بها الدولة، وظهور قضايا وعلاقات ومؤسسات تعمل علي إزالة الحدود الفاصلة بين الشئون المحلية والشئون الدولية. كما ظهرت مفاهيم جديدة متعددة من بينها: التجمع، الاعتماد المتبادل، المجتمع العالمي، النظام العالمي، الاقتصاد العالمي. وقد تم تقديم هذه المفاهيم كوسيلة لفتح نافذة علي عولمة الشئون الإنسانية وإعادة تقييم معني ووظيفة السيادة (14).
وعلي ضوء تلك المتغيرات والمفاهيم الجديدة ، أصبح من غير الممكن تصور الدولة الحديثة ذات العلاقات المتشابكة مع الدول الأخرى في صورة الجزيرة المعزولة، فالقانون الدولي الحديث يضع واقعا عمليا جديدا للسيادة والمساواة بين الدول يشترط تكيف الدولة وتقيدها بالالتزامات الدولية، ويجعل اختصاصات الدولة ذات السيادة تتسع أو تضيق بدرجة ملاءمتها للاختصاصات الممــاثلة لدي الدول الأخرى علي ضوء قواعد القانون الدولي العام (15).
وعلي الرغم من تعدد التعريفات التي يوردها الباحثون لمفهوم السيادة الوطنية، إلا أن بينها قاسما مشتركا يتمثل في النظر إلي السيادة باعتبارها السلطة العليا للدولة في إدارة شئونها سواء كان ذلك داخل إقليمها أو في إطار علاقاتها الدولية. وبالتالي فإن السيادة تشير إلي معنيين أحدهما إيجابي ينصرف إلي قدرة الدولة ـ كوحدة سياسية مستقلة ـ على التصرف بحرية كاملة ودون أية قيود تفرض عليها فيما عدا تلك التي ترتضيها هذه الدولة ذاتها، والآخر سلبي يفيد عدم إمكان خضوع الدولة لأية سلطة غير سلطتها هي. وبالتالي يكون لمبدأ السيادة وجه داخلي يقتصر نطاق تطبيقه علي علاقة الدولة بمواطنيها داخل إقليمها بحدوده السياسية المعلومة، ووجه خارجي ينصرف نطاق تطبيقه علي علاقة الدولة بغيرها من الدول، والتي تقوم علي وجوب احترام الاستقلال الوطني والسلامة الإقليمية لكل دولة وعدم جواز التدخل في شئونها الداخلية (16). وهناك خصائص معينة للسيادة وفقا لمعناها العام السابق، وهي (17):
أ ـ أنها مستمرة طالما بقيت الدولة متمتعة بشخصيتها القانونية، وبالتالي فإن السيادة تزول في حالة واحدة هي فقدان الدولة لشخصيتها القانونية الدولية لأي سبب كالاندماج في دولة أخرى أو التجزئة إلي عدة وحدات سياسية يكون لكل منها سيادته الوطنية الخاصة. وقد شهد التاريخ الحديث حالات تعرضت فيها دول إلي عوارض جمدت من قدرتها علي مباشرة مظاهر سيادتها علي إقليمها وفي نطاق علاقاتها المتبادلة مع غيرها من الوحدات والكيانات السياسية الدولية الأخرى، كأن توضع الدولة تحت حماية دولة أخري، أو أن يخضع إقليمها لاحتلال دولة من الدول، أو أن يتفق في معاهدة دولية علي وضع هذه الدولة في حالة حياد قانوني دائم.
ب- أنها تمثل ـ كمبدأ عام ـ كلا واحدا لا يقبل الانقسام أو التجزئة، وبالتالي فإن عدم وجود رابطة خضوع قانونية من أي نوع تربط دولة ما بدولة أخري هو وحده الذي ينهض دليلا قاطعا علي انتقاص سيادتها إذا ما ثبت خضوعها لسلطان هذه الدولة أو الدول الأخرى. وهناك حالات نادرة تم فيها تجزئة السيادة علي إقليم معين بين دولتين أو أكثر، ومن ذلك مثلا حالة السيادة السعودية الكويتية المشتركة علي المنطقة المحايدة بينهما. كما قادت التطورات المستحدثة في النظام الدولي إلي بروز فكرة السيادة المشتركة للدول كافة علي البحار في المناطق التي تخرج عن نطاق الولاية الإقليمية لهذه الدول فرادى.
ج- ترتبط السيادة ارتباطا وثيقا بدرجة وحدود الاستقلال السياسي للدولة، فالاستقلال هو الذي يتيح لها إعمال مظاهر هذه السيادة سواء داخل إقليمها أو في إطار علاقاتها المتبادلة مع غيرها من الدول وأشخاص القانون الدولي الآخرين. والواقع أن تفاوت الدول من حيث الموارد والإمكانيات جعل بعض الباحثين يميزون بين السيادة كمفهوم قانوني بمعني وحدة الخطاب القانوني وعمومية القاعدة القانونية الدولية بالنسبة لجميع المخاطبين بها وبدون أدني تمييز، والسيادة كمفهوم سياسي بمعني القدرة الفعلية أو الحقيقية للدولة علي رفض الخضوع لأية سلطة أخرى غير سلطتها هي. فالدولة قد تكون مستقلة قانونا ولكنها عاجزة عن إشباع احتياجات مواطنيها مما يعرضها لضغوط وتأثيرات بعض الدول الأخرى، الأمر الذي يجعل استقلالها منقوصا، وبالتالي تعجز عن مباشرة بعض مظاهر سيادتها (18).
ثانيا ـ المتغيرات التي أدت إلي الربط بين مفهومي العولمة والسيادة
يوضح العرض السابق وجود رابطة بين العولمة والسيادة بمعناهما السابقين، فالعولمة تطرح ضمنا حدود سيادة الدولة ودورها علي المستويين الداخلي والخارجي ومستقبلها. ففي ظل العولمة تخضع الحياة الاقتصادية والسياسية أكثر فأكثر لتأثير قوى السوق، وهذه بدورها تخضع لتأثير مصالح الشركات المحلية والدولية أكثر مما تخضع لأوامر الدولة. ويري البعض أن من بين أهم ملامح العولمة انحسار قوة الدولة، وعلي الأخص في البلاد الأقل نموا. فكما أخذ مبدأ سيادة المستهلك في الانحسار تاركا مكانه لتعاظم تأثير المنتجين في أنماط الاستهلاك وفي أذواق المستهلكين، فإن سيادة الدولة الوطنية هي أيضا آخذة في الانحسار تاركة مكانها أكثر فأكثر لسيطرة منتجي السلع والخدمات. كما انحسرت قدرة الدولة علي التأثير في مستوى وأنماط الاستهلاك، بما في ذلك استهلاك السلع والخدمات الضرورية (19).
وقد أصبحت العلاقات في ظل العولمة تتشكل حول محورين رئيسين، هما: الاعتماد المتبادل بين الدول القوية بهدف تحقيق المصلحة المشتركة لتلك الدول خاصة في المجال الاقتصادي؛ وتبعية الدول النامية للدول القوية بسبب عدم قدرة الدول النامية على إشباع الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. كما أصبحت الوسيلة الأكثر فاعلية في تحقيق انتقال السلع ورأس المال والمعلومات والأفكار هي الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية غير الحكومية التي تتخذ العالم كله مسرحاً لعملياتها. ويعنى ذلك إعادة توزيع وتغيير الأوزان النسبية للفاعلين في النظام الدولي لصالح مؤسسـات المجتمع المدني الدولي على حسـاب الـدول والمنظمات الدولية الحكومية.
والواقع أن الشركات متعددة الجنسيات لم تكتف بقدرتها على الالتفاف على الدولة والتملص مما يمكن أن تفرضه عليها من قيود، بل سعت إلى احتواء الدولة وتسخيرها لخدمتها. وجعلت الدولة، علي حـد تعبير أحد الباحثين تقتنع بدور مديرة المنزل house keeper، حيث أصبحت حكومات الدول النامية تتعرض لضغط مضاعف. فمن ناحية، هي مطالبة مثل الحكومات في الدول المتقدمة بأن تقوم بوظيفة تدبير المنزل وفق ما تمليه إرادة الشركات متعددة الجنسيات وما يخدمها من مؤسسات دولية، ومن ناحية أخرى، فإنها لا تعتبر شريكا في الاستفادة من الشركات متعددة الجنسيات لأن هذه الاستفادة مقصورة علي الدول المتقدمة التي تقع فيها مراكز تلك الشركات (20).
ومن بين التطورات الدولية التي صاحبت العولمة تغير هيكل النظام الدولي من نظام ثنائي القطبية تسيطر عليه قوتان عظميان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي إلي نظام أحادي القطبية تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة عليه. ومن هنا أثيرت تساؤلات حول أفضل نظام يمكن من خلاله ضمان أمن سيادة الدولة. وذهب البعض إلي أن النظام أحادي القطبية يؤدي إلي انتهاك سيادات الدول، وعلي سبيل المثال لم يكن من الممكن أن يحدث لسيادة العراق ما يحدث لها الآن من انتهاكات لو استمر النظام الدولي ثنائي القطبية. ويري آخرون أن العولمة ستؤدي حتما إلي قيام نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وأن هـذا النظـام هو الذي سيحفظ سيادات الدول بقدر أكبر من النظامين أحادي وثنائي القطبية (21).
ومن المتغيرات الأخرى المصاحبة للعولمة والتي أدت إلي انتهاك سيادة الدولة الثورة الهائلة في وسائل الاتصال، فقد ترتب عليها تقريب غير معهود للمسافات بين مختلف مناطق العالم، وأدي ذلك إلي أن أي حدث يقع في أية منطقة من العالم يكون له صداه في غيره من المناطق دونما اعتبار للحدود السياسية أو لمبدأ السيادة الإقليمية(22). كما أدت الثورة الاتصالية إلي الارتفاع الكبير في نسبة السكان، داخل كل مجتمع أو أمة، التي تتفاعل مع العالم الخارجي وتتأثر به في نمط حياتها وتفكيرها (23).
كما أدت متغيرات العولمة إلي إعادة تشكيل خريطة وموازين القوة في النظام الدولي بما يرجح أوزان القوة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية علي حساب القوة العسكرية والديموغرافية، ولكن دون أن تفقد هذه الأخيرة مجمل ثقلها بالطبع .كما أعيد ترتيب الأولويات علي جدول أعمال النظام الدولي فتراجعت القضايا التقليدية التي كانت تحتل مرتبة الصدارة في مرحلة الحرب الباردة مثل قضايا الصراع بين الشرق والغرب أو حتى بين الشمال والجنوب، وتقديم قضايا جديدة متعددة باتت تواجهها الجماعة الدولية ككل مثل مشكلات الطاقة، والتلوث البيئي والتصحر والتضخم والإرهاب وحقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل، وهي القضايا التي تتطلب جهدا دوليا جماعيا لمواجهتها، مما يتطلب بدوره التعامل مع مفهوم السيادة من منظور جديد (24). كما أدت العولمة إلي تكامل الاقتصاد العالمي من خلال الزيادة الكبيرة في درجة تنوع السلع والخدمات المتبادلة بين الأمم، وتنوع مجالات الاستثمار التي تتجه إليها رؤوس الأموال من بلد إلي آخر، بالإضافة إلي النمو الكبير في تبادل المعلومات والأفكار بين الدول.
وهكذا، فإن العولمة هي نظام يقفز علي الدولة والأمة والوطن ويسعى إلي إنشاء كيانات كبيرة كالشركات متعددة الجنسيات. إلا أنه في المقابل يعمل علي التفتيت والتشتيت، حيث إن إضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لصالح العولمة يؤديان حتما إلي استيقاظ أطر للانتماء سابقة علي الدولة كالقبيلة والجهة والتعصب والمذهب، والنتيجة هي تفتيت المجتمع وتشتيته (25).
ثالثا ـ التأثيرات السلبية والإيجابية للعولمة علي سيادة الدولة
سارت غالبية المتغيرات التي صاحبت العولمة في اتجاه تقليص نطاق تطبيق مبدأ السيادة الوطنية، إلا أن بعضها كان له تأثيرات ايجابية أدت إلي تدعيم قدرة الدولة وسلطتها في مجال مباشرتها لمظاهر سيادتها. وفيما يلي توضيح لأهم تلك التــأثيرات.
1- التأثيرات السلبية
تسببت التطورات الراهنة في النظام الدولي في أزمة طالت كل أنماط الدول، وطرحت نفسها بأشكال مختلفة علي تلك الأنماط. فإذا كانت أزمة الدولة الماركسية اللينينية هي أزمة انهيار النموذج الشيوعي، فإن أزمة الدولة الديمقراطية الليبرالية تتجسد في أزمة الحزب السياسي الذي هو عماد تعدديتها، كما أن أزمة الدولة البيروقراطية تتمحور حول ضعف الفعالية والعجز عن بناء قطاع عام قادر وكفؤ. ولأزمة الدولة، بأنماطها المختلفة وعلي تنوع درجة تطورها السياسي ومستوي نموها الاقتصادي، مصادرها الداخلية والخارجية نعرضها فيما يلي(26):
المصادر الداخلية :
1ـ أنتجت سياسات التحرير الاقتصادي ارتخاء في قبضة الدولة علي أصولها، فلم تعد علاقتها بها علاقة المالك بما يملك، بل علاقة المنظم بوحدات تتبع إدارته.
2ـ أفرزت ثورة الجماعات السلالية وصحوة الولاءات الإثنية تعطيلا لسيادة الدولة علي أجزاء من إقليمها تضيق أو تتسع حسب مقتضى الحال.
3ـ أدي نمو المجتمع المدني إلي تهميش دور الدولة من خلال سحب بعض الوظائف منها وإبلائها لفاعلين بازغين. وقد بدأت تلك الظاهرة في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والنقل والمواصلات والبريد، ثم امتدت إلي إدارة السـجون وخدمات الأمن الخاصة (27).
4- أدت العولمة إلي تهديد الثقافة والحضارة المحلية الوطنية من خلال الاتجاه إلى نشر ثقافة كونية ونمط معين من الأفكار ليشمل الجميع، مما أدى إلى إيجاد حالة من الاغتراب بين الفرد وتاريخه الوطني وموروثاته الثقافية والحضارية. كما أدت إلي الضغط على الهوية والشخصية الوطنية المحلية وإعادة صهرها وتشكيلها في إطار هوية وشخصية عالمية (28).
المصادر الخارجية :
1ـ أسفرت ظاهرة تشكيل التكتلات الإقليمية عن نقل جزء من سلطات الدولة إلي هياكل الكيانات غير القومية.
2ـ أنهت الثورة الاتصالية احتكار الدولة للمعلومة التي أصبح من السهل الحصول عليها من مصادر متعددة.
3ـ فرضت شروط التعاون الدولي صياغات محددة لقواعد اللعبة السياسية الداخلية، وقرنت مؤسسات التمويل الدولية منح مساعداتها أو منعها بالتنشئة الديمقراطية والتنشئة علي ثقافة حقوق الإنسان.
4ـ لم تعد هناك خطوط فاصلة بين الشأنين الداخلي والخارجي (أو بين مسئولية الدولة ومسئولية المجتمع الدولي)، ففكرة السيادة المطلقة لم تعد مقبولة كما سبق توضيحه. ولم يعد إطلاق يد الأنظمة الحاكمة في تحديد نطاق الشأن الداخلي أمرا مسلما به كما كان في الماضي، بل أصبح تدخل المجتمع الدولي في بعض الأمور التي كانت في الماضي شأنا داخليا أمرا مقبولا ويراه البعض ضروريا وواجبا(29). ومن هنا أعيد إحياء حق التدخل الإنساني لكن في قالب جديد، وهو ما يعد أخطر تطورات ما بعد الحرب الباردة عموما من حيث تأثيره على سيادة الدول بسبب الطبيعة غير المنضبطة وغير المقننة التي يتم بها ممارسة هذا الحق، ولأنه يعكس اختلال التوازن الدولي لصالح الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي(30).
5ـ نجحت بعض الشعوب بعد كفاح طويل من أجل الحرية أن تنشيء حكومات ومؤسسات قابلة للمساءلة من الشعب، ولكن العولمة بتحويلها السلطة من الدول إلي الشركات سمحت للبيروقراطيات الدولية بتقويض هذه المساءلة، فهي لا تخضع للمساءلة ولا تتسم بالشفافية، وبالتالي فهناك عجز ديمقراطي ليس فقط في أوروبا، وإنما أيضا في الولايات المتحدة واليابان وجميع اقتصاديات العالم المتأثرة بالعولمة (31).
6- أصبحت الدولة مسئولة مسئولية دولية مباشرة ليس فقط عن أفعالها غير المشروعة التي يترتب عليها حدوث ضرر مادي للدول الأخرى أو لمواطني هذه الدول، وإنما تساءل أيضا عن أفعالها المشروعة ـ التي تصدر عنها إعمالا لمبدأ السيادة وفي نطاقها الإقليمي ـ التي يترتب عليها حدوث ضرر للغير. وعلي سبيل المثال، فإن قيام دولة ما بإزالة الغابات من مساحات شاسعة داخل إقليمها يجعل هذه الدولة مسئولة دوليا في مواجهة الدولة أو الدول التي قد يتسبب هذا التصرف في إحداث خلل ظاهر للتوازن البيئي داخل إقليمها، ويحق للدولة المتضررة في الحالة أن تطالب باقتضاء التعويض المناسب (32).
7- ظهور مؤسسات أمنية ذات مجال حركة عالمي، أبرزها حلف الناتو الذي أصبح مؤسسة أمنية ذات صبغة عالمية. ففي قمة الحلف الخمسينية التي عقدت في واشنطن في أبريل سنة 1999 أقر قادة دول الحلف ـ بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية ـ مفهوما استراتيجيا معدلا يتيح لقوات الناتو الحق في العمل في أي مكان في العالم بخلاف ما أقرته الفقرة الخامسة من ميثاق الحلف عام 1949 المتعلقة بتقييد التحرك داخل نطاق منطقة اليورو ـ أطلنطي. وصار للحلف أن يتحرك دون تفويض من الأمم المتحدة حسبما شاء. ويهدف الحلف في الوقت الراهن إلي فرض التزامات بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بمناهضة أسلحة الدمار الشامل تلقائيا علي الدول غير الموقعة عليها مثل الاتفاقية الخاصة بمكافحة الأسلحة الكيماوية. وهناك آليات مقترحة لتنفيذ تلك الالتزامات منها مراقبة التسلح والإنذار المبكر وشفافية التدريبات والميزانيات والخطط العسكرية. ولاشك أن في ذلك انتهاكا لسيادة الدول التي تفرض عليها تلك الالتزامات (33).
8- أدت العولمة إلي إيجاد مصادر قانونية منافسة لسلطة الدولة في مجال التقنين، فالمعروف أن قدرة الدولة علي تقنين سلوكيات الأفراد تعد أحد مظاهر السيادة التي تمارسها علي جميع القائمين علي إقليمها. لذا فإن فكرة التقنين ظلت ترتبط بالدولة في المقام الأول وذلك لما تملكه من مقومات مادية قادرة علي وضع القاعدة القانونية موضع التطبيق. ولكن مع ظاهرة العولمة ظهر أشخاص جديدة قادرون علي إيجاد القواعد التي يرونها. ومن هنا كانت الأصوات التي نادت بإيجاد قانون مستقل لتنظيم حركة التجارة الدولية تقف من ورائه الشركات متعددة الجنسيات، فالعولمة جاءت لتؤكد أن حق تنظيم السلوك وضبط حركة تعاملات الأفراد لم يعد حكرا علي الدولة وحدها. كما ساعد علي نشأة هذا القانون تأكيد دور القضاء الخاص (التحكيم) في الفصل في منازعات التجارة الدولية بعيدا عن القضاء الوطني. ولذا انتشرت مؤسسات التحكيم سواء الإقليمية أو الدولية والتي تعطي للمحكم القدرة علي إيجاد القواعد التي تفصل في منازعات التجارة الدولية بعيدا عن القوانين الوطنية (34).
9- ظهرت في ظل العولمة قوانين عابرة للحدود. وإذا كان الفكر القانوني التقليدي يرى في فكرة التشريع مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، فإنه قد حصر قوة التشريع تلك بالحدود الجغرافية التي تمتلكها الدولة، بمعني أن مجال تطبيق هذه القوانين يكون محدودا بحدود الدولة صاحبة التشريع فقط. ولكن في ظل فكرة العولمة ظهرت القوانين الاقتصادية العابرة للحدود، ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد قوانين تراقب المنتجات الاستراتيجية وتمنعها من الوصول إلي أيدي الدول المناوئة لها. فعلي سبيل المثال وفي مجال المعلوماتية، تعطي الولايات المتحدة الأمريكية للقوانين التي تراقب حركة المعلوماتية، مثل برامج الحاسب الآلي، أثرا غير إقليمي بحيث تمتد هذه القوانين إلي جميع العقود التي ترد علي المعلوماتية الموجهة إلي بعض البلاد التي تضعها الولايات المتحدة الأمريكية علي القائمة السوداء، سواء كانت هذه المنتجات أمريكية أم لا، وسواء كانت هي (الولايات المتحدة) من أطراف العقد أم لا. ولا شك أن هذا الأثر المتعدي لتلك القوانين يمثل إحدى آليات تذويب فكرة السيادة. ومن أجل إضفاء نوع من المشروعية لمثل هذه التشريعات المتعدية، نجدها تقوم بالربط بين فكرة حقوق الإنسان وعمليات التجارة الدولية(35). وهكذا، يتضح لنا وجود علاقة طردية بين المتغيرات التي صاحبت العولمة وتقلص السيادة الوطنية. إلا أن التأثيرات السلبية للعولمة علي سيادة الدولة ليست بدرجة متساوية علي جميع الدول، فالدول النامية عرضة للتأثر بدرجة أكبر من الدول المتقدمة خاصة في المجالين الاقتصادي والثقافي. فقد أصبحت الدول النامية محاصرة من الداخل بانتفاضات سلالية، وبمجتمع مدني يتمتع بدعم عالمي، وبعجز متزايد للدولة عن الوفاء بالاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ومحاصرة خارجيا بصندوق النقد الدولي والجات وسياسات الدول الكبرى مما يثير تساؤلات بشأن حدود السيادة والأدوار المتصـورة للدولة في ظل هذا الوضع (36).
وفى الوقت الذي عانت فيه كثير من الدول النامية من التهميش الاقتصادي لعدم قدرتها علي المنافسة وتذويب ثقافتها الوطنية في الثقافة الكونية التي تسعي العولمة إلي نشرها، نجد أن هناك شعوبا وثقافات أخرى شتي في العالم لا تخشى العولمة. فاليابانيون مثلا لا يخافونها، بل يتفاعلون معها، كما أن تجربتهم تستحق التأمل، فهم لم يتأثروا في خصائصهم الثقافية وسماتهم القومية الأساسية بالغرب رغم أنهم تعرضوا لمؤثرات غربية مباشرة بل وموجهة ومقصودة لفترة طويلة عقب الحرب العالمية الثانية، كما عاشوا وما زالوا تحت حماية أمريكية صريحة. وبالتأكيد فإن إنجازهم الاقتصادي يساعد علي توليد الثقة، لكن ثقتهم كانت قائمة قبل أن يصير اقتصادهم عملاقا، وهو لم يصبح كذلك إلا عندما اكتسب طابعا عالميا. والمهم هو أن الثقة الوطنية في الثقافة والهوية سبقت الإنجاز الاقتصادي وساعدت عليه (37).
وهكذا، فإن هناك علاقة عكسية بين تقدم الدولة ومدى تأثرها بمتغيرات العولمة، وبعبارة أخري فإن هناك أوزانا نسبية لتأثيرات العولمة علي سيادات الدول، ولابد من التمييز بين الدول في مستوى وأبعاد هذا التأثر الذي طال المجتمعات المتقدمة والنامية علي حد سواء. فهناك أكثر من مليار فرد يعيشون بأقل من دولار واحد يوميا، ولئن كانت العولمة، من حيث المبدأ، ينبغي أن تنعش التنمية علي الخريطة العالمية، فالثابت أنه لا توجد عولمة حقيقية للتنمية الاقتصادية طالما أنه لا توجد عولمة لعوامل الإنتاج (رؤوس الأموال والمعارف والأيدي العاملة المدربة). وإذا كانت العولمة قد نشطت بقوة في الثمانينيات إلا أن العالم لا يزال في مراحلها الأولية، وبدأت آليات التهميش تضرب كل المجتمعات الغنية والفقيرة، واتسعت دوائر الفئات الاجتماعية المهمشة في الدول الغنية. وبحسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية في عام 1998، فإن مؤشر الفقر في الدول الصناعية يرصد نحو 100 مليون شخص علي الأقل، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يعيش 15% من السكان تحت خط الفقر، كما تكرست في الدول الفقيرة طبقة مرفهة، ففي الهند يعيش نحو 200 مليون فرد ـ من أصل مليار ـ حياة ملائمة (38).
وقد أوضح تقرير لمعهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية بعنوان: حالات فوضي.. الآثار الاجتماعية للعولمة، صدر في عام 1997 أن الاتجاهات الرئيسية للعولمة التي برزت في السنوات الأخيرة وتسير بوتيرة متسارعة هي: انتشار الديمقراطية الليبرالية، وسيطرة قوي السوق، وتكامل الاقتصاد العالمي، وتحول نظم الإنتاج وأسواق العمل، وسرعة التغير التكنولوجي، والثورة في وسائل الإعلام، والنزعة الاستهلاكية. وهذه العمليات المذكورة ليست ظواهر طبيعية وإنما هي عمليات مدعمة تدفعها إلي الأمام مجموعة من المصالح القومية والدولية التي تري أن التحرير السريع للاقتصاديات والنظم السياسية سوف يؤدي إلي نمو اقتصادي متجدد، وأن الرفاه الاجتماعي سيتبع ذلك بحكم الضرورة. وقد تم نقل هذا النهج الإيديولوجي إلي الدول النامية، وبصورة أساسية من خلال برامج التصحيح الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وناقش الفصل الثاني من التقرير المذكور بعنوان التصحيح المؤلم مختلف العواقب الاجتماعية والمؤسساتية لتلك البرامج كالفقر المطلق، وسوء التغذية، وانتشار الأمراض، وتدهور البيئة، وزيادة عمليات تهريب المخدرات وتعاطيها. وبحث هذا الفصل استراتيجيات المواجهة الجديدة التي طورتها الشعوب كي تؤمن أسس بقائها. وأمام وابل من الانتقادات ردت المؤسسات المالية الدولية بتمويل شبكات أمن اجتماعي، لكن هذه البرامج لم تقدم سوي الحد الأدنى من الدعم (39).
2- التأثيرات الإيجابية
علي الرغم من التأثيرات السلبية المتعددة للعولمة علي سيادة الدولة كما سبق توضيحه، فقد كان لها بعض التأثيرات الايجابية التي قادت في مجملها إلي تدعيم قدرة الدولة وسلطتها في مجال مباشرتها للمظاهر المختلفة، الداخلية والخارجية، علي حد سواء لسيادتها الوطنية، كان أبرز مظاهرها ما يلي:
1ـ فتحت التطورات الراهنة الباب واسعا أمام زيادة قدرة الدولة علي مباشرة، أو التوسع في مباشرة المعني الايجابي للسيادة والمتمثل في سلطة إبرام التصرفات القانونية تنظيما لعلاقاتها مع الدول الأخرى ومع غيرها من أشخاص القانون الدولي.
2ـ تتيح التطورات الدولية الراهنة للدول النامية فرصا افضل لتفاعل أكثف وأسرع، وتسمح لصوتها بأن يبلغ العالم المتقدم من خلال الاستفادة من ثمار الثورة الثقافية والاتصـالية، والتسلح بمنطق الشرعية الدولية واحترام القانون في الدفاع عن قضاياها (40).
3ـ هناك تأثيرات ذات طبيعة ايجابية وسلبية في آن واحد، فالنظام الجديد للمسئولية الدولية الذي من شأنه أن يجعل الدولة مسئولة دوليا في مواجهة دول أخرى لمجرد حدوث ضرر أو حتى مجرد مخالفة التزام دولي معين مما يعتبر تضييقا لنطاق السيادة الوطنية، له أيضا مظهره الايجابي المتمثل في تعزيز هذه السيادة، حيث يسوغ للدولة المتضررة من جراء فعل معين منسوب إلي دولة أخرى المطالبة بإصلاح هذا الضرر طالما تحققت له شروطه الموجبة. وبعبارة أخرى، إذا كان من شأن هذا النظام أنه يؤدي في الظاهر إلي الانتقاص من سيادة دولة ما، إلا أنه يقود في المقابل إلي تعزيز سيادة دولة أخرى.
4- التطور الذي لحق بسلطات الدول الشاطئية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 التي أضافت إلى مسافة الـ 12 ميلا التي مثلت أقصى عرض مسموح به قانونا للمياه الإقليمية لكل دولة شاطئية مسافة أخرى تمتد إلى 200 ميلا بحريا تباشر الدولة عليها وفى نطاقها سلطاتها. وقد جاء هذا التطور نتيجة التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم خلال العقود الأخيرة، وما ترتب عليه من زيادة قدرات الدول في مجال استخراج الثروات من البحار واستغلالها بكفاءة أكبر(41).
رابعا: رؤية مستقبلية لمفهوم السيادة الوطنية
طرح المفكرون والباحثون رؤى متعددة بشأن مستقبل السيادة الوطنية في ضوء متغيرات العولمة. وقد وضع الباحثون لأربعة سيناريوهات رئيسية لمستقبل السيادة الوطنية، هي: اختفاء السيادة، استمرارية السيادة، الحكومة العالمية، التفكيكية والنسبية. وفيما يلي عرض مختصر لتلك السيناريوهات.
1- سيناريو اختفاء السيادة
يرى أنصار هذا السيناريو أنه كما حلت الدولة محل سلطة الإقطاع تدريجيا منذ نحو خمسة قرون، سوف تحل اليوم الشركة متعددة الجنسيات تدريجيا محل الدولة. والسبب في الحالتين واحد وهو التقدم الثقافيي وزيادة الإنتاجية والحاجة إلى أسواق أوسع، فقفزت الشركة المنتجة فوق أسوار الدولة، سواء تمثلت تلك الأسوار في حواجز جمركية، أو حدود ممارسة السياسات النقدية والمالية، أو حدود السلطة السياسية، أو حدود بث المعلومات والأفكار، أو حدود الولاء والخضوع(42). ووفقا لهذا السيناريو، فإن الشركات متعددة الجنسيات تسعى خلال تلك المرحلة إلى إحداث تقليص تدريجي في سيادة الدول، بما يؤدى إلى اختفاء مفهوم السيادة، ثم الدولة القومية ذاتها في مرحلة لاحقة. وفى إطار سعيها لتحقيق ذلك الهدف، تستعين تلك الشركات بجهود هيئات ومؤسسات أخرى، منها المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومختلف وكالات الأمم المتحدة العاملة في ميادين التنمية والثقافة، ومنها أيضا أجهزة المخابرات في الدول الكبرى ومختلف وسائل التأثير في الرأي العام كالصحف والمجلات وشبكات التليفون والمؤسسات المانحة للجوائز الدولية المهمة أو المشتغلة بحقوق الإنسان.. الخ. كما أنها لا تدخر وسعا في تجنيد مفكرين وكتاب في مختلف البلاد ينظرون ويروجون لأفكار العولمة والكونية، ويؤكدون أن الشعور بالولاء لأمة أو وطن قد أصبح من مخلفات الماضي التي يحسن إهمالها.
ويخلص أنصار هذا الاتجاه إلى أن الصورة العامة التي تسترعى الانتباه هي التراجع العام لسيادة الدولة وانحسار نفوذها وتخليها عن مكانها، شيئا فشيئا ، لمؤسسات أخرى تتعاظم قوتها يوما بعد يوم وهي الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، وستكون الوظيفة الجديدة للدولة خدمة المصالح المسيطرة وهى في الأساس مصالح الشركات الدولية العملاقة.
والواقع أن فكرة تلاشى سيادة الدولة، ثم اختفاء الدولة القومية في مرحلة لاحقة من الأفكار الشائعة في تاريخ تطور الفكر السياسي، حيث قالها كل من ماركس والفوضويين ومع ذلك لم تنته السيادة ولم تتلاش الدولة القومية، وهذا في حد ذاته يشكك في المنطلقات التي أتى بها الطرفان. وبالتطبيق على العقد الأخير من القرن العشرين ، فإن سيناريو اختفاء السيادة لصالح الشركات متعددة الجنسيات هو طرح مبعثه الاعتقاد في أن الدولة القومية فقدت وظائفها على شتى الصعد، وهو ما لم يحدث كما سنشير إليه فيما بعد.
2- سيناريو استمرارية السيادة
يرى أنصار هذا السيناريو - الذي يميل إليه الباحث- أن التطورات الراهنة في النظام الدولي لن تأتى على السيادة تماما، فالسيادة الوطنية ستظل باقية ما بقيت الدولة القومية ذاتها. وأقصى ما يمكن للتطورات الجارية في النظام الدولي المعاصر أن تفعله هو أن تنال من طبيعة الوظائف أو الأدوار التي تضطلع بها الدولة بالمقارنة بما كان عليه الحال في ظل النظام الدولي التقليدي. ومن بين الأمثلة التي يوردها الباحثون للتدليل على صحة هذا السيناريو تجربة الاتحاد الأوروبي، فعلى الرغم من كل ما يقال عن الوحدة الأوروبية الشاملة وفتح الحدود السياسية للدول الأعضاء أمام حركة انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال عبر الأقاليم المختلفة لهذه الدول، إلا أن الشيء المؤكد في هذا الخصوص هو أن السيادة الوطنية لفرنسا مثلا أو ألمانيا أو بريطانيا أو غيرها لن تختفي تماما وإن كانت تلك الدول ستفقد ولا شك بعضا من سلطتها السيادية لصالح هذه الوحدة أو الاتحاد الأوروبي (43).
أما المثال الثاني فيتمثل فيما يشار إليه من جانب بعض الدارسين بانتفاضة القوميات أو بعث الروح من جديد لدى بعض الجماعات القومية والتي ظن البعض أنها قد وئدت تحت وطأة الحكم الشمولي في بعض الدول كالاتحاد السوفيتي قبل انهياره رسميا في ديسمبر عام 1991 أو في الاتحاد اليوغسلافي السابق. إن الانبعاث المطرد للمشاعر القومية في بعض مناطق العالم الآن، ومحاولة كل جماعة قومية متميزة الانفصال عن الدولة الأم التي تشملها وتكوين دولتها المستقلة تعد دليلا آخر يقودنا إلى القول باستمرار بقاء الهويات القومية كأساس لتكوين الوحدات السياسية، وبالتالي السيادة، حتى ولو كان ذلك في مواجهة دول قائمة. وطالما بقيت الدولة فستبقى معها رموزها الأساسية ومنها مبدأ السيادة، ولكن بعد تطويعه بما يتناسب والأوضاع والظروف الدولية المستحدثة. وكما سبق توضيحه، فإن سيناريو اختفاء مفهوم السيادة لحساب الشركات متعددة الجنسيات هو طرح مبعثه الاعتقاد في أن الدولة القومية فقدت وظائفها على شتى الصعد ومنها الصعيد الاجتماعي، إلا أن تدخل الدولة لإصلاح الاختلالات الناجمة عن التفاعل الحر لقوى السوق، أي أداؤها للوظيفة الاجتماعية، غدا أمرا هو ألزم وأوجب ما يكون. فالدولة هي وحدها القادرة على تحقيق التوازن بين المطالب المتنافسة بل والمتصارعة، والتوسط بين القوى الاقتصادية القومية وعبر القومية من جهة، والأفراد المجردين من كل سلاح في مواجهتها من جهة أخرى. كما أن الحديث عن عالم يزيد تكامله وتقل عدالته يوضح أهمية الوظيفة الاجتماعية للدولة بالنسبة لدول العالم الثالث حديثة الوفود إلى الساحة الرأسمالية التي أورثها إطلاق قوى السوق مشاكل جسيمة لا قبل لها بها. أضف إلى ذلك أن دول العالم المتقدم ذات التقاليد الرأسمالية العريقة تواجه مشاكل شبيهة، ففي دول الاتحاد الأوروبي ذاتها يوجد ما لا يقل عن 18 مليون عاطل، كما أن 17% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، الأمر الذي يتطلب ضرورة تدخل الدولة (44).
وأشار البنك الدولي في تقريره: الدولة في عالم متغير، الصادر في سنة 1997 إلى أهمـية استمرار الدولة، إلا أنه حرص في الوقت ذاته على تفعيل دورها(45). وصك البنك مفهوم الحكم الجيدGood Governance الذي استخدمه في تقريره لعام1990 كإحدى ضروريات دولة الألفية الثالثة. ويضع التقرير ثلاثة شروط لجودة الحكم هي: إنشاء مؤسسات عامة قادرة وكفؤة، والحد من الفساد والتصرفات التحكمية للدولة، وتسهيل العمل الجماعي الدولي.
ولابد من الإشارة أيضا إلى أهمية الوظيفة الثقافية للدولة في ظل العولمة، فالعولمة بقدر ما تولد مشاعر التقارب والتجانس والتشابك بين الثقافات، فإنها تعزز في الوقت نفسه مشاعر التمايز والخصوصية، وتؤكد الحدود بين هوية وأخرى. وفي هذا الإطار، تظل الدولة مهمة للمشاركة في الحوار المتصل بين الثقافة الوطنية والثقافات الأخرى، والمحافظة على الثقافة الوطنية، والحيلولة دون تذويبها.
3- سيناريو الحكومة العالمية
يذهب هذا السيناريو إلى أن هناك تغييرا سيحدث في مفهوم السيادة الوطنية، حيث ستتنازل الدولة القومية عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة عن نظام عالمي ديمقراطي، حيث تعيد العولمة طرح فكرة الحكومة العالمية، ليس باعتبارها حلما بعيد المنال وإنما باعتبارها عملية في طور التكوين. ففي كتابه زمن العولمة The Global Age يشرح مارتن البرو Martin Albrow كيف تفك العولمة الارتباط مع الدولة القومية ويتخلق مجتمع عالمي World Society يبحث عن دولة عالمية World State ، وإذا قدر لهذه الدولة أن توجد بالفعل فلابد أن تكون دولة كونية Global State .
ويشرح مانيويل كاستلز Manuel Castells في كتابة نهاية الألفية The End of Millennium ميكانيزمات التحول الذي طرأ على كل من الاقتصاد والمجتمع والثقافة في زمن المعلوماتية، حيث يؤكد على أن منطق الشبكة Network في صياغة العلاقات الجديدة التي تفرضها التحولات الناجمة عن عملية العولمة في مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة يؤدى إلى تحـول عميق في شكل وطبيعة الدولة القومية ويجعلها بلا سيادة (46).
وفى هذا الإطار يتحدث أنصار هذا السيناريو عن عدة بدائل من الحكومات المحتملة في مرحلة العولمة وهى:
- بديل الحكومة الخفية التي تمثلها شبكة متسعة من تحالف غير معلن بين الشركات متعددة الجنسيات وبعض مؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع حكومات مجموعة الدول السبع.
- بديل الحكومة المعلنة المفروضة بحكم الأمر الواقع، تجسدها الإدارة الأمريكية وتمارس دورها منفردة أو من خلال مجلس الأمن أو حلف شمال الأطلنطيي.
- بديل الحكومة المنبثقة عن نظام عالمي ديمقراطي تمارس عملها في ظل رقابة سياسية وقانونية أي في ظل سلطة تشريعية وأخرى قضائية.
- بديل وراثة الأمم المتحدة للدول القومية بعد تدعيم المنظمة العالمية وتزويدها باختصاصات أوسع وأجهزة أكثر فعالية.
ويرى الباحث أن هذا السيناريو ببدائله المختلفة مستحيل التحقيق، فالتاريخ يوضح استمرارية تباين مصالح البشر وتنظيماتهم ووجود تغير مستمر في هيكل النظام الدولي. كما أن القول بإمكانية تولى الأمم المتحدة مهمة تصفية وجود الدول القومية يتجاهل أنها في الأصل وفى الأساس عبارة عن تشكيل مكون من الدول القومية.
4- سيناريو التفكيكية
يتوقع أنصار هذا السيناريو أن الدولة القومية لن تكون قادرة على مباشرة مظاهر سيادتها على إقليمها، بسبب تفككها إلى عشرات وربما إلى مئات من الدول القومية الصغيرة، تارة تحت دعوى التعبير عن هويات من حقها أن تعبر عن نفسها، وتارة أخرى تحت دعوى توطيد صلة المواطنين بالسلطة، وربما احتجاجا على تحيز النظام الدولي الجديد لجماعات دون أخرى.
وعلى الرغم من تزايد الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية، مما يجعل حدوث هذا السيناريو محتملا، إلا أن ثمة تحفظات أخرى تلاحقه، فلابد أن قوى مضادة ستعمل على فرملة هذا السيناريو والحيلولة دون انتشار نموذج الدولة الصغيرة أو الترويج له بسبب خطورته الشديدة التي قد تصل إلى دول أوروبية ذات توازنات قلقة كإيطاليا، كما قد تصل إلى دول عملاقة شاع عنها تجانسها كالصين.
وعلى صعيد آخر، يفند البعض هذا السيناريو من خلال توظيف منطق التقسيم ذاته، فليس ثمة ما يضمن أن يكون مواطنو دول بحجم لوكسمبورج أفعل سياسيا أو أمضى تأثيرا منها في حالة دولة بحجم الولايات المتحدة أو فرنسا، لكن الأرجح أن يأتي التأثير في تلك الوحدات الصغيرة بحكامها ومحكوميها من خارج الحدود (47).
خاتمة:
حاولت تلك الدراسة تتبع المتغيرات التي صاحبت العولمة، وأثارها السلبية والإيجابية على مفهوم السيادة الوطنية. ويمكن أن نخلص إلى أن هناك علاقة طردية بين المتغيرات التي صاحبت العولمة وتقلص السيادة الوطنية، وهو ما يتضح من ارتخاء قبضة الدولة على أصولها وأجزاء من إقليمها وسحب بعض الوظائف منها. كما تخلص الدراسة إلى وجود علاقة طردية بين تأثر سياسة الدولة بمتغيرات العولمة وسيادة نموذج اقتصاد السوق، فقد أثار هذا النموذج بدوره قضية العلاقة بالدولة ودورها. ولا يبرر الانتقال إلى اقتصاد السوق أبدا اختفاء دور الدولة ولكنه، وبشكل أكثر تحديدا، يتطلب تغييرا في شكل هذا الدور، فالسوق لا يمكن أن تقوم بدون وجود دولة قوية، والفارق المهم بين النظم المركزية ونظم السوق هو أن الدولة في نظم السوق تتدخل في الحياة الاقتصادية باعتبارها سلطة وليس باعتبارها منتجا كما يحدث في النظم المركزية، لأن سلطة الدولة لا غنى عنها ولا تتناقض مع تطور الحياة الاقتصادية. ففي النظام المركزي تقوم الدولة بالإنتاج المباشر للسلع والخدمات، كما تسيطر على النشاط الاقتصادي أو نسبة عالية منه عن طريق القطاع العام. أما في ظل الاقتصاد الحر، فإن الدولة تترك مجال الإنتاج المباشر للسلع والخدمات للأفراد والمشروعات الخاصة أي تحقيق التكامل بين دور الدولة والقطاع الخاص، ويكون تدخلها في سير الحياة الاقتصادية بوسائل أخرى أكثر فعالية من حيث الكفاءة الإنتاجية وتحقيق العدالة والقيام بتوفير الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة والقضاء والأمن والدفاع ومشروعات البنية الأساسية. كما أن مبدأ الحرية الاقتصادية لا يعنى إهمال مبدأ العدالة الاجتماعية، فقد تسببت العولمة في تهميش قطاعات واسعة من السكان خاصة في الدول النامية، بالإضافة إلى بعض العواقب الاجتماعية الخطيرة. وإذا كانت المؤسسات المالية الدولية قد قامت بتمويل شبكات أمن اجتماعي، فإن هذه البرامج لم تقدم سوى الحد الأدنى من الدعم، ولذلك يبرز دور الدولة في تحقيق العدالة في التوزيع وتوفير شبكة الأمن الاجتماعي لكل المواطنين ضد المخاطر والأمراض الاجتماعية، فهناك علاقة وثيقة بين الكفاءة في الأداء الاقتصادي وشرط العدالة، ذلك أن الكفاءة تعنى نمو الاقتصاد القومي بمعدلات عالية وهو ما يعنى تعاظم طاقة النظام الاقتصادي على توفير فرص العمل المنتج لكل القادرين عليه، وهذا هو أحد المقومات الأساسية للعدالة الاجتماعية كما أن هناك وظيفة ثقافية مهمة للدولة في ظل العولمة تتمثل في المحافظة على الثقافة الوطنية والحيلولة دون تذويبها في الثقافة الكونية التي تؤدي العولمة إلى نشرها.
كما خلص البحث إلى أن تأثيرات العولمة على سيادة الدولة ليست بدرجة متساوية على جميع الدول ، فهناك علاقة عكسية بين تقدم الدولة ومدى تأثرها بمتغيرات العولمة، فالدولة النامية عرضة للتأثر بدرجة أكبر لعدم قدرتها على منافسة الدول المتقدمة، وإن كانت آليات التهميش قد ضربت أيضا بعض القطاعات في المجتمعات الغنية.
كما تطرق البحث إلى الرؤى المتعددة التي طرحها المفكرون والباحثون بشأن مستقبل مفهوم السيادة الوطنية في ضوء متغيرات العولمة، ومن أهم تلك السيناريوهات: اختفاء السيادة، الحكومة العالمية، التفكيكية والنسبية، وأخيرا استمرارية دور الدولة ولكن بعد تطويعه بما يتناسب والأوضاع والظروف الدولية المستحدثة. ويظل السيناريو الأخير هو السيناريو الأكثر قبولا، ومن هنا يظل إعادة تعريف دور الدولة أمرا مهما في ظل انتشار مفهوم العولمة، وفي ظل الشروط التي يتطلبها النظام العالمي الجديد، والتي تقوم في الأساس على مبدأ الاعتماد المتبادل بين دول وشعوب العالم، فخيار العزلة لم يعد خيارا ممكنا، وفي أحيان كثيرة هو خيار مستحيل، فليست هناك دولة تستطيع أن تختار أن تبقى خارج سياق الزمن والتاريخ.
ولذلك فإن فهم الأبعاد الجديدة التي يضيفها مفهوم العولمة على الواقع الراهن يقتضي الاندماج الإيجابي والواعي في النظام العالمي الجديد. فالعولمة بالنسبة للدول الأقل تقدمـا تعني مزيدا من التحديث، أي أنه لا محل لعولمة دون تحديث، ومن ناحية أخرى فلا يمكن أن يتم التحديث بدون دور فاعل للدولة. وإذا كانت بعض وظائف الدولة سوف تتأثر بفعل العولمة، فإن هذا لا يعني أبدا أن الدور التحديثي للدولة يمكن الاستغناء عنه، ولكن على العكس سوف تقوى الدولة من خلال ترشيد دورها، ليس فقط لضبط الأداء الاقتصادي أو تنظيم تفاعلات السوق، وإنما ـ قبل ذلك ـ لدفع المجتمع على طريق التحديث، وهو دور لا يمكن أن ينازع الدولة فيه أي طرف آخر.

الهوامش:
(1) السيد ياسين، في مفهوم العولمة، في أسامة أمين الخولى ( محرر)، العرب والعولمة، ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، دت)، ص 25 - 26.
(2) Anthony G. Mcgrew and Foul G. Lewis, Global Politics: Globalization and the Nation State, (Cambrids, M.A: Rlackhlell Publishers, 1990 ) PP 3-4.
(3) Poul Kennedy , Globalization and its Discontents, New Perspectives Quarterly, Vol.13,No.4,Fall 1996 , PP 5- 15.
(4) د. هالة مصطفى، العولمة ..دور جديد للدولة، مجلة السياسية الدولية، العدد 143، أكتوبر 1998 ، ص 43-44.
(5) هيثم الكيلانى، العولمة والعسكرة في الشرق الأوسط، قضايا استراتيجية، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، عدد 22 ، يوليو 1999، ص 4.
(6) د. محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر العربى المعاصر، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، ص 135.
(7) المرجع ذاته، ص 139.
(8) Francis Fukuyama, End of History, National Interest, Summer 1989.
(9) هدى ميتكيس، الآثار السياسية الداخلية للعولمة، دراسة مقدمة إلى مؤتمر العولمة والعالم العربي، القاهرة، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، 2000.
(10) لمزيد من التفصيل راجع: د . محسن أحمد الخضيرى، العولمة .. مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللا دولة، ( القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2000)، ص 74 - 94.
(11) د .محسن أحمد الخضيري، مرجع سابق.
(12) هارولد لاسلكى، أسس السيادة، ( القاهرة: دار المعارف، دت)، ص 19.
(13) Joseph A. Gamilleri and Falk ,The End of Sovereignty, (London: Elgar LTD, 1991), P .33.
(14) Ibid, P. 39.
(15) د. عز الدين فودة، في النظرية العامة للحدود: رؤية حضارية مع إشارة خاصة لحدود دار الإسلام، في: د . أحمد عبد الونيس شتا (محرر)، حدود مصر الدولية، ( القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 1993)، ص 3 - 5.
(16) لمزيد من التفاصيل راجع: د. أحمد الرشيدى، التطورات الدولية الراهنة ومفهوم السيادة الوطنية، سلسلة بحوث سياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، عدد 85، 1994، ص 3.
(17) لمزيد من التفاصيل راجع: د. عبد العزيز سرحان، مبادئ القانون الدولي العام، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1980)، ص 463 - 470. د. أحمد الرشيدى، المرجع السابق، ص 4-6.
(18) د. ممدوح شوقي، الأمن القومي الجماعي الدولي، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1985)، ص 152 - 153.
(19) جلال أمين، العولمة والتنمية العربية من حملة نابيلون إلى جولة الأوروغواى (1798 - 1998)، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999)، ص 122.
(20) محمد محمود الإمام، الظاهرة الاستعمارية الجديدة ومغزاها بالنسبة للوطن العربي، في: عبد الباسط عبد المعطى (محرر)، العولمة والتحولات المجتمعية في الوطن العربي، (القاهرة: مكتبة مدبولى، 1999)، ص 88.
(21) بثينة حسنين عمارة، العولمة وتحديات العصر وانعكاساتها على المجتمع المصري، (القاهرة: دار الأمين، 2000)، ص 24.
(22) محمد محمود الأمام، الظاهرة الاستعمارية الجديدة ومغزاها بالنسبة للوطن العربي، في عبد الباسط عبد المعطى (محرر)، العولمة والتحولات المجتمعية في الوطن العربي، (القاهرة: مكتبة مدبولى، 1999)، ص 88 .
(23) جلال أمين، العولمة والدولة، في: أسامة أمين الخولى (محرر)، العرب والعولمة، مرجع سابق، ص 154 - 155.
(24) حسن نافعة، نظرة على العلاقات الدولية في القرن العشرين: صعود وانهيار التنظيم الدولي الحكومي، (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، دت)، ص 16 -18.
(25) د . محمد عابد الجابري، مرجع سابق، ص 135.
(26) لمزيد من التفصيل راجع: د. نفين مسعد، تعقيب على دراسة: جلال أمين، العولمة والدولة، مرجع سابق ، ص 182-187.
(27) James N. Rosenau, New Dimensions of Security: The Interaction of Globalizing and Localizing, Security Dialogue, 1994, Vol. 25 .
(28) د. محسن محمد الخضيري، مرجع سبق ذكره.
(29) لمزيد من التفصيل راجع: د. حسن نافعة، مرجع سابق، ص 16-18.
(30) د. نفين مسعد، مرجع سابق، ص 183 - 184.
(31) Susan Strange, The Erosion of the State, (Cambridge: Cambridge University Press, 1991).
(32) د . محمد الرشيدى، مرجع سابق، ص 16-17.
(33) محمد مصطفى عرفى، العرب وعولمة الناتو، جريدة الأهرام (القاهرة)، 23/3/2001.
(34) د. فاروق محمد الأباصيرى، تطور التشريعات العربية في مواجهة العولمة، الأهرام، 23/3/2001.
(35) د. فاروق محمد الأباصيرى، المرج السابق ذكره.
(36) د. على الدين هلال، أثر العولمة على علم السياسة، في: د. حسن نافعة، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران)، العولمة والعلوم السياسية، القاهرة، سلسلة محاضرات الموسم الثقافي لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 1999، ص 85.
(37) مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التقرير الاستراتيجي العربي، القاهرة، 1999، ص 75.
(38) د . سعيد اللاوندى، عرض لكتاب العولمة المتوحشة La Mondialisation Sauvage لمؤلفه بليز ليمبون Blaise Lempen ، جريدة الأهرام، 13/3/2001.
(39) معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، تقرير حالات فوضى: الآثار الاجتماعية للعولمة، ترجمة عمران أبو حجلة، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997)، ص 35 - 80.
(40) د. نفين مسعد، مرجع سابق، ص 183.
(41) د . أحمد الرشيدي، مرجع سابق، ص 21.
(42) لمزيد من التفاصيل راجع: جلال أمين، العولمة والدولة، مرجع سابق، ص 153 -163.
(43) د. أحمد الرشيدى، مرجع سابق، ص 22.
(44) د. نفين مسعد، مرجع سابق، ص 185.
(45) د. نفين مسعد، مرجع سابق، ص 185.
(46) لمزيد من التفصيل راجع: د. حسن نافعة، مرجع سابق، ص 18 - 19.
(47) د. نفين مسعد، مرجع سابق، ص 1

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-09-2006, 05:13 PM
عـنـتـر عـنـتـر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 39
معدل تقييم المستوى: 0
عـنـتـر is on a distinguished road

جزاك الله خير فالح العمره

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2006, 12:07 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مرحبا بك يا عنتر ولا هنت

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-04-2007, 07:23 AM
الصورة الرمزية الخديدي
الخديدي الخديدي غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
الدولة: عرووس المصايف
المشاركات: 2,096
معدل تقييم المستوى: 20
الخديدي is on a distinguished road
رد: العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

السياده الوطنيه اعتقد طغت عليها في الوقت الحاظر
مايسمى بالديموقراطيه
لاهنت اخوي فالح...

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-04-2007, 01:45 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
رد: العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

ارحب ولا هنت على حضورك يا الغالي

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-04-2007, 12:04 AM
الصورة الرمزية مسفر مبارك
مسفر مبارك مسفر مبارك غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
الدولة: United Kingdom
المشاركات: 10,708
معدل تقييم المستوى: 28
مسفر مبارك is on a distinguished road
رد: العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

الله لايهينك دكتور _ فالح وجزاك الله خير

 

التوقيع

 

ياصاحبي مافادنا كثر الأحلام ، واللي في خاطرنا عجزنا نطوله
:
نمشي ورى والوقت يمشي لقـدام ، ضعنا وضيّعنا كلاماً نقولــه
:


::




 
 
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-04-2007, 06:08 AM
روفانا روفانا غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Mar 2007
المشاركات: 3
معدل تقييم المستوى: 0
روفانا is on a distinguished road
رد: العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

مشكوررررررررر يعطيك العافية

 

التوقيع

 

 
 
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-04-2007, 09:24 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
رد: العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

ارحب يا مسفر ولا هنت على حضورك

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-04-2007, 09:25 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
رد: العولمة والسيادة إعادة صياغة وظائف الدولة

مرحبا بك يا روفانا ولا هنت على حضورك

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدعوة العباسية ودورها في نهاية الدولة الأموية د.فالح العمره مجلس الدراسات والبحوث العلمية 64 06-11-2010 02:31 PM
بحث عن البحث العلمي وحووش مجلس الدراسات والبحوث العلمية 5 03-11-2010 12:14 AM
الصدام الأول بين قبيلة العجمان مع الدولة السعودية الأولى راكان بن فيصل الحثلين مجلس معــــــارك وبطولات قبيلة العجمـــــان 23 04-06-2008 07:58 PM
المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي - توفيق المديني خالد المحفوظي مجلس الدراسات والبحوث العلمية 5 10-05-2006 11:10 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 08:15 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع