مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :
فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الإسلام ، سميتها : ( الدروس المهمة لعامة الأمة ).
وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين ، وأن يتقبلها مني ، إنه جواد كريم .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الدرس الأول:
سورة الفاتحة وقصار السور
سورة الفاتحة وما أمكن من قصار السور، من سورة الزلزلة إلى سورة الناس ، تلقينا ، وتصحيحا للقراءة ، وتحفيظا ، وشرحا لما يجب فهمه.
الدرس الثاني:
أركان الإسلام
بيان أركان الإسلام الخمسة ، وأولها وأعظمها: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله بشرح معانيها ، مع بيان شروط لا إله إلا الله ، ومعناها: ( لا إله ) نافيا جميع ما يعبد من دون الله ، ( إلا الله ) مثبتا العبادة لله وحده لا شريك له .
وأما شروط ( لا إله إلا الله ) فهي : العلم المنافي للجهل ، واليقين المنافي للشك ، والإخلاص المنافي للشرك ، والصدق المنافي للكذب ، والمحبة المنافية للبغض ، والانقياد المنافي للترك ، والقبول المنافي للرد ، والكفر بما يعبد من دون الله. وقد جمعت في البيتين الآتيين :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع
محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما
سوى الإله من الأشياء قد ألها
مع بيان شهادة أن محمدا رسول الله ، ومقتضاها: تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وألا يعبد الله إلا بما شرعه الله عز وجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ثم يبين للطالب بقية أركان الإسلام الخمسة ، وهي : الصلاة ، والزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا.
الدرس الثالث :
أركان الإيمان
أركان الإيمان ، وهي ستة: أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى .
الدرس الرابع :
أقسام التوحيد وأقسام الشرك
بيان أقسام التوحيد ، وهي ثلاثة: توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات .
أما توحيد الربوبية: فهو الإيمان بأن الله سبحانه الخالق لكل شيء ، والمتصرف في كل شيء ، لا شريك له في ذلك .
وأما توحيد الألوهية: فهو الإيمان بأن الله سبحانه هو المعبود بحق لا شريك له في ذلك ، وهو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله ، فجميع العبادات من صلاة وصوم وغير ذلك يجب إخلاصها لله وحده ، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره.
وأما توحيد الأسماء والصفات : فهو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم ، أو الأحاديث الصحيحة من أسماء الله وصفاته ، وإثباتها لله وحده على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ؛ عملا بقول الله سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الصمد: كاملة] ، وقوله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقد جعلها بعض أهل العلم نوعين ، وأدخل توحيد الأسماء والصفات في توحيد الربوبية ، ولا مشاحة في ذلك ؛ لأن المقصود واضح في كلا التقسيمين .
وأقسام الشرك ثلاثة : شرك أكبر ، وشرك أصغر ، وشرك خفي.
فالشرك الأكبر: يوجب حبوط العمل والخلود في النار لمن مات عليه ، كما قال الله تعالى : وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88] ، وقال سبحانه: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة: 17] ، وأن من مات عليه فلن يغفر له ، والجنة عليه حرام ، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48] ، وقال سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: 72].
ومن أنواعه: دعاء الأموات ، والأصنام ، والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ، والذبح لهم ، ونحو ذلك .
أما الشرك الأصغر: فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب أو السنة تسميته شركا ، ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر ؛ كالرياء في بعض الأعمال ، والحلف بغير الله ، وقول: ما شاء الله وشاء فلان ، ونحو ذلك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال الرياء رواه الإمام أحمد ، والطبراني ، والبيهقي ، عن محمود بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه بإسناد جيد ، ورواه الطبراني بأسانيد جيدة ، عن محمود بن لبيد ، عن رافع بن خديج ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ورواه أبو داود ، والترمذي بإسناد صحيح ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
وهذا النوع لا يوجب الردة ، ولا يوجب الخلود في النار ، ولكنه ينافي كمال التوحيد الواجب .
أما النوع الثالث : وهو الشرك الخفي ، فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ويجوز أن يقسم الشرك إلى نوعين فقط : أكبر وأصغر ، أما الشرك الخفي فإنه يعمهما.
فيقع في الأكبر ، كشرك المنافقين ؛ لأنهم يخفون عقائدهم الباطلة ، ويتظاهرون بالإسلام رياء ، وخوفا على أنفسهم .
ويكون في الشرك الأصغر ، كالرياء ، كما في حديث محمود بن لبيد الأنصاري المتقدم ، وحديث أبي سعيد المذكور . والله ولي التوفيق .
الدرس الخامس :
الإحسان
ركن الإحسان ، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
الدرس السادس :
شروط الصلاة
شروط الصلاة ، وهي تسعة: الإسلام ، والعقل ، والتمييز ، ورفع الحدث ، وإزالة النجاسة ، وستر العورة ، ودخول الوقت ، واستقبال القبلة ، والنية.
الدرس السابع :
أركان الصلاة
أركان الصلاة ، وهي أربعة عشر: القيام مع القدرة ، وتكبيرة الإحرام ، وقراءة الفاتحة ، والركوع ، والاعتدال بعد الركوع ، والسجود على الأعضاء السبعة ، والرفع منه ، والجلسة بين السجدتين ، والطمأنينة في جميع الأفعال ، والترتيب بين الأركان ، والتشهد الأخير ، والجلوس له ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والتسليمتان .
الدرس الثامن :
واجبات الصلاة
واجبات الصلاة ، وهي ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام ، وقول : ( سمع الله لمن حمده ) للإمام والمنفرد ، وقول: ( ربنا ولك الحمد ) للكل ، وقول: ( سبحان ربي العظيم ) في الركوع ، وقول: ( سبحان ربي الأعلى ) في السجود ، وقول : ( رب اغفر لي ) بين السجدتين ، والتشهد الأول ، والجلوس له.
الدرس التاسع:
بيان التشهد
بيان التشهد ، وهو أن يقول: ( التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ).
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويبارك عليه ، فيقول: ( اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ).
ثم يستعيذ بالله في التشهد الأخير من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال ، ثم يتخير من الدعاء ما شاء ، ولا سيما المأثور من ذلك ، ومنه: ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ).
أما في التشهد الأول فيقوم بعد الشهادتين إلى الثالثة في الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وإن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل ؛ لعموم الأحاديث في ذلك ، ثم يقوم إلى الثالثة.
الدرس العاشر:
سنن الصلاة
سنن الصلاة ، ومنها:
1- الاستفتاح .
2- جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام ، قبل الركوع وبعده.
3- رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة حذو المنكبين أو الأذنين عند التكبير الأول ، وعند الركوع ، والرفع منه ، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة.
4- ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود.
5- ما زاد على قول: ( ربنا ولك الحمد ) بعد القيام من الركوع ، وما زاد عن واحدة في الدعاء بالمغفرة بين السجدتين.
6- جعل الرأس حيال الظهر في الركوع.
7- مجافاة العضدين عن الجنبين ، والبطن عن الفخذين ، والفخذين عن الساقين في السجود.
8- رفع الذراعين عن الأرض حين السجود .
9- جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة ، ونصب اليمنى في التشهد الأولى وبين السجدتين .
10- التورك في التشهد الأخير في الرباعية والثلاثية وهو: الجلوس على مقعدته وجعل رجله اليسرى تحت اليمنى ونصب اليمنى.
11- الإشارة بالسبابة في التشهد الأول والثاني من حين يجلس إلى نهاية التشهد وتحريكها عند الدعاء.
12- الصلاة والتبريك على محمد ، وآل محمد ، وعلى إبراهيم ، وآل إبراهيم في التشهد الأول .
13- الدعاء في التشهد الأخير.
14- الجهر بالقراءة في صلاة الفجر ، وصلاة الجمعة ، وصلاة العيدين ، والاستسقاء ، وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء.
15- الإسرار بالقراءة في الظهر ، والعصر ، وفي الثالثة من المغرب ، والأخيرتين من العشاء .
16- قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن ، مع مراعاة بقية ما ورد من السنن في الصلاة سوى ما ذكرنا ، ومن ذلك:
ما زاد على قول المصلي : ( ربنا ولك الحمد ) ، بعد الرفع من الركوع في حق الإمام ، والمأموم ، والمنفرد ، فإنه سنة ، ومن ذلك أيضا: وضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع حين الركوع.
الدرس الحادي عشر:
مبطلات الصلاة
مبطلات الصلاة ، وهي ثمانية:
1- الكلام العمد مع الذكر والعلم ، أما الناسي والجاهل فلا تبطل صلاته بذلك .
2- الضحك . 3- الأكل . 4- الشرب . 5- انكشاف العورة. 6- الانحراف الكثير عن جهة القبلة. 7- العبث الكثير المتوالي في الصلاة. 8- انتقاض الطهارة.
الدرس الثاني عشر:
شروط الوضوء
شروط الوضوء ، وهي عشرة: الإسلام ، والعقل ، والتمييز ، والنية ، واستصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتم طهارته ، وانقطاع موجب الوضوء ، واستنجاء أو استجمار قبله ، وطهورية ماء وإباحته ، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة ، ودخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم .
الدرس الثالث عشر:
فروض الوضوء
فروض الوضوء ، وهي ستة: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق ، وغسل اليدين مع المرفقين ، ومسح جميع الرأس ومنه الأذنان ، وغسل الرجلين مع الكعبين ، والترتيب ، والموالاة.
ويستحب تكرار غسل الوجه ، واليدين ، والرجلين ثلاث مرات ، وهكذا المضمضة ، والاستنشاق ، والفرض من ذلك مرة واحدة ، أما مسح الرأس فلا يستحب تكراره كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
الدرس الرابع عشر:
نواقض الوضوء
نواقض الوضوء ، وهي ستة: الخارج من السبيلين ، والخارج الفاحش النجس من الجسد ، وزوال العقل بنوم أو غيره ، ومس الفرج باليد قبلا كان أو دبرا من غير حائل ، وأكل لحم الإبل ، والردة عن الإسلام ، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك.
تنبيه هام : أما غسل الميت : فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء ، وهو قول أكثر أهل العلم ؛ لعدم الدليل على ذلك ، لكن لو أصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء .
والواجب عليه ألا يمس فرج الميت إلا من وراء حائل ، وهكذا مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا ، سواء كان ذلك عن شهوة ، أو غير شهوة في أصح قولي العلماء ، ما لم يخرج منه شيء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ .
أما قول الله سبحانه في آيتي النساء ، والمائدة: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43] ، [المائدة: 6] ، فالمراد به: الجماع ، في الأصح من قولي العلماء ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ، وجماعة من السلف والخلف . والله ولي التوفيق .
الدرس الخامس عشر :
التحلي بالأخلاق المشروعة لكل مسلم
التحلي بالأخلاق المشروعة لكل مسلم ، ومنها : الصدق ، والأمانة ، والعفاف ، والحياء ، والشجاعة ، والكرم ، والوفاء ، والنزاهة عن كل ما حرم الله ، وحسن الجوار ، ومساعدة ذوي الحاجة حسب الطاقة ، وغير ذلك من الأخلاق التي دل الكتاب أو السنة على شرعيتها .
الدرس السادس عشر :
التأدب بالآداب الإسلامية
التأدب بالآداب الإسلامية ، ومنها: السلام ، والبشاشة ، والأكل باليمين والشرب بها ، والتسمية عند الابتداء ، والحمد عند الفراغ ، والحمد بعد العطاس ، وتشميت العاطس إذا حمد الله ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز للصلاة والدفن ، والآداب الشرعية عند دخول المسجد ، أو المنزل والخروج منهما ، وعند السفر ، ومع الوالدين ، والأقارب والجيران ، والكبار والصغار والتهنئة بالمولود ، والتبريك بالزواج ، والتعزية في المصاب ، وغير ذلك من الآداب الإسلامية في اللبس والخلع والانتعال .
الدرس السابع عشر :
التحذير من الشرك وأنواع المعاصي
الحذر والتحذير من الشرك وأنواع المعاصي ، ومنها : السبع الموبقات ( المهلكات ) وهي : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
ومنها : عقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم ، وشهادة الزور ، والأيمان الكاذبة ، وإيذاء الجار ، وظلم الناس في الدماء ، والأموال ، والأعراض ، وشرب المسكر ، ولعب القمار - وهو : الميسر - والغيبة ، والنميمة ، وغير ذلك مما نهى الله عز وجل عنه ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
الدرس الثامن عشر:
تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه
وإليك تفصيل ذلك :
أولا: يشرع تلقين المحتضر: ( لا إله إلا الله ) ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله رواه مسلم في صحيحه ، والمراد بالموتى في هذا الحديث : المحتضرون ، وهم من ظهرت عليهم أمارات الموت .
ثانيا: إذا تيقن موته أغمضت عيناه وشد لحياه ؛ لورود السنة بذلك .
ثالثا: يجب تغسيل الميت المسلم ، إلا أن يكون شهيدا مات في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ، بل يدفن في ثيابه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل قتلى أحد ولم يصل عليهم .
رابعا : صفة غسل الميت :
أنه تستر عورته ، ثم يرفع قليلا ويعصر بطنه عصرا رفيقا ، ثم يلف الغاسل على يده خرقة أو نحوها فينجيه بها ، ثم يوضئه وضوء الصلاة ، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه ، ثم يغسل شقه الأيمن ، ثم الأيسر ، ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة ، يمر في كل مرة يده على بطنه ، فإن خرج منه شيء غسله ، وسد المحل بقطن أو نحوه ، فإن لم يستمسك فبطين حر ، أو بوسائل الطب الحديثة؛ كاللزق ونحوه.
ويعيد وضوءه ، وإن لم ينق بثلاث زيد إلى خمس ، أو إلى سبع ، ثم ينشفه بثوب ، ويجعل الطيب في مغابنه ، ومواضع سجوده ، وإن طيبه كله كان حسنا ، ويجمر أكفانه بالبخور ، وإن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منها ، وإن ترك ذلك فلا حرج ، ولا يسرح شعره ، ولا يحلق عانته ، ولا يختنه ؛ لعدم الدليل على ذلك ، والمرأة يظفر شعرها ثلاثة قرون ، ويسدل من ورائها .
خامسا : تكفين الميت : الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، كما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، يدرج فيها إدراجا ، وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس .
والمرأة تكفن في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، وإزار ، ولفافتين . ويكفن الصبي في ثوب واحد إلى ثلاثة أثواب ، وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين .
والواجب في حق الجميع ثوب واحد يستر جميع الميت ، لكن إذا كان الميت محرما فإنه يغسل بماء وسدر ، ويكفن في إزاره وردائه أو في غيرهما ، ولا يغطى رأسه ولا وجهه ، ولا يطيب ؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان المحرم امرأة كفنت كغيرها ، ولكن لا تطيب ، ولا يغطى وجهها بنقاب ، ولا يداها بقفازين ، ولكن يغطى وجهها ويداها بالكفن الذي كفنت فيه ، كما تقدم بيان صفة تكفين المرأة.
سادسا : أحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه :
وصيه في ذلك ، ثم الأب ، ثم الجد ، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات في حق الرجل .
والأولى بغسل المرأة : وصيتها ، ثم الأم ، ثم الجدة ، ثم الأقرب فالأقرب من نسائها ، وللزوجين أن يغسل أحدهما الآخر ؛ لأن الصديق رضي الله عنه غسلته زوجته ولأن عليا رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها
سابعا : صفة الصلاة على الميت :
يكبر أربعا ، ويقرأ بعد الأولى : الفاتحة ، وإن قرأ معها سورة قصيرة أو آية أو آيتين فحسن ؛ للحديث الصحيح الوارد في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كصلاته في التشهد ، ثم يكبر الثالثة ، ويقول: ( اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم اغفر له ، وارحمه ، وعافه ، واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر ، وعذاب النار ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه ، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ) ، ثم يكبر الرابعة ، ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه. ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة ، وإذا كان الميت امرأة يقال: ( اللهم اغفر لها..) إلخ ، وإذا كانت الجنائز اثنتين يقال: ( اللهم اغفر لهما...) إلخ ، وإن كانت الجنائز أكثر من ذلك قال: ( اللهم اغفر لهم..) إلخ ، أما إذا كان فرطا فيقال بدل الدعاء له بالمغفرة: ( اللهم اجعله فرطا وذخرا لوالديه ، وشفيعا مجابا ، اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح سلف المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وقه برحمتك عذاب الجحيم ).
والسنة أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل ، ووسط المرأة ، وأن يكون الرجل مما يلي الإمام إذا اجتمعت الجنائز ، والمرأة مما يلي القبلة ، وإن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة ، ثم المرأة ، ثم الطفلة ، ويكون رأس الصبي حيال رأس الرجل ، ووسط المرأة حيال رأس الرجل ، وهكذا الطفلة يكون رأسها حيال رأس المرأة ، ويكون وسطها حيال رأس الرجل ، ويكون المصلون جميعا خلف الإمام ، إلا أن يكون واحدا لم يجد مكانا خلف الإمام فإنه يقف عن يمينه.
ثامنا : صفة دفن الميت :
المشروع تعميق القبر إلى وسط الرجل ، وأن يكون فيه لحد من جهة القبلة ، وأن يوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن ، وتحل عقد الكفن ، ولا تنزع بل تترك ، ولا يكشف وجهه سواء كان الميت رجلا أو امرأة ، ثم ينصب عليه اللبن ، ويطين حتى يثبت ويقيه التراب ، فإن لم يتيسر اللبن فبغير ذلك من ألواح ، أو أحجار ، أو خشب يقيه التراب ، ثم يهال عليه التراب ، ويستحب أن يقال عند ذلك: (باسم الله ، وعلى ملة رسول الله) ، ويرفع القبر قدر شبر ، ويوضع عليه حصباء إن تيسر ذلك ، ويرش بالماء.
ويشرع للمشيعين أن يقفوا عند القبر ويدعوا للميت ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه ، وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل
تاسعا: ويشرع لمن لم يصل عليه أن يصلي عليه بعد الدفن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، على أن يكون ذلك في حدود شهر فأقل ، فإن كانت المدة أكثر من ذلك لم تشرع الصلاة على القبر ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر بعد شهر من دفن الميت.
عاشرا: لا يجوز لأهل الميت أن يصنعوا طعاما للناس ؛ لقول جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل رضي الله عنه: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة رواه الإمام أحمد بسند حسن ، أما صنع الطعام لهم ، أو لضيوفهم فلا بأس ، ويشرع لأقاربه وجيرانه أن يصنعوا لهم الطعام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الخبر بموت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في الشام أمر أهله أن يصنعوا طعاما لأهل جعفر ، وقال : إنه أتاهم ما يشغلهم
ولا حرج على أهل الميت أن يدعوا جيرانهم ، أو غيرهم للأكل من الطعام المهدى إليهم ، وليس لذلك وقت محدود فيما نعلم من الشرع.
حادي عشر: لا يجوز للمرأة الإحداد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنه يجب عليها أن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ، إلا أن تكون حاملا فإلى وضع الحمل ؛ لثبوت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
أما الرجل فلا يجوز له أن يحد على أحد من الأقارب أو غيرهم .
ثاني عشر: يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت وآخر للدعاء لهم ، والترحم عليهم ، وتذكر الموت وما بعده ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة خرجه الإمام مسلم في صحيحه ، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين
أما النساء فليس لهن زيارة القبور ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور ، ولأنهن يخشى من زيارتهن الفتنة وقلة الصبر ، وهكذا لا يجوز لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهن عن ذلك ، أما الصلاة على الميت في المسجد ، أو في المصلى فهي مشروعة للرجال وللنساء جميعا.
هذا آخر ما تيسر جمعه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه.