قراءات ودراسات للدكتور محمد لمباشري
مقدمة عامة:
في حقل علوم التربية يصعب الحديث عن علم واحد بمعزل عن باقي العلوم الأخرى المهتمة بالوضعية التربوية، اعتبارا لتعقد هذه الأخيرة و تشابك متغيراتها النفسية الاجتماعيــة و التربوية و الثقافية و القيمية. لذلك تبدو لنا عملية تضافر و تكامل مختلف العلوم التي تنتمي لحقل علوم التربية كاختصاص في دراسة و تحليل الوضعية التربوية، استراتيجية عمل أساسية لمقاربتها مقاربة شمولية، بهدف الضبط و التحكم في آلياتها و أبعادها النسقية، خدمة بطبيعة الحال للفعل التربوي التعليمي المنشود داخل المنظومة التربوية.
2.مفهوم علم النفس التربوي:
إن إشكالية تحديد علم النفس التربوي كمفهوم، مازالت عرضة لمجموعة من الالتباسات و سوء التوظيفات في عدد كثير من الكتابات الأكاديمية التي تهتم بالحقل العلمي، و مازالت الآراء تختلف من حيث عملية الحسم في هوية هذا الاختصاص؛ بحيث نجد في الكتابات العربية و بالأخص المشرقية التي تعتمد على أطر مرجعية انجليزية تتعامل مع علم النفس التربوي كفرع من فروع علم النفس العام، من انشغالاته الأساسية دراسة النمو في جميع تجلياته و امتداداته النمائية، و مثل هذا الفهم يحيلنا للخلط الموجود بينه و بين علم النفس النمو، و بين هذا الأخير و علم نفس الشخصية و أبعادها النفسيــــة، و ظروف تكيفها مع البيئة التي تنتمي إليها، و مثل هذا التحديد يفضي بنا كذلك إلى خلطه بعلم النفس الشخصية.
و انطلاقا من إطارنا المرجعي الذي هو علوم التربية كحقل علمي له خصوصياته الموضوعاتيــــة و الابستيمولوجية، يتحد علم النفس التربوي كفرع من فروع علوم التربية يدرس دراسة علمية التصرفات و ردود الأفعال البين فردانية، و المشاكل النفسية التربوية التي تثيرها الأوساط السوسيوثقافية التي ينتمي إليها الفرد، كما يعتبر- حسب وجهة نظر غاستون ميلاري- : مجموعة من التحاليل النفسية التربوية للمؤسسات و الطرائق و بنيات النظام المدرسي[ التعلم، التوافق الدراسي، التعثرات، الإنطــــــواء و الخجل...].
3.أهمية علم النفس التربوي في المجال المدرسي:
يكتسي علم النفس التربوي أهمية كبيرة في المجال المدرسي و البيداغوجي، لما يلعبه من ادوار علمية في تدبير الصعوبات المنهجية، و تذييـل و تبسيط المشاكل التربوية و النفسية التي يفرزها هذا المجال ، معتمدا في ذالك على مناهج البحث العلمي التي يستعيرها من مختلف العلوم الأصلية[ العلوم الإنسانية، و العلوم الدقيقة]. و هو بهذا الاعتبار من الدعائم الأساسية التي تفيد الفاعل التعليمي في التعامل مع الأطفال الذي يشرف على تعلماتهم و تربيتهم، و ذلك بمعرفة خصائصهم النفسية و العقلية و الاجتماعية، كما يرشده للمسالك البيداغوجية و الاختيارات الديداكتيكية التي تفضي به إلى تحقيق الكفايات التعلمية المنشودة داخل منظومة التربية و التعليم.
نخلص إذن بأن الوضعية المدرسية- كموضوع للبحث النفسي التربوي تعتبر كحدث جديد بالنسبة لطفل مرحلة التمدرس، و أن علم النفس العام لا يأخذ بعين الاعتبار كل ردود الأفعال الصادرة عن المتعلــم، و هو يواجه هذا الوضع لأول مرة، لذلك تبقى دراسة تصرفاته، و مدى تكيفه مع هذا الوسط، و أيضا معرفة مشاكله النفسية التربوية و البيداغوجية و أساليبه المعرفية على مستوى التعلمات و التفهمات، إحدى الاهتمامات الكبرى لعلم النفس التربوي.
4.النظرية الابستيمولوجية التكوينية لجان بياجيه:
لقد فسر التعلم لدى البعض كتغيير في السلوك دائم نسبيا و لكنه غير قابل للإلغاء، و يكون ناجما عن المران و التدجريب؛ و فسر لدى البعض الآخر كتعديل في السلوك بواسطة التدريب المعزز، أي المدعوم بتعزيزات إما إيجابية او سلبية. أما بياجيه فيرى بات التعلم الحقيقي هو التعلم الذي ينشأ عن التأمـــل و التروي، على اعتبار أن التعزيز في نظره لا يتم من طرف البيئة كنوع من الهدية التي تقدم للطفل كمكافأة على استجابته لمثير معين، بل إن التعزيز في نظره ينبع من الأفكار التي يشكلها الفرد عن الوضعيات التعلمية ذاتها، أي من الرغبة الذاتية في تحقيقه كسلوك و كحاجة نفسية اجتماعية.
لقدكان بياجيه وفيا لمقاربته الابستيمولوجية التكوينية التي تهتم في عموميتها بنمو المعرفة لدى الفرد خلال المراحل الزمنية المتلاحقة و المختلفة. و لذلك من منطلق اهتمامه بمفهوم الاستيعاب [ التمـثل[1]] و الملاءمة[2]، بدلا من مفهوم المثير و الاستجابة على غرار المدرسة الشرطية السلوكية. ذلك أن نظرية التعلم هاته التي تنطلق من اعتبار المثير وحدة أساسية من وحدات التعلم، إنما تتجاوز في نظر بياجيه القضايا المعرفية المرتبطة أساسا بالشكل الذي يعرف المتعلم من خلاله المثير المقترح عليه داخل وضعية ديداكتيكية محددة، و كيفية تمثله لهذا المثير ذهنيا و حتى يتمكن من استيعاب و تمثل مضاميـــــنه و امتداداته. و انطلاقا من هذا التوجه لا تؤمن النظرية البنائية بالمثير كضرورة تعليمية تعلميــــة، و كأولوية من اوليويات التعلم، بل تحاول أن تبحث بشكل مبدئي في الميكانيزمات المعرفية و العقلية التي يستخدمها الطفل عامة و المتعلم بشكل خاص في حل المشاكل التي تجابهه داخل الوضعية المشكل
التمثل من وجهة نظر بياجيه[3]:
إن مقاربة بياجيه لموضوع التمثل لدى الأطفال[4]، و المرتبط سواء بإدراكاته للحيـاة أو للفضاء الفيزيقي، يسير في اتجاه إثبات العلاقة القائمة بين المعرفة المتراكمة في الذهنية المنطقية لدى الطفل كمكتسبات أولية استقاها من الواقـع و من المحيط الثقافي الذي ينتمي إليه ، و بين الصور الرمزية المثارة داخل الوضعية في سبيل الوقوف على الإمكانيات الفكرية الموجودة لدى الطفل في التكيف من خلال عملية الموازنة[5]. و الطفل –حسب بياجيه – عندما يتعلم كيف يبحث عن الشيء المختفي تحت غطاء ما، فإنه تعلم الكشف عن الخريطة المعرفية للعلاقات الموجودة بين الأشياء التي يحتويها العالم الخارجي، و ذلك باستعمال تمثلاته المعرفية أو تمثلاته الاستدلالية كما يسميها ،J, B,GRIZE[6]{1984}، و هذا ما يميز الطرح الخاص بجان بياجي في توظيفه التكويني للتمثلات الموجودة لدى الطفل؛ على اعتبار أن الأساس بالنسبة لبياجي – من خلال الأعمال العديدة التي راكمها خلال مشواره العلمي المتميز – ليس الحكم على تمثلات الأطفال للمواضيع المدركة من طرفهم من منطلق عدم صوابها أو تعاليها عن الحقيقة المنطقية للأشياء، أو انزياحاتها عن المنطق الطبيعي للمواضيع المتمثلة في الواقع الاجتماعي المعيش، و إنما هدفه الأكبر هو إبراز و توضيح حقيقتها كمتغيرات لفظية و معرفية و رمزية مرتبطة بسن محددة أو بمرحلة عمرية مميزة ؛ كما أن هذا التمثل الموجود لدى الطفل يتحول و يتبدل كلما نما معرفيا و مهاريا و جسديا و عقليا ؛ و بذلك تعتبر التمثلات لدى الطفل من و جهة نظر –جان بياجي – تعبيرات صادقة عن طبيعة الذهنية المعرفية لديه، و عن الخصوصية النمائية المعرفية التي يمر منها، و بناء عليه تتجه المقاربة البنائية لجان بياجي في مستويات أخرى إلى اعتبار العوامل الاجتماعية و البيئية و المادية كأهم الروافد التي يستقي منها الطفل تمثلاته المعرفية و معلوماته حسب المرحلة العمرية التي يوجد فيها، و حسب كذلك وضعيته الاجتماعية و الثقافية التي يستقي منها معارفـه و خبراته، و ذلك من خلال احتكاكه المباشر بالبيئة المحلية التي يعيش فيها، ومن خلال أيضا تفاعله السريع مع مختلف مكوناتها الثقافية تحقيقا لمبدأ الموازنة.
و تعتبر الموازنة أحد العوامل الأساسية في تحقيق التكيفات لدى الطفل؛ و إن كانت هذه المسألة– حسب بياجي– غير واردة في منطق الطفل اعتبارا لسيطرة الأنا على مختلف تصرفاتـــــه و سلوكاته، و اعتبارا كذلك لعدم الإقرار بوعيه البدائي في تمثله للمواضيع الخارجية[7]، بالرغم من موقفها اللاموضوعي في الحكم على ماهيتها و حقيقتها، و هذا يفسر – من منظوره – الخلط الحاصل في ذهنية الطفل بين الأنا و الواقـع [8]الناجم عن قصور طبيعي في منظومته الفكرية يرتبط بالمراحل العمرية الأولــى، و يلاحظ ذلك من خلال خطابات الطفل و تعبيراته اللفظيــة و الرمزية حول المدركات الواقعية، حيث الأنوية تظهر كحالة ذهنية تميز تفكير الطفل في النظر للأشياء و المواضيــع و في الحكم عليها خصوصا في المرحلة الحــدسـية.
مراحل النمو المعرفي عند الطفل:
اعتمادا على مجموعة من التجارب و الاختبارات التي قام بها جان بياجيه في هذا الإطار، استطاع أن يقسم التطور المعرفي لدى الطفل إلى أربع مراحل:
الحسية الحركية[ من صفر إلى سنتين]: و تتميز هذه المرحلة بنشاط ذهني يتمثل في قدرة الطفل على تعلم فكرة استمرارية الأشياء و انتظامها في المجال الفيزيقي.
المرحلة الحدسية[ من سنتين أو ثلاث إلى سبع سنوات]: و فيها تظهر قدرة الطفل على معرفة الأشياء في صورتها الطبيعيـة، و هو ما يشير إلى فعل التفكير و الذكاء لدى الطفل ، بالرغم من جانب اللاوعي الذي يميز تفكيره في هذه المرحلــة [9]، و تتصف المرحلة الحدسية بصبغات تحدد القصور العام للذهنية الفكرية الموجودة لديه، و تتجسد هذه الصبغات فيما يلي :
*الصبغة الإحيائية[10] : تصطبغ الذهنية المنطقية للطفل بخاصية إضفاء الحياة على الظواهـر والأحداث الجامدة .
*الصبغة اللإصطناعية [11]: تتمثل في التفسيرات المقدمة من طرف الطفــــــل للظواهر الطبيعية و الفيزيقـية، و التي غالبا ما يربط مصادرها للخوارق و المصحوبة بتفسيرات سحرية في جل الأحيان .
*الصبغة الواقعية[12]: و تتجسد في انعدام القدرة على التمييز بين الذات و العالم الخارجــــي، و هو يدفع الطفل إلى تقديم إجابات عفوية حول الأسئلة المقترحة عليه.
- مرحلة الذكاء المحسوس[ من 6 أو 7 إلى 12 سنة]: و تتميز هذه المرحلة بقدرة الطفل على الانتقال بذهنيته المنطقية من طابعها السحري و العفوي، إلى ممارسة التفكير الواقعي المدرك لما هو محسوس و ملموس و قابل للمعاينة.
- المرحلة الإجرائية الصورية: و هي المرحلة التي يصبح فيها الطفل قادرا على ممارسة التحليل المنطقي للظواهر المدركة،و بقدرته على استيعاب للرمــوز، و استعمال التفكير البرهاني لتحليل الأسباب و الحوادث المرتبطة بالوضعية المطروحة عليه.
نخلص إذن بأن حضور الطروحات البياجوية في الساحة العلمية واردة في عدد كبير من المقاربات التي تبحث في الخصوصية المعرفية للطــفل، و في طريقة تعلماته على المستوى البيداغوجي و الديداكتيكي و هو ما أعطاها غناها التجريبي في ضبط آليات النمو المعرفي من حيث تركيبته العقلية و من جانب كيفية اكتسابه للمعرفة بناء بطبيعة الحال على الخاصية الذهنية للأطفال.
v v v
نظرية التعلم عند برونر[13].
في المجال التعلمي التعليمي يرى برونر أ ن الهدف الأساسي من عملية التعلم هو مساعدة المتعلمين على بناء تكوينات معرفية تمكنهم من تنظيم و تمثيل معلوماتهم المرتبطة بذواتهم و بالبيئة المحيطة بهم ، عن طريق تفعيل دور الفاعلين التعليميين تجاه المتعلمين، في تقريب المفاهيم المستهدفة في الأنشطة التعليمية، و في حملهم على الاستيعاب الجيد لمضامينـها، و ذلك للارتقاء بهم إلى الهدف المنشود، على اعتبار أن تدخلات الراشد – المتمثل في الفاعل التعليمي - في تعلمات الطفل تعد من الضروريات المنهجية التي تضمن بشكل مبدئي الدعم الخالص لمضامين النشاط المقترح[فيكوتسـكي و فالون و برونر[14]]، ذلك لان الراشد المتمثل في الفاعل التعليمي يعزز[15] نتائج المتعلمين و يعطي معنى للنشاط بالنسبة للمتعلم، كما يوجه و يبسط الوضعيات المعقدة التي يشترطها الدرس، و يشجع في نفس الوقت استجابات المتعلمين مع إعطاء معنى لأنشطة الطفل و توجيه و تبسيط الوضعيات الديداكتيكية المعقدة التي يواجهها أثناء بناء تعلماته. و مادمنا بصدد عرض وجهة نظر برونير في مجال التمثلات من وجهة نظر سيكومعرفية نشير في هذا الإطار لمقاربته التصورية للعمليات المعرفية العليا في مجال التعلمات ، و الذي عمل على بنائه من منظور علم النفس المعرفي ، نلخص أهم مكوناته في المحاور التالية:
- حفز ذاتية المتعلم: عن طريق إثارة الدافعية لديه في التعلمات المبرمجة، مع العمل على برمجة أنشطة تستجيب لحاجياته النفسية الاجتماعية، و لمعارفه المتراكمة خلال الزمن التعليمي و التعلمي السابق.
- تنظيم بنية المعرفة المراد تعليمها: و التنظيم هنا مرتبط بالتخطيط العقلاني للمعرفة المدرسية المقررة، يراعى في ذلك خصوصية المتعلم الذهنية و حاجياته النفسية الاجتماعيـة، و أيضا المشكلات التعليمية التعلمية التي يعاني منها كعتبات تحول بينــه و بين الاكتساب الجيد للمعلومة المستهدفة في الأنشطة التعلمية، بالإضافة إلى بيئته الثقافية المحلية.
- تنظيم الخبرة التعليمية بشكل تتابعي: بمعنى تثبيت المعارف المكتسبـــــة و دعمهـا، و العمل على جعلها كوضعية انطلاق، للتصحيح و الدعم من جهـــة، و لبناء الخبرات الجديدة التي يفرضها الدرس الآني من جهة ثانية.
- تحديد طبيعة و فترات التعزيز: بالنسبة لهذا المكون نشير بأنه كلما استطاع المتعلمون الارتقاء بتعلماتهم إلى مستوى فعال، كلما كانت التعزيزات الذاتية بالدرجة الأولى قائمة كسلوك تحفيزي لطلب المعرفـــة و العلم، أما التعزيزات الخارجية المتمثلة في سلوكات الفاعل التعليمي، تجاه مكتسبات المتعلمين فتعتبر دعائم للمعارف الأولية الموجودة لديهم بشكل مسبق.
و قد تم التأكيد في هذه النموذج التعلمي على أهمية التفعيل الموضوعي لمهارات البحــث و الاستقصاء ككفايات وجب العمل على تأصيلها في سلوكات المتعلمين، بما يمكن أن يساعدهم على تنشيط و تمثيل بنياتهم المعرفية بشكل فعال حتى يعطوا معنى لتفهماتهم للمواضيع المدركة، بما يمكن أن يرتقي بتعلماتهم إلى المستوى المنتظر.
و يمكننا الوقوف على طرح برونر من الناحية التنظيرية في بعض الاختيارات البيداغوجية التي تم بلورتها كشكل من المساعدات البيداغوجية التي يمكن تقديها للمتعلمين،[16] للدفع بهم إلى تجاوز بعض العتبات أو التعثرات التي تعيق سير تتبعهــم أو تفهمهم للأنشطة التعليمية المقترحة، و ذلك من خلال تقديم مساعدات لهم من طرف الفاعل التعليمي تكون عبارة عن استشارات منهجية تجسدها – على سبيل المثال لا الحصر- بعض الأسئلة التي يفترض في الفاعل التعليمي اعتمادها كاستراتيجية عمل لإقحام المتعلمين في سياق الوضعية المقترحة عليهم كإنجاز:
1. ما هو طبيعة المشكل المطروح عليك؟.
2. هل سبق لك مواجهة هذا النوع من المشاكل؟.
3. إذا كان كذلك هل عالجتها بالفعل؟.
4. و هل يمكنك أن تعالج المشكل الحالي بنفس الطريقة السابقة؟.
5. و في حالة عدم التوصل إلى حل، هل يتعلق الأمر بنفس المشكل من حيث درجة صعوبته، و من جانب نوعية المعارف التي يحتويها على مستوى الطرح الإشكالي الذي صيغ به ؟.
6. ماذا تعرف عن طريقة عملك؟.
7. ما هي ردود أفعالك أثناء النجاح في معالجة مشكل تعلمي معين؟.
8. هل يمكنك أن تسلك نفس طريقة العمل السابقة في معالجة الوضعية الحالية؟.
9. ما هي نوعية القواعد المفروضة عليك؟.
10. هل باستطاعتك الربط بين ما تعرفه بشكل مسبق عن الموضوع المقترح عليك، و بين القواعد المفروضة عليك في هذه الوضعية؟.[17]
إننا بالنظر لمثل هذه الأسئلة التي تطرح من طرف المربين أو الأهل، كأشكال من المساعدة التي تحفز الطفل على بدل الجهد و التفكير في الوضعيات التي يواجهها، من أجل إيجاد حلول سريعــة و فعالة لها، من شأنها تنمية معارفه و كفاياته العقلية، كما تمنح الطفل مهارة الملاحظة التي ستخول له بلورة أفعاله الشخصية[18] بشكل إرادي و بإيعاز بطبيعة الحال من تدخلات الوسط الذي ينتمي إليه.
نخلص إذن بان مثل هذه الاستشارة المنهجية المعبر عنها في صيغة تساؤلات عامة، لا تهدف فقط إلى مساعدة المتعلم، و إنما أن تتيح له هو الآخر بناء تساؤلات حول تعلماته كشكل من الوعي الأولي بطبيعة المشكل التعليمي المطروح عليه وكشكل من التفكير المسبق في الاستراتيجيات التي يمكنه سلكها أثناء البحث عن الحلول للمشكلات المقترحة خصوصا من الناحية المعرفية، و تتخذ هذه التساؤلات الصيغ التالية:
- هل يجب علي استظهار الدرس عن ظهر قلب؟.
- أين يمكنني البحث عن الخطة الملائمة لمعالجة المشكل المطروح؟
- في حالة العثور عليها هل يمكنني أن أترجمها إلى رسم بياني توضيحي؟.
- هل يجب علي تطبيق المعارف المكتسبة أثناء إنجاز تمرين معين؟.
- هل يجب على تدعيم إجاباتي بأمثلة توضيحية في الموضوع؟.
و بناء على هذه التساؤلات المطروحة يمكن للمتعلم تنظيم و ضبط أفعاله، مع الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات المفروضة عليه من الناحية البيداغوجية، و محاولة إدراكه لأهمية المعارف التي عمل على توظيفها و استخدامها أثناء الإنجاز، سواء أكانت تمثلات معرفية مبنينة بشكل مقبول بما يتماشى و الأهداف المرصودة للأنشطة، أو غير مبنينة.
و هكذا نلاحظ بناء على استنتاجات المتوصل إليها في هذا الإطار، مدى حضور المنظور السيكومعرفي لبرونر في الحقل البيداغوجي و التعليمي، ذلك لأن الاختيارات الديداكتيكية المقترح تفعيلها كسلوكات من طرف الفاعلين التعليميين، تعكس في مجملها الخلاصات النظرية للحقل السيكومعرفي. و هذه الحجة ذات مقومات جوهرية و علمية، لكونها تبرز لنا الأبعاد العلائقية القائمة بين المعطى النظري السيكومعرفي، و بين أشكال تعلمات الأطفـال، و ذلك من منطلق استحضار نتائجها أثناء التخطيط للدروس بشكل عام، أو أثناء التعاقد البيداغوجي مع المتعلمين ضمن سياق الأنشطة الدراسية المستهدفة.
و هو ما يشترط في الفعل التعليمي التسلح بالمعرفة النظرية و بمعرفة للعمل، أي للتوظيف الإجرائي لها، لملء الفجوات المعرفية الكامنة في البنية المعرفية لدى الفرد المتعلم، عن طريق الوعي بـــها، و بالإمكانيات العقلية الموجودة لديــه، و بطبيعة الأساليب المعرفية التي تميزه عن باقي المتعلمين.
الهوامــش:
[1] التمثل أو الاستيعاب: هو عملية بيولوجية و سيكولوجية تتجه من الخارج إلى الداخل، بحيث يمتص الجسم عبرها المعطيات الخارجية و يحولها إلى عناصر جديدة ترتبط بالوظائف الخاصة بالجسم. بمعنى هو عملية يتشرب الفرد بواسطتها الخبرات الجديدة و يوحدها مع تلك الموجودة داخليا لكي تتحول إلى خبرات مألوفة.
[2] المواءمة: عملية بيولوجية و سيكولوجية تتجه من الداخل إلى الخارج، أي من الذات العارفة إلى المواضيع و الأشياء الخارجية التي تنتمي للوسط السوسيوثقافي، و هي مجموعة من التغيرات الحاصلة في بنية الجسم من جراء الضغوطات المتأتية من البيئة المحلية.
[3] لتعميق الفهم في هذا الموضوع يمكن العودة إلى:
[4] أنظر على سبيل المثال لا الحصر:
- PIAGET ,Jean :Le jugement moral chez l’enfant. .coll ; BPC, 1932 ,5°ed ,1978.
-PIAGET ,Jean : La représentation du monde chez l’enfant. Paris, PUF, 1991,6°éditions,
-PIAGET ,Jean : La représentation de l’espace chez l’enfant. Coll ; BPC, 1948,4° éditions..
[5] الموازنة: و هي الكيفية التي يستطيع الطفل بواسطتها تنظيم المعلومات المتناثرة و المكتسبة في نظام معرفي متناقض، كما عي استعداد موروث يعتمده الطفل للاستدلال تدريجيا على الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الأشياء في هذا العالم، و يعتبر التكيف كهدف نهائي للموازنة...
[6] GRIZE, Jean, BLAISE. :Une représentation des activités du discours. Dans représentation. Ibid. , Pp: 359-372,p: 359.
[7] PIAGET,Jean : La représentation du monde chez l’enfant. Paris, ibid. , p p: 108-109.
[8] ibid. : 109
[9] PIAGET ,Jean : La représentation du monde chez l’enfant. Paris, PUF, 1991,6°éditions, p : 159
[10] ibid. : 175.
[11] ibid. :294.
[12] ibid. : P: 44 -45.
[13] يمكن العودة للأطروحة الجامعية التالية: د.محمد لمباشري: تمثلات المتعلمين للمعرفة المدرسية و علاقتها بتوافقهم الاجتماعي. مقاربة نفسية اجتماعية. بحث لنيل دكتوراه الدولة تخصص علم النفس الاجتماعي. كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط. 2004.
[14] F. CLERC: Enseigner en module. Hachette, 1992.P: 102.
[15] نعني بالتعزيز [ étayage ] من وجهة نظر برونر الدعم الذي يقدم من طرف الراشـــــــــــد - المتمثل في الفاعل التعليمي- للمعارف العفوية الموجودة بشكل مسبق لدى الطفل، بهدف الارتقاء بها إلى مستوى أفضل، يليق بالتعلمات الجيدة المقبولة تعليميـــا؛ و تدخل الفاعل التعليمي في هذا الإطار يزكي الدعم الفعال لهذه المعارف، خصوصا عندما تكون منسجمـــــــة و الكفايات المستهدفة.
[16] أنظر في هذا السياق الكتب التالية:
F. CLERC : Enseigner en module. Hachette, 1992
P.MEIRIEU: Enseigner, scénario pour un métier nouveau. E. S. F.. Paris, 1990.
P. VERMERSCH : L’entretien d’explication. Les cahiers de Beaumont,1991.
A. de la GARANDERIE : Le dialogue pédagogique avec les élèves. Le centurion. Paris, 1984.
[17] يمكن العودة: لمباشري محمد: المدرسة المغربية و رهانات الحراك المعرفي: من اجل تفعيل ديداكتيكي للبيداغوجيات المساعدة على تدبير الاختلافات....سينشر قريبا...
[18] أنظر في هذا الجانب:
BRUNER, J : Savoir-faire savoir dire. P.U.F, 1987.