بسم الله الرحمن الرحيم
أترك لكم هذا البحث الذي أستخدمته كبحث للتخرج
والذي يتناول , انواع الدول , وانواع الاتحادات الدولية , وخصائصها واهدافها
أتمنى أن ينال إعجابكم , ويرتقي لذائقتكم
أتمنى الأستفادة للجميع
المقدمة:
تنقسم الأنظمة القانونية للدول إلى دول الموحدة أو المركزية: وهي الدول التي تتركز السلطة فيها في المركز الذي يقرر كل ما يتعلق بشؤون الدولة وفي كل مناطقها، وتعتبر فرنسا وبريطانيا نموذجين مثاليين لهذه الدول، وقد تتبع هذه الدول نوعا من اللامركزية غير أنها لا تتجاوز المستوى الإداري. وهناك الدول الفيدرالية، وهي الدول التي تتوزع السلطة فيها بين مستويين أو أكثر، مستوى السلطة الفيدرالية، ومستوى الولايات، وفي هذه الدول يكون الدستور هو الذي يحدد توزيع السلطات على المستويين الفيدرالي والمحلي.
وإلى جانب هذه الأنماط من الدول، هناك دول تعرف بالدول الكونفدرالية: وهو تنظيم يجمع دولا مستقلة، وتنبثق الكونفدرالية بناء على معاهدة أو اتفاقية ينظمها القانون الدولي وليست مبنية على دستور. وهي على عكس الدول الفيدرالية، يمكن لأي دولة عضو فيها أن تنسحب بإرادتها المنفردة.
وبشكل عام، فإن الدول الفيدرالية والكونفدرالية، تعرف بالدول التعاهدية، أو الدول المركبة، إلا أنها تختلف في منظومتها، وذلك من حيث علاقة الدولة الاتحادية مع بعضها البعض، أو مدى خضوعها للنظام الاتحادي ذاته.
ومن هنا، جاءت هذه الدراسة للبحث في منظومة هذه الدول التعاهدية، من خلال المقارنة بين الاتحاد الكونفدرالي والفيدرالي، وذلك بهدف القاء الضوء على الطبيعة القانونية التي يتمتع بها كل نمط من هذين النمطين الاتحاديين. ولتبيان الفرق بينهما، انطلاقاً من فرضية أساسية مفادها، أن الاتحاد الكونفدرالي لا يعبر عن وحدة حقيقية بين الدول المكونة لها، وإنما يعبر عن نمط واهي ومفكك من الوحدة بين الدول الداخلة في هذا الاتحاد، وبذلك فلا يوجد قيمة حقيقية لهذه النمط من أشكال الدول التعاهدية. وذلك بعكس الاتحاد الفيدرالي الذي أثبت قوة حقيقية من خلال الاتحادات الفيدرالية القائمة حالياً والتي أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية.
المبحث الأول
أشكال الدول التعاهدية
الدول التعاهدية هي الدولة التي تتكون من دولتين أو أكثر أي هي مجموعة من الدول المترابطة أو المتحدة فيما بينها ضمن أشكال متعددة، والتي تتمثل في الاتحادات الكونفدرالية والاتحادات الفيدرالية، وسنقوم بالبحث في كل اتحاد من هاذين الاتحادين على حدى، وذلك في المطلبين التايين:
المطلب الأول: الاتـحــاد الكـونفـدرالــي
سنقوم بتوضيح وتفصيل الاتحاد الكونفدرالي، وذلك بالبحث في مضمونه، بالإضافة إلى النظام السياسي الذي تخضع له، وذلك في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: مضمـون الاتحـاد الكونفـدرالي
يمكن تعريف الاتحاد الكونفدرالي بأنه:" شكل من التنظيم الاتحدي بين دول تعهد بممارسة بعض صلاحياتها إلى سلطة مركزية مشتركة مع الاحتفاظ بحكوماتها المميزة، وتتألف السلطة المركزية أساساً من هيئة تنسيق ملزمة باتخاذ قراراتها كافة أو معظم قراراتها على الأقل، باجماع الدول الأعضاء في الكونفدرالية" ( ).
كذلك قيل بأن الكونفدرالية هي :" اتحاد بين دولتين أو أكثر وتخضع جميعها لرئيس دولة واحدة، وتندمج جميعها في شخصية دولة خارجية واحدة يكون لها وحدها حق ممارسة الشئون الخارجية والتمثيل السياسي الخارجي، وذلك مع استقلال كل دولة من الدول الأعضاء بنظامها السياسي الداخلي الخاص بها"( ).
ومن هذه التعريفات، نجد أن هذا الاتحاد ينشأ نتيجة معاهدة تبرم بين دول كاملة السيادة تتفق على تنظيم علاقتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية مع بعضها البعض، فتنشأ علاقة اتحادية تحتفظ بموجبها كل دولة بسيادتها واستقلالها وحكامها وحكومتها وبنظامها السياسي وتحافظ على جنسية مواطنيها، وتمتلك حق الانسحاب من الاتحاد، ويعد دخولها في نزاع مع أحدى الدول نزاعا دوليا وينتهي الاتحاد الكونفدرالي إما بانفصال الدول الأعضاء أو انحلال الاتحاد أو زيادة تماسكها وترابطها ودخولها في اتحاد فيدرالي عوضاً عن الاتحاد الكونفدرالي ( ).
وبمعنى أخر، تكون في هذا الاتحاد هيئة سياسية مشتركة للدول الاعضاء الداخلة في هذا الشكل الاتحادي. وهذه الهيئة قد تكون مؤتمرا او مجلسا، اي مجموعة مندوبين يشكلون دول الاتحاد. ومهمة الهيئة تحديد سياسة مشتركة للدول الاعضاء وتتخذ التوصيات بشأنها. وتحتفظ كل دولة من دول الاتحاد باستقلالها الخارجي ونظامها السياسي الداخلي دون اي تغيير. ولا يتجاوز الغرض من ذلك سوى تحقيق مصالح مشتركة قد تكون اقتصادية او امنية او غيرها. وينظم كل ذلك بمعاهدة او ميثاق بين الاعضاء. وان اي توصية او قرار تتخذه الهيئة الاتحادية يشترط لنفاذه موافقة كل دول الاتحاد وعليه لا تعتبر الهئية العليا دولة مركزية تضم الدول الاعضاء؛ اذ ان حق الانفصال مكفول وثابت لكل دولة عضو وحتى دون اشتراط النص عليه في المعاهدة ( ).
حيث أن المعاهدات التي بموجبها نشأت الاتحادات الكونفدرالية المختلفة أجمعت على وجوب توفر إجماع الدول الأعضاء فيما يتعلق بتعديل الميثاق أو عند انضمام عضو جديد إلى الاتحاد، لان الدول الأعضاء في هذا الاتحاد هي دول ذات سيادة، الأمر الذي يترتب عليه عدم التزامها إلا بما وافقت عليه في وثيقة الاتحاد وعدم جواز فرض أي أمر عليها لم ترتضيه مسبقا، أي أن أي تعديل في وثيقة الاتحاد لابد أن يحظى بموافقة جديدة واجماعية من الدول الأعضاء ( ).
إذ أن الاتحاد الكونفدرالي يتمثل بارتباط عدة دول مستقلة بموجب معاهدة تلتزم الدول بمقتضاها بالعمل على تحقيق أهداف معينة واحترام بعض المبادئ، كما تنشئ هذه المعاهدة أجهزة مشتركة تمارس صلاحيات محددة على الدول الأعضاء لا على رعايا هذه الدول ( ).
وعليه، فإن المعاهدة أو الاتفاقية هي أساس نشأة الاتحاد الاستقلالي و تبين الأهداف المشتركة للدول مثل ضمان استقلال كل دولة و الدفاع عن أمنها الخارجي و العمل على تحقيق مصالح اقتصادية متبادلة و هذا تشرف عليه الهيئة سواء كانت جمعية أو مؤتمر أو مجلس يتكون على أساس المساواة بين الدول الأعضاء بغض النظر عن قوتها أو مساهمتها أو عدد سكانها ولا تغير الهيئة فرق دول الأعضاء و لكن تبقى مجرد مؤتمر سياسي و القرارات التي تصدرها بإجماع الدول في الغالبية ( ).
ومن جهة أخرى، فإن الهيئة المشرفة على الاتحاد يقتصر دورها على الدور الاستشاري، وذلك من خلال تحديد السياسة المشتركة للدول الأعضاء، ويتم هذا التحديد عادة من خلال توصيات لا تكون قابلة للتنفيذ ما لم تحصل على موافقة الدول الأعضاء فيها، ولذا لا تكون هذه الهيئة بمثابة دولة فوق الدول الأعضاء( ).
كذلك، تبقى كل دولة محتفظة و متمتعة بسيادتها الداخلية كاملة و شخصيتها الدولية لها الحق في التمثيل السياسي مع الغير و عقد المعاهدات بشرط أن لا تتعارض مع مصالح و أهداف الاتحاد. أما رعايا كل دولة من الاتحاد, فيظلون محتفظين بجنسيتهم الخاصة لان العلاقة بينهم مجرد ارتباط تعاهدي و حسب رأي الفقه أن حق انفصال للدول تقرره حسب ما تراه مناسبا و متماشيا مع مصالحها الوطنية ( ).
ويأتي ذلك انطلاقاً من أن كل الدول الأعضاء تحتفظ بسيادتها فانه يترتب على ذلك حق كل دولة منها في رفض الالتزام بأي عمل أو قرار أو إجراء من جانب السلطات الكونفدرالية إذا ما وجدت الدولة ذات العلاقة بان ذلك خارج عن أحكام وثيقة الاتحاد كما يترتب عليه ايظا حقها في الانفصال عن الاتحاد إذا رأت في بقائها واستمرار عضويتها ما يخل بسيادتها وحقوقها الاقليمية ( ).
وتمثل الكونفدرالية شكلاً لسلطة دولة لا مركزية واسعة، إذ أنها تعبر عن اتحاد وحدات سياسية مستقلة( دول) لكل وحدة علم خاص وتمثيل خارجي خاص وشرطة خاصة بها، غير أن هناك شكل من أشكال التنسيق بين دول الاتحاد الكونفدرالي. ومن جهة أخرى، فإن هذا الاتحاد لا يحمل أبداً طابع الدولة، إذ ليس له رعايا، ولا سلطة عامة مباشرة بحق المواطنين والموظفين في الاتحاد، وبذات الوقت من حق الدول الأعضاء في الاتحاد إبرام المعاهدات الدولية بشرط أن لا تتعارض مع مصالح الاتحاد الكونفدرالي، بالإضافة إلى الحق تبادل التمثيل الدبلوماسي ( ).
ومن هنا، فإن لكل دولة من دول الاتحاد تصريف شؤونها الخارجية مسقلة عن باقي الدول الأخرى في الاتحاد، والذي يتبع أن القرارات التي يتخذها الاتحاد الكونفدرالي لا تكون ملزمة إلا إذا وافق عليها الأعضاء بالإجماع، وأن الدول التي لم توافق عليها لا يمكن أن تجبر على تنفيذها ( ).
ويوصف الاتحاد الكونفدرالي بالاتحاد الضعيف أو المفكك، وله صفة مؤقتة، باعتاره يجب أن يتحول إلى اتحاد مركزي فدرالي، وبخلاف ذلك يتفكك الرابط الاتحادية وتنفصل الدول الأعضاء، وهو ما استقر عليه اغلب الفقه، والذي يضيفون في هذا الخصوص إلى أن حق الانفصال ممنوح للدول الأعضاء تقرره حسب ما تراه مناسباً ومتمشياً مع مصالحها الوطنية ( ).
ونظام الاتحاد الكونفدرالي ذو طبيعة مؤقتة في الغالب، بحيث لا يمكن أن يستمر بوضعه دائماً، وعليه، ينتظر هذا الاتحاد مصيرين على الأعم الاغلب، فإما ان ينتهي بالانفصال وانفراط عقد الاتحاد كما حصل للاتحاد الكونفدرالي الالماني من عام 1815م الى عام 1866م، واما ان يتحول الى اتحاد فدرالي كما حصل للاتحاد الكونفدرالي السويسري القائم سنة 1815م والذي تحول الى اتحاد فدرالي عام 1848م ( ).
الفرع الثاني: النظام السياسي في الاتحاد الكونفدرالي
انطلاقاً من مضمون الاتحاد الكونفدرالي، والذي أشرنا إليه في الفرع الأول من هذا المطلب، يمكن تحديد النظام السياسي للاتحاد الكونفدرالي بالنظر إلى مظاهره من الناحية الداخلية والخارجية، والتي سنقوم بتوضيحها وتفصيلها على النحو التالي:
أولاً: مظاهر الاتحاد الكونفدرالي من الناحية الداخلية
تتكون دولة الاتحاد من عدد من الدويلات هذه الدويلات تتنازل عن جزء من سيادتها للدولة الاتحادية، و للدولة الاتحادية حكومة يطلق عليها الحكومة الاتحادية، ولكل ولاية أو دولة سلطاتها الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية )، والتي لا تخالف السلطات الثلاث العامة للاتحاد ( هذا ما يسمى ازدواجية السلطات)، ومن جهة أخرى يوجد رئيس واحد للاتحاد، ويتسم الشعب داخل الاتحاد بأنه يحمل جنسية واحدة. وبذات السياق، فإن كل دولة من دول الاتحاد تحتفظ بنظام حكمها الداخلي أي بدستورها الخاص وبسلطتها العامة من تشريعية وتنفيذية وقضائية وكل ما يتعلق بنظامها السياسي الداخلي ( ).
إذ تبقى الدول المشتركة في الاتحاد الكونفدرالي محتفظة بسيادتها أي بالمحصلة هي عبارة عن هيئة مشتركة تناط باختصاصات معينة وإنها وبالرغم من ممارستها لاختصاصات معينة دون الحاجة إلى موافقة جميع الدول الأعضاء فيه , إلا أنها ليست دولة فوق الدول الأعضاء فهي بالتالي لا تملك السيادة، وعليه وليس لهيئات الاتحاد الكونفدرالي سلطان مباشر على أقاليم الدول الأعضاء أو على أفراد تلك الدول ويعتبر هذا من النتائج المترتبة على احتفاظ الدول المتعاهدة بسيادتها، إذا يمكن القول بان تشريعات الاتحاد لا تكتسب الصفة الشرعية إلا بعد توسط الدولة العضو، وعليه فان من الخصائص المميزة للتعاهد خاصية التوسط فسلطة هيئات الاتحاد لا تلزم الأفراد مباشرة ولا تتصل بهم إلا عن طريق حكوماتهم ( ).
وانطلاقاً من احتفاظ الدول الداخلة في الاتحاد بسيادتها الداخلية عدة نتائج منها ( ):
1_ تحتفظ الدول الداخلة في الاتحاد بنظام حكمها السياسي الذي قد يختلف عن نظم الحكم في الدول الأعضاء .
2_ تحتفظ دول الاتحاد بجنسيتها الخاصة بها و المستقلة عن غيرها و التي تحدد علاقاتها القانونية برعاياها وبالاجانب بحيث يكون رعايا الدول الاخرى الاعضاء اجانب بالنسبة اليها.
كذلك، فإن السلطة الكونفدرالية إذا صح التعبير ليس لها أن تمارس علاقة أو سلطة مباشرة على الأفراد في الدول الأعضاء في الكيان الكونفدرالي، وليس لها أن تمنع أي دولة عضو في هذا الكيان من الانسحاب منه ( ).
ولا توجد ضمن هيئات الاتحاد الكونفدرالي محكمة عليا للفصل في المنازعات التي قد تحصل بين الدول الأعضاء، ولكن هذا لا يعني عدم وجود أية وسيلة لحل النزاعات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الكونفدرالي والتي تحظر على تلك الدول الأعضاء اللجوء إلى استخدام القوة لحل نزاعاتها بل تلزمها باللجوء إلى الهيئة المركزية للتعهد وهي الجمعية أو المؤتمر أو الكونجرس لحل النزاع وبالطرق السلمية التي أقرتها الميثاق عن طريق التحكيم أو الاستعانة بقضاة من الدول الأعضاء للحكم في النزاع ( ).
ثانياً: مظاهر الاتحاد الكونفدرالي من الناحية الخارجية
تتمتع كل دولة من دول الاتحاد بسيادتها الكاملة و تحتفظ بشخصيتها الدولية و لها حق التبادل الدبلوماسي مع غيرها من الدول . و ليس للاتحاد نفسه ممثلون دبلوماسيون لدى الدول الاخرى. ولدول الاتحاد ان تعقد المعاهدات مع الدول الأخرى بشرط الا تتعارض مع مصالح الاتحاد وأعضائه.
وفيما يتعلق باالحرب التي تقع بين احدى الدول الداخلة في الاتحاد و دولة أجنبية لا تلزم الاتحاد و لا يكون مسؤولاً عن نتائجها و لذلك فأن الحرب التي تنشب بين احدى الدول الاعضاء و بين دولة اخرى او أكثر من اعضاء الاتحاد لا تعد حرباً أهلية و انما تعد حرباً دولية ( ).
ومن جهة أخرى، فإن رئيس الدولة العضو في الاتحاد له حق رئاسة جميع دول الاتحاد، وكذلك في الناحية الخارجية باندماج كل الدول الداخلية في شخصية دولية واحدة هي شخصية الدولة الاتحادية وينتج عن ذلك الاندماج في الشخصية الدولية لدولة الاتحاد وحدة التمثيل الدبلوماسي لجميع دول الاتحاد وتقيد جميع أعضاء الاتحاد بكافة التصرفات الخارجية وتحملها لمسؤوليتها وتقيدها بنتائجها مثل المعاهدات( ).
كذلك، فإن السلطات الكونفدرالية، وفي قضايا العلاقات الخارجية والدفاع وقرارات الحرب والسلم والضرائب، فإن البت في هذه القضايا يتم بصورة جماعية، وفي أكثر الحالات يكون لكل دولة من الدول الأعضاء حق النقض أو الامتناع عن تنفيذ القرار إذا وجدت أنه يضر بمصالحها ولا يتماشى مع إرادة شعوبها ( ).
وينشأ الاتحاد الكونفدرالي بموجب المعاهدة التي تمت بين الدول الأعضاء بينها هيئة دائمة تدعى الجمعية أو المؤتمر أو الكونجرس ويعهد إليها اختصاصات مشتركة تباشرها بصورة منفردة أو بالاشتراك مع بقية الدول الأعضاء مع بقاء بعض الاختصاصات كالتمثيل السياسي وإبرام المعاهدات والتعامل مع الدول الأجنبية حق من حقوق أي دولة من الدول الأعضاء. ولا تمنح لسلطات الاتحاد إلا سلطات محدودة تم الاتفاق عليها في معاهدة الاتحاد (الميثاق). إذا بالمحصلة يعتبر الكونفدرالية تنظيما دوليا يقع ضمن نطاق القانون الدولي العام ( ).
وهذه الهيئة العليا في الاتحاد الكونفدرالي والتي تدعى بالجمعية أو المؤتمر أو الكونجرس وهي أشبه ما تكون بالمؤتمرات الدبلوماسية التي تتكون من أعضاء
مندوبين لدولهم لهم الحق بالتكلم واتخاذ القرارات باسمها وان إرادتها لا تتكون بأية حال من إرادة هيئات الاتحاد وانما من إرادة مجموع الدول الأعضاء فيه( ).
وفي حقيقة الأمر، نخلص إلى إيضاح مسألة النظام السياسي الذي يتبع له الاتحاد الكونفدرالي ينطلق من المعاهدة التي نظمت هذا الاتحاد، فهي السند القانوني الذي قام عليه هذا الاتحاد.
ومضمون هذا النظام الاساسي سيتم توضيحه بصورة مفصلة عند حديثنا حول أحد نماذج هذا الاتحاد، وذلك في المبحث الثاني من هذه الدراسة.
المطلب الثاني: الاتحــاد الفيـدرالــي
كما هو الحال بالنسبة لبحثنا في الاتحاد الكونفدرالي، سنقوم هنا بالبحث في مضمون الاتحاد الفيدرالي، بالإضافة إلى النظام السياسي الخاضع له، وذلك في الفرعيين التاليين:
الفرع الأول: مضمون الاتحاد الفيدرالي
انطلاقاً من الأهمية التي تتمتع بها مسألة إنشاء الاتحاد الفيدرالي والتي تختلف في جوهرها عن انشاء الاتحاد الكونفدرالي (والذي يقوم بأساسه على معاهدة)، في حين أن الاتحاد الفيدرالي ينشأ بعدة طرق ووسائل، فإننا سنقوم بالبحث حول نشأة هذا الإتحاد، إلى جانب البحث حول مفهومه، وذلك في النقاط التالية:
أولاً: مفهوم الاتحاد الفيدرالي
تعددت التعريفات الفقهية للاتحاد الفيدرالي، حيث يذهب البعض إلى القول بأنه:" إحاطة جماعات عامة قائمة بذاتها بإطار يحتويها دون أن تختفي هذه الوحدات كشخصيات مستقلة، أو امتزاج واندماج مجموعات سياسية مستقلة في بوتقة واحدة دون أن تذوب فيها وتضيع معالمها" ( ).
كذلك، يرى البعض بأن الفيدرالية هي:" الاتحاد الذي ينشأ من اتفاق عدة دول بمقتضى دستور على إقامة اتحاد دائم فيما بينها تمثله حكومة مركزية هي حكومة الاتحاد، تباشر في حدود اختصاصها سلطات على حكومات الدول الأعضاء، وعلى جميع رعاياها وتنصهر الشخصية الدولية للدول الأعضاء في شخصية الدولة الاتحادية، وان احتفظت هذه الدول بدساتيرها ونظمها التشريعية والقضائية ( ).
وفي ذات المعنى، قيل بأن الاتحاد الفيدرالي هو عبارة عن: " اتحاد يتكون من مجموعة من الدول ينضم بعضها إلى بعض بمقتضى دستور يشكل اتحاد دائم، تسوده هيئة مركزية تمارس سلطتها بطريق مباشر على حكومات هذه الدول وعلى رعاياها( ).
وفي إيضاح موسع لمصطلح الفيدرالية، يرى البعض بأنه مشتق من الكلمة اللاتينية (Foedus) و معناه (المعاهدة أو الاتفاق) فالحكومة الفيدرالية تخرج الى الوجود نتيجة للقوى المركزية الجاذبة، أو القوى المركزية الطاردة ( ).
كذلك، وإجمالا أكثر في التعريف والدلالة، اشار البعض إلى أن للاتحاد الفيدرالي معاني عديدة تتصف بالغموض و عدم الوضوح، فهو يستخدم غالباً في أربعة معان أساسية، وهي ( ):
1-التحالف.
2-العصبة أو الجامعة.
3-الدول المتفقة (الاتحاد الاستقلالي).
4-و أخيراً الاتحاد بمعناه الادق.
ومن التعريفات السابقة للاتحاد الفيدرالي، نجد بأنه يتميز بعدة مزايا أهمها ( ):
1- يساعد النظام الفيدرالي على تكوين الدول الكبيرة، إذ يضم في دولة اتحادية واحدة شعوبا ليست متجانسة الى الدرجة التي تسمح بقيام دولة موحدة.
2- يوفق نظام الفيدرالية بين الوحدة الوطنية والاستقلال الذاتي إذ يترتب عليه توحيد التشريع في المسائل الجوهرية التي تهم دولة الاتحاد الفيدرالي في مجموعها وتترك بعد ذلك حرية كبيرة للولايات أو الأقاليم أو المقاطعات في إصدار التشريعات في المسائل الثانوية المحلية التي تهم كل ولاية على حدة بوصفها تشريعات تتفق مع ظروفها الخاصة وتتلاءم مع أحوالها.
3- للنظام الفيدرالي قيمة ديمقراطية كبيرة، فهو يسمح بوجود تشريعات ونظم إدارية خاصة محلية تكون أكثر ملاءمة لصالح الولاية التي تصدر منها.
4- يحقق الاتحاد الفيدرالي خبرة واسعة في الشؤون الدستورية إذ أن استقلال الولايات في كثير من الأمور الداخلية يجعلها مستقلة بتشريعاتها ولكل منها دستورها الخاص.
ولاشك أن القوانين والنظم التي ثبت نجاحها في إحدى الولايات أو الأقاليم ستسري إلى الولايات أو الأقاليم الأخرى فتعم الفائدة.
ومما سبق، ولما كانت الفيدرالية تعني وضعاً دستوريا يقوم على توزيع وليس (تقطيع) السلطات الثلاثة (التشريعية التنفيذية القضائية) بين الحكومة الاتحادية الموجودة في العاصمة وحكومات الولايات أو المقاطعات أو الأقاليم، فان الفيدرالية بهذا المعنى تقوم على ثلاثة أركان هي ( ):
1- سيادة الدستور الذي أنشئ بمقتضاه الاتحاد المركزي أو الاتحاد الفيدرالي.
2- توزيع السلطات الثلاث (التشريعية التنفيذية القضائية) بين الحكومة المركزية الاتحادية وحكومات الولايات أو المقاطعات أو الأقاليم التي يتكون منها الاتحاد والتي يجب ألا تتعارض دساتيرها مع الدستور الاتحادي.
3- وجود هيئة عليا تفصل في المنازعات التي تنشأ ما بين الحكومة المركزية الفيدرالية وحكومات الولايات أو المقاطعات الداخلة في الاتحاد.
ثانياً: نشأة الدولة الفيدرالية:
يثير البحث في الدولة الفيدرالية، باعتبارها دولة اتحادية؛ مسألة كيفية نشأتها، ومن الدراسة المقارنة يتبين أن الدولة الفيدرالية يمكن أن تنشأ بإحدى طريقتين( ):
الأولى: تفكك دولة بسيطة موحدة الى عدة وحدات ذات كيانات دستورية مستقلة، ثم بناءً على الدستور الفيدرالي يتم توحيد هذه الولايات ثانية على أساس آخر و هو الدولة الفيدرالية، و يعتبر كل من الاتحاد السوفيتي سنة 1922 و البرازيل سنة 1891 والأرجنتين سنة 1860 و المكسيك وفق دستور سنة 1857 المعدل سنة 1917 وتشيكوسلوفاكيا (سابقاً) سنة 1969، من الدول الفيدرالية التي نشأت بهذه الطريقة.
الثانية: انضمام عدة ولايات أو دول مستقلة يتنازل كل منها عن بعض سلطاتها الداخلية، و عن سيادتها الخارجية ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي، و من أمثلتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 و جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1949 و الاتحاد السويسري عام 1874. و اتحاد الإمارات العربية عام 1971.
و إذا نظرنا إلى فكرة الفيدرالية في ذاتها، وجدناها تقوم على أساس عنصرين متناقضين هما "الاستقلال الذاتي" و "الاتحاد" و أن الترابط بين هذين العنصرين بعلاقتهما المتبادلة، والمتعارضة يشكل وحدة المفهوم الحقيقي للدولة الفيدرالية، التي هي نتاج التوفيق بين رغبتين متعارضتين: تكوين دولة واحدة من ناحية، و المحافظة على اكبر قدر من الاستقلال الذاتي للولايات الأعضاء من ناحية أخرى. غير أن المضمون السياسي لفكرة الفيدرالية، هو الذي يلعب دورا أساسيا في إنشاء و وجود الدولة الفيدرالية، وما القواعد التشريعية المنظمة لها إلا إطار قانوني لهذا المضمون السياسي الذي يعطي الأهمية و المدلول العلمي لفكرة الفيدرالية و يعتبر أساس وجودها الفعلي( ).
ويتبين من هذا أن الدولة الفيدرالية هي نتاج الجمع بين المحتوى السياسي لفكرة الفيدرالية و بين الإطار القانوني لهذه الفكرة، و يبرز هذا المضمون السياسي بوضوح في عنصري الدولة الفيدرالية "الاتحاد" و "الاستقلال الذاتي". وهو ما سنفصله عند حديثنا في النظام السياسي في الاتحاد الفيدرالي
أما بالنسبة لانقضاء الاتحاد الفيدرالي، فهناك أسلوبين أيضاً: إما بانفصال الولايات من الاتحاد وتحولها إلى دولة مستقلة نتيجة لحرب أهلية، أو حركة ثورية، وإما أن ينقضي الشكل الاتحادي بتحول الدولة الاتحادية إلى دولة بسيطة تصبح فيها الولايات مجرد وحدات إدارية لا تتمتع بأي استقلال بعد أن كانت وحدات ذات سيادة داخلية، ومن أمثلة ذلك أندونيسيا التي كانت دولة اتحادية مكونة من ستة عشرة دولة بموجب معاهدة لاهاي المبرمة في نوفمبر 1949 ثم تحولت إلى دولة بسيطة بموجب الدستور الإندونيسي الصادر في 17 أغسطس عام 1951 ( ).
الفرع الثاني: النظام السياسي في الاتحاد الفيدرالي
نحاول هنا أن نستعرض الخصائص الأساسية للدولة الفيدرالية التي يمكن حصرها في ثلاثة مظاهر وهي الاتحاد والاستقلال الذاتي والاشتراك، والتي يمكن تفصيلها في النقاط التالي:
أولاً: مظهر الاتحاد والاشتراك في الدولة الفيدرالية
إن فكرة الاتحاد تعتبر الأساس الأول الذي ترتكز عليه الدولة الفيدرالية، والغاية التي ترمي إليها الولايات أو الدول عندما تأخذ بفكرة الفيدرالية لبناء الدولة الجديدة. وتظهر هذه الفكرة بوضوح في كيان النظام الفيدرالي، و لاسيما في التنظيم القانوني والسياسي في شكل (وحدة الشعب و الجيش والإقليم و الجنسية)، وفي طبيعة العلاقة بين الحكومة المركزية و حكومات الولايات الأعضاء، وكذلك في السياسة الخارجية للدولة الفيدرالية.
وتمارس دولة الاتحاد صلاحياتها عن طريق الهيئات المركزية الثلاث: الهيئة التشريعية الفيدرالية، الهيئة التنفيذية الفيدرالية، الهيئة القضائية الفيدرالية، على أن تبقي على الهيئات الداخلية في كل ولاية لتمارس قدراً من الاختصاصات التي لا تخل بمركزية الحكم الاتحادي، حيث يكون في كل ولاية هيئة تشريعية داخلية، وهيئة تنفيذية داخلية، وهيئة قضائية داخلية، لا تخرج على سلطات الاتحاد السيادية الخارجية والداخلية ( ).
أما فيما يتعلق بتوزيع السلطة بين الهيئة المركزية والولايات، فقد تنوعت الأساليب التي أخذت بها الدساتير الاتحادية في توزيع السلطة بين الهيئة المركزية الولايات، إلا أنه يمكن تركيزها في ثلاثة أساليب( ):
- الأسلوب الأول: وفيه ينص الدستور على حصر ما يدخل في اختصاص الهيئة المركزية، وما يدخل في اختصاص الولايات، وعيب هذا النظام أنه لا يمكن أن يكون شاملاً، لأن تطور حياة الدولة وحياة المجتمع يترتب عليه ظهور أمور جديدة لم تكن في حساب المشرع عند وضع الدستور، وحينئذ يدور البحث عن السلطة التي تختص بتنظيمها.
- الأسلوب الثاني: وفيه ينص الدستور على حصر ما يدخل في اختصاص الولايات، وما لم يتناوله الحصر يكون من اختصاص الهيئة المركزية، وهذا الأسلوب لا يلقى قبولاً في معظم الدول الاتحادية، إذ ترى أنه ما يجد من تطورات في المجتمع يكون تنظيمه حتماً من اختصاص الهيئة المركزية.
- الأسلوب الثالث: وفيه ينص الدستور على اختصاص الهيئة المركزية على سبيل الحصر، ويترك باقي الاختصاص التي لم تدخل في حصره للولايات، أي أن الولايات تكون مختصة بكل ما لم يرد حصره في الدستور، وقد أخذ بهذا الأسلوب كثير من لدول الاتحادية لما فيه من ضمان لاستقلال الولايات وحمايتها من محاولات الهيئة المركزية في بسط نفوذها عليها.
ومن الملاحظ أنه مهما كان الأسلوب المتبع في تنظيم العلاقات بين الولايات والهيئة المركزية، فإنه من المحقق أن الهيئة المركزية تحتل مكانة سياسية أقوى من مكانة الولايات ويبدو هذا التفوق فيما يلي( ):
1- إذا وجد تعارض بين القوانين الاتحادية وقوانين الولاية، فإن الأولى هي التي تطبق داخل حدود الولاية.
2- الهيئة الاتحادية هي التي تختص بالفصل في المنازعات التي تقع بينها وبين إحدى الولايات، أو بين ولاية وأخرى، وتباشر معظم الدول الاتحادية هذا الاختصاص عن طريق هيئة قضائية اتحادية وهذه الهيئة مع كونها مستقلة فإنها تقع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية.
3- لكل ولاية أن تضع لنفسها الدستور الذي تراه ملائماً لها إلا أن هذا الدستور يجب أن يخضع للمبادئ العامة التي وضعت في الدستور الاتحادي، وبذلك يكون دستور الولاية مقيداً.
4- للهيئة المركزية في حالة الحروب وفي حالة الطوارئ، وفي الأزمات الاقتصادية سلطات استثنائية يجوز بموجبها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للولايات.
وفيما يتعلق بمظهر الاشتراك في الدولة الفيدرالية، فهو يتمثل في مجمل العوامل والظروف التي تدعو إلى تحقيق الانسجام و توثيق الارتباط بين عنصري الفيدرالية "الاتحاد و الاستقلال الذاتي" كما تساعد على تنظيم الدولة الفيدرالية على نمط يظهرها بشكل دولة واحدة. وهذا المظهر ما هو إلا تعبير عن جوهر الدولة الفيدرالية كدولة واحدة. حيث يترتب على غيابه تحول الدولة الفيدرالية إلى دولة موحدة، بسيطة أو إلى أي شكل آخر من اتحادات الدول. ويبدو مظهر الاشتراك كمبدأ أساسي في تنظيم الدولة الفيدرالية في المجالات الآتية( ):
أولاً: قيام كل ولاية بممارسة سلطات الدولة بالاشتراك مع الحكومة المركزية و اشتراكهما معها في تكوين الإدارة العليا للدولة الفيدرالية، و ذلك عن طريق إسهامها في وضع القوانين والقرارات المركزية بواسطة مجلس الولايات داخل البرلمان الفيدرالي، و يبرز هذا المظهر بوضوح عند الأخذ في تكوين مجلس الولايات بمبدأ التمثيل المتساوي و التقيد بشرط الإجماع عند إصدار التشريعات و القرارات المركزية و عدم الاكتفاء بصفة الأغلبية.
ثانياً: مشاركة الولايات عند تعديل الدستور الفيدرالي، فان اغلب الدساتير الفيدرالية تشترط مشاركة الولايات واخذ موافقتها في تعديل دستور الدولة، فضلا عن موافقة البرلمان الفيدرالي بمجلسيه، وذلك للحيلولة دون تغيير النظام القانوني و الكيان السياسي للولايات عن طريق التفسير المتحيز لصالح الحكومة الفيدرالية.
ثالثاً: لا ينص الدستور الفيدرالي في الغالب على إقامة جهاز منفصل لإجراء الانتخابات العامة، ويتم اختيار مرشحي رئاسة الدولة و نوابهم وأعضاء البرلمان المركزي في انتخابات عامة تجري في جميع الولايات. معنى ذلك أن حكومات الولايات ومواطنيها تشارك في قيام مؤسسات الدولة الدستورية.
رابعاً: تشارك الولايات الأعضاء في بناء كيان الدولة، وذلك عن طريق تزويد هيئاتها ومؤسساتها و دوائرها المركزية بالموظفين و العاملين.
ثانياً: الاستقلال الذاتي( )
إن مظهر الاستقلال الذاتي الإقليمي للولايات يبرز المقومات الخاصة والخصائص الذاتية للولايات، و يعمل على إقرارها و تثبيتها، ومن ثم المحافظة عليها وحمايتها و يفرض هذا المظهر و جوده في كلتا الحالتين اللتين تنشأ فيهما الدولة الفيدرالية حالة التكتل و حالة التفكك.
ففي حالة تكوين الدولة الفيدرالية عن طريق انضمام عدة دول أو ولايات كانت في الأصل مستقلة عن بعضها، نجد أن كلا منها تدافع عن استقلالها و تهدف إلى أن لا تنال الدولة الجديدة منها إلا القدر الضروري لبنائها و بقائها، وأما مظهر الاستقلال الذاتي في حالة إنشاء الدولة الفيدرالية عن طريق تفكك دولة موحدة إلى ولايات فيدرالية فان الدولة الموحدة ما كانت لترضى بالتفكك إلا استجابة لرغبة سكان تلك الولايات في الاستقلال الذاتي و الابتعاد عن نظام المركزية وبالتالي فإن هذه الولايات لا تقبل أية سيطرة أو تقيد لاستقلالها إلا بنص قانوني و في الحدود الضرورية للحفاظ على بقاء الدولة الفيدرالية و استمرارها. و الركن الأساسي في هذا الاستقلال، أن تكون للولايات الفيدرالية هيئاتها الدستورية الخاصة بها، بمعنى أن تكون مستقلة عن الهيئات المركزية بحيث لا تستطيع أن تعينها أو تعزلها أو توجهها ما دامت تباشر اختصاصاتها وفقا لهذا الاستقلال. وعلى هذا الأساس تتمتع كل ولاية من الولايات الأعضاء باستقلال دستوري و تنظيم ذاتي ( ).
فبالنسبة للاستقلال الدستوري فانه يتجسد في وجود سلطة تأسيسية تقوم بوضع الدستور الإقليمي لاستقلال تام دون الحاجة الى تصديق الحكومة المركزية، أما بالنسبة للتنظيم الذاتي، فإن ما يترتب على هذا الاستقلال الذاتي هو تمتع ولايات الدولة الفيدرالية بسلطات في مجالات مختلفة مثل (التشريع، الإدارة، القضاء) و تباشرها عن طريق هيئاتها الدستورية التشريعية و التنفيذية والقضائية على النحو الآتي( ):
1-الهيئة التشريعية الإقليمية:
إلى جانب البرلمان الفيدرالي توجد في كل ولاية فيدرالية هيئة تشريعية إقليمية، وهذه الهيئة غالبا ما تتكون من مجلسين: مجلس الشيوخ و مجلس النواب.
2-الهيئة التنفيذية الإقليمية:
إلى جانب الهيئة التشريعية الإقليمية، للولاية هيئة تنفيذية تتولى توجيه شؤون الإدارة و تنفيذ التشريعات المركزية و القوانين المحلية. و يتم اختيار أعضاء هذه الهيئة غالباً بالانتخاب، و ذلك إما عن طريق المجالس التشريعية في الولايات، وإما عن طريق انتخاب مندوبين داخل الولاية وفي أحيان أخرى تقوم الحكومة المركزية بتعيين رؤساء وأعضاء الهيئات التنفيذية الإقليمية.
3-القضاء الإقليمي:
أما فيما يتعلق بالقضاء الإقليمي في الدول الفيدرالية، فيلاحظ أن لكل إقليم نظامه القضائي الخاص، وفقا لدستوره، و لاشك أن المعيار الحاسم في وجود الاستقلال القضائي يكمن في استطاعة محاكم الولايات إصدار أحكام لا يمكن الطعن فيها أمام أية محكمة أخرى خارج حدودها. و هذا ما نلمسه في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن السلطة القضائية في الولاية تتولاها المحكمة العليا، و محاكم الاستئناف، و المحاكم الرئيسة، و المحلية، و محاكم البوليس، و كذلك الحال في الاتحاد السويسري فبجانب المحكمة الفيدرالية هناك لكل مقاطعة محاكمها و نظامها القضائي الخاص. وبصورة عامة فان لكل مقاطعة محكمة عليا، و محكمة مدنية و محكمة جنائية، هذا إلى جانب وجود المدعي العام و قاض للتحقيق.
المبحث الثاني
نماذج من الدول التعاهدية
شهد تطور النظم السياسية في العالم العديد من الأمثلة على تطبيقات نظام الوحدة الفيدرالية، وكذلك نظام الاتحاد الكونفدرالي، وبالتالي يجد المتتبع لأنظمة المجتمع الدولي، يجد بأن هنالك بعض الدول تنتهج النظام الفيدرالي في أنظمتها السياسية، ومن الأمثلة عليها الولايات التحدة الأمريكية، وفي المقابل هنالك بعد الدول تنتهج في نظامها لاسياسي على الاتحاد الكونفدرالي، وهو ذاته الذي كان متبع لدى الولاليت المتحدة الأمريكية قبل أن تتحول إلى النظام الفيدرالي، وفي الواقع المعاصر نجد تطبيق الاتحاد الكونفدرالي بين مجموعة من الدول، ومن الأمثلة القريبة عليه مجلس التعاون الخليجي.
وتاسسيساً على ما تقدم، سنبحث بشيء من التفصيل والتوضيح كلاً من نظام الولاليات المتحدة الأمريكية كنموذج على الاتحاد الفيدرالي، ومن ثم نبحث في النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي باعتباره يمثل نموذجا من نماذج الاتحاد الكونفدرالي، وذلك في المطلبيين التاليين:
المطلب الأول: النظام الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية
سنتكلم في النظام الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من حيث نشأته، وأهم السمات التتي يتمتع بها هذا النظام، وذلك في الفرعيين التاليين:
الفرع الأول: نشأة النظام الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية
نشأ الدستور الاتحادي الأمريكي عبر مرحلتين سبقتاه مباشرة، وهي مرحلة ما يعرف بحرب الاستقلال، والمرحلة الثانية بدأت أثناء حرب الاستقلال وهي مرحلة الاتحاد الكونفدرالي.
حيث كانت الولايات المتحدة قبل إعلان الاستقلال تتكون من (13) مستعمرة تخضع في جميع شؤونها إلى الحكم البريطاني، إلا أنها استطاعت بعد خوضها بين عامي 1764-1774 حروب التحرير ضد الدولة المستعمرة، والتي أثمرت إلى توحيد سياستها ضد الحكومة البريطانية، والذي أثمر عن تحقيق استقلالها في 4 يوليو من عام 1776، حيث أقامت فيما بينها نوعاً من الاتحاد الكونفدرالي.( )
وبناء على ذلك، فإن الحياة الدستورية في الولايات المتحدة بدأت بإعلان الاستقلال في 4 تموز من عام 1776، وذلك في المؤتمر المنعقد في فيلادلفيا، ويعتبر هذا الإعلان نصراً للأفكار الديمقراطية، وقد احتوى على مبادئ المساواة والحرية والعدالة وعلى حق الشعب باختيار حكومته وتغييرهم وعزلهم إذا انتهكو الحقوق الثابتة للمواطنين.( )
إلا أن هذا التحالف بين المستعمرات الأمريكية لم يؤد دولة جديدة، حيث لم يكن هذا التحالف سوى منظمة تضم الدول المستقلة الأمريكية . وقد وصف هذا الاتحاد بالضعف، ووجه إليه عدة انتقادات لا تخرج عن الانتقادات التي توجه إلى النظام الكونفدرالي بصفة عامة .
وهذا ما دعى إلى تفكير الدول الأمريكية في محاولة للقضاء على الخلافات بينها ومواجهة مشاكلها ومحاولة إيجاد حلول مشتركة لها وتقوية العلاقات فيما بينها، وكان ذلك نتيجة عدة مؤتمرات ومقترحات، ومنها مؤتمر فيلادلفيا، والذي انعقد في مايو 1787م، للدول الأعضاء في الاتحاد الكونفدرالي، وقد استمر توافد الوفود حتى منتصف يونيو، حيث وصل عدد الدول المشترطة فيه إحدى عشر دولة وقد كان هذا المؤتمر أول خطوة حقيقية لتحقيق الوحدة الفيدرالية بين المستعمرات المستقلة، حيث اقر من خلاله مشروع الدستور الاتحادي . ( )
وفي عام 1789 أصبح هذا الدستور نافذا، بعد الموافقة والمصادقة عليه، وبناءً عليه تم انتخاب (جورج واشنطن) ليكون أول رئيس للاتحاد المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية . ( )
ومن هنا، فإن الدستور الأمريكي الصادر سنة 1787، قد خلق اتحاداً مركزياً واصبح لدولة الاتحاد كل السلطة في الشؤون الخارجية، كما أن لها اختصاصات عديدة في شؤون الولايات الداخلية، ولا يزال هذا الاتحاد قائماً حتى الآن، ولعل أسباب نجاحه تعود إلى أسباب عديدة في مقدمتها تأمين حد أقصى من الحكم الذاتي للولايات، ووضع حواجز تحول دون جموح الديمقراطية نحو التطرف، بالإضافة إلى تأمين أوسع الحريات للأفراد .( )
إلا أن هذا الاتحاد تعرض لعدة عقبات، وخاصة خوف الدول الصغيرة من وجود سلطة مركزية قوية تؤثر على استقلالها، بالإضافة إلى ما ثار من جدل حول حق الدول داخل الولايات بالانسحاب من الاتحاد . وفي هذا الخصوص نجح مؤيدي الفيدرالية في إقامة نوع من الاتحاد التعاقدي والمحدود بغية الحفاظ على القسط الأكبر من الصلاحيات للدول الأعضاء ( ).
ومن الأحداث الهامة التي أثبتت نجاح النظام الفيدرالي ودعمت قوامه الحرب الأهلية (حرب الانفصال) والتي امتدت بين عامي (1861-1864) بين الولايات الشمالية والتي تدافع عن الاتحاد، وبين الولايات الجنوبية والتي طالبت بمكافحة الرقيق، وقد انتهت هذه الحرب بانتصار الولايات الشمالية والقوات الاتحادية . ( )
ومن هنا كان للحرب الأهلية الدور الرئيسي في تكريس ديمومة الاتحاد، حيث تحول الطابع التعاقدي للاتحاد إلى مؤسسة يصعب معها على دولة واحدة تغيير تركيبها الداخلي وطرق عملها.( )
الفرع الثاني: خصائص النظام الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية
لقد شمل الدستور الاتحادي الأمريكي عدة مبادئ، كان من أهمها مبدأ الفصل بين السلطات: حيث يأخذ النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية بمبدأ الفصل بين السلطات، ولكنه ليس فصلاً مطلقاً بل توجد فيه مظاهر للتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تعاوناً مرجعه الدستور.( )
وقد تميز النظام الفيدرالي للولايات المتحدة بالمساواة بين الدول الأعضاء، فبالرغم من عدم إعلان هذا المبدأ صراحة في الدستور، إلا أنه كان كامناً في أصل إنشاء الاتحاد، حيث كانت الدول التي وافقت بتكوين الدول الاتحادية قد ركزت مساهمتها في بناء الدول الاتحادية وتسيير أمورها على التسليم بهذا المبدأ فيما بينها، حيث أدى هذا المبدأ إلى المحافظة على التوازن السياسي والاقتصادي بين ولايات الشمال الصناعية وولايات الجنوب الزراعية وتسهيل التبادل التجاري فيما بينها. ( )
علاوة على ما سبق، فقد طرأت عدة تطورات على نظام الاتحاد الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية من أهمها مبدأ الاختصاصات الضمنية : أي أن هذا النظام الدستوري الاتحادي والقوانين الاتحادية تعد قانوناً أعلى للبلاد، وأنه إذا باشرت الكومة المركزية سلطاتها المنصوص عليها في الدستور، فلا يجوز أن يعترض على ذلك بأن نشاطها هذا تعدى على سلطات الولايات بتدخله في بعض مظاهر النقاط التي اعتادت الولايات من قبل على الانفراد بمباشرتها، ولتحديد هذه الخصائص، سنتناول تركيبة السلطات الثلاث للولايات المتحدة الأمريكية، على النحو التالي :
1- السلطة التشريعية (الكونجرس) : وهي الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أُطلق عليه (الكونجرس الأول) في مؤتمر (فيلادلفيا) في عام 1787، وهو يتمثل في مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ . ( )
إذاً، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تملك سلطة تشريعية ثنائية المجلسين، حيث ينفرد الكونجرس عن غيره من المجالس التشريعية في الأنظمة المختلفة، بتمتعه لوحده بالعملية التشريعية، وذلك طبقاً للدستور الأمريكي، وعليه نجد أن الكونجرس يمارس إلى حد كبير سلطاته فيما يتعلق بالمبادأة أو اقتراح مشروعات القوانين، وعليه لا يملك الرئيس أي حق تشريعي أو اقتراح القوانين . وفيا يلي تكوين الكونجرس و واختصاصات كل مجلس على حدى :
- مجلس النواب : وهو يتألف من (435) عضواً منتخبين لمدة سنتين على أساس نائب لكل(345) ألف ناخب، وقد اشترط الدستور الأمريكي أن يفوز من كل ولاية نائب واحد على الأقل( ). وبالرغم من أن مجلسا الكونجرس (النواب والشيوخ) يمارسان حق التشريع على قدم المساواة، إلا أن مجلس النواب هنا ينفرد بحق المبادرة القانونية فيما يتعلق بقوانين الضرائب. ( )
- مجلس الشيوخ : تطبيقاً لمبدأ المساواة بين الدول المكونة للاتحاد الفيدرالي في الولايات المتحدة، فإن مجلس الشيوخ يتكون بمعدل شيخين عن كل ولاية، حيث لا فرق بين الولايات من حيث السكان أو الموارد أو المساحة . ( )
وبناء على ذلك، فإن مجلس الشيوخ يتكون من (104) أعضاء يتم انتخابهم على أساس الولايات المتحدة، بحيث ينتخب عضوان من كل ولاية مباشرة، وتمتد مدة مجلس الشيوخ لست سنوات على أن يجدد انتخاب ثلث الأعضاء كل سنتين، ويجدد من تنتهي عضويتهم بعد مرور كل سنتين عن طريق القرعة( ). وبالإضافة إلى اختصاصات مجلس الشيوخ التي يشترك بها مع مجلس النواب، فإن هنالك عدة صلاحيات خاصة به، وفي هذه الأعمال فإنه يتمتع بخصائص السلطات العامة الثلاث، حيث يملك سلطات تنفيذية من حيث الموافقة على تعيين كبار الموظفين الفيدراليين ويصادق على المعاهدات التي يبرمها الرئيس. وكذلك يملك سلطات تشريعية، وأيضاً سلطات قضائية: وهنا يصبح مجلس الشيوخ محكمة لمحاكمة رئيس الجمهورية وغيره في حالة توجيه التهم إليه من قبل مجلس النواب .
2- السلطة التنفيذية: تناط السلطة التنفيذية استناداً للدستور بيد رئيس الولايات المتحدة، فهو الشخص الوحيد المنتخب قومياً، والذي يتحدث باسم الأمة كلها، والذي يمثل المصلحة القومية كما يراها، لذا فهو يملك تفسير مسؤولياته ليس فقط بما يتناسب واحتياجات الوقت، بل أيضاً وفقاً بما يتفق وفلسفته الشخصية.
ويتم اختيار الرئيس وفقاً للاتحاد الفيدرالي في الولايات المتحدة بواسطة هيئة الناخبين عن طريق الاقتراع العام غير المباشر، وتمتد الرئاسة أربع سنوات، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في دستور 1787 قد منح إعادة انتخاب الرئيس دون تعيين لهذا التجديد، ولكن مع إعلان الرئيس (جورج واشنطن) رفضه إعادة انتخابه مرة أخرى، أصبحت هذه الواقعة بعد ذلك سابقة لا يجوز انتهاكها . وفي ضوء مخالفة الرئيس (روزفلت) لذلك، حيث تم انتخابه ثلاث مرات متتالية، فقد تم تعديل الدستور في عام 1947، وذلك بالنص على عدم جواز إعادة انتخاب الرئيس أكثر من مرتين.( )
ويتمتع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باختصاصات واسعة وهامة، حيث تتركز السلطة الفعلية والحقيقية في أمور الحكم بيده، ويمكن إجمال أهم هذه الاختصاصات على النحو التالي ( ):
- استناداً للمادة الثانية للدستور، فإن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يتولى مهمة تنفيذ القوانين، وحق إصدار الأوامر التنفيذية والقرارات واستعمال القوة المسلحة عند الحاجة في سبيل تنفيذ القوانين.
- إدارة وتنفيذ السياسة الخارجية.
- يملك الحق في توجيه نظر البرلمان إلى الاهتمام بالتشريع في موضوع معين، وأن يقدم توصيات تشريعية للكونجرس بأحوال الاتحاد الفيدرالي. ويملك الحق في الاعتراض على أي مشروع يوافق عليه الكونجرس.
- رئيس الإدارة الفيدرالية : حيث يتولى الرئيس الأمريكي بتعيين الموظفين الفيدراليين بعد موافقة مجلس الشيخ، أما فيا يتعلق بعزل هؤلاء الموظفين، فإنه يتم بأمر من الرئيس وحده . بالإضافة إلى ذلك فإن الرئيس يقوم بتنظيم الإدارات العامة الفيدرالية ومراقبة أعمالها.
- ويتولى ايضا رئيس الولايات المتحدة قيادة الجيش.
3- السلطة القضائية : استناداً إلى مبدأ الفصل بين السلطات في النظام الفيدرالي للولايات المتحدة، فإن السلطة القضائية تكون مستقلة في عملها، ودون تدخل من أي سلطة أخرى سواء أكانت التشريعية أم التنفيذية، لذا فإن السلطة القضائية تتمتع هنا باستقلال تام عن السلطتين الأخريين .( )
واستناداً للدستور الاتحادي، فإن السلطة القضائية تتولاها في الاتحاد محكمة عليا وبجانبها سائر المحاكم التي ينشؤها الكونجرس . فالبرعم من أن القضاء من الأمور المحلية التي تضطلع بها الهيئات القضائية في كل ولاية على حدة، إلا أن هنالك قضايا ذات طبيعة اتحادية، كالنزاعات المختلفة بين مواطني الولايات مع بعضها، أو بين الولاية والاتحاد. ( )
وتتمتع المحكمة العليا في النظام السياسي الأمريكي بأهمية خاصة تعود لتركيبها واختصاصاتها، حيث تقوم بالنظر في جميع القضايا الخاصة والعامة وحتى الإدارية، لذا فإن تعديل نظام المحكمة العليا ينطبق عليه ما ينطبق على تعديل الدستور من إجراءات، فلو أراد البرلمان تعديل نظام المحكمة العليا، فعليه اتباع الطريقة الخاصة بتعديل الدستور الاتحادي . ( )
ومن أهم اختصاصات المحكمة العليا رقابة مشروعية القوانين، والتي تتمثل بالأوجه التالية: ( )
- رقابة المشروعية بالنسبة للأنظمة الأساسية المحلية .
- رقابة مشروعية القوانين المركزية الصادرة عن مجلس الأمة الاتحادية بالنسبة للنظام الأساسي الاتحادي .
- رقابة مشروعية القوانين المحلية الصادرة من الهيئات التشريعية المحلية بالنسبة للنظام الأساسي الاتحادي .
المطلب الثاني: النظام الكونفدرالي لمجلس التعاون الخليجي
سنقوم بتتفصيل النظام الكونفدرالي لمجلس التعاون الخليجي، من حيث البحث في ظروف نشآته، بالإضافة إلى نظامه السياسي، وذلك في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: نشأة النظام الكونفدرالي لمجلس التعاون الخليجي
واجهت منطقة الخليج العربية تحديات كثيرة فرضت نفسها على المنطقة، انعكس أثرها في قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981، الذي انعقدت عليه الآمال لجعل منطقة الخليج وحدة سياسية واقتصادية تحقق طموح شعب الخليج العربي. فمنذ ذلك الحين ودول الخليج العربية تحاول إيجاد تكامل اقتصادي وسياسي واجتماعي أمني يتلاءم مع المستجدات الإقليمية والدولية, وقد تباينت التقويمات حول التقدم الذي أحرزته دول المجلس على طريق التنسيق الرامي إلى قيام تكتل خليجي يضمن لدول المجلس مكانة مرموقة في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية والأسواق المفتوحة التي تدعو إليها منظمة التجارة العالمية التي انضمت إليها معظم دول المجلس( ).
لم تكن نشأة مجلس التعاون الخليجي وليدة اللحظة وإنما سبقتها أفكار وجهود كثيرة من قبل بعض دول الخليج الست، أبرزها جهود أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح في أثناء مؤتمر القمة العربي في عمان عام 1980، حيث قام الأمير باطلاع قادة دول الخليج العربية على الأفكار الكويتية حول قيام وحدة خليجية، وفي اجتماع عُقد في أواخر ذلك العام في السعودية تم بحث هذا الموضوع جدياً بين قادة دول الخليج العربية، وتم التفكير في قيام وحدة في الخليج على أساس مشاركة الدول الست، ومن هذا المنطلق عقد وزراء خارجية الدول الست اجتماعين أحدهما بمدينة الرياض في 4 فبراير 1981، والثاني في مسقط في 9-10 مارس من العام نفسه، حيث تم الاتفاق على إنشاء مجلس للتعاون وعلى النظام الأساسي له، وفي 25 مايو 1981 عُقد المؤتمر الأول لقمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة أبو ظبي ( ).
وتعود فكرة انشاء مجلس التعاون الخليجي إلى فترة استقلالها عن السيطرة البريطانية، حيث كانت دول الخليج تعج بالرغبة في توحيد كل ما يهدف إلى تقوية مصالحها والتقاء إرادتها، فقد بدأ الشيخ جابر الأحمد في مايو عام 1976 (وكان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء) بالدعوة إلى " إنشاء وحدة خليجية بهدف تحقيق التعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية وإيجاد نوع من الوحدة والاعتماد القائم على أسس سليمة ومتينة لمصلحة شعوب هذه المنطقة واستعدادها"، فكانت دعوته البذرة التي أثمرت في سرعة التحرك إلى العمل في تكوين الإطار العام لبلورة وتطوير التعاون والتنسيق بين دول الخليج العربي( ). وبدأت الخطوات التنفيذية لفكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي في مؤتمر القمة الخليجية، الذي عقد على هامش القمة الإسلامية في الطائف عام 1981، حيث تم الاتفاق مبدئياً على قيام المجلس على أساس مشاركة الدول الست.
وبعد سلسة من الاجتماعات التحضيرية، عقد وزراء خارجية الدول الخليجية الست مؤتمراً في الرياض بتاريخ 4 فبراير 1981، ووقعوا في ختام أعمال ذلك المؤتمر على وثيقة إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وأشار بيان إنشاء المجلس إلى ما يربط بين الدول المؤسسة لهذه المنظمة الإقليمية، من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابه أساسها العقيدة الإسلامية، ووحدة تراث هذه الدول، وتماثل تكوينها السياسي، والاجتماعي والسكاني، وتقاربها الثقافي والحضاري. كما أكد البيان رغبة هذه الدول في تعميق التعاون، وتطوير التنسيق بينها في مختلف المجالات. وكذلك أوضح البيان أن إنشاء مجلس التعاون جاء تمشياً مع الأهداف القومية للأمة العربية، وفي نطاق ميثاق جامعة الدول العربية، الذي حث على التعاون الإقليمي الهادف إلى تقوية الأمة العربية.( )
وفي الفترة من 25-26 مايو 1981 عقد في أبو ظبي مؤتمر القمة الأول لدول الخليج العربية الست , ويعتبر هذا الاجتماع المؤتمر التأسيسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية , وتم في هذا الاجتماع التصديق النهائي على النظام الأساسي لمجلس التعاون، مما يشكل بداية قانونيه للمجلس، كما تم اختيار أمين عام للمجلس "السيد عبد الله يعقوب بشارة" كما تم تشكيل هيئة تسوية المنازعات، والنظام الداخلي للمجلس. كما وقع قادة الدول الأعضاء الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في الدورة الثانية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون التي عقدت في الرياض في الفترة من10-11 نوفمبر 1981 ( ).
إن النشأة التاريخية للمجلس في مرحلة كان الخليج العربي يضطرب فيها أمنياً وعسكرياً خاصة بعد سقوط نظام الشاه وقيام الثورة الإيرانية، وما رافقها من آثار كانت تهدد دول المنطقة باسم تصدير الثورة، واستمرار النظام الجديد في إيران باحتلال جزر الإمارات الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى )، ثم نشوب الحرب العراقية – الإيرانية واستمرارها لمدة ثماني سنوات، كل ذلك فرض على مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يجعل قضية الأمن والدفاع في مقدمة أولوياته، وعلى الرغم من أن البيان الأول للمجلس الأعلى لمجلس التعاون (أبو ظبي 25-26 مايو 1981 ) لم يتحدث عن الأمن بصورة واضحة، إلا أنه أشار إلى: "أن الحديث عن فراغ القوة في المنطقة والثروة التي ليس لها صاحب يمكن أن ينتهي إلى الأبد، إذا قام أصحاب البيت بعزم ثابت وأكيد بدورهم الجماعي"( ).
وتتمثل أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يأتي:
1- تحقيق التنمية والتكامل والترابط والصلات بين الدول الأعضاء في الميادين جميعها وصولا إلى وحدتها.
2- تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3- وضع انظمه متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية، والإعلامية.
4- دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة وإنشاء مراكز بحوث علميه مشتركة.
ومن التدقيق في هذه الأهداف يلاحظ أن أهداف مجلس التعاون الاقتصادية والاجتماعية محددة على نحو واضح، بينما ذكرت الأهداف السياسية في النصوص الأكثر عمومية، حيث لم يذكر بوضوح الأهداف السياسية والعسكرية أو الأمن الخارجي أو حتى تأسيس مؤسسة عسكرية وتأهيلها لدرء الخطر الخارجي، وبقراءة هذه الأهداف يتضح أن البعد الأمني في تلك الوثيقة يكاد يكون غائباً، وهو ما حاول قادة الدول الست تعويضه سياسياً، حين شددوا في البيان الختامي للقمة التأسيسية على أنهم يؤكدون: " أن أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها وأن هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها ( ).
الفرع الثاني: النظام السياسي الكونفدرالي لمجلس التعاون الخليجي
بادئ ذي بدء نشر إلى المادة (5) من النظام الأساسي للمجلس تنص على: "أن المجلس يتكون من الدول الست التي اشتركت في اجتماع وزراء الخارجية في الرياض، في يوم 4 فبراير 1981". وقد أثار قصر العضوية على هذه الدول الست تحديداً، تساؤلات في بداية تأسيس المجلس، أهمها: هل يعتبر المجلس المكون من هذه الدول الست فقط تكتلاً سياسياً أو عسكرياً خاص بها؟، لذلك أكد كل رؤساء مجلس التعاون، والأمين العام في مناسبات عديدة، أن المجلس ليس تكتلاً سياسياً أو عسكرياً أو أمنياً، وليس موجهاً ضد أحد، وإنما هو محاولة لتجسيد معالم التماثل ومقومات الاندماج، وتوثيق عُرى التعاون بين أعضائه( ).
وفي حقيقة الأمر لم تكن دول الخليج العربية بعيدة عن موجة التحولات الديمقراطية التي شهدها العالم وبخاصة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وسيادة منظومة قيم المشاركة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن الديمقراطية والشورى المعمول بها في دول المجلس ليست مستوردة من النظام الغربي وإنما هي نابعة من البيئة الخليجية ذاتها، حيث إن الديمقراطية الليبرالية الغربية نشأت في بيئة غربية تختلف عن تلك التي نشأت فيها الشورى والديمقراطية في دول الخليج العربية( ).
وانطلاقًا من هذا التفرد وتلك الخصوصية للديمقراطية الخليجية ورغبة من منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مواكبة التطورات الديمقراطية في العالم أنشأت ما يسمى "بالهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية"، كهيئة تابعة للمجلس وذلك بناء على اقتراح أمير دولة الكويت عام 1984م، وإعادة الاقتراح مرة أخرى في عام 1989م في أثناء قمة المجلس في مسقط، إلا أن الغزو العراقي للكويت وما تلاه من أحداث وتطورات في منطقة الخليج العربي قد أجل النظر في الاقتراح ثماني سنوات كاملة، حيث أعاد جابر الأحمد الصباح التقدم باقتراحه في القمة السابعة عشرة بالدوحة في عام 1996م وتمت الموافقة عليه في القمة التالية مباشرة في الكويت عام 1997م.
وفقاً للنظام الأساسي لها، تشكلت الهيئة من ثلاثين عضواً من مواطني دول مجلس التعاون، حيث تقوم كل دولة بتعيين (5) أعضاء من مواطنيها. ومدة العضوية ثلاث سنوات ( ).
ومن جهة أخرى، استحدث مجلس التعاون لدول الخليج العربية آلية جديدة وهي القمة التشاورية النصف سنوية وتضم رؤساء دول مجلس التعاون، وذلك حرصاً منه على التفاعل مع المستجدات الإقليمية والدولية، وقد انعقدت القمة الأولى في مايو 1999م في جدة بناء على توصية القمة الخليجية التاسعة عشرة في أبو ظبي في ديسمبر 1998م، التي دعت إلى عقد اجتماع تشاوري في منتصف كل عام دون أن يأخذ الصفة الرسمية أو القيود البروتوكولية فلا مراسم ولا قواعد بروتوكولات مثل الاستقبالات الرسمية وعزف الأناشيد الوطنية واستعراض حرس الشرف وغيرها. كما شهدت العاصمة العُمانية مسقط يوم التاسع والعشرين من إبريل 2000م أعمال القمة الخليجية التشاورية الثانية، والتي أتاحت الفرصة لالتقاء القادة الخليجيين لتبادل الآراء وفقاً للمصالح المشتركة وإعطاء التوجيهات للتحرك لمواكبة المستجدات وتطوير أسلوب العمل، وتعد هذه هي القمة الثانية من نوعها التي تعقد على هذا النحو منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981م( ).
وقد انعقدت هذه القمم التشاورية في ظل ظروف بالغة الدقة، وفي فترة اتسمت بالتحولات والتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم مع اقتراب الألفية الثالثة ومناخ العولمة الجديد الذي أصبح تطبيقه أمراً واقعاً وأصبحت مسألة الاندماج فيه قضية حتمية. ولذلك جاءت القمم متحررة من كل هذه القيود، في وقت تنامت فيه طموحات جعل هذا النوع من اجتماعات القمة بمنزلة آلية جديدة أكثر كفاءة وأكثر مرونة في إكساب عمل المجلس الفعالية بعيداً عن النصوص الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة شرط الإجماع في التصويت على القرارات وجدول الأعمال المسبق، وتحررت القمم كذلك من الالتزام بإصدار بيان ختامي، فقد رُئي عدم الالتزام بجدول أعمال مسبق وجعله مفتوحاً لضمان طرح كل ما يجب طرحه من قضايا خلافية أو استثنائية أو ما يمكن تسميته (بالقضايا الحرجة) التي عادة ما تغيب عن جداول أعمال مؤتمرات القمة العادية( ).
وإذا كان نمط الاتحاد الكونفدرالي هو الأقرب إلي صيغة مجلس التعاون، كما يقضي بذلك تنظيمه ونظامه الأساسي فإن الفارق الذي يتميز به مجلس التعاون ويضفي عليه شيئاً من الخصوصية هو ما أفرزته تجربة الممارسة بين أعضائه من عدم الالتزام بحرفية النصوص في مراعاة ظروف كل دولة عضو وتفضيل روح التعاون والقبول بالقليل الممكن بالإجماع، بدلاً من الكثير الذي لا يتأتي إلا بالأغلبية الملزمة في بعض الأمور إلا أن صيغة العمل في المجلس سارت على ممارسة قاعدة الإجماع بقدر الإمكان، كما سار العمل في المجلس على تلمس الأمور الممكن تنفيذها وتأجيل تلك التي تبدو غير ممكنة التنفيذ حتى وأن كانت طموحة ومرغوبة.
إلا أن مجلس التعاون الخليجي لا يمثل بصفة عامة اتحاد كونفدرالي على مو هو الحال عليه، إذ أن النظام الكونفدرالي ينطوي على تقاسم للسلطات بين السلطة الكونفدرالية وسلطات الدول الأعضاء. ولعل ما واجهه الاتحاد التساعي الذي اقترحته بريطانيا قبيل خروجها من شرقي السويس يوفر بعض الدروس المهمة. فقد كانت مشكلة العاصمة أمراً لم يكن ليحسم بطيب خاطر بين نخب حاكمة تسعى كل منها للتسيد. فإذا ما أضفنا إلى تلك المشكلة وجود نخب خليجية محكومة ذات وزن مالي أكبر من غيرها تتنافس في تسليط الأضواء على إمكاناتها ومكانتها، فإن بالإمكان توقع القدر المحتمل من الصعوبات الكامنة وراء التفاصيل. ومع أن وجود الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض يمكن أن يشير إلى اتجاه الأحداث في هذا الخصوص، فإن احتمالات نشوء أفكار جديدة في هذا الصدد قد لا تكون بعيدة. وبالضرورة فإن موضوعات مثل السياسة الخارجية والدفاع واختصاصات السيادة الوطنية كافة لن تكون سهلة المعالجة، لكن إمكانية التوصل إلى صيغ توفيقية ستكون واردة. فالدولة الماليزية التي تكونت من ثلاث عشرة سلطنة مثال يمكن تكراره في منطقة الخليج بالأخص بالنسبة لدول مجلس التعاون. وقد أثبتت التجربة الماليزية نجاحاً على مستويات عديدة ليس أبرزها التقدم الاقتصادي حسب( ).
ومع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف مستويات التطور السياسي في دول المجلس وتشابهها فيما يخص مركزية السلطة التنفيذية. فإن بإمكان النخب الحاكمة التقدم خطوة إلى الإمام من فكرة التعاون إلى فكرة خلق مجلس اتحادي للسلطة التنفيذية. وهذه فكرة كانت قد طرحت مسبقاً لكن على شكل قمة تنفيذية يقصدها رؤساء الوزارات في دول المجلس كل ستة أشهر على سبيل التمهيد لانعقاد قمة التعاون ( ).
القمة التنفيذية لم تتحقق حتى الآن والهدف منها كان تنسيقياً ولم تكن الفكرة مقدمة نحو هيئة دستورية ذات سلطات تنفيذية تواكب متطلبات السلطة التنفيذية الاتحادية المأمولة ضمن الاتحاد الكونفدرالي. ولا بد من الإقرار هنا بأن أية سلطة تنفيذية لا تقوم على هيكل سياسي دستوري متفق عليه بين السلطات في الدول لا شك في أنها ستواجه صعوبات جمة في ممارسة صلاحياتها. إذ إنها سوف تصطدم بمفهوم السيادة الوطنية وصلاحيات السلطات التنفيذية المحلية لكل دولة عضو. كذلك فإن أية سلطة تنفيذية ضمن اتحاد كونفدرالي ستكون محدودة الصلاحيات ضمن شؤون العلاقات الخارجية والدفاعية فقط، وهذا بحد ذاته لن يحقق تقدماً على الصعيد الاقتصادي الذي يخدم فكرة الاتحاد الكونفدرالي( ).
ومن جهة أخرى، فإن تطوير مجلس لسلطة تشريعية موحدة في دول مجلس التعاون، عما هو عليه الوضع حالياً حيث تغيب السلطات التشريعية تقريباً من مجال الدول، سيكون أحد أهم الخطوات أمام تطوير المجلس ذاته. فمن المعروف أن موطن العلة في تطور العمل الوحدوي الخليجي هو "المشاركة الشعبية" ولذلك وشعوراً بأهمية التفاعل مع المطالب الشعبية - وإن كان متأخراً- اتخذ القادة في قمة الكويت عام 1997 قراراً بإنشاء الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى، وتتكون من ثلاثين شخصاً من أصحاب الخبرات، وتنظر هذه الهيئة في القضايا التي يحيلها المجلس الأعلى إليها لعرض رؤاها ثم تقديمها للقادة.
وقامت هذه الهيئة وفي نطاق صلاحياتها بتقديم رؤاها حول المعالجة الشاملة لقضايا الإسكان والسياسات السكانية ودورها في التنمية (الاقتصادية والاجتماعية والأسرية)، ثم كلفت الهيئة بدراسة موضوعات أخرى (تقييم مسيرة المجلس خلال 23 عاماً – معوقات التبادل التجاري- دور القطاع الخاص في تعزيز التواصل بين أبناء مجلس التعاون). ومضى على إنشاء الهيئة الاستشارية أكثر من سبع سنوات ولا يزال المواطن الخليجي غير متحمس لا لأداء المجلس ولا لأعمال الهيئة رغم جهودها، وقد لا يعلم الكثيرون شيئاً عن أعمالها. ووسيلة المجلس لكسب الحماسة الشعبية لمنجزاته هي تفعيل دور الهيئة الاستشارية ليقارب دور برلمان خليجي موحد ( ).
فعلى هذا المستوى من مستويات التطور السياسي المأمول، لا تزال غالبية دول المجلس تعيش ظروفاً تغيب فيها سيادة المواطن، أي السيادة الشعبية وتسود فيها سيادة الحاكم الفرد. ولكي تتطور دول المجلس في هذا الشأن فإن من الضروري أن تتطور بعض مفاهيم الحكم لدى النخبة الحاكمة ذاتها. وتشير تجربة الهيئة الاستشارية التي أنشئت ضمن هيكل المجلس خلال السنوات القليلة الماضية إلى أن ذهنية الشورى غير الملزمة هي التي لا تزال سائدة مقابل الديمقراطية الملزمة.
ويمكن تحليل احتمالات نشوء سلطة تشريعية متحدة ضمن آفاق تطور مجلس التعاون الخليجي. لكن لا ينبغي أن يغيب عن البال أن مثل هذه السلطة ستواجه بعقبات دستورية وفنية قد تجعلها عاجزة عن الفعل التشريعي خلال السنوات الأولى لقيامها، بل ربما إلى سنوات طويلة لاحقة. ذلك أن السلطة التشريعية التي تؤسس ضمن الهيكل السياسي لمؤسسات الاتحاد الكونفدرالي تختلف عن السلطة التشريعية للاتحاد الفيدرالي. وهذا بحد ذاته معوق بارز. فالأول يوحد أداء الدول أما الثاني فإنه يوحد كذلك القاعدة الشعبية لكل الدول الأعضاء. لذلك فإن التجربة الأوروبية في بناء سلطة تشريعية للجماعة الأوروبية تقدم دروساً ثمينة لمحاولات تطوير مجلس التعاون عموماً وبناء سلطة تشريعية اتحادية أو موحدة خصوصاً ( ).
وسيواجه مجلس التعاون في هذا الصدد صعوبات تتعلق بالصلاحيات التشريعية فيما يتعلق بسمو التشريعات الاتحادية على المحلية وتنازعها ضمن اختصاصات معينة. كذلك فإن نسب التمثيل ستكون إحدى العقبات التي قد تحول دون تقدم مشروع التطور ذاته. ويمكن العودة في هذا الخصوص إلى الأدبيات المتعلقة بمحادثات الاتحاد التساعي حيث أدت مسألة نسب التمثيل إلى خلاف لم يحسم وأدى إلى قيام دولة الإمارات العربية كدولة مستقلة واستقلال البحرين وقطر. ولا شك في أن الحديث عن هذه المسألة بين دول المجلس حالياً وعلى قاعدة التمثيل وفقاً للثقل السكاني سيثير العديد من الصعوبات، لكن حلولاً توفيقية لا شك في أنها ستكون ممكنة إذا ما صحت النية للاتجاه نحو الاتحاد. ولعل تجربة الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك تجربة الاتحاد الماليزي تقدمان عوناً إيجابياً في هذا الصدد. فلقد اتبعت كلتا الدولتين تكوين سلطة تشريعية من مجلسين، يمثل أحدهما (الشيوخ) الولايات بنسب متساوية، ومُنح سلطات تخفف من مخاوف النخب الحاكمة في الولايات من تفرد المجلس الآخر (النواب) بالقرار التشريعي. وشكل مجلس (النواب) على أساس التمثيل الشعبي وفقاً لعدد السكان. ولقد حققت هذه الصيغة الثنائية لمجلس السلطة التشريعية متطلبات الدولة الاتحادية ومتطلبات التوازن وحماية السيادة الوطنية وتخفيف مخاوف الدول الأعضاء من هيمنة السلطة المركزية( ).
وفي ظروف مجلس التعاون الخليجي فإن تطوير سلطة تشريعية متحدة في المرحلة الأولى يمكن أن يتحقق وفق صيغة توفيقية تتيح لمفهوم التعاون أن ينتقل إلى مفهوم الاتحاد من دون أن يخل بالتوازن الذي تحرص عليه النخب الحاكمة. ولعل في تجربة ماليزيا نموذجاً يُحتذي كونها دولة إسلامية متعددة الولايات ولكل ولاية سلطان حاكم يعين بالوراثة. ولم تواجه ماليزيا هزات سياسية تهدد مصالح النخب الحاكمة عندما اختارت نموذج الملكية الدستورية وشكلت سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية على أساس فدرالي. بل أن التجربة الماليزية قد أتاحت للنخب الحاكمة إيجاد مؤسستها السياسية التي تبقيها على صلة بالعملية السياسية وتكرس شرعيتها السياسية ضمن آلية انتخابية دورية تمنح كل نخبة حاكمة لولاية من ولايات الاتحاد الماليزي الفرصة لتبوء سدة الحكم لعدد من السنوات حيث تمثل تلك النخبة الدولة في المحافل الدولية من دون أن تحملها أوزار ممارسة السياسة اليومية( ).
وفيما يتعلق بمسألة السلطة القضائية في دول مجلس التعاون، فإنها تتمتع بمواصفات إيجابية كثيرة تساعد على توحيد صلاحياتها وإيجاد آليات إدارية اتحادية أسهل من نظيراتها في المجالين التشريعي والتنفيذي. وفيما يتعلق بالقضاء الشرعي فإن بقاءه كما هو عليه الحال واستمراره ضمن أطره الوطنية لن يشكل عائقاً أمام تحويل التعاون الخليجي إلى اتحاد.
وفيما يتعلق بالقوانين الوضعية فإن تشابه دول المجلس في ظروفها الاقتصادية سواء ما يتعلق بالتجارة والصناعة والاستثمار وتنظيم سوق العمل وحرية انتقال الأموال والسلع، وكذلك علاقاتها المتقدمة مع السوق العالمية يجعل من توحيد القضاء الإداري والتجاري مهمة أسهل من غيرها. ويمكن في هذا الصدد خلق هيئات قضائية عابرة للحدود الإدارية بين دول الاتحاد المأمول تضمن تطبيق الأحكام الصادرة في إحداها ضمن الحدود الإدارية للدول الأخرى. ولعل في تجارب الدول الاتحادية الأخرى الكثير من الدروس في هذا الخصوص، مما يسهل عملية الاتحاد وصولاً إلى التوحيد كلما تطورت الأسس الدستورية. ولعل ما تم تحقيقه فيما يتعلق بالأحكام الصادرة عن مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون التي باتت نافذة في دول المجلس جميعها مثال جدي على إمكانية تحقيق الاتحاد القضائي وبناء أسس توحيد السلطة القضائية في المستقبل ضمن اتجاه اتحادي لهذا الجزء من الوطن العربي( ).
الخاتمة والنتائج:
هدفت هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على الاتحاد الكونفدرالي كنمط من أنماط الدول أو الاتحادات التعاهدية لتوضيح مدى تماسك هذه الدول كدولة اتحادية واحتمالية نجاحها في تحقيق الأهداف التي يقوم هذا الاتحاد لتحقيقها. وذلك من خلال المقارنة مع حالة الاتحاد الفيدرالي الذي يعتبر النمط الثاني والناجح والمنتشر من أنماط الاتحاد التعاهدي بين الدول.
وأظهرت الدراسة أن هناك مجموعة من الفروق البارزة بين هذين النمطين، يمكن تحديدها كما يلي:
1) يستمد الاتحاد الكونفدرالي وجوده من معاهدة تتم بين الدول الأعضاء فيه، فيحين ينشأ الاتحاد المركزي الفيدرالي من خلال عمل قانوني داخلي وهو الدستور الاتحادي. ويترتب على هذا الأساس أنه يشترط لتعديل مضمون الإتحاد الكونفدرالي، موافقة كافة الأطراف الموقعة على المعاهدات المنشئة له، بينما لا يشترط لتعديل الدستور الاتحادي هذا الإجماع من الولايات، إذ يكفي توافر الأغلبية.
2) الانفصال حق مقرر لكل دولة داخلية في الاتحاد الكونفدرالي، بينما لا يمكن أن يحدث ذلك في الاتحاد المركزي، فالانضمام إلى الإتحاد الفيدرالي نهائي ولا رجعة عنه بأي حال من الأحوال. وبذلك فإن الاتحاد الكونفدرالي هو اتحاد مفكك أصلاً، انطلاقاً من حقيقة أن انفصال الدولة عن الاتحاد أو تخليها عنه هو حق لا يمكن انتزاعه، وهو ما يعني احتمالية انتهاء الاتحاد الكونفدرالي وانحلاله في أي لحظة وبدون مقدمات.
3) تتولى اختصاصات الاتحاد الكونفدرالي وتحقيق أهدافه هيئة مشتركة تسمى جمعية أو مؤتمر أو مجلس الاتحاد، هذه الهيئة تتألف من ممثلين للدول المتعاقدة، وغالباً ما يشترط الإجماع لاتخاذ قرار معين، أما قرارات هذا الاتحاد فتبقى معلقة على حكومات هذه الدول بسبب افتقار هذا النوع من الاتحاد للجهاز التنفيذي (الحكومة). أما في الاتحاد المركزي، فتمارس السلطات الاتحادية اختصاصاتها على الأفراد أما في الاتحاد الفيدرالي، فتمارس السلطات الاتحادية اختصاصاتها على الأفراد مباشرة دون تعليقها على موافقة سلطات الولايات أو الدويلات المكونة للاتحاد.
4) يتمتع جميع أفراد الشعب في الاتحاد الفيدرالي بجنسية واحدة، هي جنسية الدولة الاتحادية، بينما يبقى لرعايا كل دولة في الاتحاد الكونفدرالي جنسيتهم الخاصة بدولتهم، وبالتالي فهم يعتبرون أجانب في الدول الأعضاء الأخرى في هذا الاتحاد.
5) إذا اندلعت أي حرب بين دولتين من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي، فتعتبر حرب دولية، أما الحرب التي تقوم بين الدويلات المكونة للاتحاد الفيدرالي فتعتبر حرب داخلية (أهلية).
وهكذا يتضح أن الروابط التي تقيمها معاهدات الاتحاد الكونفدرالي هي روابط ضعيفة جداً ولا تعبر عن الوحدة الحقيقية بين أطرافها، مما يسبب حالة من الثبات أو عدم الاستقرار، الأمر الذي يؤدي إلى انفصال الدول الأعضاء في هذا الاتحاد أو اندماج هذه الدول مكونة دولة جديدة في صورة اتحاد فيدرالي.
قائمة المراجع
أولاً: المؤلفات
- أحمد العمري، دراسات سياسية: أصول النظم الاتحادية، ، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة.
- اسماعيل الغزال، الدساتير والمؤسسات السياسية، عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، 1996.
- الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي , مجلس التعاون لدول الخليج العربي عشرون عاماً من الانجازات , الرياض، 2002.
- حافظ الدليمي، النظم السياسية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ، الطبعة الأولى ، دار وائل للنشر والتوزيع ، عمان، 2001.
- رشاد السيد، مبادئ في القانون الدولي العام، عمان، المؤلف، 1991.
- سعيد حارب المهيري، مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربي (الأهداف، الأداء، الانجازات)، في كتاب: مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، 1999.
- سليمان محمد الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري: دراسة مقارنة، القاهرة، 1988.
- عبد الحميد الأنصاري ، من أجل برلمان خليجي موحد، مجلة آراء حول الخليج، العدد الخامس، يناير 2005.
- عبد الرحمن البزاز، الدولة الموحدة و الدولة الاتحادية، دار القلم، القاهرة، 1966.
- عبد العزيز أبل، آفاق تطوير مجلس التعاون الخليجي، مجلة آراء حول الخليج– العدد الثالث، سبتمبر 2004.
-عبد الغني بسيوني، النظم السياسية : أسس التنظيم السياسي ، بيروت ، 1984.
- عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان، 1999.
- عبد الله بشارة، مجلس التعاون الخليجي: أهدافه، ظروفه، نشأته، ومستقبله، ندوة مستجدات التعاون في الخليج العربي في إطارها المحلي والدولي، 18-20 أبريل 1982، جامعة الكويت، 1982.
- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، (ج5)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
- علي أبو هيف، القانون الدولي العام، القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الإسكندرية : 1990.
- علي يوسف الشكري ، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004.
- غازي صباريني، الوجيز في مبادئ القانون الدولي العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2005.
- فؤاد العطار، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975.
- كامل ليلة، النظم السياسية في الدول والحكومات، دار الفكر العربي، القاهرة، 1971، ص138.
- كمال محمد الأسطل، نحو صياغة نظرية لأمن دول مجلس التعاون الخليج العربية، سلسلة دراسات استراتيجية، العدد 33، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 1999.
- مجلس التعاون لدول الخليج العربية (1981), النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الرياض.
- محمد بدوي، النظم السياسية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975.
- محمد بكر الحسين، الاتحاد الفدرالي بين النظرية والتطبيق، القاهرة، 1977.
- محمد عبد الرحمن العسومي، محددات وفرص التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مجلة شؤون اجتماعية، العدد 88، 2005.
- محمد عبد العزيز، في النظريات و النظم السياسية، القاهرة، 1973.
- محمد نصر مهنا، نظرية الدولة والنظم السياسية، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية، 1999.
- منصور العواملة، الوسيط في النظم السياسية، المجلد الثاني: المبادئ العامة للأنظمة الأساسية والدولة، عمان، 1995.
- نصرة عبد الله البستكي, أمن الخليج من غزو الكويت إلى غزو العراق , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت , 2003.
- نعمان الخطيب، الوسي في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2006.
- يحيى رجب، ، مجلس التعاون لدول الخليج العربي العربية- دراسة قانونية- سياسية- اقتصادية، ط 2، دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، 1988.
ثانياً: مقالات على شبكة الإنترنت
- اسماعيل علوان التميمي، الكونفدرالية والفدرالية:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=165825
- رغيد الصلح، الخلط بين الفدرالية والكونفدرالية ليس هفوة عابرة، مقال منشور على سبكة الإنترنت:
http://www.al-moharer.net/moh225/raghied-elsolh225.htm
- سامان نديم الداوودي، الفدرالية والكونفدرالية، مقال منشور على شبكة الانترنت:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=79354
- فيصل شطناوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، عمان، 2003، ص92.
- ماهر أبوجوخ، الكونفدرالية: الخيار الثالث بين (الوحدة) و(الانفصال):
http://www.sudanile.com
- نايف جاسب عبدالله، نحو دستور العراق الدائم: كيف يتحول العراق من دولة بسيطة الى دولة مركبة:
http://www.telskuf.com/articles.aasp?article_id=1352.... .