النساء يعانين فيها أكثر من الرجال
أزمة منتصف العمر.. هل هي أزمة فعلا؟
تحقيق: محمد حنفي
يعرف علماء النفس «أزمة منتصف العمر» بتلك الأعراض التي تصيب البعض في فترة الكهولة وهي الفترة الواقعة بين مرحلتي الشباب والشيخوخة او بين عمر 40 و60عاما. وفي هذه الأزمة يشعر البعض بأنهم أنفقوا الكثير من عمرهم من دون أن يحققوا ما كانوا يحلمون به أو يتمنونه، وهو ما يجعلهم يقفون على حافة الملل والإحباط وربما الاكتئاب بينما يقوم البعض الآخر بتصرفات لا تليق والمرحلة السنية التي يعيشها.
ربما كان أفضل مثال لأزمة منتصف العمر تلك الحكاية التي رواها لي أحد الأطباء النفسيين وهي لشخص يبلغ 50 عاما لم تشك أسرته من تقصيره أبدا، ولكن فجأة وفي مثل هذه السن المتأخرة شعر بأنه لم يعش فترة شبابه كما ينبغي، حيث كانت الحياة كما روى لطبيبه النفسي صعبة، وكان لابد من أن يكافح لتكوين ذاته وثروته. فجأة لاحظ المقربون منه أنه بدأ يرتدي ملابس الشباب كالقمصان المشجرة ويذهب إلى الحلاق مرتين في اليوم، وكما يفعل المراهقون راح يغير هاتفه النقال شهريا وتنطلق منه نغمات الأغنيات الشبابية التي تذاع في الفضائيات. أما سيارته العتيقة التي يمتلكها منذ 15 عاما فاستبدلها بسيارة دفع رباعي، وبعد أن كان لا يطيق الغياب عن بيته لعدة أيام أصابه عشق السفر إلى الخارج. وفي لحظة صدق شعر الرجل بأن ما يفعله لا يتناسب والفترة الزمنية التي يمر بها، وكان أول ما فعله أن ذهب إلى أقرب طبيب نفسي، وهناك سمع الرجل لأول مرة مصطلح أزمة منتصف العمر.
جردة حساب
يقول الاستشاري النفسي د. حسن الموسوي أن المقصود بأزمة منتصف العمر هي تلك الفترة الواقعة بين مرحلتي نهاية الشباب وبداية الكهولة أو الشيخوخة أي بين سن 40 و60 عاما، ويضيف قائلا:
ـ هذه الفترة أشبه بمحطة يقوم فيها الإنسان بما يشبه «جردة حساب» لحياته السابقة، وهنا يجد البعض نفسه قد أنفق السنوات في الكفاح وفي منظومة الحياة اليومية وتلبية الأعباء والالتزامات الأسرية والمهنية.
ويغلب على من يعاني هذه الأزمة أنه لم يحقق أحلامه أو متعته الشخصية،وهنا يتعامل بعض الأشخاص مع هذه الأزمة بنوع من الرضا على أنها من ضرورات الحياة ويرضى بالأمر الواقع، بينما يقرر البعض الآخر وعلى النقيض تحويل هذه الفترة لتحقيق ما لم يتسن لهم تحقيقه في فترة الشباب.
وهنا تكون الأزمة الحقيقة لأن بعض الأشخاص يتصرفون كما لو كانوا مراهقين فعلا، فنجدهم يقومون ببعض التصرفات التي لا تتناسب وأعمارهم، كما أن هذه التصرفات في بعض المجتمعات مثل المجتمع العربي أو الكويتي قد تقابل بالاستهجان، وهذه التصرفات لها درجات بعضها قد يكون مقبولا وبعضها لا يمكن تقبله.
فمثلا نلاحظ أن الكثيرين في هذه الفترة يهتمون بمظهرهم على غير عادة، فيقوم الرجل مثلا بصبغ شعره وشاربه أو يبالغ في اهتمامه بملابسه وبآخر الصرعات في عالم الموضة ويغير سيارته الكلاسيكية إلى أخرى رياضية ويميل إلى السفر بكثرة والدخول في علاقات مع الجنس الآخر بينما نجد المرأة تهتم بزينتها وبعالم التجميل وبالملابس الباهظة وهي كلها مظاهر لفترة أزمة منتصف العمر.
المرأة تعاني أكثر
يرى الاستشاري النفسي د. على عسكر أن كل مرحلة عمرية لها متطلباتها ومسؤوليتها ويقول:
ـ الإنسان الذي ينتقل من مرحلة الشباب إلى مرحلة منتصف العمر يشعر بالطبع ببعض التغيرات فهو لم يعد بالنشاط نفسه، ونفوذه قد يقل وأصدقاؤه أصبحوا بعيدين عنه وقد يشعر بأنه لم يعد مرغوبا فيه.
وهنا نقطة مهمة وهي أن أزمة منتصف العمر تحدث كنوع من التعويض، فمثلا الشخص الذي لم يعش فترة شبابه بصورة طبيعية أو الشخص الذي كان يعاني من قلة المال أو النفوذ عندما يتحقق له هذا الشيء المفقود تعتريه الكثير من جوانب التغيير في شخصيته وهذا يحدث غالبا في سن متأخرة بعد الخمسين.
وأزمة منتصف العمر يمكن أن تعصف بالنساء والرجال، وإن كنت أعتقد أن تأثيرها السلبي على المرأة يمكن أن يكون أكثر من الرجل لأن المرأة في هذه السن تكون عرضة للهواجس خاصة بسبب انتهاء مرحلة الشباب وبداية مرحلة جديدة مليئة بالتغييرات النفسية والفسيولوجية وتكون عرضة للقلق فيما يتعلق بالجمال والحياة الزوجية. فالأولاد قد كبروا وتزوجوا وقد يعتري الفتور الحياة الزوجية وقد يقل اهتمام الزوج بها وهنا قد تشعر بالوحدة القاتلة.
والمرأة تحتاج خلال هذه الأزمة العاصفة إلى معاملة خاصة، ويلاحظ أن المرأة التي تمر بهذه الفترة العمرية ـ بعد ذهاب مرحلة الشباب وبدء مرحلة جديدة تقترب من الشيخوخة ـ تنجح في عبور هذه الأزمة بسلام حين تملأ حياتها بالاهتمامات الاجتماعية المفيدة مثل الاشتراك في جمعيات النفع العام أو القيام بالأعمال الخيرية والاهتمام بالأحفاد وإتقان بعض الهوايات.
أزمة منتصف العمر الرائعة
الكثير من دراسات علم النفس أكدت أنه يمكن أن تتحول فترة منتصف العمر بالنسبة إلى الرجل والمرأة على السواء إلى حياة رائعة مليئة بالسعادة والرضا النفسي. فالكثيرون عند وصولهم إلى فترة منتصف العمر بين 40 و60 عاما يشعرون بالأمن والاستقرار المادي والوظيفي والأسري وبدلا من أن تتحول هذه الفترة إلى أزمة، تتحول إلى فترة رائعة وهو ما يؤكد صدق مقولة بعض العلماء والأشخاص من أن الحياة يمكن أن تبدأ بعد الأربعين.