المرأة المسلمة؛ نحو تفعيل الأداء في عصر العولمة (2/2)
فريدة صادق زوزو
يتحدد دور المرأة الريادي في مواجهة تحديات العولمة؛ من خلال الانطلاق من النظرة الإسلامية للمرأة، واستلهام النماذج الواقعية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والعهد الراشدي، إذ أن المجتمع الإسلامي آنذاك كان يشهد انتقالا جوهريا من مرحلة إلى مرحلة، وبالتالي فإن التحديات التي واجهت المرأة أشبه بحالها اليوم. ومنه فإن دور المرأة المنشود يُستلهم من النماذج الرائدة للصحابيات.
المبحث الثاني: آفاق مساهمة المرأة المسلمة في تفعيل الأداء الرسالي
وفي هذا السياق فإن مما ينبغي للمرأة المسلمة التركيز عليه من أجل المساهمة في أداء دورها الرسالي لتتحقق وحدة الأمة فكريا وثقافيا وسياسيا وحضاريا هو أن تضطلع بمجموعة من المسؤوليات أراها ضرورية من أجل أفق زاهر لها؛ أولها أن تستوعب دورها الحيوي في بيتها كأم وقيّم على البيت، وثانيها القيام بدورها الاجتماعي، وثالثها القيام بدورها الحضاري في دفع أسباب التخلف بها وبالأمة الإسلامية جمعاء.
1. دور المرأة في بيتها كأم وقيِّم على البيت:
لا يمكن بحال من الأحوال تغييب دور المرأة الحيوي في هذه الحياة، ألا وهو إنجاب الأطفال، ولا يعني هذا أن وظيفة المرأة هي التوليد والاستيلاد أي أن تكون مصنعا لتوليد الأطفال، بل إن المطلوب منها كمسلمة تعي وظيفتها الوجودية التي وجدت لأجلها في الحياة الدنيا وهي الاستخلاف، المطلوب منها لتحقيق الاستخلاف أن تنجب لنا خلائف آخرين، جيل المستقبل، ومعنى هذا أن تنجب لنا طيارين لا أن تطير بنفسها فقط، كما قال أحد العلماء الجزائريين" الشيخ عبد الحميد بن باديس" :" لا نريد المرأة التي تطير بنفسها بل التي تنجب لنا طيارين".
فالمرأة أو بالأحرى الأم وهي تؤدي دورها الحيوي في الحياة "الأمومة" أن تستغل هذه الأمومة ومشاعرها، التي لا يمكن بأي حال الاستيعاض عنها بالخادمة أو بيت الحضانة، تستغلها في إعداد جيل المستقبل، خليفة الله في الأرض، بالرعاية الطبيعية الحياتية (المأكل والملبس والنظافة)، ثم بالتربية والتنشئة الاجتماعية الدينية، فتكون الأم هي القيّم على نشر مبادئ وقيم وتعاليم الإسلام بين أولادها، من خلال التدريب اليومي على الأخلاق الإسلامية، والتنشئة الإسلامية.
والوقت الذي تقضيه الأم بين أولادها يجب أن يستثمر لصالح الإسلام والأمة المسلمة وليس فقط في بث الحب بين الأولاد، وتضييع الوقت معهم في اللاشيء! لتمر الأيام والأم غافلة عن دورها، فهي ليست أما فقط بالمعنى البيولوجي ولكنها داعية وراعية على إنشاء جيل الاستخلاف، كما أنشأت الفلسطينيات جيل الانتفاضة بدءً من 1982م إلى يومنا هذا، وأنشأت قبلهن الجزائريات جيل الثورة الجزائرية، عام 1954م.
وإن التحديات التي تواجهها الأم وهي في عقر دارها، مثل تحدي التلفزيون وهو ينشر سمومه بين أطفالها، وهي عن هذا لاهية، وتحدي القيم الغربية التي تشاع في مجتمعاتنا الإسلامية، ناهيك عن أخلاق أطفال بعض الأسر المسلمة التي لا تعرف عن الإسلام إلا الصلاة والصوم!
إن هذه التحديات لا يمكن التغلب عليها بكلمات قليلة عابرة، بل بالمراقبة الدائمة لما يدخل إلى بيوتنا عبر شاشات التلفزيون، أو استعمال أجهزة الفيديو من أجل اختيار حسن لما يرد السوق من أفلام وبرامج ترفيهية للأطفال.
ولا يمكن بحال أن ندع شركة (والت دينزني) هي المهيمن على برامج الأطفال في شاشة التلفزيون، وعلى السوق أيضا، من خلال تصديرها لصور مشاهير أبطالها في ألعاب، وحقائب دراسة أطفالنا، ومقلماتهم، وكراريسهم، وأغلفة كتبهم، ناهيك عن أغطية أسرتهم ووسائدهم، ثم ملابسهم الخارجية والداخلية، فهل تجد غزوا أكثر من هذا ، يتحداك وأنت لا تقدر على فعل أي شيء؟ فما الحل؟
هل الحل بيد الأم وحدها؟ أم بمساعدة جهات كثيرة متخصصة؟
سيكون جوابك سهلا وبدهيا: ليس الحل بيد الأم فقط.
أعرف هذا، ولكن إذا ما قويت إرادة الأمهات المسلمات لمواجهة هذا الغزو الغربي، فإن الجهات الأخرى ستساهم بدورها في الجانب الذي يعنيها.
ليس هذا كلاما مثاليا ؟؟ وأصدق القول أن تكاتف الجهود، وقوة إرادة الأمهات هي الكفيلة بغلق الباب أمام الغزو الغربي ثقافيا كان أم صناعيا؟
أين هي الرموز الإسلامية؟ أين هي في كلامنا؟ في شاشاتنا؟ في قصص أطفالنا؟ في سلوكنا اليومي؟ هل ستقول أن التصوير حرام؟
أين هي إذن في أغاني الأطفال الإسلامية الحلوة البسيطة؟
أين هي في بساطة "الأقصى يا الجنة" لإيمان البحر درويش في استيعاب أطفالنا لحربنا الضروس مع اليهود؟ أين هي سلاسة كلمات" طائر النورس"، و"نبع الحب" لشركة" سنا في إشاعة الأخلاق الإسلامية الصافية: حب مخلوقات الله، حب أفراد الأسرة، حب الحياة لأجل الآخرة؟ أين هي أناشيد "الريحان" رياحين ماليزيا، في "25 رسول"، و" أشهد أن لا إله إلا الله" في إلمام أطفالنا بأصول وأركان عقيدتهم؟ وغيرها كثير كثير.
هاهنا دور الأم في قيامها بوظيفتها الوجودية، في استخلافها هي لله تعالى، وفي إنجابها لمستخلفي الله تعالى من بعدها...
إن الأم وهي تقوم بأشغالها اليومية ستمثل نموذجا حيا لطفلها، نموذج المسلم العامل، المسلم الفاعل، الكل يؤدي دوره بصبر وصدق وقوة عزيمة على التغيير؛ سواء أكان تغيير جو البيت من بيت وسخ غير مرتب إلى بيت نظيف مرتب تعبق منه رائحة النظام والهدوء والصحة؛ أو كان تغيير وجه المجتمع من بعض المظاهر والسلوكات غير الإسلامية، مثل الأكل في الأماكن العامة، أو الجلوس غير المحتشم أمام مرأى الناس، أو الصراخ والعراك، وغيرها كثير.
إن الطفل الذي يولد وهو صفحة بيضاء، للأم الدور المهم والأساسي في ملئها، والكتابة عليها بما تريده من طفلها وهي في ذلك تنطلق من وعيها لدورها كإنسان مسلم مستخلف في هذه الأرض على أطفالها، وعلى بيتها، وعلى مجتمعها، وعلى أمور دينها.
إن كل ما تخطه الأم في ذهن ابنها ليدل عليها أصالة، لأنه يدل على مدى وعيها، ومدى علمها، ومدى ثقافتها، وأخيرا مدى استيعابها لدورها الاستخلافي.
ثم إنها لا تنتظر حتى تُواجه بالبدايات المضلة والمنحرفة لأولادها على مشارف سن المراهقة، أين يكون الطفل والذي أصبح الآن شابا قد خرج عن طوعها، وأضحت توعيته وإرجاعه إلى جادة الصواب من الأمور الصعبة نوعا ما؛ فإن المعالم التربوية، وفضائل الأعمال التي تصقلها في أبنائها وهم رضع، هي الكفيلة بالمحافظة عليهم من قرناء السوء، ومن الانحدار نحو السلوكيات المريبة التي تتفشى في الأوساط الشبابية حيث يجد الشيطان ضالته معهم وبينهم.
وإن من أخطر هذه الغوائل، الفراغ، هذه الكلمة التي تطيح بأسر كثيرة نتيجة اتجاه أبنائها نحو المجهول، لا لشيئ إلا لأن الفراغ ملأ حياتهم، فأين كانت الأسرة، وأين كانت الأم في القديم وهي تقدم لابنها طعاما أو شرابا، أو تلبسه فاخر اللباس أو بسيطه، ولم تكن تملأ الصفحة البيضاء فيه بفضائل الأخلاق ومحاسن الآداب؟
الأبناء أمانة عند آبائهم، فكيف نحافظ على هذه الأمانة لتحقق الاستخلاف في الأرض؟
هل ندع هؤلاء الأبناء، وفي هذا العصر بالذات (عصر العولمة) أين الانفتاح على العالم بأسره، على ثقافاته، وتقاليده، وعاداته، الحسن منها والقبيح، على الانفتاح على وسائل الترفيه والتسلية، في يسر الحصول عليها، وعلى مواقعها، في سهولة تلبية رغبات وشهوات النفس بما لذ وطاب، من دون خوف أو حرج، إلا الخوف منه تبارك وتعالى إذا وجد الأبناء هذا الخوف وهذه الخشية منقوشة ومصقولة في قلوبهم قبل عقولهم التي تميز النافع من الضار.
والتحكم في الأبناء وهم صغار أيسر بكثير من التحكم فيهم وهم شباب، وتعليمهم وتربيتهم وهم صغار أيسر من تعليمهم وهم كبار، وصدق من قال: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
ومن جهة أخرى عندما تضطلع المرأة بدور القوامة على بيتها فإنها بذلك تحقق ذاتها. إنها بذلك تتخلص من عبوديتها للنماذج المشوهة المستوردة عن المرأة والأم. وبذلك تستطيع أن تسد الثغرة التي ينبغي أن ترابط عليها فلا يؤتى الإسلام من قبلها.
وعي المرأة بذاتها وبدورها كقيم على الأسرة وحارس على القيم والمبادئ يعني في ميزان القيم أنها تعي تماما دورها وحقيقتها، وأنها تعرف معرفة حقيقة وجودها ووظيفتها وأنها خليفة الله في الأرض، عابدة له وحده دون سواه، وبالتالي تتميز عمن يخالف سلوكها وأخلاقها واعتقادها، وتحاول التأثير فيه لا التأثر به.
إنها بذلك يمكنها أن تواجه تحديات العصر بكل ثبات وأهلية وجدارة، وتستطيع القيام بسد الثغرات التي لا يمكن أن يسدها الرجل لأنها من فطرتها لا من فطرته. فلا يحدث بينها وبين أخيها الرجل تزاحم على أدوار غير مخصصة له أصلا أو مخصصة لها وشاركها فيها، بل تتمكن بوعيها من معرفة مواقع التفاضل بينها وبين الرجل فتتقد في المواقع التي تفضله فيها وتتأخر في المواقع التي يفضلها فيها. كما تدرك مواقع التكامل بينها وبين الرجل فيتقدم كلاهما مدركين أن تلك المواقع مما يحتاج إليهما معا، فلا يقع تزاحم على مواقع وفراغ في مواقع أخرى.
وفي هذا السياق، فإن تزاحم المرأة والرجل في الأسواق والمعامل والإدارات، بدعوى الحق في العمل وتحقيق الذات فيه خلط بين مواقع التفاضل ومواقع التكامل. لأن ذاتها لا يمكن أن تتحقق في أماكن فيها انتهاك لحرمات الله من جراء الاختلاط ونزع الحجاب والتزين للغير دون الزوج والتبرج وغيرها، بل إن ذاتها ودورها يتحققان بشكل أفضل في بيتها وعند أولادها وليس في التخلي عن البيت وترك الأولاد للفراغ والخدم وأنواع البرامج الإعلامية غير المحروسة سواء في التلفاز أو في الحاسوب وشبكة الإنترنت.
إن المرأة المسلمة المثقفة الواعية بدورها الرسالي كقيم على البيت تدرك تماما أن ثغر البيت لا يمكن أن يسده الرجل، بل أنها هي المسؤولة الأولى عنه؛ أين ستقوم برعاية أبنائها وزوجها ، وبالتالي تساهم في بناء مجتمعها والحفاظ على استقراره وأمنه؛ فهي بالتزامها بنداء الفطرة تكون قد أمنت المرابطة على ثغر من الثغور الحساسة ألا وهو القيام بشؤون البيت وتربية الأبناء التربية التي تؤمِّن جانبهم من تأثير الأفكار الفاسدة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة.
ولا يعني ذلك أن مسؤولية المرأة المسلمة تنتهي عند قيامها على بيتها، بل لها دور اجتماعي مهم ودور حضاري أيضا، غير أنهما لا يلغيان دورها الأساس والجوهري في التنشئة الأسرية.
2. الدور الاجتماعي للمرأة :
لا يقتصر دور المرأة على بيتها فقط كما قلنا، وإن كان هو الدور الحيوي لها؛ إنما دورها في الأوساط النسائية يتسع ويزداد كل حين بازدياد المنكرات والمفاسد التي تتفشى في هذه الأوساط؛ فإن النساء وهن يجلس مجالسهن ينسين نهائيا أنهن مسلمات، ويتناسين الآداب الإسلامية، فيلغى الجو الإسلامي تماما، فينشر بينهن شياطين الجن والإنس...
والمسلمة الفاعلة لا تغفل في أي مجلس تجلسه، أو أي مكان تلجه أنها المسلمة الداعية، التي اصطفاها الله لتذكر اسمه كل حين وكل مجلس، فتذكر أخواتها وجليساتها بأن الأفضل لهن أن يكون مجلسهن مجلس ذكر تحفهن الملائكة إلى حين تغادر كل واحدة منهن إلى المقصد الذي ترنو إليه.
والمسلمة وهي تلفت النظر إلى تبرج سافر، أو نمص حاجب، أو تفليج سن، أو لبس بنت لما لا يتماشى وإسلامنا، أو هي تدير الحديث من غيبة في جارة تغافلت عن دعوة إحداهن لحفلة شاي إلى التماس العذر حتى المرة السبعين كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو أن الجارة الفلانية ظنت بها سوءً، أو أنها لبست فستانا ثمنه يوازي راتب الزوج، أو إن إحداهن قالت في زوجها كلاما ما... وهكذا فإن حديث النساء يملأه الشيطان بما لذ وطاب من الغيبة والنميمة وقول السوء، وكفران العشير، وهذا واقع كائن، وإلا فلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار» [i].
والحديث عن تربية الأولاد ووسائله حديث شيق ومثير، ويتنوع بتنوع الثقافات النسوية وتحديات المجتمع، وهو مجال خصب لتفعيل دور النساء فيما بينهن.
أو حلقة ذكر أسبوعية أو نصف شهرية لشرح آية أو حديث، أو قراءة القرآن يُفَعل دور المرأة في بيتها وأمام أخواتها وصديقاتها وليس أسهل من هذا.
أو تنظيم زيارة لصديقة، أو عيادة مريض... مما يعود بالنفع على السيدات وعلى المجتمع.
فالمرأة وهي تؤدي دورها الاجتماعي بعيدا عن التقييدات وعن الإلزام ستحس أنها عنصر فاعل، حقيقة وواقعا، فهي لم تؤد هذا الدور مثلا قصرا أو إلزاما أو للضرورة، وبذلك ستقدم نموذجا حيا لتفعيل دور المسلمة. والبدء بالأمور اليسيرة البسيطة والمداومة عليها أحسن وأفضل من ارتباطها بأعمال لا تقدر عليها إلا بعد جهد أو مما يحتاج إلى ترتيبات وتهييئ طويل معقد.
ثم إن ما ينتظره المجتمع من المرأة هو ألا تتخلى عن دورها الحيوي في تربية وتنشئة الأولاد، وكذا المشاركة الفعالة والإيجابية مع أخيها الرجل في أدوار الحياة المختلفة داخل المجتمع، وذلك من دون إلغاء للفروق الخلقية والوظائف الفطرية المنوطة بكل منهما، ولا يفهم من هذا الكلام أنه دعوة لإلغاء أنوثة المرأة بمعنى ترجيلها، ولا ترهيل الرجل أو تأنيثه على مذهب دعاة التحرر والتعري والتبدل. بل بمنطق التكامل الذي سبق الحديث عنه.
وعلى المرأة من جهة أخرى أن تتخذ خطوات إيجابية شجاعة من أجل مراجعة النفس وإعادة الأمور إلى نصابها، والتفكير بجدية في تصحيح مسار وطرق تعليم المرأة وتثقيفها بالمعنى الذي يخول لها القيام بدورها الكامل في المجتمع وبحسب متطلبات العصر، لأنها أساس أي بناء للمجتمع. ذلك أن نجاح المرأة في هذا يُفعل دورها في المساهمة في ازدهار المجتمع والأمة، أما إن بقيت سلبية اجتماعيا فإنه ستكرس التخلف والفرقة.
3. دور المرأة الحضاري في دفع أسباب تخلف الأمة:
إن دور المرأة في النهوض الحضاري للأمة الإسلامية دور مكمل لأدوارها السابقة الذكر؛ في قيامها بواجبها الحيوي "واجب الأمومة"، وفي قيامها بدورها الاجتماعي الذي تحاول من خلاله استنهاض وإفاقة شرائح كبيرة من المجتمع وهي شريحة النساء، ولأنهن شق المجتمع فبنهوضهن ووعيهن بدورهن الحضاري، هو النهوض الحضاري نفسه للأمة جمعاء. ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة [ii].
وبعبارة أخرى فإن الدور الحضاري للمرأة يكمن أساسا في مساهمتها في توجيه وحماية القيم الحضارية الإسلامية، وفي صناعة الأجيال الحاملة للفكرة الإسلامية والعاملة على إحياء وبعث الحضارة الإسلامية من جديد قوة مساهمة في صناعة مصير الإنسانية.
والحضور النسائي له مجالاته المتعددة مثل التطبيب والتمريض، والتعليم، وغيرها من المجالات التي يمكن للمرأة المساهمة فيها بحسب تخصصها، وبحسب قدراتها التي لا يمكن أن تتعارض مع أداء وظيفتها الطبيعية "الأمومة"، وهذا الأمر لا يتأتى إلا من خلال " تهيئة المناخ الملائم لإقامة مجتمع ديني مثقف يفتح المجال أمام المرأة للمسامة مع أخيها الرجل في بناء الحضارة الإسلامية" [iii]، مراعية في ذلك قدراتها، و(كل ميسر لما خلق له) [iv] فلا نطالبها بما لا يليق بها، وهي التي أكرمها العلي القدير من فوق سبع سموات، فلا تخوض النساء فيما لا داعي له مطالبة بالمساواة الكاملة والتامة بدعوى قيامها بواجبها اتجاه أمتها في النهوض الحضاري.. إلى غيرها من الدعاوى الباطلة التي لا تستند إلى أي دليل راجح، والتي في معظمها تُفقِدها دورها الأساس، وهي مخزن العواطف الإنسانية، الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وبذلك تكون قد فقدت وظيفتها من حيث هي وسيلة لحفظ الأسرة، وبقاء المجتمع، فهي شق الفرد، كما أن الرجل شقه الآخر، قال صلى الله عليه وسلم
إنما النساء شقائق الرجال) [v]، "فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع" [vi].
وإن للمرأة حضور كبير ومهم أو بالأحرى قوي في المدارس، حيث تتم تنشئة النشء تنشئة اجتماعية تربوية ثقافية، وتحصينه بالتعاليم الإسلامية من التحديات الخارجية للغزو الفكري التغريبي، وخاصة في المراحل التعليمية الأولى، إذ أن النشء يحس وكأنه يتلقى من أمه تماما وإن التلقي منها أيسر من التلقي من الرجال في هذا المجال، فتبقى عاطفة الأمومة هي المحرك والموجه لقدرات النشء العقلية .
وبما أن تحدي العولمة تحدٍ كبير وله آثاره الاجتماعية الكثيرة على الأفراد قبل المجتمعات، وللمرأة أن تقوم بدورها الرسالي "دور المرأة المسلمة الرسالية" في مواجهة هذه التحديات حفظا للكرامة الإسلامية، وحفظا للثقافة الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، وأخيرا حفظا للأمة جمعاء من الانصهار في هذه البوتقة بفعل الانبهار وسلوكيات بعض المستغربين من جهة، أو بفعل التدين الخادع المزيف الذي جرف المرأة إلى عقود التقليد وعصور الجاهلية؛ وبين هذا وذاك يضيع الشق الثاني للفرد المسلم .
وللخروج من هذه الثنائية المتناقضة وإعادة صياغة دور المرأة الرسالي، وتفعيل آدائها يجب أن يقوم عمل كبير وكبير جدا يتولاه المثقفون الحقيقيون وفي مقدمتهم المرأة المثقفة، وقد لا يتأتى هذا الأمر ولا يتيسر إلا من خلال العمل المؤسساتي المتخصص، الذي تشترك فيه النساء كل بحسب تخصصها ووقتها، والذي يجب أن يقوم على أساس نظرة شمولية في النهوض بالمجتمع والأمة الإسلامية من خلال تفعيل " دور المرأة الغائب"، لا الانطلاق من أزمة أو مشكلة المرأة كما يتصور الكثيرون. هذا العمل الذي يوجه عمله لعلاج مشكلات المرأة على وجه الخصوص في مناحي الحياة المختلفة والمتعلقة بها، ومشكلات الطفولة والشباب بخاصة، وذلك من خلال تنظيم جمعيات ودورات توعية، بغرض توفير الحصانة الفكرية والعقدية، وفي البناء التربوي الإيماني والدعوي للمرأة [vii]، وخاصة في الأرياف والمناطق النائية أين تخمد عشرات الطاقات النسائية الكامنة، والتي تُواجه بتقاليد وعادات اجتماعية قاتلة للإنسانية قبل أن تكون قاتلة ومدمرة للمرأة نفسها، وريفنا اليوم لا ينشط فيه إلا الجمعيات النسوية العلمانية، أو الجمعيات ذات الأفكار والمعتقدات الشاذة عن مجتمعاتنا وأمتنا الإسلامية، والتي تنشط على نطاق واسع يساعدها في ذلك الإعلام المشوه الذي يفتح لها الباب على مصراعيه، في تلقي الدعم والسند المادي والمعنوي من خلال الإشهار المكثف والدعاية المجانية، ناهيك عن المبشرين من النصارى واليهود وعبدة الشيطان، فهم يتكبدون المعيشة القاسية لأجل تحقيق أغراضهم الدنيوية؛ فكيف بالمسلم لا يتحرك في هذه الدائرة ابتغاء وجه الله ومرضاته في تفعيل المسلمين الذين يعيشون سباتا طويلا، لا يفيقون منه إلا لطلب لقمة العيش وجريا وراء طلب الرزق!!.
خاتمة ومقترحات:
وفي الأخير يمكن القول إنه لا يعقل أن نتحدث عن دور المرأة المسلمة في مواجهة تحديات العولمة، إلا إذا استطاعت أن تحقق نقلة نوعية وجذرية في رؤيتها للأمور، وذلك من خلال التحول:
--------------------------------------------------------------------------------
* ورقة مقدمة إلى المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين: آفاق وتحديات"، كوالالمبور، ماليزيا، وتنشر بإذن خاص من المؤلفة.
** دكتوراه في الفقه وأصوله، محاضرة بكلية الشريعة والقانون، جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا (Kuim).
[i] متفق عليه.
[ii] مالك بن نبي، شروط النهضة، ص 118.
[iii] من توصيات ونتائج فعاليات ملتقى العلماء العالمي، بترا جايا، ماليزيا: 11-12 يوليو 2003، ص4.
[iv] متفق عليه.
[v] رواه أحمد وأبو داود.
[vi] شروط النهضة، ص 115.
[vii] د. رقية بنت محمد المحارب، "المؤسسات النسائية الدعوية"، البيان، السنة 15، العدد150، ص61.