الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فإن الله - عز وجل - قد أمر باجتماع هذه الأمة ونهى عن التنازع قال تعالى : وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، ولن يحصل اجتماع الأمة إلا بالتمسك بالكتاب والسنة ، ولذا أمر الله بالاعتصام بحبل الله المتين .
قال تعالى : وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ، وأمتنا الإسلامية وهي تواجه ما يحف بها من مخاطر متنوعة في أمس الحاجة إلى التمسك بكتاب الله - عز وجل - ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - متوخية في ذلك نهج صحبه الكرام - رضي الله عنهم - ، ولقد وجهنا الله - سبحانه وتعالى - إلى هذا المنهج القويم في كتابه الكريم حيث قال سبحانه : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ .
فاجتماع الأمة ووحدتها وعزها في التزام ذلك الصراط المستقيم الذي سلكه نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصحبه الكرام وعدم الحيد عنه ، وبذلك يحصل رضا رب العالمين والفوز بجنته ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا : كتاب الله وسنتي ) .
وحيث إن النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من الواجبات الشرعية ، وكان من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم كتابة بيان حول ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن بعض المحسوبين على الأمة ، نوضح فيه حقيقة دعواه التي حاول فيها أن يلبس على عموم المسلمين ، ويخدع بها من لا يبصر الأمور ، فقد ادعى ذلك المتكلم أن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية ، هي دولة الإسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلاً في الماضي وهذا من التلبيس ومن الدعاوى الباطلة وذلك لعدة أمور ، منها :
أولاً : أن تسمية تلك الدولة بالفاطمية تسمية كاذبة : أراد بها أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد بين العلماء والمؤرخون في ذلك الزمان كذب تلك الدعوى ، وأن مؤسسها أصله مجوسي ، يدعى : سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح بن ديصان الثنوي الأهوازي ، وسعيد هذا تسمى بعبيد الله عندما أراد إظهار دعوته ونشرها ، ولقب نفسه بالمهدي .
فالنسبة الصحيحة لدولته أن يقال : " العُبيدية " كما ذكر ذلك جملة من العلماء المحققين ، ويظهر من نسب مؤسسها الذي ذكر أنفًا أن انتسابهم إلى آل البيت كذب وزور ، وإنما أظهروا ذلك الانتساب لاستمالة قلوب الناس إليهم .
قال العلامة ابن خلكان في " وفيات الأعيان " : (3/118) : ( والجمهور على عدم صحة نسبهم ، وأنهم كذبة أدعياء لا حظ لهم في النسبة المحمدية أصلاً ) .
وقال الذهبي في " العبر في خبر من غبر " : (2/199) : ( المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق ، وقد ذكر غيرهما من المؤرخين أنه في ربيع الآخر من عام 402 هـ كتب جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والصالحين المحدثين وشهدوا جميعًا أن الحاكم بمصر ، وهو منصور الذي يرجع نسبه إلى سعيد مؤسس الدولة العبيدية لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ، وأن الذي ادعوه إليه باطل وزور وأنهم لا يعلمون أحدًا من أهل بيوتات علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبة ، وأن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة ، معطلون للإسلام جاحدون ، ولمذهب المجوسية والثنوية معتدقون ، قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية ، وكتب سنة اثنتين وأربعمائة ) .
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " : (11/346) : بعد أن نقل هذا ( وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير ) .
ثانيًا : إظهارهم التشيع لآل البيت : هذه الدعوى أظهروها حيلة نزعوا إليها استغلالاً لعواطف المسلمين لعلمهم بمحبة أهل الإسلام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته ، وقد ذكر الغزالي وغيره من العلماء أنهم في الحقيقة باطنيون . انظر " مرآة الجنان " : (3/107) .
وقال النويري : ( وحكى الشريف أبو الحسين محمد بن علي المعروف بأخي محسن في كتابه أن عبد الله بن ميمون كان قد سكن بسباط أبي نوح ، وكان يتستر بالتشيع والعلم ، فلما ظهر عنه ما كان يضمره ويستره من التعطيل والإباحة والمكر والخديعة ثار عليه الناس ، وقد ذكر من الثائرين عليه الشيعة والمعتزلة وغيرهم فهرب إلى البصرة ) . انتهى باختصار .
ثالثًا : حال تلك الدولة وما كانوا عليه : أجمل العلماء حالهم في جملة مشهورة قالها أبو بكر الباقلاني والغزالي وابن تيمية وهي أنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض .
قال الباقلاني عن القداح جد عبيد الله : ( وكان باطنيًا خبيثًا حريصًا على إزالة ملة الإسلام ، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق وجاء أولاده على أسلوبه أباحوا الخمور والفروج وأفسدوا عقائد خلق ) . انظر " تاريخ الإسلام " : (24/23) .
قال أبو الحسن القابسي صاحب " الملخص " الذي قتله عبيد الله ( وبنوه بعده أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب ما بين عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت ) .
قال السيوطي في " تاريخ الخلفاء " : (1/526) : ( ومن جملة ذلك ابتداء الدولة العبيدية ، وناهيك بهم إفسادًا وكفرًا وقتلاً للعلماء والصلحاء ) .
قال الشاطبي المالكي في " الاعتصام " : (2/44) : ( العُبيدية الذين ملكوا مصر وإفريقية زعمت أن الأحكام الشرعية إنما هي خاصة بالعوام ، وأما الخواص منهم فقد ترقوا عن تلك المرتبة فالنساء بإطلاق حلال لهم ، كما أن جميع ما في الكون من رطب ويابس حلال لهم أيضًا مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل ) .
رابعًا : موقف العلماء من تلك الحقبة : كان العلماء يظهرون الشناعة على العبيديين وعلى أفعالهم المشينة ، ومما يبين لنا موقف العلماء ويجمله ما صنعه السيوطي في تاريخه " تاريخ الخلفاء " : ( ص 4 ) حيث قال : ( ولم أورد أحدًا من الخلفاء العبيديين ، لأن خلافتهم غير صحيحة ، وذكر أن جدهم مجوسي ، وإنما سماهم بالفاطميين جهلة العوام ) .
خامسًا : إن مما يتبين لكل أحد بعد الاطلاع على أقوال العلماء والمؤرخين أن هذه الدولة الفاطمية كان لها من الضرر والإضرار بالمسلمين ما يكفي في دفع كل من يرفع لواءها ويدعو بدعوتها ، لذا نجد أن المسلمين في الماضي فرحوا بزوالها على يد الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله تعالى ـ في عام 567 هـ ، فلا يجوز بعد هذا كله أن ندعو الناس إلى الانتساب إلى تلك الدولة العبيدية الضالة ، ومثل هذه الدعوة غش وخيانة للإسلام وأهله ، ونصيحتنا لأئمة المسلمين وعامتهم بالاعتصام بالكتاب والسنة وجمع القلوب عليهما .
يقول النبي - صلى الله عيه وسلم - : ( إن الله يرضى لكم ثلاثًا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) . رواه مسلم .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
صدر في مدينة الرياض 20 ربيع الأول 1428 هـ / الموافق 8 ابريل 2007 م
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
من أعضاء اللجنة الموقعين
د. عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
د. صالح بن فوزان الفوزان
د. سعد بن ناصر الشثري
د. محمد بن حسن آل الشيخ